الملل والنّحل - ج ١

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

الملل والنّحل - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


المحقق: أمير علي مهنا و علي حسن فاعور
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٧

ربي لقلت : وليت عليهم خيرهم لهم» (١) وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماما والأفضل قائم فيرجع إليه في الأحكام ، ويحكم بحكمه في القضايا.

ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه ، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه حتى أتى قدره عليه ، فسميت رافضة.

وجرت بينه وبين أخيه الباقر محمد بن علي مناظرات لا من هذا الوجه ، بل من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء ، ويقتبس العلم ممن يجوز الخطأ على جده في قتال الناكثين ، والقاسطين (٢) ، والمارقين. ومن حيث يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت : ومن حيث أنه كان يشترط الخروج شرطا في كون الإمام إماما ، حتى قال له يوما : على مقتضى مذهبك ووالدك ليس بإمام ، فإنه لم يخرج قط ، ولا تعرض للخروج.

ولما قتل زيد بن علي وصلب (٣) قام بالإمامة بعده يحيى (٤) بن زيد ، ومضى إلى خراسان ، واجتمعت عليه جماعة كثيرة. وقد وصل إليه الخبر من الصادق

__________________

(١) في سيرة عمر لابن الجوزي (ص ٤٩ و ٥١) : «لما حضرت أبا بكر الوفاة ، بعث إلى عمر يستخلفه. فقال الناس : استخلف علينا فظا غليظا لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ فما ذا تقول لربّك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر أتخوّفونني بربي؟! أقول يا رب أمرّت عليهم خير أهلك. ثم أمر من يجمله إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ...».

(٢) قسط : جار وحاد عن الحق.

(٣) كتب عامل العراق يوسف بن عمر الثقفي إلى الحكم بن الصلت وهو في الكوفة أن يقاتل زيدا ، ففعل. ونشبت معارك انتهت بمقتل زيد في الكوفة وحمل رأسه إلى الشام فنصب على باب دمشق. ثم أرسل إلى المدينة فنصب عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما وليلة ، وحمل إلى مصر فنصب بالجامع ، فسرقه أهل مصر ودفنوه. (راجع الإعلام للزركلي ٣ : ٥٩).

(٤) لما قتل زيد بن علي سنة ١٢١ ه‍ كان ابنه يحيى لم يزل مختفيا في خراسان حتى مات هشام ، فظهر أيام الوليد بن يزيد منكرا للظلم فسار إليه نصر بن سيار فعثر به فحبسه فكتب الوليد بإطلاقه وإرساله إليه بصحبة أصحابه فأطلقهم وأطلق لهم وجهّزهم إلى دمشق ، فلما كانوا ببعض الطريق توسّم نصر منه غدرا ، فبعث إليه جيشا عشرة آلاف مقاتل فكسرهم يحيى وكان معه سبعون رجلا ، وقتل أميرهم واستلب منهم أموالا كثيرة ثم جاءه جيش آخر فقتل يحيى في المعركة أصابه سهم في صدغه بقرية يقال لها أرغونة سنة ١٢٦ ه‍ ودفن بها وقبره مشهور. (ابن كثير ١٠ : ٥ وشذرات ١ : ١٦٧).

١٨١

جعفر بن محمد بأنه يقتل كما قتل أبوه ، ويصلب كما صلب أبوه ، فجرى عليه الأمر كما أخبر.

وقد فوض الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم الإمامين ، وخرجا بالمدينة ، ومضى إبراهيم إلى البصرة ، واجتمع عليهما ، وقتلا أيضا. وأخبرهم الصادق بجميع ما تم عليهم ، وعرفهم أن آباءه رضي الله عنهم أخبروه بذلك كله ، وأن بني أمية يتطاولون على الناس ، حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها وهم يستشعرون بغض أهل البيت ولا يجوز أن يخرج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم. وكان يشير إلى أبي العباس (١) ، وإلى أبي جعفر ابني محمد بن علي بن عبد الله بن العباس. وقال : إنا لا نخوض في الأمر حتى يتلاعب به هذا وأولاده ، وأشار إلى المنصور.

فزيد بن علي قتل بكناسة (٢) الكوفة ، قتله هشام (٣) بن عبد الملك. ويحيى بن زيد قتل بجوزجان (٤) خراسان ، قتله أميرها. ومحمد الإمام قتل بالمدينة ، قتله عيسى (٥) بن ماهان وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة ، أمر بقتلهما

__________________

(١) أبو العباس السفّاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أول خلفاء بني العباس.

(٢) الكناسة : محلة بالكوفة عندها واقع يوسف بن عمر الثقفي زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وفيها يقول الشاعر :

يا أيها الراكب الغادي لطيته

يؤم بالقوم أهل البلدة الحرم

أبلغ قبائل عمرو إن أتيتهم

أو كنت من دارهم يوما على أمم

أنّا وجدنا قفيرا في بلادكم

أهل الكناسة أهل اللؤم والعدم

أرض تغيّر أحساب الرجال بها

كما رسمت بياض الرّيط بالحمم

(راجع معجم البلدان ٤ : ٤٨١).

(٣) من ملوك الدولة الأموية في الشام. بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد سنة ١٠٥ ه‍. وتوفي سنة ١٢٥ ه‍ / ٧٤٣ م.

(٤) جوزجان : اسم كورة واسعة من كور بلخ بخراسان ، وهي بين مروالروذ وبلخ ، من مدنها الأنبار.

(راجع معجم البلدان ٢ : ١٨٢).

(٥) قال ابن الأثير (ص ٥ : ١١٨) : «الذي أرسله المنصور إلى محمد بن عبد الله ، هو ابن أخيه عيسى بن موسى ، فسار إلى المدينة لقتال محمد ، فأرسل إليه يخبره أن المنصور قد أمنه وأهله ، فأعاد الجواب : ـ

١٨٢

المنصور (١).

ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان صاحبهم ناصر الأطروش (٢) فطلب مكانه ليقتل فاختفى واعتزل الأمر ، وصار إلى بلاد الديلم والجبل ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد. فدعا الناس دعوة إلى الإسلام على مذهب زيد بن علي ، فدانوا بذلك ونشئوا عليه وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين.

وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلي أمرهم. وخالفوا بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول. ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول ، وطعنت في الصحابة طعن الإمامية. وهم أصناف ثلاثة : جاروديّة ، وسليمانية ، وبترية ، والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد.

