المخصّص - ج ١٧

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٧

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

وهؤلاء مُصْطفَوُ البلدِ ولا يجوز فيه الهمز وتقول فى زَكَرِيَّاءَ فيمن مَدَّ زَكَرِيَّا وُونَ كوَرْقاوُون وفيمن قصر زَكَرِيَّونَ بمنزلة عِيْسَوْنَ ومُوسَوْنَ وفيه لغات ليس هذا موضعَ ذِكْرِها وقد قدّمتها

باب جمع الرجال والنساء

اعلم أن هذا الباب يشتمل على جمع الاسماء الاعلام والبابُ فيها أن كُلَّ اسمٍ سميتَ به مذكرا يَعْقِل ولم يكن فى آخره هاء جاز جمعه بالواو والنون على السلامة وجاز تكسيره سواء كان الاسم قيل ذلك مما يجمع بالواو والنون أولا يجمع وكذلك ان سميتَ به مؤنثا جاز جمعُه بالالف والتاء على السلامة وجاز تكسيره واذا كسر شئ من ذلك وكانت العرب قد كَسَّرَتْه اسما قبل التسمية على وجه من الوجوه وان لم يكن ذلك بالقياس المطرد فانه يكسر على ذلك الوجه ولا يعدل عنه وان كان لا يعرف تكسيره فى الاسماء قبل التسمية به حمل على نظائره وقد ذكرنا جمع ما كان من ذلك فى آخره الهاء بما أغنى عن اعادته فمن ذلك اذا سميت رجلا بزيد أو عمرو أو بكر على السلامة قلت الزيدون والعمرون وان كَسَّرْتَ قلتَ أزْيادٌ فى أدْنَى العدد وزُيُود فى الكثير وقلتَ فى بكر وعمرو فى أَدْنَى العدد الاعْمُرُ والأبْكُرُ وفى الكثير العُمُور وأَدْنَى العددِ أن تقول ثلاثةُ أَعْمُرٍ وعشرةُ أَبْكُرٍ وان سميته ببِشْرٍ أو بُرْدٍ أو حَجَرٍ قلتَ فى أدنى العدد ثلاثةُ أَبْراد وعشرةُ أَبْشارٍ وتسعةُ أَحْجار وينبغى أن يقال فى الكثير بُرُودٌ وبُشُورٌ وحجارة قال الشاعر وهو زيد الخليل

أَلَا أَبْلِغ الاقْياسَ قَيْسَ بْنَ نَوْفَلٍ

وقَيْسَ بْنَ أُهْبانٍ وقَيْسَ بْنَ جابِر

وقال أيضا غيره

رأيْتُ سُعودًا من شُعُوبٍ كَثيرةٍ

فلم أَرَ سَعْدًا مِثْلَ سَعْدِ بْنِ مالِك

وقال الفرزدق

وشَيَّدَ لِى زُرارَةُ باذخاتٍ

وعَمْرُو الخير إذ ذُكِرَ العُمُورُ

وقال أيضا غيره

رَأيتُ الصَّدْعَ من كَعْبٍ وكانُوا

مِنَ الشَّنَانِ قد صارُوا كِعَابا

٨١

* قال أبو سعيد* معناه أنهم قبيلة أبوهم كَعْبٌ فهم كَعْبٌ واحدٌ اذا كانوا مُتَأَلِّفِينَ فاذا تَفَرَّقُوا وعادَى بعضهم بعضا صار كُلُّ فرقة منهم تُنْسَبُ الى كَعْب وهى تُخالف فكأنهم كِعَابٌ جَمَاعةٌ وقال فى قوم من العَرَب اسْمُ كُلِّ واحدٍ منهم جُنْدُبٌ الجَنادِب واذا سميتَ امرأةً بدَعْدٍ فجمعتَ قلتَ دَعَدَاتٌ لانك لما أدخلتَ الالفَ والتاء صار بمنزلة تَمَراتٍ وان لم يكن فى الواحد الهاءُ لان الهاء تسقط يَدُلك على ذلك قولُهم أَرَضاتٌ وان لم يكن فى أرض هاءٌ لان الجمع لما كان بالالف والتاء صار كجمع فَعْلةٍ وان جمعتَ جُمْلاً بالالف والتاء جاز أن تقولَ جُمُلاتٌ وجُمَلات وجُمْلَات بمنزلةِ جمع ظُلْمة وتقول فى هِنْدٍ هِنْدات وهِنِدات وهِنَدات بمنزلة كِسْرة اذا جُمِعَتْ على هذه الوجوه وان كَسَّرْتَ كما كَسَّرْتَ بُرْدًا وبِشْرًا قلتَ هذه أهْناد وأَجْمال فى الجمع القليل وتقولُ فى الكثير هُنُود كما قالوا الجُذُوع قال جرير

أخالِدَ قَدْ عَلِقْتُكِ بَعْدَ هِنْدٍ

فشَيَّبَنى الخَوالِدُ والهُنُودُ

وان سميت امرأة بقَدَمٍ فجمعتَ بالالف والتاء قلتَ قَدَمات ولا يجوز تسكين الدال بها وان كَسَّرْتَ فالذى يوجبه مذهب سيبويه أن تقول أَقْدامٌ فى القليل والكثير لان العرب قد جمعتْ قَدَمًا قبل التسمية على أَقْدام فى القليل والكثير وان سميت رجُلا بأحْمَرَ ثم جمعته فان شئت قلت أَحْمَرُونَ على السَّلامة وان شئتَ قلتَ أَحامِرُ على التكسير وكلا هذين الجمعين لم يكن جائزا فى أحْمَر قبل التسمية لان أَحْمَرَ وبابَهُ لا يجوز فيه أَحْمَرون ولا أَحامِرُ اذا كان صفةً وانما يجمع على حُمْرٍ ونظيره بِيضٌ وشُهْبٌ وما أشبه ذلك فاذا سميت به فحكم الاسمِ الذى على أَفْعَلَ يخالفُ حكَم الصفة التى على أَفْعَل والاسمُ جَمْعُه أفاعلُ مثل الأرانِب والأباطِح والارامِل والاداهِم وان سميت امرأةً باحْمَر قلتَ فى السلامة أَحْمَرات وفى التكسير أَحامِرُ وقد قالت العرب الأَجارِب والاشاعِر لِبَنِى أَجْرَبَ كأنهم جعلوا كُلَّ واحدٍ منهم أَجْرَبَ على اسمِ أبيه ثم جمعوه كما قالوا فى أَرْنَبٍ أَرانِبُ وان سميتَ رجلا بوَرْقاء أو ما جَرَى مَجْراه فجمعتَه بالواو والنون قلتَ وَرْقاوُون وان سميت بها امرأة وجمعتها جمع السلامة قلتَ وَرْقاوات وان جمعتها جمع التَكسير فى الرجل والمرأةِ قلت وَرَاقٍ كما قيل فى صَلْفاءَ صَلَافٍ وفى

٨٢

خَبْراء خَبَارٍ وان سميت رجلا أو امرأة بمُسْلمٍ أو بخالد ولم تجمعهما جمعَ السلامة قلتَ فيهما خَوالِدُ كما تقول فى قَادِمِ الرَّحْلِ وآخِره القَوادِمُ والاواخِرُ وجمعُ التكسير يستوى فيه المذكر والمؤنث وما يَعْقِل وما لا يعْقِل ألا تَراهم قالوا غُلام وغِلْمان كما قالوا غُراب وغِرْبان وقالوا صَبِىٌّ وصُبْيانٌ كما قالوا قَضِيبٌ وقُضْبان ومما يُقَوِّى خَوالَد جمعَ رجل اسمه خالد أنهم قالوا فى الصِّفة فارسٌ وفَوارسُ واذا كان هذا فى الصفة فهو فى الاسماء أَجْدَرُ والقياسُ أن يقالَ فى فاعِل فَواعل لانه على أربعة أحرف وعلامةُ الجمع تنتظم فيه على طريق انتظام علامةِ التصغير فيه لانك تقول خُوَيْلِدٌ وحُوَيْتِم فتُدْخِل ياء التصغير ثالثة وتَكْسِرُ ما بعدِها وكذلك تُدْخِلُ ألفَ الجمع ثالثةً وتكسر ما بعدها ولو سميت رجلا بشَفَةٍ أو أَمَة ثم كَسَّرْتَ لقلتَ آمٍ فى الثلاثة الى العشرة وفى الكثير إمَاءٌ ويجوز إمْوانٌ قال الشاعر

