الملل والنّحل - ج ١

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

الملل والنّحل - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


المحقق: أمير علي مهنا و علي حسن فاعور
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٧

والذين اعتزلوا إلى جانب فلم يكونوا مع علي رضي الله عنه في حروبه ، ولا مع خصومه ، وقالوا : لا ندخل في غمار الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم : عبد الله بن عمر (١) ، وسعد (٢) بن أبي وقاص ، ومحمد (٣) بن مسلمة الأنصاري ، وأسامة (٤) بن زيد بن حارثة الكلبي ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال قيس (٥) بن أبي حازم : كنت مع علي رضي الله عنه في جميع أحواله وحروبه حتى قال في يوم صفين : «انفروا إلى بقية الأحزاب ، انفروا إلى من يقول : كذب الله ورسوله ، وأنتم تقولون : صدق الله ورسوله» فعرفت أي شيء كان يعتقد في الجماعة ، فاعتزلت عنه.

الفصل الخامس

المرجئة (٦)

الإرجاء على معنيين :

أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (٧) ، أي أمهله وأخره.

والثاني : إعطاء الرجاء.

__________________

(١) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المتوفى سنة ٧٣ ه‍. (راجع ترجمته في أسد الغابة ٣ : ٢٢٧).

(٢) هو سعد بن مالك ، وهو سعد بن أبي وقاص أسلم قبل أن تفرض الصلاة وهو أحد الذين شهد لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة توفي سنة ٥٥ ه‍. (راجع ترجمته في أسد الغابة ٢ : ٢٩٠ والعقد الفريد ص ٥٢).

(٣) هو محمد بن مسلمة الأنصاري الأوسي كان صاحب العمال أيام عمر توفي سنة ٤٦ ه‍. (راجع أسد الغابة ٤ : ٣٣٠).

(٤) تقدمت ترجمته.

(٥) هو قيس بن أبي حازم الأحمسي البجلي. بصري. كان ثقة كثير العبادة. (راجع لسان الميزان ٢ : ١٦١ وابن الأثير ٣ : ١٥٢).

(٦) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ١٣٩ والتبصير ص ٥٩ ومقالات الإسلاميين تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ١ : ١٩٧).

(٧) سورة الأعراف : الآية ١١١.

١٦١

أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح. لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد.

وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون : لا تضر مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة. فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا ، من كونه من أهل الجنة ، أو من أهل النار (١). فعلى هذا : المرجئة ، والوعيدية فرقتان متقابلتان.

وقيل الإرجاء : تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة. فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان :

والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية ، والمرجئة الخالصة. ومحمد بن شبيب ، والصالحي ، والخالدي من مرجئة القدرية. وكذلك الغيلانية أصحاب غيلان الدمشقي ، أول من أحدث القول بالقدر والإرجاء ، ونحن إنما نعد مقالات المرجئة الخالصة منهم.

١ ـ اليونسيّة (٢)

أصحاب يونس (٣) بن عون النميري ، زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله ،

__________________

(١) روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا» قيل : من المرجئة يا رسول الله؟ قال: «الذين يقولون الإيمان كلام» يعني الذين زعموا أن الإيمان هو الإقرار وحده دون غيره. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٢).

(٢) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٢ والتبصير ص ٦٠ والمقالات ١ : ١٩٨).

(٣) يونس بن عون النميري وأتباعه اليونسية ، وهم غير اليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي ، الذين يزعمون أن النصف الأعلى لله مجوف والأدنى مصمت. وهؤلاء من الإمامية. أما أتباع ابن عون فمن المرجئة. وابن عون كان يزعم أن الإيمان في القلب واللسان ، وأنه هو المعرفة بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له بالقلب ، والإقرار باللسان أنه واحد ليس كمثله شيء ، ما لم تقم حجة الرسل عليهم‌السلام ، فإن قامت عليهم [لزمهم] التصديق لهم ومعرفة ما جاء من عندهم في الجملة من الإيمان ، وليست معرفة تفصيل ما جاء من عندهم إيمانا ولا من جملته. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٣ والتبصير ص ٧١ والاعتقادات ص ٧٤).

١٦٢

والخضوع له ، وترك الاستكبار عليه ، والمحبة بالقلب. فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان ولا يضر تركها حقيقة الإيمان ، ولا يعذب على ذلك إلا إذا كان الإيمان خالصا ، واليقين صادقا.

وزعم أن إبليس كان عارفا بالله وحده ، غير أنه كفر باستكباره عليه ، (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١) قال : ومن تمكن في قلبه الخضوع لله ، والمحبة له على خلوص ويقين لم يخالفه في معصية ، وإن صدرت منه معصية فلا تضره بيقينه وإخلاصه. والمؤمن إنما يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته ، لا بعمله وطاعته.

٢ ـ العبيديّة

أصحاب عبيد المكتئب (٢). حكى عنه أنه قال : ما دون الشرك مغفور لا محالة ، وإن العبد إذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الآثام واجترح من السيئات. وحكى اليمان عن عبيد المكتئب وأصحابه أنهم قالوا : إن علم الله تعالى لم يزل شيئا غيره. وإن كلامه لم يزل شيئا غيره. وكذلك دين الله لم يزل شيئا غيره. وزعم أن الله ـ تعالى عن قولهم ـ على صورة إنسان ، وحل عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله خلق آدم على صورة الرّحمن».

٣ ـ الغسّانيّة (٣)

أصحاب غسان (٤) الكوفي. زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسوله ،

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٣٤.

(٢) في «الفصل في الملل والأهواء والنحل ص ١٨٧» أنه عبيد المكبت. وفي «نسخة» : عبيد المكتب. وفي تهذيب التهذيب ٧ : ٧٤ : «هو عبيد بن مهران المكتب الكوفي» ، روى عن مجاهد والشعبي وغيرهما. قال أبو حاتم : ثقة صالح الحديث. وقال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث وروى عنه السفيانان وفضيل وغيرهم.

