تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٢

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

٢٥٢ ـ عليّ بن عبد العزيز بن محمد (١).

أبو القاسم النّيسابوريّ الخشّاب. من شيوخ الشّيعة.

__________________

= المتّفقة». ولم يرد في مقدّمة كتابه المذكور روايته عن شيخه الأرمنازي.

قال ابن السمعاني : أبو الحسن علي بن عبد السلام الأرمنازي من الفضلاء المشهورين ، والشعراء. وابنه أبو الفرج غيث ممن سمع الحديث الكثير وجمع وأنس به. سمع أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ من أبي الحسن الأرمنازي بصور. (الأنساب ١ / ١٨٩).

وقال ابن عساكر إنه قدم دمشق في صغره ، وحدّث عن عبد الرحمن بن محمد التككي بسنده إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نكاح إلّا بوليّ. قيل : يا رسول الله ، من الوليّ؟

قال : رجل من المسلمين».

قرأت بخط غيث الصوري : سألت والدي عن مولده فقال : في جمادى الأول سنة ٣٩٦ وتوفي في الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ٤٧٨ ، وقيل : ضحى يوم الأحد التاسع من ربيع الآخر بصور.

وقال ابنه غيث : أنشدنا أبي لنفسه بصور :

ألا إنّ خير الناس بعد محمد

وأصحابه والتابعين بإحسان

أناس أراد الله إحياء دينه

بحفظ الّذي يروي عن الأول والثاني

أقاموا حدود الشرع شرع محمد

بما أوضحوه من دليل وبرهان

وساروا مسير الشمس في جمع علمه

فأوطانهم أضحت لهم غير أوطان

سلوا عن جميع الأهل والمال والهوى

وما زخرفت دنياهم أيّ سلوان

إذا عالم عالي الحديث تسامعوا

به جاءه القاصي من القوم والداني

وجالت خيول العلم والفضل بينهم

كأنّهم منها بساحة ميدان

إذا أرهقوا أقلامهم وأتوا بها

إلى زبر محجوبة ذات آذان

وألقوا بها الأقلام جمعا حسبتها

بها قلبا مستنزحات بأشطان

فلست ترى ما بينهم غير ناطق

بتصحيح علم أو تلاوة قرآن

فذلك أحلى عندهم من تنادم

على دينة حسّانة ذات ألحان

(تاريخ دمشق ، أدب الإملاء والاستملاء ، مختصر تاريخ دمشق ، موسوعة علماء المسلمين).

ويقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب : «عمر عبد السلام تدمري» :

وفي (تاريخ دمشق ـ مخطوطة الظاهرية ١٢ / ٢٤١ ، ومخطوطة التيمورية ٢٩ / ١٢٩ ، ومعجم الأدباء ١٣ / ٢١١) يرد ذكر «أبي الحسن علي بن عبد السلام الصوري» وهو يروي عن أبي الحسن علي بن حمزة ، الأديب صاحب «الرسالة الحماريّة» ، والّذي قدم دمشق ومدح بها أبا الفتح صالح بن أسد الكاتب في سنة ٤٣٠ ، ومات بطرابلس.

والأشبه أن عليّا هذا هو علي بن عبد السلام الأرمنازي ، وكنيته أبو الحسن ، وهو ينسب إلى :أرمناز ، وإلى صور ، وهما قرب بعضهما. والله أعلم.

وصاحب الترجمة هو جدّ الشاعرة الأديبة الصورية «تقيّة بنت غيث بن علي بن عبد السلام» المتوفاة سنة ٥٧٩ ه‍. وقد صحبت الحافظ السّلفي.

(١) انظر عن (علي بن عبد العزيز) في : المنتخب من السياق ٣٨٦ رقم ١٣٠٢ ، والمختصر الأول من المنتخب (مخطوط) ورقة ٦٥ ب ، ولسان الميزان ٤ / ٢٤١ رقم ٦٥٠.

٢٤١

سمع الكثير عن : أبي نعيم الأسفرائينيّ ، وأبي الحسن السقاء الأسفرائينيّ ، وعبد الله بن يوسف الأصبهانيّ ، وطائفة.

توفّي رحمه‌الله في ربيع الأوّل ، وله تسعون سنة.

٢٥٣ ـ عليّ بن محمد (١).

أبو الحسن القيروانيّ (٢) ، الفقيه المالكيّ المعروف باللّخميّ. لأنّه ابن بنت اللّخميّ.

تفقّه بابن محرز ، وأبي الفضل ابن [بنت] (٣) خلدون ، والسّيوريّ.

وظهرت في أيّامه له فتاو كثيرة. وطال عمره ، وصار عالم إفريقية. وتفقّه به جماعة من السّفاقسيّين.

وأخذ عنه : أبو عبد الله المازريّ ، وأبو الفضل [ابن] (٤) النّحويّ ، وأبو عليّ الكلاعيّ ، وعبد الحميد السّفاقسيّ (٥).

وله تعليق كبير على «المدوّنة» ، سمّاه «التّبصرة» (٦).

٢٥٤ ـ عوض بن أبي عبد الله بن حمزة (٧).

__________________

(١) انظر عن (عليّ بن محمد القيرواني) في : ترتيب المدارك للقاضي عياض ٤ / ٧٩٧ ، ومعالم الإيمان للدبّاغ ٣ / ٢٤٦ ، والديباج المذهب ٢٠٣ ، والوفيات لابن قنفذ ٢٥٨ ، والتعريف بابن خلدون ٣٢ ، وشجرة النور الزكية ١ / ١١٧ رقم ٣٢٥ ، ومدرسة الحديث في القيروان ٢ / ٩٦٥ ، والأعلام ٥ / ١٤٨ ، ومعجم المؤلفين ٧ / ١٩٧.

(٢) في ترتيب المدارك ، وشجرة النور : «الربعي».

(٣) إضافة إلى الأصل من : ترتيب المدارك.

(٤) إضافة من : ترتيب المدارك.

(٥) في الترتيب : «الصفاقسي» بالصاد ، وهما واحد.

(٦) أرّخ وفاته كحّالة في (معجم المؤلفين) بسنة ٤٩٨ ه‍. وهو غلط.

وقال القاضي عياض : وكان السيوري يسيء الرأي فيه كثيرا لطعن عليه. وكان أبو الحسن فقيها فاضلا ديّنا مفتيا متفنّنا ، ذا حظّ من الأدب والحديث ، جيّد النظر ، حسن الفقه ، جيّد الفهم ، وكان فقيه وقته ، أبعد الناس صيتا في بلده ، وبقي بعد أصحابه ، فحاز رئاسة بلاد إفريقية جملة ... وهو مغرى بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال ، وربّما اتّبع نظره فخالف المذهب فيما ترجّح عنده ، فخرجت اختياراته في الكثير عن قواعد المذهب.

وكان حسن الخلق ، مشهور المذهب. (ترتيب المدارك).

(٧) لم أجد مصدر ترجمته.

٢٤٢

السّيّد أبو الرضيّ العلويّ الهرويّ.

توفّي في رمضان

ـ حرف الفاء ـ

٢٥٥ ـ فرج بن عبد الملك الأنصاريّ القرطبيّ (١).

روى عن : مكّيّ.

وصحب محمد بن عتّاب.

وتقدّم في الفقه والحديث. كان يحفظ.

٢٥٦ ـ الفضل بن محمد بن أحمد (٢).

