المخصّص - ج ١٧

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٧

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

وقال أصحابنا انه اجتمع فيه علتان أنه عُدِل عن تأنيث وانه نَكِرةٍ والنكرة أصلُ الاشياء فهذا كان ينبغى أن يخففه لان النكرة تخفف ولا تُعَدّ فرعا وقال غيرهم هو معرفة وهذا محال لانه صفة للنكرة قال الله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فمعناه اثنين اثنين قال الشاعر

وَلكِنَّما أهلِى بوادٍ أَنِيسُهُ

سِبَاعٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى ومَوْحَدُ

وقال فى سورة الملائكة فى قوله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فتح ثُلاث ورُباع لانه لا ينصرف لعلتين احداهما أنه معدول عن ثلاثةٍ ثلاثةٍ وأربعةٍ أربعة واثنين اثنين والثانية أنَّ عَدْلَه وقع فى حال النكرة فأنكر هذا القولَ فى النِّساء على من قاله فقال العَدْل عن النكرة لا يوجب أن يُمْنَع من الصرف له قال أبو على رادّا عليه اعلم أن العَدْلَ ضَرْبٌ من الاشتقاق ونوعٌ منه فكل مَعْدُولٍ مشتقٌّ وليس كلٌّ مشتقٍّ معدولاً وانما صار ثِقَلا وثانيا أنك تلفظ بالكلمة وتريد بها كلمة على لفظ آخَرَ فمن ههنا صار ثقلا وثانيا (١) ألا ترى أنك تريد بعُمَر وزُفَر فى المعرفة عامرا وزافرا معرفتين فأنت تلفظ بكلمة وتريد أخرى وليس كذلك سائرُ المشتقات لانك تُرِيد بسائر ما تشتقه نفسَ اللفظ المشتقِّ المسموع ولستَ تُحِيلُ به على لفظ آخر يدل على ذلك أن ضاربا ومَضْرُوبا ومُسْتَضْرِبا ومُضْطَربا ونحو ذلك لا تريد بلفظِ شئ منه لفظَ غيره كما تريد بعُمَر عَامِرًا وبِزُفَر زَافِرا وبِمَثْنى اثنين فصار المعدول لِما ذكرنا من مخالفته لسائر المشتقات ثِقَلا اذ ليس فى هذا الجنس شئ على حده فلما كان العدل فى كلامهم ما وصفناه لم يجز أن يكون العدلُ فى المعنى على حدّ كونه فى اللفظِ لانه لو كان فى المعنى على حدّ كونه فى اللفظ لوجبَ أن يكونَ المعنى فى حال العَدْل غيرَ المعنى الذى كان قبل العدل كما أن لفظَ العدل غيرُ اللفظ الذى كان قبل العدل وليس الأمرُ كذلك ألا ترى أنّ المعنى فى عُمر هو المعنى الذى كان فى عامر والمعنى الذى فى مَثْنَى هو المعنى الذى كان فى اثنين اثنين على أنّ العَدْلَ فى المعنى لو كان ثِقَلاً عندهم وثانيا فى هذا الضَّرْبِ من الاشتقاق لوجب أن يكون ثانيا فى سائر الاشتقاق الذى ليس بعدل كما أنّ التعريفَ لما كان ثانيا كان مع جميع الاسباب

__________________

(١) قلت لقد سبح على بن سيده هنا فى لجة من الخطا لا ساحل لبحرها ولا نجاة من الموت فيها الا بركوب سفينة من التوبة يرجى بعد أوبتها محو حوبتها وتلك اللجة هى قوله ألا ترى أنك تريد بعمر وزفر فى المعرفة عامرا وزافرا معرفتين فأنت تلفظ بكلمة وتريد أخرى الخ فهذا كله تحكم وبهتان باطل وتقوّل على العرب لم يشبه شئ من الحق والصدق ولا حجة لهم ولا شاهد ولا برهان عليه أىّ وحى نزل عليهم بانّ عمر او زفرا فى المعرفة يراد بهما عامر وزافر معرفتان والصواب وهو الحق الذى لا محيد عنه أن عمرا وزفرا مصر وفان غير معدولين أما عمر فمنقول من عمر جمع عمرة الحج فهو مصروف معرفة كان أو نكرة تبعا لاصله ففى الحديث الصحيح اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع عمر وأمّا زفر فمنقول من الزفر كالصرد للاسد والشجاع والبحر والنهر الكثير لماء ولعطية الكثيرة وكتبه محققّه محمد محمود التركزى لطف الله به امين

