المخصّص - ج ١٧

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٧

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

* بسُوقٍ كثيرٍ رِيحُه وأعَاصِرُهْ*

وقال فى التأنيث

* وَرَكَدَ السَّبُّ فقامَتْ سُوقُه*

والجمع فيهما أَسْواق وأما السُّوَقُ فجمع سُوقَة وهو مَنْ دُونَ المَلِكِ

ومن ذلك (الصَّاعُ) يذكر ويؤنث وفى التنزيل (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) وفيه (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) وقال أبو عبيد أنا لا أرى التذكير والتأنيث اجتمعا فى اسم الصُّواع ولكنهما عندى انما اجتمعا لانه سمى باسمين أحدهما مذكر والآخر مؤنث فالمذكر الصُّواع والمؤنث السِّقاية* قال ومثل ذلك الخِوَانُ والمائدةُ وسِنَانُ الرُّمْح وعالِيَتُه والصُّوَاعُ إناء من فضة كانوا يشربون به فى الجاهلية وقد قدّمت ما فيه من اللغات صُوَاعٌ وصَوْعٌ وصَاعٌ وصُوعٌ وانما كررتها هنا لأَقِفَك على أنها كلها تذكر وتؤنث* قال أبو حاتم* هو مذكر لا غير * ومن ذلك (السِّلْم) الصُّلْح يذكر ويؤنث ويقال لها السَّلْم أيضا قال زهير فى التذكير

وقد قُلْتُما إنْ تُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعًا

بمالٍ ومَعْروفٍ من القول نَسْلَمِ

وأنشد الفارسى

فان السِّلْمَ زائدةٌ نوَالاً

وإنَّ نَوى المُحارِبِ لا يَؤُبُ

وقال الله تعالى (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) فاما السِّلْم الاسْلَامُ فمذكر قال السجستانى سألت الأصمعى فقلت فى الحديث «مُنْذُ دَجَتِ الاسلامُ» لَاىِّ شئ أنثوه قال أرادوا الملة الحنيفية والله أعلم وقالوا فلان سِلْم وسَلْم لِى  ـ  أى مُسالِم وهو مذكر والسِّلْمِ  ـ  الاستسلام مذكر لا غير * ومن ذلك (سَقْطُ النار) يذكر ويؤنث وأنشد الفارسى

وسِقْطٍ كَعَيْنِ الدِّيكِ عَاوَرْتُ صُحْبَتِى

أباها وهَيَّأْنا لمَوْضِعِها وَكْرَا

وقال بعض الاعراب انَّ السِّقْطَ يُحْرِقُ الحَرَجةَ هكذا سمعته بالتذكير وفيه ثلاث لغات سِقْطٌ وسَقْطٌ وسُقْط وكلها جارية مجرى سِقْطٍ فى الجنسين أعنى التذكير والتأنيث فأما سِقْطُ الوَلِد والرَّمْل أعنى مُنْقَطَعَه فمذكر لا غير وفيه اللغات التى فى سقط النار وقد شرحتُ ذلك

٢١

ومن ذلك (الازارُ) يذكر ويؤنث قال أبو ذؤيب فى التأنيث

تَبَرَّأُ من دَمِ القَتِيل وبَزِّه

وقد عَلِقَتْ دَمَ القَتِيل إزارُها

وقد أنكر قوم تأنيث الازار ولم يذكر هذا البيت عليهم حجةً لانهم قالوا هو بدل من الضمير الذى فى عَلِقتْ على حدّ قوله تعالى (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) وقد قالوا إزارة وأباها الأصمعى واحتج عليه ببيت الاعشى

كتَمَايُلِ النَّشْوانِ يَرْ

فُلُ فى البَقِيرِ وفى الازاره

فقال هو مصنوع وقال ابن جنى فى قوله

* وقد عَلِقَتْ دَمَ القَتيلِ ازارُها*

أراد إزارتَها فحذف كما قالوا ذهب بعُذْرتها وهو أبو عُذْرِها وقالوا لَيْتَ شِعْرِى وهو من شَعَرْتُ به شِعْرةً ويدلك على أن الازار مذكر تكسيرهم إياه على آزِرةٍ وأُزُرٍ ولو كان مؤنثا لكُسِّرَ على آزُرٍ كشِمَالٍ وأَشْمُلٍ * ومن ذلك (السماءُ) التى تُضِلُّ الارضَ تذكر وتؤنث والتذكير قليل كانه جمعُ سَمَاوة قال الشاعر

فلو رَفَعَ السماءُ اليه قَوْمًا

لَحِقْنا بالسَّماءِ معَ السَّحابِ

فأما تذكيرها على أنها مفردة فقليل وأما قوله (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) فعلى النَّسَبِ كما قالوا دَجاجةٌ مُعَضِّلٌ وكما قال المُمَزَّقُ العَبْدِىُ

وقد تَخِذَتْ رِجْلِى الى جَنْبِ غَرْزِها

نَسِيفًا كافْحُوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ

وأما البيت الذى أنشدناه فى باب السماء والفَلَكِ

وقالت سَماءُ البيتِ فَوْقَكَ مُنْهِجٌ

ولَمَّا تُيَسِّرْ أَحْبُلاً للرَّكائِبِ

فانما عَنَى به السماء الذى هو السقف وهو مذكر وقد أنعمت شرح هذا هنالك وأذكر منه شيئا لم أذكره فى ذلك الموضع لان هذا الموضعَ أخَصُّ به قال قوم ان السماء ههنا منقول من السماء التى تُظل الارضَ وهذا غلط قد صرح الفارسى بتقبيحه قال لو كان منقولا منها لبقى على التأنيث كما أن السماء التى هى المطر لما كانت منقولة منها ثبت تأنيثها ومُنْهِجٌ مذكر لانه خبر عن مذكر فانما يحمل مثل هذا على النَّسَب اذا كان الموصوفُ لا شك فى تأنيثه كقولهم دجاجة مُعَضِّلٌ و (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) فأما قولهم فى

٢٢

جمع السماء أسْمِيةٌ فقد كان حَقُّه أن يكون سُمِيًّا كعَناقٍ وعُنُوق وهذا المثال غالب على هذا الباب ولكنه شذ وذكر أبو على عن بعض البغداد بين التذكير فى السماء المطر قال ولذلك جمع على أَفْعِلَةٍ قال وقال أبو الحسن أصابَتْنا سماءٌ ثم قالوا ثلاثُ أَسْمِية وانما كان بابُه أَفْعل مثل عَناقٍ وأَعْنُقٍ قال وزعموا أن بعضهم قال طِحَالٌ وأَطْحُلٌ وأنشد لرؤبة

* اذا رَمَى مَجْهُولَه بالاجْنُنِ*

فكما جمعَ جَنِينًا على أَجْنُنٍ وكان حقه أجِنَّةَ كذلك جمع سماءً على أَسْمِية وكان حقه أَسْمِيًا فعلى قول أبى الحسن تكون السماء للمطر تسمية باسم السماء لنزوله منها كنحو تسميتهم المزادةَ راويةً والفِناءَ عَذِرةً وعلى قول البغداديين كانه سُمِّىَ سماءً لارتفاعِه كما سَمَّوُا السَّقْفَ سماءً لذلك والوجه قول أبى الحسن لروايته التأنيثَ فيها وسنذكر تحقير السماء فى باب تحقير المؤنث * ومن ذلك (الفِرْدَوْسُ) يذكر ويؤنث وهو البُسْتَانُ الذى فيه الكُرومُ وفى التنزيل (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وانما يذهب فى تأنيث الفِرْدَوْس الى معنى الجنة * ومن ذلك (الجَحِيم) يذكر ويؤنث وفى التنزيل (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) وهى النارُ المُسْتَحْكِمة المُتَلَظِّيةُ وجهنم مؤنثة وأسماؤها مؤنثة وكذلك لَظَى وسَقَر وفى التنزيل (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) وفيه (كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) ومن ذلك (السَّمُومُ) مؤنثة وقد تذكر قال الراجز