(٣) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٣ والتبصير ص ٦٠).

(٤) هو غسان الكوفي المرجئ. وليس هو غسان بن أبان المحدث كما وهم بعضهم فإن ابن أبان يمامي وذاك كوفي. وقد زعم في كتابه أن قوله في هذا الكتاب أن الإيمان يزيد ولا ينقص كقول أبي حنيفة فيه وهذا غلط منه عليه لأن أبا حنيفة قال : إن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى وبرسله وبما جاء من الله تعالى ورسله في الجملة دون التفصيل وأنه لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه ، وغسان قد قال بأنه يزيد ولا ينقص. (راجع ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢١ والفرق بين الفرق ص ١٤١).

١٦٣

والإقرار بما أنزل الله ، وبما جاء به الرسول في الجملة دون التفصيل. والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وزعم أن قائلا لو قال : أعلم أن الله تعالى قد حرم أكل الخنزير ، ولا أدري هل الخنزير الذي حرمه : هذه الشاة أم غيرها؟ كان مؤمنا. ولو قال : أعلم أن الله تعالى فرض الحج إلى الكعبة ، غير أني لا أدري أين الكعبة؟ ولعلها بالهند ؛ كان مؤمنا. ومقصوده أن أمثال هذه الاعتقادات أمور وراء الإيمان ، لا أنه كان شاكا في هذه الأمور ، فإن عاقلا لا يستجيز من عقله أن يشك في أن الكعبة : إلى أي جهة هي؟ وأن الفرق بين الخنزير والشاة ظاهر.

ومن العجيب أن غسان كان يحكي عن أبي حنيفة رحمه‌الله مثل مذهبه ، ويعده من المرجئة ، ولعله كذب كذلك عليه. لعمري! كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه مرجئة السنّة ، وعده كثير من أصحاب المقالات من جملة المرجئة ، ولعل السبب فيه أنه لما كان يقول : الإيمان هو التصديق بالقلب ، وهو لا يزيد ولا ينقص ، ظنوا أنه يؤخر العمل عن الإيمان. والرجل مع تخريجه في العمل كيف يفتي بترك العمل! وله سبب آخر ، وهو أنه كان يخالف القدرية ، والمعتزلة الذين ظهروا في الصدر الأول. والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر مرجئا ، وكذلك الوعيدية من الخوارج. فلا يبعد أن اللقب إنما لزمه من فريقي المعتزلة والخوارج ، والله أعلم.

٤ ـ الثوبانيّة (١)

أصحاب أبي ثوبان المرجئ ، الذين زعموا أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبرسله عليهم الصلاة والسلام ، وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله ، وما جاز في العقل تركه فليس من الإيمان ، وأخر العمل كله عن الإيمان (٢).

__________________

(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٤ والتبصير ص ٦١ ومقالات الإسلاميين ١ : ١٩٩).

(٢) فارقوا اليونسية والغسانية بإيجابهم في العقل شيئا قبل ورود الشرع بوجوبه. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٤).

١٦٤

ومن القائلين بمقالة أبي ثوبان هذا : أبو مروان غيلان (١) بن مروان الدمشقي ، وأبو شمر (٢) ، ومويس (٣) بن عمران ، والفضل الرقاشي ، ومحمد (٤) بن شبيب ، والعتابي ، وصالح قبة (٥).

وكان غيلان يقدر بالقدر خيره وشره من العبد ، وفي الإمامة أنها تصلح في غير قريش، وكل من كان قائما بالكتاب والسنة كان مستحقا لها ، أو أنها لا تثبت إلا بإجماع الأمة. والعجب أن الأمة أجمعت على أنها لا تصلح لغير قريش. وبهذا دفعت الأنصار عن قولهم : منا أمير ومنكم أمير. فقد جمع غيلان خصالا ثلاثا : القدر ، والإرجاء ، والخروج.

والجماعة التي عددناهم اتفقوا على أن الله تعالى لو عفا عن عاص في القيامة ، عفا عن كل مؤمن عاص هو في مثل حاله. وإن أخرج من النار واحدا ، أخرج من هو في مثل حاله. ومن العجب أنهم لم يجزموا القول بأن المؤمنين من أهل التوحيد يخرجون من النار لا محالة.

ويحكى عن مقاتل بن سليمان : أن المعصية لا تضر صاحب التوحيد والإيمان. وأنه لا يدخل النار مؤمن. والصحيح من النقل عنه : أن المؤمن العاصي ربه يعذب يوم القيامة على الصراط وهو على متن جهنم ، يصيبه لفح النار وحرها

__________________

(١) تقدمت ترجمته.

(٢) قال عبد القاهر البغدادي ص ٢٠٦ : «قال أبو شمر : الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه الأمّة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ووطء المحارم ونحو ذلك وما عرف بالعقل من عدل الإيمان وتوحيده ونفي التشبيه». وأبو شمر جمع بين الإرجاء والقدر من أصحاب النظام ، وهو رأس الشمرية.

(٣) في «نسخة» : موسى بن عمران.

(٤) محمد بن شبيب الدمشقي ، وهو غير محمد بن شبيب الزهراني البصري الذي روى عن الشعبي والحسن فإنه محدث ثقة. أما الدمشقي فهو من أصحاب النظام وممن جمع بين الإرجاء والقدر. (راجع تهذيب التهذيب ٩ : ٢١٨).

(٥) صالح قبة : يظهر أنه صالح بن محمد الترمذي وكان مرجئا جهميا. (راجع الميزان ١ : ٤٥٩).

١٦٥

ولهيبها. فيتألم بذلك على قدر معصيته ثم يدخل الجنة ، ومثّل ذلك بالحبة على المقلاة المؤججة بالنار.

ونقل عن بشر بن غياث المريسي (١) أنه قال : إذا دخل أصحاب الكبائر النار فإنهم سيخرجون عنها بعد أن يعذبوا بذنوبهم. وأما التخليد فيها فمحال ، وليس بعدل.