أبو القاسم الأصبهانيّ البقّال المؤدّب.

عرف بتانة (٣).

سمع : محمد بن إبراهيم الخرجانيّ (٤) ، وعليّ بن ميلة.

وكان صالحا عابدا.

روى عنه : مسعود الثّقفيّ ، وأبو عبد الله الرّستميّ.

٢٥٧ ـ فيّاض بن أميرجة (٥).

أبو القاسم الهرويّ السّوسمانيّ (٦).

مات بالكوفة

ـ حرف الميم ـ

٢٥٨ ـ محمد بن إبراهيم بن سليمان (٧).

__________________

(١) انظر عن (فرج بن عبد الملك) في : الصلة لابن بشكوال ٢ / ٤٦٣ رقم ٩٩٢.

(٢) لم أقف على مصدر ترجمته.

(٣) تقدّم : «محمد بن عمر بن محمد بن تانة» والتعليق على «تانة» ، برقم (١٥٢).

(٤) تقدّم التعريف بهذه النسبة في حاشية الترجمة رقم (١٥٢) وهي : الخرجاني : بالخاء المعجمة المفتوحة ، وسكون الراء ، وجيم ، وألف ، ثم نون.

(٥) لم أجد مصدر ترجمته.

(٦) لم أقف على هذه النسبة في المصادر.

(٧) لم أجد مصدر ترجمته.

٢٤٣

أبو الطّيّب الأصبهانيّ.

في ذي الحجّة بأصبهان.

٢٥٩ ـ محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد (١).

شيخ المعتزلة أبو علي بن الوليد الكرخيّ (٢).

ولد سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة ، وأخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصريّ ، وحفظ عنه حديثا واحدا بإسناده ، وهو

حديث القعنبيّ : «إذا لم تستحي فاصنع من شئت» (٣).

رواه عنه : أبو القاسم بن السّمرقنديّ ، وعبد الوهّاب الأنماطيّ ، وغيرهما.

وأخذ عنه : ابن عقيل (٤) شيخ الحنابلة ، وبه انحرف عن السّنّة.

__________________

(١) انظر عن (محمد بن أحمد الكرخي) في : المنتظم ٩ / ٢٠ ـ ٢٢ رقم ٢٤ (١٦ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩ رقم ٣٥٤٦) ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٥ ، ١٤٦ ، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ٦٠ ، والإعلام بوفيات الأعلام ١٩٧ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٩ ، ٤٩٠ رقم ٢٥٢ ، والعبر ٣ / ٢٩١ ، ٢٩٢ ، والمغني في الضعفاء ٢ / ٥٤٨ ، رقم ٥٢٤٠ ، وميزان الاعتدال ٣ / ٤٦٤ ، رقم ٧١٧٨ ، والوافي بالوفيات ٢ / ٨٤ ـ ٨٦ رقم ٣٩٧ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٢٣ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٢٩ ، ولسان الميزان ٥ / ٥٦ ، ٥٧ رقم ١٩١ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٢١ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٦٢.

(٢) ذكره المؤلّف الذهبي ـ رحمه‌الله ـ في (ميزان الاعتدال) وقال : «لا أعرفه» فتعقّبه الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان). وهنا عاد المؤلّف وترجم له.

(٣) قال ابن الجوزي إنّه الكرخيّ كان يدرس الاعتزال والحكمة ، فاضطرّه أهل السّنّة أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر على الظهور ، ولم يكن عنده من الحديث سوى حديث واحد رواه عن شيخه أبي الحسين البصري المعتزلي ، ولم يرو غيره ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» ، فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما ما استحيا من بدعتهما. كان القعنبي لم يسمع من شعبة غير هذا الحديث لأنه قدم البصرة ، فصادف مجلس شعبة قد انقضى ومضى إلى منزله ، فوجد الباب مفتوحا وشعبة على البالوعة ، فهجم عليه من غير إذن وقال : أنا غريب وقد قصدتك من بلد بعيد لتحدّثني ، فاستعظم ذلك شعبة وقال : دخلت منزلي بغير إذن وتكلّمني وأنا على مثل هذه الحال :حدّثنا منصور ، عن ربعيّ بن حراش ، عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» ، والله لا حدّثتك غيره ، ولا حدّثت قوما أنت منهم. وحكي في هذه الواقعة غير هذا.

والحديث صحيح اتّفق البخاري ومسلم على إخراجه. ولفظ الصحيح : «إنّ مما أدرك الناس من كلام النّبوّة الأولى». الحديث (المنتظم ٩ / ٢١ / و ١٦ / ٢٤٧ ، ٢٤٨).

(٤) هو أبو الوفاء علي بن عقيل. انظر مسألة رواها عن الكرخي في اللواط بالولدان في الجنة. (المنتظم).

٢٤٤

قال محمد بن عبد الملك في «تاريخه» : في ذي الحجّة توفّي أبو عليّ بن الوليد شيخ المعتزلة وزاهدهم ، ولم نعرف في أعمارنا مثل تورّعه وقناعته. تورّع عن ميراثه من أبيه ، وقال : لم أتحقّق أنه أخذ حراما ، ولكنّي أعافه. ولمّا كبر وافتقر جعل ينقض داره ، ويبيع منها حسبة ، يتقوّت بها. وكانت من حسان الدّور. وكان يلبس الخشن من القطن.

وقال أبو الفضل بن خيرون : توفّي في خامس ذي الحجّة ، ودفن في الشّونيزيّة ، إلى جنب أبي الحسن البصريّ أستاذه. وكان يدرّس الاعتزال والمنطق. وكان داعية إلى الاعتزال (١).

٢٦٠ ـ محمد بن خيرة (٢).

أبو عبد الله بن أبي العافية الأندلسيّ. من كبار فقهاء المريّة ، وممّن شهر بالحفظ (٣).

__________________

(١) وقال ابن الأثير : «كان أحد رؤساء المعتزلة وأئمّتهم ، ولزم بيته خمسين سنة لم يقدر على أن يخرج منه من عامّة بغداد. وأخذ الكلام عن أبي الحسين البصري ، وعبد الجبّار الهمذاني القاضي. ومن جملة تلاميذه ابن برهان ، وهو أكبر منه». (الكامل ١٠ / ١٤٦).

وانظر : الوافي بالوفيات ٢ / ٨٥ ، ٨٦ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٩٠ وفيه قال المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ : «وما تنفع الآداب والبحث والذكاء ، وصاحبها هاو بها في جهنّم»!.

وقد سئل أبو الفضل بن ناصر عنه ، فقال : لا يحتجّ به.

وقال ابن السمعاني : كان من أهل الكرخ داعية إلى الاعتزال ، كان عنده حديث واحد عن أبي الحسن بن المظفّر ، عن البصري ، وكان عنده ديوان أبي الطيب المتنبي. (لسان الميزان).

وقال ابن المرتضى : له رياسة ضخمة ومحلّ كبير ، وهو من المصنفين. (طبقات المعتزلة). أما «الشونيزيّة» فهي المقبرة المشهورة ببغداد. (الأنساب ٧ / ٤١٤).

ومن شعر الكرخي :

أيا رئيسا بالمعالي ارتدى

واستخدم العيّوق والفرقدا

ما لي لا أجرى على مقتضى

مودّة طال عليها المدى

إن عبثت لم أطلب وهذا

سليمان بن داود نبيّ الهدى

تفقّد الطير على ملكه

فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)

(الوافي بالوفيات ٢ / ٨٥) ، والشعر فيه تضمين للآية ٢٠ من سورة النمل.