١٢١

المانعة من الصَّرف ثانيا فلو كان العدلُ فى المعنى ثِقَلا لكان فى سائر الاشتقاق كذلك كما أنّ التعريفَ لما كان ثِقَلا كان مع سائر الاسباب المانعة للصرف كذلك ولو كان كذلك لكان يجب من هذا متى انضم الى بعض المشتقات من أسماء الفاعِلِين أو المَفْعُولِين أو المكانِ أو الزّمانِ أو غيرِ ذلك التعريفُ أن لا يَنْصَرِفَ لحصول المعنيين فيه وهما عَدْل المعنى والتعريفُ كما لا ينصرف اذا انضم الى عدل اللفظ التعريفُ وليس الامرُ كذلك فاذا كان الحكم بالعدل فى المعنى يُؤَدّى الى هذا الذى هو خطأ بلا اشكال عَلِمتَ أنه فاسد وأيضا فانّ العَدْلَ فى المعنى فى هذه الاشياء لا يَصِحُّ كما صحّ العدل فى اللفظ لانّ المعانىَ التى كانت أسماءُ المعدولِ عنها تَدُلُّ عليها مرادةٌ مع الالفاظ المعدولة كما كانت المرادَة فى الالفاظ المعدول عنها هى فكيف يجوز أن يقال انها معدولٌ عنها كما يقال فى الالفاظ وهى مُرَادةٌ مقصودة ألا ترى أنك تريد فى قولك عُمر المعنى الذى كان يدل عليه عامر فاذا كان كذلك لم يكن قولُ من قال ان مَثْنَى ونَحْوَهُ انه لم ينصرف لانه عُدِلَ فى اللفظ والمعنى بمستقيم واذا كان العدل ما ذكرناه من أنه لَفْظٌ يراد به لفظٌ آخَرُ لم يمتنِعْ أن يكونَ العدلُ واقعا على النكرة كما يقع على المعرفة ولم يجز أن يتكرر العدل فى اسم واحد واذا كان كذلك فقول أبى اسحق فى مَثْنَى وثُلاثَ ورُباع لم ينصرف لجهتين لا أعلم أحدا من النحويين ذكرهما وهما أنه اجتمع فيه علتان معدول عن اثنتين اثنتين وأنه عدل عن تأنيث خطأ وذلك أنه لا يخلو أن يكون لما عدل عن اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وعدل عن التأنيث تكرر فيه العدل كما تكرر الجمع فى أكالب ومساجد أو يكون لما عدل عن التأنيث كان ذلك ثقلا آخر من حيث كان المعدول عنه مؤنثا ولم يكن الاوّل المذكّر فلا يجوز أن يكون العدل متكررا فى هذا كما تكرر الجمع فى أكالب ومساجدَ والتأنيثُ فى بُشْرَى ونحوه لما قدمناه من أن العدل انما هو أن يريد باللفظ لفظا آخر واذا كان كذلك لم يجز أن يتكرر هذا المعنى لا فى المعدول عنه ولا فى المعدول ألا ترى أنه لا يستقيم أن يكون معدولا عن اسمين كما لا يجوز أن يكون المعدول اسمين ولا يُوهِمنَّك قول النحويين انه عدل عن اثنين اثنين أنهم

١٢٢

يريدون بمثنى العَدْلَ عنهما انما ذلك تمثيل منهم للفظة المعدول عنها كما يفسرون قولهم هو خير رجل فى الناس وهما خير اثنين فى الناس أن المعنى هما خير اثنين اذا كان الناس اثنين اثنين وخير الناس اذا كانوا رجلا رجلا وكذلك يريدون بقولهم مثنى معدول عن اثنين اثنين يريدون به اثنين الذى يراد به اثنين اثنين لاعن اللفظتين جميعا فاما المعدول فانه لا يكون الا اسما واحدا مفردا كما كان المعدول عنه كذلك ألا ترى أن جميعَ المعدولات أسماءٌ مفردةٌ كما أن المعدول عنها كذلك والمعنى فى المعدول الذى هو مَثْنَى وثُلَاثَ هو المعنى الذى فى اثنين وثَلاثٍ فى أنك تريد بعد العدل اثنين اثنين كما أردت قبله فلا يستقيم اذًا أن يكون تكرر اثنين هنا كتكرر الجمع فى أكالب ونحوه لظهور هذا المعنى فى هذا الضرب من الجمع وخروجه به عن أبنية الآحاد الاوّلِ الى ما لا يُكَسَّرُ للجمع ولا يجوز أيضا أن يكون مَثْنَى لَمَّا عُدِلَ عن التأنيث كان ثِقَلاً آخرَ لما لم يكن المعدولُ عنه هو الاوّل المذكر فصار ذلك ثقلا انضم الى المعنى الاوّل فلم ينصرف والى هذا الوجه قصد أبو اسحق فيما علمناه من فَحْوَى كلامه لان العدل ان سلمنا فى هذا الموضع أنه عن تأنيث لم يكن ثقلا مانعا من الصرف أنها معدولة وعدلها عن تأنيث ولم يمنعها من الصرف أنها معدولة وأنها عدلت عن التأنيث انما امتنعت من الصرف للعدل والتعريف ألا ترى أن سيبويه يصرف جُمَعَ اذا سمى به رجلٌ فى النكرة فان كان لا يصرف أحمد اذا سمى به فكذلك جُمَعُ لم ينصرف فى التأكيد للعدل والتعريف والمعدول غير مؤنث ويدلك على أن العدل عن التأنيث لا يعتد به ثقلا وانما المُعْتَدُّ به نفسُ العدل وهو أن يريد ببناءٍ أو لفظٍ بناءً ولفظا آخر أن التعريف ثان كما أن التأنيث كذلك ولم يكن العدل عن التعريف ثقلا معتدّا به فى منع الصرف ألا ترى أنه لو كان معتدّا به لوجب أن لا ينصرف عمر فى النكرة لانه لو كان يكون فى حال النكرة معدولا ومعدولا عن التعريف وفى صرف عمر فى النكرة فى قول جميع الناس دلالة على أن العدل عن التعريف غير معتدّ به ثقلا واذا لم يعتد به ثقلا لم يجز أيضا أن يعتدّ بالعدل عن التأنيث ثقلا وانما لم ينصرف عمر فى

