تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٢

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

العظائم ، وشربوا في الجامع في رمضان

استرجاع أنطاكية من الروم

وفيها سار سليمان بن قتلمش (١) السّلجوقيّ صاحب قونية وأقصرا (٢) بجيوشه إلى الشام ، فأخذ أنطاكية ، وكانت بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وسبب أخذها أنّ صاحبها كان قد سار عنها إلى بلاد الروم ، ورتب بها شحنة.

وكان مسيئا إلى أهلها وإلى جنده حتّى أنّه حبس ابنه. فاتفق ابنه والشّحنة على تسليم البلد إلى سليمان ، فكاتبوه يستدعونه ، فركب في البحر في ثلاثمائة فارس ، وجمع من الرّجالة ، وطلع من المراكب ، وسار إلى في جبال وعرة ومضايق صعبة حتى وصل إليها بغتة ونصب السلالم ودخلها في شعبان. وقاتلوه قتالا ضعيفا ، وقتل جماعة وعفا عن الرعية ، وعدل فيهم ، وأخذ منها أموالا لا تحصى (٣) ثمّ أرسل إلى السّلطان ملك شاه يبشره ، فأظهر السّلطان السرور ، وهنّأه النّاس.

وفيها يقول الأبيورديّ قصيدته :

لمعت كناصية الحصان الأشقر

نار بمعتلج الكثيب الأعفر

منها :

__________________

(١) يرد في المصادر : «قتلمش» ، و «قتلميش» و «قطلمش» و «قطلومش».

(٢) أقصرا : وأقصرى : بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد والراء مع المدّ ، من بلاد الروم. الأرجح أنها مدينة آق سراي المعروفة الآن في تركيا بين أنطاكية وأنقرة. (ومعناها : القصر الأبيض).

(٣) روى ابن العبري هذا الخبر على هذا النحو :

«وسمع سليمان بن قتلميش الّذي قتل أبوه في العاصمة كما ذكرنا أن قيلردس انتزح عن أنطاكية فجهز السفن وزحف من أنطرطوس وطرسوس إلى أنطاكية من جهة الجبل واحتلها بمساعدة حاكمها إسماعيل المذكور. وفتح كنيسة القسيان الكبرى واحتوى على أمتعتها وآتيتها الذهبية والقضية وعلى ما أهداه إليها الأنطاكيون من التحف الوافرة وحوّلها إلى مسجد. ونادى بالأمان في المدينة وحرّم على الأتراك الضرب بالسيف ودخول أيّ بيت من بيوت المسيحيين ومصاهرة بناتهم على الإطلاق. وفرض عليهم أن يبيعوا كل ما غنموه من الأنطاكيين في أنطاكية عينها وبثمن بخس ، وهكذا طيب قلوب الأهالي ، وولى الحاكم حراسة القلعة ، فاستراح الأنطاكيون وتمتعوا بالطمأنينة من أيام قيلردس النصراني بالاسم».

وانظر : زبدة الحلب ٢ / ٨٦ ، ٨٨.

٢١

وفتحت أنطاكية الرّوم التي

نشرت معاقلها على الإسكندر

وطئت مناكبها جيادك فانثنت

تلقي أجنتها بنات الأصفر(١)

وأرسل شرف الدولة مسلم بن قريش إلى سليمان يطلب منه الحمل الّذي كان يحمله إليه صاحب أنطاكية. فبعث يقول له : إنما ذاك المال كان جزية رأس الفردروس (٢) وأنا بحمد الله فمؤمن ، ولا أعطيك شيئا (٣).

فنهب شرف الدّولة بلاد أنطاكية ، فنهب سليمان أيضا بلاد حلب ، فاستغاث له أهل القرى ، فرق لهم ، وأمر جنده بإعادة عامة ما نهبوه (٤)

مقتل شرف الدولة بنواحي أنطاكية

ثم إنّ شرف الدولة حشد العساكر ، وسار لحصار أنطاكية ، فأقبل سليمان بعساكره ، فالتقيا في صفر سنة ثمان وسبعين بنواحي أنطاكية ، فانهزمت العرب ، وقتل شرف الدّولة بعد أن ثبت ، وقتل بين يديه أربعمائة من شباب حلب.

وكان أخوه إبراهيم في سجنه ، فأخرجوه وملّكوه (٥)

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٣٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٥ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٤٨ ، الدرة المضية ٤١٠ ، ٤١١ و ٤٢٧ (حوادث سنة ٤٧٩ ه‍.) ، العبر ٣ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، دول الإسلام ٢ / ٧ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٢ ، تاريخ ابن خلدون ٤ / ٢٦٩ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٤.

(٢) يسميه ابن الأثير : «الفردوس» (١٠ / ١٣٨ و ١٣٩) وفي نسخة خطية أخرى كما هو مثبت أعلاه.

ومثله في التاريخ الباهر ٦ ، وفي زبدة الحلب ٢ / ٨٦ «الفلادرس» و «الفلاردوس».

(٣) زبدة الحلب ٢ / ٨٩ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٣٨ ، التاريخ الباهر ٦ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٥ ، الدرة المضية ٤١١ ، العبر ٣ / ٢٨٦ ، دول الإسلام ٢ / ٧ ، مرآة الجنان ٣ / ١٢٠ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٢.

(٤) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٢ (سويّم) ١٩ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٠ ، العبر ٣ / ٢٨٦.

(٥) ـ تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٣ (سويم) ٢٠ (حوادث سنة ٤٧٨ ه‍.) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٠ ، ١٤١ ، ذيل تاريخ دمشق ١١٨ ، تاريخ الزمان ١١٩ ، زبدة الحلب ٢ / ٩١ ، ٩٢ ، و ٩٥ ، تاريخ دولة آل سلجوق ٧٧ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٦ ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ٢ / ٤٨ ، الدرة المضيّة ٤١١ ، العبر ٣ / ٢٨٦ ، دول الإسلام ٢ / ٧ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٢ ، مآثر الإنافة ٢ / ٥ ، تاريخ ابن خلدون ٤٥ / ٢٦٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٢٦.