اليَوْمُ يَوْمٌ بارِدٌ سَمُومُه

مَنْ جَزِعَ اليومَ فلا تَلُومُه

بارِدٌ  ـ  ثابتٌ من قولهم بَرَدَ عليه كذا أى ثَبَتَ وان أصحابك لا يُبالُونَ ما بَرَّدُوا عَلَيْكَ  ـ  أى أثْبَتُوا وليس من البَرْدِ الذى هو ضدّ الحر والسَّمُومُ بالنهار وقد يكون بالليل والحَرُور بالليل وقد يكون بالنهار قال الراجز (١)

* ونَسَجَتْ لَوامِعُ الحَرُورِ*

وهما يكونان اسمين وصفتين كما أَرَيْتُك فى باب فَعُولٍ التى تكون مرة اسما ومرة صفة وروى عن أبى عمرو أنه قال السَّموم بالليل والنهار والحرورُ بالليل * ومن ذلك (الصَّالِبُ) من الحُمَّى يذكر ويؤنث * ومن ذلك (الزَّوْجُ) يذكر ويؤنث يقال

__________________

(١) قوله قال الراجز هو العجاج وتمامه سبائبا كسرق الحرير وفى اللّسان لوافح بدل لوامع كتبه مصححه

٢٣

فلان زَوْجُ فلانة وفلانةُ زوجُ فلانٍ هذا قول أهل الحجاز قال الله تعالى (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وأهلُ نَجْد يقولون فلانةُ زوجةُ فلان قال وهو أكثر من زَوْج والاولُ أفصح وأنشد لعَبْدة بن الطبيب

فبكَى بناتى شَجْوَهُنَّ وزَوْجَتِى

والاقْرَبُونَ إلىَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا

فمن قال زوجة قال فى الجميع زوجات ومن قال زوج قال فى الجميع أزواج قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) وقال الراجز.

مِنْ مَنْزِلِى قَدْ أَخْرَجَتْنِى زَوْجَتِى

تَهِرُّ فى وَجْهِى هَرِيرَ الكَلْبةِ

قال ولا يقال للاثنين زوج لا من طَيْر ولا من شئ من الاشياء ولكن كل ذكر وأنثى زوْجانِ يقال زَوْجا حَمامٍ للاثنين ولا يقال زَوْجُ حمام للاثنين هذا من كلام الجهال بكلام العرب قال الله تبارك وتعالى (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) وكذلك كُلُّ شئ من الاناث والذكور ويقال زَوْجا خِفَافٍ وزَوْجا نِعالٍ وزَوْجا وسَائِدَ وقالوا للذكر فَرْدٌ كما قالوا للانثى فَرْدَة قال الشاعر وهو الطِّرِمَّاحُ

وَقَعْنَ اثْنَتَيْنِ واثْنَتَيْنِ وفَرْدةً

تُبادِرُ تَغْلِيسًا سِمَالَ المَداهِنِ

وأنشد أبو الجَرَّاح

يا صَاحِ بَلِّغْ ذَوِى الزَّوْجاتِ كُلِّهِمِ

أنْ لَيْسَ وَصْلٌ اذا انْحَلَّتْ عُرَى الذَّنَبِ

وقال الفراء خفض كُلِّهم على الجوار للزوجات والصواب كُلَّهم على النعت لذوى وكان انشاد أبى الجَرَّاح بالخفض * ومن ذلك (الآلُ) الذى يَلْمَعُ بالضُّحَى يذكر ويؤنث والتذكير أجود قال الشاعر

أَتْبَعْتُهُمْ بَصَرِى والآلُ يَرْفَعُهُمْ

حتى اسْمَدَرَّ بطَرْفِ العَيْنِ إتْارِى

وحكى عن بعض اللغويين أنه قال فى الآل الذى هو الاهْلُ انه يذكر ويؤنث وقد قدّمت قول من قال ان ألف آل منقلبة عن الهاء التى فى أهل وأن بعضهم يحقره فيقول أُهَيْلٌ وبعضهم يقول أُوَيْل يجعل الالف مجهولة الانقلاب فيحملها على الواو لان انقلابها عنها أكثر وهو مذهب سيبويه فى الالف التى لا يعرف ما انقلبت عنه فاما الآلُ الشخص فمذكر وأما الآلُ العِيدانُ التى تُبْنَى عليها

٢٤

الخيامُ فمذكر وقد قيل انه جمع آلة فاذا كان كذلك فهو يذكر على اللفظ ويؤنث على المعنى * ومن ذلك (الضَّرَبُ) العَسَلُ الابيضُ اذا غَلُظَ يذكر ويؤنث قال ساعدة

وما ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَسْقِى دَبُوبَها

دُفاقٌ فَعَرْوانُ الكَراثِ فضِيمُها

دَبُوبَها مكانٌ يَسْقيه مكانٌ آخر والكَراثُ شجر ودُفاقٌ وعَرْوان وضِيمٌ أَوْدِيةُ وقيل الضَّرَب أنثى وانما يذكر اذا ذُهِبَ به مذهبَ العسل أو الجَلْس لان الجَلْسَ والضَّرَبَ من العسل سواءٌ وقيل هو جمع ضَرَبة * ومن ذلك (المِسْكُ والعَنْبَرُ) يذكران ويؤنثان وأما المِسْكُ رائحةُ المِسْكِ فمؤنثة وأنشد قول الشاعر

لقدْ عاجَلَتْنِى بالسِّباب وثَوْبُها

جديدٌ ومن أثْوابِها المِسْكُ تَنْفَحُ

على معنى رائحة المسك يقال هى المِسْكُ وهو المِسْكُ وهى العنبر وهو العنبر وأنشد فى التذكير للزبير بن عبد المطلب

فانا قَدْ خُلِقْنا مُذْ خُلِقْنا

لَنا الحِبَراتُ والمِسْكُ الفَتِيتُ

وأنشد فى تذكير العَنْبر للاعشى

إذا تَقُومُ يَضُوعُ المسكُ آوِنَةً

والعَنْبَرُ الوَرْدُ من أرْدانِها شَمِلُ

وقال أعرابى فى تأنيث المسك والعنبر

والمسكُ والعَنْبَرُ خَيْرُ طِيبِ

أُخِذتا بالثَّمَنِ الرَّغِيبِ

والمِسْكُ واحدتُه مسْكة كما أن واحدةَ الذَّهَب ذَهَبَةٌ وقول رؤبة

* أَجِدْبها أطْيَبَ مِنْ رِيح المِسِكْ*

كَسَرَ السِّينَ اضْطِرارا كما قال

* بِرِجِلٍ طالَتْ أتَتْ ما تَأْتِى*

وكان الاصمعى ينشد المِسَكَ ويقول هو جمع مِسْكةَ كقولك خِرْقة وخِرَق وقِرَبة وقِرَب وقد قيل فى واحد العنبر عنبرة وليس بالمشهور انما العنبرةُ عنبرةُ الشتاء وهى شِدَّته و (المسواك) يذكر ويؤنث * ومن ذلك (فوقُ السَّهْم) يذكر ويؤنث يقال هو الفُوقُ وهى الفُوقُ وهى الفُوقةُ ويقال فى جمع الفُوقةِ الفُوَقُ وأنشد عن الاسَدِىِ

٢٥

ولكنْ وَجَدْتُ السَّهْمَ أَهْوَنَ فُوقةً

عليكَ فَقَدْ أَوْدَى دَمٌ أنتَ طالِبُهْ

ومن ذلك (السَّلْم) الدَّلْو الذى له عُرْوة مثلُ دِلاءِ أصحابِ الرَّوايا يذكر ويؤنث قال الراجز فى التذكير