١٢٣

التعريف للعدل والتعريف كما لم ينصرف جُمَعُ لهما فاذا زال التعريفُ انصرف عُمَر ولم يعتدَّ بالعدل فيه عن التعريف ثقلا فكذلك ينبغى أن يكون المعدول عن التأنيث لان هذا انما هو تأنيث جَمْع ولا يدل جَرْيُه على المؤنث اذا كان جمعا على أن واحدَه مؤنث ألا ترى أنه قد جاء فى التنزيل (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فجرى فى هذا الموضع على جَمْع واحدُه مذكر فلو جاز لقائل أن يقول ان مثنى وبابه معدول عن مؤنث لما جرى على النساء واحداهن مؤنثة لجاز لآخر أن يقول انه مذكر لانه جَرَى صفةً على الاجنحة وواحدُها مذكر وهذا هو القول والوجه وانما جرى على النساء من حيث كان تأنيثُها تأنيثَ الجمع وهذا الضرب من التأنيث ليس بحقيقى ألا ترى أنك تقول هى الرجالُ كما تقول هى النساء فلما كان تأنيث النساء تأنيث جمع جرت عليه هذه الاسماء كما جرت على غير النساء مما تأنيثه تأنيث جمع لان تأنيث الجمع ليس بحقيقى وانما هو من أجل اللفظ فهو مثل الدار والنار وما أشبهُ ذلك وقد جرت هذه الاسماء على المذكر الحقيقى قال الشاعر

أَحَمَّ اللهُ ذلكَ مِنْ لِقاءِ

أُحادَ أُحادَ فى شَهْرٍ حلالِ (١)

فاحادَ أُحادَ جار على الفاعلين فى المصدر حالا وقال الشاعر أيضا

* ولَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَدًا* (٢)

وبيتُ الكتاب جَرَى فيه مَثْنَى ومَوْحَد على ذئاب (٣) وهو جمعٌ فانما نَرى أن النحويين رغبوا عن هذا القول الذى ذهب اليه أبو اسحق لهذا الذى ذكرناه مما يدخل عليه فاما ما ذكره من قوله قال أصحابنا انه اجتمع فيه علتان انه عدل عن تأنيث وانه نكرة والنكرة أصل الاشياء فهذا كان ينبغى أن يخففه لان النكرة تخفف ولا نعدّ فرعا فاعلم أنه غلط بَيِّنٌ فى الحكاية عنهم ولم يَقُلْ فيما علمت أحدٌ منهم فى ذلك ما حكاه عنهم وانما يذهبون فى امتناعهم من الانصراف الى أنه معدول وأنه صفة* قال وقال أبو الحسن وغيره من أصحابنا النكرةُ وان كانت الاصلَ فاذا عدل عنها الاسم كان فى حكم العدل عن المعرفة فى المنع من الصرف اذا انضم اليه غيره لمساواته فى المعنى الذى ذكرناه المعرفةَ يدلك على ذلك امتناعُه من الصرف فى

__________________

(١) قلت لقد أخطأ على بن سيده خطأ كبيرا فى هذا البيت فبدل وغير أوّله ونكر لمعرفين آخره والصواب وهو روايته الحقيقية عند الرواة الثقات

منت لك أن تلاقيني المنايا

أحاد أحاد في الشهر الحلال

 (٢) قلت هذا المصراع لصخر بن عمرو بن الشريد يخاطب بنى مرة بن عوف بعد ما أخذ منهم ثأر أخيه معوية وهو أول بيتين وهما

