الملل والنّحل - ج ١

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

الملل والنّحل - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


المحقق: أمير علي مهنا و علي حسن فاعور
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٧

ينصرون مذهبهم ، ويذبون عن أصحاب مقالاتهم وبينهم خلاف في كيفية إطلاق اسم الإلهية على الأئمة من أهل البيت ، قالوا : ظهور الروحاني بالجسد الجسماني أمر لا ينكره عاقل ، أما في جانب الخير فكظهور جبريل عليه‌السلام ببعض الأشخاص ، والتصور بصورة أعرابي ، والتمثل بصورة البشر ، وأما في جانب الشر فكظهور الشيطان بصورة إنسان حتى يعمل الشر بصورته ، وظهور الجن بصورة بشر حتى يتكلم بلسانه ، فكذلك نقول : إن الله تعالى ظهر بصورة أشخاص.

ولما لم يكن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شخص أفضل من علي رضي الله عنه وبعده أولاده المخصوصون ، وهم خير البرية ، فظهر الحق بصورتهم ، ونطق بلسانهم ، وأخذ بأيديهم ، فعن هذا أطلقنا اسم الإلهية عليهم ، وإنما أثبتنا هذا الاختصاص لعلي رضي الله عنه دون غيره ، لأنه كان مخصوصا بتأييد إلهي من عند الله تعالى فيما يتعلق بباطن الأسرار ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا أحكم بالظّاهر والله يتولّى السّرائر» وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقتال المنافقين إلى عليّ رضي الله عنه ، وعن هذا شبهه بعيسى ابن مريم عليه‌السلام. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا أن يقول النّاس فيك ما قالوا في عيسى ابن مريم عليه‌السلام لقلت فيك مقالا».

وربما أثبتوا له شركة في الرسالة ، إذ قال النبي عليه الصلاة والسلام : «فيكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله ، ألا وهو خاصف النّعل» فعلم التأويل ، وقتال المنافقين ومكالمة الجن ، وقلع باب خيبر لا بقوة جسدانية من أول الدليل على أن فيه جزءا إلهيا ، وقوة ربانية. ويكون هو الذي ظهر الإله بصورته ، وخلق بيديه ، وأمر بلسانه ، وعن هذا قالوا : كان موجودا قبل خلق السموات والأرض.

قال : كنا أظلة عن يمين العرش فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ، فتلك الظلال ، وتلك الصور التي تنبئ عن الظلال : هي حقيقته ، وهي مشرفة بنور الرب تعالى إشراقا لا ينفصل عنها ، سواء كانت في هذا العالم ، أو في ذلك العالم ، وعن هذا قال علي رضي الله عنه : أنا من أحمد كالضوء من الضوء ، يعني لا فرق بين النورين

٢٢١

إلا أن أحدهما سابق ، والثاني لاحق به ، تال له. قالوا : وهذا يدل على نوع من الشركة.

فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء الإلهي.

والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة في النبوة.

ولهم اختلافات كثيرة أخرى لا نذكرها.

* * *

وقد نجزت الفرق الإسلامية ، وما بقيت إلا فرقة الباطنية ؛ وقد أوردهم أصحاب التصانيف في كتب المقالات ، إما خارجة عن الفرق ، وإما داخلة فيها ، وبالجملة هم قوم يخالفون الاثنتين والسبعين فرقة.

* * *

رجال الشيعة ومصنّفو كتبهم من المحدثين :

فمن الزيدية أبو خالد (١) الواسطي ، ومنصور (٢) بن الأسود ، وهارون (٣) بن سعد العجلي ، جارودية.

ووكيع (٤) بن الجراح ، ويحيى (٥) بن آدم ، وعبيد الله (٦) بن موسى ،

__________________

(١) هو أبو خالد بن عمرو بن خالد الواسطي من مشايخ الشيعة ومتكلمي الزيدية. له كتاب في الفقه وأصوله. (فهرست ابن النديم ص ٢٥٣ وص ٣٠٨).

(٢) يقال اسم أبيه حازم. كان تاجرا كثير الحديث ذكره ابن سعد في الطبقة السادسة. (تهذيب التهذيب ١٠ : ٣٠٥ وفهرست ابن النديم ص ٣٥٢).

(٣) هارون بن سعد العجلي ويقال الجعفي ، الكوفي الأعور ، صالح ليس به بأس. ذكره ابن حيان في الضعفاء وقال كان غاليا في الرفض. (تهذيب التهذيب ١١ : ٦).

(٤) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي الحافظ. كان مطبوع الحفظ. وكان صديقا لحفص بن غياث. وكان يفتي بقول أبي حنيفة. (تهذيب التهذيب ١١ : ١٢٠).

(٥) يحيى بن آدم بن سليمان الأموي مولى آل أبي معيط ، أبو زكريا الكوفي. ثقة كثير الحديث. كان جامعا للعلم ثبتا في الحديث توفي سنة ٢٠٣ ه‍. (تهذيب التهذيب ١١ : ١٧٥).

(٦) عبيد الله بن موسى بن أبي المختار واسمه باذان العبسي مولاهم الكوفي. صدوق ثقة حسن الحديث كان عالما بالقرآن رأسا فيه مفرطا في التشيّع. توفي سنة ٢١٣ ه‍. (تهذيب التهذيب ٧ : ٥٠).

٢٢٢

وعليّ (١) بن صالح ، والفضل (٢) بن دكين ، وأبو حنيفة ، بتريّة.

وخرج محمد (٣) بن عجلان مع محمد الإمام.

وخرج إبراهيم بن سعيد (٤) ، وعباد بن عوام ، ويزيد (٥) بن هارون ، والعلاء (٦) بن راشد ، وهشيم (٧) بن بشير ، والعوام (٨) بن حوشب ، ومستلم (٩) بن سعيد مع إبراهيم الإمام.

ومن الإمامية وسائر أصناف الشيعة ، سالم (١٠) بن أبي الجعد ، وسالم (١١) بن

__________________

(١) علي بن صالح بن صالح بن حي الهمذاني أبو محمد ويقال أبو الحسن الكوفي ، أخو الحسن بن صالح وهما توأمان. من عبّاد الكوفة قليل الحديث. مات سنة ١٥٤ ه‍. (تهذيب التهذيب ٧ : ٣٣٢).

(٢) الفضل بن دكين وهو لقب واسمه عمرو بن حماد التيمي أبو نعيم الملائي الكوفي الأحول. روى عنه ابن المبارك وابن حنبل. توفي سنة ٢١٨ ه‍. (تهذيب التهذيب ٨ : ٢٧٠).

