المخصّص - ج ١٧

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٧

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

الذى يوصف به المؤنثُ وكان هذا مُسْتوجبا للصرف وكذلك لو سمى رجل بعُنُوق جمع عَناقٍ فهو بمنزلة خُروقٍ جمع خَرْقٍ ويستوى فيه ما كان واحده مذكرا ومؤنثا ولو سميت رجلا بنساء لصرفته لان نِساءً جمعُ نِسْوة فهى جمع مُكَسَّر مثلُ كِلابٍ جمعُ كَلْب فان سميته بطَاغُوتَ لم ينصرف لان طاغوتَ اسم واحد مؤنث يقع على الجمع والواحد وليس له واحد من لفظه فيكسر عليه فصار بمنزلة عَنَاق واذا كان جمعا فهو بمنزلة إبِلٍ وغَنَم لا واحدَ له من لفظه

هذا باب تسمية المؤنث

اعلم أن كل مؤنث سميته بثلاثة أحرف متوال منها حرفان بالتحرك لا ينصرف فان شميته بثلاثة أحرف فكان الاوسط منها ساكنا وكانت شيئا مؤنثا أو اسما الغالبُ عليه المؤنث كسُعادَ فأنتَ بالخيار ان شئت صرفته وان شئت لم تصرفه وتركُ الصرف أجودُ وتلك الاسماءُ نحو قِدْرٍ وعَنْزٍ ودَعْدٍ وجُمْلٍ ونُعْمٍ وهِنْد وهذا الباب مشتمل على ثلاثة أشياء منها أن تسمى المؤنِث باسم على ثلاثة أحرف وأوسطُها متحركٌ وليس الحرفُ الثالثُ منها بعَلَمِ تأنيثٍ وذلك لا خلاف بين النحويين أنه لا ينصرف فى المعرفة وينصرف فى النكرة كامرأة سميتها بقَدَمٍ أو حَجَرٍ أو عِنَبٍ وما أشبه ذلك مما أوسطه متحرك والثانى أن تُسَمِّىَ المؤنثَ باسم كان مؤنثا قبل التسمية أو الغالبُ عليه أن تُسَمِّىَ به المؤنثَ وأوسطُه ساكن فالاسم المؤنث قبل التسمية نحو قِدْرٍ وعَنْزٍ والاسمُ الغالبُ عليه أن يسمى به المؤنثُ وان لم يعرف قبل التسمية دَعْدٌ وجُمْلٌ وهِنْد فهذه الاسماء لا خلاف بين المتقدمين أنها يجوز فيها الصرف ومنع الصرف والاقيسُ عند سيبويه منعُ الصرف لانه قد اجتمع فيها التأنيث والتعريفُ ونقصانُ الحركة ليس مما يُغَيّرُ الحُكْمَ وانما صَرَفه مَنْ صَرَفه لان هذا الاسم قد بلغ نهايةَ الخِفَّة فى قلة الحروف والحركات فقاومتْ خِفَّتُها أحدَ الثِّقَلَيْن وكان الزجاجُ يخالف من مضى ولا يُجيز الصرفَ فيها ويقول قد أجمعوا على أنه يجوز فيها تركُ الصرف وسيبويه يرى أن تركه أَجْوَدُ فقد جَوَّزُوا منعَ الصرف واسْتَجادوه ثم ادَّعَوُا الصَّرْفَ بجهة لا تثبت

٦١

لان السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماعُ علتين تمنعانِ الصَّرْفَ* قال أبو على* والقول عندى ما قاله من مضى ولا أعلم خلافا بين من مضى من الكوفيين والبصريين وما أجمعوا على ذلك عندى الا لشهرة ذلك فى كلام العرب والعلةُ فيه ما ذكرتْ وقد رأيناهم أسْقَطُوا بقِلَّة الحُروف أحدَ الثِّقَلَيْنِ وذلك اجماعُهم فى نُوح ولُوط أنهما مصروفان وان كانا أعجميين معرفتين لنُقْصان الحروف فمن حيثُ كان نقصانُ الحروف مسوّغا للصرف فيما فيه علتانِ سُوِّغَ بنُقْصان الحروف والحركةِ فى المؤنث والثالثُ مما ذكرنا اشتمالَ البابِ عليه أن تُسَمِّىَ المؤنثَ باسم مذكر على ثلاثة أحرف وأوسطُها ساكنٌ نحو امرأة سميت بزيد أو عمرو أو بكر* قال الفارسى* قد اختلف فى هذا من مضى فكان قول أبى استحق وأبى عمرو ويونس والخليل وسيبويه أنه لا ينصرف ورَأَوْه أثقلَ من هِنْد ودَعْد قال سيبويه لان المؤنث أشد ملاءمة للمؤنث والاصل عندهم أن يُسَمَّى المؤنثُ بالمؤنث كما أن أصلَ تسمية المذكر بالمذكر* قال أبو سعيد* كانَّ سيبويه جَعَلَ نَقْلَ المذكر الى المؤنث لما كان خلافَ الموضوع من كلام العرب والمعتادِ ثِقَلاً يُعادل نهايةَ الخِفة التى بها صَرَفَ من صَرَفَ هِنْدًا وكان عيسى بن عمر يَرى صرفَ ذلك أولى واليه يذهب أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّدُ لان زيدا وأشباهَه اذا سمينا به المؤنثَ فأثقلُ أحوالِه أن يصير مؤنثا فيَثْقُلَ بالتأنيث وكونُه خفيفا فى الاصل لا يُوجب له ثِقَلاً أكثر من الثِّقَل الذى كان فى المؤنث فاعلمه

هذا باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث كما جاء المذكر

معدولا عن حده

نحو فُسَقَ ولُكَع وعُمر وزُفَر وهذا المؤنث نظير ذلك المذكر اعلم أن هذا الباب يشتمل على ما كان من فَعَالِ مبنيا وذلك على أربعة أضرب أولها وهو الاصل لباقيها ما كان من فَعَالِ واقعا موقعَ الامر كقولهم حَذَار زيدًا  ـ  أى احْذَرْه ومَنَاعِ زيدًا  ـ  أى امنعه

٦٢

قال الشاعر

مَنَاعِها مِنْ إبِلٍ مَنَاعِها

أَلَا تَرى الموتَ لَدَى رِباعِها

وقال أيضا فى نَحْوٍ منه

تَراكِها من إبِلٍ تَراكِها

ألَا تَرى الموتَ لدَى أَوْراكِها

وقال رؤبة أيضا

* نَظَارِ كَىْ أَرْكَبَها نَظَارِ*

ويقال نَزالِ  ـ  أى انزل ويقال للضَّبُع دَبابِ  ـ  أى دِبِّى وقال الشاعر

نَعاءِ ابنَ لَيْلَى للسَّماحةِ والنَّدَى

وأيْدِى شَمَالٍ بارداتِ الانامِلِ

وقال أيضا جرير

نَعاءِ أبا لَيْلَى لِكُلِّ طِمِرَّةٍ

وجَرْداءَ مِثْلِ القَوْسِ سَمْحٍ حُجُولُها

والحَدُّ فى جميع اذا افْعَلْ وهو معدول عنه وكان حَقُّه أن يُبْنَى على السكونِ فاجتمع فى آخره ساكنانِ الحرفُ الاخير المبنىُّ على السكون والالفُ التى قبله وحُرِّكَ بالكسر لان الكسر مما يؤنث به لان المؤنث فى المخاطبة يكسر آخره فى قولك إنكِ ذاهبةٌ وأنتِ قائمة ويؤنث بالياء فى قولك أنتِ تقومين وهَذِى أَمَةُ اللهِ ولم يقل سيبويه انه كُسِرَ لاجتماعِ الساكنين على ما يوجبه اجتماعُهما من الكسرة لانه يذهب الى أن الساكن الاوّلَ اذا كان ألفا فالوجهُ فَتْحُ الساكن الثانى لان الالفَ قبلها فتحةٌ وهى أيضا أَصْلُ الفتح فحملوا الساكنَ الباقىَ على ما قبله من أجل هذا قال فى اسْحَارَّ اذا كان اسمَ رجل ورَخَّمْناه يا إسْحَارَ أَقْبِلْ بفتح الراء لان قبلها فتحة الحاء والالف بينهما ساكنة وهى تؤكد الفتح أيضا وحَمَلَه على قولهم عَضَّ يافَتَى بفتح العين ولم يَحْفِلْ بالضاد الساكنة المدغمة فان قال قائل فهم يقولون رُدَّ وفِرَّ قيل له الحجةُ فى عَضَّ من قول من يقول رُدِّ ورُدُّ وفِرِّ ويقول فى عَضِّ عَضَّ فيفصل بينهما ويفتح من أجل فتحة العين ومما يدلك على ذلك قولُهم انْطَلْقَ يا زَيْدُ فيفتح القاف لانفتاح الطاء وانما حَرَّك القاف لالتقاء الساكنين وقول الشاعر