(أ) الجارودية (٣) : أصحاب أبي الجارود (٤) زياد بن أبي زياد. زعموا أن

__________________

ـ يا هذا ، إني والله ما أنا منصرف عن هذا الأمر حتى ألقي القبض عليه ، فقال عيسى ليس بيننا وبينه إلّا القتال. وقد قاتل محمد يومئذ قتالا عظيما فقتل بيده سبعين رجلا ثم اشتد القتال فهزمت أصحاب عيسى ثم نشب القتال فطعنه حميد بن قحطبة في صدره فصرعه ثم نزل إليه فأخذ رأسه وأتى به عيسى وهو لا يعرف من كثرة الدماء ، ولما قتل محمد أقام عيسى بالمدينة أياما ثم سار عنها يريد مكة معتمرا ثم استخلف على المدينة كثير بن خضير».

(١) هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس أبو جعفر المنصور : ثاني خلفاء بني العباس ولي الخلافة بعد أخيه السفاح سنة ١٣٦ ه‍. وتوفي سنة ١٥٨ ه‍ / ٧٧٥ م.

(٢) ناصر الأطروش : هو الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين ، كان يلقب بالناصر ، وقد استولى على طبرستان سنة ٣٠١ ه‍ وكان قد دخل الديلم بعد قتل محمد بن زيد. وكان الأطروش زيدي المذهب شاعرا مفلقا ظريفا علّامة إماما في الفقه والدين كثير المجون حسن النادرة. (راجع ابن الأثير ٨ : ٢٨).

(٣) قال السيد المرتضى في تاج العروس (٢ : ٢١٨) : «الجارودية فرقة من الزيدية من الشيعة نسبت إلى أبي الجارود زياد بن أبي زياد. وأبو الجارود هو الذي سماه الإمام الباقر سرخوبا وفسّره بأنه شيطان يسكن البحر». (راجع في شأن هذه الفرقة : الفرق بين الفرق ص ٣٠).

(٤) في تهذيب التهذيب (٣ : ٣٨٦) : «أبو الجارود زياد بن المنذر الهمذاني ، ويقال النهدي والثقفي الأعمى الكوفي ، وهو كذاب ، ليس بثقة. كان رافضيا يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويروي في فضائل أهل البيت رضي الله عنهم أشياء ما لها أصول ، وهو من المعدودين من أهل الكوفة الغالين وقد ذكره البخاري في فصل من مات من الخمسين ومائة إلى الستين».

١٨٣

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على عليّ رضي الله عنه بالوصف دون التسمية ، وهو الإمام بعده. والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف ، ولم يطلبوا الموصوف ، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك. وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة إمامة زيد بن علي ، فإنه لم يعتقد هذا الاعتقاد.

واختلفت الجارودية في التوقف والسوق.

فساق بعضهم الإمامة من عليّ إلى الحسن ، ثم إلى الحسين ، ثم إلى علي بن الحسين زين العابدين ، ثم إلى ابنه زيد بن علي ، ثم منه إلى الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وقالوا بإمامته.

وكان أبو حنيفة رحمه‌الله على بيعته ، ومن جملة شيعته حتى رفع الأمر إلى المنصور ، فحبسه حبس الأبد حتى مات في الحبس (١). وقيل إنه إنما بايع محمد بن عبد الله الإمام في أيام المنصور. ولما قتل محمد بالمدينة بقي الإمام أبو حنيفة على تلك البيعة ، يعتقد موالاة أهل البيت ، فرفع حاله إلى المنصور ، فتم عليه ما تم.

والذين قالوا بإمامة محمد بن عبد الله الإمام اختلفوا. فمنهم من قال إنه لم يقتل وهو بعد حي ، وسيخرج فيملأ الأرض عدلا. ومنهم من أقر بموته ، وساق الإمامة إلى محمد (٢) بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي

__________________

(١) في المناقب للكردي (٢ : ١٩) : «المعروف أن المنصور أراده أن يتولى القضاء ويخرج القضاة من تحت يده إلى جميع الكور فأبى واعتلّ بعلل. فحلف المنصور أنه إن لم يقبله يحبسه فأصرّ على الإباء فحبسه. وكان يرسل إليه في الحبس أنه إن لم يقبله يضربه فأبى فأمر أن يخرج ويضرب كل يوم عشرة أسواط. فلما تتابع عليه الضرب في تلك الأيام بكى فأكثر البكاء فلم يثبت إلّا يسيرا حتى انتقل إلى جوار الله تعالى فأخرجت جنازته وكثر بكاء الناس عليه ودفن في مقابر الخيزران».

(٢) هو أبو جعفر وكانت العامة تلقبه الصوفي لأنه كان يدمن لبس الثياب من الصوف والأبيض وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد. كان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ويرى رأي الزيدية الجارودية خرج في أيام المعتصم بالطالقان فأخذه عبد الله بن طاهر ووجه به إلى المعتصم بعد وقائع كانت بينه وبينه سنة ٢١٩ ه‍. فأمر به فحبس في قبة في بستان موسى مع المعتصم في داره فهرب من حبسه وتوارى أيام المعتصم وأيام الواثق ، ثم أخذ في أيام المتوكل فحبس حتى مات في حبسه. (راجع مقاتل الطالبيين ص ٣٧٦).

١٨٤

صاحب الطالقان (١). وقد أسر في أيام المعتصم وحمل إليه فحبسه في داره حتى مات. ومنهم من قال بإمامة يحيى (٢) بن عمر صاحب الكوفة ، فخرج ودعا الناس واجتمع عليه خلق كثير ، وقتل في أيام المستعين (٣) ، وحمل رأسه إلى محمد (٤) بن عبد الله بن طاهر ، حتى قال فيه بعض العلوية :

قتلت أعزّ من ركب المطايا

وجئتك أستلينك في الكلام

وعزّ عليّ أن ألقاك إلّا

وفيما بيننا حدّ الحسام

وهو يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي.

* * *

وأما الجارود فكان يسمى سرحوب ، سماه بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر. وسرحوب : شيطان أعمى يسكن البحر ، قاله الباقر تفسيرا.

ومن أصحاب أبي الجارود : فضل الرسان ، وأبو خالد الواسطي. وهم مختلفون في الأحكام والسير. فبعضهم يزعم أن علم ولد الحسن والحسين رضي الله عنهما كعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيحصل لهم العلم قبل التعلم فطرة وضرورة. وبعضهم يزعم أن العلم مشترك فيهم وفي غيرهم. وجائز أن يؤخذ عنهم ، وعن غيرهم من العامة.