(٣) محمد بن عجلان المدني القرشي ، أبو عبد الله. كان عابدا ناسكا فقيها وكانت له حلقة في المسجد وكان يفتي مات سنة ١٤٨ ه‍. (تهذيب التهذيب ٩ : ٣٤١).

(٤) في ابن الأثير : الذي أجاب إبراهيم ، منهم عباد بن العوام ، وجماعة من الفقهاء وأهل العلم. (ابن الأثير ٥ : ٢٢٧).

(٥) يزيد بن هارون بن وادي ويقال زاذان بن ثابت السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي أحد الأعلام الحفاظ. صحيح الحديث كثير العبادة كفّ بصره في آخر عمره توفي سنة ٢٠٦ ه‍. (تهذيب التهذيب ١١ : ٣٦٦).

(٦) هو العلاء بن رزين القلّاء الثقفي كان يقلي السويق. ثقة. (تهذيب التهذيب ١١ : ٣٦٦).

(٧) هشيم بن بشير السلمي أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي. ثقة ، حافظا. توفي سنة ١٨٣ ه‍. (تهذيب التهذيب ١١ : ٥٩).

(٨) العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني الربعي أبو عيسى الواسطي. ثقة صاحب سنة ، ثبت ، صالح.

كان أبوه صاحب شرطة الحجاج. توفي سنة ١٤٨ ه‍. (تهذيب التهذيب ٨ : ١٦٣).

(٩) مستلم بن سعيد الثقفي الواسطي العابد. ثقة من أهل واسط قليل الحديث. كان لا يشرب إلّا في كل جمعة ، مكث أربعين سنة لا يضع جنبه على الأرض. (تهذيب التهذيب ١٠ : ١٠٤).

(١٠) سالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي مولاهم الكوفي. ثقة تابعي كثير الحديث. توفي سنة ١٠٠ ه‍.

(تهذيب التهذيب ٣ : ٤٣٢).

(١١) سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس الكوفي. قليل الحديث ، من عتق الشيعة. توفي قريبا من سنة ١٤٠ ه‍. (تهذيب التهذيب ٣ : ٤٣٣).

٢٢٣

أبي حفصة ، وسلمة (١) بن كهيل ، وثوير (٢) بن أبي فاختة ، وحبيب (٣) بن أبي ثابت ، وأبو المقدام (٤) ، وشعبة (٥) والأعمش (٦) ، وجابر الجعفي (٧) ، وأبو عبد الله الجدلي (٨) ، وأبو إسحاق السبيعي (٩) ، والمغيرة (١٠) ، وطاوس (١١) والشعبي (١٢) ، ...

__________________

(١) سلمة بن كهيل الحضرمي التنعي ، أبو يحيى الكوفي ، تابعي ، ثقة ثبت في الحديث كثيره. توفي سنة ١٢١ ه‍. (تهذيب التهذيب ٤ : ١٥٥).

(٢) ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة الهاشمي أبو الجهم الكوفي ، مولى أم هانئ وقيل مولى زوجها جعدة. كان رافضيا. روى عنه الأعمش والثوري. ضعّفه جماعة. (تهذيب التهذيب ٢ : ٣٦).

(٣) حبيب بن أبي ثابت ، قيس بن دينار ، ويقال قيس بن هند ، ويقال قيس بن هند ، وقيل إن اسم أبي ثابت هند الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي. ثبت في الحديث توفي سنة ١١٩ ه‍. (تهذيب التهذيب ٢ : ١٧٨).

(٤) هو هشام بن زياد بن أبي زيد القرشي أبو المقدام البصري ، أخذ عنه وكيع وابن المبارك. ضعّفه أحمد ويعقوب بن سفيان. (تهذيب التهذيب ١١ : ٣٨ وميزان الاعتدال ٣ : ٢٥٣).

(٥) هو شعبة بن الحجاج العتكي الأزدي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ، قال الشافعي : لو لا شعبة ما عرف الحديث بالعراق توفي سنة ١٦٠ ه‍. (تهذيب التهذيب ٤ : ٣٣٨).

(٦) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم ، أبو محمد الكوفي الأعمش. قال العجلي : كان ثقة ثبتا في الحديث وكان محدث أهل الكوفة في زمانه توفي سنة ١٤٥ ه‍. (تهذيب التهذيب ٤ : ٢٢٢).

(٧) هو جابر بن يزيد الجعفي أبو عبد الله ، ويقال أبو زيد الكوفي قال شعبة : كان جابر إذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس. قيل إنه كان يؤمن بالرجعة. توفي سنة ١٢٨ ه‍. (تهذيب التهذيب ٢ : ٤٦).

(٨) أبو عبد الله الجدلي الكوفي اسمه عبد بن عبد وقيل عبد الرحمن بن عبد ، تابعي ، ثقة كان شديد التشيّع. قيل إنه كان على شرطة المختار وأخرج محمد بن الحنفية من محبسه. (تهذيب التهذيب ١٢ : ١٤٨).

(٩) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد ويقال علي ويقال ابن أبي شعيرة أو إسحاق السبيعي الكوفي ، تابعي ، ثقة من أثبت الناس مات سنة ١٢٦ ه‍. (تهذيب التهذيب ٨ : ٦٣).

(١٠) هو المغيرة بن سعيد البجلي ، أبو عبد الله الكوفي الرافضي الكذاب. (سبقت ترجمته).

(١١) هو طاوس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري الجندي من أبناء الفرس أحد الأعلام التابعين.

كان من عباد أهل اليمن مات نيف ومائة. (تهذيب التهذيب ٥ : ٨).

(١٢) هو عامر بن شراحيل بن عبد وقيل عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي الحميري أبو عمر الكوفي من شعب همذان. قال الطبري في طبقات الفقهاء كان ذا أدب وفقه وعلم. توفي سنة ١٠٩ ه‍. (تهذيب التهذيب ٥ : ٦٥).

٢٢٤

وعلقمة (١) ، وهبيرة (٢) بن بريم ، وحبة (٣) العرني ، والحارث (٤) الأعور.

ومن مؤلفي كتبهم : هشام (٥) بن الحكم ، وعلي (٦) بن منصور ، ويونس (٧) بن عبد الرحمن ، والشكال (٨) ، والفضل (٩) بن شاذان ، والحسين (١٠) بن إشكاب ، ومحمد (١١) بن عبد الرحمن بن قبة ، وأبو سهل النوبختي (١٢) ، وأحمد بن يحيى ...

__________________

(١) هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي. ولد في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان ثقة من أهل الخف. كان أشبه الناس هديا وسمتا ودلا بابن مسعود. توفي سنة ٦٢ ه‍. (تهذيب التهذيب ٧ : ٢٧٦).