ولقد قتلتكم ثناء وموحدا

وتركت مرة مثل أمس المدبر

ولقد دفعت الى دريد طعنة

نجلاء تزغل مثل عط المنحر

(٣) قلت لقد أخطأ على بن سيده هنا خطأ عظيما فى قوله وبيت الكتاب جرى فيه مثنى وموحد على ذئاب والصواب وهو الحق الجمع  ـ

١٢٤

النكرة عندهم وليس يصح أن يمنع من صرفه الا ما ذكرناه عنهم من العدل والصفة وقال الفراء العرب لا تجاوز رُباعَ غير أن الكميت قد قال

فلم يَسْتَرِيثُوكَ حَتَّى رَمَيْتَ

فَوْقَ الرِّجالِ خِصالاً عُشارا

فجعل عُشارَ على مَخْرج ثُلاثَ وهذا مما لا يقاس عليه وقال فى مَثْلَث ومَثْنَى ومَرْبَع ان أردت به مذهبَ المصدرِ لا مذهب الصَّرْفِ جَرَى كقولك ثَنَّيْتُهم مَثْنَى وثَلَثْتُهم مَثْلَثًا ورَبَعْتُهم مَرْبَعًا

باب تعريف العدد

قد اختلف النحويون فى تعريف العدد فقال البصريون ما كان من ذلك مضافا أدخلنا الالف واللام فى آخره فقط فصار آخره معرفةً بالالف واللام ويتعرّف ما قبل الالف واللام بالاضافة الى الالف واللام فان زاد على واحد وأكثر أضفتَ بعضا الى بعض وجعلتَ آخره بالالف واللام تقول فى تعريف ثلاثة أثواب ثلاثةُ الاثوابِ وفى مائة درهم مائةُ الدرهمِ وفى مائة ألف درهم مائةُ ألِف الدّرهمِ وليس خلافٌ فى أن هذا صحيح وأنه من كلام العرب قال الشاعر وهو ذو الرمة

وهَلْ يَرْجِعُ التسليمَ أو يَكشِفُ العَمى

ثلاثُ الأَثافِى والدِّيارُ البَلاقِعُ

وأجاز الكوفيونَ ادخالَ الالف واللام على الاوّل والثانى وشبهوا ذلك بالحَسَنِ الوجهِ فقالوا الثلاثةُ الاثوابِ والخمسةُ الدراهمِ كما تقول هذا الحسنُ الوجهِ وقاسُوا هذا بما طال أيضا فقالوا الثلاثُ المائةِ الالِف الدِّرهمِ واذا كان العدد منصوبا فالبصريون يدْخلون الالف واللامَ على الاوّل فتقول فى أحدَ عَشَر درهما الاحَدَ عَشَرَ درهما والعِشْرُونَ درهما والتسعون رجلا وما جَرَى مَجْراه وان طال ويقولون فى عِشْرين ألفَ درهمٍ العشرون ألفَ دِرْهمٍ لا يزيدون غير الالف واللام فى أوّله والكوفيون يُدْخلون الالف واللامَ فيهما جميعا فيقولون العِشْرُونَ الدرهمَ والاحَدَ عَشَر الدرهمَ ومنهم من يُدْخل الالفَ واللام فى ذلك كله فيقولون الاحَدَ العَشَرَ الدرهمَ واختلفوا أيضا فيما كان من أجزاء الدرهم كنِصْفٍ وثُلُثٍ ورُبُع اذا عَرَّفوه فاهلُ البَصْرةِ

__________________

ـ  عليه أنهما جريا فيه على سباع لا على ذئاب كما زعم ولفظ البيت كما قاله منشئه ساعدة بن جؤية الهذلى ورواه سيبويه فى كتابه وغيره فى كتبهم

ولكنما أهلى بواد أنيشه

ساع تبغى الناس مشى وموحد

وهكذا رواه ابن سيده على الصواب فى أول هذه الملزمة وكتبه محققه محمد محمود لطف الله تعالى به

