المخصّص - ج ١٧

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٧

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

الأبِ نفسِه وكان أبو العباس محمد بن يزيد يقول ان سدوسَ اسمُ امرأةٍ وغَلَّطَ سيبويه وذَكَر عن الزجاج أن سلولَ اسمُ امرأة وهى بنتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبان قال أبو على وما غلط سيبويه فى شئ من هذه الاسماء أما سَدُوسُ فذكر محمد بن حبيب فى كتاب مختلف القبائل ومؤتلفها خَبَّرنا بذلك عنه أبو بكر الحلوانى عن أبى سعيد السُّكْرِىّ قال سَدُوسُ بْنُ دارِمِ بن مالك وَسَدُوسُ بنُ ذُهْلِ بن ثعلبة بن عُكابَة بن صَعْب بن عَلِىِّ بن بكر بن وائلٍ وفى طيئ سَدُوسُ بن أصْمَعَ بن أُبَىِّ بن عُبَيْد بن ربيعة ابن نَصْر بن سَعْدِ بْنِ نَبْهانَ* قال وأخبرنا أبو محمد السكرى عن على بن عبد العزيز عن أبى عبيد عن هشام بن محمد الكَلْبِىِّ فى نسب بنى تميم سَدَوسُ بْنُ دارمٍ فيمن عُدّ من بنى دارم وأما سَلُول فقال ابن حبيب وفى قيس سَلُولُ بن مُرَّة بن صَعْصَعة بن مُعوية بن بَكْر بن هَوازِنَ فهو رجل وفيهم يقول الشاعر

وإنا أُناسٌ لا نَرى القتلَ سُبَّةَ

إذا ما رأتْهُ عامِرٌ وسَلُولُ

يريد عامِرَ بْنَ صَعْصعةَ وسَلُولَ بن مُرَّة بن صَعْصعة* قال وفى قُضاعة سَلُولُ بِنْتُ زَبَّانَ بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن القَيْنِ بن جَسْرٍ وفى خُزاعة سَلُولُ ابن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة على أن سيبويه ذكر سَلُولَ فى موضع الاوْلَى به أن يكون مَرَّةً أبا ومَرَّةً أُمًّا لانه قال أما ما يضاف الى الآباء والامهات فنحو قولك هذه بَنُو تميم وهذه بَنُو سَلُولٍ فجمعَ الآباءَ والامهات وهو الذى يقتضيه الكلام وقال سيبويه مما يُقَوِّى أن اسم الاب يكون للقبيلة أن يونس زعم أن بعض العرب يقول هذه تميمُ بِنْتُ مُرٍّ وقَيْسُ بنتُ عَيْلَانَ وتَمِيمُ صاحبةُ ذاك لما جَعَلَها مؤنثا نَعَتَها ببِنْتٍ ومثلُ ذلك تَغْلِبُ بنتُ وائل ومما يُقَوِّى أنهم يجعلون اسم الاب أو الام اسما للحىّ أنهم يقولون باهلةُ بْنُ أعْصُرَ وباهلةُ امرأة وهى أم القبيلة فلما جعلها اسما للحىّ والحىّ مذكر مُوَحَّد وَصَفَها بابن لانه قد صار كلفظ الرجل وربما كان الاكثر فى كلامهم فى بعض الآباء أن يكون اسما للقبيلة وفى بعضهم يكون اسما للاب أو للحىّ فاذا قلت هذه سَدُوسُ فاكثرهم يجعله اسما للقبيلة واذا قلت هذه تميمٌ فأكثرهم يجعله اسما للاب واذا قلت هذه جُذامُ فهى كسَدُوسَ فاذا قلت من بنى

٤١

سدوسٍ أو بنى تميمٍ فالصرفُ لانك قَصَدْتَ قَصْدَ الابِ* قال سيبويه* وأما أسماءُ الاحْياءِ فنحوُ مَعَدٍّ وقُرَيْش وثَقِيفٍ وكُلِّ شئٍ لا يجوز لك أن تقول فيه من بنى فلان ولا هؤلاء بنو فلان فانما جعله اسْمَ حَىّ* اعلم أن الذى لا يقال فيه بنو فلان على ضربين أحدهما أن يكون لقبا للقبيلة أو للحى ولم يقع اسما ولا لقبا لأب والآخر أن يكون اسما لأب ثم غَلَب عليهم فصار كاللقب لهم واطُّرِحَ ذكُر الاب فاما ما يكون لقبا لجماعتهم فيجرى مرة على الحى ومرة على القبيلة فهو قريشٌ وثقيفٌ على أنه قد يقال انه اسم واحد منهم وأما ما كان اسما لرجل منهم فنحوُ مَعَدٍّ وهو مَعَدُّ بنُ عَدْنانَ وهو أبو قبائل ربيعة ومُضَر وكَلْبٍ وهو كلب بن وَبْرةَ ولا يستعمل فيه بنو وقد استعمل بعض الشعراء فقال

غَنِيَتْ دارُنا تِهامةَ فى الدَّهْرِ

وفيها بَنُو مَعَدٍّ حُلولا

فمن جعل هذه الاسماء لجملة القوم فهو يُجْريه مرةً اسما للحَىّ ومرةً اسما للقبيلة واذا جعله اسما للحى ذكر وصرف واذا كان اسما للقبيله أنث ولم يصرف على ما شرحتُ قبلُ قال الشاعر

غَلَبَ المَسامِيحَ الوَلِيدُ سَماحةً

وكفَى قُرَيْشَ المُعْضِلاتِ وسَادَها

وقال الشاعر أيضا

ولَسْنَا إِذا عُدَّ الحَصَى بأَقِلةٍ

وإنَّ مَعَدَّ اليومَ مُودٍ ذَلِيلُها

وقال زهير أيضا

تَمُدُّ عليهمْ من يَمِينٍ وأَشْمُلٍ

بُحُورٌ له من عَهْدِ عادَ وتُبَّعَا

فلم يصرف عادَ وتُبَّعَ لانه جعلهما قبيلتين ومثله قول الشاعر

لَوْ شَهْدَ عادَ فى زَمانِ عادِ

لابْتَزَّها مَبارِكَ الجِلَادِ

* قال سيبويه* وتقول هؤلاء ثَقِيفُ بنُ قَسِىٍّ فتجعلهُ اسْمَ الحَىِّ وتجعل ابن وَصْفًا كما تقول كُلٌّ ذاهِبٌ وبعضٌ ذاهبٌ وقال الشاعر فى وَصْفِ الحَىّ بواحد

بِحَىٍّ نُمَيْرِىٍّ عليه مَهابةٌ

جَمِيعٍ اذا كانَ اللِّئامُ جَنادِعَا

وقال الشاعر أيضا

٤٢

سَادُوا البلادَ فاصْبَحُوا فى آدَمٍ

بَلَغُوا بها بِيضَ الوُجُوهِ فُحولَا

فهذا جَعَلَ آدم قبيلة لانه قال بلغوا بها بيضَ الوجوه فانَّثَ وجَمَعَ وصَرَف آدمَ للضرورة* قال سيبويه* وقال بعضهم بَنُو عَبْدِ القَيْس لانه أبٌ كان الكَثيرُ فى كلامهم عبدَ القيس من غير أن يستعمل فيه بَنُو ويجوز بنو كما ذكرنا فى بَنِى مَعَدٍّ* قال فاما ثَمُود وسَبَأ فهما مرة للقبيلتين ومرة للحَيَّيْنِ وكثرتُهما سواءٌ وقال تعالى (وَعاداً وَثَمُودَ) وقال تعالى (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) وقال (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) وقال (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) وقال (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) فى مساكنهم» وقال (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وكان أبو عمرو لا يصرف سَبَأ يجعله اسما للقبيلة وقال الشاعر

