الملل والنّحل - ج ١

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

الملل والنّحل - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


المحقق: أمير علي مهنا و علي حسن فاعور
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٧

وتلمذ له عمرو (١) بن عبيد ، وزاد عليه في مسائل القدر. وكان عمرو من دعاة يزيد (٢) الناقص أيام بني أميّة ، ثم والى المنصور وقال بإمامته ، ومدحه المنصور يوما ، فقال : نثرت الحب للناس فلقطوا غير عمرو بن عبيد.

والوعيدية من الخوارج ، والمرجئة من الجبرية.

والقدرية ابتدءوا بدعتهم في زمان الحسن ، واعتزل واصل عنهم وعن أستاذه بالقول منه بالمنزلة بين المنزلتين ، فسمي هو وأصحابه معتزلة ، وقد تلمذ له زيد بن عليّ وأخذ الأصول فلذلك صارت الزيدية كلّهم معتزلة ، ومن رفض زيد بن عليّ لأنه خالف مذهب آبائه في الأصول ، وفي التبرّي والتّولّي ؛ وهم من أهل الكوفة ؛ وكانوا جماعة سموا رافضة. ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت أيام المأمون (٣) فخلطت مناهجها بمناهج الكلام ، وأفردتها فنا من فنون العلم ، وسمّتها باسم الكلام ، إمّا لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقاتلوا عليها ، هي مسألة الكلام ، فسمي النوع باسمها. وإمّا لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق ، والمنطق والكلام مترادفان.

* * *

وكان أبو الهذيل (٤) العلاف شيخهم الأكبر ؛ وافق الفلاسفة في أن الباري تعالى عالم بعلم ، وعلمه ذاته ، وكذلك قادر بقدرة ، وقدرته ذاته ، وأبدع بدعا في

__________________

(١) توفي بمران قرب مكة سنة ١٤٤ ه‍ / ٧٦١ م.

(٢) هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، أبو خالد ، يقال له الناقص لأن سلفه الوليد بن يزيد كان قد زاد في أعطيات الجند فلما ولي يزيد نقص الزيادة. توفي سنة ١٢٦ ه‍ / ٧٤٤ م. (راجع اليعقوبي وابن الأثير والطبري).

(٣) هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، سابع الخلفاء من بني العباس في العراق. توفي سنة ٢١٨ ه‍ / ٨٣٣ م. (راجع تاريخ بغداد لابن الخطيب ١٠ : ١٨٣ والمسعودي ٢ : ٢٤٧).

(٤) هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، من أئمة المعتزلة. توفي بسامرا سنة ٢٣٥ ه‍ / ٨٥٠ م. (راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٨٠ ولسان الميزان ٥ : ٤١٣).

٤١

الكلام ، والإرادة ، وأفعال العباد ، والقول بالقدر ، والآجال ، والأرزاق ، كما سيأتي في حكاية مذهبه ، وجرت بينه وبين هشام بن الحكم مناظرات في أحكام التشبيه ، وأبو يعقوب الشحّام والآدمي صاحبا أبي الهذيل وافقاه في ذلك كله.

ثم إبراهيم (١) بن سيار النظام في أيام المعتصم كان غلا في تقرير مذاهب الفلاسفة وانفرد عن السلف ببدع في القدر والرفض ، وعن أصحابه بمسائل نذكرها. ومن أصحابه محمد بن شبيب ، وأبو شمر ، وموسى بن عمران ، والفضل الحدثي ، وأحمد بن خابط. ووافقه الأسواري في جميع ما ذهب إليه من البدع ، وكذلك الإسكافية أصحاب أبي جعفر الإسكافي ، والجعفرية أصحاب الجعفرين جعفر بن مبشر ، وجعفر بن حرب.

ثم ظهرت بدع بشر (٢) بن المعتمر ؛ من القول بالتولّد والإفراط فيه والميل إلى الطبيعيين من الفلاسفة ، والقول بأن الله تعالى قادر على تعذيب الطفل ، وإذا فعل ذلك فهو ظالم ، إلى غير ذلك مما تفرّد به عن أصحابه.

وتلمذ له أبو موسى المردار راهب المعتزلة ، وانفرد عنه بإبطال إعجاز القرآن من جهة الفصاحة والبلاغة ، وفي أيامه جرت أكثر التشديدات على السلف لقولهم بقدم القرآن ، وتلمذ له الجعفران ، وأبو زفر ، ومحمد بن سويد صاحبا المردار ، وأبو جعفر الإسكافي ، وعيسى بن الهيثم صاحبا جعفر بن حرب الأشجّ.

وممن بالغ في القول بالقدر : هشام بن عمرو الفوطي ، والأصمّ من أصحابه ، وقدحا في إمامة عليّ رضي الله عنه بقولهما : إن الإمامة لا تنعقد إلّا بإجماع الأمة

__________________

(١) قال عنه الجاحظ : «الأوائل يقولون في كل ألف سنة رجل لا نظير له فإن صحّ ذلك فأبو إسحاق من أولئك». انفرد بآراء خاصة تابعته فيها فرقة من المعتزلة سميت «النظامية» نسبة إليه. ذكر أن له كتبا كثيرة في الفلسفة والاعتزال. توفي سنة ٢٣١ ه‍ / ٨٤٥ م. (راجع تاريخ بغداد ٦ : ٩٧ وأمالي المرتضى ١ : ١٣٢ واللباب ٣ : ٢٣٠).

(٢) هو أبو سهل ، فقيه معتزلي مناظر ، من أهل الكوفة ، قال الشريف المرتضى : «يقال : إن جميع معتزلة بغداد كانوا من مستجيبيه» له مصنفات في الاعتزال. توفي سنة ٢١٠ ه‍ / ٨٢٥ م. (راجع دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٦٦٠ وطبقات المعتزلة ٥٢).

٤٢

عن بكرة أبيهم والفوطي والأصمّ اتفقا على أن الله تعالى يستحيل أن يكون عالما بالأشياء قبل كونها ، ومنعا كون المعدوم شيئا.