وقيل إن أول من قال بالإرجاء : الحسن (٢) بن محمد بن عليّ بن أبي طالب ، وكان يكتب فيه الكتب إلى الأمصار. إلا أنه ما أخر العمل عن الإيمان كما قالت المرجئة اليونسية ، والعبيديّة ، لكنه حكم بأن صاحب الكبيرة لا يكفر إذ الطاعات وترك المعاصي ليست من أصل الإيمان حتى يزول الإيمان بزوالها.

٥ ـ التّومنيّة (٣)

أصحاب (٤) أبي معاذ التومني ، زعم أن الإيمان هو ما عصم من الكفر ، وهو اسم لخصال إذا تركها كفر ، وكذلك لو ترك خصلة واحدة منها كفر ، ولا يقال للخصلة الواحدة منها إيمان ، ولا بعض إيمان ، وكل معصية كبيرة أو صغيرة لم يجمع عليها المسلمون بأنها كفر لا يقال لصاحبها فاسق ، ولكن يقال فسق وعصى ، قال : وتلك الخصال هي المعرفة والتصديق والمحبة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول ، قال : ومن ترك الصلاة والصيام مستحلا كفر ، ومن

__________________

(١) في حديثه عن المريسيّة قال عبد القاهر البغدادي ص ٢٠٤ : «هؤلاء مرجئة بغداد من أتباع بشر المريسي وكان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي ، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف وضلّلته الصفاتيّة في ذلك. ولما وافق الصفاتية ـ في القول بأن الله تعالى خالق أكساب العباد ، وفي أن الاستطاعة مع الفعل ـ أكفرته المعتزلة في ذلك فصار مهجور الصفاتية والمعتزلة معا.

(٢) الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي. روي أنه صنّف كتابا في الإرجاء ثم ندم عليه ، وكان من عقلاء قومه وعلمائهم. توفي سنة ١٠١ ه‍ وقيل سنة ٩٥ ه‍. (الشذرات ١ : ١٢١).

(٣) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٣ والتبصير ص ٦١ ومقالات الإسلاميين ١ : ٢٠٤).

(٤) هم فرقة من المرجئة. (راجع اللباب ١ : ١٨٧).

١٦٦

تركهما على نية القضاء لم يكفر ، ومن قتل نبيا أو لطمه كفر ، لا من أجل القتل واللطم ، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض.

وإلى هذا المذهب ميل ابن الراوندي ، وبشر المريسي ، قالا : الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا ، والكفر هو الجحود والإنكار ، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنه علامة الكفر.

٦ ـ الصالحية

أصحاب صالح (١) بن عمر الصالحي ، والصالحي ، ومحمد بن شبيب ، وأبو شكر ، وغيلان ؛ كلهم جمعوا بين القدر والإرجاء ، ونحن وإن شرطنا أن نورد مذاهب المرجئة الخالصة إلا أنه بدا لنا في هؤلاء ، لانفرادهم عن المرجئة بأشياء.

فأما الصالحي فقال : الإيمان هو المعرفة بالله تعالى على الإطلاق ، وهو أن للعالم صانعا فقط ، والكفر هو الجهل به على الإطلاق ، قال : وقول القائل : ثالث ثلاثة ، ليس بكفر لكنه لا يظهر إلا من كافر ، وزعم أن معرفة الله تعالى هي المحبة والخضوع له. ويصح ذلك مع حجة الرسول ، ويصح في العقل أن يؤمن بالله ، ولا يؤمن برسوله ، غير أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال : «من لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله تعالى» وزعم أن الصلاة ليست بعبادة الله تعالى ، وأنه لا عبادة له إلا الإيمان به ، وهو معرفته ؛ وهو خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص ، وكذلك الكفر خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص.

وأما أبو شمر المرجئ القدري ، فإنه زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله عزوجل ، والمحبة والخضوع له بالقلب والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء ، ما لم تقم عليه حجة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فإذا قامت الحجة فالإقرار بهم وتصديقهم من الإيمان والمعرفة ، والإقرار بما جاءوا به من عند الله غير داخل في

__________________

(١) في «الفرق بين الفرق» ، أنه من شيوخ المعتزلة وهو من الواقفية في وعيد مرتكبي الكبائر وقد أجاز من الله تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة.

١٦٧

الإيمان الأصلي ، وليست كل خصلة من خصال الإيمان إيمانا ولا بعض إيمان ، فإذا اجتمعت كانت كلها إيمانا ، وشرط في خصال الإيمان معرفة العدل ، يريد به القدر خيره وشره من العبد من غير أن يضاف إلى الباري تعالى منه شيء.

* * *

وأما غيلان بن مروان من القدرية المرجئة ، فإنه زعم أن الإيمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له ، والإقرار بما جاء به الرسول ، وبما جاء من عند الله ، والمعرفة الأولى فطرية ضرورية. فالمعرفة على أصله نوعان : فطرية ، وهي علمه بأن للعالم صانعا ، ولنفسه خالقا ، وهذه المعرفة لا تسمى إيمانا ، إنما الإيمان هو المعرفة الثانية المكتسبة.

تتمة رجال المرجئة كما نقل :

الحسن بن محمد بن عليّ بن أبي طالب ، وسعيد (١) بن جبير ، وطلق (٢) بن حبيب ، وعمرو (٣) بن مرة ، ومحارب (٤) بن زياد ، ومقاتل (٥) بن سليمان ، وذر (٦) ،

__________________

(١) هو سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي أبو عبد الله : تابعي. كان أعلمهم على الإطلاق ، أخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر. كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه ، قال : أتسألونني وفيكم ابن دهماء؟ يعني سعيدا. ولما خرج عبد الرحمن بن محمد الأشعث على عبد الملك بن مروان كان سعيد معه إلى أن قتل عبد الرحمن فذهب سعيد إلى مكة فقبض عليه واليها (خالد القسري) وأرسله إلى الحجاج فقتله بواسط. توفي سنة ٩٥ ه‍ / ٧١٤ م. (راجع الأعلام ٣ : ٩٣).