سَلْمٌ تَرَى الدَّالِىَ مِنْه أَزْوَرَا

اذا يَعُبُّ فى السَّرِىِّ هَرْهَرا

السَّرِىُّ النهر * ومن ذلك (الاشُدُّ) يذكر ويؤنث من قولك بَلَغ الرجلُ أَشُدَّه يقال هى الاشُدُّ وهو الاشُدُّ وقد اختلف ما هى من الانسان فقيل هى أربعون وقد بَلَغ أَشُدَّه أى مُنْتَهى شَبابه وقوّته من قَبْل أن يأخُذَ فى النُّقْصان قال وليس له واحد من لفظه قال يونس الاشُدُّ جمع شَدٍّ بمنزلة قولهم الرجلُ وَدٌّ والرجالُ أَوُدٌّ وقد قيل الأشُدُّ اسم واحد كالآنُكِ قال سيبويه واحدتُها شِدَّة مثل قولهم نِعْمة وأَنْعُم وهذا من الجمع العزيز وقد أطلتُ شرح هذا وأَبَنْتُه فى أول الكتاب ومن ذلك

(الغَوْغاءُ) يذكر ويؤنث فمن أنث لم يصرف بمنزلة حَمْراءَ وصَفْراءَ ومن ذكر قال هم غَوْغاءٌ بمنزلة رَضْراضٍ وقَضْقاضٍ ومن ذلك (رَسَلُ الحَوْضِ الادْنَى) ما بين عشر الى خمس وعشرين يذكر ويؤنث ومن ذلك (الاضْحَى) يذكر ويؤنث فمن ذكر ذهب الى العيد واليوم قال الشاعر فى التذكير

رَأَيْتُكُمُ بَنِى الخَذْواءِ لَمَّا

دَنا الاضْحَى وصَلَّلَتِ اللِّحَامُ

وقال أيضا فى التأنيث

أَلا ليتَ شِعْرِى هل تَعُودَنَّ بعدَها

عَلَى النَّاسِ أَضْحَى تجْمَعُ الناسَ أو فِطْرُ

وقد قيل ان الاضْحى جمع أَضْحاةٍ وبه سمى اليوم يقال ضَحِيَّة وأُضْحِيَةُ وأَضْحاةٌ وهو ما ضُحِّىَ به ومنْ ذلك (الايَّامُ) تذكر وتؤنث فمن أنث فعلى اللفظ ومن ذكر فعلى معنى الحِينِ أو الدَّهْر قال الشاعر

* ألا لَيْتَ أيامَ الصَّفَاءِ جَدِيدُ*

والغالب عليها التأنيث وأما اليومُ فمذكر باجماع يقال يَوْمٌ أَيْوَمُ ويَوِمٌ ويَمٍ وأنشد قول الشاعر

٢٦

* مَرْوانُ مَرْوانُ أخا اليومِ اليَمِى*

على القلب ولم يقولوا يَوْمٌ يَوْماءُ ولا يَوِمَة واعلم أن السَّبْتَ والاحدَ والخميسَ مذكرة ولك فيه وجهان اذا قَصَدْتَ قَصْدَ الايام ذَكَّرْتَ فتقول مَضَى السبتُ بما فيه فتذكر لانك تَقْصِدُ قَصْدَ اليوم والمعنى اليومُ بما فيه واذا قصدتَ قَصْدَ أيام الجمعة قلتَ مضى السبتُ بما فيهنَّ على معنى مضت الايامُ بما فيهن وكذلك مَضَى الاحدُ بما فيهنَّ ومَضَى الخميسُ بما فيهنَّ ولا يجوز أن تقول مضى السبت بما فيها وكذلك الاحد والخميس وأما الاثنان فلك فيه ثلاثة أوجه التذكير لمعناه لا لفظه أعنى معنى اليوم والتثنِيةُ للفظه والجمعُ على معنى أيام الجمعة تقول مَضَى الاثنانِ بما فيه وفيهما وفيهن وأما الثَّلاثاء والاربعاء والجمعة فان للعرب فيهن ثلاثة مذاهب أحدها أن يذهبوا الى اللفظ فيؤنثوا والثانى أن يذهبوا الى معنى اليوم فيذكروا والثالث أن يذهبوا الى معنى الايام فيجمعوا وفى الارْبِعاءِ لغتان أرْبِعَاءُ وأرْبَعاء وفى الجمعة ثلاث لغات جُمُعَةٌ وجُمْعة وجُمَعةٌ

وأما أسماء الشهور فانها مذكرة الاجُمَادَيَيْنِ فان سمعتَ فى شِعْر تذكير جُمَادَى فانما يذهب به الى معنى الشهر كما قالوا هذه ألفُ درهم فقالوا هذه على معنى الدراهم ثم قالوا ألف درهم

وأما (العَشِيَّة) فانها مؤنثة وربما ذكرتها العرب فذهبت بها الى معنى العَشِىّ وأنشد قول الشاعر

هَنِيئًا لِسَعْدٍ ما اقْتَضَى بَعْدَ وَقْعَتِى

بناقةِ سَعْدٍ والعَشِيَّةُ بارِدُ

فذَكَّرَ باردا حملا على معنى والعَشِىُّ بارِدٌ (وأما الغَداةُ) فمؤنثة لم نَسْمَعْ تذكيرها ولو حملها حامل على معنى الوقت لجاز أن يذكرها ولم نسمع فيها الا التأنيث

باب ما يكون للمذكر والمؤنث والجمع بلفظ واحد

ومعناه فى ذلك مختلف

من ذلك (المَنُونُ) تذكر وتؤنث وتكون بمعنى الجمع فمن ذكره ذهب به الى معنى

٢٧

الدَّهْر ومن أنثه ذهب به الى معنى المَنِيَّة قال الاصمعى المَنُونُ  ـ  المَنِيَّة والمَنُونُ  ـ  الدَّهْر وأنشد قول الشاعر

فقلتُ انَّ المنُونَ فانْطَلِقَنْ

تَعْدُو فلا تَسْتَطِيعُ تَدْرَؤُها

تَعْدُو  ـ  تَشْتَدُّ قال الهذلى

أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ

والدَّهْرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

فأنث المَنُونَ على معنى المَنِيَّة ويُنْشَدُ ورَيْبِه فذكر المَنُونَ على معنى الدَّهْر قال الفارسى ومن روى ورَيْبِه ذهب به الى معنى الجنس ومن جعل المنونَ جمعا ذهب به الى معنى المَنايا قال عدى بن زيد

مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَدّيْنَ أَمْ مَنْ

ذا عليه مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ

حَمَلَه على رأيت المنايا عَدّين* قال أبو على* انما سمى الدهر والمنية مَنُونًا لاخْذِهما مُنَنَ الاشياءِ  ـ  أى قُواها والمَنِينُ الحَبْل الخَلَقُ

ومن ذلك (الفُلْكُ) يكون واحدا وجمعا وقد قدّمت أنه يذكر ويؤنث وليس الفُلْكُ وان كان يقع على الواحد والجميع بمنزلة المَنُونِ لان المَنُونَ اذا كان جمعا فليس بتكسيرِ مَنُونٍ وانما هو اسم دال على الجنس كما أَرَيْتُك وأما الفُلْك الذى يُعْنَى به الجمع فتكسير الفُلْكِ الذى يعنى به الواحد ألا تَرى أن سيبويه قد مَثَّلَه بأَسَدٍ وأُسْدٍ ونَظَّر فُعْلاً بفَعَل اذا كانا قد يَعْتَقِبانِ على الكلمة الواحدة كقولهم عُدْمٌ وعَدَمٌ وسُقْم وسَقَم فالضمة التى فى فُلْكٍ وأنتَ تريد الجمعَ غيرُ الضمة التى فى فُلْك وأنتَ تريد الواحد وقد كشفتُ جَلِيَّةَ هذا الامر فيما تقدّم وأتيتُ بنَصِّ قول سيبويه وذكرتُ اعتراضَ أبى علىّ على أبى اسحق فى هذا الفصل وتَسْفيهَه رأيَهُ عند ذكر الفُلْك فى باب السفينة اذ كان فصلا لم يوضحه أحد من قُدَماء النحويين بحقيقته وقال جل ثناؤه فى تأنيثها (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) وقال تعالى فى الجمع (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ)