__________________

(١) الطالقان : بخراسان بين مروالروذ وبلخ وهي أكبر مدينة بطخارستان. (راجع المعجم).

(٢) أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين. خرج أيام المتوكل فرده ابن طاهر إليه فحبسه ثم خرج إلى الكوفة فدعا إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأظهر العدل وحسن السيرة بها إلى أن قتل ... وكان قتله سنة ٢٥٠ ه‍. (راجع مقاتل الطالبيين ص ٤١٠ وابن الأثير ص ٤٣).

(٣) المستعين بالله أبو العباس ، أحمد بن محمد بن المعتصم بن هارون الرشيد. من خلفاء الدولة العباسية في العراق. بويع بسامراء بعد وفاة المنتصر بن المتوكل سنة ٢٤٨ ه‍. توفي سنة ٢٥٢ ه‍ / ٨٦٦ م.

(٤) محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي نائب بغداد توفي سنة ٢٥٣ ه‍.

١٨٥

(ب) السّليمانيّة (١) : أصحاب سليمان (٢) بن جرير ، وكان يقول إن الإمامة شورى فيما بين الخلق. ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وإنها تصح في المفضول ، مع وجود الأفضل.

وأثبت إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حقا باختيار الأمة حقا اجتهاديا. وربما كان يقول : إن الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي رضي الله عنه خطأ لا يبلغ درجة الفسق. وذلك الخطأ خطأ اجتهادي. غير أنه طعن في عثمان رضي الله عنه للأحداث التي أحدثها ، وأكفره بذلك ، وأكفر عائشة والزبير وطلحة رضي الله عنهم بإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه ، ثم إنه طعن في الرافضة ، فقال : إن أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم ، لا يظهر أحد قط عليهم.

إحداهما : القول بالبداء ، فإذا أظهروا قولا : أنه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور. ثم لا يكون الأمر على ما أظهروه. قالوا : بدا الله تعالى في ذلك.

والثانية : التقية. فكل ما أرادوا تكلموا به. فإذا قيل لهم في ذلك إنه ليس بحق ، وظهر لهم البطلان قالوا : إنما قلناه تقية ، وفعلناه تقية.

وتابعه على القول بجواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل قوم من المعتزلة منهم : جعفر بن مبشر ، وجعفر بن حرب ، وكثير (٣) النوى وهو من أصحاب الحديث. قالوا : الإمامة من مصالح الدين ، ليس يحتاج إليها لمعرفة الله تعالى وتوحيده. فإن ذلك حاصل بالعقل ، لكنها يحتاج إليها لإقامة الحدود ، والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامى ، وحفظ البيضة ، وإعلاء الكلمة ، ونصب القتال

__________________

(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٣٢ وفيه أنهم السليمانية أو الجريرية والتبصير ص ١٧ وخطط المقريزي وفيه أنهم الجريرية).

(٢) كان يقول إن الصحابة تركوا الأصلح بتركهم مبايعة علي لأنه كان أولاهم بها ... وكفر عثمان بما ارتكب من الأحداث فكفره أهل السنّة بتكفير عثمان وقد ظهر أيام الخليفة المنصور. (راجع لسان الميزان ٣ : ٨٠ والفرق بين الفرق ص ٣٣).

(٣) هو كثير بن إسماعيل ويقال ابن نافع النواء أبو إسماعيل كان غاليا في التشيّع. (التهذيب ٨ : ٤١١).

١٨٦

مع أعداء الدين ، وحتى يكون للمسلمين جماعة ، ولا يكون الأمر فوضى بين العامة. فلا يشترط فيها أن يكون الإمام أفضل الأمة علما ، وأقدمهم عهدا ، وأسدهم رأيا وحكمة ، إذ الحاجة تنسد بقيام المفضول مع وجود الفاضل والأفضل (١).

ومالت جماعة من أهل السنّة إلى ذلك حتى جوزوا أن يكون الإمام غير مجتهد ، ولا خبير بمواقع الاجتهاد (٢) ، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد فيراجعه في الأحكام ، ويستفتي منه في الحلال والحرام. ويجب أن يكون في الجملة ذا رأي متين ، وبصر في الحوادث نافذ.

* * *

(ج) الصالحية والبترية (٣) : الصالحية أصحاب الحسن (٤) بن صالح بن حي ، والبترية : أصحاب كثير (٥) النوى الأبتر ، وهما متفقان في المذهب ، وقولهم في الإمامة كقول السليمانية ، إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان : أهو مؤمن أم كافر؟ قالوا :

__________________

(١) قال الأشعري : «يجب أن يكون الإمام أفضل زمانه في شروط الإمامة ولا تنعقد الإمامة لأحد مع وجود من هو أفضل منه فيها فإن عقدها قوم للمفضول كان المعقود له من الملوك دون الأئمة .. واختار أبو العباس القلانسي جواز عقد الإمامة للمفضول إذا كانت فيه شروط الإمامة مع وجود الأفضل منه ، وقال النظام والجاحظ إن الإمامة لا يستحقّها إلّا الأفضل ولا يجوز صرفها إلى المفضول. واجتمعت الروافض على أنه لا يجوز إمامة المفضول إلّا سليمان بن جرير الزيدي ..». (راجع أصول الدين ص ٢٩٣).

(٢) روي عن ابن حنبل ألفاظ تقتضي إسقاط اعتبار العدالة والعلم والفضل ... (راجع الأحكام السلطانية لابن أبي يعلى ص ٤).

(٣) راجع في شأنهما. (الفرق بين الفرق ص ٣٣) وسمّاهما البترية وقال : «هؤلاء أتباع رجلين : أحدهما الحسن بن صالح بن حي والأخير كثير النواء الملقب بالأبتر» ومقالات الإسلاميين ١ : ١٣٦ والتبصير ص ١٧.

(٤) قال ابن النديم في الفهرست ص ٢٦٧ ط مصر «ولد الحسن بن صالح بن حي سنة مائة ، ومات متخفيا سنة ١٦٨ ه‍ وكان من كبار الشيعة الزيدية وعظمائهم وعلمائهم وكان فقيها متكلما ... وللحسن أخوان : أحدهما علي بن صالح ، والآخر صالح بن صالح». (راجع الذهبي في العبر ١ : ٢٤٩ وتهذيب التهذيب ٢ : ٢٨٥). ويرجّح أنه توفي سنة ١٦٧ ه‍.