(٢) طلق بن حبيب العنزي : من التابعين ، صدوق في الحديث ، كان يرى الأرجاء. ذكر فيمن مات بين التسعين والمائة. (تهذيب التهذيب ٥ : ٣١).

(٣) هو عمرو بن مرّة المرادي الكوفي الأعمى. كان ثقة ، دخل في الأرجاء فتهافت الناس فيه. توفي سنة ١١٨ ه‍. (تهذيب التهذيب ٨ : ١٠٢).

(٤) والصحيح محارب بن دثار ، وهو أبو المطرّف : قاضي الكوفة. كان فقيها فاضلا. ولي القضاء لخالد بن عبد الله القسري. كان من المرجئة في علي وعثمان. وله في ذلك شعر. توفي سنة ١١٦ ه‍ / ٧٣٤ م.

(راجع تهذيب التهذيب ١٠ : ٤٩ والجرح والتعديل : القسم الأول من الجزء الرابع ص ٤١٦).

(٥) تقدمت ترجمته.

(٦) هو ذر بن عبد الله بن زرارة المرهبي الهمذاني الكوفي. كان مرجئا ومن عباد أهل الكوفة ويقصّ. قتله الحجاج سنة ٨٠ ه‍. (راجع تهذيب التهذيب ٣ : ٢١٨).

١٦٨

وعمرو (١) بن ذر ، وحماد (٢) بن أبي سليمان ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف (٣) ، ومحمد بن الحسن ، وقديد (٤) بن جعفر.

وهؤلاء كلهم أئمة الحديث ، لم يكفروا أصحاب الكبائر بالكبيرة ولم يحكموا بتخليدهم في النار خلافا للخوارج والقدرية.

الفصل السادس

الشيعة

الشيعة الذين شايعوا عليا رضي الله عنه على الخصوص. وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية ، إما جليا ، وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقية من عنده. وقالوا : ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم ، بل هي قضية أصولية ، وهي ركن الدين ، لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله.

يجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص ، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر. والقول بالتولي والتبري قولا ، وفعلا ، وعقدا ، إلا في حال التقية ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك ، ولهم في تعدية الإمام كلام وخلاف كثير ، وعند كل تعدية وتوقف : مقالة ، ومذهب ، وخبط.

__________________

(١) هو عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمذاني الكوفي. كان يرى الأرجاء. توفي سنة ١٥٣ ه‍. (راجع تهذيب التهذيب ٧ : ٤٤٤).

(٢) هو فقيه الكوفة كان يرمى بالأرجاء. كان جوادا كريما. لا يقول بخلق القرآن. توفي سنة ١٢٠ ه‍.

(تهذيب التهذيب ٣ : ١٦).

(٣) هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الكوفي صاحب أبي حنيفة توفي سنة ١٨٢ ه‍. (راجع ابن خلكان ٢ : ٤٠٠).

(٤) كان فقيها من أصحاب الرأي. أخذ عن أبي حنيفة وله يد في علم الكلام. (راجع الجواهر المضيئة ١ : ٤١٣).

١٦٩

وهم خمس فرق : كيسانية ، وزيدية ، وإمامية ، وغلاة ، وإسماعيلية ، وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال ، وبعضهم إلى السنّة ، وبعضهم إلى التشبيه.

١ ـ الكيسانيّة (١)

أصحاب كيسان (٢) ، مولى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وقيل تلمذ للسيد محمد (٣) بن الحنفية رضي الله عنه ، يعتقدون فيه اعتقادا فوق حده ودرجته ، من إحاطته بالعلوم كلها ، واقتباسه من السيدين الأسرار بجملتها من علم التأويل والباطن ، وعلم الآفاق ، والأنفس.

ويجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل ، حتى حملهم ذلك على تأويل الأركان الشرعية من الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وغير ذلك على رجال ، فحمل بعضهم على ترك القضايا الشرعية بعد الوصول إلى طاعة الرجل ، وحمل بعضهم على ضعف الاعتقاد بالقيامة ، وحمل بعضهم على القول بالتناسخ والحلول ، والرجعة بعد الموت. فمن مقتصر على واحد معتقد أنه لا يموت ، ولا يجوز أن يموت حتى يرجع ، ومن معتقد حقيقة الإمامة إلى غيره ، ثم متحسر عليه ، متحير فيه ، ومن مدّع حكم الإمامة وليس من الشجرة.

وكلهم حيارى متقطعون ، ومن اعتقد أن الدين طاعة رجل ولا رجل له فلا دين له نعوذ بالله من الحيرة والحور بعد الكور (٤) ، رب اهدنا السبيل.

__________________

(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٣٨ ونسبها إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي ومروج الذهب ٣ : ٨٧ ومقالات الإسلاميين ١ : ٨٩ وجعلها أحدى عشرة فرقة).

(٢) زعم بعضهم أن «المختار» كان يقال له كيسان.

(٣) تقدمت ترجمته. توفي سنة ٨١ ه‍.

(٤) نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، الحور : النقصان والرجوع ، والكور : الزيادة ، أخذ من كور العمامة. وقيل: الرجوع بعد الاستقامة والنقصان بعد الزيادة. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يتعوذ من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة.

١٧٠

(أ) المختارية : أصحاب المختار (١) بن أبي عبيد الثقفي ، كان خارجيا ، ثم صار زبيريا ، ثم صار شيعيا وكيسانيا. قال بإمامة محمد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنهما. وقيل لا ، بل بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وكان يدعو الناس إليه ، وكان يظهر أنه من رجاله ودعاته ، ويذكر علوما مزخرفة بترهاته ينوطها به.

ولما وقف محمد بن الحنفية على ذلك تبرأ منه ، وأظهر لأصحابه أنه إنما نمس (٢) على الخلق ذلك ليتمشى أمره ، ويجتمع الناس عليه.

وإنما انتظم له ما انتظم بأمرين : أحدهما انتسابه إلى محمد بن الحنفية علما ودعوة. والثاني : قيامه بثأر الحسين بن عليّ رضي الله عنهما ، واشتغاله ليلا ونهارا بقتال الظلمة الذين اجتمعوا على قتل الحسين.