مِنْ سَبَأَ الحاضِرِينَ مَأْرِبَ اذْ

يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ العَرِما

وقال أيضا فى الصرف

أَضْحَتْ يُنَفِّرُها الوِلْدانُ مِنْ سَبأٍ

كأَنَّهُمْ تَحْتَ دَفَّيْها دَحارِيجُ

ولو لا أن الوجهين فى الصرف ومَنْعِ الصرفِ مشهورانِ فى الكلام وقد أَتَتْ بهما القراءة ما كان فى صرف سَبَأ فى الشعر حجة

ومما غلب على الحى وقد يكون اسما

للقبيلة عَكٌ

وأنشد ابن السكيت

تَوَلَّيْتُمْ بوُدِّكُمْ وقُلْتُمْ

لَعَكٌّ مِنْكَ أقربُ أو جُذامُ

وليس هذا قاطعا لانك اذا سميت مؤنثا باسم ثلاثى ساكن الوسط كنت مخيرا فى الصرف وتركه ولا يَحْمِلُ على الصرف هنا ضرورةُ شِعْرٍ لانه لو قال لَعَّكُّ فلم يَصْرِف لكان من مَعْقُولِ الوافِر

٤٣

هذا باب ما لم يقع الا اسما للقبيلة كما أن عُمَانَ لم يقع

الا اسما لمؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها

وذلك مَجُوسُ ويَهُودُ وهما اسمان لجماعةِ أهل هاتينِ المِلَّتين كما أن قريشا اسم لجماعة القبيلة الذين هم وَلَدُ النَّضْر بن كنانة ولم يجعلا اسمين لمذكرين كما أن عُمَانَ اسم مؤنث وضعت على الناحية المعروفة بعُمانَ فلا يُصرف مَجُوسُ ويَهُودُ لاجتماع التأنيث والتعريف قال الشاعر

أَحارِ تَرى بُرَيْقًا هَبَّ وَهْنًا

كنارِ مَجُوسَ تَستَعِرُ اسْتِعمارا

وقال الانصارىُّ يَرُدُّ على عباس بن مِرْداسٍ وكان مَدَح بنى قُرَيْظة وهم يَهودٌ فمدَحَ الانصارىُّ المسلمين فقال

أولئك أَوْلَى من يَهُودَ بِمدْحةٍ

اذا أنتَ يوما قُلْتها لم تُؤَنَّبِ

ولو سميت بمجوس أو يهود أو عُمانَ لم تصرفه لاجتماع التأنيث والتعريف فيها كما أنك لو سميته بعقرب أو عَناق لم تصرفه واعلم أن يَهُودَ ومجوس قد يأتيان على وجه آخر وهو أن تجعلهما جمعا ليَهُودِىّ ومجوسىّ فتجعلهما من الجموع التى بينها وبين واحدها ياء النسبة كقولهم زَنْجِىٌّ وزَنْجٌ ورُومِىّ ورُومٌ وأعْرابِىّ وأعرابٌ فزَنْجِىٌّ واحدٌ وزَنْج جمع وأعرابى واحد وأعراب جمع فكذلك يهودىّ واحد ويهودٌ جمع فهذا مصروف وهو نكرة وتدخله الالف واللام للتعريف فيقال اليهود والمجوس كما يقال الاعراب والزنج والروم وهذا الجمع الذى بينه وبين واحده الياء كالجمع الذى بينه وبين واحده الهاء كقولنا تمرة وتمر وشَعيرة وشَعير وقد مضى الكلام فى نحوه وأما نصارى فهو عند سيبويه جمع نصران للمذكر ونصرانة للمؤنث والغالبُ فى الاستعمال النسبةُ نصرانىّ ونصرانية والاصل نَصْرانٌ ونَصْرانةٌ مثل نَدْمانٍ ونَدْمانةٍ فاذا جمعَ ردّ الى الاصل فيقال نَصارَى كما يقال نَدامَى قال الشاعر

فكِلْتا هُما خَرَّتْ وأَسْجَدَ رَأْسُها

كما سَجَدَتْ نَصْرانةٌ لم تَحَنَّفِ

٤٤

فجاء نَصارَى على هذا وان كان غير مستعمل فى الكلام كما جاء مَذاكِيرُ ومَلَامِحُ فى جمع ذَكَرٍ وَلَمْحة وليس بجمع لهما فى الحقيقة وتقديرهما أنهما جمعُ مذْكِيرٍ ومَلْمَحةٍ وان كانا غير مستعملين وقال غير سيبويه نَصارَى جمع نَصْرِىٍّ ونَصْرِيَّةٍ كما أن مَهَارَى من الابل جمع مَهْرِىٍّ ومَهْرِيَّةٍ وأنشد سيبويه فى أن نَصارَى جمعٌ نكرةٌ ليس مثلَ يهودَ ومجوسَ فى التعريف قولَ الشاعر

صَدَّتْ كما صَدَّ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ

سَاقِى نَصَارَى قُبَيْلَ الفِصْح صُوَّامِ

فوصف نَصارِى بِصُوَّام وهو نكرة وقد يقول هم اليهودُ والمَجُوسُ والنَّصارَى وهم يَهُودٌ ومَجُوسٌ كُلُّ ذلك على المعنى ومن هذا الباب الرُّومُ والعُرْبُ والعَربُ والعُجْمُ والعَجَمٌ لانها أسماء فأنثتْ على ذلك وكذلك يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وقالوا هم الأبْناءُ لأبناءِ فارسَ والنسبُ اليه أبْناوِىٌّ ولم يَرُدُّوه الى واحده لانه غَلَبَ فصار كاسم الواحد كما قالوا فى الانصار أنصارىّ وقالوا أَبناوِىٌّ لانهم توهموه قبيلةً فى حَدِّ النَّسَب

(ومن الانواع) الانُس والجِنُّ مؤنثان وفى التنزيل (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) وفيه (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) فاما قولهم جِنَّة فقد يكون الجُنُونَ وقد يكون جمعَ جِنٍّ كحِجَارٍ وحِجَارةٍ وقالوا جِنِّىٌّ وجِنٌّ وإنْسِىّ وإنْسٌ على حَدّ زَنْجِىّ وزَنْج والانثى بالهاء

هذا باب تسمية الارضين

اذا كان اسمُ الارضِ على ثلاثة أحرف خفيفة وكان مؤنثا أو كان الغالبَ عليه المؤنثُ كعُمانَ فهو بمنزلة قِدْرٍ وشَمْسٍ ودَعْدٍ* قال سيبويه وبَلغَنَا عن بعض المفسرين أن قوله تبارك وتعالى «اهْبِطُوا مِصْرَ» انما أراد مِصْرَ بعينها* قال أبو على وأبو سعيد اعلم أن تسمية الارضين بمنزلة تسمية الأناسِىّ فما كان منها مؤنثا فسميت باسم فهى بمنزلة امرأة سميت بذلك الاسم وما كان منها مذكرا فهو بمنزلة رجل سمى بذلك الاسم وانما يجعل مؤنثا ومذكرا على تأويل ما تَأَوَّلُ فيه فان تَأوّلْ فيه أنه بلد أو مكان فهو مذكر وقد يغلب فى كلام العرب فى بعض ذلك التأنيثُ حتى لا يستعمل التذكير وفى بعضه يغلب التذكيرُ ويقلُّ فيه استعمالُ التأنيث وفى بعضه يُسْتَعمل التأنيثُ والتذكير وربما كان التأنيثُ الاغلبَ فما غلب فيه التأنيثُ ولم يستعمل فيه

