الملل والنّحل - ج ١

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

الملل والنّحل - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


المحقق: أمير علي مهنا و علي حسن فاعور
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٧

* القاعدة الأولى : الصفات والتوحيد فيها. وهي تشتمل على مسائل : الصفات الأزلية ، إثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة. وبيان صفات الذات ، وصفات الفعل ، وما يجب لله تعالى ، وما يجوز عليه ، وما يستحيل. وفيها الخلاف بين الأشعرية (١) ، والكراميّة(٢) ، والمجسّمة والمعتزلة.

* القاعدة الثانية : القدر والعدل فيه. وهي تشتمل على مسائل : القضاء ، القدر ، والجبر والكسب ، وإرادة الخير والشرّ ، والمقدور ، والمعلوم ؛ إثباتا عند جماعة ، ونفيا عند جماعة. وفيها الخلاف بين : القدريّة ، والنّجّاريّة (٣) ، والجبرية ، والأشعرية ، والكرّاميّة.

* القاعدة الثالثة : الوعد ، والوعيد ، والأسماء ، والأحكام ، وهي تشمل على مسائل : الإيمان ، والتوبة ، والوعيد ، والإرجاء ، والتفكير ، والتضليل ؛ إثباتا على وجه عند جماعة ، ونفيا عند جماعة. وفيها الخلاف بين المرجئة ، والوعيدية ، والمعتزلة ، والأشعرية والكرّاميّة.

* القاعدة الرابعة : السمع والعقل ، والرسالة ، والإمامة. وهي تشتمل على مسائل : التحسين ، والتقبيح ، والصلاح والأصلح ، واللطف ، والعصمة في النّبوّة. وشرائط الإمامة ، نصا عند جماعة. وكيفية انتقالها على مذهب من قال بالنّص وكيفية إثباتها على مذهب من قال بالإجماع. والخلاف فيها بين الشيعة ، والخوارج ، والمعتزلة ، والكرامية ، والأشعرية.

فإذا وجدنا انفراد واحد من أئمة الأمة بمقالة من هذه القواعد ، عددنا مقالته مذهبا وجماعته فرقة. وإن وجدنا واحدا انفرد بمسألة فلا نجعل مقالته مذهبا ، وجماعته فرقة. بل نجعله مندرجا تحت واحد ممن وافق سواها مقالته ، ورددنا باقي

__________________

(١) أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.

(٢) أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام.

(٣) أصحاب الحسين بن محمد النجار.

٢١

مقالاته إلى الفروع التي لا تعدّ مذهبا مفردا ؛ فلا تذهب المقالات إلى غير النهاية ، فإذا تعينت المسائل التي هي قواعد الخلاف ، تبينت أقسام الفرق الإسلامية ، وانحصرت كبارها في أربع بعد أن تداخل بعضها في بعض.

كبار الفرق الإسلامية الأربع :

(١) القدريّة. (٢) الصفاتيّة (١) (٣) الخوارج. (٤) الشّيعة. ثم يتركّب بعضها مع بعض ، ويتشعّب عن كلّ فرقة أصناف ، فتصل إلى ثلاث وسبعين فرقة.

ولأصحاب كتب المقالات طريقان في الترتيب :

أحدهما : أنهم وضعوا المسائل أصولا ، ثم أوردوا في كل مسألة مذهب طائفة طائفة وفرقة فرقة.

والثاني : أنهم وضعوا الرجال وأصحاب المقالات أصولا ، ثم أوردوا مذاهبهم ، في مسألة مسألة.

وترتيب هذا المختصر على الطريقة الأخيرة ، لأني وجدتها أضبط للأقسام ، وأليق بباب الحساب.

وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم ؛ من غير تعصّب لهم ، ولا كسر (٢) عليهم ؛ دون أن أبيّن صحيحه من فاسده ، وأعيّن حقّه من باطله ، وإن كان لا يخفى على الأفهام الذكيّة في مدارج (٣) الدلائل العقلية لمحات الحق ونفحات الباطل ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) الذين كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية .. وسيأتي الحديث على الصفاتية في موضعه.

(٢) ولا كسر عليهم : أي لا غضّ من آرائهم ومعتقداتهم.

(٣) المدارج : جمع مدرج ، وهو المذهب.

٢٢

المقدمة الثالثة

في بيان أوّل شبهة وقعت في الخليقة ،

ومن مصدرها في الأول ، ومن مظهرها في الآخر

اعلم أنّ أول شبهة وقعت في الخليقة : شبهة إبليس لعنه الله. ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص. واختياره الهوى في معارضة الأمر ، واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليه‌السلام وهي الطين.

وانشعبت (١) من هذه الشبهة سبع شبهات ، وسارت في الخليقة ، وسرت في أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعة وضلالة ، وتلك الشبهات مسطورة (٢) في شرح الأناجيل (٣) الأربعة : (٤) : إنجيل لوقا (٥) ، ومارقوس (٦) ، ويوحنا (٧) ، ومتّى (٨) ، ومذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرات بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود ، والامتناع منه.

قال كما نقل عنه : إني سلّمت أنّ الباري تعالى إلهي وإله الخلق ، عالم

__________________

(١) انشعبت : افترقت.

(٢) مسطورة : مكتوبة ومسجّلة.

(٣) الأناجيل : جمع إنجيل. والإنجيل كلمة يونانية معناها البشارة.

(٤) الأناجيل المعتبرة عند النصارى أربعة. غير أنه كانت في العصور القديمة أناجيل أخرى أخذت بها الفرق كإنجيل برنابا وإنجيل مرقيون ، وإنجيل السبعين وغيرها وهي تتخالف مع الأناجيل الأربعة التي لم تعرف قبل أواخر القرن الثاني وكتبت بعد المسيح. (راجع محاضرات في النصرانية ص ٣٦ وتعليق شكيب أرسلان على ابن خلدون ١ : ٥٧).