(٢) هبيرة بن بريم الشيباني ويقال الخارفي ، أبو الحارث الكوفي. قال أحمد : لا بأس بحديثه وكان مختاريا توفي سنة ٦٦ ه‍. (تهذيب التهذيب ١١ : ٢٣).

(٣) حبة بن جوين العرني البجلي أبو قدامة الكوفي ، كان يتشيّع وليس هو بمتروك ولا ثبت. توفي سنة ٧٦ ه‍. (تهذيب التهذيب ٢ : ١٧٦).

(٤) الحارث بن عبد الله الأعور الهمذاني الخارفي ، أبو زهير الكوفي ويقال الحارث بن عبيد الحوتي وحوت بطن من همدان كان زيفا كذابا لا يحتج بحديثه. كان أحسب الناس. توفي سنة ٦٥ ه‍. (تهذيب التهذيب ٢ : ١٤٥).

(٥) هشام بن الحكم. له كتاب الإمامة ، وكتاب في الحكمين ، وكتاب الردّ على أرسطو. توفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة وقيل في خلافة المأمون. (فهرست الطوسي ص ١٧٤).

(٦) علي بن منصور ، من مشايخ الرافضة ومتكلميهم وهو إمامي المذهب ومن نظار الشيعة ومن أصحاب هشام بن الحكم. (الانتصار ص ٦ و ١٧٨).

(٧) يونس بن عبد الرحمن. تقدمت ترجمته.

(٨) الشكال ، صاحب هشام بن الحكم وخالفه في الأشياء إلّا في أصل الإمامة. له كتاب المعرفة وكتاب الاستطاعة وكتاب الإمامة وغيرها. (فهرست ابن النديم ص ٢٥٠).

(٩) الفضل بن شاذان النيسابوري. فقيه متكلم جليل القدر له كتاب الفرائض الكبير ، والصغير ، وكتاب الإيمان وغيرها من الكتب الكثيرة توفي سنة ٢٦٠ ه‍. (فهرست الطوسي ص ١٢٤).

(١٠) الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زعلان العامري أبو علي البغدادي الملقّب بإشكاب. وهو والد محمد وعلي ابني أشكاب وهو من أبناء أهل خراسان من أهل نسا. كان يقرئ الحديث والفقه. مات سنة ٢١٦ ه‍ في خلافة المأمون. (تاريخ بغداد ٨ : ١٧).

(١١) محمد بن قبة الرازي يكنى أبا جعفر من متكلمي الإمامية ، له كتب في الإمامة منها كتاب الإنصاف وكتاب التعريف على الزيدية وغيرها. (فهرست الطوسي ص ١٢).

(١٢) إسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل كان شيخ المتكلمين من الشيعة ببغداد صنف كتبا كثيرة منها كتاب الاستيفاء في الإمامة وكتاب الردّ على اليهود وكتاب الرد على الغلاة وغيرها كثير. توفي سنة ٣١١ ه‍.

(فهرست الطوسي ص ١٢).

٢٢٥

الراوندي (١). ومن المتأخرين : أبو جعفر الطوسي (٢).

٥ ـ الإسماعيلية

قد ذكرنا أن الإسماعيلية امتازت عن الموسوية وعن الاثني عشرية بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وهو ابنه الأكبر المنصوص عليه في بدء الأمر.

قالوا : ولم يتزوج الصادق رضي الله عنه على أمة بواحدة من النساء ، ولا تسرّى بجارية كسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حق خديجة رضي الله عنها ، وكسنّة عليّ رضي الله عنه في حق فاطمة رضي الله عنها.

وقد ذكرنا اختلافاتهم في موته في حال حياة أبيه :

فمنهم من قال إنه مات ، وإنما فائدة النص عليه انتقال الإمامة منه إلى أولاده خاصة كما نص موسى على هارون عليهما‌السلام ثم مات هارون في حال حياة أخيه ، وإنما فائدة النص انتقال الإمامة منه إلى أولاده. فإن النص لا يرجع قهقرى ، والقول بالبداء محال. ولا ينص الإمام على واحد من أولاده إلا بعد السماع من آبائه. والتعيين لا يجوز على الإبهام والجهالة.

ومنهم من قال : إنه لم يمت ، ولكنه أظهر موته تقية عليه حتى لا يقصد بالقتل ، ولهذا القول دلالات : منها أن محمدا كان صغيرا ، وهو أخوه لأمه ؛ مضى إلى السرير الذي كان إسماعيل نائما عليه ورفع الملاءة فأبصره وقد فتح عينيه فعاد إلى أبيه مفزعا وقال : عاش أخي ، عاش أخي. قال والده : إن أولاد الرسول عليه الصلاة والسلام كذا تكون حالهم في الآخرة. قالوا : ومنها السبب في الإشهاد على

__________________

(١) أبو الحسين أحمد بن يحيى الراوندي العالم المشهور. له مقالة في علم الكلام له نحو مائة وأربعة عشر كتابا منها : كتاب فضيحة المعتزلة وكتاب التاج وكتاب الزمرّد وغير ذلك توفي سنة ٢٤٥ ه‍. وعمره أربعون سنة. (ابن خلكان ص ٣٣).

(٢) محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة أخذ عن ابن النعمان وطبقته. له مصنفات كثيرة في الكلام على مذهب الإمامية أحرقت كتبه بمحضر من الناس في رحبة جامع النصر. مات بمشهد سنة ٤٦٠ ه‍. (لسان الميزان ٥ : ١٣٥).

٢٢٦

موته وكتب المحضر عنه ولم نعهد ميتا سجل على موته. وعن هذا لما رفع إلى المنصور أن إسماعيل بن جعفر رؤي بالبصرة وقد مرّ على مقعد فدعا له فبرئ بإذن الله تعالى ، بعث المنصور إلى الصادق أن إسماعيل بن جعفر في الأحياء ، وأنه رؤي بالبصرة ، أنفذ السجل إليه ، وعليه شهادة عامله بالمدينة.

قالوا : وبعد إسماعيل محمد بن إسماعيل السابع التام ، وإنما تم دور السبعة به. ثم ابتدئ منه بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد سرا ، ويظهرون الدعاة جهرا.

قالوا : ولن تخلو الأرض قط من إمام حي قائم ، إما ظاهر مكشوف ، وإما باطن مستور ، فإذا كان الإمام ظاهرا جاز أن يكون حجته مستورا. وإذا كان الإمام مستورا فلا بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين.

وقالوا : إن الأئمة تدور أحكامهم على سبعة (١) سبعة كأيام الأسبوع ، والسموات السبع ، والكواكب السبعة. والنقباء (٢) تدور أحكامهم على اثني عشر (٣).