٢٢

حصار حلب

وسار سليمان فنازل حلب وحاصرها أكثر من شهر ، وترحل عنها (١)

ولاية آقسنقر شحنكية بغداد

وفيها ولي شحنكيّة (٢) بغداد قسيم الدّولة آقسنقر.

__________________

(١) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٣ (سويم ٢٠ (حوادث سنة ٤٧٨ ه‍.) ، ذيل تاريخ دمشق ١١٨ ، زبدة الحلب ٢ / ٩٥ ، الدرة المضيّة ٤١١.

(٢) الشحنكيّة من الشحنة ، وهي الجماعة التي يقيمها الملك لضبط البلد ، أو الرباط من الخيل.

٢٣

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

استيلاء الأدفونش على طليطلة

كان قد جمع الأدفونش ، لعنه الله ، جيوشه ، وسار فنزل على مدينة طليطلة من بلاد الأندلس في السّتين الماضية ، فحاصرها سبع سنين ، وأخذها في العام من صاحبها القادر بالله ولد المأمون يحيى بن ذي النون ، فازداد قوّة وطغى وتجبّر (١)

موقعة الملثّمين بالأندلس

وكان ملوك الأندلس ، حتى المعتمد صاحب قرطبة وإشبيلية ، يحمل إليه قطيعة كل عام (٢) فاستعان المعتمد بن عبّاد (٣) على حربه بالملثّمين من البربر ، فدخلوا إلى الأندلس (٤) فكانت بينهم وقعة مشهورة ، ولكن أساء يوسف بن تاشفين ملك الملثّمين إلى ابن عبّاد ، وعمل عليه ، وأخذ منه البلاد ، وسجنه بأغمات إلى أن مات

رواية ابن حزم عن كتاب الأدفونش إلى المعتمد بن عبّاد

وذكر اليسع بن حزم قال : كان وجّه ادفونش بن شانجة رسولا إلى

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٢ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٧ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٦ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٤٨ ، دول الإسلام ٢ / ٨ ، العبر ٣ / ٢٨٩ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٣ ، مآثر الإنافة ٢ / ١٠ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٥٧.

(٢) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٢.

(٣) انظر عن (المعتمد بن عبّاد) في : الذخيرة لابن بسّام ق ٣ / ١٤ ، والمعجب ١٥٨ ، ووفيات الأعيان ٥ / ٢١ ـ ٢٩ ، والحلة السيراء ٢ / ٥٢ ، وأعمال الأعلام ١٥٧ ، والبيان المغرب ٣ / ٢٥٧ ، والوافي بالوفيات ٣ / ١٨٣ ، ونفح الطيب (في مواضع متفرقة)

(٤) العبر ٣ / ٢٨٩.

٢٤

المعتمد. وكان من أعيان ملوك الفرنج يقال له البرهنس ، معه كتاب كتبه رجل من فقهاء طليطلة تنصر ويعرف بابن الخياط ، فكان إذا عير قال : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (١) والكتاب :

«من الانبراطور ذي الملّتين الملك أدفونش بن شانجة ، إلى المعتمد بالله ، سدد الله آراءه ، وبصره مقاصد الرشاد. قد أبصرت تزلزل أقطار طليطلة ، وحصارها في سالف هذه السّنين ، فأسلمتم إخوانكم ، وعطّلتم بالدّعة زمانكم ، والحذر من أيقظ باله قبل الوقوع في الحبالة. ولو لا عهد سلف بيننا نحفظ ذمامه نهض العزم ، ولكن الإنذار يقطع الأعذار ، ولا يعجل إلّا من يخاف الفوت فيما يرومه ، وقد حمّلنا الرّسالة إليك السّيد البرهانس ، وعنده من التّسديد الّذي يلقى به أمثالك ، والعقل الّذي يدبّر به بلادك ورجالك ، ما أوجب استنابته فيما يدق ويجلّ».

فلمّا قدم الرسول أحضر المعتمد الأكابر ، وقرئ الكتاب ، فبكى أبو عبد الله بن عبد البرّ وقال : قد أبصرنا ببصائرنا أنّ مآل هذه الأموال إلى هذا ، وأن مسالمة اللّعين قوّة بلاده ، فلو تضافرنا لم نصبح في التّلاف تحت ذلّ الخلاف ، وما بقي إلا الرجوع إلى الله والجهاد.

وأما ابن زيدون وابن لبون فقالا : الرأي مهادنته ومسالمته. فجنح المعتمد إلى الحرب ، وإلى استمداد ملك البربر ، فقال جماعة : نخاف عليك من استمداده. فقال : رعي الجمال خير من رعي الخنازير

جواب المعتمد بن عبّاد إلى الأدفونش

ثم أخذ وكتب جواب أدفونش بخطّه ، ونصّه :

الذلّ تأباه الكرام وديننا

لك ما ندين به من البأساء

سلمناك سلما ما أردت وبعد ذا

نغزوك في الإصباح والإمساء

الله أعلى من صليبك فادرع

لكتيبة خطبتك في الهيجاء

سوداء غابت شمسها في غيمها

فجرت مدامعها بفيض دماء

 __________________

(١) سورة القصص ، الآية ٥٦.