(٥) تنازع مؤرخو النصرانية في تاريخ تدوين هذا الإنجيل. فقيل إنه ألّف عام ٥٣ أو ٦٣ أو ٨٤. وقيل غير ذلك. وسنترجم «للوقا» عند الحديث على النصرانية.

(٦) مارقوس : مرقس. اسمه يوحنّا ومرقس لقبه. سنترجم له عند الحديث على النصرانية.

(٧) هو محل نزاع عميق بين علماء النصارى. فالكثير منهم يدعي أنه أحد الحواريين وهو يوحنّا بن زيدي الصياد. وبعضهم يدعي أنه يوحنّا آخر لا يمتّ إلى الأول بصلة. سنترجم له عند الحديث على النصرانية.

(٨) يدعى لاوى بن حلفى من قانا الجليل وكان من جباة العشور للدولة الرومانية. سنترجم له عند الحديث على النصارى.

٢٣

قادر ، ولا يسأل عن قدرته ومشيئته ، وأنه مهما أراد شيئا قال له كن فيكون ، وهو حكيم، إلّا أنه يتوجه على مساق حكمته أسئلة. قالت الملائكة : ما هي؟ وكم هي؟ قال لعنه الله: سبع.

الأول منها : أنه قد علم قبل خلقي أيّ شيء يصدر عني ويحصل مني فلم خلقني أولا؟ وما الحكمة في خلقه إيّاي؟

والثاني : إذ خلقني على مقتضى إرادته ومشيئته ؛ فلم كلّفني بمعرفته وطاعته؟ وما الحكمة في هذا التكليف بعد أن لا ينتفع بطاعة ، ولا يتضرّر بمعصية؟

والثالث : إذ خلقني وكلّفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة والطاعة فعرفت وأطعت ، فلم كلّفني بطاعة آدم والسجود له ، وما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص بعد أن لا يزيد ذلك في معرفتي وطاعتي إياه؟

والرابع : إذ خلقني وكلّفني على الإطلاق ، وكلّفني بهذا التكليف على الخصوص ، فإذا لم أسجد لآدم ، فلم لعنني وأخرجني من الجنة؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لم أرتكب قبيحا إلّا قولي : لا أسجد إلّا لك؟

والخامس : إذ خلقني وكلّفني مطلقا وخصوصا ؛ فلم أطع فلعنني وطردني ، فلم طرّقني(١) إلى آدم حتى دخلت الجنة ثانيا وغررته بوسوستي ، فأكل من الشجرة المنهي عنها ، وأخرجه من الجنة معي؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو منعني من دخول الجنة لاستراح مني آدم ، وبقي خالدا فيها؟

والسادس : إذ خلقني وكلّفني عموما ، وخصوصا ، ولعنني ، ثم طرقني إلى الجنة ، وكانت الخصومة بيني وبين آدم ؛ فلم سلّطني على أولاده حتى أراهم من حيث لا يرونني ، وتؤثر فيهم وسوستي (٢) ولا يؤثّر فيّ حولهم وقوّتهم ، وقدرتهم

__________________

(١) طرقني : جعل لي طريقا.

(٢) الوسوسة : حديث النفس واختلاط الذهن. والوسواس : هو الشيطان.

٢٤

واستطاعتهم؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحتالهم عنها (١) فيعيشوا طاهرين سامعين مطيعين ، كان أحرى بهم ، وأليق بالحكمة.

والسابع : سلمت هذا كلّه : خلقني وكلّفني مطلقا ومقيدا ، وإذ لم أطع لعنني وطردني ، وإذا أردت دخول الجنة مكّنني وطرّقني ، وإذا عملت عملي أخرجني ثم سلّطني على بني آدم ، فلم إذا استمهلته أمهلني ، فقلت : (فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢) ـ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣). وما الحكمة في ذلك بعد أن لو أهلكني في الحال استراح آدم والخلق مني وما بقي شرّ ما في العالم؟ أليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشرّ؟!

قال : فهذه حجتي على ما ادّعيته في كل مسألة.

قال شارح الإنجيل : فأوحى الله تعالى إلى الملائكة عليهم‌السلام ، قولوا له : إنك في تسليمك الأول أني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص ، إذ لو صدّقت أنّي إله العالمين ما احتكمت عليّ بلم ، فأنا الله الذي لا إله إلّا أنا ، لا أسأل عمّا أفعل ، والخلق مسئولون ، وهذا الذي ذكرته مذكور في التوراة ، ومسطور في الإنجيل على الوجه الذي ذكرته.

وكنت برهة من الزمان أتفكّر وأقول : من المعلوم الذي لا مرية (٤) فيه أنّ كلّ شبهة وقعت لبني آدم ؛ فإنما وقعت من إضلال الشيطان الرجيم ووساوسه ونشأت من شبهاته ، وإذا كانت الشبهات محصورة في سبع عادت كبار البدع والضلالات إلى سبع. ولا يجوز أن تعدو شبهات فرق الزيغ والكفر والضلال هذه الشبهات وإن اختلفت العبارات ؛ وتباينت الطرق ، فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذور ، وترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحق ، وإلى الجنوح إلى الهوى في مقابلة النص.

__________________

(١) يحتالهم عنها : يصرفهم عنها.

(٢) سورة الأعراف : الآية ١٣ ، وتمامها : (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

(٣) سورة الحجر : الآيتان ٣٧ و ٣٨.

(٤) المرية : الجدل. يقال : ما فيه مرية ، أي جدل. والمرية : الشك.

٢٥

هذا. ومن جادل نوحا ، وهودا ، وصالحا ، وإبراهيم ، ولوطا ، وشعيبا ، وموسى ، وعيسى ، ومحمدا ؛ صلوات الله عليهم أجمعين ، كلّهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاته ، وحاصلها يرجع إلى دفع التكليف عن أنفسهم ، وجحد أصحاب الشرائع والتكاليف بأسرهم ، إذ لا فرق بين قولهم : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) (١) وبين قوله : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٢) وعن هذا صار مفصل الخلاف ، ومحزّ الافتراق ما هو في قوله تعالى: (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (٣) ، فبيّن أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى ، كما قال المتقدّم في الأول : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٤) ، وقال المتأخر من ذرّيته كما قال المتقدّم : (أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) (٥) ، وكذلك لو تعقّبنا أقوال المتقدمين منهم وجدناها مطابقة لأقوال المتأخّرين : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) (٦) ، (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (٧).

فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقل ، لزمه أن يجري حكم الخالق في الخلق ، أو حكم الخلق في الخالق ، والأول غلوّ ، والثاني تقصير.

فثار من الشبهة الأولى مذاهب : الحلولية (٨) ، .........................

__________________

(١) سورة التغابن : الآية ٦ ، وتمامها : (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

(٢) سورة الإسراء : الآية ٦٠.

(٣) سورة الإسراء : الآية ٩٤.

(٤) سورة الأعراف : الآية ١١.

(٥) سورة الزخرف : الآية ٥٢.

(٦) سورة البقرة : الآية ١١٨.

(٧) سورة يونس : الآية ٧٤.

(٨) الحلولية في الجملة عشر فرق كلّها كانت في دولة الإسلام ، وغرض جميعها القصد إلى إفساد القول بتوحيد الصانع. (راجع الفرق بين الفرق ص ٢٥٤).

٢٦

والتناسخية (١) ، والمشبهة (٢) ، والغلاة من الروافض ، حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الإله.

وثار من الشبهة الثانية مذاهب : القدرية ، والجبرية ، والمجسمة ، حيث قصروا في وصفه تعالى حتى وصفوه بصفات المخلوقين.

فالمعتزلة مشبهة الأفعال ، والمشبهة حلولية الصفات ، وكل واحد منهم أعور بأي عينيه شاء ، فإن من قال : إنما يحسن منه ما يحسن منا ، ويقبح منه ما يقبح منا ، فقد شبّه الخالق بالخلق ؛ ومن قال : يوصف الباري تعالى بما يوصف به الخلق ، أو يوصف الخلق بما يوصف به الباري تعالى فقد اعتزل عن الحق ، وسنخ (٣) القدريّة طلب العلة في كل شيء ، وذاك من سنخ اللعين الأول ؛ إذ طلب العلة في الخلق أولا ، والحكمة في التكليف ثانيا ، والفائدة في تكليف السجود لآدم عليه‌السلام ثالثا ، وعنه نشأ مذهب الخوارج ، إذ لا فرق بين قولهم : لا حكم إلّا لله ولا نحكم الرجال ، وبين قوله : لا أسجد إلّا لك ، (لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٤). وبالجملة «كلا طرفي قصد الأمور ذميم» ، فالمعتزلة غلوا في التوحيد بزعمهم حتى وصلوا إلى التعطيل بنفي الصفات ، والمشبهة : قصروا حتى وصفوا الخالق بصفات الأجسام ، والروافض : غلوا في النبوة والإمامة حتى وصلوا إلى الحلول ، والخوارج : قصروا حتى نفوا تحكيم الرجال.

وأنت ترى إذا نظرت أنّ هذه الشبهات كلها ناشئة من شبهات اللعين الأول ، وتلك في الأول مصدرها ، وهذه في الآخرة مظهرها ، وإليه أشار التنزيل في قوله تعالى (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥).

__________________

(١) هم الذين يعتقدون بتناسخ الأرواح في الأجساد ، والانتقال من شخص إلى شخص.

(٢) الذين يجعلون الله أعضاء ويقولون إنه جسد وله يد وعين.

(٣) السّنخ ، بالكسر : الأصل من كل شيء والجمع أسناخ وسنوخ.

(٤) تمام الآية : (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) سورة الحجر : الآية ٣٣.

(٥) سورة البقرة : الآية ١٦٨.

٢٧

وشبّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّ فرقة ضالّة من هذه الأمّة بأمّة ضالّة من الأمم السالفة ، فقال : «القدريّة مجوس هذه الأمّة» ، وقال : «المشبّهة يهود هذه الأمّة ، والرّوافض نصاراها».

وقال عليه الصّلاة والسّلام جملة : «لتسلكنّ سبل الأمم قبلكم حذو القذّة بالقذّة (١) ، والنّعل بالنّعل ، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه» (٢).

المقدمة الرابعة

في بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلامية ،

وكيفية انشعابها ، ومن مصدرها ، ومن مظهرها

وكما قرّرنا أنّ الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أوّل الزمان ، كذلك يمكن أن نقرر في زمان كل نبيّ ودور صاحب كلّ ملّة وشريعة : أنّ شبهات أمّته في آخر زمانه ؛ ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه من الكفّار والملحدين وأكثرها من المنافقين ، وإن خفي علينا ذلك في الأمم السالفة لتمادي الزمان ، فلم يخف في هذه الأمة أنّ شبهاتها نشأت كلّها من شبهات منافقي زمن النبي عليه الصّلاة والسلام ، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى ، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى ، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه ، والسؤال عنه ، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه.

اعتبر حديث ذي الخويصرة (٣) التميمي ، إذ قال : اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : «إن لم أعدل فمن يعدل؟» فعاد اللعين وقال : «هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى» ، وذلك خروج صريح على النبيّ عليه الصلاة والسلام ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجا ، فمن اعترض

__________________

(١) القذّة ، بالضمّ : ريش السّهم والجمع قذذ.

(٢) الضبّ : حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون ذنبه كثير العقد.

(٣) ذو الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير. شهد مع علي في صفين ثم صار من الخوارج ومن أشدهم على علي. قتل سنة ٣٧. (أسد الغابة ١ : ٣٩٦).

٢٨

وحكما بالهوى في مقابلة النص ، واستكبارا على الأمر بقياس العقل؟ حتى قال عليه الصلاة والسلام : «سيخرج (١) من ضئضئ (٢) هذا الرّجل قوم يمرقون (٣) من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة ...» الخبر بتمامه.