أَمَّا الاماءُ فلا يَدْعُونَنِى ولَدًا

اذا تَرامَى بَنُو الامْوانِ بالعارِ

وتقول فى شَفةٍ شِفاهٌ لا يجوز غير ذلك وانما جاز فى أمةٍ اذا سميت بها رجلا أو امرأة الوجوهُ التى ذكرتُ لان العربَ تجمعها على هذه الوجوه وهى اسم قبل التسمية بها شيأ بعينه فاستعملنا بعد التسمية ما استعملته العربُ قبلها اذ لم تتغير الاسْمِيَّةُ فيها ولا تقل فى الشَّفةِ الا شِفَاهٌ فى الجمع القليل والكثير لان العربَ لم تستعمل فيها غَيْرَ الشِّفاهِ قبل التسمية ولا يقال فيها شَفَاتٌ ولا أَمَاتٌ لان العرب تجتنب ذلك فيها قبل التسمية وان سميت رجلا بتَمْرة أو قَصْعةِ قلتَ قَصَعاتٌ وتَمَراتُ وان كسرته قلتَ قِصاعٌ وتِمَارٌ وان سميت رجلا أو امرأة بَعْبلة لقلتَ فى الجمع العَبَلاتُ وفتحتَ الباءَ وقد كان قبل التسمية يقال امرأةٌ عَبْلةٌ ونساء عَبْلَاتٌ لانها كانت صفة فلما سميتَ بها صارتْ بمنزلة تَمْرة وتَمَراتٍ ولا يجوز أن تقول فى جمع رجل اسمه تمرة تَمْرٌ لان تمرا اسم للجنس وليس بجمع مكسر ولو سميت رجلا أو امرأة بسَنَةٍ لكنتَ بالخيار ان شئتَ قلت سَنَوات وان شئتَ قلت سِنُونَ لا تعدو جمعَهم إياها قبل ذلك وهم يجمعون السَّنَةَ قبل التسمية على هذين الوجهين ولو سميته ثُبَةً لقلتَ ثُبَاتٌ وثُبُونَ وان شئتَ كسَرْتَ الثاءَ وكذلك نظائر ثُبةٍ وان سميته بِشيَةٍ أو ظُبَةٍ لم تُجاوزْ شِيَاتٍ وظُباتٍ لان

٨٣

العرب لم تجمعه قبل التسمية الا هكذا فان سميتَه بابْنٍ فان جمعتَ بالواو والنون قلتَ بَنُونَ وان كسَّرْتَ قلتَ أبناءٌ وان سميتَ المرأةَ بأُمٍّ ثم جَمَعْتَ جاز أُمَّهاتٌ وأُمَّاتٌ لان العرب قد جمعتها على هذين الوجهين قال الشاعر

كانَتْ نَجائِبَ مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍ

أُمَّاتُهُنَّ وطَرْقُهُنَّ فَحِيلاً

ولو سميتَ به رجلا لَقُلْتَ أُمُّونَ وان كَسَّرْتَه فالقياسُ أن تقول إِمامٌ وان سميتَه بابٍ قلتَ أَبَوانِ فى التثنية لا تجاوز ذلك يعنى لا تقل أَبانِ واذا سميت رجلا باسم فجمعتَ جمعَ السلامة لم تحذف ألفَ الوصل وقلتَ اسْمونَ وان كَسَّرْتَ قلتَ أَسْماءٌ وكان القياسُ أن تقول ابْنُونَ غير أنهم جمعوه قبل التسمية على بَنِينَ وحذفوا الالف لكثرة استعمالهم إياه وحركوا الباء كَمنِينَ وهَنِينَ ولو سميت رجلا بامْرِئٍ قلتَ امْرُؤُنَ فى السَّلامة وان سميت به امرأةً قلت امْرَآتٌ وان كسَّرْتَ قلتَ أمْرَاءٌ كما قالوا أَبْناء وأسْماءٌ وأسْتاه ولو سميتَ بشباةٍ لم تَجْمَعْ بالتاء ولم تقل الاشِيَاهٌ لان هذا الاسم قد جمعته العَرَبُ مكسَّرا على شِياهٍ ولم يَجْمَعُوه جمعَ السَّلامة بل لا يحتمل ذلك لانا اذا حذفنا الهاء بقى الاسم على حرفين الثانى منهما من حروف المد واللين ولا يجوز مثل ذلك الا أن يكون بعدها هاء فان قال قائل فقد قالوا شَاءٌ وشَوِىٌّ لان الشَّاءَ والشَّوِىَّ جمعانِ للشاةِ قيل له هما اسمان للجمع يجريان مجرى الواحد فاذا سمينا به احتجنا أن نُكَسِّرَ على شِيَاهٍ وان سميت رجلا بضَرْبٍ قلتَ ضَرْبُونَ وضُرُوبٌ بمنزلة عَمْرٍو وعُمور وقد جمعت العرب المصادرَ من قَبْلِ التسمية بها فقالوا أَمْراضٌ وأَشْغَالٌ وعُقُول وألْبابٌ فاذا صار اسما فهو أَجْدَرُ أن يجمع بتكسير ولو سميت رجلا برُبَتَ فى لغة من خَفَّفَ فقال رُبَتَ رَجُلٍ قُلْتَ رُبَاتٌ ورُبُونَ ورِبُون أيضا وانما جاز فى رُبَتَ هذه الوُجُوهُ لانها لم تجمع قبل التسمية فلما سُمِّى به وجُمِعَ حُمِلَ على نظائره الكثيرة ومما كَثُر فى هذا الباب من النواقص أن تجىء بالالف والتاء والواو والنون نحو ثُبات وثُبُونَ وكُرات وكُرُونَ وعِزات وعِزُونَ وان سميته بعِدَةٍ قلتَ عِدَاتٌ وان شئت قلتَ عِدُونَ اذا صارت اسما كما قلتَ لِدُون وان سميته ببُرةٍ وكَسَّرْتَ قلتَ بُرًى لان العرب قد كَسَّرْتُه على ذلك وان جاء مثل بُرّةٍ مما لم تكسره العربُ لم تجمعه الا بالالف والتاء

٨٤

والواو والنون لان هذا هو الكثير واذا سميت بصِفةً مما يختلف جمعُ الاسم والصفة فيه جمعتَه جمعَ نظائره من الاسماء ولم تُجْره على ما جمعوه حين كان صفةً الا أن يكونوا جمعوه جمعَ الاسماءِ فتُجْرِيه على ذلك كرجل سميته بسَعِيد أو شَرِيفٍ تقول فى أدنى العدد ثلاثةُ أَشْرِفةٍ وأَسْعِدةُ وتقول فى الكثير سُعْدَانٌ وشُرْفانٌ وشُعُد وشُرُفٌ لان هذا هو الكثير فى الاسماء فى جمع هذا البناء تقول رَغِيفٌ وأَرْغِفَة وجَرِيب وأَجْرِبة وقالوا رُغْفانٌ وجُرْبانٌ وقالوا قُضُبُ الرَّيْحانِ فى جمع قَضِيبٍ وقالوا الرُّغُفُ فى جمع رَغِيف قال الشاعر

 ان الشِّوَاءَ والنَّشِيلَ والرُّغُفْ

والفَيْنةَ الحَسْناءَ والكَاْسَ الانُفْ

للضَّارِبينَ الهامَ والخَيْلُ قُطُفْ

وقالوا سَبِيلٌ وسُبُلٌ وأَمِيلٌ وأُمُلٌ فهذا هو الكثير فيه وربما قالوا الأَفْعِلَاءَ فى الاسماء نحو الانْصِباءِ والاخْمِساءِ وليس بالكثير فلو سميتَ رجلا بنَصِيبٍ أو خَمِيسٍ لقلتَ أنْصِباء وأَخْمِساء وان سميته بنَسِيبٍ وهو صفة ثم كَسَّرْتَه لقلتَ أنْسِباءُ لان العرب قد جمعته وهو صفة على ذلك وهو من جمع بعض الاسماء كنَصِيبٍ وأنْصِبَاءَ فلم يغيروا* قال سيبويه* وأما والِدٌ وصَاحِبٌ فانهما لا يجمعان ونحوُهما كما لا يجمع قادِمُ النَّاقةِ يعنى الخِلْفَ المُقَدَّمَ من ضَرْعها لان هذا وان تُكُلِّم به كما يُتَكَلَّمُ بالاسماء فان أصلَه الصفةُ وله مؤنث* قال أبو سعيد* ذكر سيبويه وَالِدًا وصاحِبًا قبل التسمية بهما فأرى أن صاحبا اذا جمعناه لم نقل فيه صَواحبُ وكذلك والد لا نقول فيه أَوالِدُ لان هاتين صفتان من حيث يقال والد ووالدة واذا كانت الصفة على فاعل للمذكر لم يجمع على فواعل وانما يقال فيه فاعِلُونَ وهذان الاسمان قد كثرا فجَريا مَجْرَى الاسماء فلم يجب لهما بذلك أن يقال صَواحِبُ وأوالد اذ كان يقال فى مؤنثهما صاحبة ووالدة ولو سمينا رجلا بصاحب لقلنا فى التكسبر صَواحبُ وأما والد فقال الجَرْمىُّ اذا سمينا به لم نقل الا والِدُونَ وان سمينا به مؤنثا لم نقل الا والدات وان سمينا بوالدة قلنا والدات لان العرب تنكبت فى جمع ذلك التكسيرَ قبل التسمية فقالوا والِدٌ ووالدُونَ ووالِدةٌ ووالِداتٌ ولم بقولوا أوَالِدُ فى الوالدة وان كانوا يقولون قاتلة وقَواتِل