٢٥

ما بيننا إلّا النّزال وفتنة

قدحت زناد الصّبر في الغماء

من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله ، إلى الطّاغية الباغية أدفونش الّذي لقب نفسه ملك الملوك ، وتسمّى بذي الملتين. سلام على من اتّبع الهدى ، فأول ما نبدأ به من دعواه أنه ذو الملّتين والمسلمون أحقّ بهذا الاسم لأنّ الّذي نملكه من نصارى البلاد ، وعظيم الاستعداد ، ولا تبلغه قدرتكم ، ولا تعرفه ملتكم. وإنما كانت سنة سعد اتعظ منها مناديك ، وأغفل من النّظر السديد جميل مناديك ، فركبنا مركب عجز يشحذ الكيس ، وعاطيناك كؤوس دعة ، قلت في أثنائها : ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك ، وإنّا لنعجب من استعجالك وإعجابك بصنع وافقك فيه القدر ، ومتى كان لأسلافك الأخدمين مع أسلافنا الأكرمين يد صاعدة ، أو وقفة مساعدة ، فاستعد بحرب ، وكذا وكذا. إلى أن قال : فالحمد لله الّذي جعل عقوبة توبيخك وتقريعك بما الموت دونه ، والله ينصر دينه ولو كره الكافرون ، وبه نستعين عليك.

ثمّ كتب إلى يوسف بن تاشفين يستنجده فأنجده

استيلاء ابن جهير على آمد وميافارقين

وفيها استولى فخر الدّولة بن جهير على آمد وميافارقين ، وبعث بالأموال إلى السّلطان ملك شاه (١)

ملك ابن جهير جزيرة ابن عمر

ثمّ ملك جزيرة ابن عمر بمخامرة من أهلها ، وانقرضت دولة بني مروان (٢)

__________________

(١) المنتظم ٩ / ١٤ (١٦ / ٢٤٠) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٣ و ١٤٤ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٦ ، تاريخ الفارقيّ ٢٠٩ ـ ٢٢١ وفيه تفصيل مسهب ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٢٧.

(٢) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٤ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٦ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٢٧.

٢٦

محاصرة أمير الجيوش دمشق

وفيها وصل أمير الجيوش في عساكر مصر ، فحاصر دمشق ، وضيّق على تاج الدّولة تتش ، فلم يقدر عليها ، فعاد إلى مصر (١)

الفتنة بين السّنّة والشيعة

وفيها كانت فتنة كبيرة بين أهل الكرخ الشيعة وبين السّنة ، وأحرقت أماكن واقتتلوا (٢)

الزلزلة بأرجان

وجاءت زلزلة مهولة بأرجان ، مات خلق منها تحت الرّدم (٣)

الريح والرعد والبرق ببغداد

وفيها كانت الرّيح السّوداء ببغداد ، واشتدّ الرّعد والبرق ، وسقط رمل وتراب كالمطر ، ووقعت عدّة صواعق ، وظنّ النّاس أنها القيامة ، وبقيت ثلاث ساعات بعد العصر ، نسأل الله السلامة (٤).

وقد سقت خبر هذه الكائنة في ترجمة الإمام أبي بكر الطّرطوشي لأنّه شاهدها وأوردها في أماليه (٥). وكان ثقة ورعا ، رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٣ (سويم) ٢٠ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٥ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٦ ، العبر ٣ / ٢٨٩ ، دول الإسلام ٢ / ٨ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٣.

(٢) المنتظم ٩ / ١٥ و ١٦ (١٦ / ٢٤١ و ٢٤٢) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٥ ، العبر ٣ / ٢٨٩ ، مرآة الجنان ٣ / ١٢٢ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٢٧.

(٣) المنتظم ٩ / ١٤ (١٦ / ٢٣٩) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٥ ، كشف الصلصلة ١٨١ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٢٧.

(٤) المنتظم ٩ / ١٤ (١٦ / ٢٤٠ ، ٢٤١) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٥ ، تاريخ الزمان ١١٩ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٤٩ ، دول الإسلام ٢ / ٨ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٢٧ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٢٠ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٤.

(٥) تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٣.

٢٧

سنة تسع وسبعين وأربعمائة

مقتل ابن قتلمش عند حلب

لما قتل شرف الدّولة نازل سليمان بن قتلمش حلب ، وأرسل إلى نائبها ابن الحتيتيّ العبّاسيّ يطلب منه أن يسلمه إليه ، فقدّم تقدمة ، واستمهله إلى أن يكاتب السّلطان ملك شاه. وأرسل العباسي إلى صاحب تتش ، وهو أخو السّلطان يحرضه على المجيء ليتسلّم البلد. فسار تتش بجيشه ، فقصده قبل أن يصل إليها سليمان ، وكان مع تتش أرتق التركمانيّ جدّ أصحاب ماردين ، وكان شجاعا سعيدا ، لم يحضر مصافا إلا وكان الظّفر له. وقد كان فارق ابن جهير لأمر بدا منه ، ولحق بتاج الدّولة تتش ، فأعطاه القدس. والتقى الجمعان ، وبلى يومئذ أرتق بلاء حسنا ، وحرض العرب على القتال ، فانهزم عسكر سليمان ، وثبت سليمان بخواصّه إلى أن قتل ، وقيل : بل أخرج سكينا عند الغلبة قتل بها نفسه.

ونهب أصحاب تتش شيئا كثيرا.

ثم إنه سار لأخذ حلب ، فامتنعوا ، فحاصرها وأخذها بمخامرة جرت (١)

دخول السلطان حلب

وأما السّلطان فإنّ البرد وصلت إليه بشغور حلب من ملك ، فساق بجيوشه من أصبهان ، فقدمها في رجب ، وهرب أخوه عنها ومعه أرتق.