واعتبر حال طائفة أخرى من المنافقين يوم أحد ، إذ قالوا : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) (٤) ، وقولهم : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (٥) ، وقولهم : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) (٦) ، فهل ذلك إلّا تصريح بالقدر؟ وقول طائفة من المشركين : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٧) ، وقول طائفة : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) (٨) ، فهل هذا إلّا تصريح بالجبر؟

واعتبر حال طائفة أخرى حيث جادلوا في ذات الله ، تفكرا في جلاله ، وتصرفا في أفعاله حتى منعهم وخوّفهم بقوله تعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (٩) ، فهذا ما كان في زمانه عليه الصلاة والسلام وهو على شوكته وقوته وصحّة بدنه ، والمنافقون يخادعون فيظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وإنما يظهر نفاقهم بالاعتراض في كل وقت على حركاته وسكناته ، فصارت الاعتراضات كالبذور ، وظهرت منها الشبهات كالزروع.

وأمّا الاختلافات الواقعة في حال مرضه عليه الصلاة والسلام وبعد وفاته بين

__________________

(١) في مسلم أنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود. (مسلم ٣ : ١١١).

(٢) الضئضئ : الأصل.

(٣) يمرقون من الدين : يخرجون منه.

(٤) سورة آل عمران : الآية ١٥٤.

(٥) سورة آل عمران : الآية ١٥٤.

(٦) سورة آل عمران : الآية ١٥٦.

(٧) سورة النحل : الآية ٣٥.

(٨) سورة يس : الآية ٤٧.

(٩) سورة الرعد : الآية ١٣.

٢٩

الصحابة رضي الله عنهم ، فهي اختلافات اجتهادية كما قيل ، كان غرضهم منها إقامة مراسم الشرع ، وإدامة مناهج الدين.

* فأول تنازع وقع في مرضه عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (١) بإسناده عن عبد الله (٢) بن عبّاس رضي الله عنه ، قال : «لمّا اشتدّ بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرضه الّذي مات فيه قال : ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي» ، فقال عمر رضي الله عنه : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله» وكثر اللغط ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوموا عنّي لا ينبغي عندي التّنازع» ، قال ابن عبّاس : «الرّزيّة كلّ الرّزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

* * *

* الخلاف الثاني : في مرضه أنه قال : «جهّزوا جيش أسامة (٣) ، لعن الله من تخلّف عنه» ، فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره ، وأسامة قد برز من المدينة. وقال قوم : قد اشتدّ مرض النبي عليه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته ، والحالة هذه ، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره.

وإنما أوردت هذين التنازعين ، لأن المخالفين ربما عدوا ذلك من الخلافات المؤثرة في أمر الدين ، وليس كذلك ، وإنما كان الغرض كله : إقامة مراسم

__________________

(١) توفي سنة ٢٥٦ ه‍ / ٨٧٠ م.

(٢) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي. حبر الأمّة الصحابي الجليل. لازم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة. له في الصحيحين وغيرهما ١٦٦٠ حديثا ، توفي سنة ٦٨ ه‍ / ٦٨٧ م. (راجع الإصابة ت ٤٧٧٢ وصفوة الصفوة ١ : ٣١٤ والأعلام ج ٤ ص ٩٥).

(٣) هو أسامة بن زيد بن حارثة. صحابي جليل. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبّه كثيرا وينظر إليه نظره إلى سبطية الحسن والحسين. أمّره رسول الله قبل أن يبلغ العشرين من عمره فكان مظفّرا موفقا. وفي تاريخ ابن عساكر أن رسول الله استعمل أسامة على جيش فيه أبو بكر وعمر. توفي سنة ٥٤ ه‍ / ٦٧٤ م. (راجع طبقات ابن سعد ٤ : ٤٢ وتهذيب ابن عساكر ٢ : ٣٩١ والأعلام ١ : ٢٩١).

٣٠

الشرع في حال تزلزل القلوب ، وتسكين نائرة (١) الفتنة المؤثرة عند تقلّب الأمور.

* * *

* الخلاف الثالث : في موته عليه الصلاة والسلام ، قال عمر بن الخطاب : من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا ؛ وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى عليه‌السلام. وقال أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد إله محمد فإن إله محمد حيّ لم يمت ولن يموت وقرأ قول الله سبحانه وتعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٢) فرجع القوم إلى قوله ، وقال عمر رضي الله عنه : «كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر».

* * *

* الخلاف الرابع : في موضع دفنه عليه الصلاة والسلام ، أراد أهل مكة من المهاجرين رده إلى مكة لأنها مسقط رأسه ، ومأنس نفسه ، وموطئ قدمه ، وموطن أهله ، وموقع رحله. وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه بالمدينة لأنها دار هجرته ، ومدار نصرته ، وأرادت جماعة نقله إلى بيت المقدس لأنه موضع دفن الأنبياء ، ومنه معراجه إلى السماء ، ثم اتفقوا على دفنه بالمدينة لمّا روي عنه عليه الصلاة والسلام : «الأنبياء يدفنون حيث يموتون».

* * *

* الخلاف الخامس : في الإمامة ، وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة ، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان. وقد سهل الله تعالى في الصدر الأوّل ، فاختلف المهاجرون والأنصار فيها فقالت

__________________

(١) قال صاحب «اللسان» : نأرت نائرة في الناس : هاجت هائجة. ويقال : نارت بغير همز.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٤٤.

٣١

الأنصار منّا أمير ومنكم أمير واتفقوا على رئيسهم سعد (١) بن عبادة الأنصاري ، فاستدركه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة ، وقال عمر : كنت أزوّر (٢) في نفسي كلاما في الطريق ، فلمّا وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلّم ، فقال أبو بكر : مه (٣) يا عمر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ما كنت أقدّره في نفسي كأنه يخبر عن غيب ، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت الفتنة ، إلّا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة (٤) وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأيّما رجل بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنهما تغرّة (٥) يجب أن يقتلا.