ومن ذلك (الطَّاغُوتُ) بقَعَ على الواحد والجميع وقد قَدَّمْتُ أنه يذكر ويؤنث* قال الفارسى* قال محمد بن يزيد الطاغُوتُ جمع وليس الامر عندنا على ما قال وذلك أن الطاغوت مصدر كالرَّغَبُوت فكما أن هذه الاشياء التى هذا الاسم على وزنها

٢٨

آحادٌ وليست بجموع فكذلك هذا الاسم مُفرد ليس بجمع والاصل فيه التذكير وعليه جاء (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) وأما قوله (أَنْ يَعْبُدُوها) فانما أنث على ارادة الآلهة التى كانوا يعبدونها ويدل على أنه مصدر مفرد قوله تعالى (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) فأفرد فى موضع الجمع كما قال الشاعر

* هُمُ بَيْنَنا فَهُمْ رِضًا وهُمُ عَدْلُ*

فاما قراءة الحسن أولياؤُهم الطَّواغيتُ فانه جمع كما جمع المصادر فى قوله

هل من حُلُومٍ لَاقْوامٍ فتُنْذِرَهُمْ

ما جَرَّبَ النَّاسُ من عَضِّى وتَضْرِيسِى

وهو من الطُّغْيانِ الا أن اللام قُدِّمت الى موضع العين لما كان يلزمها لاعتلالها من الحذف* قال أبو سعيد السيرافى* يقال طَغَى يَطْغَى وطَغِىَ يَطْغَى وهو من الواو بدلالة أنه اذا كسر الطاغوتُ قيلَ طَواغِيت فاما الطُّغْيانُ فمعاقبة وقال فى موضع آخر طَغَوْتُ وطَغَيْتُ فالطُّغْيانُ من طَغَيْتُ والطَّاغُوتُ من طَغَوْتُ وأما طَغْوَى فقد يكون من طَغَوْتُ ويكون من طَغَيْتُ فيكون من باب تَقْوَى وقد قيل انه اذا ذُكِّرَ الطاغُوت ذُهِبَ به الى معنى الالَهِ واذا أُنث ذهب به الى معنى الاصنام (والسَّهَامُ) الرِّيح الحارّة واحدها وجمعها سواء

باب ما يكون واحدا يقع على الواحد والجميع

والمذكر والمؤنث بلفظ واحد

وهذا مما كادَ يَخُصُّ المصدر وان لم يكن خَصَّ فقد غَلَبَ وطَائفة تذهب الى أن المضاف محذوف وطائفة تقول ان المصدر لما كان واحدا يدل على القليل والكثير من جنسه جعلوه مفردا

من ذلك (الصَّدِيقُ) يكون مذكرا ومؤنثا وجمعا باتفاق من لفظه ومعناه وذلك أنه لا يخرج عن معنى الصَّدَاقة كما نقلت المَنُونُ فى حال تذكيرها إلى معنى الدَّهْر ويجوز أن تؤنث الصَّدِيقَ وتثنيه وتجمعه فتقول صَدِيقة وصَدِيقانِ وأَصْدِقاءُ وصَدِيقُون وأَصَادِق وأنشد أبو العباس

٢٩

فلا زِلْنَ دَبْرَى ظُلَّعًا لِمْ حَمَلْنَها

إلى بَلَدٍ ناءٍ قليلِ الاصَادِقِ

وكذلك (الرَّسُولُ) وقد جمعوا الرَّسُولَ وثَنَّوْهُ كما جمعوا الصَّدِيقَ وثَنَّوْهُ وقد أَنَّثُوه فمما جاء منه مُثَنَّى قوله تعالى (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) وقال (تِلْكَ الرُّسُلُ) وقال بعضهم من أنَّث فانما يذهب الى معنى الرِّسالة واحتج بقول الشاعر

فابْلِغْ أبا بَكْرٍ رَسُولاً سَريعةً

فما لَكَ يا ابْنَ الحَضْرَمىِّ ومالِيَا

وقال أراد رسالةً سريعةً وأنشد الفراء

لو كانَ فى قَلْبِى كقَدْرِ قُلامةٍ

فَضْلٌ لغَيْرِك قد أَتاها أرْسُلِى

جَمَع الرسولَ على أفْعُل وهو من علامات التأنيث ومن ذلك (الضَّيْفُ) وفى التنزيل (هؤُلاءِ ضَيْفِي) وقال (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) وقد ثُنِّىَ وجُمع وأُنِّثَ قال الشاعر

* فأَودَى بما تُقْرَى الضُّيُوفُ الضَّيَافِنُ*

وقال آخر

لَقًى حَمَلَتْهُ أُمُّه وهْىَ ضَيْفةٌ

فجاءتْ بَيَتْنٍ للضِّيافةِ أَرْشَمَا

ومن ذلك (الطِّفْلُ) وفى التنزيل (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) وفى موضع آخر (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) وقد يجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث فتقول طِفْلانِ وأطْفالٌ وطِفْلَة فيكون قوله عزوجل (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) فى هذا المذهب على قوله

* قد عَضَّ أعْناقَهُمْ جِلْدُ الجَوامِيس*

وكُلُوا فى بَعْضِ بَطْنِكُمُ وفى حَلْقِكُمْ عَظْمُ وقد أجدتُ استقصاء هذا فى أول الكتاب واختصرته هنا ولم أُخِلَّ فاما الطِّفْلُ من غير الطِّفْلِ الذى يُعْنَى به الصغير من الحيوان كطِفْلِ الحُبِّ والهَمِّ فمجموع قال الشاعر

* يَضُمُّ الَىَّ الَّليْلُ أَطْفالَ حُبِّها*

ومن ذلك (البُورُ) وَصْفٌ وهو الهالك قال الشاعر فيما جاء للواحد

يا رَسُولَ المَلِيكِ انَّ لِسَانِى

رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ اذْ أنا بُورُ

وقال فيما هو للجميع

٣٠

هُمُ أُوتُوا الكِتَابَ فضَيَّعُوهُ

فَهُمْ عُمْىٌ عن التَّوْراةِ بُورُ

وقد قيل ان البُورَ جمعٌ واحدُه بائِرٌ والعرب تقول حائِرٌ بائِرٌ ومنه قول عمر رضى الله عنه حين قَسِمَ الرجالَ فقال الرجال ثلاثة رجل ذو عقل ورأى ورجل اذا حَزَبه أمْرٌ أتَى ذا رَأْى فاستشاره ورجل حائر بائر لا يَأْتَمِرُ رَشَدًا ولا يطيع مُرْشِدًا