(٥) توفي في حدود سنة ١٦٩ ه‍.

١٨٧

إذا سمعنا الأخبار الواردة في حقه ، وكونه من العشرة (١) المبشرين بالجنة ، قلنا يجب أن نحكم بصحة إسلامه وإيمانه وكونه من أهل الجنة. وإذا رأينا الأحداث التي أحدثها من استهتاره بتربية بني أمية وبني مروان ، واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة ، قلنا يجب أن نحكم بكفره. فتحيرنا في أمره وتوقفنا في حاله ، ووكلناه إلى أحكم الحاكمين.

وأما عليّ فهو أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأولاهم بالإمامة ، لكنه سلم الأمر لهم راضيا ، وفوض الأمر إليهم طائعا وترك حقه راغبا ، فنحن راضون بما رضي ، مسلمون لما سلم ، لا يحل لنا غير ذلك.

ولو لم يرض عليّ بذلك لكان أبو بكر هالكا. وهم الذين جوزوا إمامة المفضول وتأخير الفاضل والأفضل إذا كان الفاضل راضيا بذلك.

وقالوا : من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وكان عالما ، زاهدا شجاعا ، فهو الإمام. وشرط بعضهم صباحة الوجه ، ولهم خبط عظيم في إمامين (٢) وجدت فيهما هذه الشرائط ، وشهرا سيفيهما ، ينظر إلى الأفضل والأزهد ، وإن تساويا ينظر إلى الأمتن رأيا والأحزم أمرا ، وإن تساويا تقابلا فينقلب الأمر عليهم كلا ويعود الطلب جذعا (٣) ، والإمام مأموما ، والأمير مأمورا ، ولو كانا في

__________________

(١) العشرة المبشرون بالجنّة هم : أبو بكر الصديق ، عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان ، علي بن أبي طالب ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوّام ، عبد الرحمن بن عوف ، سعد بن أبي وقاص ، سعيد بن زيد ، أبو عبيدة بن الجراح.

(٢) جاء في أصول الدين ص ٢٧٤ : «اختلف الموجبون للإمامة في عدد الأئمة في كل وقت. فقال أصحابنا لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان واجبي الطاعة وإنما تنعقد إمامة واحد في الوقت ويكون الباقون تحت رايته وإن خرجوا عليه من غير سبب يوجب عزله فهم بغاة إلّا أن يكون بين البلدين بحر مانع من وصول نصرة أهل واحد منهما إلى الآخرين فيجوز حينئذ لأهل كل واحد منهما عقد الإمامة لواحد من أهل ناحيته. وقالت الرافضة لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان ناطقان ويصحّ أن يكون في الوقت إمامان أحدهما ناطق والآخر صامت وزعموا أن الحسين بن علي كان صامتا في وقت الحسن ثم نطق بعد موته. وزعم قوم من الكرامية أنه يجوز أن يكون في وقت واحد إمامان وأكثر ...».

(٣) عاد الطلب جذعا : إذا أخذ فيه حديثا لا قديما.

١٨٨

قطرين : انفرد كل واحد منهما بقطره ويكون واجب الطاعة في قومه ، ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر كان كل واحد منهما مصيبا ، وإن أفتى باستحلال دم الإمام الآخر.

وأكثرهم في زماننا مقلدون لا يرجعون إلى رأي واجتهاد. أما في الأصول فيرون رأي المعتزلة حذو القذّة بالقذّة (١). ويعظمون أئمة الاعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت وأما في الفروع فهم على مذهب أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعيرحمه‌الله والشيعة.

(د) رجال الزيدية : أبو الجارود زياد (٢) بن المنذر العبدي ، لعنه جعفر (٣) بن محمد الصادق رضي الله عنه ، والحسن بن صالح بن حي ، ومقاتل بن سليمان ، والداعي ناصر الحق الحسن (٤) بن علي بن الحسن بن زيد بن عمر بن الحسين بن علي ، والداعي الآخر صاحب طبرستان : الحسن (٥) بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، ومحمد بن نصر (٦).

٣ ـ الإماميّة

هم القائلون بإمامة عليّ رضي الله عنه بعد النبي عليه الصلاة والسلام ، نصا ظاهرا ، وتعيينا صادقا ، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. قالوا : وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام ، حتى تكون مفارقته الدنيا

__________________

(١) القذة : ريشة السهم.

(٢) هو زياد بن المنذر الهمذاني الخراساني العبدي الأعمى الكوفي الملقب سرحوب ، لقبه به الباقر ويكنى أبا الجارود وقد تقدمت ترجمته.

(٣) تقدمت ترجمته.

(٤) على مذهب الزيدية قيل إن له نحوا من مائة كتاب. (راجع فهرست ابن النديم ص ٢٧٣).

(٥) ظهر في طبرستان سنة ٢٥٠ ه‍ ومات بها. (فهرست ابن النديم ص ٢٧٤).

(٦) في بعض النسخ : ومحمد بن منصور ، وهو أبو جعفر محمد بن منصور المرادي الزيدي وله من الكتب التفسير الكبير وكتاب سيرة الأئمة العادلة ، وله كتب على تلاوة كتب الفقه ورسالة على لسان بعض الطالبيين إلى الحسن بن زيد بطبرستان. (فهرست ابن النديم ص ٢٧٤).

١٨٩

على فراغ قلب من أمر الأمة ، فإنه إنما بعث لرفع الخلاف ، وتقرير الوفاق ، فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملا (١) يرى كل واحد منهم رأيا ، ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه في ذلك غيره ، بل يجب أن يعين شخصا هو الرجوع إليه ، وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه. وقد عين عليا رضي الله عنه في مواضع تعريضا ، وفي مواضع تصريحا.

أما تعريضاته فمثل أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس في المشهد ، وبعث بعده عليا ليكون هو القارئ عليهم ، والمبلغ عنه إليهم ، وقال : نزل عليّ جبريل عليه‌السلام فقال يبلّغه رجل منك ، أو قال من قومك ، وهو يدل على تقديمه عليا عليه ومثل أن كان يؤمّر على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة في البعوث ، وقد أمر عليهما عمرو بن العاص في بعث ، وأسامة (٢) بن زيد في بعث ، وما أمر على عليّ أحدا قط.