وإنما سكتت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي عليه الصلاة والسلام «الأئمّة من قريش» وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة ، ثم لمّا عاد إلى المسجد انثال (٦) الناس عليه وبايعوه عن رغبة ، سوى جماعة من بني هاشم ، وأبي سفيان من بني أميّة ، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان مشغولا بما أمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة.

* * *

* الخلاف السادس : في أمر فدك (٧) والتوارث عن النبي عليه الصلاة

__________________

(١) هو أبو ثابت. صحابي. كان سيّد الخزرج وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام. شهد أحدا والخندق وغيرهما. وكان أحد النقباء الاثني عشر. ولما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طمع بالخلافة ولم يبايع أبا بكر. فلما صار الأمر إلى عمر عاتبه ، فقال سعد : وكان والله صاحبك (أبو بكر) أحبّ إلينا منك ، وقد والله أصبحت كارها لجوارك. فقال عمر : من كره جوار جاره تحول عنه. توفي سنة ١٤ ه‍ / ٦٣٥ م.

(راجع تهذيب ابن عساكر ٦ : ٨٤ والإصابة والترجمة ٣١٦٧ والأعلام ٣ : ٨٦).

(٢) أزوّر كلاما : أحسنه وأنمّقه.

(٣) مه : اسم فعل مبني على السكون بمعنى انكفف. وقد يقال : مه مه. فإن وصلت نونت.

(٤) فلتة : عمل دون تدبّر وتمهّل.

(٥) غرّر تغريرا وتغرّة بالشيء : عرّضه للهلاك.

(٦) انثال عليه الناس : تكاثروا حوله.

(٧) فدك : بالتحريك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان. كانت لليهود. أفاءها الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ـ

٣٢

والسلام ، ودعوى فاطمة عليها‌السلام وراثة تارة ، وتمليكا أخرى حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي عليه الصلاة والسلام ، «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».

* * *

* الخلاف السابع : في قتال مانعي الزكاة ، فقال القوم : لا نقاتلهم قتال الكفرة.

وقال قوم بل نقاتلهم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه : لو منعوني عقالا (١) ممّا أعطوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاتلتهم عليه ، ومضى بنفسه إلى قتالهم ، ووافقه جماعة الصحابة بأسرهم ، وقد أدّى اجتهاد عمر رضي الله عنه في أيام خلافته إلى ردّ السبايا والأموال إليهم ، وإطلاق المحبوسين منهم ، والإفراج عن أسراهم.

* * *

* الخلاف الثامن : في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة وقت الوفاة ، فمن الناس من قال : قد وليت علينا فظا غليظا ، وارتفع الخلاف بقول أبي بكر : لو سألني ربي يوم القيامة ، لقلت : وليت عليهم خيرهم لهم.

وقد وقع في زمانه اختلافات كثيرة في مسائل ميراث الجد ، والإخوة ، والكلالة (٢) وفي عقل (٣) الأصابع ، وديات الأسنان ، وحدود (٤) بعض الجرائم التي

__________________

ـ سنة سبع صلحا فكان ينفق منها على نفسه وعلى بعض المحتاجين من بني هاشم. (راجع معجم البلدان ٤ : ٢٣٨ ، دار صادر).

(١) العقال : الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة. وقيل ما يساوي عقالا من الصدقة. وفي رواية عناقا.

(٢) الكلالة : اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة. وقيل : الكلالة من تكلّل نسبه بنسبك كابن العمّ ومن أشبهه. وقيل : هم الأخوة للأمّ .. والعرب تقول : لم يرثه كلالة : أي لم يرثه عن عرض بل عن قرب واستحقاق. (اللسان مادة كلل).

(٣) العقل : الدّية. وعقل القتيل : وداه ، وعقل عنه : أدّى جنايته. (اللسان مادة عقل).

(٤) حدود : جمع حدّ وهو العقوبة. وحدود الله : طاعته وأحكامه الشرعية.

٣٣

لم يرد فيها نصّ ، وإنما أهمّ أمورهم : الاشتغال بقتال الروم ، وغزو العجم ، وفتح الله تعالى الفتوح على المسلمين ، وكثرت السبايا والغنائم ، وكانوا كلّهم يصدرون عن رأي عمر رضي الله عنه ، وانتشرت الدعوة ، وظهرت الكلمة ، ودانت العرب ، ولانت العجم.

* * *

* الخلاف التاسع : في أمر الشورى واختلاف الآراء فيها. واتفقوا كلهم على بيعة عثمان رضي الله عنه ، وانتظم الأمر واستمرت الدعوة في زمانه ، وكثرت الفتوح ، وامتلأ بيت المال ، وعاشر الخلق على أحسن خلق ، وعاملهم بأبسط يد ، غير أن أقاربه من بني أمية قد ركبوا نهابر (١) فركبته ، وجاروا فجير عليه ، ووقعت في زمانه اختلافات كثيرة وأخذوا عليه أحداثا كلها محالة (٢) على بني أميّة.

منها : رده الحكم (٣) بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان يسمى طريد رسول الله ، وبعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك ، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا.

ومنها : نفيه أبا ذر إلى الربذة (٤) ، وتزويجه مروان (٥) بن الحكم بنته ، وتسليمه خمس غنائم إفريقية له وقد بلغت مائتي ألف دينار.

__________________

(١) نهابر : جمع نهبورة وهي المهلكة.

(٢) محالة على بني أمية : أي منسوبة إليهم.

(٣) الحكم بن أمية : صحابي. كان فيما قيل يفشي سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفاه إلى الطائف وأعيد إلى المدينة في خلافة عثمان فمات فيها وقد كفّ بصره. وهو عمّ عثمان بن عفّان ووالد مروان ، (رأس الدولة المروانية). (راجع الإصابة ٢ : ٢٨ وتاريخ الإسلام ٢ : ٩٥).

(٤) الربذة : من قرى المدينة على ثلاثة أيام من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة. وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري. (معجم البلدان ٣ : ٢٤).

(٥) الخليفة الأموي. وهو أول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص وإليه ينسب بنو مروان ودولتهم المروانية. توفي سنة ٦٥ ه‍ / ٦٨٥ م.