__________________

(١) جاء في «عقائد آل محمد» ص ٢٢ ما يلي : «ولهذا يلقبون بالسبعيّة ، إذ أنهم يذهبون إلى أن أدوار الإمامة سبعة ، ويزعمون أن دور الإمامة انتهى إلى إسماعيل بن جعفر إذ كان هو السابع ، من محمد وأدوار الإمامة سبعة ، وأن السابع آخر الدور ، وهو نبي نسخ بشريعته ، شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والدور انقضى بإسماعيل بن جعفر وابتدأ محمد بن إسماعيل الدور الثاني ، وذهبوا إلى أن الدور تمّ بسبعة بعد الناطق وهو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم فابتدءوه بالأساس ، وهو وصيّة ، يعني عليا ، ثم من القائمين بعد الأساس. فمتى انقضى هذا الدور تلاه دور آخر ، فيه ناطق ناسخ لشريعة من قبله وأساس ، وبعده أئمة ، ثم كذلك إلى ما لا انقضاء له ولا نهاية ودليل الأسابيع عندهم ما قالوا أن السموات سبع ، والكواكب السيارة سبعة والأرضين سبع والأيام سبعة وأعضاء الإنسان سبعة والنقب في الرأس سبع إلى غير ذلك ... وقالت السبعية أن العالم السفلي تدبره الكواكب السبعة».

(٢) النقيب كالعريف على القوم ، المقدم عليهم ، الذي يتعرّف أخبارهم وينقّب عن أحوالهم أي يفتش ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جعل ليلة العقبة كل واحد من الجماعة الذين بايعوه بها نقيبا على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الإسلام ويعرفوهم شرائطه. (اللسان مادة نقب).

(٣) المعروف عند المسلمين أن النقباء الاثني عشر هم :

١ ـ أسعد بن زرارة بن عدس أبو أمامة.

٢ ـ البراء بن معرور. ـ

٢٢٧

قالوا : وعن هذا وقعت الشبهة للإمامية القطعية حيث قرروا عدد النقباء للأئمة.

ثم بعد الأئمة المستورين كان ظهور المهدي بالله ، والقائم بأمر الله وأولادهم نصا بعد نص ، على إمام بعد إمام.

ومن مذهبهم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية.

ولهم دعوة في كل زمان ، ومقالة ، جديدة بكل لسان ، فنذكر مقالاتهم القديمة ونذكر بعدها دعوة صاحب الدعوة الجديدة. وأشهر ألقابهم الباطنية.

٦ ـ الباطنية (١)

وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا ، ولكل تنزيل تأويلا.

ولهم ألقاب كثيرة سوى هذه على لسان قوم قوم :

__________________

ـ ٣ ـ عبد الله بن عمرو بن حزام.

٤ ـ سعد بن عبادة.

٥ ـ المنذر بن عمرو.

٦ ـ رافع بن مالك بن عجلان.

٧ ـ عبد الله بن رواحة.

٨ ـ سعد بن الربيع.

٩ ـ عبادة بن الصامت من بني عوف بن الخزرج.

١٠ ـ أسيد بن خضير.

١١ ـ أبو هيثم بن التيهان.

١٢ ـ أسعد بن خيثمة.

(راجع دلائل النبوة للبيهقي ، دار الكتب العلمية ٢ : ٤٤٨).

(١) الباطنية والإمامية والغلاة ، مختلطة بعضها ببعض. فكل متشيع وغال وخارج عن نهج المسلمين.

نشأ مذهبهم في منتصف القرن الثالث ، وضعه قوم أسرب في قلوبهم بغض الدين وكراهية النبي الكريم ، من الفلاسفة والملاحدة والمجوس واليهود ليصرفوا الناس عن دين الله وكانوا يبعثون دعاتهم إلى الآفاق لدعوة الناس إلى مذهبهم المشئوم. ومن دعاتهم ميمون بن ديصان القدّاح الثنوي ، فظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر ...». (راجع عقائد آل محمد ص ٣ ـ ٨٢ والتبصير ص ٨٦).

٢٢٨

فبالعراق يسمون : الباطنيّة والقرامطة ، والمزدكية.

وبخراسان : التعليمية ، والملحدة.

وهم يقولون نحن الإسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم ، وهذا الشخص.

ثم إن الباطنيّة القديمة قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة ، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج ، فقالوا في الباري تعالى : إنا لا نقول : هو موجود ، ولا لا موجود ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا قادر ولا عاجز.

وكذلك في جميع الصفات ، فإن الإثبات الحقيقي يقتضي شركة بينه وبين سائر الموجودات في الجهة التي أطلقنا عليه ، وذلك تشبيه ، فلم يكن الحكم بالإثبات المطلق والنفي المطلق ، بل هو إله المتقابلين وخالق المتخاصمين ، والحاكم بين المتضادين. ونقلوا في هذا نصّا عن محمد بن علي الباقر أنه قال : «لما وهب العلم للعالمين قيل هو عالم ، ولما وهب القدرة للقادرين قيل هو قادر ، فهو عالم قادر بمعنى أنه وهب العلم والقدرة ؛ لا بمعنى أنه قام به العلم والقدرة ، أو وصف بالعلم والقدرة».

فقيل فيهم إنهم نفاة الصفات حقيقة ، معطلة الذات عن جميع الصفات.

قالوا : وكذلك نقول في القدم : إنه ليس بقديم ولا محدث ، بل القديم : أمره ، وكلمته ، والمحدث : خلقه وفطرته.

أبدع بالأمر العقل الأول الذي هو تام بالفعل ، ثم بتوسطه أبدع النفس التالي الذي هو غير تام. ونسبة النفس إلى العقل إما نسبة النطفة إلى تمام الخلقة ، والبيض إلى الطير وإما نسبة الولد إلى الوالد ، والنتيجة إلى المنتج ، وإما نسبة الأنثى إلى الذكر ، والزوج إلى الزوج. قالوا : ولما اشتاقت النفس إلى كمال العقل احتاجت إلى حركة من النقص إلى الكمال ، واحتاجت الحركة إلى آلة الحركة ، فحدثت الأفلاك السماوية وتحركت حركة دورية بتدبير النفس ، وحدثت الطبائع البسيطة بعدها ،

٢٢٩

وتحركت حركة استقامة بتدبير النفس أيضا ، فتركبت المركبات من المعادن ، والنبات ، والحيوان ، والإنسان ، واتصلت النفوس الجزئية بالأبدان ، وكان نوع الإنسان متميزا عن سائر الموجودات بالاستعداد الخاص لفيض تلك الأنوار ، وكان عالمه في مقابلة العالم كله.