ومن ذلك (الزَّوْرُ) قال الشاعر فى الزَّوْرِ يَصِفُ صَرائم رَمْلٍ

كانَّهُنَّ فَتَياتٌ زَوْرُ

أو بَقَراتٌ بَيْنَهُنَّ ثَوْرُ

وقال أبو الجَرَّاح يمدح الكسائى

كَرِيمٌ على جَنْبِ الخِوَانِ وزَوْرُه

يُحَيَّا بأَهْلاً مَرْحَبًا ثم يَجْلِسُ

وكذلك (العُوذُ) جمعُ عائذٍ * ومن ذلك (الكَرَمُ) قال الشاعر

عَنَّيْتُمُ قَوْمَكمْ فَخْرًا بِامِّكُمُ

أُمٌّ لَعَمْرِى حَصَانٌ بَرَّةٌ كَرَم

وقال آخر أيضا

وأنْ يَعْرَيْنَ إن كَسِىَ الجَوارِى

فتَنْبُوا العَيْنُ عن كَرَمٍ عِجَافِ

وقالوا أرضٌ كَرَمٌ وأَرَضُونَ كَرَمٌ ـ طَيِّبةٌ * ومن ذلك (الحَرَضُ) وهو الذى قد أذابه الحُبُّ أو الحُزْنُ يقال رجل حَرَضٌ وحارِضٌ فمن قال حَرَضٌ فكما أَرَيْتُك من أنه للواحد فما بعده بلفظ واحد ومن قال حارضٌ ثَنَّى وجمع * وكذلك (الدَّنَفُ والضَّنَى) وقد ثنى بعضهم الضَّنَى أنشد الفارسى

* إلَّا غُلَاما بِيئَةٍ ضَنَيانِ*

والمعرُوف أن الدَّنَفُ والضَّنَى لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث الا أن يقال ضَنٍ ودَنِفٌ فيؤتى بهما على فَعِلٍ قال الراجز

* والشمسُ قد كادَتْ تَكُونُ دَنَفَا*

ومما يجرى هذا المجرى فى أنه يقع للمذكر والمؤنث والاثنين والجميع بلفظ واحد اذا بُنِىَ على فَعَلٍ ويثنى ويجمع ويؤنث اذا بُنِىَ على فَعِلٍ قولهم (قَمَنٌ وحَرًى)  فاذا قيل قَمِنٌ وحَرٍ أنث وثنى وجمع *[القُنْعانُ] ومما يقع على الواحد فما بعده بلفظ واحد (القُنْعانُ) يقال رجل قُنْعَانٌ وقوم قُنْعَانٌ وامرأة قُنْعانٌ وامرأتانِ قُنْعانٌ ونِسْوةٌ قُنْعانٌ وكذلك المَقْنَعُ والعَدْلُ والرِّضا يجرى ذلك المجرى قال زهير

٣١

مَتَى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَواتُهُمْ

هُمُ بَيْنَنا فهُمْ رِضًا وهُمُ عَدْلُ

وقد ثنى وجمع قال الشاعر

وبايعْتُ ليلَى بالخَلاءِ ولم يَكُنْ

شُهودٌ على لَيْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ

جمع العَدْلَ والمَقْنَع * ومن ذلك (الحَمْدُ) وهو وَصْفٌ يقال رجل حَمْدٌ وامرأة حَمْد ورجال حَمْدٌ ومنزلة حَمْدٌ قال الشاعر

بَلَى إنه قد كانَ للعَيْشِ مَرَّةً

وللبِيضِ والفِتْيانِ منزلةً حَمْدَا

ومن ذلك (الخِيارُ والشَّرَطُ) قال الشاعر

وَجَدْتُ الناسَ غَيْرَ ابْنَىْ نِزَارٍ

ولم أَذْمُمْهُمُ شَرَطًا ودُونا

وكذلك (قَزَم) يجرى هذا المجرى والقَزَمُ والشَّرطُ  ـ  الرُّذالُ ويقال ماء غَمْرٌ ومياه غَمْرٌ وجَمَّةٌ غَمْر أعنى بالجَمَّةِ مُعْظم الماء وماء غَوْر ومياه غَوْر ونُطْفة غَوْر وماء سكْبٌ ومِياهٌ سَكْبٌ وقَطْرةٌ سَكْبٌ ورجل نَجَسٌ ونِساءٌ نَجَسٌ وفى التنزيل (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) فان أَتَوْا برِجْسٍ كَسَرُوا النونَ وأسكنوا الجيم فقالوا نِجْسٌ رِجْسٌ وقد قرئ انما المشركون نِجْسٌ ومن كسر النون منه ثنى وجمع حكى عن ابن السكيت ومن هذا الباب قولهم رَجُل (جَلْدٌ) وامرأة جَلْد ونساء جَلْدٌ وإبِلٌ جَلْد غزيرة * ومن هذا الباب قولهم (الفَرَط) وهو الذى يتقدّم الوارِدةَ فيُصْلِحُ الارْشِيَةَ ويَمْدُر الحِياضَ رجل فَرَطٌ وامرأة فَرطٌ ورجال فَرَطٌ ونسوة فَرَطٌ فاما الفارِطُ فيثنى ويجمع وهو بمعناه *[فرّ] ومما لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث من الاوصاف رجل فَرٌّ  ـ  فَرارٌ ومَحضٌ وقَلْبٌ ومعناهما سواء أى خالص وكذلك (فِجٌّ) وقد قالوا فِجَّة ومثله عبد قِنٌّ وأَمَة قِنٌّ والقِنُّ العبد الذى ملِكَ هو أبَواه وقالوا ماء صَبٌّ كما قالوا فى السَّكْبِ وقالوا تَمْرٌ بَثٌّ وتُمورٌ بَثٌّ  ـ  وهو ما لم يَكْتَنِزْ منه وكان مُفْتَرقا [رذم] ويقال جَفْنة رَذَمٌ وجِفانُ رَذَم  ـ  أى طافحة تَسِيلُ قال ابنُ قيسِ الرُّقَيَّات

أَعْنِى ابْنَ لَيْلَى عَبْدَ العَزيزِ ببَا

بِ اليُونِ تَغْدُ وجِفانُه رَذَمَا

* ومن هذا الباب (صَوْمٌ وفطْرٌ ونَوْحٌ) وقد جمع نَوْحٌ قال لبيد

* قُومَا تَنُوحانِ مع الانْواحِ*

٣٢

ويقال رجل دَوَى ورجال دَوًى وامرأة دَوًى ونسوة دَوًى  ـ  أى مَرْضَى فان كَسَرُوا أنثوا وجمعوا ويقال رجل دَاءٍ ورجال دَاءٍ وامرأة داءٍ ونسوة داءٍ ويقال أنا البَراء ونحن البَراءُ وفى التنزيل (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) ويقال رجل عَدُوٌّ ونِسْوة عَدُوّ وفى التنزيل (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) وفيه (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) فاما ما جاء فيه من الواحد فغير شئ كقوله تعالى (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) والحَمِيمُ الذى هو الصدِيق يجرى هذا المَجْرَى وفى التنزيل (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ) وفيه (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)

ومن هذا الباب (المُصَاصُ واللُّبَابُ) وهو الخالصُ ويقع على الواحد فما بعده بلفظ واحد قال جرير

تُدَرِّى فَوْقَ مَتْنَيْها قُرونًا

علَى بَشِر وآنِسةٍ لُبابِ

وقال أيضا ذو الرمة

سِبَحْلاً أبا شَرْخَيْنِ أَحْيَا بَناتِهِ

مَقَالِيتُها فَهْى الُّلبابُ الحَبائِسُ

ويقال فلان مُصَاصُ قومِه ومُصَاصةُ قومِه  ـ  أى أَخْلَصُهُمْ نَسَبًا وكذلك الاثنان والجميعُ والمؤنثُ ورجل نَظُورةٌ  ـ  سَيِّدُ قومِه الواحدُ والجميع والمؤنث فيه سواء ورجل صَمِيمٌ مَحْضٌ وكذلك الاثنان والجميع والمؤنث ومن هذا الباب يقال (رجل جُنُبٌ ورجال جُنُبٌ) وفى التنزيل (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ويقال بَعِير هِجَانُ وناقة هِجَان وإبل هِجَانٌ  ـ  وهى التى قد قاربَتِ الكَرَمَ وقد جمعوا فقالوا هَجائنُ فأما قول على كرم الله وجهه (١)