عَجِبْتُ لَموْلُودٍ وليس له أبٌ

وذِى وَلَدٍ لم يَلْدَهُ أَبوانِ

ففتح الدال لانفتاح الياء والوجه الثانى ما كان من وصف المؤنث مُنادًى أو غير

٦٣

مناًدى فالمنادَى قولُك يا خَبَاثِ ويا لَكاعِ ويا فَساقِ وانما تريد الخبيثةَ والفاسقةً واللَّكْعاءَ ومثله للمذكر اذا ناديته معدولا يا فُسَقُ ويا لُكَعُ ويا خُبَثُ ويقال يا جَعَارِ للضبع وانما هو اسم للجاعِرِة يقال ذلك فى النداء وغير النداء للضبع ويقال لها أيضا قَثَامِ ومعناها تَفْثِمُ كُلَّ شئ تَجُرُّه للاكل وتَجْرُفُه قال الشاعر

فللكُبَراءِ أَكْلٌ كيفَ شاؤا

وللصُغَراءِ أَخْذٌ واقتثامُ

وقال الشاعر وهو الجَعْدىُ (١)

فقلتُ لها عِيثى جَعَارِ وجَرِرِى

بلَحْمِ امْرِئٍ لم يَشْهَدِ اليومَ ناصِرُهْ

ويقال للمَنِيَّةِ حَلَاقِ وهى معدولة عن الحالقة لانها تَحْلِقُ كُلَّ شئ وتَذْهَب به قال الشاعر

لَحِقَتْ حَلاقِ بهمْ على أكْسائِهِمْ

ضَرْبَ الرِّقابِ ولا يُهِمُّ المَغْنَمُ

والأكْساءُ الَمآخِيرُ واحدُها كُسْءٌ وقال آخر

ما أُرَجِّى بالعَيْشِ بَعْدَ نَدامَى

قَدْ أَراهُمْ سُقُوا بكَاْسِ حَلَاقِ

والوجه الثالث ما كان من المصادر معدولا من مصدر مؤنث معرفة مبنيا على هذا المثال كقول الذبيانى

إنَّا اقْتسَمْنا خُطَّتَيْنا بَيْنَنا

فحملتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجارِ

ففَجارِ معدولةٌ عن الفَجْرِة وقال الشاعر

فقالَ امْكُثِى حَتَّى يَسَارٍ لَعَلَّنا

تَحُجُّ مَعًا قالتْ أَعامًا وقابِلَهْ

فهى معدولة عن المَيْسَرةِ وقال الجَعْدِىُ (٢)

وذَكَرْتَ مِنْ لَبَنِ المُحَلَّقِ شَرْبةً

والخيلُ تَعْدُو بالصَّعِيدِ بَدادِ

فبدَادِ فى موضع الحال وهو فى معنى مصدر مؤنث معرفة وقد فسره سيبويه فقال معناه تَعْدُو بَدَدًا غير أنّ بَدادِ ليست بمعدولة عن بَدَدٍ لان بَدَدًا نكرة وانما هى معدولة عن البَدَّةِ أو المُبَادَّة أو غير ذلك من ألفاظ المصادر المعرفة المؤنثات* قال سيبويه* والعرب تقول لا مَسَاسِ معناه لا تَمَسُّنِى ولا أَمَسُّك ودَعْنِى كَفَافِ وتقديرها لا المُماسَّةَ ودَعْنِى المُكافَّةَ وان كان ذلك غيرَ مستعمل ألا تَراهم قالوا مَلَامِحُ ومَشَابِهُ

__________________

(١) قلت قوله وهو الجعدى فقلت لها عيثى جعار الخ الصواب أن قائله أبو صالح عبد الله بن خازم الصحابى السلمى لا الجعدى وسبب قوله هو ما رواه الطبرى فى تاريخه الكبير قال أخبر ابن خازم بمسير مصعب الى عبد الملك فقال أمعه عمر بن عبيد الله بن معمر قيل لا استعمله على فارس قال أفمعه المهلب بن أبى صفرة قيل لا استعمله على الموصل قال أفمعه عباد بن الحصين قيل لا استخلفه على البصرة فقال وأنا بخراسان

خذيني فجريني جعار وأبشرى

بلحم امرئ

الخ فهذه رواية البيت الصحيحة

(٢) قلت قوله وقال الجعدى وذكرت الخ الصواب أن هذا البيت لعوف بن عطية بن الخرع التيمىّ تيم الرباب يهجو به لقيط بن زرارة التميمى وسببه أن لقيطا هجْا عدى الرباب وتيم الرباب ببيتين وهما

ألا من رأى العبدين أو ذكر اله

عدى وتسيم تبتغى من تحالف

 ـ

٦٤

ولَيالٍ وهُنَّ جَمْع ليس لها واحدٌ من لفظها لانهم لا يقولون مَلْمَحةٌ ولا لَيْلَاةٌ ولا مَشْبَهةٌ وقال الشاعر

جَمَادِ لها جَمَادِ ولا تَقُولِى

طُوالَ الدَّهْرِ ما ذُكِرَتْ حَمَادِ

وانما يريد جُمُودًا وحَمْدًا غير أن اللفظ الذى عُدِل عنه هذا اللفظ كانه الجَمْدةُ والحَمْدَةُ أو ما جَرَى مَجْرَى هذا من المؤنث المعرفة وقد جعل سيبويه فَجارِ فى قول النابغة من المصادر المعدولة وجَرَى على ذلك النحويون بعده والاشْبَهُ عندى أن تكونَ صفة غالبةً والدليل على ذلك أنه قال فى شعره

* فَحمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجارِ*

فجعلها نقيضَ بَرَّةَ وبَرَّةُ صفةٌ تقول رجل بَرٌّ وامرأة بَرَّةٌ وجعلَهما صفةً للمصدر كانه قال فحملتُ الخَصْلةَ البَرَّةَ وحملتَ الخصلةَ الفاجرةَ كما تقول الخَصْلة القبيحة والحَسَنة وهما صفتانِ وجعل بَرَّةً معرفةً عُرِّفَ بها ما كان جميلا مستحسنا وأما ما جاء معدولا عن حدّه من بنات الاربعة فقوله

* قالتْ له رِيحُ الصَّبا قَرْقارِ*

وبعده من غير انشاد سيبويه

* واخْتَلَطَ المَعْرُوفُ بالانْكارِ*

فانما يريد بذلك قالت له قَرْقِرْ بالرَّعْدِ للسحابِ وكذلك عرْعارِ هى بمنزلةِ قَرْقارِ وهى لُعْبة وانما هى من عَرْعَرْتُ ونظيرها من الثلاثة خَرَاجِ أى اخْرُجُوا وهى لعبة أيضا وقال المبرد غَلِطَ سيبويه فى هذا وليس فى بنات الاربعة من الفِعْلِ عَدْلُ وانما قَرْقارِ وعَرْعارِ حكاية للصوت كما يقال غَاقِ غَاقِ وما أشبه ذلك من الاصوات وقال لا يجوز أن يقع عَدْلٌ فى ذوات الاربعة لان العدلَ انما وقع فى الثلاثى لانه يقال فيه فاعَلْتُ اذا كان من كل واحد من الفاعلين فِعْلٌ مثلُ فِعْلِ الآخَر كقولك ضاربتُه وشاتمته ويقع فيه تكثير الفعل كقولك ضَرَّبْتُ وقَتَّلْتُ وما أشبه ذلك* وقال أبو اسحق الزجاج* بابُ فَعَالِ فى الامر يُراد به التوكيدُ والدليلُ على ذلك أن أكثر ما يجىء منه مَبْنِىٌّ مكرّر كقوله