وفي العالم العلوي عقل ، ونفس كلي ، فوجب أن يكون في هذا المقام عقل مشخص هو كل. وحكمه حكم الشخص الكامل البالغ ، ويسمونه الناطق ، وهو النبي ، ونفس مشخصة ، وهو كل أيضا ؛ وحكمه حكم الطفل الناقص المتوجه إلى الكمال ، أو حكم النطفة المتوجهة إلى التمام ، أو حكم الأنثى المزدوجة بالذكر ، ويسمونه الأساس ، وهو الوصي.

قالوا : وكما تحركت الأفلاك والطبائع بتحريك النفس والعقل ، كذلك تحركت النفوس والأشخاص بالشرائع بتحريك النبي والوصي في كل زمان دائرا على سبعة سبعة حتى ينتهي إلى الدور الأخير ، ويدخل زمان القيامة ، وترتفع التكاليف ، وتضمحل السنن والشرائع.

وإنما هذه الحركات الفلكية والسنن الشرعية لتبلغ النفس إلى حال كمالها ، وكمالها بلوغها إلى درجة العقل واتحادها به ، ووصولها إلى مرتبته فعلا ؛ وذلك هو القيامة الكبرى فتنحل تراكيب الأفلاك والعناصر والمركبات ، وتنشق السماء وتتناثر الكواكب ، وتبدل الأرض غير الأرض وتطوى السماء كطيّ السجل للكتاب المرقوم ، وفيه يحاسب الخلق ويتميز الخير من الشر ، والمطيع عن العاصي ، وتتصل جزئيات الحق بالنفس الكلي وجزئيات الباطل بالشيطان المضل المبطل. فمن وقت الحركة إلى وقت السكون هو المبدأ ومن وقت السكون إلى ما لا نهاية له هو الكمال.

ثم قالوا : ما من فريضة وسنّة وحكم من الأحكام الشرعية : من بيع وإجارة وهبة ونكاح وطلاق وجراح وقصاص ودية إلا وله وزان من العالم : عددا في مقابلة عدد ، وحكما في مطابقة حكم ، فإن الشرائع عوالم روحانية أمرية. والعوالم شرائع جسمانية

٢٣٠

خلقية وكذلك التركيبات في الحروف والكلمات على وزان التركيبات في الصور والأجسام ، والحروف المفردة نسبتها إلى المركبات من الكلمات كالبسائط المجردة إلى المركبات من الأجسام. ولكل حرف وزان في العالم ، وطبيعة يخصها ، وتأثير من حيث تلك الخاصية في النفوس.

فعن هذا صارت العلوم المستفادة من الكلمات التعليمية غذاء للنفوس ، كما صارت الأغذية المستفادة من الطبائع الخلقية غذاء للأبدان. وقد قدر الله تعالى أن يكون غذاء كل موجود مما خلق منه. فعلى هذا الوزان وصاروا إلى ذكر أعداد الكلمات والآيات ، وأن التسمية مركبة من سبعة واثني عشر. وأن التهليل مركب من أربع كلمات في إحدى الشهادتين ، وثلاث كلمات في الشهادة الثانية. وسبع قطع في الأولى ، وست في الثانية ، واثني عشر حرفا في الأولى ، واثني عشر حرفا في الثانية. وكذلك في آية أمكنهم استخراج ذلك مما لا يعمل العاقل فكرته فيه إلا ويعجم عن ذلك خوفا من مقابلته بضده. وهذه المقابلات كانت طريقة أسلافهم ؛ قد صنفوا فيها كتبا ، ودعوا الناس إلى إمام في كل زمان يعرف موازنات هذه العلوم ، ويهتدي إلى مدارج هذه الأوضاع والرسوم.

ثم إن أصحاب الدعوة الجديدة تنكبوا هذه الطريقة حين أظهر الحسن (١) بن محمد بن الصباح دعوته ، وقصر على الإلزامات كلمته ، واستظهر بالرجال ، وتحصن بالقلاع.

وكان بدء صعوده على قلعة (٢) الموت في شهر شعبان سنة ثلاث وثمانين

__________________

(١) قال عنه ابن الأثير (١٠ : ١١٨) : «إنه من كبار الزنادقة ، وهو الحسن بن الصباح الإسماعيلي الملقب بالعباد صاحب الدعوة النزارية ، ومن دهاة العالم. كان رجلا شهما عالما بالهندسة والحساب والنجوم والسحر. وكان الحسن من جملة تلامذة ابن عطاش الطبيب الذي ملك قلعة أصبهان. دخل على المستنصر في مصر فأكرمه وأعطاه مالا. كان قوي المشاركة في الفلسفة كثير المكر والحيل بعيد الغور. مات سنة ٥١٨ ه‍. (راجع أيضا لسان الميزان ٢ : ٢١٤ وابن الأثير ١٠ : ١٩٩).

(٢) قلعة الموت : هي من نواحي قزوين. قيل إن ملكا من ملوك الديلم كان كثير التصيّد فأرسل يوما عقابا وتبعه فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة فوجده موضعا حصينا فأمر ببناء قلعة عليه فسماها إله ـ

٢٣١

وأربعمائة ؛ وذلك بعد أن هاجر إلى بلاد إمامه. وتلقى منه كيفية الدعوى لأبناء زمانه ، فعاد ودعا الناس أول دعوة إلى تعيين إمام صادق قائم في كل زمان ، وتمييز الفرقة الناجية (١) عن سائر الفرق بهذه النكتة وهي : أن لهم إماما ، وليس لغيرهم إمام. وإنما تعود خلاصة كلامه بعد ترديد القول فيه عودا على بدء بالعربية والعجمية إلى هذا الحرف.

ونحن ننقل ما كتبه بالعجمية إلى العربية ، ولا معاب على الناقل ، والموقف من اتبع الحق ، واجتنب الباطل ، والله الموفق والمعين.

فنبدأ بالفصول الأربعة التي ابتدأ بها دعوته ، وكتبها عجمية فعربتها :

الأول : قال : للمفتي في معرفة الله تعالى أحد قولين : إما أن يقول أعرف الباري تعالى بمجرد العقل والنظر من احتياج إلى تعليم معلم. وإما أن يقول : لا طريق إلى المعرفة مع العقل والنظر إلا بتعليم معلم. قال : ومن أفتى بالأول فليس له الإنكار على عقل غيره ونظره. فإنه متى أنكر فقد علم ، والإنكار تعليم ، ودليل على أن المنكر عليه محتاج إلى غيره. قال : والقسمان ضروريان ؛ لأن الإنسان إذا أفتى بفتوى ، أو قال قولا ، فإما أن يعتقده من نفسه ، أو من غيره.