فمن مذهب المختار : أنه يجوز البداء (٣) على الله تعالى ، والبداء له معاني : البداء في العلم وهو أنه يظهر له خلاف ما علم ، ولا أظن عاقلا يعتقد هذا الاعتقاد.

__________________

(١) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي : الذي خرج يطلب بثأر الحسين بن علي ، وهو الذي جهّز الجيش لحرب عبيد الله بن زياد بقيادة إبراهيم بن الأشتر النخعي فكانت بينهم موقعة عظيمة قتل فيها ابن مرجانة عبيد الله بن زياد. كان ذلك في عهد عبد الملك بن مروان. وفي سنة ٦٧ ه‍. سار مصعب بن الزبير منزل حروراء والتقى بالمختار فكانت بينهم معركة قتل فيها المختار سنة ٦٧ ه‍. (راجع مروج الذهب ٣ : ١٠٤ وأسد الغابة ٤ : ٣٣٦ ولسان الميزان ٦ : ٦).

(٢) نمس : من الناموس. والناموس ما ينمس به الرجل من الاحتيال. والناموس المكر والخداع. والتنميس : التلبيس.

(٣) السبب الذي جوّزت الكيسانية البداء على الله تعالى أن مصعب بن الزبير بعث إليه عسكرا قويا فبعث المختار إلى قتالهم أحمد بن شميط مع ثلاثة آلاف من المقاتلة وقال لهم أوحي إلي أن الظفر يكون لكم فهزم ابن شميط فيمن كان معه ، فعاد إليه فقال : أين الظفر الذي وعدتنا؟ فقال له المختار : هكذا كان قد وعدني ثم بدا فإنه سبحانه وتعالى قد قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب. والبداء ظهور الرأي بعد إن لم يكن. والبدائية هم الذين جوّزوا البداء على الله عزوجل بأن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده ، وهذا باطل لأن علم الله من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغيّر والتبدل فيه محالا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. (التبصير ص ٢٠ والتعريفات ص ٢٩ وتفسير الرازي ٥ : ٢١٦).

١٧١

والبداء في الإرادة ، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم.

والبداء في الأمر ، وهو أن يأمر بشيء ، ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك ؛ ومن لم يجوّز النسخ ظن أن الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة.

وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبداء ، لأنه كان يدعي علم ما يحدث من الأحوال إما بوحي يوحى إليه ، وإما برسالة من قبل الإمام. فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة ، فإن وافق كونه قوله ، جعله دليلا على صدق دعواه ، وإن لم يوافق قال : قد بدا لربكم.

وكان لا يفرق بين النسخ والبداء ، قال : إذا جاز النسخ في الأحكام ، جاز البداء في الأخبار.

وقد قيل : إن السيد محمد بن الحنفية تبرأ من المختار حين وصل إليه أنه قد لبس على الناس أنه من دعاته ورجاله ، وتبرأ من الضلالات التي ابتدعها المختار من التأويلات الفاسدة ، والمخاريق المموّهة.

فمن مخاريقه : أنه كان عنده كرسي (١) قديم قد غشاه بالديباج ، وزينه بأنواع الزينة وقال : هذا من ذخائر أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه ، وهو عندنا بمنزلة

__________________

(١) قال ابن الأثير (٤ : ١٠٠) في قصة الكرسي هذه : «قال الطفيل بن جعدة : أضقنا إضاقة شديدة فخرجت يوما فإذا جار لي زيات عنده كرسي ركبه الوسخ فقلت في نفسي : لو قلت للمختار في هذا شيئا. فأخذته من الزيات وغسلته فخرج عود نضار قد شرب الدهن وهو أبيض ، فقلت للمختار : إني كنت أكتمك شيئا وقد بدا لي أن أذكره لك. إن أبي جعدة كان يجلس على كرسي عندنا ويروي أن فيه أثرا من عليّ. قال : سبحان الله ، أخّرته إلى هذا الوقت؟ ابعث به. فأحضرته عنده وقد غشي فأمر لي باثني عشر ألفا. ثم دعا الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال المختار إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلّا وهو كائن في هذه الأمة مثله ، وإن كان في بني إسرائيل التابوت وإن هذا فينا مثل التابوت فكشفوا عنه وقامت السبئية فكبروا ثم لم يلبثوا أن أرسل المختار الجند لقتال ابن زياد وخرج بالكرسي على بغل وقد غشي فقتل أهل الشام مقتلة عظيمة فزادهم ذلك فتنة وقد قال أعشى همدان :

شهدت عليكم إنكم سبئية

وإني بكم يا شرطة الشرك عارف

فأقسم ما كرسيّكم بسكينة

وإن كان قد لفّت عليه اللفائف»

١٧٢

التابوت لبني إسرائيل ، وكان إذا حارب خصومه يضعه في براح الصف ويقول : قاتلوا ولكم الظفر والنصرة ، وهذا الكرسي محله فيكم محل التابوت في بني إسرائيل ، وفيه السكينة والبقية، والملائكة من فوقكم ينزلون مددا لكم ، وحديث الحمامات البيض التي ظهرت في الهواء ، وقد أخبرهم قبل ذلك بأن الملائكة تنزل على صورة الحمامات البيض ، معروف. والإسجاع (١) التي ألفها أبرد تأليف مشهورة.

وإنما حمله على الانتساب إلى محمد بن الحنفية حسن اعتقاد الناس فيه ، وامتلاء القلوب بمحبته ، والسيد محمد بن الحنفية ، كان كثير العلم غزير المعرفة ، وقّاد الفكر ، مصيب الخاطر في العواقب ، قد أخبره أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه عن أحوال الملاحم وأطلعه على مدارج المعالم ، وقد اختار العزلة ، فآثر الخمول على الشهرة ، وقد قيل إنه كان مستودعا علم الإمامة حتى سلم الأمانة إلى أهلها ، وما فارق الدنيا إلا وقد أقرها في مستقرها.