__________________

ـ  فخالف فلا والله تهبط تلعة * من الارض الا أنت للذل عارف فلما غزت بنو عامر بن صعصعة بنى دارم لكونهم أجاروا الحارث بن ظالم قاتل خالد بن جعفر فوجدوهم برحرحان وقاتلوهم به يومين قتالا شديدا فهزموا بنى دارم واستباحوهم وأسر أبو براء ملاعب الاسنة أبا القعقاع معبد ابن زرارة وفرّ عنه أخوه لقيط قال عوف ابن عطية بن الخرع التميمى يهجوه ببيتين كبيتيه وهما قوله

هلا كررت على ابن أمك معبد

والعامري يقوده بصفاد

وذكرت الخ ولقد استشهد عبد القاهر فى صدر دلائل الاعجاز على علمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمشعر وبمعانيه وبانساب العرب بقضية وقعت بين بعض أزواجه رضى الله عنهن مشتملة على عجز بيت لقيط الاول ولفظه روى أن سودة أنشدت

عدى ونيم تبتنى من تحالف

فظنت عائشة وحفصة انها عرضت بهما

وجرى بينهن كلام فى هذا المعنى فأخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل عليهن وقال يا ويلكن ليس فى عديكن ولا تيمكن قيل هذا انما قيل هذا فى عدى تميم وتيم تميم اه كتبه محمد محمود لطف الله به

٦٥

* حَذَارِ من أَرْما حِنَا حَذَارِ*

وقوله*

تَراكِهَا مِنْ إِبِلٍ تَراكِهَا

وذلك عند شدة الحاجة الى هذا الفعل وحَكَى محمدُ بن يزيد عن المازنى مثلَ قوله وحكى عن المازنى عن الاصمعى عن أبى عمرو مثل ذلك والاقوى عندى أن قول سيبويه أصح وذلك أن حكاية الصوت اذا حَكَوْا وكَرَّرُوا لا يُخالِفُ الاوّلُ الثانىَ كما قالوا غاقِ غاقِ وحاءِ حاءِ وحَوْبِ حَوْبِ وقد يُصَرِّفُون الفعلَ من الصوت المكرر فيقولون عَرْعَرْتُ وقَرْقَرْتُ وانما الاصل فى الصوت عَارِ عَارِ وقَارِ قَارِ فاذا صَرَّفُوا الفعل منه غَيَّروه الى وزن الفعل فلما قال قَرْقَارِ وعَرْعَارِ فخالف اللفظُ الاوّل الثانىَ علمنا أنه محمول على قَرْقِرْ وعَرْعرْ لا على حكاية عَارِ عارِ وقارِ قارِ وعَرْعارِ  ـ  لعبة للصبيان كما قال النابغة

* يَدْعُو وَلِيدُهُمُ بها عَرْعارِ*

ومعنى قوله أيضا

* واختلطَ المعروفُ بالانْكارِ*

يُريد المطرَ أصابَ كُلَّ مَكانٍ مما كان يَبْلُغه المطرُ ويعرف ومما كان لا يبلغه المطرُ ويَتْلُو بُلُوغه إياه* والوجهُ الرابعُ اذا سميت بشئ من الوجوه الثلاثة امرأةً فان بنى تميم ترفعه وتنصبه وتُجْرِيه مُجْرَى اسم لا ينصرف وهو القياسُ عند سيبويه واحتج بان نَزالِ فى معنى انْزِلْ ولو سمينا بانْزِلْ امرأةً لكنا نجعلها معرفةً ولا نصرفها فاذا عدلنا عنها نَزالِ وهى اسم فهى أَخَفُّ أَمْرًا من الفعل الذى هو افْعَلْ وقد ردّه أبو العباس المبرد فقال القياسُ قولُ أهلِ الحجاز لان أهلَ الحجاز يُجْرُون ذلك مُجْراه الاوّل فيكسرون ويقولون فى امرأة اسمها حَذَامِ هذه حَذامِ ورأيت حَذامِ ومررت بحَذامِ وبنو تميم يقولون هذه حَذامُ ورأيتُ حَذامَ ومررتُ بحَذامَ* وذكر المبرد أن التسمية بنَزالِ أقوى فى البناء من التسمية بانْزِلْ لان انْزِلْ هو فِعل فاذا سمينا به وقد نقلناه عن بابه فلزمه التغيير كما أنا نقطع ألفَ الوصل منه فنغيره عن حال الفعل وفَعَالِ هى اسمٌ فاذا سمينا بها لم نغيرها لانا لم نخرجها عن التسمية كما أنا لو سمينا بانْطِلاقٍ لم نقطع الالَف لان انْطِلاقا اسمٌ فلما لم نخرجه عن الاسمية أجرينا

٦٦

عليه لفظه الاوّل فاما الكسرُ فى لغة أهل الحجاز فالعلةُ فيه عند سيبويه أنه محمولٌ على نَزالِ وتَراكِ للعدل والبناء والتعريفِ والتأنيثِ فلما اجتمعا فى هذه الاشياء حمل عليه وقد أجرى زهير نَزالِ هذا المجْرَى حين أخبر عنها وجعلها اسما فقال

ولَانْتَ أَشْجَعُ من أُسامةَ إذ

دُعِيَتْ نَزالِ ولُجَّ فى الذُّعْرِ

* قال سيبويه* وأما ما كان آخره راء فان أهل الحجاز وبنى تميم فيه متفقون ويختار بنو تميم فيه لغةً أهل الحجاز كما اتفقوا فى يَرَى والحجازيةُ هى اللغة القُدْمَى* قال أبو سعيد* اعلم أن بنى تميم تركوا لغتهم فى قولهم هذه حَضَارِ وسَفَارِ وتبعوا لغة أهل الحجاز بسبب الراء وذلك أن بنى تميم يختارون الامالةَ واذا ضَمُّوا الراءَ ثَقُلَتْ عليهم الامالةُ واذا كسروها خَفَّتِ الامالةُ أكثر من خفتها فى غير الراء لان الراء حرف مكرر والكسرة فيها مكررة كانها كسرتان فصار كسرُ الراء أقوى فى الامالة من كسر غيرها وصار ضم الراء فى منع الامالة أشدَّ من منع غيرها من الحروف فلذلك اختاروا موافقةَ أهل الحجاز كما وافقوهم فى يَرَى وبنو تميم من لغتهم تحقيقُ الهمز وأهلُ الحجاز يخففون فوافقوهم فى تخفيف الهمزة من يرى* قال سيبويه* وقد يجوز أن يُرْفَع ويُنْصَب ما كان فى آخره الراء قال الاعشى

مَرَّ دَهْرٌ على وَبارِ

فهَلَكتْ جَهْرَةً وَبارُ

والقوافى مرفوعةٌ وأوّل القصيدة

ألم تَرَوْا ارَمًا وعادًا

أَوْدَى بها الليلُ والنهارُ

* قال سيبويه* فمما جاء وآخره الراء سَفارِ  ـ  وهو اسم ماءٍ وحَضَارِ  ـ  وهو اسم كوكب ولكنهما مؤنثان كماوِيَّةَ والشِّعْرَى كانَّ تلك اسمُ الماءةِ وهذه اسمُ الكَوْكَبةِ* قال أبو سعيد* أراد سيبويه أن سَفَارِ وان كان اسمَ ماءٍ والماءُ مذكر فان العرب قد تؤنث بعضَ مياهها فيقولون ماءةُ بنى فلان وهو كثير فى كلامهم فكانَّ سَفارِ اسمُ الماءة وحَضَارِ وان كان اسمَ كوكب والكوكبُ ذَكَرٌ فكانه اسمُ الكَوْكبةِ فى التقدير لان العرب قد أنثتْ بعضَ الكواكب فقالوا الشِّعْرَى والزُّهْرة اذ كان مَبْنَى هذا الباب أن يكون معرفةً مؤنثا معدولا وأما قوله كماوِيَّةَ فانما أراد أن سَفارِ وحَضارِ

٦٧

مؤنثان كماوِيَّةَ والشّعْرَى فى التأنيث والاغلبُ أن التمثيل بماوِيَّة غَلَطٌ وقع فى الكتاب وان كانت النسخ متفقةً عليها وانما هو كماءةٍ وهو أشبهُ لان سَفارِ ماءٌ والعربُ قد تقول للماء المورود ماءةٌ قال الشاعر وهو الفرزدق