٤٥

التذكير عُمَانُ كانه اسم مؤنث كسُعادَ وزينب ومنها حِمْصُ وجُورُ وماهُ وهى غير منصرفة وان كانت على ثلاثة أحرف لانه اجتمع فيها التأنيث والتعريف والعُجْمة فعادلت العجمةُ سكونَ الاوسط فلم يُصْرَفْ فكذلك كل مؤنث من الآدميين اذا سميتها باسم أعجمى على ثلاثة أحرف وأوسطُها ساكن لم تصرفها فى المعرفة وصرفتها فى النكرة نحو خان ودَلّ وخُسّ وما أشبه ذلك اذا سميت بها امرأة أو غيرها من المؤنث ولم يجز فيها من الصرف ما جاز فى هِنْد وكذلك ان سميت امرأة بحِمْصَ أو جُور أو ماه لم تصرفها كما لا تصرفها اذا سميتها بدَلّ أو خان لان ذلك كلُه أعجمى ومن أجل ذلك لا تُصرف فارسُ ودِمَشْقُ لانهما أعجميان على أكثر من ثلاثة أحرف قال الشاعر

لِحَلْحلة القَتيلِ وابْنِ بَدْرٍ

وأهلُ دِمَشْقَ أنْدِيةٌ تَبِينُ

أراد اعْجَبُوا لحلحلة ومن ذلك واسِط التذكير غلب عليه والصرف لان اشتقاقه يدل على ذلك لانه مكانٌ وَسَطَ البَصْرةَ والكوفةَ فهو واسط لهما ولو كان مؤنثا لقيل واسطة ومن العرب من يجعلها اسْمَ أرض فلا يصرف كانه سمى الارض بلفظ مذكر كامرأة يسميها بواسطٍ وقد كان ينبغى على قياس الاسماء التى تكون صفاتٍ فى الاصل أن تكون فيه الالف واللام كما يقال الحَسَنُ والحارِثُ وما أشبه ذلك دخلت الالفُ واللامُ لانها صفاتٌ غالبة ولكن سمى المكان بصفته والعرب قد تفعل هذا لانهم ربما قالوا العباس وعَبَّاس والحسنُ وحَسَنٌ وقد قال الشاعر

ونابِغةُ الجَعْدِىُّ بالرَّمْلِ بَيْتُه

عليه تُرابٌ من صَفِيح مُوَضَّعُ

وهو النابغة بالالف واللام على أنه صفة غالبة ولكنه سماه بنابغةَ الذى هو صفة فخرج عن باب الصفة الغالبة ولم يذكر سيبويه واسطا آخرَ غير الذى بين البصرة والكوفة وقد حَكى غيرُه واسطا بنَجْدٍ وقيل هو موضع بالشام قال الشاعر فيه وهو الاخطل

عَفَا واسطُ من آلِ رَضْوَى فَنَبْتَلُ

فمُجْتَمَعُ الحُرَّيْنِ فالصَّبْرُ أَجْمَلُ

ويجوز أن يكون واسطٌ بين مكانين آخرين وقد حكى بعضهم فيه التأنيثَ* ومما يغلب فيه التذكير والصرف دابِقٌ قال الراجز

٤٦

* ودَابِقٌ وأَيْنَ مِنِّى دابِقُ*

وكذلك مِنِّى الصرف والتذكير فيه أجود وان شئت أنثت وهَجَرُ يؤنث ويذكر قال الفرزدق

مِنْهُنَّ أيامُ صِدْقٍ قد بُلِيتَ بها

أيامُ فارسَ والايامُ منْ هَجَرا

فهذا أنث* قال سيبويه* وسمعنا من العرب من يقول كجالبِ التَّمْر الى هَجَرٍ يافتى قال أبو حاتم هو فارسى معرّب انما هو أَكَّرُ أو أَكَرُ ومثل للعرب  ـ  «سِطِى مَجَرْ تُرْطِبْ هَجَرْ» يريد تَوَسَّطِى السماءَ يا مَجَرَّةُ ولم يقل يُرْطِبْ بالياء وذلك أن المَجَرَّة اذا تَوَسَّطَتِ السماءَ فذلك وقتُ إرْطابِ النخل وأما حَجْرُ اليمامة وهو قَصَبةُ اليَمامة فيذكر ويُصْرف ومنهم من يؤنث فيُجْرِيه مُجْرَى امرأةٍ سميت بعَمْرٍ ولان حَجْرًا شئ مذكر سمى به المذكر* قال سيبويه* فمن الارَضِينَ ما لا يكون الا على التأنيث نحو عُمَانَ والزَّابِ ومنها ما لا يكون الا على التذكير نحو فَلْجٍ وما وقع صفةً كواسطٍ ثم صار بمنزلة زيد وعمرو وأُخرج الالفُ واللام منه وجعل كنابغةَ الجَعْدِىِّ وأما قُبَاءٌ وحِرَاءٌ فقد اختلف فيهما العرب فمنهم من يذكر ويصرف وذلك أنهم جعلوهما اسمين لمكانين كما جعلوا واسطا بلدا ومكانا ومنهم من أنث ولم يصرف وجعلهما اسمين لبُقْعَتَيْنِ من الارض قال الشاعر

سَتَعْلَمُ أَيُّنا خَيْرٌ قَدِيماً

وأَعْظَمُنا ببَطْنِ حِراءَ نارا

وكذلك أُضَاخُ فهذا أَنَّثَ وقال غيره فذكر

* ورُبَّ وَجْهٍ مِنْ حِراءٍ مُنْحَنِى*

* قال أبو حاتم* التذكير أعرف قال وقُبَاءٌ بالمدينة وقُباءٌ آخر فى طريق مكة فاما قول الشاعر

* فلَأَبْغِيَنَّكُمُ قُبًا وعُوَارِضا*

فهو موضع آخر وهو مقصور ورواية سيبويه قَنًا وهو موضع أيضا* قال سيبويه* وسألتُ الخليل فقلت أرأيتَ من قال هذه قُباءُ يا هذا كيف ينبغى له أن يقول اذا سمى به رجل قال يَصْرِفُه وغَيْرُ الصرفِ خطأ لانه ليس بمؤنث معروف فى الكلام لكنه مشتق كجُلَّاسٍ وليس شيئًا قد غَلَب عندهم عليه التأنيثُ كسُعَادَ وزينبَ ولكنه مشتق

٤٧

يحتمله المذكر ولا ينصرف فى المؤنث كهَجَر وواسط ألا ترى أن العرب قد كفتك ذلك لما جعلوا واسطا للمذكر صرفوه فلو علموا أنه شئ للمؤنث كعَناقٍ لم يصرفوه أو كان اسما غلب عليه التأنيثُ لم يصرفوه ولكنه اسم كغُرابٍ ينصرفُ فى المذكر ولا ينصرف فى المؤنث فاذا سميتَ به الرجلَ فهو بمنزلة المكانِ* وكَبْكَبُ اسم جبل مؤنث معرفة قال الاعشى

* يَكُنْ ما أساءَ النارَ فى رأسِ كَبْكَبَا*

وقيل هو مذكر وانما أنث على ارادة الثَّنِيَّةِ أو الصخرة فترك صرفه لذلك* وشَمَامِ مبنية على الكسر اسم جبل مؤنث معرفة* وكذلك وَبارِ وسيأتى ذكرهما وسَلْمَى وأَجَأُ جبلانِ لطَئِّى معروفانِ مؤنثان قال

أَبَتْ أَجَأُ أن تُسْلِمَ العامَ جارَها

فمن شاءَ فلْيَنْهَضْ لها مِنْ مُقاتِلِ

قال أبو حاتم أَجَا تهمز ولا تهمز وقد يجوز أن يكون حَمله على ذلك قولُ أبى النجم

* قد حَيَّرتْهُ جِنُّ سَلْمَى وأَجا*

فان كان ذلك فليس بدليل قاطع لانه خفف همزة أَجَأ لاقامة الرَّوِىِّ* فأما ثَبِيرٌ فمذكر قال أبو حاتم لُبْنُ  ـ  اسم جبل مؤنث فلذلك لم يصرف فى أشعار الفصحاء قال الراعى

* كَجَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلَالا*

قال أبو العباس لُبْنان  ـ  جبل فى الشام ولُبْنَى آخَرُ بنَجْدٍ ولُبْنُ محذوفة منهما وانما ذهب طُفَيْلٌ والراعى الى الترخيم فى غير النداء اضطرارا وقد يجوز صرفه على قول أبى حاتم من أنه اسم مؤنث لانه اسم على ثلاثة أحرف ساكن الاوسط كهند* وحَوْرانُ مذكر قال امرؤ القيس

فلما بدا حَوْرانُ والآلُ دُونَهُ

نَظَرْت فلم تَنْظُرْ بعَيْنَيْكَ مَنْظَرا

فقال دونه ولم يقل دونها وترك الصرف لان فى آخره ألفا ونونا زائد تين وليس قول من زعم أن كل اسم بلدة فى آخره ألف ونون يذكر ويؤنث بصواب* والعِراقُ مذكر عند أكثر العرب قال الشاعر

انَّ العِراقَ وأَهْلَه

عُنُقٌ إلَيْكَ فهَيْتَ هَيْتَ

٤٨

والشأم مذكر فى أكثر كلام العرب قال الشاعر

* كانما الشامُ فى أَجْنادِه البَغَرُ*

وكذلك الحجازُ واليَمَنُ ونَجْدٌ والغَوْرُ والحِمَى فأما نَجْرانُ وبَيْسانُ وحَرَّانُ وخُراسانُ وسِجِسْتانُ وجُرْجانُ وحُلْوانُ وهَمَذَانُ وبابِيلُ وبابِلُ والصِّينُ فكلها مؤنثة والفَرْجانِ مذكران وهما السِّنْدُ وخُراسانُ قال

* عَلَى أَحَدِ الفَرْجَيْنِ كانَ مُؤَمِّرى*

ولم يقل إحدى

هذا باب تسمية الحروف والكلم التى تستعمل وليست

ظروفا ولا أسماءا غير ظروف ولا أفعالا

فالعربُ تختلف فيها يؤنثها بعض ويذكرها بعض كما أن اللسان تذكر وتؤنث زعم ذلك يونس وأنشد

* كافًا ومِيمَيْنِ وسِينًا طاسِمَا*

فذكرها ولم يقل طاسمة وقال الراعى

* كما بُيِّنَتْ كافٌ تَلُوحُ ومِيمُها*

فقال بُيِّنَت فأنث وزعم الاصمعى وأبو زيد أن التأنيث فيها أكثر والمعتمدُ بهذا الباب الكلامُ على الحروف اذا جعلت أسماءا وجعلُها أسماءًا على ضربين أحدهما أن يخبر عنها فى نفسها والآخر أن يسمى بها رجل أو امرأة أو غير ذلك فأما ان خُبِّرَ عنها وجُعلتْ أسماء ففى ذلك مذهبان أحدهما التأنيث على تأويل الكلمة والتذكير على تأويل حرف وعلى ذلك جملةُ حروفِ التهجى وتدخل فى ذلك الحروف التى هى أدواتٌ نحو انَّ وليتَ ولو ونَعَمْ وما أشبه ذلك فاذا سميت بشئ من ذلك مذكرا صرفته وان سميت به مؤنثا وقد جعلته فى تأويل كلمة أوسطها ساكن صرفها من يصرف هندا ومَنَع صرفَها من يمنع صرفَ هند كامرأة سميتها بليت أو انّ وما أشبه ذلك وان تأوّلتها تأويل الحرف وسميت بها مؤنثا كان الكلام فيها كالكلام فى امرأة سُمّيتْ

٤٩

بزيد وإن خَبَّرْتَ عنها فى نفسِها ففيها مذهبان إن شئت حكيتها على حالها قبل التسمية فقلت هذه ليتَ وليتَ تنصب الاسماءَ وترفع الاخبارَ وإنَّ تنصب الاسماء وان شئت أعربتها فقلت ليتٌ تنصب الاسماءَ وترفع الاخبار فمن تركها على حالها حكاها كما يحكى فى قولك دَعْنِى من تَمْرَتانِ  ـ  أى دعنى من هذه اللفظة وكذلك اذا قال ليت تنصب فكانه قال هذه الصيغة تَنْصِب وما كان من ذلك على حرفين الثانى منهما ياء أو واو أو ألف اذا حكيتَ لم تُغَيِّرْ فقلتَ لو فيها معنى الشرط وأو للشك وفى للوعاء فلم تغير شيئا منها وان جعلتها أسماءا فى اخبارك عنها زدت عليها فصيرتَها ثلاثية لانه ليس فى الاسماء اسم على حرفين والثانى منهما ياء ولا واو ولا ألف لان ذلك يُجْحفِ بالاسم لان التنوينَ يدخله بحَقِّ الاسميةِ والتنوين يُوجب حذفَ الحرف الثانى منه فيبقَى الاسمُ على حرف واحد مثالُ ذلك أنا اذا جعلنا لَوْ اسما ولم نَزد فيه شيئا ولم نَحْكِ اللفظَ الذى لها فى الاصل أعربناها فاذا أعربناها تحركت الواو وقبلها فتحة فانقلبتْ ألفا فتصير لا ثم يدخله التنوين بحقِّ الصرفِ فتصيرلاً يا هذا فيبقى حرف واحد وهو اللام والتنوينُ غير معتدّ به واذا سمينا بأو أو بلا لزمها ذلك أيضا فقلتَ أَولاً واذا سميتَ بفِى ولم تَحْكِ ولم تزد فيها شيئا وجب أن تقول فٍ يا هذا كما تقول قاضٍ يا هذا فلما كان فيها هذا الاجحاف لو لم يُزَدْ فيها شئٌ زادوا ما يُخْرجه عن حدّ الاجحاف فجعلوا ما كان ثانيه واوا يُزاد فيه مثلُها فيشدّد وكذلك الياء كقولك فى لَوْلَوٌّ وفى كَىْ كَىٌّ وفى فِى فِىٌّ وما كان الحرف الثانى منه ألفا زادوا بعدها همزة والتقدير أنهم يزيدون ألفا من جنسها ثم تقلب همزة فيقال فى لا لاءٌ وفى ما ماءٌ قال الشاعر

عَلِقَتْ لَوًّا تُرَدِّدُهُ

إنَّ لَوًّا ذاكَ أعْيانا

وقال غيره أيضا

لَيْتَ شِعْرِى وأَيْنَ مِنِّىَ لَيْتٌ

إنَّ لَيْتًا وإنَّ لَوًّا عَناءُ

فان قال قائلٌ فما قولكم فى امرأة سميت بشئ من هذه الحروف على مذهب من لا يصرف هل يلزم التشديدُ والزيادةُ أم لا فالجواب أن التشديد والزيادة لا زمان فان قال فلم زدتم وليس فيه تنوين ومن قولكم إن الزيادةَ وجبتْ لان التنوين

٥٠

يُذهب الحرفَ فيكون إجحافا فالجواب أن المرأة اذا سميت بذلك يجوز أن تنكر فدخلها التنوين ولا يجوز أن يكون الاسم يتغير فى التنكير عن لفظه وبنيته فى التعريف واستشهد سيبويه فى أن هذه الحروف تؤنث بقول الشاعر