١٢٥

يقولون نصفُ الدرهمِ وثلث الدرهم وربع الدرهم يُدْخلون الالفَ واللامَ فى الاخيرة والكوفيون أجْرَوْه مُجْرَى العدد فقالوا النصفُ الدرهمِ شبهوه بالحَسَن الوجهِ وقال أهل البصرة اذا جعلتَ الجميعَ نَفْسا للمقدار جاز وأتبعتَ الجميعَ اعرابَ المقدار كقولك الخمسةُ الدراهمُ ورأيتُ الخمسةَ الدراهمَ ومررت بالخمسةِ الدراهمِ ولا يختلفون فى هذا فاما الفارسى فقال رَوَى أبو زيد فيما حكاه أبو عمر عنه أن قوما من العرب غَيْرَ فُصحاء يقولونه ولم يقولوا النصفُ الدرهمُ ولا الثلثُ الدرهمُ فامتناعُه من الاطِّرادِ يدل على ضعفه فاذا بلغ المائةَ أُضيف الى المفرد فقيل مائةُ درهمٍ فاجتمع فى المائة ما افترق فى عشر وتسعين من حيث كان عَشْرَ عَشَراتٍ وكان العَقْدَ الذى بعد التسعين وكذلك مائتا درهمٍ وما بعده الى الالف فاذا عُرِّفَ فقيل مائةُ الدرهمِ ومائتا الدرهمِ وثلاثُ مائةِ الدرهم تَعَرَّفَ المضافُ اليه كما تقدّم

باب ذكر العدد الذى يُنْعَتُ به المذكر والمؤنث

وذلك قولك رأيتُ الرجالَ ثلاثَتَهم وكذلك الى العَشْر ورأيت النساءَ ثلاثَتَهن وكذلك الى العشرة تنصبه على الوصف وان شئتَ على المصدر ولذلك جعله سيبويه من باب رأيتُه وحدَه ومررتُ به وحدَه ومَثَّلَ الجميعَ بقوله أفرادا ليُرِيَك كيف وُضعَ موضعَ المصدر وان لم يكن له فعل بما يجرى على الهاء وأبو حاتم يرى الاضافةَ فيما جاوز العشرةَ والعَشْرَ فيقول رأيتهم أحدَ عَشَرَهم وكذلك الى تسعة عشر ورأيتهنَّ إحدى عَشَرَتَهن وكذلك الى التسعَ عشرةً وقال رأيتُهم عِشْرِيهم ورأيتهنَّ عِشْرِيهنَّ ورأيتُهم أحَدَهم وعِشْرِيهم واحْداهنَّ وعِشْرِيهنَّ وكذلك فى الثلاثين وما بعدها والاربعين وما بعدها الى المائة وتقع الاضافة فى المائة والالف على ذلك الحَسْب

هذا باب ما لا يَحْسُن أن تُضِيف اليه الاسماءَ التى تُبَيِّنُ

بها العددَ اذا جاوزتَ الاثنين الى العشرة

وذلك الوصفُ تقول هؤلاءِ ثلاثةٌ قُرَشِيُّون وثلاثةٌ مسلمون وثلاثة صالحون فهذا وَجْهُ

١٢٦

الكلام كراهيةَ أن تُجْعَلَ الصفةُ كالاسم الا أن يضطرَّ شاعرٌ وهذا يدلك على أن النساباتِ اذا قلت ثلاثةُ نَسَّاباتٍ انما يجىء كانه وصف لمذكر لانه ليس موضعا يَحْسُن فيه الصفةُ كما لا يَحْسُنُ الاسمُ فلما لم يقع الا وصفا صار المتكلم كانه قد لفظ بمذكرين ثم وَصَفَهم بها قال الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) قال أبو على قد تقدم من الكلام أن العددَ حَقُّه أن يُبَيَّنَ بالانواع لا بالصفات فلذلك لم يَحْسُنْ أن تقول ثلاثةُ قُرَشِيِّين لانهم ليسوا بنَوْع وانما ينبغى أن تقول ثلاثةُ رجالٍ قُرَشِيِّين وليس اقامةُ الصفة مُقامَ الموصوفِ بالمُسْتَحْسنة فى كل موضع وربما جرت الصفةُ لكثرتها فى كلامهم مَجْرى الموصوف فيستغنى بها لكثرتها عن الموصوف كقولك مررتُ بمثلِك ولذلك قال عزوجل فله عشر أمثالها أى عَشْرُ حَسَناتٍ أمثالِها

باب التاريخ

... (١) التاريخ فانهم يكتبون أوّل ليلة من الشهر كتبتُ مُهَلَّ شهر كذا وكذا ومُسْتَهَلَّ شهرِ كذا وكذا وغُرَّةَ شهرِ كذا وكذا ويكتبون فى أول يوم كذا ويكتبون فى أول يوم من الشهر وكُتِبَ أوّلَ يوم من شهر كذا أو لليلةٍ خَلَت ومَضَتْ من شهر كذا ولا يكتبون مُهَلًّا ولا مُسْتَهَلًّا الا فى أول ليلة ولا يكتبونه بنهار لانه مشتق من الهِلالِ والهلالُ مشتق من قولهم أهَلَّ بالعمرة والحج اذا رفع صوته فيهما بالتلبية فقيل له هِلالٌ لان الناس يُهِلُّون اذا رأوه يقال أُهِلَّ الهلالُ واسْتُهِلَّ ولا يقال أَهَلَ (٢) ويقال أَهْلَلْنا  ـ  اذا دَخَلْنا فى الهلال وقال بعض أهل اللغة يقال له هِلَالٌ لليلتين ثم يقال بعدُ قَمَرٌ وقال بعضهم يقال له هِلالٌ الى أن يَكْمُلَ نورُه وذلك لسبع ليال والاوّلُ أشبه وأكثر وقد أبنتُ ذلك فى باب أسماء القمر وصفاته ويكتبون لثلاث خلون ولأربع خلون ويقولون قد صُمْنا مُذْ ثلاثٍ فيُغَلِّبُونَ الليالىَ على الايام لان الاهلة فيها اذا جاوزت العَشْرَ كان الاختيارُ أن تقول لاحدَى عشرةَ ليلةً خلتْ ومضتْ وانما اختاروا فيما بعد العشرة خلتْ ومضتْ وفيما قبل العشرة