وكانت قلعة حلب عاصية مع سالم ابن أخي شرف الدّولة ، فسلمها إلى

__________________

(١) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٣ (سويم) ٢٠ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، ذيل تاريخ دمشق ١١٨ ، ١١٩ ، تاريخ الزمان ١١٩ ، زبدة الحلب ٢ / ٩٥ ـ ٩٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٧ ، الدرة المضيّة ٤١٢ ، العبر ٣ / ٢٩٣ ، دول الإسلام ٢ / ٩ ، تاريخ ابن خلدون ٤ / ٢٦٩ ، اتعاظ الحنفاء ٢ / ٣٢٢ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٢٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٣٠.

٢٨

السّلطان ، وعوضه عنها بقلعة جعبر (١) ، فبقيت في يده ويد أولاده إلى أن أخذها نور الدّين (٢)

إقرار الأمير نصر بن علي على شيزر

وأرسل الأمير نصر بن عليّ بن منقذ إلى السّلطان ملك شاه ببذل الطّاعة ، وسلّم إليه لاذقية وكفرطاب وفامية (٣) ، فترك قصده وأقره على شيزر. ثم سلم حلب إلى قسيم الدّولة آق سنقر ، فعمرها وأحسن السّيرة (٤)

افتقار ابن الحتيتي

وأمّا ابن الحتيتيّ (٥) فإن أهلها شكوه ، فأخذه السّلطان معه ، وتركه بديار بكر ، فافتقر وقاسي.

وأما ولده فقتلته الفرنج بأنطاكيّة لمّا ملكوها (٦)

خبر وقعة الزّلّاقة بالأندلس

وهو أن الأدفونش ، لعنه الله ، تمكن وتمرد ، وجمع الجيوش فأخذ طليطلة فاستعان المسلمون بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة

__________________

(١) وتسمى قلعة دوسر. (زبدة الحلب ٢ / ١٠٠) و «جعبر : بفتح أوله وسكون ثانية : على الفرات بين بالس والرقة قرب صفّين. كانت قديما تسمّى دوسر ، فملكها رجل من بني قشير أعمى يقال له جعبر بن مالك» (معجم البلدان).

(٢) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٤ (سويّم) ٢٠ ، ٢١ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٨ ، ١٤٩ ، التاريخ الباهر ٧ ، ٨ ، ذيل تاريخ دمشق ١١٩ ، زبدة الحلب ٢ / ٩٩ ـ ١٠١ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١١٩٧ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٤٩ و ٢٦ / ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، الدرة المضيّة ٤١٢ ، ٤١٣ ، مرآة الجنان ٣ / ١٣١ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٢٨٤ و ٢ / ٢ ، مآثر الإنافة ٢ / ٢ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٧٦ و ٤ / ٢٧٥.

(٣) يقال : «فامية» و «أفامية».

(٤) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، التاريخ الباهر ٨ ، ذيل تاريخ دمشق ١١٩ (حوادث سنة ٤٨٠ ه‍.) ، زبدة الحلب ٢ / ١٠٢ و ١٠٣ ، ١٠٤ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٧ ، ١٩٨ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٢٥ و ٢٣ / ٢٤٩ ، الدرة المضية ٤٢١ و ٤٣٠ ، مفرّج الكروب ١ / ١٩ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٢ ، تارخ ابن خلدون ٣ / ٤٧٦ و ٤ / ٢٧٦.

(٥) في : نهاية الأرب ٢٦ / ٣٢٤ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٧ «ابن الجيبي».

(٦) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٠ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٧٧ و ٤ / ٢٧٦.

٢٩

ومرّاكش ، فبادر وعدي بجيوشه ، واجتمع بالمعتمد بن عبّاد بإشبيليّة ، وتهيأ عسكرها وعسكر قرطبة ، وأقبلت المطّوعة من النّواحي (١).

وسار جيش الإسلام حتّى أتوا الزّلّاقة. ومن عمل بطليوس ، وأقبلت الفرنج ، وتراءى الجمعان. فوقع الأدفونش على ابن عبّاد قبل أن يتواصل جيش ابن تاشفين ، فثبت ابن عبّاد وأبلى بلاء حسنا ، وأشرف المسلمون على الهزيمة ، فجاء ابن تاشفين عرضا ، فوقع على خيام الفرنج ، فنهبها وقتل من بها ، فلم تتمالك النّصارى لمّا رأت ذلك أن انهزمت ، فركب ابن عبّاد أقفيتهم ، ولقيهم ابن تاشفين من بين أيديهم ، ووضع فيهم السّيف ، فلم ينج منهم إلا القليل.

ونجا الأدفونش في طائفة. وجمع المسلمون من رءوس الفرنج كوما كبيرا ، وأذنوا عليه ، ثمّ أحرقوها لما جيفت (٢).

وكانت الوقعة يوم الجمعة في أوائل رمضان (٣) وأصاب المعتمد بن عبّاد جراحات سليمة في وجهه. وكان العدو خمسين ألفا ، فيقال : لم يصل منهم إلى بلادهم ثلاثمائة نفس. وهذه ملحمة لم يعهد مثلها. وحاز المسلمون غنيمة عظيمة (٤)

استيلاء ابن تاشفين على غرناطة

وطابت الأندلس للملثّمين فعمل ابن تاشفين على أخذها ، فشرع أولا ، وقد سار في خدمة ملك غرناطة ، فقبض عليه وأخذ بلده ، واستولى على قصره بما حوى ، فيقال إنّ في جملة ما أخذ أربعمائة حيّة جوهر ، فقوّمت كل واحدة بمائة دينار (٥)

__________________

(١) وفيات الأعيان ٥ / ٢٨ ، ٢٩.

(٢) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٣ (سويم) ٢٠ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٤ ، ذيل تاريخ دمشق ١١٨ (حوادث سنة ٤٧٨ ه‍.) ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٨ ، العبر ٣ / ٢٩٣ ، دول الإسلام ٢ / ٩ ، مرآة الجنان ٣ / ١٣١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٣ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٦٢.