لَيْتَ شِعْرِى مُسَافِرَ بْنَ أبى عَمْرٍو* ولَيْتٌ يقُولُها المَحْزُونُ

فأنث يقولها وقد أنْشدْنا قولَ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ

* عَلِقَتْ لَوًّا تُرَدِّدُهُ*

فذكره وقال أعيانا فذكر أيضا ويُنْشَدُ مُسافِرُ بْنُ أبى عَمْرٍ وبالرفع والنصب فمن رفع فتقديره ليتَ شِعْرِى خَبَرُ مُسافِرِ بن أبى عمرو فحذف الخبر وأقام مسافر مُقامه فى الاعراب ومن نصب نصبه بشِعْرِى وحذف الخبر* قال سيبويه* وسألت الخليل عن رجل سمى بأنَّ مفتوحة فقال لا أَكْسِرُه لان أنَّ غير إن وانما ذكر هذا لان أنَّ فى الكلام لا تقع مبتدأة قبل التسمية وانما تقع المكسورة مبتدأة فذكر ذلك لئلا يَظُنَّ الظانُّ أنها اذا سمى بها رجل كُسِرَتْ مبتدأةً وانما سبيل أنَّ سبيل اسم وسبيل إن سبيل فِعْلٍ فاذا سمينا بواحد منهما لم يقع الآخرُ موقعه بعد التسمية كما أنا نقول هذا ضارب زيدا وهذا يضرب زيدا ومعناهما واحد وأحد اللفظين ينوب عن الآخر فى الكلام فلو سمينا رجلا بيضرب لم يقع موقعه ضارب وبعض العرب يهمز فى مثل لَوْ فيجعل الزيادة المحتاجَ الى اجتلابها همزةً فيقول لَوْءٌ وما جرى مجرى هذه الحروف من الاسماء غير المتمكنة فحكمه كحكم الحروف نحو هِىَ وهُوَ اذا سمينا بواحد منهما أو أخبرنا عن اللفظ فجعلناه اسما فى الاخبار فنقول هُوٌّ ونقول هِىٌّ فان سمينا مؤنثا بهى فمنزلتها منزلة هند ان شئنا صرفنا وان شئنا لم نصرف لانها مؤنثة سمى بها مؤنث وكان سيبويه يذهب فى الحروف التى ذكرناها كَلَوْ وفى وليت وما أشبه ذلك وفى حروف المعجم أنها تؤنث وتذكر كما أن اللسان يؤنث ويذكر ولم يَجْعَلْ أحدَ الامرين أولى من الآخر وكان أبو العباس محمد بن يزيد فيما ذُكِرَ عنه يَذْهَبُ الى أن ليت وما جرى مجراها من الحروف مذكرات وأن قوله

* وليتٌ يقولُها المحزونُ*

٥١

انما أنت على تأويل الكلمة والقولُ هو الاولُ وان سميتَ رجلا ذُو وذُو تذكر وتؤنث فان سيبويه يذهب الى أن يقال هذا ذَوًا ورأيت ذَوًا ومررت بذَوًا بمنزلة عَصًى ورَحًا ويذكر أن أصله فَعَلٌ فى البِنْية ويستدل على ذلك بقولهم هاتانِ ذَواتا مالٍ كما يقال أَبَوانِ وأَبٌ فَعَلٌ وكان الخليل يقول هذا ذَوٌّ فيجعله فَعْلاً بتسكين العين وكان الزجاج يذهب مذهبَ الخليل ومن حجة الخليل أن الحركة غير محكوم بها إلا بثَبَتٍ ولم يقم الدليل على أن العين متحركة وذَكَرَ من يَحْتَجُّ له أنَّ الاسمَ اذا حُذفَ لامه ثم ثُنِّىَ فَرُدَّ اليه اللامُ حركت العين وان كان أصل بنيتها السكون كقوله

يَدَيَانِ بالمَعْرُوفِ عند مُحَرِّقٍ

قَدْ تَمْنَعانِكَ أَنْ تُضَامَ وتُضْهَدَا

ويَدٌ عندهم فَعْلٌ فى الاصل ولكنها لما حذفت لامُ فَعْلٍ فوقع الاعراب على الدال ثم رَدُّوا المحذوف لم يَسْلَبوا الدالَ الحركَة* قال وسألته عن رجل اسمه فُو فقال العرب قد كفتنا أَمْرَ هذا لَمَّا أفردوه قالوا فَمٌ فابدلوا الميم مكان الواو ولو لا ذلك لقالوا فَوْه لان الاصل فى فم فَوْه لانهم يقولون أَفْواهٌ كما يقولون سَوْطٌ وأَسْواط فمذهبه اذا سمى بفُوأن يقال فَمٌ لا غير وكان الزجاج يُجيز فَمٌ وفَوْهٌ على مذهب سَوْط وأسواط وحَوْض وأحْواض وانما ذكرنا فُو فى هذا الباب وان لم يكن من الحروف لمشاكلته لها فى الحذف والقلة* قال سيبويه* وأما البا والتا والثا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فاذا صرن أسماء امُدِدْنَ كما مُدَّتْ لَا إلا أنهنّ اذا كنَّ أسماءا فهن يجرين مجرى رجل ونحوه ويكنَّ نكرة بغير الالف واللام ودخولُ الالف واللام فيهن يدلك على أنهنّ نكرة اذا لم يكن فيهنّ ألفٌ ولام فأُجْرِيَتْ هذه الحروفُ مُجْرَى ابن مَخاض وابن لَبُون وأجريت الحروف الاول مُجْرى سامِّ أَبْرَصَ وأُمِّ حُبَيْنٍ ونحوهما ألا ترى أن الالف واللام لا يدخلان فيهن* قال أبو على* اعلم أن حروف التهجى اذا أردت التهجى مبنياتٌ لانهن حكاية الحروف التى فى الكلمة والحروفُ فى الكلمة اذا قُطّعَتْ كلُّ حرف منها مبنىٌّ لان الاعراب انما يقع على الاسم بكماله فاذا قصدنا الى كل حرف منها بنيناه وهذه الحروف التى ذكرها من الباء الى الغاء اذا بنيناها فكل واحد منها على حرفين الثانى منهما ألف فهى بمنزلة لا وما فاذا جعلناها أسماءًا

٥٢

مددنا فقلنا باء وتاء كما نقول لاءٌ وماءٌ اذا جَنَحْنا الى جعلها أسماءا وتدخلها الالف واللام فتتعرف وتخرج عنها فتتنكر وما مضى من الحروف نحو ليت ولو لا يدخلها الالف واللام فجعل سيبويه حروف التهجى نكرات الا أن يدخل عليها الالف واللام فجرى مجرى ابن مخاض وابن لبون فى التنكير وجعل لو وليت معارف فجرى مجرى سامٍ أَبْرَصَ وأُمِّ حُبَيْنٍ لانهن مشتركات فى الامتناع من دخول الالف واللام والفرق بينهما أن الباء قد توجد فى أسماء كثيرة فيكون حكمها وموضعها فى كل واحد من الاسماء على خلاف حكمها فى الآخر كقولنا بَكْرٌ وضَرْبٌ وحِبْرٌ وغير ذلك من الاسماء والافعال والحروف فلما كثرت مواضعها واختلفت صار كل واحد منها نكرة وأما ليت ولو وما أشبه ذلك فهن لوازم فى موضع واحد ومعنى واحد وما استعمل منها فى أكثر من موضع فذلك ليس بالشائع الكثير ومواضعه تتقارب فيصير كالمعنى الواحد ومثل ذلك أسماء العدد اذا عددتَ فقلت واحد اثنان ثلاثة أربعة تبنيها لانك لست تخبر عنها بخبر تأتى به وإنما تجعله فى العبارة عن كل واحد من الجمع الذى تعدّه كالعبارة عن كل واحد من حروف الكلمة اذا قَطَّعتها وذكر سيبويه أنه يقال واحد اثنان فيُشَمُّ الواحدُ الضَّمَّ وان كان مبنيا لانه متمكن فى الاصل وما كان متمكنا اذا صار فى موضع غير متمكن جعل له فضيلة على ما لم يكن متمكنا قط* قال* وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب ثلاثة اربعه فطرح همزة أربعة على الهاء من ثلاثة ولم يحوّلها مع التحريك ومثل ذلك قول الشاعر