وأما تصريحاته فمثل ما جرى في نأنأة (٣) الإسلام حين قال : من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعته جماعة. ثمّ قال : من الّذي يبايعني على روحه وهو وصي ووليّ هذا الأمر من بعدي؟ فلم يبايعه أحد حتّى مدّ أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه يده إليه فبايعه على روحه ووفّى بذلك ، حتى كانت قريش تعير أبا طالب أنه أمرّ عليك ابنك. ومثل ما جرى في كمال الإسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٤) فلما وصل غدير خم أمر بالدوحات فقممن (٥) ، ونادوا : الصلاة جامعة ، ثم قال عليه

__________________

(١) هملا : أي من دون راع يرعاهم.

(٢) تقدمت ترجمته.

(٣) النأنأة : العجز والضعف. وروى عكرمة عن أبي بكر الصديق (رض) أنه قال : طوبى لمن مات في النأنأة مهموزة بمعنى أول الإسلام قبل أن يقوى ويكثر أهله وناصروه والداخلون فيه.

(٤) سورة المائدة : الآية ٦٧.

(٥) قممن : أزلن.

١٩٠

الصلاة والسلام وهو على الرحال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا هل بلّغت؟ ثلاثا» فادعت الإمامية أن هذا نص صريح.

فإننا ننظر من كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مولى له؟ وبأيّ معنى؟ فنطرد ذلك في حق علي رضي الله عنه ، وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه ، حتى قال عمر حين استقبل عليا : طوبى لك يا علي! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

قالوا : وقول النبي عليه الصلاة والسلام : «أقضاكم عليّ» نص في الإمامة ، فإن الإمامة لا معنى لها إلا أن يكون أقضى القضاة في كل حادثة ، والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة ، وهو معنى قول الله سبحانه وتعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) قالوا : فأولو الأمر ، من إليه القضاء والحكم. حتى وفي مسألة الخلافة لما تخاصمت المهاجرون والأنصار ، كان القاضي في ذلك هو أمير المؤمنين علي دون غيره ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما حكم لكل واحد من الصحابة بأخص وصف له فقال : «أقرضكم زيد (٢) ، وأقرؤكم أبيّ (٣) ، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ (٤)» وكذلك حكم لعلي بأخص وصف له ، وهو قوله «أقضاكم عليّ» والقضاء يستدعي كل علم ، وليس كل علم يستدعي القضاء.

ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة طعنا

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٢) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي أبو خارجة. كاتب الوحي. كان رأسا بالمدينة في الفرائض والفتوى والقراءة. وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر توفي سنة ٤٥ ه‍ / ٦٦٥ م. (راجع تذكرة الحفاظ ١ : ١٢٤ وتهذيب التهذيب ٣ : ٣٩٥).

(٣) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد ، من بني النجار ، من الخزرج ، أبو المنذر ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود ، كان يكتب ويقرأ على قلّة العارفين بالكتابة في عصره. ولما أسلم كان من كتاب الوحي. توفي سنة ٢١ ه‍ / ٦٤٢ م. (راجع طبقات ابن سعد ٣ القسم الثاني ص ٥٩).

(٤) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي ، أبو عبد الرحمن ، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام. وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي. توفي سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م. (راجع طبقات ابن سعد ٣ : ١٢٠ القسم الثاني).

١٩١

وتكفيرا ، وأقله ظلما وعدوانا ، وقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عن جملتهم. قال الله تعالى : (لَقَدْ) (١) رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (٢) وكانوا إذ ذاك ألفا وأربعمائة. وقال الله ثناء على المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٣) وقال : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٤) وقال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٥) وفي ذلك دليل على عظمة قدرهم عند الله تعالى ، وكرامتهم ودرجتهم عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فليت شعري : كيف يستجيز ذو دين الطعن فيهم ، ونسبة الكفر إليهم! وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : «عشرة من أصحابي في الجنّة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزّبير ، وسعد بن أبي وقّاص ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرّحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجرّاح» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في حق كل واحد منهم على الانفراد. وإن نقلت هنات من بعضهم ، فليتدبر النقل ، فإن أكاذيب الروافض كثيرة ، وأحداث المحدثين كثيرة.

ثم إن الإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد : الحسن والحسين ، وعلي بن

__________________

(١) يعني بيعة الحديبية وتسمى بيعة الرضوان لهذه الآية ، ورضاء الله سبحانه عنهم هو إرادته تعظيمهم ومثوبهم وهذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين إذ بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة ، وقد بايعوه على أن لا يفروا ، وعلى الموت. وكان أول من بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي. وبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان فضرب بإحدى يديه على الأخرى. قال جابر : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم خير أهل الأرض». وقال : «لا يدخل النار أحد ممّن بايع تحت الشجرة».

(٢) سورة الفتح : الآية ١٨.

(٣) و (٤) سورة التوبة : الآيتان ١٠٠ و ١١٧.

(٥) سورة النور : الآية ٥٥.

١٩٢

الحسين رضي الله عنهم على رأي واحد ، بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها ، حتى قال بعضهم إن نيّفا وسبعين فرقة من الفرق المذكورة في الخبر هو في الشيعة خاصة ، ومن عداهم فهم خارجون عن الأمة. وهم متفقون في الإمامة وسوقها إلى جعفر (١) بن محمد الصادق رضي الله عنه. ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده ، إذ كانت له خمسة أولاد ، وقيل ستة : محمد ، وإسحاق ، وعبد الله ، وموسى ، وإسماعيل ، وعليّ ، ومن ادعى منهم النص والتعيين : محمد ، وعبد الله ، وموسى ، وإسماعيل. ثم منهم من مات ولم يعقب. ومنهم من مات وأعقب. ومنهم من قال بالتوقف ، والانتظار ، والرجعة. ومنهم من قال بالسوق والتعدية كما سيأتي اختلافاتهم عند ذكر طائفة طائفة.

وكانوا في الأول على مذهب أئمتهم في الأصول ، ثم لما اختلفت الروايات عن أئمتهم ، وتمادى الزمان : اختارت كل فرقة منهم طريقة. فصارت الإمامية بعضها معتزلة : إما وعيدية ، وإما تفضيلية. وبعضها إخبارية : إما مشبهة وإما سلفية. ومن ضل الطريق وتاه لم يبال الله به في أيّ واد هلك.