٨٥

وجالسة وجَوالِس لان الاصل ووَالِدُ قلب احدى الواوين فاقتصروا فيه على السلامة ولو سميتَ رجلا بفَعالٍ نحو جَلالٍ لقلت أَجِلَّةٌ على حدّ قولك أَجْوِبة فاذا جاوزتَ قلتَ جِلَّانٌ كقولك غِرْبانُ وغِلْمان واعلم أن العرب تجمع شجاعا على خمسة أوجه منها ثلاثة من جميع الاسماء وهى شُجْعانٌ مثل قولنا زُقاقٌ وزُقَّانٌ وشِجْعان مثل غُراب وغِربان وشِجْعه مثل غُلام وغِلْمة فاذا سميت رجلا بشُجاع جاز أن تجمعه على هذه الوجوه الثلاثة وقد يجمع شُجَاع على شِجَاع وشُجَعاء نحو كريم وكِرَامٍ وكُرَماء وظَرِيفٍ وظِرافٍ وظُرَفَاء فاذا سميت بشُجَاع لم يجز جمعه على هذين الوجهين وربما جمعت العربُ الاسمَ الذى أصلُه صِفة على لفظ الصِّفة كانهم يَذْهَبُون به الى أنه صفة غَلَبتْ كما سَمَّوْا بما فيه الالفُ واللامُ وتركوا الالفَ واللام بعد التسمية كالحَسَنِ والعباس والحارث كانهم قَدَّرُوا فيه الصِّفةَ وقالوا فى بنى الاشْعر الأشاعِر على ما توجبه الاسمية وقالوا الشُّقْر والشُّقْرانُ على الوَصْف ولو جمع انسانٌ الحارثَ على ما تُوجبه الصفةُ فقال الحُرَّاثُ لجازَ لانه صفة غلبت ومن قال الحَوارِث فعَلَى ما ذكرنا من جَمْع الاسماء ولو سميتَ رجلا بفَعِيلةٍ ثم كَسَّرْتَهُ قلتَ فَعَائِل كرجل سميته بكَتِيبةٍ أو قَبِيحةٍ أو ظَرِيفةٍ لقلتَ فَعَائل لا غير وقد جمعت العربُ فَعِيلة على فُعُلٍ فى الاسماء وليس بقياس مُطَّرِد فقالوا سَفِينة وسُفُنٌ وصَحِيفة وصُحُفٌ وليس بالكثير فان سميتَ رجلا بسفينة أو صحيفة جاز جمعُه على سُفُن وصُحُف وان سميت رجلا بعَجُوز فكَسَّرْتَه قلتَ فيه العُجُز ولم تقل العَجائز وكذلك لو سميته بقَلُوص قلت فيه القُلُصُ ولم تقل القَلائص وانما جمعت العربُ عَجُوزًا وقَلُوصًا على عَجائزَ وقَلَائص لانهما مؤنثان فاذا سميتَ بهما رجلا زال التأنيثُ وصار بمنزلة عَمُود وعُمُد وجَزُور وجُزُر* قال سيبويه* وسألتُه عن أَبٍ فقال ان أَلْحَقْتَ فيه النُّونَ والزيادةَ التى قبلها قلتَ أَبُونَ وكذلك أَخٌ تقول أَخُونَ ولا تُغَيِّرِ البناءَ الا أن تُحْدِثَ العربُ شيئا كما تقول بَنُونَ ولا تُغَيِّر بناءَ الأب عن حال الحرفين الا أن تُحْدِثَ شيئا كما بَنَوْه على بناءِ الحرفين قال الشاعر

فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَصْواتَنا

بسَكَيْنَ وفَدَّيْنَنا بالأَبِينَا

٨٦

أنشدناه مَنْ نَثِقُ به وزعم أنه جاهلىّ وان شئتَ كَسَّرْتَ فقلتَ آباء وآخاء فاما عُثْمانُ ونحوُه فانك تعتبره بالتصغير فما كان فى آخره ألفٌ ونون زائدتان وكانت العرب تصغره بقلب الالف ياء كَسَّرْتَه وقلبتَ الالفَ ياء وان شئتَ جمعتَ جمعَ السَّلامة وما كان من ذلك تُصَغِّرُ العربُ الصَّدْرَ منه وتُبْقِى الالفَ والنونَ لم يَجُزْ فى جمعه التكسيرُ وجمعتَه جمعَ السلامة بالواو والنون فاما ما صَغَّرَتْه العربُ وقلبت الالف فيه ياء فنحو سِرْحانٍ وضِبْعانٍ وسُلْطانٍ اذا سميتَ بشئ من ذلك رجلا جاز أن تجمعه جمع السلامة فتقول سُلْطانُون وسِرْحانُونَ وضِبْعانُونَ وجاز أن تكسر فتقولَ ضَباعِين وسَلَاطين وسَرَاحِين وان سميته بعُثمانَ أو غَضْبانَ أو نحوه قلت فى جمعه عُثْمانُون وغَضْبانُون لانه يقال فى تصغيره عُثَيْمانُ وغُضَيْبان وكذلك تقول فى جمع عُرْيان وسَعْدان ومَرْوَان عُرْيانُونَ وسَعْدانُونَ ومَرْوانُون واذا وَرَدَ شئٌ من ذلك ولا يُعْرَفُ هل تقلب العربُ الالَف ياء فى التصغير أم لا حَمَلْتَه على باب عثمان وغضبان لانه الاكثر فان كان فُعْلان جمعا لم يكن سبيلُه سبيلَ الواحد لان فُعْلانا فى الجمع ربما كُسِّرَ فقيل فَعالِينُ كقولهم مُصْرانٌ ومَصَارين ويقال فى التصغير مُصَيْران لان الالف للجمع واذا كانتْ ألفا حادثةً للجمع لم تغير فى التصغير كقولهم أَجْمال وأَجَيْمال وعلى هذا لو سميت رجلا بمُصْران أو بأنْعام أو بأقوال ثم صغرته لقلتَ مُصَيْران وأُنَيْعام وأُقَيَّال ولم تلتفت الى قولهم فى الجمع مَصَارين وأَناعيم وأَقاوِيل

القول فى بنت وأخت وهَنْتِ وتكسيرها وذكر كِلْتا

وثنتين وابانة وجه الاختلاف فيه اذ كان فصلا دقيقا

من فصول التذكير والتأنيث

قال أبو على بنْتٌ من ابن ليس كصَعْبةٍ من صَعْب لان البناء صيغ للتأنيث على غير بناء التذكير فهو كحَمْراء من أَحْمر وليس كصعبة من صعب وغير البناء عما كان