(٢) انظر عن (محمد بن خيرة) في : الصلة لابن بشكوال ٢ / ٥٥٤ ، ٥٥٥ رقم ١٢١٦ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ٤ / ١٧٧ ، ١٧٨ رقم ١٤٠٤.

(٣) قال ابن بشكوال : «وكان من جلّة العلماء وكبار الفقهاء ، اشتهر بالحفظ والعلم والذكاء والفهم.

وكان يستشار في الأحكام بقرطبة.

٢٤٥

يروي عن حاتم بن محمد (١).

٢٦١ ـ محمد بن عبد الله بن محمد (٢).

أبو بكر القصّار (٣) ، المعروف بابن الكنداجيّ (٤) ، البغداديّ المقرئ.

روى عن : أبي الحسين بن بشران ، وأبي الحسن الحمّاميّ ، والحرفيّ.

روى عنه : قاضي المرستان ، وإسماعيل بن السّمرقنديّ ، وأبو بكر بن الزّاغونيّ.

توفّي في صفر.

٢٦٢ ـ محمد بن عليّ بن محمد بن المطّلب (٥).

أبو سعد الكرمانيّ الكاتب ، والد الصّاحب الوزير أبي المعالي هبة الله.

قدم أبوه من كرمان ، وولد هو ببغداد. ونظر في الأدب وأخبار الأوائل.

وسمع من : أبي الحسين بن بشران ، وأبي عليّ بن شاذان.

روى عنه : يحيى بن البنّاء ، وشجاع الذّهليّ.

وكان شاعرا هجّاء ، بليغ الفحش ، مقدّما في ذلك (٦).

__________________

(١) هو حاتم بن محمد الأطرابلسي ، من طرابلس الشام ، كما روى عن : أبي القاسم بن ذيال ، وغيرهما.

روى عنه القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ، وأبو الوليد هشام بن محمد الفقيه.

(٢) لم أجد مصدر ترجمته.

(٣) القصّار : بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ، وفي آخرها الراء. هذه النسبة إلى قصارة.

(الأنساب ١٠ / ١٦٣).

(٤) هكذا في الأصل ، ولم أجد هذه النسبة. وفي (الأنساب ١٠ / ٤٨١) : «الكندايجيّ» : بضم الكاف وسكون النون ، وفتح الدال المهملة بعدها الألف والياء آخرها الجيم. هذه النسبة إلى كندايج ، وهي قرية من قرى أصبهان.

وفي (معجم البلدان ٤ / ٤٨٢) : «كندانج» : بالفتح ، ثم السكون ، ودال ، وبعد الألف نون وجيم.

فلعلّ الصحيح في النسبة إلى إحداهما.

(٥) انظر عن (محمد بن علي الكرماني) في : المنتظم ٩ / ٢٤ رقم ٢٦ (١٦ / ٢٥٢ رقم ٣٥٤٨) ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٩٠ ، ٤٩١ رقم ٢٥٣ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣١٩ ، وفوات الوفيات ٢ / ٣٠٠ ، والوافي بالوفيات ٤ / ١٥٠ ، ١٥١ رقم ١٦٧٩.

(٦) قال الصفدي : وكان كاتبا شديدا ، مليح الشعر ، إلّا أنه كان ثلبه كثير الهجاء ، دقيق الفكر فيه.

وقال ابن النّجّار : شبّه هجوه بهجو ابن الرومي ، وجحظة. (الوافي بالوفيات ٤ / ١٥٠).

٢٤٦

عزل لهجوه ، فقال :

عزلت وما خنت فيما وليت

وغيري يخون ولا يعزل

وهذا (١) يدلّ على أنّ من

يولّي ويعزل لا يعقل(٢)

ومن شعره :

يا حسرتى (٣) مات حظّي من قلوبكم

وللحظوظ كما للنّاس آجال

تصرّم العمر لم أحظى (٤) بقربكم (٥)

كم تحت هذي القبور الخرس آمال(٦)

قال هبة الله السّقطيّ : كنت اجتمع بأبي سعد كثيرا ، فقلّ أن انفصلت عنه إلّا بنادرة أو شعر ، ولم تنزل الحال به إلى أن تاب ، وألهم الصّلاة والصّوم والصّدقات ، وغسل مسوّدات شعره قبل موته رحمه‌الله (٧).

مات في ربيع الآخر ، وله أربع وثمانون سنة (٨)

٢٦٣ ـ محمد بن عليّ بن محمد (٩) بن حسن (١٠) بن عبد الوهّاب (١١) بن

__________________

(١) في الوافي : «فهذا» ، ومثله في : سير أعلام النبلاء.

(٢) البيتان في فوات الوفيات ٢ / ٣٠٠ ، والوافي بالوفيات ٤ / ١٥٠ ، ١٥١ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٩١.

(٣) في الوافي ، والفوات ، والسير : «يا حسرتا».

(٤) في الأصل : «لم نحظا» وهو غلط ، والتصحيح من : الوافي ، والسير.

(٥) ورد هذا الشطر مختلفا في (فوات الوفيات) :

«إن متّ شوقا ولم أبلغ بكم أملي».

(٦) البيتان في : سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٩١ ، وفوات الوفيات ٢ / ٣٠٠ ، والوافي بالوفيات ٤ / ١٥١.

(٧) المنتظم ٩ / ٢٤ (١٦ / ٢٥٢) ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٩١.

(٨) من شعره وقد كتب إلى الوزير أبي نصر بن جهير :

هبني ـ كما زعم الواشون ، لا زعموا ـ

أخطأت ، حاشاي أو زلّت بي القدم

وهبك ضاق عليك العذر من حرج

لم أجنه ، أتضيق العفو والكرم؟

ما أنصفتني في حكم الهوى أذن

تصغي لواش وعن عذري بها صمم

(الوافي ٤ / ١٥١).

(٩) انظر عن (محمد بن علي الدامغانيّ) في : تاريخ بغداد ٣ / ١٠٩ ، رقم ١١١٣ ، والأنساب ٥ / ٢٥٩ ، والمنتظم ٩ / ٢٢ ـ ٢٤ رقم ٢٥ (١٦ / ٢٤٩ ـ ٢٥٢ رقم ٣٥٤٧) وتاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٨ / ٦٥١ ، و ٣٩ / ٣٢٧ ، والإنباء في تاريخ الخلفاء لابن العمراني ١٩٠ ، ومعجم البلدان ٢ / ٤٣٣ ، و ٤ / ٢٧ ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٦ ، واللباب ١ / ٤٨٦ ، وتاريخ=

٢٤٧

حسّويه (١).

قاضي القضاة أبو عبد الله الدّامغانيّ (٢) ، الحنفيّ.

شيخ حنفيّة زمانه. تفقّه بخراسان ، ثمّ قدم بغداد في شبيبته (٣) ، ودرس على القدوريّ (٤).

وسمع الحديث من : القاضي أبي عبد الله الحسين بن عليّ الصّيمريّ (٥) ، والحافظ محمد بن عليّ الصّوريّ (٦) ، وشيخه أبي الحسين أحمد بن محمد القدوريّ.

روى عنه : عبد الوهّاب الأنماطيّ ، وعليّ بن طراد الزّينبيّ ، والحسين المقدسيّ ، وغيرهم.