وكان السيد (٢) الحميريّ ، وكثيّر (٣) عزة الشاعر من شيعته. قال كثير فيه :

__________________

(١) تحدث ابن الأثير (٤ : ٧٣ و ١٠٨) عن هذه الإسجاع فقال : «خرج المختار وأصحابه معهم الكرسي يحملونه على بغل أشهب وهم يدعون الله بالنصر ، فلما رآهم المختار قال : أما وربّ المرسلات عرفا ، لتقتلن بعد صفا صفّا ، وبعد ألف قاسطين ألفا. ولما سجن كان يقول : أما وربّ البحار ، والنخل والأشجار ، والمهامة والقفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ، لأقتلنّ كل جبّار ، بكل لون خطّار ، ومهنّد بتّار ، بجموع الأنصار ، ليس بمثل أغمار ، ولا بغرار أشرار ، حتى إذا أقمت عمود الدين ، وزايلت شعب صدع المسلمين ، وشفيت غليل صدور المؤمنين ، وأدركت ثأر النبيّين ، لم يكبر عليّ زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى».

(٢) السيد الحميري : هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. أبو هاشم أو أبو عامر. شاعر إمامي متقدم. كان أبو عبيدة يقول : أشعر المحدثين السيد الحميري وبشّار. كان يتعصّب لبني هاشم وأكثر شعره في مدحهم. توفي سنة ١٧٣ ه‍ / ٧٨٩ م. (راجع الأغاني تحقيق عبد الأمير علي مهناط دار الكتب العلمية ٧ : ٢٤٨).

(٣) هو أبو صخر عبد الرحمن الخزاعي الشاعر المشهور أحد عشّاق العرب ، وهو صاحب عزّة بنت حميل. توفي سنة ١٠٥ ه‍. (راجع الأغاني تحقيق عبد الأمير علي مهنا ٩ : ٥).

١٧٣

ألا إنّ الأئمّة من قريش

ولاة الحقّ أربعة سواء

عليّ والثّلاثة (١) من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط (٢) إيمان وبرّ

وسبط (٣) غيّبته كربلاء

وسبط (٤) لا يذوق الموت حتّى

يقود الخيل يقدمه اللّواء

تغيّب لا يرى فيهم زمانا

برضوى (٥) عنده عسل وماء

وكان السيد الحميري أيضا يعتقد فيه أنه لم يمت ، وأنه في جبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه ، وعنده عينان نضّاختان تجريان بماء وعسل ، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، وهذا هو أول حكم بالغيبة ، والعودة بعد الغيبة حكم به الشيعة.

ثم اختلفت الكيسانية بعد انتقال محمد بن الحنفية في سوق الإمامة ، وصار كل اختلاف مذهبا.

* * *

(ب) الهاشمية : أتباع أبي هاشم (٦) بن محمد بن الحنفية ، قالوا بانتقال محمد بن الحنفية إلى رحمة الله ورضوانه ، وانتقال الإمامة منه إلى ابنه أبي هاشم ، قالوا : فإنه أفضى إليه أسرار العلوم ، وأطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس ، وتقدير التنزيل على التأويل ، وتصوير الظاهر على الباطن. قالوا : إن لكل ظاهر باطنا ، ولكل شخص روحا ، ولكل تنزيل تأويلا. ولكل مثال في هذا العالم

__________________

(١) الثلاثة من بنيه ، يعني بهم : محمد بن الحنفية ، والحسن ، والحسين.

(٢) يعني بسبط الإيمان الحسن بن علي.

(٣) السبط الذي غيبته كربلاء يعني به الحسين بن علي وقد قتل في كربلاء بالعراق.

(٤) السبط الذي لا يذوق الموت (وفي رواية : لا تراه العين) هو محمد بن الحنفية.

(٥) رضوى : جبل عند ينبع لجهينة بينه وبين الحوراء ، والحوراء : فرضة من فرض البحر ترفأ إليها السفن مصر وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم به. وجبل رضوى على مسيرة يوم من ينبع إلى المدينة. (معجم البلدان ٣ : ٥١).

(٦) تقدمت ترجمته.

١٧٤

حقيقة في ذلك العالم. والمنتشر في الآفاق من الحكم والأسرار يجتمع في الشخص الإنساني ، وهو العلم الذي استأثر عليّ رضي الله عنه به ابنه محمد بن الحنفية ، وهو أفضى ذلك السر إلى ابنه أبي هاشم ، وكل من اجتمع فيه هذا العلم فهو الإمام حقا.

واختلف بعد أبي هاشم شيعته خمس فرق :

١ ـ فرقة قالت : إن أبا هاشم مات منصرفا من الشام بأرض الشراة (١) ، وأوصى إلى محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس ، وانجرت في أولاده الوصية حتى صارت الخلافة إلى بني العباس ، قالوا : ولهم في الخلافة حق لاتصال النسب ، وقد توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمه العباس أولى بالوراثة.

٢ ـ وفرقة قالت : إن الإمامة بعد موت أبي هاشم لابن أخيه الحسن بن عليّ بن محمد بن الحنفية.

٣ ـ وفرقة قالت : لا ، بل إن أبا هاشم أوصى إلى أخيه عليّ بن محمد ، وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن ، فالإمامة عندهم في بني الحنفية لا تخرج إلى غيرهم.

٤ ـ وفرقة قالت : إن أبا هاشم أوصى إلى عبد الله بن عمرو بن الكندي ، وإن الإمامة خرجت من أبي هاشم إلى عبد الله ، وتحوّلت روح أبي هاشم إليه. والرجل ما كان يرجع إلى علم وديانة ، فاطلع بعض القوم على خيانته وكذبه ، فأعرضوا عنه ، وقالوا : بإمامة عبد الله (٢) بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وكان من مذهب عبد الله : أن الأرواح تتناسخ من شخص إلى شخص ، وأن

__________________

(١) الشراة : صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة كان يسكنها ولد علي بن عبد الله بن عباس أيام بني مروان.