٨٧

يجب أن يكون عليه فى أصل التذكير وأبدل التاء من الواو وأُلْحِقَ الاسمُ به بشِكْس ونِكْسٍ وما أشبه ذلك وبهذا ردّ على من قال ان الدليل على أن الباء من ابن مكسورة كَسْرُهم الباءَ فى بِنْت وشئٌ آخر يدل على أن بنتا لا يدل على أن أصل ابن فِعْلٌ وهو أنا وجدناهم يقولون أُخْت فلو كان ابنٌ فِعْلاً لقولهم بِنْتٌ لكان أَخٌ فُعْلاً لقولهم أُخْتٌ فكما لا يجوز أن يكون أَخٌ فُعْلاً وان جاء أُخْتٌ كذلك لا يجوز أن يكون ابنٌ فِعْلا وان جاء بِنْتٌ فاما قولُهم بَناتٌ فى الجمع فمما يدل على أن أصل الباء فى ابن الفتح ورُدَّ فى الجمع الى أصلِ بناءِ المذكرِ كما رُدَّ أُخْتٌ الى أصل بناء المذكر فقيل بناتٌ كما قيل أخواتٌ وهذا الضَّرْبُ من الجمع أعنى الجمع بالالف والتاء قد يُرَدُّ فيه الشئ الى أصله كثيرا كَرَدِّهم اللاماتِ الساقطةَ فى الواحد له نحو قولهم فى عِضَةٍ عِضَوات فكما رَدُّوا الحرفَ الاصلىُّ فيه كذلك رُدَّت الحركةُ التى كانت الاصلَ فى بناء المذكر والمحذوف من أخت وبنت الواو أما فى أخت فدليلُه قولُهم إخْوة وأُخُوَّة وأما بِنْتٌ فمحمولة عليه وأيضا فان بدل التاء من الواو أكثر من بدلها من الياء وهذه التاء لا تخلو من أن تكون بدلا من لام الفعل أو علامة للتأنيث فلو كانت علامة للتأنيث لا نفتح ما قبلها كما ينفتح ما قبلها فى غير هذا الموضع فلما لم ينفتح علمنا أنه بدل وأنه ليس على حد طلحة وثُبَة واذا كان بدلا فلا بد أن يكون من ياء أو واو ولا يجوز أن يكون من الياء لانا لم نجدهم أبدلوا التاء من الياء الا فى افتعل من اليَسار ونحوه وفى حرف واحد كقولهم أَسْنَتُوا فاما أصلُ ابدال التاء من الواو دون الياء فذلك كثير جدًّا فعلمنا بذلك أن التاء فى بنت بدل من واو كما كانت فى أخت كذلك وكما كانت فى هَنْتٍ كذلك والدليلُ على أن التاء فى هَنْتٍ بذلُ من الواو قولُه

* عَلَى هَنَواتٍ شأنُها مُتَتابعُ*

فالتاء بدل من الواو وذلك فيه وفى أُخْتٍ بَيِّنٌ لأخوات وهَنَواتٍ وكذلك فى بنت تقول فى التاء انها بدل من الواو وان الالف فى كلا منقلبة عن واو لا بد لك التاءَ منها فى كلتا ولذلك مثله سيبويه بشَرْوَى فان قال قائل اذا كانت التاء فى أخت وما أشبهه

٨٨

للالحاق كما ذكرتَ دون التأنيث فهلا أَثْبَتَّها فى الجمع بالتاء نحو أَخَوات وبنات ولم تحذف كما لا تحذف سائر الحروف الملحقة فى هذا الجمع ولا فى الاضافة فالجواب أن هذه التاء للالحاق كما قلنا والدليل عليه ما قدمنا وانما حذف للاضافة وهذا الضرب من الجمع لان البناء الذى وقع الالحاق فيه انما وقع فى بناء المؤنث دون المذكر وصار البناء بما اختص به المؤنث بمنزلة ما فيه علامة التأنيث فحذفت التاء فى الموضعين لذلك لا لانه للتأنيث وغُيِّرَ البناءُ فى هذين الموضعين ورُدَّ الى التذكير من حيث حُذِفتْ علامةُ التأنيث فى هذين الموضعين لان الصيغة قامت مقام العلامة فكما غُيِّرَ ما فيه علامة بحذفها كذلك غُيِّرَتْ هذه الصيغة بردّها الى المذكر اذ كانت الصيغة قد قامت مقام المذكر فمن حيث وجب أن يقال طَلَحات وطَلَحِىٌّ وجب أن يقال أخَوات وأَخَوِىٌّ فاما قول يونس فى الاضافة الى أُخْتٍ أُخْتِىٌّ فلا يجوز كما لا يجوز فى الاضافة الى طلحة الا الحذفُ لمعاقبة الياءين تاءَ التأنيث فى مثل قولهم زَنْجِىٌّ وزَنْجٌ ورُومِىٌّ ورُوم صار بمنزلة تَمْر لان حذفها يدل على التكثير واثباتها يدل على التوحيد فلهذا لم تثبت التاء مع ياءَىِ الاضافة وألحقت علامتا التأنيث الاخريان بالتاء فازيلتا فى الاضافة كما حذفت هى فاما حذف هذه العلامات فى الجمع بالالف والتاء فلئلا يجتمع علامتان للتأنيث فان قيل فقد قالوا ثنتين وقد أنشد سيبويه

* ظَرْفُ عَجُوزٍ فيهِ ثِنْتا حَنْظَلِ*

فابدلوا التاء من لياء التى هى لام لانها من ثنيت فهلا جاز عندك على هذا أن يكون التاء فى بنت بدلا من الياء وكما أنها فى أسنتوا بدل منها فالجواب أنه لا يلزم أن تكون التاء فى بنت بدلا من الياء كما كان فى ثنتين بدلا منها فاذا أجازه مجيز لهذا كان غير مصيب لتركه الاكثَر الى الاقل والشائعَ الى النادر ألا ترى أن ابدال التاء من الواو قد كثر فحملُ بنت على الاكثر أولَى من حمله على الاقلِّ ألا ترى أن القياس يجب أن يكون على الاكثر حتى يمنع منه شئ ولم يمنع شئ فى بنت من حمل لامه على أنه واو بل قَوَّاه قولُهم أخت وهَنْتٌ وكِلْتا وكثرةُ ابدال التاء من الواو فى غير هذا الموضع فاما أسنتوا فالتاء مبدلة من ياء منقلبة عن واو فليس ابدال التاء من الياء

٨٩

بكثير فيسوغ أن يحمل عليه هذا الحرفُ فان قيل فقد قالوا كان من الامر كَيَّةُ وكَيَّةُ وذَيَّةُ وذَيَّةُ ثم خففوا فقالوا كَيْتَ وكَيْتَ فأبدلوا التاء من الياء فهلا أَخَذْتَهُ فى بِنْتٍ على هذا فالجواب أن ذلك لا يجوز من أجله فى بنت ابدالُ التاءِ من الياء لان هذه أسماء ليست متمكنةً والايماءُ التى ذكرناها من أُخْت وهَنْتٍ متمكنةٌ فحملُ المتمكن على المتمكن أولى من حمله على غير المتمكن لانه أقرب اليه وأشبه به فاعلمه

باب تحقير المؤنث

اعلم أن ما كان على ثلاثة أحرف من المؤنث اذا صغرته زدت فيه هاء الا أحرفا شَذَّتْ وذلك قولُك فى قَدَمٍ قُدَيْمة وفى يَدٍ يُدَيَّة وفى فِهرٍ فُهَيْرة وفى رِجْلٍ رُجَيْلة وهو أكثر من أن يُحْصَى واذا صغروا من المؤنث ما كان على أكثر من ثلاثة أحرف مما ليس فيه هاء التأنيث لم يُدْخِلُوا الهاءَ كقولك فى عَناق عُنَيِّقٌ وفى عُقابٍ عُقَيِّبُ وفى عَقْرَب عُقَيْرِب وانما أدخلوا الهاء فى المؤنث اذا كان على ثلاثة أحرف لان أصل التأنيث أن يكون بعلامة وقد يُرَدُّ فى التصغير الشئُ الى أصله فرَدُّوا فيه الهاءَ لما صغروه وأصله الهاء ورَدُّوها بالتصغير ولم يدخلوا ذلك فى بنات الاربعة لانها أثقل فصار الحرف الرابع منها كهاء التأنيث فيصير عدَّةُ عُنَيِّقٍ وعُقَيْربٍ بغير هاء كِعدَّةِ قُدَيْمة ورُجَيْلة بالهاء فاجتمع فى الثلاثى الخِفَّةُ وأن أصل التأنيث بالعلامة وان كان فى الرباعى المؤنث ما يوجب التصغيرُ حذفَ حرف منه حتى يصير على لفظ الثلاثى وَجَبَ رَدُّ الهاء كقولك فى تصغير سَمَاءٍ سُمَيَّة لانه كان الاصل سُمَيِّىٌ بثلاث يا آت فحذف واحد منها كما قالوا فى تصغير عَطاءٍ عُطَىٌّ بحذف ياء فلما صار ثلاثىَّ الحروف زادوا الهاء وكذلك لو صغرنا عُقَابَا وعَنافًا وسُعَادَ اسم امرأة وزَيْنَبَ على ترخيم التصغير فحذفنا الزائد من سُعاد وهو الالف ومن زَيْنَبَ وهو الياء لقلنا سُعَيْدة وزُنَيْبة وانما حقرت امرة اسمها سَقَّاءُ سُقَيْقِىٌّ ولم تدخل الهاء لانه لم يرجع فى التصغير الى مثل عِدَّةِ ما كان على ثلاثة أحرف وقالوا فى تصغير حُبارَى ثلاثةً أقوال منهم من حذف