وتفقّه به جماعة.

وكان مولده بدامغان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة (٧) ، وحصّل للعلم على

__________________

= دولة آل سلجوق ٨٠ ، ومختصر تاريخ ابن الساعي ٢١٤ ، والإعلام بوفيات الأعلام ١٩٧ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٥ ـ ٤٨٧ رقم ٢٤٩ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٣٧ رقم ١٥١١ ، والعبر ٣ / ٢٩٢ ، ودول الإسلام ٢ / ٨ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٢٩ ، والوافي بالوفيات ٤ / ١٣٩ رقم ١٦٥٥ ومرآة الجنان ٣ / ١٢٣ ، والجواهر المضيّة ٢ / ٩٦ ، ٩٧ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٢١ ، ١٢٢ ، وتاريخ الخميس ٢ / ٣٦٠ ، وتاريخ الخلفاء ٤٢٦ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٦٢ ، والفوائد البهية ١٨٢ ، ١٨٣ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ٤ / ٣٠٥ ، ٣٠٦ رقم ١٥٤١.

(١٠) في (المنتظم) و (البداية والنهاية) و (الجواهر المضيّة) و (الفوائد البهية) : «الحسين».

(١١) في (المنتظم ـ بطبعتيه) و (البداية والنهاية) و (النجوم الزاهرة) و (الجواهر المضية) و (الفوائد البهيّة) : «ابن عبد الملك بن عبد الوهاب».

__________________

(١) في (المنتظم) و (البداية والنهاية) و (النجوم الزاهرة) : «حمّويه».

وفي (الوافي بالوفيات) : «حسنويه».

(٢) الدامغانيّ : بفتح الدال ، وسكون الألف ، وفتح الميم والغين المعجمة ، وسكون الألف.

وبعدها نون. هذه النسبة إلى دامغان وهي بلدة كبيرة بين الري ونيسابور ، وهي قصبة قومس.

(٣) دخل بغداد سنة ٤١٩ ه‍. (الكامل ١٠ / ١٤٦).

(٤) سيأتي أنه أبو الحسين أحمد بن محمد القدوري ، توفي سنة ٤٢٨ ه‍.

(٥) تحرّفت هذه النسبة إلى «الضميري» (معجم البلدان) ، وهو توفي سنة ٤٣٦ ه‍.

(٦) توفي سنة ٤٤١ ه‍.

(٧) تاريخ بغداد ٣ / ١٠٩ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٦.

٢٤٨

الفقر والقنوع.

قال أبو سعد السّمعانيّ : قال والدي : سمعت أحمد بن الحسين البصريّ الخبّاز يقول : رأيت أبا عبد الله الدّامغانيّ كان يحرس في درب الرّياح ، وكان يقوم بعيشته إنسان اسمه أبو العشائر الشيرجيّ (١).

قلت : ثمّ آل به الأمر إلى [أن] ولي قضاء القضاة للمقتدي بالله ، ولأبيه قبله. وطالت أيّامه ، وانتشر ذكره ،

وكان مثل القاضي أبي يوسف قاضي الرّشيد في أيّامه حشمة وجاها وسؤددا وعقلا. وبقي في القضاء نحوا من ثلاثين سنة (٢).

ولي أولا في ذي القعدة سنة سبع وأربعين ، بعد موت قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا (٣).

__________________

= وفي (الأنساب) و (معجم البلدان) و (اللباب) : ولد سنة أربعمائة ، مع أن ابن الأثير أرّخه في (الكامل) سنة ٣٩٨ ه‍.

وجاء في (البداية والنهاية) أنه ولد سنة ثمان عشرة وأربعمائة.

(١) المنتظم ٩ / ٢٢ ، ٢٣ (١٦ / ٢٤٩ ، ٢٥٠) ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٦ ، الوافي بالوفيات ٤ / ١٣٩ و «الشّيرجيّ» : بكسر الشين المعجمة ، وسكون الياء ، وفتح الراء ، وفي آخرها الجيم.

هذه النسبة إلى بيع دهن «الشّيرج» وهو دهن السمسم ، وببغداد يقال لمن يبيع الشيرج :الشّيرجي والشيرجاني. (الأنساب ٧ / ٤٥٤) وكذا في (اللباب لابن الأثير) و (لبّ اللّباب للسيوطي).

أما في كتب اللغة فضبطت هذه الكلمة بفتح الشين ، ومنعوا كسرها ، ففي «المصباح المنير» :«الشيرج : ... وهو بفتح الشين مثل زينب وصيقل وعيطل ، وهذا الباب باتفاق ملحق بباب «فعلل» نحو جعفر ، ولا يجوز كسر الشين ، لأنه يصير من باب درهم ، وهو قليل ، ومع قلّته فأمثلته محصورة ، وليس هذا منها». وانظر (تاج العروس ٢ / ٦٤).

وأقول أنا خادم العلم «عمر تدمري».

هو «السّيرج» كما يلفظها الطرابلسيون ، بالسين المهملة المكسورة.

(٢) المنتظم ٩ / ٢٤ ، وفي سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٦ : «ثلاثين سنة وأشهرا». وسيأتي نحوه قريبا.

(٣) قال ابن الجوزي : «وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا قاضي القضاة في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ، فلما توفي ابن ماكولا قال القائم بأمر الله لأبي منصور بن يوسف : قد كان هذا الرجل يعني ابن ماكولا قاضيا حسنا نزها ، ولكنه كان خاليا من العلم ، ونريد قاضيا عالما ديّنا. فنظر ابن يوسف إلى عميد الملك الكندري وهو المستولي على الدولة ، وهو الوزير ، وهو شديد التعصّب لأصحاب أبي حنيفة ، فأراد التقرّب إليه ، فاستدعى أبا =

٢٤٩

وقال محمد بن عبد الملك الهمذانيّ في «طبقات الفقهاء» : قال قاضي القضاة الدّامغانيّ : قرأت على أبي صالح الفقيه بدامغان ، وهو من أصحاب أبي عبد الله الجرجانيّ ، وأصابني جدريّ فاكتحلت ، وجئت إلى المجلس بعد ما برأت فقال : أنت مجدور ، فقم. فقمت وقصدت من دامغان نيسابور ، فأقمت أربعة أشهر ، وصحبت أبا العلاء صاعد بن محمد الأستوائيّ (١) قاضيها. وقرأت على أبي الحسن المصّيصيّ (٢) لدينه وتواضعه.

وجرت فتنة بين الطّوائف هناك ، فمنعهم محمود بن سبكتكين من الجدل ، فخرجت إلى بغداد ووردتها.

قال محمد : فقرأ على القدوريّ إلى أن توفّي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ، ولازم أبا عبد الله الصّيمريّ فلمّا مات ، انفرد بالتّدريس ، وصار أحد شهود بغداد. ثمّ ولي قضاء القائم بأمر الله ، وبعده لابنه ثلاثين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيّام. وقد شهد عنده شيخ الشّافعية أبو الطّيّب الطّبريّ.

وكان أبو الطّيّب يقول : أبو عبد الله الدّامغانيّ أعرف بمذهب الشّافعيّ من كثير من أصحابنا (٣).