(٢) تقدّمت ترجمته.

١٧٥

الثواب والعقاب في هذه الأشخاص ، إما أشخاص بني آدم ، وإما أشخاص الحيوانات قال : وروح الله تناسخت حتى وصلت إليه وحلت فيه ، وادعى الإلهية والنبوة معا ، وأنه يعلم الغيب ، فعبده الحمقى ، وكفروا بالقيامة لاعتقادهم أن التناسخ يكون في الدنيا والثواب والعقاب في هذه الأشخاص ، وتأول قول الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا) (١) الآية. على أن من وصل إلى الإمام وعرفه ارتفع عنه الحرج في جميع ما يطعم ، ووصل إلى الكمال والبلاغ.

وعنه نشأت : الخرّميّة ، والمزدكية بالعراق. وهلك عبد الله بخراسان ، وافترقت أصحابه. فمنهم من قال إنه حي لم يمت ويرجع.

ومنهم من قال بل مات وتحولت روحه إلى إسحاق بن زيد الحارث الأنصاري ، وهم الحارثية الذين يبيحون المحرمات ، ويعيشون عيش من لا تكليف عليه.

وبين أصحاب عبد الله بن معاوية ، وبين أصحاب محمد بن علي خلاف شديد في الإمامة. فإن كل واحد منهما يدعي الوصية من أبي هاشم إليه ، ولم يثبت الوصية على قاعدة تعتمد.

(ج) البيانيّة : (٢) أتباع بيان (٣) بن سمعان التميمي. قالوا بانتقال الإمامة من أبي هاشم إليه. وهو من الغلاة القائلين بإلهية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. قال : حل في عليّ جزء إلهي ، واتحد بجسده ، فيه كان يعلم الغيب ، إذ أخبر عن الملاحم وصح الخبر. وبه كان يحارب الكفار وله النصرة والظفر. وبه قلع باب

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٩٣.

(٢) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٣٦ والتبصير ص ٧٢ وشرح المواقف ٨ : ٣٥٨ واعتقادات فرق المسلمين ص ٥٧ وكامل ابن الأثير ٥ : ٨٢).

(٣) تقدمت ترجمته. ظهر بالعراق في أوائل القرن الثاني من الهجرة.

١٧٦

خيبر. وعن هذا قال : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ، ولا بحركة غذائية ، ولكن قلعته بقوة رحمانية ملكوتية ، بنور ربها مضيئة. فالقوة الملكوتية في نفسه كالمصباح في المشكاة ، والنور الإلهي كالنور في المصباح. قال : وربما يظهر عليّ في بعض الأزمان. وقال في تفسير قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (١) أراد به عليا فهو الذي يأتي في الظل ، والرعد صوته ، والبرق تبسمه.

ثم ادعى بيان أنه قد انتقل إليه الجزء الإلهي بنوع من التناسخ ، ولذلك استحق أن يكون إماما وخليفة ، وذلك الجزء هو الذي استحق به آدم عليه‌السلام سجود الملائكة.

وزعم أن معبوده على صورة إنسان عضوا فعضوا ، وجزءا فجزءا. وقال : يهلك كله إلا وجهه لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢).

ومع هذا الخزي الفاحش كتب إلى محمد بن علي بن الحسين الباقر رضي الله عنهم ودعاه إلى نفسه. وفي كتابه «أسلم تسلم ، ويرتقي من سلم. فإنك لا تدري حيث يجعل الله النبوة» (٣) فأمر الباقر أن يأكل الرسول قرطاسه الذي جاء به ، فأكله ، فمات في الحال وكان اسم ذلك الرسول عمر بن أبي عفيف.

وقد اجتمعت طائفة على بيان بن سمعان ، ودانوا به وبمذهبه ، فقتله خالد (٤) بن عبد الله القسري على ذلك وقيل أحرقه والكوفي المعروف بالمعروف بن سعيد بالنار معا.

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢١٠.

(٢) سورة القصص : الآية ٨٨.

(٣) ادعى بيان بعد وفاة أبي هاشم النبوة وكتب إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين يدعوه إلى نفسه والإقرار بنبوته ويقول له أسلم تسلم وترتق في سلم وتنج وتغنم فإنك لا تدري أين يجعل الله النبوة والرسالة وما على الرسول إلّا البلاغ وقد أعذر من أنذر. فأمر أبو جعفر رسول بيان فأكل قرطاسة الذي جاء به. (راجع فرق الشيعة ص ٣٤).

(٤) هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري من بجيلة ، أبو الهيثم ، أمير العراقين ، من أهل دمشق ولي مكة سنة ٨٩ ه‍ للوليد بن عبد الملك ثم ولّاه هشام العراقين سنة ١٠٥ ه‍ فأقام بالكوفة. عزله هشام ـ

١٧٧

(د) الرّزامية (١) : أتباع رزام بن رزم. ساقوا الإمامة من علي إلى ابنه محمد. ثم إلى ابنه هاشم. ثم منه إلى علي بن عبد الله بن عباس بالوصية ، ثم ساقوها إلى محمد بن علي وأوصى محمد إلى ابنه : إبراهيم الإمام وهو صاحب أبي مسلم الذي دعا إليه وقال بإمامته. وهؤلاء ظهروا بخراسان في أيام أبي مسلم حتى قيل إن أبا مسلم كان على هذا المذهب ، لأنهم ساقوا الإمامة إلى أبي مسلم ، فقالوا : له حظ في الإمامة وادعوا حلول روح الإله فيه. ولهذا أيده على بني أمية حتى قتلهم عن بكرة أبيهم واصطلمهم (٢). وقالوا بتناسخ الأرواح.

والمقنّع (٣) الذي ادّعى الإلهية لنفسه على مخاريق أخرجها كان في الأول على

__________________

ـ سنة ١٢٠ ه‍ وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي وأمره أن يحاسبه فسجنه يوسف وعذبه ثم قتله في أيام الوليد بن يزيد. توفي سنة ١٢٦ ه‍ / ٧٤٣ م. (راجع الأغاني ج ٢٢ تحقيق الأستاد سمير جابر ط. دار الكتب العلمية ص ٥ وتهذيب ابن عساكر ٥ : ٦٧).