__________________

(١) كذا بالاصل وفيه سقط ولعل الاصل التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله فانهم الخ وانظر اللسان كتبه مصححه

(٢) قوله ولا يقال أهل أى بالبناء للفاعل والذى فى القاموس جوازه فى الهلال ومنعه فى الشهر كالصحاح ورده ابن برى حيث قال وقد قاله غيره نقله فى اللسان فانظره كتبه مصححه

١٢٧

خَلَوْنَ ومَضَيْنَ لان ما بعد العشرة يُبَيَّنُ بواحد أو واحدة وما قبل العشرة يضاف الى جميع واختار أهل اللغة أن يقال للمنصف من شهر كذا فاذا كان يوم ستة عشر قالوا أربعَ عشرةَ ليلةً بقيت وخالَفَهم أهلُ النظر فى هذا وقالوا تقول لخمس عشرة ليلة خلت ولِسِتَّ عشرةَ ليلةً مَضَتْ لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين وهذا هو الحق لان أهل اللغة قد قالوا لو قال لِسِتْ عشرة ليلة مضتْ لكان صوابا فقد صار هذا اجماعا ثم اختاروا ما لم يوافقهم عليه أهل النظر ويكتبون آخر ليلة من الشهر وكُتِبَ آخرَ ليلة من شهر كذا وكذا وكذلك ان كان آخر يوم من الشهر كَتَبُوا وكُتِبَ آخرَ يوم من شهر كذا وسَلْخَ شهرِ كذا فاذا بَقِيَتْ من الشهر ليلة قالوا كتبنا سَلْخَ شهرِ كذا ولم يكتبوا لليلة بقيت كما لم يكتبوا لليلةٍ خلت ولا مضت وهم فى الليلة جعلوا الخاتمة فى حكم الفاتحة حيث قالوا غُرّة شهر كذا ولم يقولوا لليلةٍ خلتْ ولا مضتْ لانهم فيها بعدُ ولم تَمْضِ فقالوا سَلْخَ شهرِ كذا* قال أبو زيد* سَلَخْنا شهرَ كذا سَلْخا فَسَلْخَ فيما يؤرّخ مصدر أقيم مقام اسم الزمان

باب الافعال المشتقة من أسماء العدد

* أبو عبيد* كان القومُ وَتْراً فشَفَعْتُهم شَفْعًا وكانوا شَفْعًا فوَتَرْتُهم وَتْراً* ابن السكيت* الوَتْرُ والوِتْرُ وقد أَوْتَرْتُ ووَتَرْتُ من الوِتْر والخَسَا  ـ  الفَرْدُ والزَّكَا  ـ  الزَّوْجُ قال الكميت

بأدْنَى خَسَا أو زَكَا مِنْ سِنِيكْ

الى أربع فبَقَوْكَ انْتظارا

بقوك  ـ  انتظروك يقال بَقَيْتُه أَبْقِيه  ـ  اذا راعَيْتَهُ ونَظَرْتَهُ ويقال ابْقِ لِى الاذانَ  ـ  أى ارْقُبْهُ لى وقال الشاعر

فما زِلْتُ أَبْقِى الظُّعْنَ حَتَّى كأنَّها

أَواقِى سَدًى تَغْتالُهنَّ الحَوائكُ

وقال آخر فى خَسًا وذَكَرَ قِدْرًا

ثَبَتَتْ قَوائمُها خَسًا وتَرَنَّمَتْ

غَضَباً كما يَتَرَنَّمُ السَّكْرانُ

عَنَى بالقوائم ههنا الأَثافِىَّ* ابن دريد* تَخَاسى الرجلانِ  ـ  تَلاعَبا بالزَّوْج