قال : وكان عندنا بدامغان أبو الحسن صاحب أبي حامد الأسفرائينيّ ،

__________________

= عبد الله الدامغانيّ فولّي قاضي القضاة يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة أربع وأربعين ، وخلع عليه ، وقرئ عهده. وقصد خدمة السلطان طغرلبك في يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة ، فأعطاه دست ثياب وبغلة ، واستمرّت ولايته ثلاثين سنة ، ونظر نيابة عن الوزارة مرتين ، مرة للقائم بأمر الله ، ومرة للمقتدي». (المنتظم).

(١) الأستوائي : بضم الألف ، وسكون السين المهملة ، وفتح التاء المنقوطة من فوقها بنقطتين أو ضمّها ، وبعدها الواو والألف ، وفي آخرها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها. هذه النسبة إلى أستوا وهي ناحية بنيسابور كثيرة القرى والخير. (الأنساب ١ / ٢٢١).

(٢) المصّيصيّ : قال ابن السمعاني ، وتابعه ابن الأثير : بكسر الميم ، والياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، بين الصادين المهملتين ، الأولى مشدّدة. هذه النسبة إلى بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام ، بقال لها المصّيصة.

أما ياقوت فقال : بفتح الميم ثم الكسر ، والتشديد ، وياء ساكنة ، وصاد أخرى ، كذا ضبطه الأزهري وغيره من اللغويين بتشديد الصاد الأولى هذا لفظه. وتفرّد الجوهري وخالد الفارابيّ بأن قالا : المصيصة ، بتخفيف الصادين ، والأول أصح. (معجم البلدان ٥ / ١٤٤ ، ١٤٥).

(٣) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٦ ، الجواهر المضيّة ٢ / ٩٧.

٢٥٠

يعني فاستفاد منه الدّامغانيّ. وكان الدّامغانيّ قد جمع الصّورة البهيّة ، والمعاني الحسنة من الدّين والعقل والعلم والحلم ، وكرم المعاشرة للنّاس ، والتّعصّب لهم. وكانت له صدقات في السّرّ ، وإنصاف في العلم لم يكن لغيره. وكان يورد من المداعبات (١) في مجلسه والحكايات المضحكة في تدريسه نظير ما يورده الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ ، فإذا اجتمعا صار اجتماعهما نزهة (٢).

عاش ثمانين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيّام ، وغسله أبو الوفاء ابن عقيل الواعظ ، وصاحبه الفقيه أبو ثابت مسعود بن محمد الرّازيّ ، وصلّى عليه ولده قاضي القضاة أبو الحسن عليّ باب داره بنهر القلّايين (٣).

ولقاضي القضاة أصحاب كثيرون انتشروا بالبلاد ، ودرّسوا ببغداد ، فمنهم أبو سعد الحسن بن داود بن بابشاذ المصريّ ، ومات قبل الأربعين وأربعمائة.

ومنهم نور الهدى الحسين بن محمد الزّينبيّ ، ومنهم أبو طاهر الياس بن ناصر الدّيلميّ. ومات في حياته منهم أبو القاسم عليّ بن محمد الرّحبيّ ابن السمنانيّ (٤) ، وآخرون فيهم كثرة ذكرهم ابن عبد الملك الهمذانيّ (٥).

توفّي في رابع وعشرين رجب ، ودفن في داره بنهر القلّايين ، ثمّ نقل ودفن في القبّة إلى جنب الإمام أبي حنيفة رحمهما‌الله (٦).

__________________

(١) في (الفوائد البهية) : «الملاعبات».

(٢) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٦ ، ٤٨٧ ، الفوائد البهية ١٨٢ ، ١٨٣.

(٣) المنتظم ٩ / ٢٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٧.

(٥) وذكر ابن عساكر أنّ الدامغانيّ روى عن : محمد بن محمد بن مرزوق البعلبكي. (تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٩ / ٣٢٧).

(٦) تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٨ / ٦٥١ ، المنتظم ٩ / ٢٤ (١٦ / ٢٥٢).

وولي قضاء القضاة بعده القاضي أبو بكر بن المظفّر بن بكران الشامي ، (الكامل ١٠ / ١٤٦).

وقال الخطيب البغدادي : «برع في العلم ودرّس وأفتى ، وقبل قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا شهادته ، ثم ولي قضاء القضاة بعد موت ابن ماكولا ، وذلك في ذي القعدة من سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، وكان عفيفا ، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين ، وكان وافر العقل ، كامل الفضل ، مكرما لأهل العلم ، عارفا بمقادير الناس ، سديد الرأي ، وجرت أموره في حكمه على السداد». (تاريخ بغداد ٣ / ١٠٩).

وقال ابن الجوزي : «برع في الفقه ، وخصّ بالعقل الوافر والتواضع ، فارتفع وشيوخه أحياء ، =

٢٥١

٢٦٤ ـ محمد بن عمر بن محمد بن أبي عقيل (١).

أبو بكر الكرجيّ (٢) الواعظ. ولد بالكرج سنة أربع وأربعمائة ورحل إلى أصبهان فسمع «معجم الطّبرانيّ» ، عن شيوخه ، من أبي ريذة (٣).

__________________

= وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين ، وكان فصيح العبارة ، كثير النشوار في درسه ، سهل الأخلاق ، روى عنه شيوخنا. وعانى الفقر في طلب العلم ، فربّما استضوأ بسراج الحارس. وحكى عنه أبو الوفاء ابن عقيل أنه قال : كان لي من الحرص على الفقه في ابتداء أمري أني كنت آخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب أفياء الدور الشاطئية والمسنيات ، فأنظر في الجزء وأعيده ولا أقوم إلّا وقد حفظته ، فأدّى بي السعي إلى مسنات الحريم الطاهري ، فجلست في فيئها الثخين وهوائها الرقيق ، واستغرقني النظر ، فإذا شيخ حسن الهيئة قد أطلع عليّ ، ثم جاءني بعد هنيئة فرّاش ، فقال : قم معي ، فقمت معه حتى جاء بي إلى باب كبير وعليه جماعة حواش ، فدخل بي إلى دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس فيها أحد ، فأدناني منه ، فجلست ، وإذا بذلك الشيخ الّذي اطّلع قد خرج فاستدناني منه وسألني عن بلدي ، فقلت : دامغان ، وكان عليّ قميص خام وسخ ، وعليه آثار الحبر. فقال لي : ما مذهبك؟ وعلى من تقرأ؟ فقلت :حنفيّ ، قدمت منذ سنين ، وأقرأ على الصيمري ، وابن القدوري. فقال : من أين مؤنتك؟ قلت : لا جهة لي أتموّن منها. فقال : ما تقول في مسألة كذا من الطلاق؟ وبسطني ، ثم قال :تجيء كل خميس إلى هاهنا. فلما جئت أقوم أخذ قرطاسا وكتب شيئا ، ودفعه إليّ ، وقال :تعرض هذا على من فيه اسمه ، وخذ ما يعطيك ، فأخذته ودعوت له ، فأخرجت من باب آخر غير الّذي دخلت منه ، وإذا عليه رجل مستند إلى مخدّة ، فتقدّمت إليه فقلت : من صاحب هذه الدار؟ فقال : هذا ابن المقتدر بالله. فقال : فما معك؟ فقلت : شيء كتبه لي. فقال : بخطّه! أين كان الكاتب؟ فقلت : على من هذا؟ فقال : على رجل من أهل الأزج عشر كارات دقيق سميد فائق ، وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير ، وكتب لك بعشرة دنانير ، فسررت ، ومضيت إلى الرجل ، فأخذ الخط ودهش ، وقال : هذا خطّ مولانا الأمير ، فبادر فوزن الدنانير ، وقال :كيف تريد الدقيق ، جملة أو تفاريق ، فقلت : أريد كارتين منها ، وثمن الباقي ، ففعل ، فاشتريت كتبا فقهية بعشرين ، وكاغدا بدينارين. (المنتظم ٩ / ٢٢ ، ٢٣).