* هذا جَنَاىَ وهِجَانُه فيهْ*

فانما عَنَى كبارَه * ومن هذا الباب (دِلَاصٌ) يقع للواحد والجميع وقد قدّمت أن هِجَانا ودِلَاصًا جمعُ هِجانٍ ودِلَاصٍ وبينتُ وجه ذلك وأنعمت تمثيله فى باب فِعَالٍ وأريتك الوجهين وفرقت بينه وبين جُنُبٍ ويقال أُذُنٌ حَشْرٌ واذُنانِ حَشْرٌ  ـ  اذا كانت ملتزقة بالرأس قال ذو الرمة

لَها أُذُنٌ حَشْرٌ وذِفْرَى أَسِيلةٌ

وخَدٌّ كِمْرآةِ الغريبةِ أسجَحُ

وقال الراعى

__________________

(١) قوله فأما قول على الخ قال أبو عبيد ذكر ابن الكلبى أن أول من قال هذا المثل عمرو بن عدى اللخمى ابن أخت جذيمة ثم قال وأراد علىّ رضى الله عنه بقول ذلك انه لم يتلطخ بشئ من فىء المسلمين بل وضعه موضعه ويروى وخياره فيه يضرب هذا مثلا للرجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده كتبه مصححه

٣٣

واذْنانِ حَشْرٌ اذا أَفْرَعَتْ

شُرَافِيتَّانِ اذا تَنْظُرُ

أَفْرعَتْ رُفِعَتْ وروى ابن الانبارى افْزِعت أى حُمِلَتْ على الفَزَع وقوله شُرَافيتانِ معناه مرتفعتان وربما قالوا اذُنٌ حشرة فزادوا الهاء والاختيار أُذُن حَشْر بغير هاء قال النمرى فى ادخال الهاء

لها أُذُنٌ حَشْرةٌ مَشْرةٌ

كاعلِيطِ مَرْخٍ اذا ما صَفِرْ

والحَشْرُ مصدر حَشَرَ قُذَذَ السَّهْم حَشْرًا اذا ألْصَقَ قُذَذَها فهو بمنزلة صَوْم وفِطْرٍ وحَمْدٍ فى ترك التثنية والجمع والتأنيث ويقال سَهْمٌ حَشْرٌ اذا كان رَقيقا ويقال شئ (لَقًى) اذا كان مُلْقًى وأشياءُ لَقًى وربما ثنوا وجمعوا قال الحَرِثُ بن حِلِّزةَ

فَتَاوَّتْ لهم قَراضِبةٌ منْ

كُلِّ حَىٍّ كانهمْ ألْقاءُ

ومن ذلك (المَلَكُ) يكون للواحد والجميع بلفظ واحد قال الله تعالى (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) وقال فى موضع آخر (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) وقد قدّمت ما فى المَلَكِ من اللغات وكذلك (البَشَرُ) الانسانُ يقع على الواحد وعلى الجميع وقال الفراء رأيت العرب لا تجمع وان كانوا يثنون قال الله تعالى (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال تعالى فى الجمع (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) وقال قوم زعم الفراء أنه سمع مررت بجُنُبِينَ يعنى بقوم جُنُبٍ فجمع الجنب هنا لأن القوم قد حُذِفُوا فلم يُؤَدِّ الجُنُبُ اذا أفرد عن المعنى قال وانما ثَنَّتِ العربُ فى الاثنين وتركوا الجمعَ غير مجموع لان الاثنين يؤديان عن أنفسهما عددَهما وليس شئ من المجموع يؤدى اسْمُه عن نفسه ألا تَرى أنك اذا قلت عندك درهمان لم تحتج الى أن تقول اثنان فاذا قلت عندى دراهم لم يعلم عددها حتى تقول ثلاثة أو أربعة وقالوا دِرْهَمٌ ضَرْبٌ ودراهم ضَرْبٌ وكذلك أضافوا فقالوا درهمٌ ضَرْبُ الاميرِ وقالوا ثَوْبٌ نَسْجُ اليَمنِ وثيابٌ نَسْجُ اليمنِ وليلةٌ دُحًا وليال دُجًا لانه لا يجمع لانه مصدر وُصِفَ به ويوم غَمٌّ ونَحْسٌ وأيام غَمٌّ ونَحْسٌ فاما نَحْسَاتٌ من قوله تعالى (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) فزعم الفارسى أنه يكون من باب عُدُولٍ وأن يكون مخففا من فَعِلَاتٍ وصرح أنهم لم يجمعوا درهما ضَرْبَ الامير ولا ثوبا نَسْجَ اليمن ولا يوما غَمًّا الا بافراد اللفظ بالوصف فاما ما جاء من ذلك وليس لفظُه

٣٤

لفظَ المصدر فقولهم ماء فُراتٌ ومياه فُرات وقد جمعوا فقالوا مياهٌ فِرْتانٌ ذكره ابن السكيت عن اللحيانى فى الالفاظ وقالوا ماء شَرُوبٌ ومِيَاه شَرُوب وماء ملْح ومِيَاهٌ مِلْح وقد جمعوا فقالوا مِلَاح قال عنترة

كَانَّ مُؤَشَّرَ العَضُدَيْنِ جَحْلاً

هَدُوجًا بَيْنَ أَقْلِبةٍ مِلَاحِ

وماءٌ قُعٌّ وقُعَاعٌ ومِيَاهٌ قُعَاعٌ وماء عُقٌّ وعُقَاقٌ اذا اشتدَّتْ مَرارتُه وماء أُجاجٌ ومِياهٌ أُجاجٌ وماء مَسُوسٌ ومياه مَسُوسٌ  ـ  وهو ما نالتْهُ الايدى وماءٌ أسْدامٌ ومِياهٌ أَسْدامٌ  ـ  اذا تغيرتْ من طُول القِدَم* ابن السكيت* (الخَوَلُ) يكون واحدا وجمعا ويقع على العبد والامة (والجَرِىُ) الوكيل الواحدُ والجميع والمؤنث فى ذلك سواء قال أبو حاتم وقد قالوا فى المؤنث جَرِيَّة وهو قليل *[عم]

وقالوا نخلة عُمٌّ ونخيل عُمٌ [كُبْر وإكْبِرَّة] * أبو عبيد* هو كُبْرُ قومِه وإكْبِرَّةُ قومه مثالُ إفْعِلَّة  ـ  اذا كان أقْعدَهم فى النَّسَب والمرأة فى ذلك كالرجل [مفزع] وفلان لنا مَفْزَعٌ ومَفْزَعةٌ الواحد والاثنان والجميع والمؤنث فيهما سواء وقد قيل هو مَفْزَعٌ لنا  ـ  أى مَغاثٌ ومَفْزَعةٌ  ـ  يُفْزَع من أجله ففرقوا بينهما (الأَناث) مذكر لا يجمع و (الخَلِيطُ) واحد وجمع و (البُصاقُ) خِيارُ الابل الواحد والجمع فيه سواء [العُنْجُوجُ] فاما العُنْجُوجُ  ـ  الرائعُ من الخيل فانه يكون للمذكر والمؤنث بلفظ واحد الا أنه يثنى ويجمع *[خصب] وأرض خِصْبٌ وأرضون خِصْب الجمع كالواحد و (الضَّنْكُ) الضَّيِّقُ من كل شئ والذكر والانثى فيه سواء وقالوا رجل [صرور] صَرُورٌ وصَرُورةٌ وصَارُورٌ وصارُورةٌ  ـ  وهو الذى لم يَحُجَّ وقيل الذى لم يتزوج الواحد والاثنان والجميع والمذكر والمؤنث فى ذلك سواء والبَسْلُ  ـ  الحرام والحلال الواحد والجميع والانثى فيه سواء [سوقة] ورجل سُوقةٌ  ـ  دون المَلِكِ وكذلك الانْسانُ  ـ  للواحد والجميع والمؤنث