هذا هو الفصل الأول ، وهو كسر (٢) على أصحاب الرأي والعقل.

__________________

ـ موت ومعناها بلسان الديلم تعليم العقاب. ويقال لذلك الموقع وما يجاوره طالقان وفيها قلاع حصينة أشهرها الموت وكانت هذه النواحي في ضمان شرفشاه الجعفري وقد استئاب فيها رجلا علويا فيه بله وسلامة صدر. وكان الحسن بن الصباح قد اتهمه أبو مسلم صهر نظام الملك بدخول جماعة من دعاة المصريين ، فهرب منه خوفا على نفسه فاستقرّ به المطاف إلى قلعة الموت فلما رآها واختبر أهل تلك النواحي أقام عندهم وطمع في إغوائهم ودعاهم في السرّ وأظهر الزهد ولبس المسح فتبعه أكثرهم والعلوي قد أحسن الظن به فقر به وأخذ يتبرّك به فلما أحكم الحسن أمره أخرج العلوي من القلعة واستولى عليها. (راجع ابن الأثير ١٠ : ١١٧).

(١) «إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ذكر افتراق أمته بعده ثلاثا وسبعين فرقة ، وأخبر أن فرقة واحدة منها ناجية ، سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها فأشار إلى الذين هم على ما عليه هو وأصحابه. ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غير أهل السنّة والجماعة من فقهاء الأمة ...».

(راجع الفرق بين الفرق ص ٣١٨).

(٢) نقول : كسر عليه ، وكسر فلان على طرفه : أي غضّ منه. (اللسان مادة كسر).

٢٣٢

وذكر في الفصل الثاني : أنه إذا ثبت الاحتياج إلى معلم ، أفيصلح كل معلم على الإطلاق ، أم لا بد من معلم صادق؟ قال : ومن قال إنه يصلح كل معلم ما ساغ له الإنكار على معلم خصمه. وإذا أنكر فقد سلم أنه لا بد من معلم صادق معتمد.

قيل : وهذا كسر على أصحاب الحديث.

وذكر في الفصل الثالث : أنه إذا ثبت الاحتياج إلى معلم صادق ، أفلا بد من معرفة المعلم أولا والظفر به ، ثم التعلم منه؟ أم جاز التعلم من كل معلم من غير تعيين شخصه ، وتبيين صدقه؟ والثاني رجوع إلى الأول. ومن لم يمكنه سلوك الطريق إلا بمقدم ورفيق ، فالرفيق ثم الطريق ، وهو كسر على الشيعة.

وذكر في الفصل الرابع : أن الناس فرقتان ؛ فرقة قالت نحن نحتاج في معرفة الباري تعالى إلى معلم صادق ، ويجب تعيينه وتشخيصه أولا ، ثم التعلم منه ، وفرقة أخذت في كل علم من معلم وغير معلم ، وقد تبين بالمقدمات السابقة أن الحق مع الفرقة الأولى فرئيسهم يجب أن يكون رئيس المحقين ، وإذ تبين أن الباطل مع الفرقة الثانية فرؤساؤهم يجب أن يكونوا رؤساء المبطلين.

قال : وهذه الطريقة هي التي عرفنا بها المحق بالحق معرفة مجملة. ثم نعرف بعد ذلك الحق بالمحق معرفة مفصلة حتى لا يلزم دوران المسائل ، وإنما عني بالحق هاهنا : الاحتياج ، وبالمحق : المحتاج إليه ، وقال : بالاحتياج عرفنا الإمام ، وبالإمام عرفنا مقادير الاحتياج ، كما بالجواز عرفنا الوجوب ، أي واجب الوجود ، وبه عرفنا مقادير الجواز في الجائزات.

قال : والطريق إلى التوحيد كذلك ، حذو القذة بالقذة (١).

ثم ذكر فصولا في تقرير مذهبه إما تمهيدا ، وإما كسرا على المذاهب ، وأكثرها كسر وإلزام واستدلال بالاختلاف على البطلان ، وبالاتفاق على الحق.

__________________

(١) القذة : ريشة السهم وجمعه قذذ.

٢٣٣

منها فصل «الحق والباطل» الصغير ، والكبير. يذكر أن في العالم حقا وباطلا. ثم يذكر أن علامة الحق هي الوحدة ، وعلامة الباطل هي الكثرة ، وأن الوحدة مع التعليم ، والكثرة مع الرأي ، والتعليم مع الجماعة ، والجماعة مع الإمام ، والرأي مع الفرق المختلفة ، وهي مع رؤسائهم.

وجعل الحق والباطل ، والتشابه بينهما من وجه ، والتمايز بينهما من وجه ، والتضاد في الطرفين ، والترتب في أحد الطرفين ، ميزانا يزن به جميع ما يتكلم فيه ، قال : وإنما. أنشأت هذا الميزان من كلمة الشهادة ، وتركيبها من النفي والإثبات ، أو النفي والاستثناء. قال : فما هو مستحق النفي باطل ، وما هو مستحق الإثبات حق ، ووزن بذلك الخير والشر ، والصدق والكذب ، وسائر المتضادات ، ونكتته أن يرجع في كل مقالة وكلمة إلى إثبات المعلم ، وأن التوحيد هو التوحيد والنبوة معا ، حتى يكون توحيدا ، وأن النبوة هي النبوة والإمامة معا حتى تكون نبوة ، وهذا هو منتهى كلامه.

وقد منع العوام عن الخوض في العلوم ، وكذلك الخواص عن مطالعة الكتب المتقدمة إلا من عرف كيفية الحال في كل كتاب ، ودرجة الرجال في كل علم.

ولم يتعد بأصحابه في الإلهيات عن قوله : إن إلهنا إله محمد. وأنتم تقولون : إلهنا إله العقول ، أي : ما هدى إليه عقل كل عاقل ، فإن قيل لواحد منهم : ما تقول في الباري تعالى؟ وأنه هل هو واحد أم كثير؟ عالم أو لا؟ قادر أم لا؟ لم يجب إلا بهذا القدر : إن إلهي إله محمد و (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (١).

والرسول هو الهادي إليه.

وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة فلم يتخطوا عن قولهم : أفنحتاج إليك؟ أو نسمع هذا منك؟ أو نتعلم عنك؟.

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٣٣.

٢٣٤

وكم قد ساهلت القوم في الاحتياج ، وقلت : أين المحتاج إليه؟ وأي شيء يقرره لي في الإلهيات؟ وما ذا يرسم لي في المعقولات؟ إذ المعلم لا يعني لعينه ، وإنما يعني ليعلم. وقد سددتم باب العلم ، وفتحتم باب التسليم والتقليد ، وليس يرضى عاقل بأن يعتقد مذهبا على غير بصيرة ، وأن يسلك طريقا من غير بينة.