مَتَى ما تَرِدْ يوماً سَفَارِ تَجِدْ بها

أُدَيْهِمَ يَرْمِى المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرا

واستدل سيبويه على أن نَزالِ وما جرى مجراها مؤنثة بقوله دُعِيَتْ نَزالِ ولم يقل دُعِىَ وكان المبرد يحتج بكسر قَطامِ وحَذَامِ وما أشبه ذلك اذا كان اسما علما لمؤنث أنها معدولة عن قاطعة وحاذِمةَ عَلَمَيْنِ وأنها لم تكن تنصرف قبل العدل لاجتماع التأنيث والتعريف فيها فلما عُدِلَتْ ازدادتْ بالعدل ثِقَلاً فَحُطَّتْ عن منزلة ما لا ينصرف ولم يكن بعدَ منع الصرف الا البناءُ فبنيت وهذا قول يفسد لان العلل المانعةَ للصرف يستوى فيها أن تكون علتان أو ثلاثٌ لا يزاد ما لا ينصرف بورود علة أخرى على منع الصرف ولا يوجب له البناء لانا لو سمينا رجلا باحمر لكنا لا نصرفه لوزن الفعل والتعريف ولو سمينا به امرأة لكنا لا نصرفه أيضا وان كنا قد زدناه ثقلا واجتمع فيه وزنُ الفعل والتعريفُ والتأنيثُ وكذلك لو سمينا امرأة باسماعيل أو يعقوب لكنا لا نزيدها على منع الصرف وقد اجتمع فيها التأنيث والتعريف والعُجمة* قال سيبويه* واعلم أن جميع ما ذكرنا فى هذا الباب من فَعَالِ ما كان منه بالراء وغير ذلك اذا كان شئ منه اسما لمذكر لم يَنْجَرَّ أبدا وكان المذكر فى ذلك بمنزلته اذا سمى بعَناقٍ لان هذا البناء لا يجىء معدولا عن مذكر* قال أبو سعيد* يريد أن فَعَالِ فى الوجوه الاربعة التى ذكرنا مؤنثة وأنا ان سمينا بها رجلا أو شيئا مذكرا كان غير منصرف ودخله الاعرابُ وكان بمنزلة رجل سمى بعَنَاقٍ وهو لا ينصرف لاجتماع التأنيث والتعريف فيه* قال سيبويه* ولو جاء شئ على فَعَالِ ولا تدرى ما أصله أمعدولٌ أم غير معدول أم مذكر أم مؤنث فالقياسُ فيه أن تصرفه لان الاكثر من هذا الباب مصروفٌ غير معدول مثلُ الذهابِ والفَسادِ والصِّلَاح والرَّبابِ (١) وذلك كلُّه منصرفٌ لانه مذكر فاذا سميتَ به رجلا فليس فيه من العلل الا التعريف وحده وهو أكثر فى الكلام من المعدول وجملةُ ذلك لا يَجْعَلُ

__________________

(١) الى هنا انتهى كلام سيبويه وقوله وذلك الخ شرح له ولو جرى على أسلوبه السابق لقال قال أبو سعيد يريد أن ذلك كله منصرف الخ كتبه مصححه

٦٨

شيئا من ذلك معدولا الا ما قام دليلُه من كلام العرب* قال أبو سعيد* سيبويه يرى أن فَعَالِ فى الامر مطردٌ قياسُها فى كل ما كان فِعْلُه ثلاثيا من فَعَلَ أو فَعُلَ أو فَعِلَ فقط ولا يجوز القياس فيما جاوز ذلك الا فيما سمع من العرب وهو قَرْقارِ وعَرْعارِ وما كان من الصفات والمصادر فهو أيضا عنده غير مطرد الا فيما سمع منهم نحو حَلَاق وفَجار ويَسَارِ وتطرد هذه الصفاتُ فى النداء كقولك يا فَساقِ ويا خَبَاثِ وجميعُ ما يطرد فيه الامر من الثلاثى والنداءُ فيما كان أصلُه ثلاثةَ أحرف فصاعدا وبعضُ النحويين لا يجعل الامر مطردا من الثلاثى وأذكر ما حكاه أهل اللغة مما لا يطرد* قال أبو عبيد* سَبَبْتُه سُبَّةً تكون لزَامِ  ـ  أى لازمةً وقال كَوَيْتُه وَقَاعِ  ـ  وهى الدَّارةُ على الجاعِرَتَيْنِ وحيثما كانت ولا تكون الادارةً وأنشد

وكُنْتُ اذا مُنِيتُ بخَصْمِ سَوْءٍ

دَلَفْتُ له فأَكْوِيهِ وَقَاعِ

وحكى انْصَبَّتْ عليه من طَمارِ  ـ  يعنى المكانَ المرتفعَ مُجْرًى وغيرَ مُجْرًى هذه حكايته وقد أَساءَ انما وجهُه مَبْنِىٌّ وغيرُ مُجْرًى وأنشد

وان كنتِ لا تَدْرِينَ ما الموتُ فانْظُرِى

الى هانِئٍ فى السُّوقِ وابنِ عَقيلِ

الى بَطَلٍ قَدْ عَقَّرَ السَّيْفُ وَجْهَهُ

وآخَرَ يَهْوِى من طَمَارِ قَتِيلِ

وحكى عن الاحمر نَزَلَتْ بَلَاءِ على الكُفَّارِ يعنى البلاء وأنشد

قُتِلَتْ فكانَ تَباغِيًا وتَظَالُمًا

انَّ التَّظالُمَ فى الصَّدِيقِ بوَارِ

وقال لا هَمَامِ لا أَهُمُّ وأنشد قول الكميت

* لا هَمَامٍ لى لا هَمَامٍ* (١)

وقال رَكِبَ فلانٌ هَجَاجِ رأسِه وهَجاجَ غَيْرَ مُجْرًى اذا ركب رأسَه وأنشد

* وقد رَكِبُوا عَلَى لَوْمِى هَجاجِ*

قال على قد قَلَبَ أبو عبيد انما حكمُه رَكِبَ فلانٌ هَجَاجَ رأسِه معربا مضافا الى ما بعده لانه قد أضيف واذا أضيف المبنى رُدَّ الى أصله لان البناء يُحْدِثُ فى المَبْنِىِّ شَبَهَ الحروفِ فمن حيث لا تضاف الحروفُ لا تضاف المبنياتُ الا بزوال شَبَه الحروف* وقال* حَضارِ والوَزْنُ مُحْلِفانِ وهما نَجْمانِ يَطْلُعانِ قبل سُهَيْلٍ فيظنُّ الناسُ بكل واحد منهما أنه سُهَيْل وكُلُّ شيئين مختلفين فهما مُحْلِفانِ وأما حِيدِى

__________________

(١) قوله لا همام الخ صدره كما فى اللسان عادلا غيرهم من الناس طرا بهم لاهمام الخ كتبه مصححه

٦٩

حَيَادِ وفِيحِى فَيَاحِ  ـ  أى اتَّسِعِى عليهم وحِيدِى عنهم فمن القِسْم المُطَّرِد وأنشد

* وقُلْنا بالضُّحَى فِيحِى فَيَاحِ*

وقال صاحب العين حَدَادِ أى احْدُدْ يعنى امْنَعْ ومن غير الامر جَداعِ  ـ  السَّنَةُ الشديدة ويقال لها الجَدَاعُ وشَمَامٍ  ـ  اسم جبل معروف وكذلك شَرَاءِ وسَبَاطِ من أسماءِ الحُمَّى مؤنث ومن الرباعى حكى ابن دريد أنه يقال هل بَقِىَ من الطعام فيقال حَمْحامِ ومَحْماحِ  ـ  أى لم يبق شئ