٣٤

ومنها : إيواؤه عبد الله (١) بن سعد بن أبي سرح ، وكان رضيعه بعد أن أهدر النبي عليه الصلاة والسلام دمه ، وتوليته إياه مصر بأعمالها ، وتوليته عبد الله (٢) بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث ، إلى غير ذلك مما نقموا عليه ، وكان أمراء جنوده : معاوية بن أبي سفيان عامل الشام ، وسعد بن أبي وقّاص عامل الكوفة ، وبعده الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر عامل البصرة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر ، وكلّهم خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه ، وقتل مظلوما في داره ، وثارت الفتنة من الظلم الذي جرى عليه ، ولم تسكن بعد.

* * *

* الخلاف العاشر : في زمان أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه بعد الاتفاق عليه وعقد البيعة له. فأوله : خروج طلحة والزبير إلى مكة ، ثم حمل عائشة إلى البصرة ، ثم نصب القتال معه ، ويعرف ذلك بحرب الجمل ، والحق أنهما رجعا وتابا ، إذ ذكّرهما أمرا فتذكّراه ، فأمّا الزبير فقتله ابن جرموز بقوس وقت الانصراف ، وهو في النار لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بشّر قاتل ابن صفيّة بالنّار» ، وأمّا طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم وقت الإعراض (٣) فخرّ ميتا ، وأمّا عائشة رضي الله عنها فكانت محمولة على ما فعلت ، ثم تابت بعد ذلك ورجعت ، والخلاف بينه وبين معاوية ، وحرب صفين ، ومخالفة الخوارج ، وحمله على التحكيم ، ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري ، وبقاء الخلاف إلى وقت وفاته مشهور ،

__________________

(١) هو فاتح إفريقية وفارس بني عامر من أبطال الصحابة. كان من كتّاب الوحي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان على ميمنة عمرو بن أبي العاص حين افتتح مصر. وولي مصر سنة ٢٥ ه‍. بعد عمرو بن العاص ودانت له إفريقية كلّها. وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاع. مات بعسقلان فجأة وهو يصلي سنة ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م. (راجع أسد الغابة ٣ : ١٧٣ ومعالم الإيمان ١ : ١١٠ ...).

(٢) هو أبو عبد الرحمن. أمير فاتح اشترى كثيرا من دور البصرة وهدمها فجعلها شارعا ، وكان محبا للعمران. توفي سنة ٥٩ ه‍ / ٦٧٩ م. (راجع الأعلام ٤ : ٩٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ : ٢٦٦).

(٣) وقت الإعراض : أي وقت اعتزاله الحرب.

٣٥

وكذلك الخلاف بينه وبين الشراة (١) المارقين بالنهروان (٢) عقدا وقولا ، ونصب القتال معه فعلا ظاهرا معروف ؛ وبالجملة كان عليّ رضي الله عنه مع الحق ، والحق معه ، وظهر في زمانه الخوارج عليه مثل الأشعث بن قيس ، ومسعود بن فدكي التميمي ، وزيد بن حصين الطائي وغيرهم ، وكذلك ظهر في زمانه الغلاة في حقه مثل عبد الله بن سبأ وجماعة معه ، ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة ، وصدق فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يهلك فيه اثنان : محبّ غال ومبغض قال».

وانقسمت الاختلافات بعده إلى قسمين : أحدهما الاختلاف في الإمامة ، والثاني : الاختلاف في الأصول.

* * *

والاختلاف في الإمامة على وجهين :

أحدهما : القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار.

والثاني : القول بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين.

فمن قال إن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار ، قال بإمامة كل من اتفقت عليه الأمة ، أو جماعة معتبرة من الأمة : إمّا مطلقا ، وإمّا بشرط أن يكون قرشيا ؛ على مذهب قوم ، وبشرط أن يكون هاشميا ، على مذهب قوم ، إلى شرائط أخرى كما سيأتي.

ومن قال بالأوّل ، قال بإمامة معاوية وأولاده ، وبعدهم بخلافة مروان وأولاده.

والخوارج اجتمعوا في كل زمان على واحد منهم بشرط أن يبقى على مقتضى اعتقادهم ، ويجري على سنن العدل في معاملاتهم ، وإلّا خذلوه وخلعوه ، وربما قتلوه.

__________________

(١) الشراة : الخوارج. إنما سموا كذلك أخذا من قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ). (راجع معجم المصطلحات العربية ص ٢٠٩).

(٢) النهروان : وهي ثلاثة نهروانات : الأعلى والأوسط والأسفل ، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط بالعراق. (راجع معجم البلدان ٥ : ٣٢٤).

٣٦

ومن قالوا إن الإمامة تثبت بالنص ، اختلفوا بعد عليّ رضي الله عنه ، فمنهم من قال إنه نص على ابنه محمد (١) بن الحنفيّة ، وهؤلاء هم الكيسانية (٢) ، ثم اختلفوا بعده ، فمنهم من قال إنه لم يمت ، ويرجع فيملأ الأرض عدلا ، ومنهم من قال إنه مات ، وانتقلت الإمامة بعده إلى ابنه أبي هاشم (٣) ، وافترق هؤلاء ، فمنهم من قال الإمامة بقيت في عقبه وصية بعد وصية ، ومنهم من قال إنها انتقلت إلى غيره ، واختلفوا في ذلك الغير ، فمنهم من قال هو بيان (٤) بن سمعان النهدي ، ومنهم من قال هو عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، ومنهم من قال هو عبد الله (٥) بن حرب الكندي ، ومنهم من قال هو عبد الله (٦) بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن

__________________

(١) هو محمد بن علي بن أبي طالب. وهو أخو الحسن والحسين ، غير أن أمهما فاطمة الزهراء ، وأمّه خولة بنت جعفر. كان واسع العلم ، ورعا. أخبار قوته وشجاعته كثيرة. مولده ووفاته في المدينة. وقيل : خرج إلى الطائف هاربا من ابن الزبير فمات هناك. توفي سنة ٨١ ه‍ / ٧٠٠ م. (راجع طبقات ابن سعد ٥ : ٦٦ ووفيات الأعيان ١ : ٤٤٩ والأعلام ٦ : ٢٧٠).