وإن كانت مبادئ الكلام تحكيمات ، وعواقبها تسليمات (١) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ* ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢).

الفصل السابع

أهل الفروع

المختلفون في الأحكام الشرعية ، والمسائل الاجتهادية (٣).

(أ) اعلم أن أصول الاجتهاد وأركانه أربعة : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والقياس. وربما تعود إلى اثنين.

وإنما تلقوا صحة هذه الأركان وانحصارها من إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وتلقوا أصل الاجتهاد والقياس وجوازه منهم أيضا ؛ فإن العلم قد حصل بالتواتر أنهم إذا وقعت لهم حادثة شرعية ، من حلال أو حرام ، فزعوا إلى الاجتهاد ، وابتدءوا بكتاب الله

__________________

(١) راجع قواعد عقائد آل محمد ص ٩٧.

(٢) سورة النساء : الآية ٦٥.

(٣) الاجتهاد في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقّة. وأما في اصطلاح الأصوليين فمخصوص باستفراغ الوسع في طلب العلم بشيء من الأحكام الشرعية ، على وجه يحسّ من نفسه بالعجز عن المزيد فيه وللاجتهاد ، أحكامه ، فمنها الواجب العيني ، ومنها الواجب الكفائي. ويجب أن تتوفر في المجتهد شروط فمنها العدالة وهذا شرط لجواز الاعتماد على فتواه ومنها أن يكون ملما عالما عارفا محيطا بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها ووجوه دلالاتها على مدلولاتها واختلاف مراتبها عارفا جهات ترجيحها عند تعارضها متمكنا من استشارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره عارفا كيفية استثمار الأحكام منها قادرا على تحريرها وتقريرها ، ومدارك الأحكام وأدلّتها التفصيلية هي الكتاب والسنّة والإجماع والقياس.

٢٣٥

تعالى. فإن وجدوا فيه نصا أو ظاهرا تمسكوا به ، وأجروا حكم الحادثة على مقتضاه. وإن لم يجدوا فيه نصا أو ظاهرا فزعوا إلى السنّة. فإن روى لهم في ذلك خبر أخذوا به ، ونزلوا على حكمه. وإن لم يجدوا الخبر فزعوا إلى الاجتهاد. فكانت أركان الاجتهاد عندهم اثنين أو ثلاثة. ولنا بعدهم : أربعة ؛ إذ وجب علينا الأخذ بمقتضى إجماعهم واتفاقهم ، والجري على مناهج اجتهادهم.

وربما كان إجماعهم على حادثة إجماعا اجتهاديا ، وربما كان إجماعا مطلقا لم يصرح فيه باجتهاد ، وعلى الوجهين جميعا ، فالإجماع حجة شرعية لإجماعهم على التمسك بالإجماع. ونحن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم الذين هم الأئمة الراشدون لا يجتمعون على ضلال. وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة».

ولكن الإجماع لا يخلو عن نص خفي أو جلي قد اختصه ، لأنا على القطع نعلم أن الصدر الأول لا يجمعون على أمر إلا عن تثبت وتوقيف ، فإما أن يكون ذلك النص في نفس الحادثة التي اتفقوا على حكمها من غير بيان ما يستند إليه حكمها ، وإما أن يكون النص في الإجماع حجة ، ومخالفة الإجماع بدعة.

وبالجملة مستند الإجماع نص خفيّ أو جليّ لا محالة ، وإلا فيؤدي إلى إثبات الأحكام المرسلة ، ومستند الاجتهاد والقياس هو : الإجماع وهو أيضا مستند إلى نص مخصوص في جواز الاجتهاد ، فرجعت الأصول الأربعة في الحقيقة إلى اثنين ، وربما ترجع إلى واحد ، وهو قول الله تعالى.

وبالجملة نعلم قطعا ويقينا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعا أيضا أنه لم يرد في كل حادثة نص ، ولا يتصور ذلك أيضا. والنصوص إذا كانت متناهية ، والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد.

٢٣٦

ثم لا يجوز أن يكون الاجتهاد مرسلا خارجا عن ضبط الشرع ؛ فإن القياس المرسل شرع آخر وإثبات حكم من غير مستند وضع آخر. والشارع هو الواضع للأحكام ؛ فيجب على المجتهد أن لا يعدل في اجتهاده عن هذه الأركان.

(ب) وشرائط الاجتهاد خمسة : معرفة قدر صالح من اللغة بحيث يمكنه فهم لغات العرب ، والتمييز بين الألفاظ الوضعية والاستعارية ، والنص ، والظاهر ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمفصل ، وفحوى الخطاب ، ومفهوم الكلام. وما يدل على مفهومه بالمطابقة ، وما يدل بالتضمن ، وما يدل بالاستتباع ، فإن هذه المعرفة كالآلة التي بها يحصل الشيء ، ومن لم يحكم الآلة والأداة لم يصل إلى تمام الصنعة.

ثم معرفة تفسير القرآن ؛ خصوصا ما يتعلق بالأحكام ، وما ورد من الأخبار في معاني الآيات ، وما رؤي من الصحابة المعتبرين : كيف سلكوا مناهجها؟ وأي معنى فهموا من مدارجها؟ ولو جهل تفسير سائر الآيات التي تتعلق بالمواعظ والقصص ؛ قيل لم يضره ذلك في الاجتهاد ، فإن من الصحابة من كان لا يدري تلك المواعظ ، ولم يتعلم بعد جميع القرآن ، وكان من أهل الاجتهاد.

ثم معرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها ، والإحاطة بأحوال النقلة والرواة : عدولها وثقاتها ، ومطعونها ومردودها ، والإحاطة بالوقائع الخاصة فيها ، وما هو عام ورد في حادثة خاصة ، وما هو خاص عمّم في الكل حكمه ، ثم الفرق بين الواجب ، والندب ، والإباحة ، والحظر ، والكراهة ، حتى لا يشذ عنه وجه من هذه الوجوه ، ولا يختلط عليه باب بباب.

ثم معرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين من السلف الصالحين ، حتى لا يقع اجتهاده في مخالفة الإجماع.

ثم التهدي إلى مواضع الأقيسة ، وكيفية النظر والتردد فيها ، من طلب أصل أولا ، ثم طلب معنى مخيل يستنبط منه ، فيعلق الحكم عليه ، أو شبه يغلب على الظن فيلحق الحكم به.