(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٥٦ ومقالات الإسلاميين ١ : ٩٤ والتبصير ٧٦ وفي «تاج العروس» ٨ : ٣١٢») أنهم طائفة من غلاة الشيعة يقولون بإمامة أبي مسلم الخراساني بعد المنصور. ومنهم من يدعي الإلهية. منهم المقنّع الذي أظهر لهم القمر في تخشب وعلى رأيه اليوم جماعة فيما وراء النهر.

(٢) والاصطلام : إذا أبيد قوم من أصلهم قيل اصطلموا. واصطلمهم : استأصلهم. (اللسان مادة صلم).

(٣) هو عطاء الساحر ، المقنع الخراساني. كان في مبدأ أمره قصارا من أهل مرو ، وكان يعرف شيئا من السحر والنيرنجات فادعى الربوبية من طريق التناسخ ، وكان مشوّه الخلق أعور ألكن قصيرا. وكان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ وجها من ذهب فتقنّع به ، فلذلك قيل له المقنّع. وقد غلب على العقول بتمويهاته وسحره ، ومن جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسافة شهر من موضعه ثم يغيب. فعظم اعتقادهم فيه. وقد ذكر المعري هذا القمر في قوله :

أفق إنما البدر المقنّع رأسه

ضلال وغيّ مثل بدر المقنّع

وإليه أشار ابن سناء الملك في قوله :

إليك فما بدر المقنّع طالعا

بأسحر من ألحاظ بدر المعمّم

ولما اشتهر أمره ثار عليه الناس وقصدوه في قلعته التي اعتصم بها وحصروه فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سما فمتن منه. ثم تناول شربة من ذلك السمّ فمات. ودخل المسلمون قلعته فقتلوا من فيها من أشياعه وأتباعه وذلك في سنة ١٦٣ ه‍. (راجع ابن خلكان ١ : ٤٠٢ والذهبي في حوادث سنة ١٦١ ه‍ والعبر ١ : ٢٣٥ ، ٢٤٠).

١٧٨

هذا المذهب وتابعه مبيّضة (١) ما وراء النهر. وهؤلاء صنف من الخزاميّة (٢) دانوا بترك الفرائض وقالوا الدين معرفة الإمام فقط. ومنهم من قال : الدين أمران : معرفة الإمام ، وأداء الأمانة. ومن حصل له الأمران فقد وصل إلى الكمال ، وارتفع عنه التكليف. ومن هؤلاء من ساق الإمامة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس من أبي هاشم محمد بن الحنفية وصية إليه ، لا من طريق آخر.

وكان أبو مسلم صاحب الدولة على مذهب الكيسانية في الأول. واقتبس من دعاتهم العلوم التي اختصوا بها ، وأحسن منهم أن هذه العلوم مستودعة فيهم ، فكان يطلب المستقر فيه ، فبعث إلى الصادق جعفر بن محمد رضي الله عنهما : إني قد أظهرت الكلمة ، ودعوت الناس عن موالاة بني أمية إلى موالاة أهل البيت ، فإن رغبت فيه ، فلا مزيد عليك.

فكتب إليه الصادق رضي الله عنه : ما أنت من رجالي ، ولا الزمان زماني.

فحاد أبو مسلم إلى أبي العباس عبد الله بن محمد السفاح ، وقلده أمر الخلافة.

٢ ـ الزيدية

أتباع زيد (٣) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها ، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم ، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة ، أن يكون

__________________

(١) في الفرق بين الفرق ص ٢٥٧ : «وأما المقنّعية فهم المبيّضة بما وراء نهر جيحون وكان زعيمهم المعروف بالمقنّع ...».

(٢) الخرمية : اسم لأصحاب التناسخ والحلول والإباحة ، كانوا في زمن المعتصم فقتل شيخهم بابك وتشتتوا في البلاد. وقد بقيت منهم في جبال الشام بقية ينسبون إلى بابك الخرمي الطاغية الذي كاد أن يستولي على الممالك زمن المعتصم وكان يرى رأي المزدكية من المجوس الذين خرجوا أيام قباذ وأباحوا النساء والمحرمات وقتلهم أنوشروان. (راجع التاج ٨ : ٢٧٢).

(٣) هو أبو الحسين العلوي الهاشمي القرشي. يقال له : «زيد الشهيد» توفي سنة ١٢٢ ه‍ / ٧٤٠ م. (تقدمت ترجمته).

١٧٩

إماما واجب الطاعة : سواء كان من أولاد الحسن ، أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما. وعن هذا جوّز قوم منهم إمامة محمد وإبراهيم الإمامين ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن اللذين خرجا في أيام المنصور وقتلا على ذلك. وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة.

وزيد بن علي ، لما كان مذهبه هذا المذهب ، أراد أن يحصل الأصول والفروع حتى يتحلى بالعلم ، فتلمذ في الأصول لواصل بن عطاء الغزال الألثغ رأس المعتزلة ورئيسهم ، مع اعتقاد واصل أن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ما كان على يقين من الصواب. وأن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه. فاقتبس منه الاعتزال ، وصارت أصحابه كلهم معتزلة وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل. فقال : كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الصحابة ، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها ، وقاعدة دينية راعوها ، من تسكين نائرة (١) الفتنة ، وتطييب قلوب العامة. فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا ، وسيف أمير المؤمنين عليّ عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجفّ بعد ، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي. فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد.

فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين ، والتؤدة ، والتقدم بالسن ، والسبق في الإسلام ، والقرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب زعق الناس وقالوا : لقد وليت علينا فظا غليظا. فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لشدته وصلابته. وغلظه في الدين ، وفظاظته على الأعداء حتى سكنهم أبو بكر بقوله : «لو سألني

__________________

(١) يقال : نأرت نائرة في الناس : هاجت هائجة. ويقال : نارت بغير همز.

١٨٠