(٣) ويقول ابن خلّكان : «والصحيح أن هذه الوقعة كانت في منتصف رجب من السنة المذكورة». (وفيات الأعيان ٥ / ٢٩) ، ومثله في : الحلة السيراء ٢ / ٥٥ و ١٠١.

(٤) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥١ ـ ١٥٤.

(٥) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٤ ، ١٥٥ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٨ ، تاريخ ابن الوردي=

٣٠

تلقيب ابن تاشفين بأمير المسلمين

ونقل «ابن الأثير» (١) أنّ ابن تاشفين أرسل إلى المقتدي بالله العباسيّ يطلب أن يسلطنه ، فبعث إليه الخلع والأعلام والتّقليد ، ولقّب بأمير المسلمين

دخول السلطان ملك شاه بغداد

ولمّا افتتح السّلطان ملك شاه حلب و [غيرها] (٢) رجع ودخل بغداد ، وهو أول دخوله إليها ، فنزل بدار المملكة ولعب بالكرة ، وقدّم تقادم للخليفة ، ثمّ قدم بعده نظام الملك. ثم سار فزار قبور الصّالحين (٣).

وفيه يقول ابن زكرويه الواسطيّ :

زرت المشاهد زورة مشهودة

أرضت مضاجع من بها مدفون

فكأنّك الغيث استهل بتربها ،

وكأنّها بك روضة ومعين(٤)

ثمّ خرج وتصيد ، وأمر بعمل منارة القرون من كثيرة ما اصطاد من الغزلان وغيرها (٥).

ثم جلس له الخليفة ودخل إليه وأفرغ الخلع عليه. ولم يزل نظام الملك

__________________

= ٢ / ٣ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٦٢ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٩ ، ٣٠.

(١) في الكامل ١٠ / ١٥٥ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٦٣.

(٢) في الأصل بياض.

(٣) المنتظم ٩ / ٢٩ (١٦ / ٢٥٩ ، ٢٦٠) ، تاريخ الزمان ١٢٠ ، تاريخ دولة آل سلجوق ٧٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٨ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٢٦ (حوادث سنة ٤٧٧ ه‍.) ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٨٥ ، العبر ٣ / ٢٩٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٣ ، مآثر الإنافة ٢ / ٢ وقد وقع في المطبوع أن دخوله بغداد كان سنة ٤٩٩ ه‍. وهو غلط ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٧٧ ، وتاريخ الخلفاء ٤٢٥.

(٤) زاد ابن الأثير في (الكامل ١٠ / ١٥٦).

فازت قداحك بالثواب وأنجحت

ولك الإله على النجاح ضمين

(٥) قال ابن خلكان إن ملك شاه «خرج من الكوفة لتوديع الحاج ، فجاوز العذيب وشيعهم بالقرب من الواقصة وصاد في طريقة وحشا كثيرا فبني هناك منارة من حوافر الحمر الوحشية وقرون الظباء التي صادها في ذلك الطريق ، والمنارة باقية إلى الآن ، وتعرف بمنارة القرون ، وذلك في سنة ثمانين وأربعمائة». (وفيات الأعيان ٥ / ٢٨٥).

والخبر باختصار في : العبر ٣ / ٢٩٣ ، ودول الإسلام ٢ / ٩ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٣١ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٣١.

٣١

قائما يقدم أميرا أميرا إلى الخليفة ، وكلما قدّم أميرا قال : هذا العبد فلان ، واقطاعه كذا وكذا ، وعدّة رجاله وأجناده كذا وكذا ، إلى أن أتى على آخرهم. ثمّ خلع على نظام الملك. وكان يوما مشهودا.

وجلس نظام الملك بمدرسته ، وحدّث بها ، وأملى مجلسا.

ثمّ سار السلطان من بغداد إلى أصبهان في صفر من سنة ثمانين (١)

الفتنة بين السنّة والشيعة

وفيها كانت فتنة هائلة بين السّنة والشيعة ، وكادت الشّيعة أن تملك ، ثمّ حجز بينهم الدّولة (٢)

تدريس الدبوسيّ بالنظاميّة

وفيها قدم الشّريف أبو القاسم عليّ بن أبي يعلى الحسينيّ الدّبّوسيّ بغداد في تجمل عظيم لم ير مثله لعالم ، ورتب مدرسا بالنظاميّة بعد أبي سعد المتولي (٣)

زواج ابن صاحب الموصل وإقطاعه البلاد

وفيها زوّج السّلطان أخته زليخا بابن صاحب الموصل ، وهو محمد بن شرف الدّولة مسلم بن قريش ، وأقطعه الرحبة ، وحرّان ، والرّقة ، وسروج ، والخابور ، وتسلم هذه البلاد سوى حرّان ، فإن محمد بن الشّاطر امتنع من تسليمها مدّة ، ثمّ سلمها (٤)

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٦ ، ١٥٧ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٢٦.

(٢) المنتظم ٩ / ٢٦ ، ٢٧ (١٦ / ٢٥٦) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٧.

(٣) المنتظم ٩ / ٢٧ (١٦ / ٢٥٧) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٨ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٢٠٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٣١.

(٤) المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٨ ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٤٨ ، العبر ٣ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، دول الإسلام ٢ / ٩ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٣ ، تاريخ ابن خلدون ٤ / ٢٦٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٣٠ ، ١٣١.

٣٢

عزل ابن جهير عن ديار بكر

وفيها عزل فخر الدّولة بن جهير عن ديار بكر بالعميد أبي علي البلخيّ ، بعثه السّلطان وجعله عاملا عليها (١)

الخطبة للمقتدي بالحرمين

وفيها أسقطت خطبة صاحب مصر المستنصر بالحرمين ، وخطيب لأمير المؤمنين المقتدي (٢)

إسقاط المكوس بالعراق

وفيها أسقط السّلطان المكوس والاجتيازات بالعراق (٣)

محاصرة قابس وسفاقس

وفيها حاصر تميم بن باديس قابس وسفاقس ، وفرق عليهما جيوشه (٤).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٨ ، تاريخ دولة آل سلجوق ٧٦ ، تاريخ الفارقيّ ٢٢١ ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ٣٨٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٣١.