باب ما ينصرف فى المذكر البتة مما ليس فى

آخره حرف التأنيث

كُلُّ مذكر سمى بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف كائنا ما كان أَعْجميا أو عَرَبيا أو مؤنثا الا فُعَلَ مشتقا من الفعل أو يكون فى أوّله زيادةٌ فيكون كيَجِدُ ويَضَعُ ونَضَعُ وأضَعُ أو يكون كضُرِبَ  ـ  وذلك كرجل سميته بقَدَمٍ أو فِهْرٍ أو أُذُنٍ وهُنَّ مؤنثات أو سميته بخُشٍّ أو دَلٍّ أو خَانٍ وما أشبه ذلك وانما انصرف المسمى بالمؤنث على ثلاثة أحرف لانه قد أشْبَهَ المذكَر وذلك أن ما كان على ثلاثة أحرف من المؤنث اذا صغرناه قبل التسمية ألحقنا هاء التأنيث وان لم يكن فى الاسم هاء كقولنا عَيْنٌ وعُيَيْنة واذُنٌ وأُذَيْنة وقَدَم وقُدَيْمة واذا سمينا بهنَّ رجلا قلنا قُدَيْمٌ وعُيَيْن وأُذَيْنٌ فلما كنا نَرُدُّ الهاءَ فى الثلاثة كان تقدير الاسم أن فيه هاء محذوفة فاذا سمينا به لم نَرُدَّ الهاءَ لان الاسم صار مذكرا وأزيلت الهاء التى فى التقدير فان قال قائل قد وجدنا فى أسماء الرجال عُيَيْنة وأُذَيْنة قيل له انما سميا بالتصغير بعد دخول الهاء ولو سميا بعَيْنٍ وأُذُنٍ ثم صُغِّرا لم يجز دخول الهاء ألا ترى أنا لو سمينا المرأة بعمرو ثم صغرناها لقلنا عُمَيْر وأما ما كان من العجمى على ثلاثة أحرف فانه مصروف اذا سمى به المذكر سواء سكن أوسطه أو تحرّك وانما دخل فى ذلك ما تحرّك أوسطُه ولم يكن بمنزلة المؤنث الذى يفرق فيه بين ما سكن أوسطه كهند ودعد فاجيز صرفه وبين قَدَم وجَمَلٍ اسم امرأة فلم يجز صرفُه لان

٧٠

المؤنَث أثقلُ من العَجمى وذلك أن التأنيث قد يكون بعلامة يُلْزِمُونها الاسمَ للفرق بين المذكر والمؤنث فى الخلقة حِرْصا على الفصل بينهما لاختلاف المذكر والمؤنث فى أصل الخلقة ولانهم لا يعتدّون بالعُجْمة فيما استعمل منكورا نحو سَوْسَنٍ وابْريْسَمٍ وآجرٍّ اذا سمى بشئِ من ذلك كان منزلته منزلةَ العربى وانصرفَ وظهر بذلك أن العجمةَ عندهم أَيْسَرُ من التأنيث* قال سيبويه* وان سميت رجلا ببنت أو أخت صَرَفْتَه لانك بنيتَ الاسمَ على هذه التاء وألحقتَها ببنات الثلاثة كما ألحقوا سَنْبَتةً ببنات الاربعة ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرفَ الذى قبلها فانما هذه التاء فيها كتاء عِفْرِيتٍ ولو كانتْ كالف التأنيث لم تنصرف فى النكرة وليست كالهاء لما ذكرتُ لك ولو أن الهاء التى فى دَجاجةٍ كهذه التاءِ انصرفَت فى المعرفة* قال أبو سعيد* التاءُ فى بنت وأخت منزلتُها عند سيبويه منزلة التاء فى سَنْبَتَةٍ وعِفْرِيتٍ لان التاء فى سَنْبتةٍ زائدة لا لحاقها بسَلْهَبة وحَرْقَفة وما أشبه ذلك والسَّنْبتةُ  ـ  المُدَّة من الدهر والدليل على زيادة التاء أنهم يقولون سَنْبَتٌ والتاءُ فى عِفْرِيتٍ زائدة لانهم يقولون عِفْرٌ وعِفْرِيةٌ وعِفْرِيتٌ مُلْحَق بقِنْدِيل وحِلْتِيتٍ وما أشبه ذلك وكذلك بِنْتٌ وأُخْتٌ مُلْحقَتانِ بجِذْع وقُفْلٍ والتاءُ فيهما زائدة للالحاق فاذا سمينا بواحدة منهما رجلا صرفناه لانه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيها علامة التأنيث كرجل سميناه بفِهْرٍ وعَيْنٍ والتاءُ الزائدة التى للتأنيث هى التى يلزم ما قبلها الفتحةُ ويوقف عليها بالهاء كقولنا دَجاجة وما أشبه ذلك* قال سيبويه* وان سميت رجلا بهَنْتٍ قلتَ هَنَةُ يافتى تُحرّك النون وتُثْبت الهاء لانك لم تَرَ مختصا متمكنا على هذه الحال التى تكون عليها هَنْتٌ وهى قبل أن تكون اسما تسكن النون منها فى الوصل واذا قليل فاذا حوّلته الى الاسم لزمه القياس* قال* واعلم أن هَنًا وهَنَةً يكنى بهما عمن لا يذكر اسمه وربما أدخلوا فيهما الالف واللام وأكثر ما يُسْتعمل للناس وأصل هَنٍ هَنَوٌ وكان حقه أن يقال هَنًا كما يقال قَفًا وعَصًا وأنشد

أَرَى ابْنَ نِزارٍ قد جَفَانِى ومَلَّنِى

عَلَى هَنَواتٍ كُلُّها مُتَتابِعُ

٧١

وحذفوا آخرَها فقالوا هَنٌ وهَنَةٌ كما قالوا أَبٌ وأَخٌ وهما اسمان ظاهران كنى بهما عن اسمين ظاهرين فلذلك أُعْربا وفيهما معنى الكناية والعربُ تقول فى الوقف هَنَهْ وفى الوصل هَنْتٌ فتصير التاء فيها اذا وصلت كالتاء فى أُخْتٍ وبنْتٍ فقال سيبويه اذا سميت بهَنْتٍ وجب أن تقول فى الوصل والوقف هذا هَنَهْ وهَنَةُ قد جاءنى فتحرك النون ولا تسكنها فى الوصل كما كانت مُسْكنةً قبل التسمية لان إسكانها ليس بالقياس ولانهم لم يلزموها الاسكان فيكونُ بمنزلة بنتٍ وأختٍ وتكون التاء للالحاق وانما يسكنونها وهم يريدون الكنايةَ فاذا سمينا بها رددناها الى القياس فلا نصرفها وتكون منزلتُها منزلةَ رجلٍ سميناه بسَنةٍ أو ضَعةٍ فى الوقف والوصل* قال سيبويه* وان سميتَ رجلا بضَرَبَتْ ولا ضمير فيها قلتَ هذا ضَرَبَهْ فى الوقف لانه قد صار اسما فجرى مجرى شَجَرةٍ

باب ما يذكر من الجمع فقط وما يؤنث منه فقط وما يذكر

ويؤنث معا

أما الجموعُ التى على لفظ الواحد المذكر كتَمْرة وتَمْرٍ وشَعِيرةٍ وشَعِير فقد قدّمتُ أنه يذكر ويؤنث وأذكر ههنا من أسماء الاجناس ما يذكر ويؤنث وما لا يكون الا مذكرا وما لا يكون الا مؤنثا* الرُّمَّانُ والعِنَبُ والمَوْزُ لم يسمع فى شئ منها التأنيث* وكذلك السِّدْرُ هذا اذا كان اسما للجنس قال الشاعر

تَبَدَّلَ هذا السِّدْرُ أهْلاً ولَيْتَنِى

أَرَى السِّدْرَ بَعْدِى كيف كانتْ بَدائِلُهْ

فاما من جعله جمعَ سِدْرة فقد قدّمت ذكرَ القياس فيه وكذلك التمرة والتمر فيمن ذهب بهما مذهب الجنس* والخيلُ مؤنثةٌ جماعةٌ لا واحدَ لها من لفظها وقال أبو عبيد واحدُها خائِلٌ وذلك لاخْتيالِه فى مَشْيه* الطَّيْرُ مؤنث ويذكر والتأنيث أكثر والواحد طائر والانثى طائرة وقد شرحتُ هذا الفصل وفى التنزيل (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) وقال الشاعر فى التذكير