وكان يوصف بالأكل الكثير ، فروى الأمير باتكين بن عبد الله الزعيمي قال : حضّرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير ، وكان يحضره الأكابر ، فحضر قاضي القضاة محمد بن علي ، فأحببت أن انظر إلى أكله ، فوقفت بإزائه فأبهر في كثرة أكله حتى جاوز الحدّ. وكان من عادة الوزير أن ينادم الحاضرين على الطبق ويشاغلهم حتى يأكلوا ، ولا يرفع يده إلّا بعد الكلّ ، فلما فرغ الناس من الأكل قدّمت إليهم أصحن الحلوى ، وقدّم بين يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكّر ، وكانت الأصحن كبار ، يسع الصحن منها ثلاثين رطلا ، فقال له الوزير يداعبه : هذا برسمك. فقال : هلّا أعلمتموني! ثم أكله حتى أتى على آخره. (المنتظم ٩ / ٢٤).

(١) انظر عن (محمد بن عمر) في : تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٩ / ٥٤ ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٢٣ / ١٣١ رقم ١٦٤.

(٢) الكرجي : بالتحريك. وقد تقدّم التعريف بهذه النسبة.

(٣) ريذة : بكسر الراء المهملة ، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وذال معجمة.

٢٥٢

وسمع بالشّام من : محمد بن الحسين بن التّرجمان (١) ، والسّكن بن جميع (٢) ، وجماعة.

روى عنه : الفقيه نصر ، وهبة الله بن طاوس.

وتوفّي في رجب بدمشق (٣).

٢٦٥ ـ محمد بن محمد بن موسى (٤).

أبو عليّ النّعيميّ (٥) النّيسابوريّ (٦).

حدّث عن : أبي الحسن محمد بن الحسين العلويّ.

وعمّر أربعا وتسعين سنة.

وتوفّي رحمه‌الله في رجب.

٢٦٦ ـ مسلم ابن الأمير أبي المعالي قريش بن بدران بن مقلّد حسام الدّولة أبي حسّان بن المسيّب بن رافع العقيليّ (٧).

__________________

(١) وحدّث عنه في سنة ٤٧٧ ه‍.

(٢) هو الصيداوي. توفي سنة ٤٣٧ ه‍.

(٣) وكان مولده في سنة ٤٠٤ ه‍.

(٤) انظر عن (محمد النعيمي) في : المنتخب من السياق ٦٤ رقم ١٢٩.

(٥) النّعيمي : بضم النون ، وفتح العين المهملة ، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها. هذه النسبة إلى نعيم. وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه. (الأنساب ١٢ / ١١٨).

(٦) قال عبد الغافر : محمد بن محمد بن موسى بن محمد بن نعيم أبو علي النعيمي ، مستور ، ثقة ، يقال له : المستوفي. حدّث عن السيد أبي الحسن ، وابن يوسف ، والصعلوكي ، وغيرهم. ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.

(٧) انظر عن (مسلم بن قريش) في : الكامل في التاريخ ١٠ / ١٧ ، ٥٧ ، ١١٤ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٣٩ ـ ١٤١ ، وزبدة الحلب ٢ / ١٩ ، ٥٧ ، ٦١ ، ٦٧ ، ٧٠ ، ٧٣ ـ ٨٥ ، ٨٨ ـ ٩٢ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ٢٦٩ ، وبغية الطلب (تراجم السلاجقة) ٢١ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ١٢٨ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٠٠ ، ٣٦٠ ، ٣٦١ ، ووفيات الأعيان ٥ / ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، وتاريخ دولة آل سلجوق ٧٦ ، ٧٧ والأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٤٢ ، ٤٦ ـ ٤٨ ، ٧٧ ، ١٠٣ ، ١١١ ، ١٣١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١١٢ ـ ١١٨ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، والعبر ٣ / ٢٩٢ ، ودول الإسلام ٢ / ٥ ، ٦ ، ٧ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٢ ، ٤٨٣ رقم ٢٤٦ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٥٧٣ ـ ٥٧٥ ، وتاريخ ابن خلدون ٤ / ٢٦٧ ـ ٢٦٩ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١١٥ ، ١١٩ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٦٢ ، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة ٢٠٥ ، والأعلام ٨ / ١١٩.

٢٥٣

السّلطان الأمير شرف الدّولة أبو المكارم.

كان أبوه قد نهب دار الخلافة مع البساسيريّ ، ومات سنة ثلاث وخمسين كهلا (١) ، فقام شرف الدّولة بعده ، واستولى على ديار ربيعة ، ومضر ، وتملّك حلب (٢) ، وأخذ الحمل والإتاوة من بلاد الرّوم ، أعني من أنطاكية ، ونحوها. وسار إلى دمشق فحاصرها. وكان قد تهيّأ له أخذها ، فبلغه أنّ حرّان قد عصى عليه أهلها ، فسار إليهم ، فحاربهم وحاربوه ، فافتتحها وبذل السّيف ، وقتل بها خلقا من أهل السّنّة (٣).

وكان رافضيّا خبيثا ، أظهر ببلاده سبّ السّلف ، واتّسعت مملكته ، وأطاعته العرب ، واستفحل أمره حتّى طمع في الاستيلاء على بغداد بعد وفاة طغرلبك.

وكان فيه أدب ، وله شعر جيّد. وكان له في كلّ قرية قاض ، وعامل ، وصاحب خبر. وكان أحول ، له سياسة تامّة. وكان لهيبته الأمن ، وبعض العدل في أيّامه موجودا. وكان يصرف الجزية في بلاده إلى العلويّين. وهو الّذي عمّر سور الموصل وشيّدها في ستّة أشهر من سنة أربع وسبعين.

ثمّ إنّه جرى بينه وبين السّلطان سليمان بن قتلمش السّلجوقيّ ملك الرّوم مصافّ في نصف صفر على باب أنطاكية فقتل فيه مسلم ، وله بضع وأربعون سنة.

قاله صاحب «الكامل» (٤) ، والقاضي شمس الدّين بن خلّكان (٥).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٧.

(٢) زبدة الحلب ٢ / ٥٧ وكان تملّكها في سنة ٤٧١ ه‍.

(٣) الأعلاق الخطيرة ـ ج ٣ ق ١ / ٤٧ ، زبدة الحلب ٢ / ٨٣ وقيل إنه أخذ القاضي وابنين له فصلبهم على السور ، وصلب معهم مائة نفس ، وقطع على البلد مائة ألف دينار ، وكانت مدة عصيانهم نيّفا وتسعين يوما.

وقيل : قتل ابن جلبة وولديه وثلاثة وتسعين رجلا صبرا وصلبهم ، وصلب ابن جلبة إمامهم.

وانظر : ذيل تاريخ دمشق ١١٦ ، ١١٧ بالحاشية ، ووفيات الأعيان ٥ / ٢٦٧ ، ٢٦٨.

(٤) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٣٩ ، ١٤٠.