(أ) الباقريّة (٢) والجعفريّة الواقفة : أتباع : محمد (٣) بن الباقر بن علي زين العابدين ، وابنه جعفر الصادق. قالوا بإمامتهما وإمامة والدهما زين العابدين. إلا أن منهم من توقف على واحد منهما ، وما ساق الإمامة إلى أولادهما. ومنهم من ساق. وإنما ميزنا هذه فرقة دون الأصناف المتشيعة التي نذكرها ، لأن من الشيعة من توقف على الباقر وقال برجعته (٤) ، كما توقف القائلون بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد

__________________

(١) تقدمت ترجمته توفي سنة ١٤٨ ه‍ ودفن بالبقيع.

(٢) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٥٩ والتبصير ص ٢٢).

(٣) توفي محمد بن الباقر سنة ١١٤ ه‍.

(٤) في «الفرق بين الفرق» (ص ٥٩ ـ ٦٠) : «وقالوا : إن عليا نصّ على إمامة ابنه الحسن ، ونص الحسن على إمامة الحسين زين العابدين ، ونص زين العابدين على إمامة محمد بن علي المعروف بالباقر ، وزعموا أنه هو المهدي المنتظر بما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لجابر بن عبد الله الأنصاري : «إنك تلقاه فاقرئه مني السلام» وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة وكان قد عمي في آخر عمره ، وكان يمشي في ـ

١٩٣

الصادق ، وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات.

وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم. ثم دخل العراق وأقام بها مدة. ما تعرض للإمامة قط ، ولا نازع أحدا في الخلافة قط. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شطّ ، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط. وقيل : من أنس بالله توحش عن الناس ، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس.

وهو من جانب الأب ينتسب إلى شجرة النبوة ، ومن جانب الأم ينتسب إلى أبي بكر (١) الصديق رضي الله عنه. وقد تبرأ عما كان ينسب إليه بعض الغلاة وبرئ منهم ولعنهم. وبرئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة والرجعة ، والبداء ، والتناسخ ، والحلول والتشبيه. لكن الشيعة بعده افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهبا ، وأراد أن يروّجه على أصحابه فنسبه إليه وربطه به ، والسيد برئ من ذلك ومن الاعتزال ، والقدر أيضا.

هذا قوله في الإرادة «إن الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا. فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أظهره لنا. فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا؟».

__________________

ـ المدينة ويقول : يا باقر ، يا باقر ، متى ألقاك؟ فمرّ يوما في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبيا كان في حجرها فقال لها : من هذا؟ فقالت : هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي ، فضمه إلى صدره وقبّل رأسه ويديه ثم قال : يا بنيّ جدّك رسول الله يقرئك السلام. ثم قال جابر : قد نعيت إلى نفسي فمات في تلك الليلة.

وحجتهم في هذا أن رسول الله بعث يقرئ عليه‌السلام. فدلّ على أنه المهدي المنتظر».

(١) أمّه أم فروة وقيل أم القاسم واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وهذا معنى قول الصادق إن أبا بكر ولدني مرّتين وفي ذلك يقول الشريف الرضي :

وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم بن محمد

(راجع أعيان الشيعة ٤ : ٥٤٢).

١٩٤

وهذا قوله في القدر : هو أمر بين أمرين : لا جبر ولا تفويض.

وكان يقول في الدعاء : اللهم لك الحمد إن أطعتك ، ولك الحجة إن عصيتك. لا صنع لي ولا لغيري في إحسان ، ولا حجة لي ولا لغيري في إساءة.

فنذكر الأصناف الذين اختلفوا فيه ونعدهم ، لا على أنهم من تفاصيل أشياعه ، بل على أنهم منتسبون إلى أصل شجرته ، وفروع أولاده ، ليعلم ذلك.

(ب) النّاووسيّة (١) : أتباع رجل يقال له : ناووس (٢) ، وقيل نسبوا إلى قرية ناووسا(٣) ، قالت إن الصادق حي بعد ، ولن يموت حتى يظهر فيظهر أمره. وهو القائم المهدي. ورووا عنه أنه قال : لو رأيتم رأسي يدهده (٤) عليكم من الجبل فلا تصدقوا ، فإني صاحبكم صاحب السيف.

وحكى أبو حامد الزّوزني أن الناووسية زعمت أن عليا باق وستنشق الأرض عنه يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا.

(ج) الأفصحيّة (٥) : قالوا : بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبد الله

__________________

(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٦١ والتبصير ص ٢٢ ومقالات الإسلاميين للأشعري ١ : ٩٧).

(٢) في «الفرق بين الفرق» : «هم أتباع رجل من أهل البصرة كان ينتسب إلى ناووس بها».

ويقول الأشعري : «وهذه الفرقة تسمى الناووسية لقبوا برئيس لهم لهم يقال له عجلان بن ناووس من أهل البصرة».

وجاء في الحور العين ص ١٦٢ أنهم : «أتباع رجل يقال له ناووس ، وقيل : نسبوا إلى قرية ناووسي».

وفي فرق الشيعة أيضا ص ٦٧ «النّاووسيّة نسبة إلى عجلان بن ناوس ، وهو رئيس لهم من أهل البصرة وتسمى هذه الفرقة بالصارميّة».

(٣) لم نهتد في المراجع التي لدينا على قرية بهذا الاسم.

(٤) يدهدهه : يدحرجه ، والفعل دهده.

(٥) سماها عبد القاهر في الفرق بين الفرق : العماريّة ، وقال : «هم منسوبون إلى زعيم منهم يسمى عمارا ، وهم يسوقون الإمامة إلى جعفر الصادق ، ثم زعموا أن الإمام بعده ولده عبد الله ، وكان أكبر أولاده ، وكان أفطح الرجلين ، ولهذا قيل لأتباعه «الأفطحيّة».

١٩٥

الأفطح (١) ، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأمه ، وأمهما فاطمة بنت الحسين بن الحسين بن الحسن بن علي ، وكان أسنّ أولاد الصادق.

زعموا أنه قال : الإمامة في أكبر أولاد الإمام. وقال : الإمام من يجلس مجلسي. وهو الذي جلس مجلسه ، والإمام لا يغسله ولا يصلي عليه ولا يأخذ خاتمه ولا يواريه إلا الإمام. وهو الذي تولّى ذلك كله. ودفع الصادق وديعة إلى بعض أصحابه وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها منه وأن يتخذه إماما. وما طلبها منه أحد إلا عبد الله ومع ذلك ما عاش بعد أبيه إلا سبعين يوما ومات ولم يعقب ولدا ذكرا.