٧٢

فلا يَحْزُنْكَ أيَّامٌ تَوَلَّى

تَذَكُّرُها ولا طَيْرٌ أرَنَّا

* والوَحْشُ جَماعةٌ مؤنثة والجمع وُحُوش وأنشد قول الشاعر

اذا الوَحْشُ ضَمَّ الوَحْشَ فى ظُلَلَاتِها

سَوَاقِطُ من حَرٍّ وقد كانَ أَظْهَرَا

* وكذلك الشَّاءُ عند الاكثر والهمزة بدل من الهاء وقد بين ذلك بحقيقة تصريفه ومن أنثه فعلى معنى الغَنَم* الابِلُ جمعٌ مؤنث لا واحد له من لفظه والجمعُ الآبالُ والتصغير أُبَيْلَة* والغَنَم والمعَزُ مؤنثان وهى المِعْزَى والمَعِيزُ والامْعُوزُ الثلاثُونَ من الظِّباء الى ما زادتْ والمعز تكون من الغنم والظباء وكل ذلك مؤنث* العَنْزُ مؤنث والجميعُ أعْنُز وهو يكون من الغنم والظباء أيضا وجمعُ العَنْزِ من الظباء أَعْنُزٌ وعِنازٌ ولا يجمع عَنْزُ الغَنمِ على عِنَازٍ* وكذلك الضَّأنُ والضَّأَنُ وزعم الفراء أنه مطرد فى كل ما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق ويقال فى تصغير الضَّأن والمَعزِ ضُؤَيْنٌ ومُعَيْزٌ والغَنَمُ لا واحد لها من لفظها وقال الكسائى تصغير الغَنَم بالهاء وبغير الهاء* وكذلك الشَّوْلُ فيمن لم يَجْعَلْ له واحدا اسم للجمع مؤنث وذهب بعضُهم الى أن واحدها شائِلٌ كطامِثٍ وحائضٍ* الفارسى* النَّبْلُ مؤنثة قال وقال أبو عمر والنَّبْلُ واحدٌ لا جماعة له ولا يقال نَبْلةٌ انما يقال نَبْلٌ للجماعة فاذا أفردوا الواحد قالوا سَهْمٌ كما قالوا إبِلٌ فاذا أفردوا قالوا ناقة أو جمل وغنم فاذا أفردوا قالوا شاة وكذلك كل جمع لا واحد له* والمذكر النَّعامُ والثُّمَامُ والسَّمَامُ* والكَلِمُ يذكر ويؤنث تقول هو الكلم وهى الكلم وفى التنزيل (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) والمَعِدُ مؤنث وكذلك الحَلَقُ حكاه أبو حاتم وقال قد سمعته مذكرا فى رجز دُكَيْنٍ قال أبو على لا يؤنث الحَلَقُ على أنه جمع حَلْقة لان فَعَلاً ليس مما يكسر عليه فَعْلةٌ انما هو اسم للجمع كقولنا فَلَكٌ جمعُ فَلْكةٍ وقد يجوز تذكير الحَلَقِ وتأنيثه وذلك أن اللحيانى حكى حَلَقةً وجمعُه حَلَقٌ ثم قال لا يعجبنى وكان قليلا ما يُعْجبه نقلُ اللحيانى وقد صرح ابن السكيت بانه ليس فى الكلام حَلَقة بتحريك اللام الا جَمْعَ حالق كقاتل وقَتَلة وفاجِرٍ وفَجَرة وما جاء من الحَلَقِ فى الشعر مذكر قال الراجز

* يَمْشُونَ تَحْتَ الحَلَق المُلَبَّسِ*

٧٣

وقال غيره أيضا

* يَنْفُضْنَ صُفْرَ الحَلَقِ المَفْتُولِ*

وأنشد الفارسى بيتَ دُكَيْن

فَصَبَّحَتْهُ سِلَقٌ تَبَرْنَس

تَهْتِكُ خَلَّ الحَلَقِ المُلَسْلَس

قال فاما ما أنشده بعض البغداديين ونسبه الى الفرزدق

يا أَيُّها الجَالِسُ وَسْطَ الحَلَقه

أفى زِنًى أُخِذْتَ أم فى سَرِقه

فانه مصنوع ولو صح لقلنا ان الحَلقَةَ هنا جمعُ حالقٍ* الكَمْءُ واحدٌ وهو مذكر والجمع كَمْأَةٌ وهو اسم للجمع وقد أَنْعَمْتُ شرحَ هذا ووَقَفْتُكَ على حقيقته وأَرَيْتُك وَجْهَ الاختلاف فيه فى أوّل هذا الضَّرْب فاما الجَبْأَةُ فتأنيثُه ظاهرٌ* والفَقْعُ مذكر* والْهَامُ مؤنثة لم يُؤْثَرْ عن العرب فيها تذكير* قال أبو على* الجمعُ كُلُّه مؤنث الا ما كان اسمَ جَمْع كالحَلَقِ والفَلَكِ أو جنسا كالخَزّ والحَرير والوَشْىِ فاما القُطْنُ والقُطُنُّ والصُّوفُ فيذكر ويؤنث لان واحدته قُطْنةٌ وقُطُنَّةٌ وصُوفة* قال* وكذلك الشَّامُ جمعُ شَامةٍ والسَّاعُ جمعُ ساعةٍ والرَّاحُ جمعُ راحةٍ والرَّاىُ جمعُ رايهٍ قال وأنشد سيبويه

وخَطَرَتْ أَيْدِى الكُماةِ وخَطَرْ

رَاىٌ اذا أَوْرَدَهُ الطَّعْنُ صَدرْ

وكذلك اللَّابُ جَمْعُ لابةٍ وهى الحَرَّةُ وكذلك اللُّوبُ والسُّوسُ والدُّودُ والطِّينُ والتِّينُ واللِّيفُ لان واحد ذلك كله بالهاء فهو يذكر ويؤنث* قال* وهكذا وَجَدْناه فى أشعارهم تارةً مذكرا وتارةً مؤنثا وأما ما بها أَحَدٌ ولا عَرِيبٌ ولا كَتِيعٌ وأخواتُه فكله للواحد والجميع والمؤنث بلفظ واحد وقد أبَنْتُ جميعَ هذا الضرب فى أبواب الجَحْد من هذا الكتاب وأما مِثْلُك وأخواتُها وغَيْرُك وأَفْعَلُ منك مُتَمَّمٌ كقولك أفضل منك أو ناقصٌ محذوف كقولك خَيْرٌ منك وشَرٌّ منك وبابُ حَسْبُك وأخواتها فكله للجميع والواحد والمؤنث بلفظ واحد وبابُ مِثْلك وأخواتها وأفْعَل تُحْملُ مَرَّةً على اللفظ ومرة على المعنى وكذلك غيرك

٧٤

باب ما يحمل مرة على اللفظ ومرة على المعنى مفردا أو مضافا

فيجرى فيه التذكير والتأنيث بحسب ذلك

فمن المفرد مَنْ وما وأَىٌّ وكُلٌّ وكِلْتا وبَعضٌ وغير ومِثْلٌ وأنا آخِذ فى شرح ذلك كله وبادئ بالمفرد ومُتْبِعُه بالمضاف* اعلم أن مَنْ وما لهما لَفْظٌ ومَعْنًى فالالفاظُ الجارية عليهما تكون محمولة على لفظهما ومعناهما فاذا جرت على لفظهما كان مذكرا مُوَحَّدًا كقولك مَنْ قامَ سواء أردتَ واحدا أو اثنين أو جماعةً من مذكر ومؤنث وكذلك ما أصابَكَ سواء أردتَ به شيئا أو شيئين من مذكر ومؤنث ويجوز أن تَحْمل الكلامَ على معناهما فتقولَ من قامتْ اذا أردتْ مؤنثا وفيكُمْ مَنْ يَخْتَصِمانِ ومَنْ يَخْتَصِمُونَ قال الله تعالى (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) فذكر وأنث ولو ذَكَّرَهما على اللفظ أو أنَّثَهُما على المعنى جاز وبعضُ الكوفيين يَزْعُم أنه لا يجوز تذكير الثانى لانه قد ظَهَرَ تأنيثُ المعنى بقوله (مِنْكُنَ) وهذا غَلَطٌ لانا انما نَرُدُّه الى لفظ مَنْ وقال الله تعالى فى جمع من على المعنى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) وعلى اللفظ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) قال الفرزدق فى التثنية على المعنى

تَعَشَّ فانْ عَاهَدْتَنِى لا تَخُونُنِى

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ

وكذلك هذا الحكم فى ما تقول ما نُتَج مِنْ نُوقِكَ على اللفظ وما نُتِجَتا على معنى التثنية وما نُتِجَتْ على معنى الجمع وأما قول العرب ما جاءتْ حاجَتَكَ فان جاءتْ فيه بمعنى صارتْ ولا يكون جاء بمنزلة صار الا فى هذا الموضع وهو من الشاذ كما أن عَسى لا تكون بمعنى كانَ الا فى قوله