(٢) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٨ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٤٩ ، دول الإسلام ٢ / ٩ ، العبر ٣ / ٢٩٤ ، مرآة الجنان ٣ / ١٣٢ ، تاريخ الخلفاء ٤٢٥.

(٣) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٥٣ (سويم) ٢٠ ، المنتظم ٩ / ٣٥ (١٦ / ٢٦٧) (حوادث سنة ٤٨٠ ه‍.) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٩ ، ذيل تاريخ دمشق ١١٨ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٤٩.

(٤) الكامل في التاريخ ١٠ / ١٥٩ ، البيان المغرب ١ / ٣٠٠

٣٣

سنة ثمانين وأربعمائة

عرس الخليفة المقتدي

في أوّلها عرس أمير المؤمنين على بنت السّلطان ملك شاه ، عند ما ذهب السّلطان للصيد. فنقل جهازها إلى دار الخليفة ، فيما نقل «ابن الأثير» (١) ، على مائة وثلاثين جملا مجلّلة بالدّيباج الروميّ ، وعلى أربعة وسبعين بغلا مجلّلة بألوان الدّيباج ، وأجراسها وقلائدها الذّهب ، فكان على ستّة بغال اثنا عشر صندوقا فيها الحلبيّ والمصاغ ، وثلاثة وثلاثون فرشا عليها مراكب الذّهب مرصّعة بأنواع الجوهر والحليّ ، ومهد كبير كثير الذّهب ، وبين يدي الجهاز الأميران كوهرائين وبرسق. فأرسل الخليفة وزيره أبا شجاع إلى تركان خاتون ، وبين يديه ثلاثمائة مركبية ، ومثلها مشاعل. ولم يبق في الحريم دكّان إلّا وقد أشعل فيها الشّمع.

وأرسل الخليفة محفة لم ير مثلها.

وقال الوزير لتركان : يقول أمير المؤمنين : إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ، وقد أذن في نقل الوديعة إليه.

فأجابت ، وحضر نظام الملك فمن دونه ، وكلّ معهم الشّمع والمشاعل.

وكان نساء الأمراء بين أيديهن الشّمع والمشاعل. ثمّ أقبلت الخاتون في محفّة مجلّلة بألوان الذّهب والجواهر الكوشيّ ، قد أحاط بالمحفّة. مائتا جارية من الأتراك بالمراكب العجيبة ، فسارت إلى دار الخلافة. وكانت ليلة مشهودة لم ير ببغداد مثلها. وعمل الخليفة من الغد سماطا لأمراء السلطان ، يحكى أنّ فيه

__________________

(١) في الكامل في التاريخ ١٠ / ١٦٠.

٣٤

أربعين ألف منا من السّكر ، وخلع عليهم. وجاءه منها ولد في ذي القعدة سمّاه جعفرا.

وجاء السلطان في هذه السنة من تركان خاتون ولده محمود الّذي ولي الملك (١).

__________________

(١) المنتظم ٩ / ٣٦ ، ٣٧ (١٦ / ٢٦٨ ، ٢٦٩) ، الكامل في التاريخ ١٠ / ١٦٠ ، ١٦١ ، تاريخ الزمان ١٢٠ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٨٨ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٥٠ ، العبر ٣ / ٢٩٦ ، دول الإسلام ٢ / ١٠ ، مرآة الجنان ٣ / ١٣٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٣٢ ، ١٣٣

٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم

[تراجم رجال هذه الطبقة]

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

ـ حرف الألف ـ

١ ـ أحمد بن الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الدّانيّ (١).

المقرئ أبو العبّاس.

قرأ على أبيه ، وأقرأ النّاس بالروايات.

أخذ عنه : أبو القاسم بن مدير (٢).

توفي في ثامن رجب.

٢ ـ أحمد بن عليّ بن محمد بن الفضل (٣).

أبو الحسن بن أبي الفرج البغدادي البشاريّ (٤) ، المعروف أيضا بابن الوازع.

شيخ معمر ، وجد ابن ماكولا سماعه من أبي الطّاهر المخلص في جزء من «الفتوح» لسيف. فأفاده النّاس ، وسمعوه منه (٥).

روى عنه : مكيّ الرّميليّ ، وإسماعيل بن السّمرقنديّ.

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن أبي عمرو) في : غاية النهاية ١ / ٨٠ رقم ٣٦٥.

(٢) في غاية النهاية : «أبو القاسم بن مدى» ، وهو تصحيف.

(٣) انظر عن (أحمد بن علي) في : الإكمال لابن ماكولا ٧ / ٤٤٣ ، والأنساب ٢ / ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، واللباب ١ / ١٥٥ ، والمشتبه في أسماء الرجال ٢ / ٦٦٩.

وفيها جميعا : «أحمد بن علي بن أحمد بن أبي الفرج أحمد بن الفضل بن الوازع البشاري الرفّاء».

(٤) في الأصل بضم الباء الموحدة. والصحيح بالفتح كما في مصادر ترجمته. قال ابن ماكولا : أوله باء معجمة بواحدة ، وشين معجمة.

(٥) وقال ابن ماكولا : «وأنا أول من سمع منه» ، وقد سمع الحميدي أيضا منه. (الإكمال ٧ / ٤٤٣).

٣٦

توفي في ربيع الأول وله ٩٤ سنة.