وأبو الحسين الخياط ، وأحمد بن عليّ الشطوي صحبا عيسى الصوفي ، ثم لزما أبا مجالد.

وتلمذ الكعبي (١) لأبي الحسين الخياط ، ومذهبه بعينه مذهبه ، وأمّا معمر بن عبّاد السلمي ، وثمامة بن أشرس النميري ، وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فكانوا في زمان واحد متقاربين في الرأي والاعتقاد ، منفردين عن أصحابهم بمسائل في موضعها نذكرها.

والمتأخرون منهم أبو عليّ الجبّائي (٢) ، وابنه أبو هاشم ، والقاضي عبد الجبّار ، وأبو الحسين البصري ؛ قد لخصوا طرق أصحابهم ، وانفردوا عنهم بمسائل ستأتي.

أمّا رونق الكلام فابتداؤه من الخلفاء العبّاسيين : هارون (٣) ، والمأمون (٤) ، والمعتصم(٥) ، والواثق (٦) ، والمتوكل (٧) ، وانتهاؤه من الصاحب بن عباد وجماعة من الديالمة.

__________________

(١) هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي شيخ من شيوخ المعتزلة. كان رأسا لطائفة منهم سموها الكعبية نسبة إليه. توفي سنة ٣١٩ ه‍. (راجع العبر ٢ : ١٧٦ وشذرات الذهب ٢ : ٢٨١ وابن خلكان ٣٠٦).

(٢) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي : من أئمة المعتزلة ، ورئيس علماء الكلام في عصره. وإليه نسبة الطائفة «الجبائية» له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب. توفي سنة ٣٠٣ ه‍ / ٩١٦ م. (راجع المقريزي ٢ : ٣٤٨ ووفيات الأعيان ١ : ٤٨٠ واللباب ١ : ٢٠٨).

(٣) توفي سنة ١٩٣ ه‍ / ٨٠٩ م. (راجع البداية والنهاية ١٠ : ٢١٣).

(٤) توفي سنة ٢١٨ ه‍ / ٨٣٣ م. (راجع تاريخ بغداد لابن الخطيب ١٠ : ١٨٣).

(٥) توفي سنة ٢٢٧ ه‍ / ٨٤١ م. (راجع ابن الأثير ٦ : ١٤٨ ـ ١٧٩).

(٦) توفي سنة ٢٣٢ ه‍ / ٨٤٧ م. (راجع ابن الأثير ٧ : ١٠).

(٧) توفي سنة ٢٤٧ ه‍ / ٨٦١ م. (راجع ابن الأثير ٧ : ١١ والطبري ١١ : ٢٦).

٤٣

وظهرت جماعة من المعتزلة متوسطين ، مثل ضرّار بن عمرو ، وحفص الفرد ، والحسين النجار ، ومن المتأخرين خالفوا الشيوخ في مسائل ، ونبغ منهم جهم (١) بن صفوان في أيام نصر بن سيار ، وأظهر بدعته في الجبر بترمذ (٢) ، وقتله سالم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية بمرو (٣).

وكانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان اختلافات في الصفات ، وكان السلف يناظرونهم عليها ، لا على قانون كلامي ، بل على قول إقناعي ، ويسمون الصفاتية : فمن مثبت صفات الباري تعالى معاني قائمة بذاته ، ومن مشبه صفاته بصفات الخلق ، وكلّهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنّة ، ويناظرون المعتزلة في قدم العالم على قول ظاهر. وكان عبد الله بن سعيد الكلابي ، وأبو العبّاس القلانسي ، والحارث بن أسد المحاسبي أشبههم إتقانا ، وأمتنهم كلاما ، وجرت مناظرة بين أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، وبين أستاذه أبي عليّ الجبائي في بعض مسائل التحسين والتقبيح ، فألزم الأشعري أستاذه أمورا لم يخرج عنها بجواب فأعرض عنه وانحاز إلى طائفة السلف ونصر مذهبهم على قاعدة كلامية ، فصار ذلك مذهبا منفردا ، وقرّر طريقته جماعة من المحققين مثل القاضي أبي بكر الباقلاني ، والأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني ، والأستاذ أبي بكر بن فورك ، وليس بينهم كثير اختلاف.

ونبغ رجل متنمس (٤) بالزهد من سجستان (٥) يقال له أبو عبد الله (٦) محمد بن

__________________

(١) هو أبو محرز ، من موالي بني راسب : رأس «الجهميّة» هلك في زمان صغار التابعين ، قبض عليه نصر بن سيّار وأمر بقتله فقتل سنة ١٢٨ ه‍ / ٧٤٥ م. (راجع ميزان الاعتدال ١ : ١٩٧ والكامل لابن الأثير حوادث سنة ١٢٨).

(٢) ترمذ : اسم مدينة على نهر جيحون. (راجع معجم البلدان ٢ : ٢٦).

(٣) مرو : أشهر مدن خراسان. (معجم ٥ : ١١٢).

(٤) متنمّس : متستّر ، محتال.

(٥) سجستان : هي ناحية واسعة وولاية كبيرة كان اسم مدينتها زرنج وهي جنوبي هراة. (راجع معجم البلدان ٣ : ١٩٠).

(٦) هو أبو عبد الله السجزي (نسبة إلى سجستان) إمام الكراميّة ، من فرق الابتداع في الإسلام كان يقول ـ

٤٤

كرّام ، قليل العلم ، قد قمش (١) من كل مذهب ضغثا (٢) وأثبته في كتابه ، وروّجه على اغتام (٣) غزنة (٤) ، وغور (٥) ، وسواد (٦) بلاد خراسان ، فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهبا ، وقد نصره محمود (٧) بن سبكتكين السلطان ، وصبّ البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم ، وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج ، وهم مجسّمة ، وحاش غير محمد بن الهيصم (٨) فإنه مقارب.