خرَجْتُ من عندِ زيادٍ كالخَرِفْ

تَخُطُّ رِجْلاىَ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ

* تُكَتِّبَانِ فى الطَّرِيق لامَ الِفْ*

فألقى حركةَ ألف على ميم لام وكانت ساكنة ففتحها وليست هذه الحركةُ حركةً يُعْتَدُّ بها وانما هى تخفيف الهمز بالقاء الحركة على ما قبلُ من أجل ذلك قالوا ثلاثةَ اربعة لان النية أنها ساكنة وانما استعيرت الهاء لحركة الهمزة وذكر عن الاخفش انه كان لا يُشِمُّ فى واحد اثنان وذكر أبو العباس ونسبه الى المازنى أنه لا يُحَرِّكُ الهاء من ثلاثة بالقاء حركة الهمزة عليها من أربعة قال الفارسى وهذا ان كان

٥٣

صحيحا عنه فهو بَيّنُ الفَساد لان سيبويه حكى عن العرب ثلاثةَ اربعة وأنشد

* فى الطريقِ لامَ الِفْ*

وقد ألقى حركة الهمزة على ما قبلها* قال سيبويه* وأما زاى ففيها لغتان منهم من يجعلها فى التهجى ككَىْ فيقول زَىْ ومنهم من يقول زاىٌ فيجعلها بمنزلة واو* قال أبو على* أما من قال زَىْ فهو اذا جعلها اسما شَدَّد فقال زَىٌّ واذا جعلها حرفا قال زَىْ على حرفين مثل كَىْ وأما زاىٌ فلا تتغير صيغته وأما مَنْ ومِنْ وأنْ وإنْ ومُذْ وعن ولم ونحوُهن اذا كنَّ أسماءا لم تغير لانها تشبه الاسماء كَيْدٍ ودَم تقول فى رجل سميناه مِنْ هذا مِنْ ولم ومُذْ ولا تزيد فيها شيئا لان فى الاسماء المتمكنة ما يكون على حرفين كيدٍ ودَم وما كان على ثلاثة فهو أولى أن لا يزادُ فيها نحو نَعَمْ وأَجَلْ وكذلك الفعل الذى لا يتمكن نحو نِعْمَ وبئس

هذا باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها

من الاسماء

اعلم أنك اذا سميت كلمة بخَلْفَ أو فَوْقَ أو تَحْتَ لم تصرفها لانها مذكرات وجملةُ هذا أن الظروف وغيرها فيها مذكرات ومؤنثات وقد يجوز أن يُذْهَب بكل كلمة منها الى معنى التأنيث بان تُتأَوَّلَ أنها كلمة والى معنى التذكير بان تُتأَوَّل أنها حرف فان ذهبتَ الى أنها كلمةٌ فسميتها باسم مذكر على أكثر من ثلاثة أحرف أو ثلاثة أحرف أوسطها متحرّك لم تَصْرف كما لا تصرف امرأةً سميتها بذلك وان سميتها بشئ مذكر على ثلاثة أحرف أوسطُها ساكنٌ وقد جعلتها كلمةً فحكمُها حكمُ امرأة سميتها بزيد فلا تصرفها على مذهب سيبويه وما كان على حرفين فهو بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف أوسطُها ساكنٌ فمن المذكر تَحْتُ وخَلْفُ وقَبْلُ وبَعْدُ وأينَ وكيفَ وثَمَّ وهُنَا وحَيْثُ وكُلٌّ وأَىٌّ ومُنْذُ ومُذْ وقَطُّ وقَطْ وعِنْدَ ولدَى ولَدُنْ وجميعُ ما ليس عليه دلالةٌ للتأنيث بعلامة أو فِعْلٍ له مؤنثٍ* ومن الظروف المؤنثة قُدَّام ووَراء لانه يقال

٥٤

فى تصغيرها قُدَيْدِيمة ووُرَيِّئة مثلُ وُرَيِّعةٍ ومنهم من يقول وُرَيَّة مِثْل جُرَيَّة فلما أدخلوا الهاء فى هذين الحرفين ولم يُدْخلوا فى تُحَيْت وخُلَيْف ودُوَيْن وقُبَيْل وبُعَيْد علمنا أن ما دخل عليه الهاءُ مؤنث والباقى مذكر فان قال قائل فكيف جاز دخول الهاء فى التصغير على ما هو أكثر من ثلاثة أحرف قيل له المؤنث قد يدل فعله على التأنيث وان لم يصغر ولم تكن فيه علامة التأنيث كقولنا لَسَبَتِ العقربُ وطارتِ العُقابُ والظروف لا يخبر عنها باخبار يدل على التأنيث فلو لم يدخلوا عليها الهاء فى التصغير لم يكن على تأنيثها دلالة وان أخبرنا عن خَلْف وفَوْق وسائر ما ذكرنا من المذكر وقد جعلناها كلمة لم نصرفها على قول سيبويه وعلى قول عيسى بن عمر ما كان أوسطُه ساكنا وهو على ثلاثة أحرف جاز فيه الصرفُ وتَرْكُ الصرفِ كهندٍ فعلى مذهب سيبويه نقول هذه خَلْفُ وفوقُ وثَمُّ وقَطُّ وأَيْنُ وجِئْتُه من خَلْفَ ومن تَحْتَ ومن فَوْقَ وذلك أنها معارفُ ومؤنثاتٌ وان جعلنا هذه الاشياء حروفا وقد سميناها بهذه الاسماء المذكرة التى ذكرناها فانها مصروفة لان كل واحد منها مذكر سمى بمذكر وأما قُدَّامُ ووَرَاءُ فسواءٌ جعلتهما اسمين لكلمتين أو لحرفين فانهما لا ينصرفان لانهما مؤنثان فى أنفسهما وهما على أكثر من ثلاثة أحرف فان جعلناهما اسمين لمذكرين أو لمؤنثين لم ينصرفا وصارا بمنزلة عَناقٍ وعَقْرب ان سمينا بهما رجلين أو امرأتين لم ينصرفا هذا قول جميع النحويين فى الظروف فاما أبو حاتم فقال الظروف كلها مذكرة الا قُدَّامَ ووراءَ بالدليل الذى قدمنا من التصغير قال وزعم بعض من لا أثق به أن أمامَ مؤنثة وما كان من ذلك مبنيا فلك أن تَدَعَه على لفظه ولا تَنْقُلَه الى الاعراب كقولك ليتَ غير نافعة ولَوْ غير مُجْدِية ولك أن تقول ليتُ غيرُ نافعةٍ وَلَوٌّ غير مُجْدِيةِ اذا جعلتهما اسما للكلمتين تضم ليت ولو بغير تنوين ولا تصرفه على مذهب سيبويه وعلى مذهب عيسى لَيْتٌ ولَوٌّ ولَيْتُ ولَوُّ منونةً وغيْرَ منوّنة وان قلت ليتٌ ولَوٌّ غير نافعين وقد جعلتهما للحرفين صرفتهما باجماع ونَكَّرْتَ فقلت لَيْتٌ ولَوٌّ غيرُ نافعين وتقول ان اللهَ يَنْهَاكُمْ عن قِيلٍ وقالٍ ومنهم من يقول عن قِيلَ وقالَ لَمَّا جَعَلَه اسما وأنشد سيبويه