* عَسَى الغُوَيْرُ أَبْؤُسا*

ورُبَّ شَئٍ هكذا وانما ذكرنا شرح جاءتْ وان لم يكن داخلا تحت ترجمة الباب لأُرِيَكَ كيف يجرى ههنا على المعنى* قال أبو على وأبو سعيد* أما قولُهم ما جاءتْ حاجَتَك

٧٥

فقد أَجْرَوْها مُجْرَى صارتْ وجعلوا لها اسما وخبرا كما كان ذلك فى باب كان وأخواتها فجعلوا ما مبتدأ وجعلوا فى جاءتْ ضَمِيرَ ما وجعلوا ذلك الضميرَ اسمَ جاءتْ وجَعَلُوا حاجَتَك خَبَرَ جاءتْ فصار بمنزلة هِنْدٌ كانتْ أُخْتَكَ وأنثوا جاءتْ بتأنيث المعنى فكانه قال أيَّةُ حاجةٍ جاءتْ حاجَتَكَ وجعل جاء بمعنى صارَ وأدْخَلَها على اسم وخبر وهو غير معروف الا فى هذا وهو مَثَلٌ ولم يُسْمَع الا بتأنيث جاءتْ وأَجْرَوْهُ مُجْرَى صارتْ ويقال ان أوّل ما شُهِرَتْ هذه الكلمةُ من قول الخوارج لابن عباس حين أتاهم يَسْتَدْعِى منهم الرجوع الى الحق من قِبَلِ على بن أبى طالب رضى الله عنه* قال سيبويه* وأدخلوا التأنيث على ما حيث كانت الحاجةَ يعنى أنث جاءتْ بمعنى التأنيث فى ما لان معناها أيَّةُ حاجة ولو حَمَلَ جاء على لفظ ما لقال ما جاء حاجَتَك الا أن العرب لا تستعمل هذا المثلَ الا مؤنثا والامثالُ انما تُحْكَى وقولُ العربِ مَنْ كانتْ أُمَّكَ جعلوا مَنْ مبتدأة وجعلوا فى كان ضميرا لها وجعلوا ذلك الضمير اسم كان وجعلوا أُمَّكَ خبرها وأنثوا كانتْ على معنى مَنْ فكانه قال أَيَّةُ امرأةٍ كانتْ أُمَّكَ* قال سيبويه* ومن يقول من العرب ما جاءتْ حاجَتُكَ كثيرٌ كما تقول من كانتْ أُمُّكَ يعنى من العرب من يجعل حاجتُك اسمَ جاءت ويجعل خبرها ما كما يجعل مَنْ خَبَر كانت ويجعل أُمُّك اسْمَها وهما فى موضع نصب كانك قلت أَيَّةَ حاجةٍ جاءتْ حاجَتُك* قال سيبويه* ولم يقولوا ما جاء حاجَتُك يعنى أنه لم يسمع هذا المَثَلُ الا بالتأنيث وليس بمنزلة من كان أُمَّك لان قولهم من كان أمّك ليس بمَثَل فالزموا التاء فى ما جاءتْ حاجتَك كما اتفقوا على لَعَمْرُ اللهِ فى اليمين ومثل قولهم ما جاءتْ حاجَتك اذ صارتْ تقع على مؤنث قراءةٌ بعض القُرَّاء (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) وتَلْتَقِطْه بَعْضُ السَّيَّارةِ يعنى أنّ تكن مؤنثة واسمها أنْ قالوا فليس فى أن قالوا تأنيثُ لفظ وانما جعل تأنيثه على معنى أن قالوا اذا تأوّلته تأويلَ مَقالةٍ كانه قال ثم لم تكنْ فِتْنَتَهم الا مَقَالتُهم وحُمِلَ تَلْتِقطْه على المعنى فى التأنيث لان لفظ البعض الذى هو فاعلُ الالتقاطِ مذكر ولكن بعضُ السيارة فى المعنى سَيَّارةٌ ألا ترى أنه يجوز أن تقول تَلْتَقِطْه السَّيَّارةُ وأنت تعنى البعضَ فهذا مثلُ ما جاءتْ حاجتَك حين أنث فعلها على

٧٦

المعنى وربما قالوا فى بعض الكلام ذهبتْ بعضُ أصابعِه وانما أَنَّثَ البعضَ لانه أضافه الى مؤنث هو منه ولو لم يكن منه لم يؤنثه لانه لو قال ذَهَبَتْ عَبْدُ أُمِّكَ لم يَحْسُن يعنى لم يجز* قال أبو على* اعلم أن المذكر الذى يضاف الى المؤنث على ضربين أحدهما ما تصح العبارة عن معناه بلفظ المؤنث الذى أضيف اليه والثانى ما لا تصح العبارة عن معناه بلفظ المؤنث فاما ما يصح بلفظه فقولك أضَرَّتْ بى مَرُّ السنين وآذَتنِى هُبُوبُ الرياح وذَهَبَتْ بعضُ أصابعى واجتمعتْ أهلُ اليَمامة وذلك أنك لو أسقطتَ المذكر فقلتَ أَضَرَّتْ بى السنون وآذَتْنى الرياحُ وذهبتْ أصابعى واجتمعتِ اليَمامةُ وأنتَ تُريد ذلك المعنى لجاز وأما ما لا تصح العبارةُ عن معناه بلفظ المؤنث فقولك ذَهَبَ عَبْدُ أُمِّك لو قلتَ ذهبتْ عَبْدُ أمك لم يجز لانك لو قلت ذهبتْ امُّك لم يكن معناه معنى قولك ذهب عبدُ أمك كما كان معنى اجتمعت اليمامة كمعنى اجتمعت أهلُ اليمامة وهذا البابُ الاوّل الذى أجزنا فيه تأنيثَ فعل المذكر المضاف الى المؤنث الذى تصح العبارةُ عن معناه بلفظها الاختيارُ فيه تذكيرُ الفعل اذ كان المذكر فى اللفظ فقولك اجتمع أهلُ اليمامة وذهب بعض أصابعه أجودُ من اجتمعتْ وذهبتْ والتأنيثُ على الجِوار ومثلُ تأنيثِ ما ذكرنا قولُ الشاعر وهو الاعشى

وتَشْرَقُ بالقَوْلِ الذى قد أذَعْتَهُ

كما شَرِقَتْ صَدْرُ القنَاةِ من الدمِ

كأنه قال شَرقَتِ القَناةُ لانه يجوز أن تقول شَرِقَتِ القَناةُ وان كان شَرِقَ صَدْرُها ومثل ذلك قول جرير

اذا بعْضُ السنينَ تَعَرَّقَتْنا

كفَى الأيتامَ فَقَدْ أبى اليَتِيم

فأنث تَعَرَّقَتْنا والفعلُ للبعض اذ كان يصح أن يقولَ اذا السِّنُون تَعَرَّقَتْنا وهو يريد بعض السنين وقال جرير أيضا

لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تواضعتْ

سُورُ المَدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ

فأنث تواضعتْ والفعلُ للسُّور لانه لو قال تواضعت المدينةُ لصح المعنى الذى أراده بذكر السُّورِ وأبو عبيدة مَعْمَرُ بن المُثَنَّى يقولُ ان السُّورَ جمع سُورةٍ وهى كلُّ ما علا

٧٧

وبها سمى سُورُ القرآنِ سُورًا فزعم أن تأنيث تواضعت لان السُّورَ مؤنث اذ كان جمعا ليس بينه وبين واحده الا الهاء واذا كان الجمع كذلك جاز تأنيثه وتذكيره قال الله تعالى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) فذَكَّرَ وقال (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) فأنث وأما قوله والجبالُ الخُشَّعُ فمن الناس من يرفع الجبالَ بالابتداء ويجعل الخُشَّع خبرا كانه قال والجبالُ خُشَّعٌ ولم يرفعها بتواضعتْ لانه اذا رفعها بتواضعت ذهب معنى المدح لان الخُشَّعَ هى المتضائلة واذا قال تواضعتْ الجبالُ المُتَضائلةُ لموته لم يكن ذلك طريقَ المدح انما حكمُه أن يقول تواضعت الجبالُ الشوامخ وقال بعضهم الجبال مرتفعة بتواضعتْ والخُشَّعُ نعتٌ لها ولم يُرِدْ أنها كانت خُشَّعًا من قبلُ وانما هى خُشَّعٌ لموته فكانه قال تواضعت الجبالُ الخُشَّعُ لموته كما قال رؤبة