(٥) في وفيات الأعيان ٥ / ٢٦٨ ، وانظر : الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٤٨ و ٧٧ ، وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١١٧ ، ١١٨ ، وقال ابن تغري بردي إن السلطان ألب أرسلان السلجوقي زوّجه أخته ، واحتاج إليه الخلفاء والملوك والوزراء ، وخطب له على المنابر من بغداد إلى العواصم =

٢٥٤

وقال المأمونيّ في «تاريخه» : بل وثب عليه خادم في الحمّام فخنقه (١).

ثمّ إنّ السّلطان ملك شاه رتّب ولده في الرّحبة ، وحرّان وسروج ، (٢) وزوّجه بأخته زليخا (٣)

ـ حرف الهاء ـ

٢٦٧ ـ هبة الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد (٤).

أبو الحسن القصريّ (٥) السّيبيّ (٦).

من أهل قصر هبيرة.

قدم بغداد مع عمّه أبي عبد الله بن السّيبيّ.

وسمع الحديث من : أبي الحسن بن بشران ، وغيره.

روى عنه : إسماعيل بن السّمرقنديّ ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي ، وعليّ بن عبد السّلام.

وكان فاضلا. قرأ طرفا من النّحو والفقه ، وولي القضاء بناحيته (٧). ثمّ إنّه طلب لتأديب أمير المؤمنين المقتدي بالله وبنيه من بعده. وولي القضاء بالحريم

__________________

= والشام. وأقام حاكما على البلاد نيّفا وعشرين سنة. ولما مدحه ابن حيّوس بقصيدته التي أولها :

ما أدراك الطلبات مثل مصمّم

إن أقدمت أعداؤه لم يحجم

فأعطاه الموصل جائزة له ، فأقامت في حكمه ستة أشهر ، (النجوم الزاهرة ٥ / ١١٩).

(١) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٨٣.

(٢) الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٤٨ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٨.

(٣) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٨ ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٤٨ ، ١٦٣ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٦٨ ، العبر ٣ / ٢٩٣.

(٤) انظر عن (هبة الله بن عبد الله) في : الأنساب ٧ / ٢١٦ ، والمنتظم ٩ / ٣٥ رقم ٢٩ (١٦ / ٢٥٣ رقم ٣٥٥١) ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٦ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٣٠ وفيه : «هبة الله بن أحمد» ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٢٢.

(٥) القصيريّ : بفتح القاف وسكون الصاد المهملة وفي آخرها الراء. هذه النسبة إلى القصر ، وهو في ستة مواضع ، منها قصر بجيلة ، ويكتب بالسين أيضا. (الأنساب ١٠ / ١٧).

(٦) السّيبيّ : بكسر السين المهملة ، وسكون الباء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة. هذه النسبة إلى سيب. وهي قرية بنواحي قصر ابن هبيرة. (الأنساب ٧ / ٢١٥).

(٧) في (الأنساب) : ببلاد ابن مزيد.

٢٥٥

الشّريف (١). وكان وقورا مهيبا فهما عالما.

توفّي في ثاني عشر المحرّم عن بضع وثمانين سنة (٢)

ـ حرف الياء ـ

٢٦٨ ـ يحيى بن محمد بن القاسم بن محمد (٣).

أبو المعمّر بن طباطبا العلويّ الشّيعيّ.

من كبار الإماميّة.

روى عن الحسين بن محمد الخلّال (٤). وشارك في العلم.

روى عنه : أبو نصر الغازي ، وإسماعيل بن السّمرقنديّ (٥).

__________________

(١) بنهر معلّى. (الكامل ١٠ / ١٤٦).

(٢) كان مولده سنة ٣٩٤ ه‍. ولي ابنه أبو الفرج عبد الوهاب بن يدي قاضي القضاة ابن الدامغانيّ. (الكامل ١٠ / ١٤٦).

وكان ينشد من إنشائه :

رجوت الثمانين من خالقي

لما جاء فيها عن المصطفى

فبلّغتها وشكرا له

وزاد ثلاثا بها أردفا

وها أنا منتظر وعده

لينجزه فهو أهل ألوفا

(المنتظم) (النجوم الزاهرة).

(٣) انظر عن (يحيى بن محمد) في : المنتظم ٩ / ٢٥ ، ٢٦ رقم ٣٢ (١٦ / ٢٥٤ رقم ٣٥٥٤) ، ومعجم الأدباء ٢٠ / ٣٢ ، ٣٣ رقم ١٤ ، ولسان الميزان ٦ / ٢٧٦ ، ٢٧٧ رقم ٩٧٢ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٢٣ ، وبغية الوعاة ٢ / ٣٤٢ رقم ٢١٣٩ ، ونزهة الألبّاء ٢٦٩ ، ٢٧٠ ـ ٣٠٠ ، ٣٠٢ ، وروضات الجنات ٢١٨ ، وهدية العارفين ٢ / ٥١٩ ، وطبقات أعلام الشيعة (النابس في القرن الخامس) ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، والأعلام ٨ / ١٦٤ ، وأعيان الشيعة (الطبعة الجديدة) ١٠ / ٢٨٨ ، وإيضاح المكنون ٢ / ٤١٠ ، ومعجم المؤلّفين ١٣ / ٢٢٦.

(٤) وقال ياقوت : كان نحويّا أديبا فاضلا يتكلّم مع ابن برهان في هذا العلم. أخذ عن علي بن عيسى الربعي ، وأبي القاسم الثمانيني.

(٥) وقال ياقوت : وعنه أبو السعادات هبة الله بن الشجري ، وكان يفتخر به. (معجم الأدباء ٢٠ / ٣٢ ، ٣٣).

وقال ابن السمعاني : كان بقيّة أهل بيته أدبا وفضلا ، وانتهت إليه معرفة أنساب الطّالبيّين في وقته ، وكان إماميّ المذهب. عمّر حتى حدّث. ذكره أبو القاسم السمرقندي في معجم شيوخه. (لسان الميزان ٦ / ٢٧٦ ، ٢٧٧).

وقال ابن الجوزي : كان بقيّة شيوخ الطالبيين ، وكان هو وأخوه نسّابتهم ، وكان ينزل بالبركة من ربع الكرخ ، وكان مجمّعا لظرّاف الطالبيّين وعلمائهم وشعرائهم وفضلائهم ، وكان يذهب مذهب الإمامية ، وقد قرأ طرفا من الأدب. وتوفي في رمضان هذه السنة ، وهو آخر بني طباطبا =

٢٥٦

__________________

= ولم يعقب. (المنتظم ٩ / ٢٥ ، ٢٦) (١٦ / ٢٥٤).

وقال ابن الأنباري : كان من أهل الأدب والسؤدد .. وكان ابن طباطبا عالما بالشعر ، رأيت له في صفة الشعر مصنّفا حسنا ، وكان شاعرا مجيدا ، فمن شعره في الحثّ على طلب العلم :

حسود مريض القلب يخفي أنينه

ويضحي كئيب القلب عندي حزينه

يلوم عليّ إن رحت في العلم راغبا

أحصّل من عند الرواة فنونه

فأعرف أبكار الكلام وعونه

وأحفظ ممّا أستفيد عيونه

ويزعم أنّ العلم لا يجلب الغنى

ويحسن بالجهل الذميم ظنونه

فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي

فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه

(نزهة الألبّاء ٢٦٩ ، ٢٧٠) (معجم الأدباء ٢٠ / ٣٣).