٩٠

ألف التأنيث فقال حُبَيِّر لانه يبقى حُبَار مثل عُقَاب وتصغيره حُبَيِّر مثل عُقَيِّب ومنهم من حذف الالف الثالثة فيبقى حُبَرى مثل جَمَزَى فتقول حُبَيْرَى مثل حُبَيْلَى ومنهم من اذا حذف علامة التأنيث وصغر عَوَّضَ هاءَ التأنيث من ألف التأنيث فيقول حُبَيِّرة ولا يقول عُنَيِّقه وعُقَيِّبة لانه لم يكن فى عَناق وعُقاب علامةُ التأنيث فان قال قائل لم كانت الهاء تثبت فى التصغير ولا يُعْتَدُّ بها والالفُ المقصورة يُعْتَدُّ بها فيحذفونها من ذوات الخَمْس فقد تقدم الجوابُ عن هذا فى باب ألف التأنيث المقصورة وألفُ التأنيث المقصورةُ كحرف من حروف الاسم ألا ترى أنها قد تعود فى الجمع المُكَسَّر كقولك حُبْلَى وحَبَالَى وسَكْرَى وسَكارَى فمن أجل ذلك لم نقل حُبَيِّرَى وكادوا لا يصغرون ما كان على خمسة أحرف من هذا البناء الا بحذف ومن قال فى حُبارَى حُبَيِّرة فعَوَّضَ هاءً من الالف قال فى لُغَّيْزَى لُغَيْغيزةٌ لان الهاء قد تلحق مثلَ هذا البناءِ فى التصغير ألا ترى أنا لو صغرنا كِرْباسةً وهِلْباجةً لَقُلْنا كُرَيْبِيسةٌ وهُلَيْبِيجية واعلم أن المؤنث قد يوصف بصفة المذكر فاذا صغرت الصفة جرت مجرى المذكر فى التصغير وان كانت صفة للمؤنث كقولك هذه امرأة رِضًا عَدْلٌ وناقة ضامِرٌ فتقول فى تصغير رضا هذه امرأةُ رُضَىٌّ وعُدَيْلٌ وهذه ناقة ضُوَيْمِرٌ وان صغرتها تصغير الترخيم قلت هذه ناقة ضُمَيْر ولم تقل ضُمَيْرة وقد حكى الخليل ما يُصَدِّق ذلك من قول العرب قالوا فى الخَلَق خُلَيْقٌ وان عَنَوا المؤنثَ يقولون مِلْحفةٌ خَلَقٌ كما يقولون ردَاءٌ خَلَق فخَلق مذكر يوصف به المذكر والمؤنث وقد شذت أسماءٌ ثلاثيةٌ فصغروها بغير هاء منها ثلاثةُ أسماءٍ ذكرها سيبويه وهى النَّابُ المُسِنَّةُ من الابل يقال فى تصغيرها نُيَيْبٌ وحكى أبو حاتم نُوَيْبٌ وفى الحَرْب حُرَيْبٌ وفى فَرَسٍ وهو يقع على المذكر والمؤنث فُرَيْسٌ فاما النابُ من الابل فانما قالوا نُيَيْبٌ لان النابَ من الانسان مذكر والمُسِنَّةُ من الابل انما يقال لها نابٌ لطول نابها فكأنهم جعلوها النابَ من الانسان أى هو أَعْظَمُ ما فيها كما يقال للمرأة انما أنتِ بَطِينٌ اذا كَبِر بَطْنُها وتقول أَنْتَ عَنْزُ القَوْمِ والعَنْزُ مؤنثٌ فقد يُخْبَر عن المؤنث بالمذكر وعن المذكر بالمؤنث وأما الحَرْبُ فهو مصدر جعل نعتا مثل العَدْلِ والرِّضا وكانَّ الاصلَ هذه مقاتلةُ

٩١

حَرْبٍ أى حاربةُ تَحْرُبُ المالَ والنَّفْسَ كما تقول عَدْلٌ على معنى عادلة ثم أُجْرِيَتْ مُجْرَى الاسم وأسقطوا المنعوتَ كما قالوا الابْطَحُ والابْرَقُ والاجْدَلُ وأما الفَرَسُ فهو فى الاصل اسم مذكر يقع للمذكر فى الخيل كما وقع انسان وبَشَرٌ للرجل والمرأة فصغر على التذكير الذى هو له فى الاصل وأما قولهم امرأة فُوَيْتٌ للمنفردة برأيها فعلى المصدر كعُدَيْلٍ ورُضَىٍّ وقد قالوا فى المذكر فاما خَمْسٌ وسِتٌّ وسَبْعٌ وتِسْعٌ وعَشْرٌ فى عدد المؤنث فتصغيره بغير هاء لئلا يلتبس بعدد المذكر اذا صغرته وما كان من صفات المؤنث بغير هاء فهو يجرى هذا المجرى كقولنا امرأة حائض وطامِثٌ وعازِبٌ وحَرَضٌ ووَجِلٌ لو صغرت شيأ من ذلك تصغير الترخيم لقلت حُرَيْضٌ وطُمَيْثُ ونحو ذلك وقد ذكر أبو عمر الجَرْمِىُّ من الاسماء الثلاثية دِرْعُ الحديدِ والعُرْس والقَوْس انها تصغر بغير هاء وهى أسماء مؤنثات قال الشاعر

انا وجَدْنَا عُرُسَ الحَنَّاطِ

لَئيمةً مَذْمُومةَ الحُوَّاطِ

والمذهبُ فيهن كمذهب ما ذكرناه من المصادر وذكر غيره الذَّوْدَ والعَرَبَ وهما مما يصغر بغير الهاء وكذلك الضُّحَى لئلا يُشْبِهَ ضَحْوةً فان قال قائل اذا سميت امرأة بحَجَرأ وجَبَل أو جَمَل أو ما أشبه ذلك من المذكر ثم صغرته أدخلتَ الهاء فقلتَ حُجَيْرة وجُبَيَّلَة فَهَلَّا فعلتَ ذلك بالنُّعُوت قيل له الاسماءُ لا يراد بها حقائقُ الاشياء أو التشبيهُ بحَقائق الاشياء ألا تَرى أنا اذا سمينا شيئا بحَجَر أو رجلا سميناه بحَجَر فليس الغرض أن نجعله حجرا وانما أردنا إبانته كما سمينا بابراهيم واسمعيل ونوح وما أشبه ذلك واذا وصفنا به وأَخْبَرْنا به غيرَه فانما نريد الشئَ بعينه والتشبيهَ فصار كانَّ المذكَر لم يَزُلْ ألا ترى أنا اذا قلنا امرأةٌ عَدْلٌ ففيها عدالةٌ واذا قلنا للمرأة ما أنت الا رجل فانما نريد مثل رجل وكذلك تقول أنتِ حَجر اذا لم يكن اسما لها تُريد مثلَ حَجر فى الصلابة والشدّة فان سميت رجلا باسم مؤنث على ثلاثة أحرف وليس فى آخره ها التأنيث ثم صغرته لم تُلْحق الهاءَ كرجل سميته باذُنٍ أو عَيْنٍ أو رِجْلٍ ثم صغرته تقول أُذَيْنٌ وعُيَيْن ورُجَيْل هذا قول سيبويه وعامة البصريين ويونس يُدْخلُ الهاءَ ويحتج باذَيْنةَ اسم رجل وهذا عند النحويين انما سمى بالمصغر وكذلك عُيَيْنةُ كانهم سَمَّوْه باسمٍ مُصَغَّرٍ ولم يُسَمُّوه باسم