(٢) أصحاب كيسان مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وفي زعم البعض أن «المختار» كان يقال له كيسان. وسيأتي الكلام على الكيسانية في موضعه من هذا الكتاب.

(٣) هو أبو هاشم : عبد الله بن علي بن أبي طالب ، وأبوه محمد بن الحنفية. قال الزبير : كان أبو هاشم صاحب الشيعة فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وصرف الشيعة إليه ودفع إليه كتبه ، ومات عنده ، ومات في أيام سليمان بن عبد الملك سنة ٩٨ ، وقيل : في سنة ٩٩. (راجع التهذيب ٦ : ١٦ ومشاهير علماء الأمصار رقم ٩٩٤ والعبر ١ : ١١٦).

(٤) في الأصل بنان ، تصحيف وهو بيان بن سمعان التميمي النهدي اليمني. ظهر بالعراق في أوائل القرن الثاني من الهجرة ، وادّعى أول الأمر أن جزءا إلهيا حلّ في علي ، ثم في محمد ابن الحنفية ، ثم في ابنه أبي هاشم ثم في بيان نفسه. ثم ادعى النبوّة فأخذه خالد القسري فقتله وصلبه. (راجع مقالات الإسلاميين ١ : ٦٦ والتبصير ٧٢ وكامل ابن الأثير ٥ : ٨٢).

(٥) هو عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي. كان أول أمره على دين البيانية أتباع بيان ثم زعم أن روح الله انتقلت من أبي هاشم إلى عبد الله بن حرب. (راجع مقالات الإسلاميين ١ : ٦٨ والتبصير ٧٣).

(٦) هو من شجعان الطالبيين وأجوادهم وشعرائهم. طلب الخلافة في أواخر دولة بني أمية (سنة ١٢٧ ه‍) بالكوفة وبايع له بعض أهلها واستفحل أمره فسيّر أمير العراق (ابن هبيرة) الجيوش لقتاله فصبر لها ثم انهزم إلى شيراز ومنها إلى هراة فقبض عليه عاملها وقتله حنقا بأمر أبي مسلم الخراساني توفي سنة ١٢٩ ه‍ / ٧٤٦ م. وله البيت المشهور :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

(راجع ابن الأثير حوادث سنتي ١٢٧ و ١٢٩ والأعلام ٤ : ١٣٩).

٣٧

أبي طالب ، وهؤلاء كلهم يقولون إن الدين طاعة رجل ، ويتأوّلون أحكام الشرع كلها على شخص معيّن كما ستأتي مذاهبهم.

وأمّا من لم يقل بالنص على محمد ابن الحنفيّة ، فقال بالنص على الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وقال : لا إمامة في الأخوين إلّا الحسن والحسين رضي الله عنهما. ثم اختلفوا ، فمنهم من أجرى الإمامة في أولاد الحسن ، فقال بعده بإمامة ابنه الحسن (١) ، ثم ابنه عبد الله (٢) ، ثم ابنه محمد ، ثم أخيه إبراهيم الإمامين ، وقد خرجا في أيام المنصور فقتلا في أيامه ، ومن هؤلاء من يقول برجعة محمد الإمام ، ومنهم من أجرى الوصية في أولاد الحسين ، وقال بعده بإمامة ابنه عليّ (٣) بن الحسين زين العابدين نصا عليه ، ثم اختلفوا بعده ، فقالت الزيدية بإمامة ابنه زيد (٤).

ومذهبهم أن كل فاطمي خرج وهو عالم ، زاهد ، شجاع ، سخي : كان إماما واجب الاتباع ، وجوزوا رجوع الإمامة إلى أولاد الحسن ، ثم منهم من وقف وقال بالرجعة.

__________________

(١) هو الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد الهاشمي : كبير الطالبيين في عهده. كان وصيّ أبيه ووليّ صدقة جدّه. كان عبد الملك بن مروان يهابه. إقامته ووفاته في المدينة. توفي نحو سنة ٩٠ ه‍ / نحو ٧٠٨ م. (راجع تهذيب ابن عساكر ٤ : ١٦٢).

(٢) هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب من أهل المدينة. قال الطبري : كان ذا عارضة وهيبة ولسان وشرف. وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز. حبسه المنصور عدة سنوات من أجل ابنيه محمد وإبراهيم ، ونقله إلى الكوفة فمات سجينا فيها كما حقّقه الخطيب البغدادي. (راجع الإصابة ت ٦٥٨٧ وتاريخ بغداد ٩ : ٤٣١).

(٣) هو رابع الأئمة الاثني عشر عند الإماميّة. أحصي بعد موته عدد من كان يقوتهم سرا فكانوا نحو مائة بيت. يضرب به المثل في الحلم والورع. توفي سنة ٩٤ ه‍ / ٧١٢ م. (راجع وفيات الأعيان ١ : ٣٢٠ وابن سعد ٥ : ١٥٦ ونزهة الجليس ٢ : ١٥).

(٤) يقال له «زيد الشهيد». قال أبو حنيفة : ما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا. قتل في معركة مع الحكم بن الصلت بأمر من عامل العراق يوسف بن عمر الثقفي سنة ١٢٢ ه‍ / ٧٤٠ م. (راجع مقاتل الطالبيين طبعة الحلبي وتاريخ الكوفة ٣٢٧).

٣٨

ومنهم من ساق وقال بإمامة كل من هذا حاله في كل زمان ، وسيأتي فيما بعد تفصيل مذاهبهم ، وأمّا الإمامية فقالوا بإمامة محمد (١) بن عليّ الباقر نصّا عليه ، ثم بإمامة جعفر (٢) بن محمد الصادق وصية إليه ، ثم اختلفوا بعده في أولاده : من المنصوص عليه؟ وهم خمسة : محمد ، وإسماعيل ، وعبد الله ، وموسى ، وعليّ.