وقد زاد الأمين في (أعيان الشيعة ١٠ / ٢٨٨) بيتين في مقدّمة هذه الأبيات :

لي صاحب لا غاب عنّي شخصه

أبدا وظلت ممتّعا بوجوده

فطن بما يوحي إليه أنّما

قد نيط هاجس فكرتي بفؤاده

٢٥٧

سنة تسع وسبعين وأربعمائة

ـ حرف الألف ـ

٢٦٩ ـ أحمد بن عبد العزيز بن شيبان (١).

البغداديّ.

روى عن : أبي الحسين بن بشران ، وعبد الله بن يحيى السّكّريّ.

روى عنه : إسماعيل بن السّمرقنديّ ، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.

٢٧٠ ـ أحمد بن عبيد الله (٢).

أبو غالب بن الزّيّات البيّع (٣) الخيّاط المؤذّن.

سمع : ابن شاذان ، والحرفيّ.

وعنه : إسماعيل بن السّمرقنديّ ، وأبو بكر بن الزّاغونيّ.

توفّي في شعبان.

٢٧١ ـ أحمد بن محمد بن دوست دادا (٤).

شيخ الشّيوخ أبو سعد النّيسابوريّ الصّوفيّ.

__________________

(١) لم أجد مصدر ترجمته.

(٢) لم أجد مصدر ترجمته.

(٣) البيّع : بفتح الباء الموحّدة وكسر الياء المشدّدة آخر الحروف وفي آخرها العين المهملة. هذه اللفظة لمن يتولّى البياعة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة. (الأنساب ٢ / ٣٧٠).

(٤) انظر عن (أحمد بن محمد بن دوست) في : المنتظم ٩ / ١١ رقم ١١ (١٦ / ٢٣٥ رقم ٣٥٣٣) ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٩ ، والعبر ٣ / ٢٩٤ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٩١ ، ٤٩٢ (٤٧٧ ه‍.) رقم ٢٥٤ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٣٢ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٢٦ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٢٤ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٦٣.

٢٥٨

صحب الزّاهد القدوة أبا سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهنيّ ، وسافر الكثير. وكان ذا همّة شريفة وأخلاق سنيّة. حجّ على التّجريد مرّات ، لأنّ الطّريق كان منقطعا. وكان يجمع جماعة من الفقراء والصّوفيّة ، ويدور في قبائل العرب ، وينتقل من حلّة إلى حلّة ، إلى أن يصل مكّة.

وكان بينه وبين نظام الملك مودّة أكيدة.

اتّفق أنّه كان منصرفا من أصبهان إلى حضرة نظام الملك ، فنزل بنهاوند ، وكان قد غربت الشّمس ، فنزل فأتى خانقاه أبي العبّاس النّهاونديّ ، فمنع من الدّخول وقيل : إن كنت من الصّوفيّة ، فليس هذا وقت دخول الخانقاه ، وإن كنت لست منهم ، فليس هذا موضعك.

فبات تلك اللّيلة على باب الخانقاه في البرد ، فقال في نفسه : إن سهّل الله لي بناء خانقاه أمنع من دخولها أهل الجبال ، وتكون موضع نزول الغرباء من الخراسانيّين.

قال أبو سعد السّمعانيّ : بلغني أنّه خرج مرّة إلى البادية ، فأضافه صاحبه أحمد بن زهراء ، وكانت له زاوية صغيرة يجتمع فيها الفقراء ، فلمّا دخلها أبو سعد قال : يا شيخ لو بنيت للأصحاب موضعا أوسع من هذا ، وبابا أرفع من هذا ، حتّى لا يحتاج الدّاخل إلى انحناء ظهره.

فقال له أحمد : إذا بنيت أنت رباطا للصّوفيّة في بغداد ، فاجعل له بابا يدخل فيه الجمل وعليه الرّاكب.

فضرب الدّهر ضرباته ، وانصرف أبو سعد ، إلى نيسابور ، وباع أملاكه ، وجمع ما قدر عليه ، وقدم بغداد ، وبنى الرّباط ، وحضر فيه الأصحاب ، وأحضر أحمد بن زهراء وركب واحد جملا حتّى دخل من باب الرّباط (١).

وسمعت ولده أبا (٢) البركات إسماعيل يقول : لمّا غرق جميع بغداد في سنة ستّ وستّين وأربعمائة ، وكان الماء يدخل الدّور من السّطوح ، وضرب الجانب

__________________

(١) المنتظم ٩ / ١١ (١٦ / ٢٣٥).

(٢) في الأصل : «أبو».

٢٥٩

الشّرقيّ بالكلّية ، اكترى والدي زورقا ، وركب فيه ، وحمل أصحابه الصّوفيّة وأهله. وكان الزّورق يدور على الماء ، والماء يخرّب الحيطان ، ويحمل الأخشاب إلى البحر ، فقال أحمد بن زهراء لوالدي : لو اكتريت زورقا ورجلا يأخذ هذه الجذوع ويربطها في موضع ، حتّى إذا نقص الماء بنيت الرّباط ، كان أخفّ عليك.

قال : يا شيخ أحمد هذا زمان التّفرقة ، ولا يمكن الجمع في زمن التّفرقة.

فلمّا هبط الماء بنى الرّباط أحسن ممّا كان (١).

توفّي في ربيع الآخر (٢) ، وهو الّذي تولّى رباط نهر المعلّى.

وكان عالي الهمّة ، كثير التّعصّب لأصحابه ، جدّد تربة معروف الكرخيّ بعد أن احترقت. وكان ذا منزلة كبيرة عند السّلطان ، وحرمة عند الدّولة. وكان يقال :الحمد لله الّذي أخرج رأس أبي سعد من مرقّعة ، فلو خرج من قباء لهلكنا (٣).

وابن زهراء هذا هو أبو بكر الطّريثيثيّ.

٢٧٢ ـ أحمد بن محمد بن مفرّج (٤).

أبو العبّاس الأنصاريّ القرطبيّ.

يعرف بابن رميلة. كان معنيّا بالعلم ، وصحبة الشّيوخ. وله شعر حسن في الزّهد ، وفيه عبادة. واستشهد بوقعة الزّلّاقة ، مقبلا غير مدبر رحمه‌الله وكانت يوم الجمعة ثاني عشر رجب على مقربة من بطليوس. قتل فيها من الفرنج ثلاثون ألف فارس ، ومن الرّجّالة ما لا يحصى ، وهي من الملاحم المشهورة كما يأتي (٥).

__________________

(١) المنتظم ٩ / ١١ (١٦ / ٢٣٥) وكان ابن دوست قبل بناء الرباط ينزل في رباط عتّاب ، فخرج يوما فرأى الخبز النقي فقال في نفسه إن الصوفية لا يرون مثل هذا ، فإن قدّر لي بناء رباط شرطت في سجلّه أن لا يقدّم بين يدي الصوفية خشكار ، فهم الآن على ذلك.

(٢) في المنتظم : «وتوفي ليلة الجمعة ودفن من يومه تاسع ربيع الآخر من سنة ٤٧٧ ه‍.».

(٣) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٩.

(٤) انظر عن (أحمد بن محمد بن مفرج) في : الصلة لابن بشكوال ١ / ٦٨ رقم ١٤٤ وفيه «فرج» بدل «مفرج».

(٥) هكذا في الأصل. وهو وهم ، فقد تقدّم خبر الزلّاقة في حوادث السنة ٤٧٩ ه‍. من هذه الطبقة.

٢٦٠