ومما وصفوا به الانثى ولم يدخلوا فيها

علامَة التأنيث

وذلك لغلبته على المذكر قولُهم أَمِيرُ بَنِى فُلانٍ امرأةٌ وفلانةُ وَصِىُّ بَنِى فُلان

٣٥

ووكيلُ فلان وجَرِىُّ فلان  ـ  أى وكيله وكذلك يقولون مُؤَذِّنُ بَنِى فلانٍ امرأةٌ وفلانةُ شاهدُ بَنِى فلانٍ ولو أفردت لجاز أن تقول أميرة ووكيلة ووصية وأنشد قول الشاعر

نَزُورُ أَمِيرَنا خُبْزًا بسَمْنٍ

ونَنْظُر كيفَ حادَثَتِ الرَّبابُ

فَلَيْتَ أَمِيرَنا وعُزِلْتَ عَنَّا

مُخَضَّبةٌ أنامِلُها كَعابُ

وربما أدخلوا الهاء فاضافوا فقالوا فلانةُ أميرةُ بنى فلان وكذلك وكيلة وجَرِيَّةٌ ووَصِيَّة وسمع من العرب وَكِيلاتٌ فهذا يدل على وَكِيلة قال عبد الله بن هَمَّام السَّلُولِىُ

فلو جاؤُا ببَرَّةَ أو بِهِنْدٍ

لَبايَعْنا أميرةَ مُؤْمِنينا

وقال هى عَدِيلِى وعَدِيلَتى بدليل ما حكاه أبو زيد من قولهم عَدِيلاتٌ

باب أسماء السُّوَر وآياته ما ينصرف منها

مما لا ينصرف

تقول هذه هُودٌ كما ترى اذا أردت أن تحذف سورة من قولك هذه سورةُ هودٍ فيصير هذا كقولك هذه تميم* اعلم أن أسماء السور تأتى على ضربين أحدهما أن تحذف السورة وتقدّر اضافتها الى الاسم المُبْقَى فتحذف المضافَ وتُقيم المضافَ اليه مُقامَه والآخر أن يكون اللفظ المُبْقَى هو اسم السورة ولا تقدّر اضافة فاذا كانت الاضافة مقدّرة فالاسم المُبْقَى يجرى فى الصرف ومنعه على ما يستحقه فى نفسه اذا جُعل اسما للسورة فهو بمنزلة امرأة سميت بذلك فأما يونُسُ ويوسفُ وابراهيم فسواءٌ جعلتها اسما للسورة أو قدّرت الاضافة فانه لا ينصرف لان هذه الاسماءَ فى أنفسها لا تنصرف فأما هُودٌ ونوحٌ فان قدّرت فيهما الاضافة فهما منصرفان كقولك هذه هودٌ وقرأت هُودًا ونظرت فى هودٍ لانك تريد هذه سورة هود وقرأت سورة هود والدليل على صحة هذا التقدير من الاضافة أنك تقول هذه الرحمن وقرأت الرحمن ولا يجوز أن يكون هذا الاسم اسما للسورة لانه لا يسمى به غير الله وانما معناه هذه

٣٦

سورة الرحمن واذا جعلتهما اسمين للسورة فهما لا ينصرفان على مذهب سيبويه ومن وافقه ممن يقول ان المرأة اذا سميت بزيد تصرف ولا تصرف فهو يُجِيزُ فى نوح وهود اذا كانا اسمين للسورتين أن يصرف ولا يصرف وكان بعض النحويّين يقول انها لا تصرف وكان من مذهبه أن هندا لا يجوز صرفها ولا صرف شئ من المؤنث يسمى باسم على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كان ذلك الاسم مذكرا أو مؤنثا ولا يصرف دَعْدًا ولا جُمْلاً ولا نُعْمًا وأما حم فغير مصروف جعلتها اسما للسورة أو قدّرت الاضافة لانها معرفة أجريت مُجْرَى الاسماء الاعجمية نحو هابيل وقابيل وليس له نظيرٍ فى أسماء العرب لانه فاعيل وليس فى أبنيتهم قال الشاعر وهو الكميت

وَجَدْنا لَكُمْ فى آلِ حاميمَ آيةً

تَأَوَّلَها مِنَّا تَقِىٌّ ومُعْرِبُ

وقال الشاعر أيضا

أو كُتُبًا بُيِّنَّ من حامِيمَا

قد علمتْ أَبْناءُ إبْراهِيما

وقال غيره أيضا

يُذَكِّرُنِى حاميمَ والرُّمْحُ شاجرٌ

فهَلَّا تَلَا حامِيمَ قبلَ التَّقَدّمِ

وكذلك طس ويس اذا جعلتهما اسمين جريا مجرى حاميم وان أردت الحكاية تركته وقفا على حاله لانها حروف مقطعة مبنية وحكى أن بعضهم قرأ ياسينَ والقرآنِ وقافَ والقرآنِ فجعل ياسين اسما غير منصرف وقدّر اذكر ياسين وجعل قاف اسما للسورة ولم يَصْرف وكذلك اذا فتح صاد ويجوز أن يكون ياسين وقاف وصاد أسماء غير متمكنة بنيت على الفتح كما قالوا كيف وأين وأما طسم فان جعلته اسما لم يكن لك بُدٌّ من أن تحرّك النون وتصير ميم كانك وصلتها الى طاسين فجعلتها اسما بمنزلة درابَ جِرْدَ وبَعْلَ بَكَّ وان حَكَيْتَ تركتَ السواكنَ على حالها يريد أنك تجعل طاسين اسما وتجعل ميم اسما آخر فيصير بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا كحضْرَمَوْتَ فتقول هذا طاسين ميم وقرأت طاسين ميم ونظرت فى طاسين ميم وان شئت تركتها سواكن وأما كهيعص والمر فلا يَكُنَّ الا حكاية وان جعلتها بمنزلة طاسين لم يجز لانهم لم يجعلوا طاسين كحضرموت ولكنهم جعلوها بمنزلة هابيلَ وهارُوتَ وان قلت أجعلها بمنزلة طاسين ميم لم يجز لانك وصلت ميم الى طاسين ولا يجوز أن تصل خمسة أحرف