المقدمة الخامسة

في السبب الذي أوجب ترتيب هذا الكتاب

على طريق الحساب وفيها إشارة إلى مناهج الحساب

لمّا كان مبنى الحساب على الحصر والاختصار ، وكان غرضي من تأليف هذا الكتاب حصر المذاهب مع الاختصار : اخترت طريق الاستيفاء ترتيبا ، وقدرت أغراضي على مناهجه تقسيما وتبويبا. وأردت أن أبيّن كيفية طرق هذا العلم وكمية أقسامه ؛ لئلا يظن بي أني من حيث أنا فقيه ومتكلّم ، أجنبي النظر في مسالكه ومراسمه ، أعجمي القلم بمداركه ومعالمه. فآثرت من طرق الحساب أحكمها وأحسنها ، وأقمت عليه من حجج البرهان أوضحها وأمتنها ، وقدرتها على علم العدد ، وكان الواضع الأوّل منه استمداد المدد.

__________________

ـ بأن الله تعالى مستقرّ على العرش وأنه جوهر. حبسه طاهر بن عبد الله ثم حبسه محمد بن طاهر. توفي في القدس سنة ٢٥٥ ه‍ / ٨٦٩ م. (راجع تذكرة الحفاظ ٢ : ١٠٦ والتاج مادة «كرم»).

(١) قمش من كل مذهب : أخذ رذالته.

(٢) الضغث : الباطل.

(٣) الذين لا يفصحون.

(٤) غزنة : قصبة بلادها زابلستان وكانت منزل بني محمود بن سبكتكين. (راجع معجم البلدان ٤ : ٢٠١).

(٥) غور : ولاية بين هراة وغزنة. (راجع معجم البلدان ٤ : ٢١٨).

(٦) سواد : هي بلاد خراسان الآهلة. (راجع معجم البلدان ٣ : ٢٧٨).

(٧) هو أبو القاسم ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور : فاتح الهند ، وأحد كبار القادة. امتدت سلطته من أقاصي الهند إلى نيسابور وكانت عاصمته «غزنة» بين خراسان والهند وفيها ولادته ووفاته. توفي سنة ٤٢١ ه‍ / ١٠٣٠ م. (راجع ابن الأثير ٩ : ١٣٩ وما قبلها).

(٨) هو شيخ الكرامية ومتكلّمهم. (راجع لسان الميزان ٥ : ٣٥٤).

٤٥

فأقول : مراتب الحساب تبتدئ من واحد ، وتنتهي إلى سبع ، ولا تجاوزها البتة.

* المرتبة الأولى : صدر الحساب وهو الموضوع الأوّل الذي يرد عليه التقسيم الأوّل. وهو فرد لا زوج له باعتبار ، وجملة يقبل التقسيم والتفصيل باعتبار ، فمن حيث إنه فرد فهو لا يستدعي أختا تساويه في الصورة والمدة ، ومن حيث هو جملة فهو قابل للتفصيل حتى ينقسم إلى قسمين ، وصورة المدة يجب أن تكون من الطرف إلى الطرف ، ويكتب تحتها حشوا ، مجملات التفاصيل ، ومرسلات التقدير والتقرير ، والنقل والتحويل وكليات وجوه المجموع ، وحكايات الإلحاق والموضوع ، ويكتب تحتها بارزا من الطرف الأيسر كميات مبالغ المجموع.

* * *

* المرتبة الثانية منها : الأصل ، وشكلها محقق ، وهو التقسيم الأوّل الذي ورد على المجموع الأوّل ، وهو زوج ليس بفرد ، ويجب حصره في قسمين لا يعدوان إلى ثالث ، وصورة المدة يجب أن تكون أقصر من الصدر بقليل ، إذ الجزء أقلّ من الكلّ ، ويكتب تحتها حشوا ما يخصها من التوجيه ، والتنويع ، والتفصيل ، ولها أخت تساويها في المدة وإن لم يجب أن تساويها في المقدار.

* * *

* المرتبة الثالثة من ذلك : الأصل ، وشكله محقق أيضا ، هو التقسيم الثاني الذي ورد على الموضوع الأوّل والثاني ، وذلك لا يجوز أن ينقص عن قسمين ، ولا يجوز أن يزيد على أربعة أقسام ، ومن جاوز من أهل الصنعة فقد أخطأ ، وما علم وضع الحساب ، وسنذكر السبب فيه ، وصورته ومدته أقصر من مدة منها الأصل بقليل ، وكذلك يكتب تحتها ما يليق بها حشوا وبارزا.

* * *

* المرتبة الرابعة منها : المطموس ، وشكلها هكذا «ط» وذلك يجوز أن يجاوز الأربعة ، وأحسن الطرق أن يقتصر على الأقلّ ومدتها أقصر مما مضى.

* * *

٤٦

* المرتبة الخامسة من ذلك : الصغير ، وشكله هكذا «ص» وذلك يجوز إلى حيث ينتهي التقسيم والتبويب ، والمدة أقصر مما مضى.

* * *

* المرتبة السادسة منها : المعوجّ ، وشكله هكذا «،» وذلك أيضا يجوز إلى حيث ينتهي التفصيل.

* * *

* المرتبة السابعة ، من ذلك : المعقد ، وشكله هكذا «لل» ولكن يمد من الطرف إلى الطرف ، لا على أنه صدر الحساب ، بل من حيث إنه النهاية التي تشاكل البداية.

فهذه كيفية صور الحساب نقشا ، وكمية أبوابها جملة ، ولكل قسم من الأبواب أخت تقابله ، وزوج يساويه في المدة لا يجوز إغفال ذلك بحال. والحساب تاريخ وتوجيه.

والآن نذكر كمية هذه الصورة ، وانحصار الأقسام في سبع ، ولم صار العدد الأوّل فردا لا زوج له في الصورة؟ ولم انحصر منها في الأصل في قسمين لا يعدوان إلى ثالث؟ ولم انحصر من ذلك في الأصل في أربعة أقسام؟ ولم خرجت الأقسام الأخر عن الحصر.