٥٥

أصْبَحَ الدَّهْرُ وقد أَلْوَى بِهِمْ

غيرَ تَقْوا لِكَ مِنْ قِيلٍ وقالِ

قال سيبويه والقوافى مجرورة وقد أنكر المبردُ احتجاجَ سيبويه بجر القوافى على خفض قيل فذكر أنه يجوز أن تكون القافية موقوفة وتكون اللام من قِيلَ مفتوحة فتقول من قِيلَ وقالْ وقد رَدَّ الزجاجُ عليه ذلك فقال لا يجوز الخينُ فى فاعلان من الرمل فاذا قلنا قيلَ وقالْ وجعلنا اللام موقوفة فقد صار فَعِلَانْ مكان فاعِلانْ واذا أطلقناها صار فاعلاتن ومن قال ينهاكم عن قيلَ وقالَ قال لم أسمع به قِيلاً وقالاً وفى الحكاية قالوا مُذْ شُبَّ الى دُبَّ وإن جعلتهما اسمين قلتَ مُذْشُبٍّ الى دُبٍّ وهذا مَثَلٌ كأنه قال مُذْ وَقْتِ الشبابِ الى أن دَبَّ على العصا من الكِبَر* قال سيبويه* وتقول اذا نظرتَ الى الكتابِ هذا عَمْرٌ وانما المعنى اسمُ عمرو وهذا ذِكْرُ عَمْرٍو ونحو هذا الا أنه يجوز على سَعةِ الكلامِ كما تقول جاءت القريةُ وأنت تريد أهلَها وان شئت قلت هذه عمرو أى هذه الكلمة اسم عمرو كما تقول هذه ألْفٌ وأنت تريد هذه الدراهمُ ألْفٌ وان جعلته اسما للكلمة لم تصرف وان جعلته للحرف صرفته* قال سيبويه* وأبو جادٍ وهَوَّازٌ وحُطِىٌّ بياء مشددة كعمرو فى جميع ما ذكرنا وحالُ هذه الاسماء حالُ عمرو وهى أسماء عربية وأما كَلَمُونُ وصَعْفَضُ وقُرَيسِياتُ فانهن أعجميات لا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا الا أن قُرَيْسِياتٍ بمنزلة عَرَفاتٍ وأذْرِعاتٍ* قال أبو سعيد* فصل سيبويه بين أبى جادٍ وهَوَّازٍ وحُطِّىٍّ فجعلهنَّ عربياتٍ وبين البواقى فجعلهن أعجميات وكان أبو العباس يُجيز أن يكنَّ كُلُّهنّ أعجمياتٍ وقال بعض المحتجين لسيبويه انه جعلهن عربيات لانهن مفهوماتُ المعانى فى كلام العرب وقد جَرَى أبو جادٍ على لفظ لا يجوز أن يكون الا عربيا تقول هذا أبو جاد ورأيت أبا جاد وعجبت من أبى جاد قال الشاعر

أتَيْتُ مُهاجِرِينَ فَعَلَّمُونِى

ثلاثةَ أحرفٍ مُتتابعاتِ

وخَطُّوا لى أبا جادٍ وقالوا

تَعَلَّمْ صَعْفَضا وقُرَيْسياتِ

قال أبو سعيد والذى يقول انهن أعجمياتٌ غير مُبْعدٍ عندى ان كان يريد بذلك أن الاصل فيها العُجْمه لان هذه الحروفَ عليها يقع تعليمُ الخَطّ بالسُّريانى وهى معارف

٥٦

وكذلك جميع ما ذكرناه من الحروف مما لا يدخله الالفُ واللامُ وما كان يدخله الالف واللام فانه يكون معرفةً بهما ونكرةً عند عدمهما كالالف والباء والتاء ان شاء الله تعالى

ومن المؤنث المضمر من غير تقدم ظاهر يعود اليه

وليس من المضمر قبل الذكر على الشريطة

التفسيرية ولكن للعلم به

وذلك قوله تعالى (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) يعنى الشمس و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) يعنى الارض وزعم الفارسى أن قوله تعالى (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) من هذا الباب* أبو حاتم* وقول الناس لا يُفلح فلان بعدها يريدون بعد فَعْلته التى فَعَلَ أو بعد هذه المرّة وكذلك قولهم لا تَذْهَب بها أى بفَعْلَتك التى فعَلْتَ ومثل ذلك قولهم والله لَتُتْخِمَنَّها يعنى هذه الاكْلة والفَعْلة وأما قولُهم أصبحتْ حارَّةً وأصبحتْ باردةً وأمْسَتْ مُقْشَعرّة فانهم يريدون الريح أو الدنيا أو الارض أو البلدة أو البقعة ونحو ذلك وكذلك قوله تعالى (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) يريد ظهر الارض وكذلك ما بها مثلُك أى بالبلدة ومَلَأْتها عَدْلاً أى هذه البلدة أو هذه الارض أو البقعة ومثل ذلك ما يَمْشِى فوقَها مِثْلُكَ

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث

اعلم أن كل مذكر سميته بمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا لم ينصرف وذلك أن أصلَ المذكر عندهم أن يسمى بالمذكر لانه شَكْلُه والذى يلائمه فلما عدلوا عنه ما هو له فى الاصل وجاؤا بما لا يلائمه ولم يك متمكنا فى تسمية المذكر فعلوا ذلك به كما فعلوا ذلك بتسميتهم إياه بالمذكر فتركوا صرفه كما تركوا صَرْفَ الاعجمى فمن ذلك عَنَاق وعَقْرب وعُقاب وعَنْكبوت وأشباهُ ذلك وهذا الباب مشتمل على أن ما سمى

٥٧

بمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا لم ينصرف فى المعرفة وانصرف فى النكرة وشرطُ ذلك المؤنث أن يكون اسما موضوعا للجنس أو مصروفا لتعريف المؤنث ولم يكن منقولا الى المؤنث عن غيرها فاذا كان من المؤنث اسما لجنس نحو عناق وعقرب وعُقاب وعنكبوت اذا سميت بشئ منهن أو ما يشبههن رجلا أو سواه من المذكر لم ينصرف فى المعرفة وانصرف فى النكرة وأما ما صيغ لتعريف المؤنث ولم يكن قبل ذلك اسما فنحو سُعَادَ وزينب وجَيْأَل وتقديرها جيعل اذا سميت بشئ من هذا رجلا لم ينصرف فى المعرفة لان سعاد وزينب اسمان للنساء ولم يوضعا على شئ يعرف معناه فصارا لاختصاص النساء بهما بمنزلة اسم الجنس الموضوع على المؤنث وجَيْأل اسم معرفة موضوع على الضَّبُع وهى مؤنث ولم يوضع على غيرها فهى كزينبَ وسُعادَ فاذا كانت صفة للمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا ولم يكن فيه علامةُ التأنيث فسميت به مذكرا لم يُعْتَدَّ بالتأنيث فانصرف وجعله سيبويه مذكرا وصف به مؤنث وان كانت تلك الصفة لا تكون الا لمؤنث وذلك أن تسميه بحائض أو طامث أو مُتْئِمٍ وذكر أن تقديره اذا قلت مررت بامرأة حائض وطامث ومُتْئم بشئ حائض وكذلك ما وُصِف من المذكر بمؤنث كقولهم رجل نُكَحة ورجل رَبْعةٌ وجَمَلٌ خُجَأَة أى كثير الضِّرَاب وكأن هذه الصفةَ وصفٌ لمؤنث كانك قلت هذه نفس خُجَأة وقد روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ الا نَفْسٌ مُسْلِمةٌ» وذلك واقع على الذكر والانثى وقد قَدَّمتُ مذهَب الكوفيين فى هذا الفصل عند ذكرى لنعوت المؤنث التى تكون على مثال فاعل ومن الدليل على ما قاله سيبويه أنا لا ندخل على حائض الهاء اذا أردنا بها الاستقبال فنقول هذه حائضة غدا فلما احتمل حائض دخول الهاء عليها علمنا أنها مذكر وعلى أنها قد تؤنث لغير الاستقبال قال الشاعر