فمنهم من قال بإمامة محمد وهم العمارية ، ومنهم من قال بإمامة إسماعيل وأنكر موته في حياة أبيه وهم المباركية ، ومن هؤلاء من وقف عليه وقال برجعته. ومنهم من ساق الإمامة في أولاده نصا بعد نص إلى يومنا هذا ، وهم الإسماعيلية. ومنهم من قال بإمامة عبد الله الأفطح ، وقال برجعته بعد موته لأنه مات ولم يعقب ، ومنهم من قال بإمامة موسى (٣) نصا عليه إذ قال والده : سابعكم قائمكم ، ألّا وهو سمي صاحب التوراة.

ثم هؤلاء اختلفوا ، فمنهم من اقتصر عليه وقال برجعته ؛ إذ قال لم يمت هو ، ومنهم من توقّف في موته وهم الممطورة ، ومنهم من قطع بموته ، وساق الإمامة إلى ابنه عليّ بن موسى الرضا ، وهم القطعيّة.

ثم هؤلاء اختلفوا في كل ولد بعده ، فالاثنا عشرية ساقوا الإمامة من علي الرضا إلى ابنه محمد ، ثم إلى ابنه عليّ ، ثم إلى ابنه الحسن ، ثم إلى ابنه محمد القائم المنتظر الثاني عشر ، وقالوا : هو حي لم يمت ، ويرجع فيملأ الدنيا عدلا ،

__________________

(١) هو خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان ناسكا عابدا له في العلم وتفسير القرآن آراء وأقوال. توفي سنة ١١٤ ه‍ / ٧٣٢ م. (راجع اليعقوبي ٣ : ٦٠ وصفوة الصفوة ٢ : ٦٠).

(٢) هو سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. له منزلة رفيعة في العلم. أخذ عنه أبو حنيفة ومالك. توفي سنة ١٤٨ ه‍ / ٧٦٥ م. (راجع نزهة الجليس للموسوي ٢ : ٣٥ ووفيات الأعيان ١ : ١٠٥).

(٣) هو سابع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. من كبار العلماء الأجواد أقدمه المهدي العباسي إلى بغداد. وبلغ الرشيد أن الناس يبايعون للكاظم فيها ، فلما حجّ الرشيد سنة ١٧٩ ه‍. احتمله معه إلى البصرة وحبسه عند واليها عيسى بن جعفر ثم نقله إلى بغداد فتوفي فيها سجينا ، وقيل : قتل. توفي سنة ١٨٣ ه‍ / ٧٩٩ م. (راجع وفيات الأعيان ٢ : ١٣١ وابن خلدون ٤ : ١١٥).

٣٩

كما ملئت جورا ، وغيرهم ساقوا الإمامة إلى الحسن العسكري ، (١) ثم قالوا بإمامة أخيه جعفر ، وقالوا بالتوقف عليه ، أو قالوا بالشك في حال محمد ولهم خبط طويل في سوق الإمامة ، والتوقف ، والقول بالرجعة بعد الموت ، والقول بالغيبة ، ثم بالرجعة بعد الغيبة.

فهذه جملة الاختلاف في الإمامة ، وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر المذاهب.

* * *

وأمّا الاختلافات في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد (٢) الجهني ، وغيلان الدمشقي (٣) ، ويونس (٤) الأسواري في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشرّ إلى القدر ، ونسج على منوالهم واصل (٥) بن عطاء الغزّال ، وكان تلميذ الحسن (٦) البصري ، ............................

__________________

(١) هو ثامن الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. أحبه المأمون العباسي وزوجه ابنته وعهد إليه بالخلافة من بعده ولم تتم له. مات في عهده فدفنه إلى جانب أبيه الرشيد سنة ٢٠٣ ه‍ / ٨١٨ م. (راجع ابن الأثير ٦ : ١١٩ والطبري ١٠ : ٢٥١).

(٢) هو محمد بن عبد الله بن عليم الجهني. أول من قال بالقدر في البصرة. خرج مع ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف فقتله الحجاج صبرا بعد أن عذّبه ، وقيل : صلبه عبد الملك بن مروان بدمشق على القول في القدر ثم قتله. توفي سنة ٨٠ ه‍ / ٦٩٩ م. (راجع تهذيب التهذيب ١٠ : ٢٢٥ وميزان الاعتدال ٣ : ١٨٣).

(٣) هو غيلان بن مسلم الدمشقي ، أبو مروان تنسب إليه فرقة «الغيلانية» من القدرية. وهو ثاني من تكلّم في القدر بعد معبد الجهني. قيل : إنه تاب عن القول بالقدر على يد عمر بن عبد العزيز ثم جاهر بمذهبه بعد موت عمر فطلبه هشام بن عبد الملك وأحضر الأوزاعي لمناظرته فأفتى الأوزاعي بقتله فصلب على باب كيسان بدمشق. توفي بعد سنة ١٠٦ ه‍ / بعد ٧٢٣ م. (راجع عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٤٥ ولسان الميزان ٤ : ٤٢٤).

(٤) هو من الأساورة النصارى واسمه يونس سنسويه ويعرف بالأسواري.

(٥) هو رأس المعتزلة ومن أئمة البلغاء والمتكلّمين. سمّي أصحابه بالمعتزلة لاعتزاله حلقة درس الحسن البصري. وهو الذي نشر مذهب «الاعتزال» في الآفاق توفي سنة ١٣١ ه‍ / ٧٤٨ م. (راجع المقريزي ٢ : ٣٤٥ ووفيات الأعيان ٢ : ١٧٠ ومروج الذهب ٢ : ٢٩٨).

(٦) هو الحسن بن يسار البصري. كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه. وهو أحد العلماء الفقهاء. شبّ في كنف علي بن أبي طالب. وتوفي سنة ١١٠ ه‍ / ٧٢٨ م. (راجع تهذيب التهذيب ووفيات الأعيان وميزان الاعتدال ١ : ٢٥٤).

٤٠