فأقول : إن العقلاء الذين تكلّموا في علم العدد والحساب اختلفوا في الواحد : أهو من العدد ، أم هو مبدأ العدد وليس داخلا في العدد؟ وهذا الاختلاف إنما ينشأ من اشتراك لفظ الواحد. فالواحد يطلق ويراد به ما يتركّب منه العدد ، فإن الاثنين لا معنى لها إلّا واحد مكرر أوّل تكرير ، وكذلك الثلاثة والأربعة. ويطلق ويراد به ما يحصل منه العدد ، أي هو علّته ولا يدخل في العدد ، أي لا يتركّب منه العدد.

وقد تلازم الواحدية جميع الأعداد لا على أن العدد تركب منها ، بل كل

٤٧

موجود فهو في جنسه أو نوعه ، أو شخصه واحد ، يقال : إنسان واحد ، وشخص واحد. وفي العدد كذلك ، فإن الثلاثة في أنها ثلاثة واحدة. فالواحدية بالمعنى الأوّل داخلة في العدد، وبالمعنى الثاني علّة العدد ، وبالمعنى الثالث ملازمة العدد ، وليس من الأقسام الثلاثة قسم يطلق على الباري تعالى معناه ، فهو واحد لا كالآحاد : أي هذه الواحدات ، والكثرة منه وجدت ، ويستحيل عليه الانقسام بوجه من وجوه القسمة.

وأكثر أصحاب العدد على أن الواحد لا يدخل في العدد ، فالعدد مصدره الأوّل اثنان ، وهو ينقسم إلى زوج وفرد. فالفرد الأوّل ثلاثة ، والزوج الأوّل أربعة ، وما وراء الأربعة فهو مكرر كالخمسة فإنها مركبة من عدد وفرد ، وتسمى العدد الدائر والستة مركبة من فردين وتسمى العدد التام ، والسبعة مركبة من فرد وزوج ، وتسمى العدد الكامل ؛ والثمانية مركبة من زوجين وهي بداية أخرى وليس ذلك من غرضنا.

فصدر الحساب في مقابلة الواحد الذي هو علّة العدد ، وليس يدخل فيه. ولذلك هو فرد لا أخت له. ولمّا كان العدد مصدره من اثنين ، صار منها المحقق محصورا في قسمين. ولمّا كان العدد منقسما إلى فرد وزوج ، صار من ذلك الأصل محصورا في أربعة. فإن الفرد الأوّل ثلاثة ، والزوج الأوّل أربعة وهي النهاية ، وما عداها مركّب منها. فكان البسائط العامة الكلية في العدد : واحد ، اثنان ، وثلاثة ، وأربعة وهي الكمال. وما زاد عليها فمركبات كلها ولا حصر لها ، فلذلك لا تنحصر الأبواب الأخر في عدد معلوم ، بل تتناهى بما ينتهي به الحساب ، ثم تركيب العدد والمعدود ، وتقدير البسيط على المركّب فمن علم آخر. وسنذكر ذلك عند ذكرنا مذاهب قدماء الفلاسفة.

فإذا نجزت المقدمات على أوفى تقرير وأحسن تحرير ، شرعنا في ذكر مقالات أهل العالم من لدن آدم عليه‌السلام إلى يومنا هذا ، لعله لا يشذ من أقسامها مذهب.

٤٨

ونكتب تحت كل باب وقسم ما يليق به ذكرا ، حتى يعرف لم وضع ذلك اللفظ لذلك الباب. ونكتب تحت ذكر الفرقة المذكورة ما يعمّ أصنافها مذهبا واعتقادا ، وتحت كل صنف ما خصه وانفرد به عن أصحابه.

ونستوفي أقسام الفرق الإسلامية ثلاثا وسبعين فرقة ، ونقتصر في أقسام الفرق الخارجة عن الملّة الحنيفيّة على ما هو أجدر بالتأخير.

وشرط الصناعة الحسابية أن يكتب بإزاء المحدود من الخطوط ما يكتب حشوا. وشرط الصناعة الكتابية أن تترك الحواشي على الرسم المعهود عفوا. فراعيت شرط الصناعتين ، ومددت الأبواب على شرط الحساب ، وتركت الحواشي على رسم الكتاب وبالله أستعين ، وعليه أتوكل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مذاهب أهل العالم

من أرباب الديانات والملل وأهل الأهواء والنحل

من الفرق الإسلامية وغيرهم ممن له كتاب منزل محقق ، مثل : اليهود ، والنصارى ، وممن له شبه كتاب مثل : المجوس والمانوية (١). وممن له حدود وأحكام دون كتاب مثل : الفلاسفة الأولى ، والدهرية ، وعبدة الكواكب والأوثان ، والبراهمة. نذكر أربابها وأصحابها وننقل مآخذها ومصادرها عن كتب طائفة طائفة ؛ على موجب إصلاحاتها بعد الوقوف على مناهجها ، والفحص الشديد عن مبادئها وعواقبها.

ثم إن التقسيم الصحيح الدائر بين النفي والإثبات هو قولنا : إن أهل العالم انقسموا من حيث المذاهب إلى : أهل الديانات ، وإلى أهل الأهواء ، فإن الإنسان إذا اعتقد عقدا أو قال قولا ، فإما أن يكون فيه مستفيدا من غيره ، أو مستبدا برأيه. فالمستفيد من غيره مسلم مطيع ، والدين هو الطاعة. والمسلم المطيع فهو المتدين.

__________________

(١) هم أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور. أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية. كان يقول بنبوّة المسيح عليه‌السلام ولا يقول بنبوة موسى عليه‌السلام.