٩٢

مكبر ثم يصغر ولو سميت امرأة باسم ثلاثى مما ذكرنا أنه لا تدخل فى تصغيره الهاءُ كحَرْب وناب ثم صغرته لأدْخلتَ فيه الهاء فقلتَ حُرَيْبَة ونُيَيْبة لانه قد صار اسما لها كَحجر اذا صغرته قلت حُجيرة وقد جاء من المؤنث ما هو على أكثر من ثلاثة أحرف وقد ألحقت الهاء به فى التصغير كقولك زيد قُدَيْديمةُ عمرو ووُرَيِّئةُ عمرو وهو تصغير قُدَّامَ ووَراءَ لا يُخْبرَ عنهما بفعل يَتَبَيَّنُ تأنيثُهما فيه لانهما ظَرْفان كخلف وانما يتبين تأنيثُ المؤنثِ الذى لا علامةَ فيه بما يُخْبر عنه من الفعل كقولك لَسَبَتْهُ العقربُ وهذه العقربُ والعقربُ رأيتها وما اشبه ذلك من الضمائر التى تدل على المؤنث فلما لم يُخْبر عن قُدَّام ووراء بما يَدُل ضميرها عليه من التأنيث جعلوا علامة التأنيث فى التصغير* قال الكسائى* اعلم أن العرب تُصغر ما كان من أسماء النساء على ثلاثة أحرف بالهاء وبغير الهاء فمن صغر بالهاء لم يُجْرِ ومن صغر بغير الهاء لم يُجْر وأجْرَى وقال أرى أن من صغر بغير الهاء أراد الفعلَ فيجوز أن يُجْرى ولا يُجْرى وهذا القياس فى كل مؤنث أن تدخله الهاء لانه اسم مؤنث وأصله الفعل سمى به ومن لم يدخل الهاء بناه على الفعل فكانه يريده فيجريه وقد يريد الفعل ولا يجرى للتعلق على المؤنث* قال* وأما الاسماء التى ليست للاناسى فاكثر ما جاءت بالهاء لانها لمؤنثات وقعت قال الفراء انما أدخلوا التاء فى يدية وقد يديمة لانه مبنى عندهم على التأنيث لم تكن اليد والرجل والفخذ اسما لشئ غير الفخذ فكانها فى التسمية وقعت هى والاسماءُ معا فلما صغروا قالوا قد كان ينبغى أن يكون رِجْلة وفَخِذَة ولكنهم أسقطوا منه الهاء فلما صغروا أظهروا الهاء كما قالوا فى دَمٍ دُمَّى وقال الفراء فان قال قائل أن دَمًا رُد اليه لامُ الفعل والهاء لا تكون من الفعل قلت لو كان هذا على ما تقول ما صغروا خيرا منك وشرا منك باخراج الالف قال ومثله تصغير العرب الجَذْل أُجَيْذِل رَدُّوا اليه ألفا زائدة وقالوا فى العَطِشِ العُطَيْشَان فرَدُّوا اليه ألفا ونونا وهما زائدتان وقال ابن الانبارى يقال فى تصغير العَقْرب عُقَيْرِبٌ فاذا ميزتَ الذكَر من الانثى فقلت رأيتُ عقربا على عقربة قلتَ فى التصغير رأيت عُقَيْربا على عُقَيْربة وقال اذا سميت امرأة باسم مذكر كقولك هذه لَهْوٌ ويَرْقٌ وكذلك طَلَل

٩٣

وطَرَبٌ وما أشبههن فلك فى تصغيره وجهان ان نويتَ أنك سميتها بجُزء من اللهْو صغرتها بالهاء فقلت هذه لُهَيَّةُ قد جاءتْ وهذه بُرَيْقة وانما أدخلت الهاء فى اللهو وقد عرفته مذكرا ثم سميت به مؤنثا لانه اذا كان بعضا من اللهو فى النية فكانه قد كان ينبغى له أن يكون بالهاء ألا ترى أنا قلنا الضَّرْب والنَظَّر انما يقال فى الواحدة نَظْرة وضَرْبة وان شئت قلت هذه لُهَىٌّ قد جاءت بغير الهاء لانه مذكر فى الاصل فصغرته على أصله ولو نويت أن تسميها باللهو الذى يقع على الكثير لم يكن تصغيره الا بطرح الهاء ألا ترى أنه مذكر وأنك لم تنوفيه تقليلا تنوى فيه فَعْلة فكان بمنزلة امرأة سميتها بزيد فقلت هذه زُبَيْدُ قد جاءت لا غير فان قال لك اذا سميت امرأة باسم مذكر من أسماء الرجال على ثلاثة أحرف فقلت هذه حَسَنٌ وهذه زيد وهذه فَتْحٌ وهذه عمرو كيف تصغره فقل اختلف فى هذا أهل العربية فقال الفراء تصغره بغير الهاء فتقول هذه زُبَيْد وهذه عُمَيْر وهذه حُسَيْن واحتج بانك نويتَ بزيد أن يكون فى معنى فُلان نقلته الى امرأة وأنت تنوى اسما من أسماء الرجال ولم تَتَوَهَّمِ المصدَر فذلك الذى منع من ادخال الهاء* قال الفراء* فان قلت أتُجيز أن تقول زُبيدة على وجه قلت نعم اذا سميتها بالمصدر كقولك زِدْتُه زَيْدًا فههنا يستقيم دخول الهاء وخروجها فى تصغيره لانه بمنزلة لَهْو فى القلة والنية وجاء فى الحديث فى وصف رجل «ذِى الثُّدَيَّة» وانما حُقِّر الثَدْىُ بالهاء وهو مذكر لانه أراد لَحْمة من الثَّدْى أو قِطْعة وبعضهم يروى الحديث ذى اليُدَيَّةِ على تصغير اليد* قال ابن الانبارى* واذا صغرت بَعْلَبَكَّ وأنت تجعلها اسما واحدا قلت بُعَيْلِبُ وقال الفراء ربما حذفوا فقالوا هذه بُعَيْلة وقال بعضهم يقول فى التصغير بُكَيْكة فيحذف بَعْلاً ومن قال هذه بَعْلُ بَكَّ فلم يُجْربَكَّ قال فى التصغير بَعْلُ بُكَيكة ومن قال هذه بَعْلُ بَكٍ فأجرى بكا قال فى التصغير هذه بُعَيْلَةُ بَكٍّ وان شاء قال بَعْلُ بُكَيْكٍ فجعل بكا مذكرا ومن قال هذه حَضْرَمَوْتَ قال فى التصغير هذه حُضَيْرم وحضيرة ومُوَيْتة ومن قال هذه حَضْرُمَوْتَ قال فى التصغير هذه حُضَيْرُمَوْتَ قال الفراء أحب الىّ من ذلك أن تقول حَضْرُمُوَيْتَة لان العرب اذا أضافت مؤنثا الى مذكر

٩٤

ليس بالمعلوم جعلوا الآخِرَ كانه هو الاسم ألا ترى أن الشاعر قال

والى ابْنِ أُمِّ أُناسَ تَعْمِدُ ناقَتِى

عَمْروٍ لتَنْجَح حاجَتِى أو تَتْلَفُ

فلم يُجْرِ أناسَ والاسمُ هو الاول ومن قال هذه حَضْرُمَوْتٍ قال فى التصغير هذه حُضَيْرةُ مَوْتٍ وهذه حَضْرُمُوَيتة واذا صغرتَ حَوْلَايا وجَرْجَرَايا كانت لك ثلاثةُ أوجه أحدها أن تجعل حَوْلَايا بمنزلة حَضْرَمَوْتَ وبَعْلَ بَكَّ فتصغر الاوّلَ ولا تصغر الثانى فتقول حُوَيْلايا وجُرَيْجرايا قال الفراء فلا يصغر آخره لانه مجهول كنَهْرَبَيْنَ ونَهْرَبِيْنَ اذا صغرته قلت نُهَيْرِبِيْن فصغرت النهر لانه معروف ولم تصغر آخره لانه مجهول فكذلك فعلت بحَوَّلايا وجَرْجَرَايا والوجهُ الثانى أن تجعل الزيادات التى فى حَوْلايا وجَرْجَرايا كالهاء والالف والنون فى غضبانة فتقول فى تصغيرهما حُوَيْلايا وجُرَيْجِرايا كما تقول فى تصغير غَضْبانة غُضَيْبانة والوجه الثالثُ أن تقول فى تصغيرهما حُوَيْلِيَّا وجُرَيْجِيَّا فتحط الالفَ الى الياء وتترك الآخرة ياء لانها كياء حُبْلَى وسَكْرى وغَضْبَى واذا صغرت السَّفَرْجلة كانت لك أوجه أحدها أن تقول سيفرجة فتحذف اللام فى التصغير وان شئت قلتَ سُفَيْرِلة فتحذف الجيمَ وان شئت قلت سُفَيْرِجِلة فكسرت الراء والجيم لمجيئهما بعد ياء التصغير فلم تحذف شيئا وان شئت قلت سفيرجْلة فسكنت الجيم استثقالا لهؤلاء الحركات وقال الفراء تسكين الجيم أشبه بمذاهب العرب من تحريكها لانهم يقولون أنُلْزِمْكُمُوها فيسكنون الميم طلبا للتخفيف لما توالت الحركات واذا صغرت الكُمَّثْراة كان لك أوجه أحدها أن تقول كُمَيْثرِة فتحذف فى تصغيرها احدى الميمين والالف والوجه الثانى أن تقول فى تصغيرها كُمَّيِثْريَة فتبنيه على قولهم فى الجمع كُمَّثْريَات فلا تحذف شيئا والوجه الثالث أن تقول فى تصغيرها كُمَّيْثِراة كما قالت العرب ناقة حَلْباة رَكْباةٌ ثم صغروها فقالوا حُلَيْباةٌ ورُكَيْباةٌ وحُلَيْبةٌ ورُكَيْبَةٌ واذا صغرت المِرْعِزَّى والباقِلَّى قلت مُرَيْعِزَّة وبُوَيْقِلَّة على قول من قال فى تصغير الكُمْثراة كُمَّيْثِرْية ومن قال فى تصغير الكمثرات كُمَيثِرةَ قال فى تصغير الباقلى والمِرْعِزَّى بُوَيْقلَة ومُرَيْعزَة وقال الفراء العرب تكره التشديد فى الحرف يطول فيتركون تشديده وهو لازم فمن صغر البَاقِلَّى بُوَيْقِلة قال فى الجمع بواقِلَ ومن قال فى الجمع بوَافِيل قال فى التصغير