٣٧

الى خمسة أحرف فتجعلَهن اسما واحدا وان قلتَ أجعلُ الكاف والهاء اسما ثم أجعل الياء والعين اسما فاذا صارا اسمين ضممتُ أحدهما الى الآخر فجعلتُهما كاسم واحد لم يجز ذلك لانه لم يجئ مثل حَضْرَمَوْتَ فى كلام العرب موصولا بمثله وهذا أبعد لانك تريد أن تصله بالصاد فان قلت أدَعُه على حاله وأجعله بمنزلة اسماعيل لم يجز لان اسماعيل قد جاء عدّة حروفه على عدة حروف أكثر العربية نحو اشهيباب و (كهيعص) ليس على عدة حروفه شئ ولا يجوز فيه الا الحكاية* قال أبو سعيد* طوّل سيبويه هذا الفصل لانه أورد وجوها من الشُّبَهِ على ما ذهب اليه فى حكاية (كهيعص) و (المر) وذلك أن أصل ما بنى عليه الكلام أن الاسمين اذا جعلا اسما واحدا فكل واحد منهما موجود مثله فى الاسماء المفردة ثم تضم أحدهما الى الآخر فمن أجل ذلك أجاز فى (طسم) أن يكونا اسمين جعلا اسما واحدا فجعل طاسين اسما بمنزلة هابيل وأضافه الى ميم وهو اسم موجود مثله فى المفردات ولا يمكن مثل ذلك فى (كهيعص) و (المر) اذا جعل الاسمان اسما واحدا لم يجز أن يضم اليهما شئ آخر فيصير الجميع اسما واحدا لم يجز لانه لم يوجد مثل حضرموت فى كلام العرب موصولا بغيره فقال سيبويه لم يجعلوا طاسين كحَضْرَمَوْتَ فيضموا اليها ميم لئلا يقول قائل ان اسمين جعلا اسما واحدا ثم ضم اليهما شئ آخر وكانّ قائلا قال اجعلوا الكاف والهاء اسما ثم اجعلوا الياء والعين اسما ثم ضُمُّوها الى الاول فيصير الجميع كاسم واحد ثم صِلُوه بالصاد فقال لم أَرَ مثلَ حَضْرَموتَ يضم اليه مثلُهُ فى كلامهم وهذا أبعد لانه يضم اليهما الصاد بعد ذلك ثم احتج على من جعله بمنزلةُ اسماعيل بان لاسماعيل نظيرا فى أسماء العرب المفردة فى عدة الحروف وهو اشهيباب و (كهيعص) ليس كذلك وذكر أبو على أن يونس كان يجيز (كهيعص) وتفريقَه الى كاف ها يا عين صاد فيجعل صاد مضموما الى كاف كما يضم الاسم الى الاسم ويجعل اليه فيه حشوا أى لا يعتد به واذا جعلت ن اسما للسورة فهى عند سيبويه تجرى مجرى هند لان النون مؤنث فهى مؤنث سميت بمؤنث واستدل سيبويه على أن (حم) ليس من كلام العرب أن العرب لا تدرى ما معنى (حم) قال فان قلت ان لفظ

٣٨

حروفه لا يشبه لفظ حروف الاعجمى فانه قد يجىء الاسم هكذا وهو أعجمى قالوا قابوس ونحوه من الاسماء لان حا من كلامهم وميم من كلامهم يعنى من كلام العجم كما أنهما من كلام العرب وكذلك القاف والالف والياء والواو والسين ولغات الامم تشترك فى أكثر الحروف وان أردت أن تجعل اقتربت اسما قطعت الالف ووقفت عليها بالهاء فقلت هذه إقتربه فاذا وصلت جعلتها تاء ولم تصرف فقلت هذه اقْتَرَبَتُ يا هذا وهذه تَبَّتُ وتقول هذه تَبَّهْ فى الوقف فاذا وصلت قلتَ هذه تَبَّتْ يا هذا ويجوز أن تحكيها فتقول هذه اقتربتْ وهذه تَبَّتْ بالتاء فى الوقف كما تقول هذه إنَّ اذا أردت الحكاية

هذا باب أسماء القبائل والاحياء وما يضاف

الى الام والاب

أما ما يضاف الى الآباء والامهات فنحو قولك هذه بنو تميم وهذه بنو سَلُول ونحوُ ذلك فاذا قلت هذه تميمٌ وهذه أَسَدٌ وهذه سَلُول فانما تريد ذلك المعنى غير أنك حذفتَ المضافَ تخفيفا كما قال عزوجل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ويَطؤُهم الطَّريقُ وانما يريد أهلَ القرية وأهل الطريق* قال الفارسى* اعلم أن آباء القبائل وأمهاتها اذا لم يضف اليها البنون قد تأتى على ثلاثة أوجه أحدها أن يحذف المضافُ ويُقامَ المضافُ اليه مُقامَه فيجرى لفظه على ما كان وهو مضاف اليه فيقال هذه تميم وهؤلاء تميم ورأيت تميما ومررت بتميم وأنت تريد هؤلاء بنو تميم فتحذف المضاف وتُقيم المضافَ اليه مقامه فى الاعراب فان كان المضاف اليه منصرفا بَقَّيْتَه على صرفه وان كان غير منصرف منعته الصرف كقولك هذه باهلةُ ورأيت باهلةَ ومررت بباهلةَ وأنت تريد رأيت جماعةَ باهلةَ لان باهلة غير مصروفة فهذا الوجه يشبه قوله عزوجل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) على معنى أهل القرية والوجه الثانى أن تجعل أبا القبيلة عبارةً عن القبيلة فيصير اسمُ أبى القبيلة كاسم مؤنث سميت بذلك الاسم وذلك قولك هذه تميمُ ورأيت تميمَ ومررت بتميمَ وهذه أسدُ ورأيتُ أسدَ ومررتُ بأسدَ

٣٩

كأنَّ امرأةً سميت بأسد فلا تصرف وعلى هذا تقول هذه كَلْبُ ورأيتُ كَلْبَ ومررت بكلبَ فيمن لا يصرف امرأة سميت بزيد ومن صرف قال هذه كلبٌ والوجه الثالث أن تجعل أبا القبيلة اسما للحى فيصير بمنزلة رجل سمى بذلك الاسم فان كان مصروفا صرفته وان كان غير مصروف لم تصرفه* فمما يصرف تميمٌ وأسدٌ وقريشٌ وهاشمٌ وثَقِيفٌ وعَقِيلٌ وعُقَيْلٌ وكذلك يقال بنو عقيل وما أشبه ذلك ومما لا يصرف باهلةُ وأعْصُر وضَبَّةُ وتَدُولُ وتَغَّلِبُ ومُضَرُ وما أشبه ذلك لان هذه أسماءٌ لو جعلت لرجل لم تنصَرِف وانما يقال هؤلاء تميمٌ أو هذه تميمٌ اذا أفردتَ الاضافَة ولا يقال هذا تميم لئلا يلتبس اللفظ بلفظه اذا أخبرتَ عنه أرادوا أن يفصلوا بين الاضافة وبين افرادهم فكرهوا الالتباس وقد كان يجوز فى القياس أن يقال هذا تَميم فى معنى هذا حَىُّ تَميم ويُحذف الحىُّ ويقامُ تميمٌ مُقامَه ولكن ذلك لا يقال للبس على ما ذكره سيبويه وقد يقال جاءت القرية وهم يريدون أهل القرية فَأَنثُوا للفظِ القرية وقد كان يجب على هذا القياس أن يقال هذا تميمٌ وان أردت به بنى تميم فتوحد وتذكر على لفظ تميم ففَصَلَ سيبويه بينهما لوقوع اللبس وكأن القرية كثر استعمالها عبارةً عن الاهل ولا يقع اللبس فيها اذا أضيف فعل اليها ثم مثل سيبويه أن اللفظ قد يقع على الشئ ثم يحمل خبره على المعنى كقولهم القوم ذاهبون والقوم واحدٌ فى اللفظ وذاهبون جماعة ولا يقولون القوم ذاهبٌ ومثلُه ذهبتْ بعضُ أصابعه وما جاءتْ حاجتُك فحمل تأنيث ذهبتْ وجاءتْ على المعنى كانه قال ذهبت أصابعه أو ذهبت اصبعه وأَيَّةَ حاجةٍ جاءتْ حاجتُك وكذلك قولُهم هذه تميم وهؤلاء تميم انما حمل على جماعة تميم أو بنى تميم وأنشد سيبويه من الشواهد على أن أبا القبيلة يُجعل لفظُه عبارةً عن القبيلة قولَ بنت النُعمان بن بشير

بَكَى الخَزُّ مِنْ رَوْحِ وأَنْكَرَ جِلْدَهُ

وعَجَّتْ عَجِيجًا من جُذَامَ المَطارِفُ

فجعل جُذَام وهو أبو القبيلة اسما لها فلم يصرف وأنشد أيضا

فان تَبْخَلْ سَدُوسُ بِدِرْهَمَيْها

فانَّ الرِّيحَ طَيِّبةٌ قَبُولُ

فاذا قلتَ وَلَدَ سَدُوسٌ كذا وكذا ووَلَد جُذامٌ كذا وكذا صَرَفْتَه لانك أخبرتَ عن

٤٠