٤٩

والمستبد برأيه محدث مبتدع. وفي الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام : «ما شقي امرؤ عن مشورة ، ولا سعد باستبداد برأي» وربّما يكون المستفيد من غيره مقلدا قد وجد مذهبا اتفاقيا بأن كان أبواه أو معلمه على اعتقاد باطل فيتقلد منه دون أن يتفكر في حقه وباطله ، وصواب القول فيه وخطئه ، فحينئذ لا يكون مستفيدا ، لأن ما حصل على فائدة وعلم ، ولا اتبع الأستاذ على بصيرة ويقين (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١) شرط عظيم فليعتبر.

وربما يكون المستبد برأيه مستنبطا مما استفاده على شرط أن يعلم موضع الاستنباط وكيفيته ، فحينئذ لا يكون مستبدا حقيقة ، لأنه حصل العلم بقوّة تلك الفائدة (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٢) ركن عظيم ، فلا تغفل.

فالمستبدون بالرأي مطلقا هم المنكرون للنبوات مثل الفلاسفة ، والصابئة ، والبراهمة وهم لا يقولون بشرائع وأحكام أمرية ، بل يضعون حدودا عقلية حتى يمكنهم التعايش عليها.

والمستفيدون هم القائلون بالنبوات.

ومن كان قال بالأحكام الشرعية فقد قال بالحدود العقلية ، ولا ينعكس.

تمهيد

أرباب الديانات والملل

من المسلمين ، وأهل الكتاب ، وممن له شبهة كتاب

نتكلم هاهنا في معنى الدين ، والملّة ، والشريعة ، والمنهاج والإسلام ، والحنيفيّة ، والسنّة ، والجماعة. فإنها عبارات وردت في التنزيل ، ولكل واحدة منها معنى يخصها وحقيقة توافقها لغة واصطلاحا. وقد بينا معنى الدين أنه الطاعة والانقياد. وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٣) ، وقد يرد بمعنى

__________________

(١) سورة الزخرف : الآية ٨٦ ، وتمامها : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

(٢) سورة النساء : الآية ٨٣.

(٣) سورة آل عمران : الآية ١٩.

٥٠

الجزاء ، يقال : «كما تدين تدان» أي كما تفعل تجازى. وقد يرد بمعنى الحساب يوم المعاد والتناد ، قال الله تعالى : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (١) ، فالمتدين هو المسلم المطيع المقرّ بالجزاء والحساب يوم التناد والمعاد ، قال الله تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢).

ولمّا كان نوع الإنسان محتاجا إلى اجتماع مع آخر بني جنسه في إقامة معاشه ، والاستعداد لمعاده ، ؛ وذلك الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع والتعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو أهله ، ويحصل بالتعاون ما ليس له ، فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي الملّة. والطريق الخاص الذي يوصل إلى هذه الهيئة هو المنهاج ، والشرعة ، والسّنّة. والاتفاق على تلك السنة هي الجماعة ، قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٣).

ولن يتصوّر وضع الملّة ، وشرع الشرعة إلّا بواضع شارع يكون مخصوصا من عند الله بآيات تدلّ على صدقه ، وربما تكون الآية مضمنة في نفس الدعوى. وقد تكون ملازمة وربما تكون متأخرة.

ثم علم أن الملّة الكبرى هي ملة إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وهي الحنيفية التي تقابل الصبوة(٤) تقابل التضادّ. وسنذكر كيفية ذلك إن شاء الله تعالى ، قال الله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٥).

والشريعة ابتدأت من نوح عليه‌السلام. قال الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) (٦) ، والحدود والأحكام ابتدأت من آدم ، وشيث ، وإدريس عليهم

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٣٦ ، وتمامها : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

(٢) سورة المائدة : الآية ٣.

(٣) سورة المائدة : الآية ٤٨.

(٤) الصبوة : أي الميل عن الحق. وهي جهلة الفتوة.

(٥) سورة الحج : الآية ٧٨.

(٦) سورة الشورى : الآية ١٣.

٥١

السلام. وختمت الشرائع والملل والمناهج والسنن بأكملها وأتمها حسنا وجمالا بمحمد عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١).

وقد قيل : خص آدم بالأسماء ، وخص نوح بمعاني تلك الأسماء ، وخصّ إبراهيم بالجمع بينهما ، ثم خصّ موسى بالتنزيل ، وخصّ عيسى بالتأويل ، وخصّ المصطفى ، صلوات الله عليهم أجمعين ، بالجمع بينهما على ملّة أبيكم إبراهيم.

ثم كيفية التقرير الأوّل ، والتكميل بالتقرير الثاني بحيث يكون مصدقا كل واحد ما بين يديه من الشرائع الماضية ، والسنن السالفة ؛ تقديرا للأمر على الخلق ، وتوفيقا للدين على الفطرة. فمن خاصية النبوّة : لا يشاركهم فيها غيرهم. وقد قيل إن الله عزوجل أسّس دينه على مثال خلقه ليستدل بخلقه على دينه ، وبدينه على خلقه.

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٣.

٥٢

الباب الأوّل

المسلمون

١ ـ قد ذكرنا معنى الإسلام ، ونفرق هاهنا بينه وبين الإيمان والإحسان. ونبيّن ما المبدأ ، وما الوسط ، وما الكمال بالخبر المعروف في دعوة جبريل عليه‌السلام حيث جاء على صورة أعرابيّ وجلس حتى ألصق ركبته بركبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «يا رسول الله ، ما الإسلام؟ فقال : أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، وأن تقيم الصّلاة ، وتؤتي الزّكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال : صدقت. ثمّ قال : ما الإيمان؟ قال عليه الصّلاة والسّلام : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشرّه. قال : صدقت. ثمّ قال : ما الإحسان؟ قال عليه الصّلاة والسّلام : أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. قال : صدقت. ثمّ قال : متى السّاعة؟ قال عليه الصّلاة والسّلام : ما المسئول عنها بأعلم من السّائل ، ثمّ قام وخرج ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا جبريل جاءكم يعلّمكم أمر دينكم».

ففرّق في التفسير بين الإسلام والإيمان. والإسلام قد يرد بمعنى الاستسلام ظاهرا ، ويشترك فيه المؤمن والمنافق. قال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١) ففرق التنزيل بينهما.

فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهرا موضع الاشتراك ، فهو المبدأ. ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدّق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويقر عقدا بأن القدر خيره وشره من الله تعالى ؛ بمعنى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ١٤.

٥٣

وما أخطأه لم يكن ليصيبه ؛ كان مؤمنا حقا. ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق ، وقرن المجاهدة بالمشاهدة ، وصار غيبه شهادة ؛ فهو الكمال. فكان الإسلام مبدأ ، والإيمان وسطا. والإحسان كمالا ، وعلى هذا شمل لفظ المسلمين : الناجي والهالك.

وقد يرد الإسلام وقرينه الإحسان ، قال الله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (١) وعليه يحمل قوله تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢) ، وقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٣) ، وقوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٤) ، وقوله : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٥) ، وعلى هذا خصّ الإسلام بالفرقة الناجية ، والله أعلم.

٢ ـ أهل الأصول المختلفون في : التوحيد ، والعدل ، والوعد ، والوعيد ، والسّمع ، والعقل.

نتكلّم هاهنا في معنى الأصول والفروع ، وسائر الكلمات.

قال بعض المتكلمين : الأصول : معرفة الباري تعالى بوحدانيته وصفاته ، ومعرفة الرسل بآياتهم وبيّناتهم. وبالجملة : كل مسألة يتعين الحق فيها بين المتخاصمين فهي من الأصول : ومن المعلوم أن الدين إذا كان منقسما إلى معرفة وطاعة ، والمعرفة أصل والطاعة فرع ، فمن تكلّم في المعرفة والتوحيد كان أصوليا ، ومن تكلّم في الطاعة والشريعة كان فروعيا. فالأصول هو موضوع علم الكلام ، والفروع هو موضوع علم الفقه ، وقال بعض العقلاء : كل ما هو معقول ، ويتوصل إليه بالنظر والاستدلال ؛ فهو من الأصول. وكل ما هو مظنون أو يتوصل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروع.

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١١٢ ، وتمامها : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

(٢) سورة المائدة : الآية ٣.

(٣) سورة آل عمران : الآية ١٩.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٣١.

(٥) سورة البقرة : الآية ١٣٢ ، وتمامها : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

٥٤

وأمّا التوحيد فقد قال أهل السنّة ، وجميع الصفاتية (١) : إن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم (٢) له. وواحد في صفاته الأزلية لا نظير له ، وواحد في أفعاله لا شريك له.

وقال أهل العدل : إن الله تعالى واحد في ذاته ، لا قسمة ولا صفة له ، وواحد في أفعاله لا شريك له. فلا قديم غير ذاته ، ولا قسيم له في أفعاله. ومحال وجود قديمين ، ومقدور بين قادرين ، وذلك هو التوحيد.

وأمّا العدل فعلى مذهب أهل السنّة أن الله تعالى عدل في أفعاله ، بمعنى أنه متصرف في ملكه وملكه ، بفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فالعدل : وضع الشيء موضعه ، وهو التصرّف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم ، والظلم بضده ، فلا يتصوّر منه جور في الحكم وظلم في التصرّف. وعلى مذهب أهل الاعتزال : العدل ما يقتضيه العقل من الحكمة ؛ وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة.

وأمّا الوعد والوعيد فقد قال أهل السنة : الوعد والوعيد كلامه الأزلي. وعد على ما أمر ، وأوعد على ما نهى. فكل من نجا واستوجب الثواب فبوعده ، وكل من هلك واستوجب العقاب فبوعيده ، فلا يجب عليه شيء من قضية العقل.

وقال أهل العدل : لا كلام في الأزل ، وإنما أمر ونهى ، ووعد وأوعد بكلام محدث ، فمن نجا فبفعله استحق الثواب ، ومن خسر فبفعله استوجب العقاب ، والعقل من حيث الحكمة يقتضي ذلك.

وأمّا السمع والعقل ، فقد قال أهل السنّة : الواجبات كلها بالسمع ، والمعارف كلها بالعقل. فالعقل لا يحسن ولا يقبح ، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف ، أي لا يوجد المعرفة ، بل يوجب.

__________________

(١) هم جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزليّة ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل. ولما كانت المعتزلة تنفي الصفات والسلف يثبتون ، سمي السلف صفاتية والمعتزلة معطلة.

(٢) لا قسيم له : لا شريك له. وقسيم المرء : الذي يقاسمه أرضا أو مالا.

٥٥

وقال أهل العدل : المعارف كلها معقولة بالعقل ، واجبة بنظر العقل ، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع ، والحسن والقبح صفتان ذاتيّتان للحسن والقبيح.

فهذه القواعد هي المسائل التي تكلّم فيها أهل الأصول وسنذكر مذهب كل طائفة مفصلا إن شاء الله تعالى. ولكل علم موضوع ومسائل نذكرهما بأقصى الإمكان إن شاء الله تعالى.

٣ ـ المعتزلة وغيرهم من الجبرية ، والصفاتية ، والمختلطة منهم.

الفريقان من المعتزلة والصفاتية متقابلان تقابل التضادّ ، وكذلك القدرية والجبريّة ، والمرجئة والوعيدية ، والشيعة والخوارج. وهذا التضادّ بين كل فريق وفريق كان حاصلا في كل زمان ، ولكل فرقة مقالة على حيالها ، وكتب صنفوها ، ودولة عاونتهم ، وصولة طاوعتهم.

الفصل الأوّل

المعتزلة

ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ، ويلقّبون بالقدرية (١) ، والعدلية (٢). وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركا ، وقالوا : لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى ، احترازا من وصمة اللقب ، إذ كان الذم به متفقا عليه لقول النبي عليه الصلاة والسلام : «القدريّة مجوس هذه الأمّة» ، وكانت الصفاتية تعارضهم بالاتفاق ، على أن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل التضادّ ؛ فكيف يطلق لفظ الضدّ على الضدّ؟ وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : «القدريّة خصماء الله في القدر» والخصومة في القدر ، وانقسام الخير والشر على فعل الله وفعل العبد لن يتصوّر على مذهب من يقول بالتسليم والتوكل ، وإحالة الأحوال كلها على القدر المحتوم ، والحكم المحكوم والذي يعمّ طائفة المعتزلة من الاعتقاد.