٣ ـ أحمد بن محمد بن هبة الله (١).

أبو الحسين الدّمشقيّ الأكفانيّ والد الأمين أبي محمد.

حدّث عن : المسدد الأملوكيّ ، وعبد الرحمن بن الطبيز.

وعنه : ابنه.

مات في ربيع الأوّل.

٤ ـ أتسز بن أوق الخوارزميّ التركي (٢).

صاحب دمشق.

قال ابن الأكفاني : غلت الأسعار في سنة حصار الملك أتسز بن الخوارزميّ دمشق ، وبلغت الغرارة أكثر من عشرين دينارا. ثمّ ملك البلد صلحا ، ونزل دار الإمارة داخل باب الفراديس ، وخطب لأمير المؤمنين المقتدي بالله عبد الله بن أبي العباس ، وقطعت دعوة المصريين ، وذلك في ذي القعدة سنة ثمان وستّين (٣).

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن محمد) في : مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٣ / ٢٨٨ رقم ٣٦٩ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٨٢.

(٢) انظر عن (أتسز بن أوق) في : تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) ٣٥٠ ، (بتحقيق سويم) ١٧ ، ١٨ ، والكامل في التاريخ ١٠ / ٦٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١١١ ، وأخبار مصر لابن ميسر ٢ / ٢٦ (حوادث سنة ٤٧٢ ه‍.) ، وزبدة الحلب ٢ / ٦٥ ، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ج ١٢ / ق ٢ / ورقة ١٦٠ ب ، وتاريخ دولة آل سلجوق ٧١ ، ٧٢ ، وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٠٨ ، ١١٢ ، ووفيات الأعيان ١ / ٢٩٥ ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٤ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ رقم ٢٠٣ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٨٧ وفيه «يوسف بن أبق» ، و ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ونهاية الأرب ٢٧ / ٦٤ ، ٦٥ ، والعبر ٣ / ٢٥٢ ، ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ودول الإسلام ١ / ٢٧٣ و ٢ / ٣ ـ ٥ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٣١ ، ٤٣٢ رقم ٢١٨ ، والإعلام بوفيات الأعلام ١٩٤ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٣٨٠ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٠٠ ، والدرة المضيّة ٣٩٠ (حوادث سنة ٤٦٣ ه‍.) و ٤٠٦ (حوادث سنة ٤٧٢ ه‍.) ، والوافي بالوفيات ٦ / ١٩٥ ، وأمراء دمشق في الإسلام ٢١ رقم ٧٢ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١١٢ ، ١١٣ و ١١٩ ، وفيه «أتسز بن أوف» ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٧٤ ، واتعاظ الحنفا ٢ / ٣٢٠ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٨٧ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٣٣٤ ، وفيه «أتسز بن آف» ، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة لزامباور ٤٦ ، وولاة دمشق في العهد السلجوقي ، للدكتور المنجد ١٨.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٣٣٤ ، وانظر : الكامل في التاريخ ١٠ / ٩٩ ، والمختصر ٢ / ١٩٢.

٣٧

وقال ابن عساكر (١) : إنّه ولي دمشق بعد حصاره إيّاها دفعات ، وأقام الدّعوة لبني العبّاس ، وتغلب على أكثر الشّام ، وقصد مصر ليأخذها فلم يتمّ له ذلك.

ثمّ وجّه المصريّون إلى الشام عسكرا ثقيلا في سنة إحدى وسبعين ، فلمّا عجز عنهم راسل تتش بن ألب أرسلان يستنجد به. فقدم تتش دمشق ، وغلب على دمشق ، وقتل أتسز في ربيع الآخر ، واستقام الأمر لتتش.

وكان أتسز لمّا أخذ دمشق أنزل جنده في دور الناس ، واعتقل من الرؤساء جماعة وشمسهم بمرج راهط حتّى افتدوا نفوسهم منه بمال كثير ، ونزح جماعة إلى طرابلس. وقتل بالقدس خلقا كثيرا كما مرّ في الحوادث إلى أن أراح النّاس منه.

٥ ـ إبراهيم بن إسماعيل (٢).

أبو سعد اليعقوبيّ.

مات بمرو في شعبان.

٦ ـ إبراهيم بن عليّ (٣).

الشيخ أبو إسحاق القبانيّ (٤).

شيخ الصوفيّة بدمشق.

أقام بدمشق ، وأقام بصور أربعين عاما.

وسمع بالرملة من شيخه أبي الحسين بن الترجمان ، وبصيداء من الحسن بن جميع.

روى عنه : نصر المقدسيّ ، وغيث الأرمنازيّ (٥) ، وجماعة.

__________________

(١) في : مختصر تاريخ دمشق ٤ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٣٣٤ ، وانظر : ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١١٢.

(٢) لم أجد مصدر ترجمته.

(٣) انظر عن (إبراهيم بن علي القباني) في : تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٤ / ٢٧٨ و (١٠ / ٢٥٥) ، ومعجم البلدان ٤ / ٣٠٢ ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٤ / ٨٦ ، ٨٧ رقم ١٠٦ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٢٣٣ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ رقم ٣٩.

(٤) تصحفت هذه النسبة في المصادر إلى : «العتابي» ، و «القبائي» و «التباني».

(٥) وهو قال : كان القباني شيخ الصوفية بالثغر ، وكان ذا سمت حسن وطريقة مستقيمة ، كثير=

٣٨

وكان صالحا صدوقا له معاملة

ـ حرف الحاء ـ

٧ ـ الحسن بن أحمد بن عبد الله (١).

الفقيه أبو عليّ بن البنّاء البغداديّ الحنبليّ ، صاحب التصانيف والتّخاريج.

سمع من : هلال الحفّار ، وأبي الفتح بن أبي الفوارس ، وأبي الحسن بن رزقويه ، وأبي الحسين بن بشران ، وعبد الله بن يحيى السكريّ ، وهذه الطبقة فأكثر.