٩٥

بُوَيْقِيلَة وان شئت قلت فى تصغير الباقِلَّى والمِرْعِزَّى بُوَيْقِلْيَة فتخفف اللام وأصلها التشديد استثقالا للتشديد مع طول الحرف ومن زاد الالف والهاء فقال باقِلَّاة قال فى التصغير بُوَيْقِلَّاةٌ ويشدد اللام لان التصغير لم يحط الالف الى الياء ومن مَدَّ الباقِلَاءَ قال فى التصغير البُوَيْقلَاء واذا صغرت آجُرَّة وقَوْصَرَّة ودَوْخَلَّة صغرتها بترك التشديد لان العرب تجمعها دَواخِلَ وأواجِرَ وقَواصِرَ فتقول أُوَيْجِرة وأُوَيْجِيرة وقُوَيْصرة وقُوَيْصِيرة ودُوَيْخِلة ودُوَيْخيلة

باب العدد

قال صاحب العين العدُّ  ـ  إحْصاء الشئ عَدَدْتُه أَعُدُّه عَدًّا وتَعْدَادً وعَدَّدْتُه والعَدَدُ  ـ  مقدارُ ما يُعَدُّ والجمع أَعْداد وكذلك العِدَّة وقيل العِدَّة مصدر كالعَدِّ والعِدَّة  ـ  الجماعة قَلَّتْ أو كَثُرت والعَدِيدُ  ـ  الكَثْرة وهذه الدراهم عَدِيدُ هذه  ـ  اذا كانت فى العِدَّة مثلَها وهم عديد الحَصَى والثَّرَى أى بعَدَدِ هَذَيْنِ الكثيرين وهم يَتَعادُّونَ ويَتَعَدَّدُونَ على كذا أى يَزِيدُونَ عليه* أبو عبيد* عَدَدْتُكَ وعَدَدْتُ لَكَ* غيره* عادَّهُم الشئُ  ـ  اذا تَساهَمُوه بينهم وهم يَتَعَادُّونَ  ـ  اذا اشتركوا فيما يُعَادُّ بعضُهم بعضا من مكارم أو غير ذلك من الاشياء كلها* وقال أبو عبيد* فى قول لبيد

* تَطِيرُ عَدائدُ الاشْراكِ شَفْعًا*

العدائدُ من يُعادُّه فى الميراث* غيره* عِدادُك فى بنى فُلانٍ أى تُعَدُّ معهم فى ديوانهم وما ألْقاهُ الا عِدَّة الثُّريا القمَر والاعدادَ الثُّريا القمرَ وعِدادَ الثُّريَّا من القَمَر  ـ  أى الامَرَّةً فى السنة وقيل هى ليلة من الشهر تلتقى فيها الثريا والقَمَر وبه مَرَضٌ عِدَادٌ منه وقد قَدَّمْتُه* وقال صاحب العين* الحِسابُ عَدُّك الاشياءَ حَسَبْتُ الشئَ أَحْسُبُه حِسَابًا وحِسَابةً وحِسْبةً وحُسْبانا وحُسْبانُكَ على الله  ـ  أى حِسَابُك وقوله عزوجل (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) اختلف فى تفسيره فقال بعضهم بغير تقدير على أحد بالنقصان وقال بعضهم بغير محاسبة ما يخاف أحدا أن

٩٦

يُحاسبه عليه ورجل حاسِبٌ من قوم حُسَّب وحُسَّاب* غيره* الواحد  ـ  أوّلُ العدد وكذلك الوَحَدُ والاحَدُ* قال أبو على* اعلم أن قولهم واحِدٌ اسم جرى فى كلامهم على ضربين أحدهما أن يكون اسما والآخر أن يكون وصفا فالاسم الذى ليس بصفة قولهم واحدٌ المستعملُ فى العدد نحو واحد اثنان ثلاثة فهذا اسم ليس بوصف كما أن سائر أسماء العدد كذلك فلا يجرى شئ منها على موصوف على خَدِّ جَرْى الصفة عليه وأما كونه صفة نحو قوله تعالى (إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ولما جَرَى على المؤنث لحقته علامةُ التأنيث فقال تعالى (إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) كقائم وقائمة ومن ذلك قوله

* فقد رَجَعُوا كَحَىٍّ واحِدِينَا*

فاما تكسيرهم له على فُعْلانٍ فى قوله

أما النهارُ فُاحدانُ الرِّجالِ لَهُ

صَيْدٌ ومُجْتَرِئٌ باللَّيلِ هَمْاسُ

فلانه وان كان صفةً قد يستعمل استعمالَ الاسماء فكَسَّروه على فُعْلَان كما قالوا الأباطِحُ بمنزلة الأرامل وقد استعملوا أجدا بمعنَى واحدٍ الذى هو اسم وذلك قولُهم أَحَدٌ وعشرون وفى التنزيل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وقد أنثوه على غير بنائه فقالوا إحْدَى وعشرون وإحْدَى عشرة فاستعملوه مضموما الى غيره* قال أبو عمرو* ولا يقولون رأيته إحْدَى ولا جاءَ فى إحْدَى حتى يضم الى غيره* وقال أحمد بن يحيى* واحِدٌ وأَحَدٌ ووَحَدٌ بمعنًى والحادى فى الحادى عَشَرَ كانه مقلوب الفاء الى موضع اللام واذا أُجْرِىَ هذا الاسمُ على القديم سبحانه جاز أن يكون الذى هو اسم كقولنا شئ ويقوى الاول (١) قوله تعالى (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وقوله

يَحْمِى الصَّريمةَ أُحْدانُ الرِّجالِ لَهُ

صَيْدٌ ومُسْتَمِعٌ باللَّيلِ هَمَّاسُ

* قال ابن جنى* همزة أُحْدانٍ بدلٌ من واو لانه جمع واحد الذى بمنزلة من لا نظير له وليس أُحْدانٌ جمع واحد الذى يُراد به العددُ لان ذلك لا يثنى ولا يُجْمَع ألا تَرى أنهم قد اسْتَغْنَوْا عن تثنيته باثنين وعن جماعته بثلاثة وقد قال الشاعر

__________________

(١) قوله جاز ان يكون الى قوله ويقوى الاول كذا بالاصل وفى العبارة نقص ظاهر فحرر اه مصححه