__________________

(١) لقولهم بقول جهم في إنكار القدر.

(٢) لقولهم بعدل الله وحكمته. ويسمون (الموحدة) لقولهم : (لا قديم مع الله) ، ويسمون أيضا (الجهمية) لقولهم برأيه في الصفات ، والمعتزلة هم أصحاب واصل بن عطاء.

٥٦

القول بأن الله تعالى قديم ، والقدم أخصّ وصف ذاته. ونفوا الصفات القديمة (١) أصلا ، فقالوا : هو عالم بذاته ، قادر بذاته ، حي بذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة. هي صفات قديمة ، ومعان قائمة به ؛ لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخصّ الوصف لشاركته في الإلهية.

واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محلّ. وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه. فإن ما وجد في المحل عرض قد فني في الحال.

* واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته ، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ، ومحامل معانيها كما سيأتي.

* واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار ، ونفي التشبيه عنه من كل وجه : جهة ، ومكانا ، وصورة ، وجسما ، وتحيزا ، وانتقالا ، وزوالا ، وتغيرا ، وتأثرا. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها. وسموا هذا النمط : توحيدا.

* واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها. مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة. والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شرّ وظلم ، وفعل هو كفر ومعصية ، لأنه لو خلق الظلم لكان ظالما ، كما لو خلق العدل لكان عادلا.

* واتفقوا على أنّ الله تعالى لا يفعل إلّا الصلاح والخير ، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد ، وأمّا الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف. وسمّوا هذا النمط : عدلا.

* واتفقوا على أنّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة ، استحق الثواب والعوض. والتفضل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة

__________________

(١) راجع البيروني ص ١٣ في حديثه حول هذا الموضوع ، وفيه لبعض مفكري الهنود أن «له العلو التام في القدرة لا المكان فإنه يجل عن التمكن ، وهو الخير المحض التام الذي يشتاقه كل موجود ، وهو العلم الخالص عن دنس السهو والجهل ... وإذ ليس للأمور الإلهية بالزمان اتصال فالله سبحانه عالم متكلم في الأزل ... وعلمه على حاله في الأزل. وإذ لم يجهل قط فذاته عالمة لم تكتسب علما لم يكن له».

ومن آراء فلاسفة اليونان في الذات والصفات ، قول أنباذقليس بأن «الباري تعالى يعلم هويته فقط ، وهو العلم المحض. وهو الإرادة المحضة ، وهو الجود والعزة والقدرة والعدل والخير والحق ، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء : بل هي : هو ، وهو : هذه كلها».

٥٧

ارتكبها ، استحق الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار. وسمّوا هذا النمط : وعدا ووعيدا.

* واتفقوا على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء عليهم‌السلام امتحانا واختبارا (١) (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ

__________________

(١) ومن الأمور التي أجمعوا عليها والتي ذكرها عبد القاهر في «الفرق بين الفرق» ص ١١٤ ـ ١١٥ : «قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات ... وأنه ليس لله عزوجل في أكسابهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع وتقدير ولأجل هذا القول سمّاهم المسلمون قدرية».

«ومنها اتفاقهم على دعواهم في الفاسق من أمّة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين ، وهي أنه فاسق ، لا مؤمن ولا كافر ولأجل هذا سمّاهم المسلمون «معتزلة» لاعتزالهم قول الأمة بأسرها.

وللإفادة ، رأينا أن نذكر هنا ما أجمع عليه المعتزلة على لسان عالمين من علمائهم وهما : أبو الحسين الخيّاط في كتابه «الانتصار» ص ٥ ، والمهدي الدين أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه «المنية والأمل» ص ٦. يقول الخياط : «أما جملة قول المعتزلة الذي يشتمل على جماعتها ، فليس يمكنك عيبه ، ولا الطعن فيه ، ما كنت مظهرا لدين الإسلام [يقصد بهذا أحمد بن يحيى بن إسحاق الروندي صاحب كتاب «فضيحة المعتزلة» الذي ألّف في الردّ عليه الخيّاط كتابه «الانتصار» ويقال إن كتاب «الفرق بين الفرق» للبغدادي مقتبس من كتاب ابن الروندي هذا] ، لأن الأمة بأسرها تصدق المعتزلة في أصولها التي تعتقدها وتدين بها وهو أن الله واحد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [سورة الشورى : الآية ١١](لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [سورة الأنعام : الآية ١٠٢] ولا تحيط به الأقطار ، وأنه لا يحول ولا يزول ولا يتغيّر ولا ينتقل وأنه (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) [سورة الحديد : الآية ٣] وأنه (فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [سورة الزخرف : الآية ٨٤] وأنه (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [سورة المجادلة : الآية ٧] وأنه القديم وما سواه محدث ، وأنه العدل في قضائه ، الرحيم بخلقه ، الناظر لعباده ، وأنه لا يحب الفساد (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [سورة الزمر : الآية ٧] ولا يريد ظلما للعالمين ، وأن خير الخلق أطوعهم له ، وأنه الصادق في أخباره ، الموفي بوعده ووعيده ، وأن الجنّة دار المتقين والنار دار الفاسقين».

أما المرتضى فيقول : «وأما ما أجمعوا عليه فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثا ، قديما ، قادرا عالما ، حيا لا لمعان ، ليس بجسم ، ولا عرض ، ولا جوهر ، غنيا ، واحدا ، لا يدرك بحاسة ، عدلا ، حكيما ، لا يفعل القبيح ، ولا يريده ، كلف تعريضا للثواب ومكن من الفعل ، وزاح العلة ، ولا بدّ من الجزاء. ـ

٥٨

بَيِّنَةٍ) (١).