روى عنه : أحمد بن ظفر المغازليّ ، وأبو منصور عبد الرحمن القزّاز ، وإسماعيل بن السّمرقنديّ ، وجماعة ، وولداه يحيى وأحمد ، وأبو الحسين بن الفراء ، وقاضي المرستان.

وقرأ بالرّوايات على أبي الحسن الحماميّ (٢).

__________________

= الدرس للقرآن ، طويل الصمت ، ملازما لما يعنيه ، ولد بما وراء النهر ، وخرج صغيرا ، وتغرّب وسافر قطعة إلى خراسان والعراق والحجاز ، ثم نزل صور فأقام بها واستوطنها إلى أن مات.

وحدّث بها كثير عنه ، وكان سماعه صحيحا. وحدّثني أنه أدرك من أصحاب القفال الشاشي أربعة ، وأنه سمع من ثلاثة منهم. وسمع من أحدهم كتاب «دلائل النّبوة». وأقام بصور نحوا من أربعين سنة. وسئل عن مولده فقال سنة أربع وتسعين أو خمس وتسعين وثلاثمائة ، وتوفي عاشر جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ، ودفن بين يدي باب المسجد المعروف ب «عتيق». وذكر لي جماعة من الفقراء أنه لم يبق في الشام ولا في الحجاز شيخ لهذه الطائفة يجري مجراه. (تاريخ دمشق ٤ / ٢٧٨).

(١) انظر عن (الحسن بن أحمد) في : المنتظم ٨ / ٣١٩ ، ٣٢٠ رقم ٣٩١ (١٦ / ٢٠٠ ، ٢٠١ رقم ٣٤٨٥) ، ومعجم الأدباء ٧ / ٢٦٥ ـ ٢٧٠) ، والكامل في التاريخ ١٠ / ١١٢ ، وإنباه الرواة ١ / ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، وتاريخ إربل ١ / ٢٧١ ، وطبقات الحنابلة ٢ / ٢٤٣ ، ٢٤٤ رقم ٦٧٧ ، والإعلام بوفيات الأعلام ١٩٤ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٨٠ ـ ٣٨٢ رقم ١٨٥ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٣٥ رقم ١٤٩٣ ، والعبر ٣ / ٢٧٥ ، ودول الإسلام ٢ / ٥ ، ومعرفة القراء الكبار ١ / ٤٣٣ ، ٤٣٤ رقم ٣٦٨ ، وتذكرة الحافظ ٣ / ١١٧٧ ، وتلخيص ابن مكتوم ، ورقة ٥٠ ، ومرآة الجنان ٣ / ١٠٠ ، والوافي بالوفيات ١١ / ٣٨١ ـ ٣٨٣ ، وذيل طبقات الحنابلة ١ / ٣٢ ـ ٣٧ رقم ١٤ ، وغاية النهاية ١ / ٢٠٦ رقم ٩٤٩ ، ولسان الميزان ٢ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٠٧ ، والمقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد لابن مفلح ، ورقة ٨٧ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٩٥ ، ٤٩٦ ، وكشف الظنون ١ / ٢١٢ ، ٨٩٢ و ٢ / ١١٠٥ ، ٢٠٠١ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، وهدية العارفين ١ / ٢٧٦ ، وديوان الإسلام ١ / ٣٣٨ رقم ٥٢٩ ، ومعجم المؤلفين ٣٠٠ / ٢٠١.

(٢) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٤٣.

٣٩

وعلّق الفقه والخلاف عن القاضي أبي يعلى قديما (١).

ودرس في أيامه ، وله تصانيف في الفقه والأصول والحديث.

وكان له حلقتان (٢) للفتوى وللوعظ ، وكان شديدا على المبتدعة ، ناصرا للسنة.

آخر من روى عنه بالإجازة الحافظ محمد بن ناصر.

قال القفطيّ (٣) : كان من كبار الحنابلة. سأل فقال : هل ذكرني الخطيب في تاريخه مع الثقات أو مع الكذّابين؟

فقيل له : ما ذكرك أصلا.

فقال : ليته ذكرني ولو مع الكذّابين.

قال القفطيّ (٤) : كان مشارا إليه في القراءات واللغة والحديث. حكي عنه أنّه قال : صنفت خمسمائة مصنّف.

قال : إلا أنّه كان حنبليّ المعتقد ، تكلّموا فيه بأنواع.

توفي في رجب.

قلت : ما تكلم فيه إلا أهل الكلام لكونه كان لهجا بمخالفتهم ، كثير الذّم لهم ، معنيا بأخبار الصّفات.

قرأ عليه جماعة. ولم يذكره الخطيب في تاريخه لأنّه أصغر منه ، ولا ذكر أحدا من هذه الطّبقة إلّا من مات قبله.

وذكره ابن النّجار فقال : كان يؤدب بني جردة. قرأ بالرّوايات على الحماميّ ، وغيره. وكتب بخطّه كثيرا.

إلى أن قال : وتصانيفه تدلّ على قلة فهمه ، كان صحفيا قليل التّحصيل.

روى الكثير ، وأقرأ ، ودرس ، وأفتى ، وشرح «الإيضاح» لأبي عليّ الفارسيّ. إذا

__________________

(١) طبقات الحنابلة ٢ / ٢٤٣.

(٢) إحداهما في جامع المنصور ، والأخرى في جامع القصر. (طبقات الحنابلة ٢ / ٢٤٣).

(٣) في : إنباه الرواة ١ / ٢٧٦ ، وقوله : «كان من كبار الحنابلة» ليس في «الإنباء».

(٤) في : إنباه الرواة ١ / ٢٧٦.

٤٠