١٢٨

والفَرْد ويقال ثَلَثْتُ القومَ أَثْلِثُهم ثَلْثًا بكسر اللام اذا كنتَ لهم ثالثا* أبو عبيد* كانوا ثلاثةً فرَبَعْتُهم  ـ  أى صِرْتُ رابعهَم وكانوا أربعةً فَحَمَسْتُهم الى العشرة وكذلك اذا أخذتَ الثُّلُثَ من أموالهم قلتَ ثَلَثْتُهم ثَلْثًا وفى الرُّبُع رَبَعْتُهم الى العُشْر مِثْلُه فاذا جئتَ الى يَفْعلُ قلتَ فى العَدَد يَثْلِثُ ويَخْمِسُ الى العَشرة وفى الاموال يَثْلُثُ ويَخْمُسُ الى العُشْر الا ثلاثة أحرف فانها بالفتح فى الحَدَّين جميعا يَرْبَعُ ويَسْبَعُ ويَتْسَعُ وقال تقول كانوا ثلاثةً فارْبَعُوا  ـ  أى صاروا أربعةً وكذلك أَخْمَسُوا وأَسْدَسُوا الى العَشرة على أَفْعَلَ ومعناه أن يصيروا هم كذلك ولم يقولوا أَرْبَعْتُهم أو رَبَعَهُم فُلانٌ* ابن السكيت* عندى عَشَرةٌ فأَحِّدْهُنَّ وآحِدْهُنَّ  ـ  أى صَيِّرْهن أحدَ عَشَر وحكى بعضُهم فاحْدُهُنَّ فأما أن يَكون على القَلْب كما قَدَّمنا فى حادى عشر وإما أن يكون على ما قَدَّمنا من الحكاية عن الكسائى من أنه سَمِعَ الأسْدَ تقول حادِى عشرين* أبو عبيد* كانوا تسعةً وعشرين فثَلْثتُهم  ـ  أى صِرْتُ لهم تمامَ ثَلاثين وكانوا تسعة وثلاثين فرَبَعْتُهم مثلُ لفظِ الثلاثة والاربعة وكذلك جميع العُقُود الى المائة فاذا بلغت المائَة قلتَ كانوا تسعةً وتسْعينَ فأَمْأَيْتهم مثالُ أَفْعَلْتُهم وكانوا تِسْعَمائة وتسعةً وتسعين فالَفْتُهم ممدودة وكذلك اذا صاروا هم كذلك قلتَ قد أَمْأَوْا وآلَفُوا مثال أَفْعَلُوا أى صاروا مائة وألفا

باب الأبعاض والكسور

* ابن السكيت* عُشْرٌ وتُسْعٌ وثُمُنٌ وسُبُعٌ وسُدُسٌ وخُمُسٌ ورُبُعٌ وثُلُثٌ وجَمْعُ كُلِّ ذلك أفعالٌ وقد تقدّم تصريفُ فِعْلِ جميع هذه الافعال* صاحب العين* النِّصْفُ أحَدُ جُزْءَىِ الكمالِ* الاصمعى* نِصْفٌ فاما نَصْفٌ فلغةُ العامَّة* صاحب العين* نَصْفٌ لغة رديئة فى نِصْفٍ* ابن السكيت* نِصْفُ ونَصْفٌ لغتانِ والكسر أعلى* صاحب العين* والجمع أنصاف وقد نَصَّفْتُ الشئَ  ـ  جعلتُه نِصْفَيْن وقد تقدم تَنْصِيفُ الاناءِ والشَّرابِ والشجرِ فى موضعه والشَّطْرُ  ـ  النِّصفُ والجميع شُطُورٌ وقد تقدم التَّشْطِيرُ فى الاناء والشِّطارُ فى الطَلِىِّ ونحوه

١٢٩

ذكر العَشِيرِ وما جاء على وزنه من أسماء الكسور

* أبو عبيد* يقال ثَلِيثٌ وخَميِسٌ وسَدِيسٌ وسَبِيعٌ والجمع أسباع وثَمِينٌ وتَسِيعٌ وعَشِيرٌ يريد الثُّلُثَ والخُمُسَ والسُّدُسَ والسُّبُعَ والثُّمنَ والتُّسْعَ والعُشْر* قال* وقال أبو زيد لم يعرفوا الخَمِيسَ ولا الرَّبِيعَ ولا الثَّلِيثَ* غيره* السَّبِيعُ  ـ  السابعُ وأنشد أبو عبيد

وألْقَيْتُ سَهْمِى وَسْطَهُمْ حِينَ أَوْخَشُوا

فما صارَلِى فى القَسْمِ الا ثَمِينُها

وأَوْخَشُوا خَلَطُوا وقال فى النَّصِيفِ

* لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نَصِيفُ*

فاما ابن دريد فقال النَّصِيفُ ههنا مِكْيال

ومن الاسماء الواقعة على الأعداد

الاسْتارُ  ـ  أربعة من كُلِّ عددٍ قال جرير

انَّ الفَرَزْدَقَ والبَعِيثَ وأُمَّهُ

وأبا البَعِيثِ لَشَرُّ ما إسْتارِ

والنَّواةُ  ـ  خَمْسةٌ والاوقِيَّةُ  ـ  أربعون والنَّشُّ  ـ  عشْرُونَ والفَرَقُ  ـ  ستة عشر