٢٣٧

فهذه خمسة شرائط لا بد من مراعاتها حتى يكون المجتهد مجتهدا واجب الاتباع والتقليد في حق العامي ، وإلا فكل حكم لم يستند إلى قياس واجتهاد مثل ما ذكرنا فهو مرسل مهمل.

قالوا : فإذا حصّل المجتهد هذه المعارف ساغ له الاجتهاد. ويكون الحكم الذي أدى إليه اجتهاده سائغا في الشرع ، ووجب على العامي تقليده ، والأخذ بفتواه ، وقد استفاض الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لما بعث معاذا إلى اليمن قال : «يا معاذ ، بم تحكم؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ، قال : فبسنّة رسول الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد برأيي. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضاه» (١).

وقد روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : «لما بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاضيا إلى اليمن قلت : يا رسول الله! كيف أقضي بين الناس وأنا حديث السن ، فضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده على صدري وقال : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ، فما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين» (٢).

١ ـ أحكام المجتهدين في الأصول والفروع

ثم اختلف أهل الأصول في تصويف المجتهدين في الأصول والفروع.

فعامة أهل الأصول على أن الناظر في المسائل الأصولية والأحكام العقلية اليقينيّة القطعية يجب أن يكون متعين الإصابة ، فالمصيب فيها واحد بعينه ، ولا يجوز أن يختلف المختلفان في حكم عقلي حقيقة الاختلاف بالنفي والإثبات على شرط التقابل المذكور ، بحيث نفي أحدهما ما يثبته الآخر بعينه من الوجه الذي يثبته ، في الوقت

__________________

(١) أي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقرّ معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله. (راجع أعلام الموقعين ١ : ٢٤٣).

(٢) في أعلام الموقعين ص ٢٩٥ : «ولما كان عليّ باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام. فقال كل منهم هو ابني فأقرع عليّ بينهم فجعل الولد للقارع وجعل علي للرجلين ثلثي الدية فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضحك حتى بدت نواجده.

٢٣٨

الذي يثبته إلا وأن يقتسما الصدق والكذب. والحق والباطل ، سواء كان الاختلاف بين أهل الأصول في الإسلام ، أو بين أهل الإسلام وبين أهل الملل والنحل الخارجة عن الإسلام فإن المختلف فيه لا يحتمل توارد الصدق والكذب ، والصواب والخطأ عليه في حالة واحدة ، وهو مثل قول أحد المخبّرين : زيد في هذه الدار في هذه الساعة ، وقول الثاني : ليس زيد في هذه الدار في هذه الساعة ، فإنا نعلم قطعا أن أحد المخبّرين صادق ، والآخر كاذب ، لأن المخبر عنه لا يحتمل اجتماع الحالتين فيه معا ، فيكون زيد في الدار ، ولا يكون في الدار.

لعمري! قد يختلف المختلفان في حكم عقلي في مسألة ، ويكون محل الاختلاف مشتركا وشرط تقابل القضيتين نافذا ، فحينئذ يمكن أن يصوب المتنازعان ، ويرتفع النزاع بينهما برفع الاشتراك أو يعود النزاع إلى أحد الطرفين.

مثال ذلك : المختلفان في مسألة الكلام ليسا يتواردان على معنى واحد بالنفي والإثبات فإن الذي قال : هو مخلوق ، أراد به أن الكلام هو الحروف والأصوات في اللسان ، والرقوم والكلمات في الكتابة ، قال : وهذا مخلوق ، والذي قال : ليس بمخلوق ، لم يرد به الحروف والرقوم ، وإنما أراد به معنى آخر ؛ فلم يتواردا بالتنازع في الخلق على معنى واحد.

وكذلك في مسألة الرؤية ، فإن النافي قال : الرؤية إنما هي اتصال شعاع بالمرئي ، وهو لا يجوز في حق الباري تعالى ، والمثبت قال : الرؤية إدراك أو علم مخصوص ، ويجوز تعلقه بالباري تعالى ، فلم يتوارد النفي والإثبات على معنى واحد إلا إذا رجع الكلام إلى إثبات حقيقة الرؤية فيتفقان أولا على أنها ما هي؟ ثم يتكلمان نفيا وإثباتا.

وكذلك في مسألة الكلام يرجعان إلى إثبات ماهية الكلام ، ثم يتكلمان نفيا وإثباتا ، وإلا فيمكن أن تصدق القضيتان.

٢٣٩

وقد صار أبو الحسن العنبري (١) إلى أن كل مجتهد ناظر في الأصول مصيب ، لأنه أدى ما كلف به من المبالغة في تسديد النظر في المنظور فيه ، وإن كان متعينا نفيا وإثباتا ؛ إلا أنه أصاب من وجه ، وإنما ذكر هذا في الإسلاميين من الفرق ، وأما الخارجون عن الملة فقد تقررت النصوص والإجماع على كفرهم وخطئهم ، وكان سياق مذهبه يقتضي تصويب كل مجتهد على الإطلاق ، إلا أن النصوص والإجماع صدته عن تصويب كل ناظر ، وتصديق كل قائل.

وللأصوليين خلاف في تكفير أهل الأهواء مع قطعهم بأن المصيب واحد بعينه ، لأن التكفير حكم شرعي ، والتصويب حكم عقلي ، فمن مبالغ متعصب لمذهبه. كفر وضلل مخالفه ، ومن متساهل متألف لم يكفر.

ومن كفر قرن كل مذهب ومقالة بمقالة واحد من أهل الأهواء والملل ، كتقرين القدرية بالمجوس ، وتقرين المشبهة باليهود ، وتقرين الرافضة بالنصارى ، وأجرى حكم هؤلاء فيهم من المناكحة ، وأكل الذبيحة.

ومن تساهل ولم يكفر قضى بالتضليل ، وحكم بأنهم هلكى في الآخرة.

واختلفوا في اللعن على حسب اختلافهم في التكفير والتضليل.

وكذلك من خرج على الإمام الحق بغيا وعدوانا ، فإن كان صدر خروجه عن تأول واجتهاد سمي باغيا مخطئا ثم البغي : هل يوجب اللعن.

فعند أهل السنّة : إذا لم يخرج بالبغي عن الإيمان لم يستوجب اللعن.

وعند المعتزلة : يستحق اللعن بحكم فسقه ، والفاسق خارج عن الإيمان ، وإن كان صدر خروجه عن البغي والحسد والمروق عن الدين فإجماع المسلمين : استحق اللعن باللسان والقتل بالسيف والسنان.

* * *

__________________

(١) هو عبيد الله بن الحسن بن حصين العنبري القاضي كان فقيها ثقة محمودا عاقلا توفي سنة ١٦٨ ه‍. (تهذيب التهذيب ٧ : ٧).

٢٤٠