رأيتُ خُتُونَ العامِ والعامِ قَبْلَهُ

كحائضةٍ يُزْنَى بِها غَيْر طاهرِ

وكذلك يقال امرأة طالقٌ وطالقةٌ فلما كانت الهاء تَدْخُل على هذا النحو علمنا أنها اذا أُسْقِطَ الهاءُ منها صار مذكرا وذكر سيبويه أنه سأل الخليلَ عن ذِراع فقال كَثُر

٥٨

تسميتهم به المذكرَ وتَمَكَّنَ فى المذكر وصار من أسمائه خاصةً عندهم ومع هذا انهم يصفون به المذكر فيقولون هذا ثَوْبٌ ذِراعٌ فقد تمكن هذا الاسم فى المذكر هذا قول الخليل وكان القياسُ أن لا يصرف لان ذراعا اسم مؤنث على أربعة أحرف فقياسُه أن لا ينصرف فى المعرفة وقد كان أبو العباس المبرد يقول ان الاجود فيه أن لا يصرف وكانَّ الخليلَ ذَهَبَ به مذهبَ الصفة ولا علامة فيه وقال فى كُراعٍ اسم رجل قال من العرب من يصرفه يشبهه بذراع والاجودُ تركُ الصرف وصرفُه أَخْبَثُ الوجهين وكأنَّ الذى يصرفه انما يصرفه لانه كثر به تسميةُ الرجال فاشبه المذكر فى الاصل لان الاصل أن يسمى المذكر بالمذكر وان سميت رجلا بثَمانٍ لم تصرفه لان ثَمانٍ اسم مؤنث فهو كثَلَانٍ وعَنَاقٍ اذا سميت بهما قال الفراء هو مصروف لانه جَمْعٌ وتصغيره عنده ثُلَيْثٌ* قال سيبويه* ولو سميت رجلا حُبَارَى لم تصرفه لانه مؤنث وفيه عَلَم التأنيث الالُف المقصورةُ فان حَقَّرته حذفتَ الالفَ فقلت حُبَيِّر لم تصرفه أيضا لان حُبارَى فى نفسها مؤنث فصار بمنزلة عُنَيِّق ولا علامةَ فيها للتأنيث* قال سيبويه* وزعم الخليلُ أن فَعُولا ومِفْعالاً انما امتنعا من الهاء لانهما وقعتا فى الكلام على التذكير ولكنه يوصف به المؤنث كما يوصف بَعْدلٍ ورِضًا وانما أراد بفَعُول ومِفْعالٍ قولَنا امرأةٌ صَبُور وشَكُور ومِذْكار ومِئْناث اذا سميت رجلا بشئ من ذلك صرفته لانها صفات مذكرة لمؤنث كطامِثٍ وحائض وقد مضى الكلام فى ذلك وكذلك ان سميت رجلا بقاعد تريد القاعدَ التى هى صفة المرأة الكبيرة القاعِد عن الزوج وكذلك ان سميت رجلا بضارب تريد صفةَ الناقة الضارب والناقةُ الضاربُ التى تَضْرِبُ الحالَب بخُفِّها وتَزّبِنُه وكذلك ان سميته بعاقرٍ صفة المرأة كل ذلك منصرف على ما شرحته لك لانه مذكر وان وقع لمؤنث كما يقع المؤنث للمذكر كقولنا عَيْنُ القوم وهو رَبِيئَتُهم أى الذى يَحْفَظُهم فوَقَعَتْ عليه عَيْنٌ وهو رجل ثم شبه سيبويه حائضا صفةً لشئ وان لم يستعملوه بقولهم أَبْرَقُ وأَبْطَحُ وأَجْرَعُ وأَجْدَلُ فيمن تَرك الصرفَ لانها صفات وان لم يستعملوا الموصوفاتِ قال وكذلك جَنُوبٌ وشَمَالٌ وقَبُولٌ

٥٩

ودَبُورٌ وحَرُورٌ وسَمُومٌ اذ سميتَ رجلا بشئ منها صَرَفْتَه لانها صفات فى أكثر كلام العرب سمعناهم يقولون هذه ريحٌ حَرُورٌ وهذه ريح شَمَالٌ وهذه الريحُ الجنوبُ وهذه ريحٌ جَنُوبٌ سمعنا ذلك من فُصحاء العرب لا يعرفون غيره قال الاعشى

لَها زَجَلٌ كَحفِيفِ الحَصا

دِصادفَ بالليلِ ريحًا دَبُورا

ومعنى قول سيبويه سمعنا ذلك من فصحاء العرب أى من جماعة منهم فُصحاء لا يعرفون غيره قال ويُجْعَلُ اسما وذلك قليل قال الشاعر

حالَتْ وحِيلَ بِهَا وغَيَّر ايَها

صَرْفُ البِلَى تَجْرِى به الرِّيحانِ

رِيحُ الجَنُوبِ مع الشِّمَالِ وتارةً

رِهَمُ الرَّبيع وصَائبُ التَّهْتانِ

فمن أضاف اليها جعلها أسماءا ولم يصرف شيئا منها اسْمَ رَجُلٍ وصارت بمنزلة الصَّعُود والهَبُوطِ والحَدُور والعَرُوضِ وهذه أسماءُ أماكنَ وقعت مؤنثة وليست بصفاتٍ فاذا سميتَ بشئ منها مذكرا لم تصرفه ولو سميت رجلا برَبابٍ أو ثَوابٍ أو دَلالٍ انصرف وانْ كَثُرَ رَبابٌ فى أكثر النساء وليست كسُعادَ وأخواتها لان رَبابا اسمٌ معروف مذكر للسحاب سميت المرأةُ به وسُعادُ مؤنث فى الاصل وقال سيبويه فى سُعَادَ وأخواتها انها اشْتُقَّتْ فجعلتْ مختصا بها المؤنث فى التسمية فصارت عندهم كعَناقٍ وكذلك تسميتُك رجلا بمثل عُمَانَ لانها ليست بشئ مذكر معروف ولكنها مشتقة لم تقع الا علما للمؤنث* قال الفارسى* قال أبو عُمَر الجَرْمِىُّ معنى قوله مشتقة أى مُسْتأنفة لهذه الاسماءُ لم تكن من قبلُ أسماءً لأشياء أخر فنقلت اليها وكانها اشتقت من السَّعادة أو من الرَّبَب أو من الْجَأْل وزِيدَ عليها ما زِيدَ من ألف أو ياء لتُوضَع أسماءًا لهذه الاشياء كما أن عَناقا أصله من العَنَقِ وزيدت فيه الالفُ فوُضِعَ لهذا الجنس وما كان من الجموع المكسرة التى تأنيثها بالتكسير اذا سمينا به مذكرا انصرف نحو خُرُوقٍ وكِلابٍ وجِمَالٍ والعربُ قد صرفتْ أنْمارا وكلابا اسمين لرجلين لان هذه الجموع تقع على المذكرين وليست باسم يختص به واحد من المؤنث فيكون مثلَه ألا ترى أنك تقول هم رجالٌ فتُذكر كما ذَكَّرْتَ فى الواحد فلما لم يكن فيه علامة التأنيث وكان يُخْرج اليه المذكرُ ضارَعَ المُذَكَّرَ

٦٠