٩٧

* وقد رَجَعُوا كَحَىٍّ واحِدِينا*

أى مُنْفردين وفاءُ أُحْدانٍ واوٌ فاما قولنا ما فى الدار أحد فهمزتُه عندنا أصلٌ وليست ببدل ألا ترى أن معناه العمومُ والكثرةُ وليس فى معنى الانفراد بشئ بل هو بضده* صاحب العين* الوَحْدةُ  ـ  الانفرادُ ورجل وَحِيدٌ* ابن السكيت* وَحِدَ فَرِدَ ووَحُدَ فَرُدَ* أبو زيد* وقد أَوْحَدْتُه* سيبويه* جاؤا أُحادَ أُحادَ ومَوْحَدَ مَوْحَدَ معدولٌ عن قولهم واحدًا واحدًا وسيأتى ذكر هذا الضَّرْب من المعدول فى هذا الفصل الذى نحن بسبيله* وقال* مررتُ به وَحْدَهُ مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يغير عن المصدر الا أنهم قد قالوا نَسِيجُ وَحْدِه وحُجَيْشُ وَحْدِه وزاد صاحب العين قَرِيعُ وَحْدِه للمصيب الرأى* أبو زيد* حِدَةُ الشئ  ـ  تَوَحُّدُه يقال هذا الامْرُ على حِدَتهِ وعلى وَحْدِه وقلنا هذا الامْرَ وَحْدِينَا وقالَتَاه وَحْدَيْهما* صاحب العين* الوحدانيةُ لله عزوجل والتوحيدُ الاقرارُ بها والمِيحادُ جُزْء كالمِعْشار* ابن السكيت* لا واحدَ له  ـ  أى لا نظير وقد تقدم عامة كل ذلك* غيره* وَحُدَ الشئُ صار على حِدَته والرجلُ الوَحِيدُ  ـ  لا أحَدَ له يُؤْنِسُه وَحُدَ وَحَادَةً ووَحْدَةً ووَحْدًا ووَحِدَ وتَوَحَّدَ* قال أبو على* وقولهم اثنانِ محذوفُ مَوْضِع اللامِ كما أن قولهم ابْنانِ كذلك وللمؤنث اثْنَتانِ كما تقول ابْنتانِ وان شئتَ بِنْتانِ وقالوا فى جمع الاثْنَيْنِ أثناء* غير واحد* ثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة فاما الاسْبُوع والسُّبُوعُ فسبعة أيام لا تقع على غير هذا النوع وثمانية وتسعة وعشرة وسنبين تصاريف هذه الاسماء بالفعل وأسماء الفاعلين وما بعد الاثنين من أسماء العدد من ثلاثة الى عشرة تلحقه هاءُ التأنيث اذا كان للمذكر لان أصل العدد وأوّله بالهاء والمذكرُ أوّلُ فحملوه على ما يحافظون عليه فى كلامهم من المشاكلة وتنزع منها الهاء اذا كان للمؤنث فيُجْرَى الاسمُ مُجْرى عَنَاقٍ وعُقابٍ ونحوهما من المؤنث الذى لا علامة فيه للتأنيث فتقول ثلاثةُ رجالٍ وخمسةُ حَميرٍ وخَمْسُ نساءٍ وسبعُ أُتُنٍ وثَمانى أَعْقُبٍ تثبت الياء فى ثمانى فى اللفظ والكتاب لان التنوين لا يلحق مع الاضافة وتسقط الياء لاجتماعها معه كما تسقط من هذا قاض فاعلم فهذا عقد

٩٨

أبى على فى كتابه الموسوم بالايضاح* قال أبو سعيد* اعلم أن أدنى العدد الذى يضاف الى أدنى الجموع ما كان من ثلاثة الى عشرة نحو ثلاثة وأربعة وخمسة وعشرة وأدنى الجمع على أربعة أمثلة وهى أَفْعُلٌ وأفْعالٌ وأَفْعِلة وفِعْلَةٌ فافْعُلٌ نحو ثلاثةُ أَكْلُبٍ وأربعةُ أمْلِس وأفعالٌ نحو خمسةُ أجْمال وسبعةُ أَجْداع وأَفْعِلة نحو ثلاثةُ أَحْمِرة وتسعةُ أَغْربة وفِعْلَة نحو عَشْرةُ غِلْمةٍ وخمسُ نِسْوةٍ فادْنَى العدد يضاف الى أدنى الجموع وانما أضيف اليه من قِبَلِ أن أدنى العدد بعضُ الجمع لان الجمع أكثر منه وأضيفَ اليه كما يضاف البعض الى الكل كقولك خاتَمُ حَديدٍ وثوبُ خَزٍّ لان الحديدَ والخَزَّ جنسانِ والثوبُ والخاتم بعضُهما فان قال قائل فكيف صارتْ اضافةُ أدنَى العددِ الى أَدْنَى الجمع أولَى من اضافته الى الجمع الكثير قيل له من قِبَلِ أن العددَ عددَانِ عدد قليل وعدد كثير فالقليل ما ذكرناه من الثلاثة الى العشرة والكثير ما جاوز ذلك والجمع جَمْعانِ جمع قليل وهو ما ذكرناه من الابنية التى قدمنا وجمع كثير وهو سائر أبنية الجمع فاختاروا اضافةَ أدنَى العددِ الى أدنَى الجمع للمشاكلة والمطابقة وقد يضاف الى الجمع الكثير كقولهم ثلاثةُ كلابٍ وثلاثةُ قُروءٍ لان القليل والكثير قد يضاف الى جنسه فعلى هذا اضافتُهم العددَ القليلَ الى الجمع الكثير ولذلك قال الخليل انهم قالوا ثلاثةُ كِلَابٍ فكانهم قالوا ثلاثة من الكلاب فحذفوا وأضافوا استخفافا ويَنْزعون الهاءَ من الثلاثة الى العشرة فى المؤنث ويُثْبتونها فى المذكر كقولهم ثلاث نسوة وعشر نسوة وثلاثة رجال وعشرة رجال فان قال قائل فلم أثبتوا الهاء فى المذكر ونزعوها من المؤنث ففى ذلك جوابان أحدهما أن الثلاث من المؤنث الى العشر مؤنثات الصيغة فالثلاث مثل عَنَاق والارْبَعُ مثل عَقْرب وكذلك الى العشر قد صيغت ألفاظُها للتأنيث مثل عَنَاق وأَتانٍ وعَقْرَبٍ وقِدْر وفِهْرِ ويَدٍ ورِجْلٍ وأشباهٍ لذلك كثيرة فصيغت هذه الالفاظُ للتأنيث فصارت بمنزلة ما فيه علامة التأنيث وغير جائز أن تدخل هاءُ التأنيث على مؤنثٍ تأنيثُها بعلامة أو غيرها وهذا القول يوجب أنه متى سمى رجل بثلاث لم يضف الى المعرفة لانه قد صار محلُّها محلَّ عَنَاقٍ اذا سمى بها رجلٌ فاما الثلاثة الى العشرة فى المذكر فانما أدخلت الهاء فيها لانها

٩٩

واقعة على جماعة والجماعة مؤنثة والثلاث من قولنا ثلاثة مذكر فأدخلت الهاء عليه لتأنيث الجماعة ولو سمى رجل بثلاث من قولك ثلاثة لانصرف فى المعرفة والنكرة لانه يصير محلُّها محلَّ سَحابةٍ وسَحابٍ واذا سمى بسحابٍ رجلٌ انصرف فى المعرفة والنكرة والقول الثانى انه فصل بين المؤنث والمذكر بالهاء ونزعها لتدل على تأنيث الواحد وتذكيره فان قال قائل فهلا أَدْخَلُوا الهاء فى المؤنث ونزعوها من المذكر فالجواب فى ذلك أن المذكر أخف فى واحده من المؤنث فثُقِّلَ جمعُه بالهاء وخُفِّفَ جمعُ المؤنث ليعتدلا فى الثِّقَلِ واعلم أن الثلاثة الى العشرة من حكمها أن تضاف الا أن يضطر شاعر فينوّنَ وينصبَ ما بعده فيقول ثلاثة أثوابا ونحو ذلك والوجه ما ذكرناه وتعرف الثلاثة بادخال الالف واللام على ما بعدها فتقول ثلاثةُ الاثواب وخمسةُ الأشبار قال الشاعر وهو ذو الرمة

وهل يَرْجِعُ التسليمَ أو يكْشِفُ العَمَى

ثَلاثُ الأثافى والديارُ البَلاقِعُ

فان قال قائل فلم قالوا ثلاثةُ أثوابٍ وعَشْرُ نِسوةٍ ولم يقولوا واحدُ أثوابٍ واثْنَتا نسوةٍ فالجواب فى ذلك أن الواحد والاثنين يكون لهما لفظ يدل على المقدار والنوع فيستغنى بذلك اللفظ عن ذكر المقدار الذى يضاف الى النوع كقولك ثوب وامرأتان فدل ثوب على الواحد من هذا الجنس ودلت امرأتان على ثنتين من هذا الجنس فاستغنى بذلك عن قولك واحدُ أثوابٍ وثنتا نسوةٍ وقد جاء فى الشعر قال الرّاجز

كأَنّ خُصْيَيْهِ من التَّدَلْدُلِ

ظَرْفُ عجوزٍ فيه ثِنْتا حَنْظَلِ

أراد ثنتان فاضاف ثنتا الى نوع الحنظل وأما ثلاثة الى العشرة فليس فيه لفظ يدل على النوع والمقدار جميعا فاضيف المقدار الذى هو الثلاثة الى النوع وهو ما بعدها واعلم أنك اذا جاوزت العشرةَ بنيت النَيِّفَ والعشرةَ الى تسعة عشر فجعلتهما اسما واحدا كقولك أحد عشر وتسعة عشر وفتحت الاسم الاوّل والذى أوجب بناءهما أن معناه أحد وعشرة وتسعة وعشرة فنزعت الواو وهى مقدرة والعدد متضمن لمعناها فبنيا لتضمنهما معنى الواو وجعلا كاسم واحد فاختير الفتح لهما لان الثانى حين ضم

١٠٠