(د) الشّميطية (٢) : أتباع يحيى بن أبي شميط (٣) ، قالوا إن جعفرا قال : إن صاحبكم اسمه اسم نبيكم ، وقد قال له والده رضوان الله عليهما : إن ولد لك ولد فسميته باسمي فهو الإمام ، فالإمام بعده ابنه محمد (٤).

(ه) الإسماعيلية الواقفة (٥) : قالوا إن الإمام بعد جعفر إسماعيل نصا عليه باتفاق من أولاده ، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه. فمنهم من قال لم يمت (٦) ، إلا أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس ، وأنه عقد محضرا وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة.

__________________

(١) الأفطح : الرجل إذا اعوجّت رجله حتى ينقلب قدمها إلى إنسيها. وقيل : هو أن يكون سيره على ظهر قدمه.

(٢) راجع التبصير ص ٢٣ ومقالات الإسلاميين ١ : ٩٩ والفرق بين الفرق ٦١.

(٣) يحيى بن أبي شميط ، وفي بعض الكتب يحيى بن أبي سميط (بالسّين) ، وفي بعضها يحيى بن شميط وفي بعضها أيضا يحيى بن شميط الأخمسي. وكان قائدا من قواد المختار. (راجع فرق الشيعة ص ٧٧).

(٤) في الفرق بين الفرق : «وأقروا بموت جعفر ... وزعموا أن المنتظر من ولده».

(٥) راجع فرق الشيعة ص ٨١.

(٦) وتعتقد فرقة بأنه حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام وللقائم غيبتان وتعتقد أخرى أنه مات وعاش بعد موته وهو اليوم حيّ مستتر لا يظهر وسيظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (فرق الشيعة ص ٩٧).

١٩٦

ومنهم من قال موته صحيح ، والنص لا يرجع قهقرى ، والفائدة في النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم. فالإمام بعد إسماعيل : محمد بن إسماعيل ، وهؤلاء يقال لهم المباركية (١). ثم منهم من وقف على محمد (٢) بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته.

ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم ، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم ، وهم الباطنية ، وسنذكر مذاهبهم على الانفراد ، وإنما مذهب هذه الفرقة الوقف على إسماعيل بن جعفر ، أو محمد بن إسماعيل. والإسماعيلية المشهورة في الفرق منهم هم الباطنية التعليميّة الذين لهم مقالة مفردة.

(و) الموسويّة (٣) ، والمفضّليّة (٤) : فرقة واحدة قالت بإمامة موسى (٥) بن جعفر نصا عليه بالاسم ، حيث قال الصادق رضي الله عنه : سابعكم قائمكم ، وقيل صاحبكم قائمكم ، ألا وهو سمي صاحب التوراة.

ولما رأت الشيعة أن أولاد الصادق على تفرق ، فمن ميت في حال حياة أبيه

__________________

(١) سموا بالمباركية برئيس لهم كان يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر وهو كوفي. (فرق الشيعة ص ٦٩).

(٢) ذكر أصحاب الأنساب في كتبهم أن محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب. (الفرق بين الفرق ص ٦٤). ومحمد بن إسماعيل بن جعفر هو الذي سأل عمه الإمام أبا الحسن موسى أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه ويوصيه بوصيّة فأذن له وأوصاه ودفع له ثلاث صرر كل صرّة فيها مائة وخمسون دينارا ثم أعطاه ألفا وخمسمائة درهم فلما وصل إلى العراق دخل على الرشيد فقال : يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج ... فأمر الخليفة له بمائة ألف درهم فلما قبضها وحملت إلى منزله أخذته الريح في جوف ليلته فمات وحول من الغد المال الذي حمل إليه. (فرق الشيعة ٦٨).

(٣) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٦٣ والتبصير ص ٢٣ ومقالات الأشعري ١ : ١٠٠) وسمّاها «الموسائية» وليس بقياس والصواب في النسب إلى موسى «موسوية» كما هنا وفيما أشرنا إليه من المراجع.

(٤) هم أتباع المفضّل بن عمر. (المقريزي ٤ : ١٧٥).

(٥) هو موسى الكاظم المتوفى سنة ١٧٣ ه‍ وله مشهد معروف ببغداد.

١٩٧

ولم يعقب ، ومن مختلف في موته ، ومن قائم بعد موته مدة يسيرة ، ومن ميت غير معقب ، وكان موسى هو الذي تولى الأمر وقام به بعد موت أبيه ، رجعوا إليه واجتمعوا عليه مثل المفضل بن عمر ، وزرارة بن أعين ، وعمار الساباطي.

وروت الموسوية عن الصادق رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه : عدّ الأيام فعدّها من الأحد حتى بلغ السبت ، فقال له : كم عددت؟ فقال : سبعة ، فقال : جعفر سبت السبوت ، وشمس الدهور ، ونور الشهور. من لا يلهو ولا يلعب ، وهو سابعكم قائمكم هذا. وأشار إلى ولده موسى الكاظم. وقال فيه أيضا : إنه شبيه بعيسى عليه‌السلام.

ثم إن موسى لما خرج وأظهر الإمامة حمله هارون الرشيد من المدينة فحبسه عند عيسى بن جعفر (١) ، ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك (٢) ، وقيل إن يحيى بن خالد بن برمك سمّه في رطب فقتله وهو في الحبس ، ثم أخرج ودفن في مقابر قريش ببغداد واختلفت الشيعة بعده.

فمنهم من توقف في موته وقال : لا ندري أمات أم لم يمت! ويقال لهم الممطورة ، سماهم بذلك عليّ بن إسماعيل ، فقال : ما أنتم إلا كلاب ممطورة (٣) ، ومنهم من قطع بموته ويقال لهم القطعية ، ومنهم من توقف عليه ، وقال إنه لم يمت ، وسيخرج بعد الغيبة ، ويقال لهم الواقفة.

(ز) الاثنا عشريّة (٤) : إن الذين قطعوا بموت موسى الكاظم بن جعفر

__________________

(١) من أمراء العباسيين وهو أخو زبيدة زوج الرشيد توفي سنة ١٩٢ ه‍. (الطبري ١٠ : ٥٣ و ١٠٩).

(٢) السندي بن شاهك : كان يلي الجسرين ببغداد أيام الرشيد وقد وكلّه بدور البرامكة سرا. قال : فوكلت بدورهم سرا على خوف مني ووجل ... وأن يتصل خبر توكيلي بهم فيكون سبب هلاكي فظللت يومي مهموما. فلما كان في السحر إذا على بغل خرج فيه جثة جعفر مقطوعة نصفين وكتاب الرشيد إليّ بصلب كل نصف على أحد الجسرين ففعلت ذلك. (راجع الجهشياري ص ٢٣٦).