* واختلفوا في الإمامة ، والقول فيها نصا ، واختيارا ، كما سيأتي عند مقالة كل طائفة (٢).

والآن نذكر ما يختص بطائفة من المقالة التي تميّزت بها عن أصحابها.

١ ـ الواصليّة

أصحاب أبي حذيفة وأصل بن عطاء الغزّال (٣) الألثغ (٤). كان تلميذا للحسن البصري (٥) يقرأ عليه العلوم والأخبار. وكانا في أيام عبد الملك بن مروان (٦) ، وهشام

__________________

ـ وعلى وجوب البعثة حيث حسنت ، ولا بدّ للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شرع جديد ، أو إحياء مندرس ، أو فائدة لم تحصل من غيره. وأن آخر الأنبياء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن معجزة له. وأن الإيمان قول ، ومعرفة وعمل. وأن المؤمن من أهل الجنة. وعلى المنزلة بين المنزلتين ، وهو أن الفاسق لا يسمّى مؤمنا ولا كافرا [هناك طائفة منهم ترى ما يراه المرجئة في الإيمان ، وهو أن العمل ليس جزءا منه ، كما أنها ترى أن الفاسق ليس في منزلة بين الإيمان والكفر بل هو مؤمن] وأجمعوا على أن فعل العبد غير مخلوق فيه. وأجمعوا على تولى الصحابة [ولكنهم اختلفوا في عثمان بعد الأحداث] وأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

(١) سورة الأنفال : الآية ٤٢.

(٢) لقد امتازت المعتزلة من بين فرق المتكلّمين بحرية الرأي ، والاعتماد على العقل ، وعدم التقيّد بنصوص القرآن والحديث ، ممّا كان له الأثر العظيم في كثرة اختلافاتهم. ولهذا يعاني من يكتب عنهم مشاق عظيمة في أن يجعل لهم مذهبا موحّدا مجمعا عليه منهم. وكأن الجدل والخلاف في الرأي ، هو الأصل الذي قام عليه مذهب هذه الفرقة ، وإنك لتدهش حين تريد أن تعرف عندهم مسألة من المسائل الكلامية من كثرة الاختلافات التي تراها عندهم.

(٣) لم يكن غزّالا ، وإنما لقب به لتردّده على سوق الغزالين بالبصرة. (راجع بشأن هذه الفرقة : الفرق بين الفرق ص ١١٧ والتبصير ص ٤٠).

(٤) كان يلثغ بالراء فيجعلها غينا فتجنّب الراء في خطابه وضرب به المثل في ذلك. وكانت تأتيه الرسائل وفيها الراءات فإذا قرأها أبدل كلمات الراء منها بغيرها حتى في آيات من القرآن. ومن أقوال الشعراء في ذلك ، لأحدهم:

أجعلت وصلي الراء ، لم تنطق به

وقطعتني حتى كأنك واصل ..

ولأبي محمد الخازن في مدح الصاحب بن عباد :

نعم ، تجنّب لا ، يوم العطاء كما

تجنّب ابن عطاء لفظة الراء

(٥) تقدمت ترجمته.

(٦) انتقلت إليه الخلافة سنة ٦٥ ه‍.

٥٩

ابن عبد الملك (١) وبالمغرب الآن منهم شرذمة قليلة في بلد إدريس (٢) بن عبد الله الحسني الذي خرج بالمغرب. في أيام أبي جعفر المنصور (٣).

ويقال لهم الواصلية ، واعتزالهم يدور على أربع قواعد :

* القاعدة الأولى : القول بنفي صفات الباري تعالى ؛ من العلم والقدرة ، والإرادة ، والحياة ، وكانت هذه المقالة في بدئها غير نضيجة. وكان واصل بن عطاء يشرع فيها على قول ظاهر ، وهو الاتفاق على استحالة وجود إلهين قديمين أزليين. قال : ومن أثبت معنى صفة قديمة فقد أثبت إلهين.

وإنما شرعت أصحابه فيها بعد مطالعة كتب الفلاسفة. وانتهى نظرهم فيها إلى ردّ جميع الصفات إلى كونه : عالما قادرا. ثم الحكم بأنهما صفتان ذاتيتان هما : اعتباران للذات القديمة كما قال الجبّائي (٤) أو حالان كما قال أبو هشام (٥).

وميل أبي الحسن البصري إلى ردهما إلى صفة واحدة وهي العالمية ، وذلك عين مذهب الفلاسفة ، وسنذكر تفصيل ذلك.

وكان السلف يخالف في ذلك إذ وجدوا الصفات مذكورة في الكتاب والسنّة.

* * *

__________________

(١) بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد سنة ١٠٥ ه‍.

(٢) هو إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب توفي سنة ١٧٧ ه‍ / ٧٩٣ م : مؤسس دولة الأدارسة في المغرب. وهو أول من دخل المغرب من الطالبيين ، ومن نسله الباقي إلى الآن في المغرب شرفاء العلم (العلميون) والشرفاء الوزانيون ، والريسيون ، والشبيهيون ، والطاهريون الجوطيون ، والعمرانيون ، والتونسيون (أهل دار القيطون) والطالبيون ، والغالبيون ، والدباغيون ، والكتانيون ، والشفشاويون ، والودغيريون ، والدرقاويون ، والزركاريون. (راجع الاستقصاء ١ : ٦٧ وابن خلدون ٤ : ١٢ وفيه : وفاته سنة ١٧٥ ه‍).

(٣) ولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة ١٣٦ ه‍.

(٤) تقدمت ترجمته.

(٥) هو ابن الجبائي واسمه عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان ، وبناء على هذا يكون أبو هاشم ووالده الجبائي قد نسلا من فرع أصله مولى من الموالي. توفي في رجب سنة ٣٠١ ه‍. ببغداد. (راجع تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب ت ٤٦٣ ه‍ ١١ : ٥٥).

٦٠