* والسَّبُّ تَخْرِيقُ الأَدِيمِ الاخْلَقِ*

وقال ذو الرمة أيضا

مَشَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ

أَعالِيَها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ

فانث والفعلُ للمَرّ لانه لو قال تَسَفَّهَتْ أَعالِيَها الرياحُ لجاز وقال العجاج

* طُولُ اللَّيالِى أَسْرَعَتْ فى نَقْضِى*

وقال سيبويه وسمعنا من العرب من يقول ممن يوثق به اجتمعتْ أهلُ اليمامة لانه يقول فى كلامه اجتمعت اليمامة وجعله للفظ اليمامة فترَك اللفظَ على ما يكون عليه فى سَعةِ الكلام يعنى ترك لفظَ التأنيثِ فى قولك اجتمعت أهلُ اليمامة على قولك اجتمعت اليمامةُ لما قَدَّمنا* وقال الفراء* لو كَنَيْتَ عن المؤنث فى هذا الباب لم يجز تأنيثُ فِعْلِ المذكر الذى أُضِيفَ اليه فلو قلتَ ان الرياحَ آذَتْنِى هُبُوبُها لم يجز أن تؤنث آذَتْنى اذا جعلتَ الفعلَ للهُبوب واحتج بانا اذا قلنا آذتْنى هُبوبُ الرياح فكانما قلنا آذتنى الرياح وجعلنا الهُبوبَ لغْوًا واذا قلتَ آذَتْنِى هُبوبُها لم يَصْلحُ أن تَجْعل الهُبُوبَ لَغْوًا لان الكنايةَ لا تقومُ بنفسها فتجعل الهبوب لغوا والصحيح عندنا حوازُه وذلك أن التأنيث الذى ذكرناه فانما ذكرناه لَانْ تَجُوزَ العبارةُ عنه بلفظ المؤنث المضاف اليه لا لأنه لَغْوٌ وقد تَجُوزُ العبارةُ بلفظ المؤنث عن ذلك المذكر وان

٧٨

كان لفظُها مَكْنِيًّا ألا ترى أنا نقول ان الرياح آذَتْنى وان أصابعى ذهبتْ وأنا أريد البعضَ والهُبوبَ

هذا باب جمع الاسم الذى

آخره هاء التأنيث

اعلم أنه لا خلاف بين النحويين أن الرجل اذا سمى باسم فى آخره هاء التأنيث ثم أردتَ جَمْعَه جمعتَه بالتاء واستدلوا على ذلك بقول العرب رجل رَبْعةٌ ورجال رَبَعاتٌ وبقولهم طَلْحةُ الطَّلَحاتِ قال الشاعر

رَحِمَ اللهُ أَعْظُمًا دَفَنُوها

بسِجِسْتانَ طلَحْةَ الطَّلَحاتِ

وتقول العرب ما أَكْثَر الهُبَيْراتِ يريدون جمعَ الهُبَيْرةِ ولم نسمع رجالُ رَبْعُون ولا طَلْحة الطَّلْحِين ولم نسمع ما أكْثَر الهُبَيْرِينَ ولا جمعَ شئ من ذلك بالواو والنون وأجاز الكسائى والفَرَّاءُ جمعَ ذلك بالواو والنون فاذا جمع بالواو والنون سكنوا اللام من طَلْحةً لانهم يُقَدِّرُونَ جمعَ طَلْح فلا يُحَرِّكون اللامَ وكان أبو الحسن بن كَيْسانَ يذهب الى جواز ذلك ويُحَرِّك اللامَ فيقول الطَّلَحُونَ فيفتحها كما فتحوا أَرَضُون حَمْلاً على أرَضاتٍ لو جمع بالالف والتاء لانه بمنزلة تَمَراتٍ والقولُ الصحيح ما قاله غيره لانه قول العرب الذى لم يُسْمَع منهم غيرُه ولانه القياس ولان طَلْحة فيه هاء التأنيث والواو والنون من علامات التذكير ولا يجتمع فى اسم واحد علامتان مُتَضادَّتانِ ومما احتج به ابن كَيْسانَ أن التاء تسقط فى الطلحات فمن أجل سقوطها وبقاءٍ الاسمٍ بغير التاء جاز جمعها بالواو والنون وهذا لا يلزم لان التاء مقدّرة وانما دخل فى علامة الجمع التاء وسقطت التاء التى كانت فى الواحد لان تاء الجمع عوض ولئلا يجتمع تاآن فصار بمنزلة ما يسقط لاجتماع الساكنين وهو مقدّر واذا جمع بالالف والتاء ما كان فى آخره ألف تأنيث مقصورة فانك تقلب ألف التأنيث ياء فتقول فى حُبْلَى حُبْلَيات وفى حُبارَى حُبارَيات وفى جَمَزى جَمَزَيات فان قال قائل أنتم تقولون انا حذفنا التاء فى طَلَحات وتَمَرات لئلا يُجْمَع بين علامَتَىْ تأنيث لو جمعناه تَمَرات فقد

٧٩

جمعتم بين الالف التى فى حُبْلَى والتاء التى فى الجمع قيل له ليس سبيلُ الالف سبيلَ التاء لان الالف لا تثبت على لفظ التأنيث وانما تنقلب ياء وليست الياء للتأنيث فاذا قلنا حُبْلَيات لم نجمع بين لَفْظَىْ تأنيثٍ والتاءُ فى تَمرة لو قلنا انها هى علامةُ التأنيث وان الهاء بدلٌ منها فى الوقف للفرق بين الاسم والفعل والواحد والجمع اذ علامة التأنيث فى الفعل تاء لا غير فى الوقف والوصل وكذلك فى جمع مسلمات وما أشبه ذلك وأيضا فان التاء دخولها على بناء صحيح للمذكر ودخول ألف التأنيث على بناء لو نزعت منه لم يكن له معنى ألا ترى أنا لو قلنا فى حُبْلَى حُبْلٌ لم يكن له معنى واذا قلنا فى مُسْلمة مُسْلِم كان للمذكر فصار ألفُ التأنيث بمنزلة حرف من نفس الاسم مخالف للعلامة الداخلة على الاسم بكماله* واذا جمعتَ المقصور بالواو والنون حذفت الالف لاجتماع الساكنين وبَقَّيْتَ ما قبله على الفتح فقلت فى موسى وعيسى وحبلى مُوسَوْنَ وعِيسَوْنَ وحُبْلَوْنَ لا يجوز غير ذلك عند جميع النحويين وهو القياسُ وكلامُ العرب فأما كلام العرب فقولهم المُصْطَفَوْنَ والاعْلَوْنَ ورأيتُ المُصْطَفَيْن والاعْلَيْنَ وأما القياسُ فلأن الحرفَ الثابتَ فى الواحد ليس لنا حذفُه من الكلمة الا لضرورة عند اجتماع ساكنين وهو مُقَدَّر كقولنا راضُونَ ورامُونَ فلو قلنا عِيسُونَ ومُوسُون لكنا نقدّر حذفَ الالف فيهما من قَبْلِ دخول علامة الجمع ولو جاز هذا لجاز أن نقول فى حُبْلَى حُبْلات وفى سُكْرَى سَكْراتٌ وليس أحدٌ يقول هذا فوجب أن علامةَ الجمع انما تدخل على عيسَى وموسى والالفُ فيهما ثم تسقط الالفُ لاجتماع الساكنين ويبقى ما قبلها مفتوحا فان قال قائل انما تحذف هذه الالف تشبيها بحذف هاء التأنيث قيل له لو جاز ذلك لجاز أن تقول حُبْلاتٌ وقد ذكرنا السبب فى حذف هاء التأنيث* وأما الممدود فانك تقلب الهمزة واوا فيه اذا كانت المدة للتأنيث كما قلبت فى التثنية فتقول فى حمراء حَمْراوات وفى ورْقاء وَرْقاوات كما قالوا خَضْرَاوات وان كان ذلك اسمَ رجل جمعتَه بالواو والنون وقلبت الهمزة واوا أيضا فقلت وَرْقاوُون وحَمْراوُون ورأيتُ وَرْقاوِينَ وحَمْراوِينَ وذكر أن المازنى كان يُجيز فى وَرْقاوُون الهمزَ لانضمام الواو بعدها وهذا سهولان انضمامها لواو الجمع بعدها فهى بمنزلة ضمة الواو للاعراب أو لالتقاء الساكنين كقولك هؤلاءِ ذَوُوك

٨٠