(٣) أراد أنهم أنتن من جيف لأن الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف فلزمهم هذا اللّقب فإذا قيل إنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر. (فرق الشيعة ص ٨١).

(٤) سمّاها عبد القاهر «القطعيّة» (ص ٦٤) وذكر الأشعري هذه الفرقة ١ : ٨٨ ، ١٠١ وذكر أوجه الاختلاف ولكنه لم يسمها باسم. (راجع التبصير ص ٢٣).

١٩٨

الصادق وسموا قطعية ، ساقوا الإمامة بعده في أولاده ، فقالوا : الإمام بعد موسى الكاظم : ولده علي الرضا ، ومشهده بطوس (١) ، ثم بعده : محمد التقي ، لجواد أيضا ، وهو في مقابر قريش ببغداد ، ثم بعده : عليّ بن محمد التقي ، ومشهده بقمّ ، وبعده : الحسن العسكري الزكي ، وبعده : ابنه محمد القائم المنتظر الذي هو بسرّ من رأى (٢) ، وهو الثاني عشر ، هذا هو طريق الاثنا عشرية في زماننا.

إلا أن الاختلافات التي وقعت في حال كل واحد من هؤلاء الاثنا عشر ، والمنازعات التي جرت بينهم وبين إخوتهم وبني أعمامهم وجب ذكرها لئلا يشذ عنا مذهب لم نذكره ومقالة لم نوردها.

فاعلم أن من الشيعة من قال بإمامة : أحمد (٣) بن موسى بن جعفر دون أخيه عليّ (٤) الرضا ، ومن قال بعلي : شك أولا في محمد بن عليّ ، إذ مات أبوه وهو صغير غير مستحق للإمامة (٥) ولا علم عنده بمناهجها ، وثبت قوم على إمامته واختلفوا بعد موته أيضا ، فقال قوم بإمامة موسى بن محمد ، وقال قوم آخرون بإمامة عليّ بن محمد ، ويقولون هو العسكري ، واختلفوا بعد موته أيضا ، فقال قوم بإمامة جعفر بن علي ، وقال قوم بإمامة محمد بن عليّ ، وقال قوم بإمامة الحسن بن علي ، وكان لهم رئيس يقال له علي بن فلان الطاحن (٦) ، وكان من أهل الكلام ، قوّى أسباب جعفر بن علي ، وأمال الناس إليه ، وأعانه فارس (٧) بن حاتم بن ماهويه ؛

__________________

(١) اسم مدينة بخراسان قريبة من نيسابور بها قبر هارون الرشيد وقبر علي بن موسى الرضا. (معجم البلدان ٤ : ٤٩).

(٢) سر من رأى : سامراء بالعراق وبها السرداب المشهور.

(٣) أحمد بن موسى بن جعفر : كان كريما. أعتق ألف مملوك كان في عصر المأمون. (فرق الشيعة ص ٨٧).

(٤) علي الرضا بن موسى الكاظم ولد سنة ١٥٣ ه‍ وأمه أم ولد وسمّيت بالطاهرة. كان المأمون يعظمه ويجلّه وزوّجه ابنته.

(٥) توفي أبو الحسن الرضا وابنه محمد ابن سبع سنين. (فرق الشيعة ص ٨٨).

(٦) قيل الطاحي وقيل الطاجني وهو من متكلمي أهل الكوفة كان متكلما محجاجا. (فرق الشيعة ص ٩٩).

(٧) قال في فرق الشيعة (ص ٩٩) : وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه. القزويني غير أن هذه أنكرت إمامة الحسن بن علي وكان فارس هذا فتّانا يفتن الناس ويدعوهم إلى البدعة.

١٩٩

وذلك أن عليا قد مات ، وخلف الحسن العسكري ، قالوا : امتحنا الحسن فلم نجد عنده علما ، ولقبوا من قال بإمامة الحسن الحمارية ، وقووا أمر جعفر بعد موت الحسن واحتجوا بأن الحسن مات بلا خلف فبطلت إمامته ، ولأنه لم يعقب ، والإمام لا يموت إلا ويكون له خلف وعقب.

وحاز جعفر ميراث الحسن بعد دعاوى ادعاها عليه أنه فعل ذلك من حبل في جواريه وغيرهم ، وانكشف أمره عند السلطان والرعية وخواص الناس وعوامهم ، وتشتت كلمة من قال بإمامة الحسن وتفرقوا أصنافا كثيرة ، فثبتت هذه الفرقة على إمامة جعفر ، ورجع إليهم كثير ممن قال بإمامة الحسن ، منهم : الحسن (١) بن علي بن فضال ، وهو من أجلّ أصحابهم وفقهائهم ، كثير الفقه والحديث ، ثم قالوا بعد جعفر بعلي بن جعفر وفاطمة بنت علي أخت جعفر ، وقال قوم بإمامة علي بن جعفر دون فاطمة السيدة ثم اختلفوا بعد موت علي وفاطمة اختلافا كثيرا ، وغلا بعضهم في الإمامة غلوا كأبي الخطاب الأسدي (٢).

وأما الذين قالوا بإمامة الحسن فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة وليست لهم ألقاب مشهورة ، ولكننا نذكر أقاويلهم.

الفرقة الأولى : قالت إن الحسن لم يمت ، وهو القائم ، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهرا ، لأن الأرض لا تخلو من إمام ؛ وقد ثبت عندنا أن القائم له غيبتان ، وهذه إحدى الغيبتين ، وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة أخرى.

الثانية : قالت إن الحسن مات ولكنه يحيا وهو القائم ، لأن رأينا أن معنى القائم هو القيام بعد الموت ، فنقطع بموت الحسن ولا نشك فيه ، ولا ولد له ، فيجب أن يحيا بعد الموت.

__________________

(١) الحسن بن علي بن فضال التيمي الكوفي أبو بكر روى عن موسى بن جعفر وابنه علي وغيرهما. كان يقول بإمامة عبد الله بن جعفر ثم رجع إلى إمامة أبي الحسن وكان خصّيصا بالرضا. وكان من مصنفي الشيعة توفي سنة ٢٢٤ ه‍. (لسان الميزان ٢ : ٢٢٥).

(٢) هو أبو الخطاب : محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي ويكنّى أيضا أبا الظبيان. (فرق الشيعة ص ٤٢).

٢٠٠