المقادير والالفاظ الدالة على الاعداد من غير ما تقدم

الشیع ـ مقدار من العدد تقول أفت شهرا وشيع شهر ومعه مائة رجل أو شيع ذلك وآتیک غداً أو شيعه ـ أي بعدع لا يستعمل الا في الواحد

باب الالفاظ الدالة على العموم والخصوص

وهي كل واجمعون اكتعون أبصعون وبعض وأي وما أبين هذه بقسطها من الاعراب واللغة حتى آتى على جميع ذلك ان شاء الله تعالى. فاول ذلك كل وهي لفظة صيغت

١٣٠

الدلالة على الإحاطةِ والجمع كما أن كِلاَ لفظة صيغتْ الدلالة على التثنية وليس كِلاَ من لفظ كُلّ وسأُريك ذلك كلَّه إن شاء الله تعالى. وبعض لفظة صيغت للدلالة على الطائفة لا على الكل فهاتانِ اللفظتانِ دالتان على معنى العموم والخصوص وكُلُّ نهايةٌ في الدلالة على العموم وبَعْضٌ ليست بنهاية في الدلالة على الخصوص ألا ترى أنها قد تقع على نصف الكل وعلى ثلاثة أرباعه وعلى معظمه وأكثره وبالعموم فإنها تقع على الشيء كله ما عدا أقَلّ جُزْءٍ منه وقد بَعَّضْتُ الشيءَ فَرَّقْتُ أجزاءهَ وتَبَعَّضَ هو ويكون بعضٌ بمعنى كُلٍّ كقوله :

أو يَعْتَلِقْ بعضَ النُّفوسِ حِمامُها

فالموتُ لا يأخذ بعضاً ويَدَعُ بعضا ومن العرب من يِزَيدُ بعضا كما يزيد ما كقوله تعالى : " يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذَّي يَعِدُكُمْ " حكاه صاحب العين وهذا خطأ لان بعضا اسم والأسماء لا تزاد فإما هو وأخواتها التي للفصل فإنما زيدت لمضارعة الضمير الحرفَ وقد أنْعَمْتُ شرحَ هذا عند الردِّ على أبي إسحاق في قوله عز وجل : " مَثَلُ الجَنَّةِ " ونحنُ آخذون في تبيين كُلٍّ ومُقَدِّمون لها على بَعْضٍ لفَضْلِ الأعَمِ على الأخَصِّ فأقول. إن كُلاًّ لفظٌ واحد ومعناه جميعٌ ولهذا يحمل مرة على اللفظ ومرة على المعنى فيقال كُلُّهم ذاهبٌ وكلهم ذاهبون وكل ذلك قد جاء به القرآنُ والشعرُ ويُحْذف المضافُ إليه فيقال كُلُّ ذاهبٌ وهو باق على معرفته وبَعْضٌ يجري هذا المجرى وإليهما أومأ سيبويه حين قال هذا باب ما ينتصب خبره لأنه قبيح أن يكون صفةً وهي معرفةٌ لا توصف ولا تكون وصفا وذلك قولك مررتُ بكلٍّ قائما وببعضٍ جالسا وإنما خُروجهما من أن يكونا وصفا أو موصوفين لأنه لا يَحْسنُ لك أن تقول مررت بكلٍّ الصالحين ولا بِبَعْضٍ الصالحين قَبُحَ الوصفُ حين حذفوا ما أضافوا إليه لأنه مخالفٌ لما يضاف إليه شاذٌّ منه فلم يجر في الوصف مجراه كما أنهم حين قالوا يا أبتاه فخالفوا ما فيه الألف واللام لم يصلوا ألفه وأثبتوها وصار معرفة لأنه مضاف إلى معرفة كأنك قلتَ مررتْ بكُلِّهم وببعضهم ولكنك حذفتَ ذلك المضافَ إليه فجاز ذلك كما جاز لاَهِ أَبُوكَ فحذفوا الألفَ واللامين وليس هذا طريقةَ الكلام

١٣١

ولا سبيله لأنه ليس من كلامهم أن يُضْمِروُا الجار وجملةُ هذا وتحليلهُ أنك لا تقول مررتُ بكلٍّ قائما ولا ببعضٍ جالسا مُبْتَدئا وإنما يتكلم به إذا جَرَى ذكر قُوم فتقول مررت بكلٍّ أي مررتُ بكلهم ومررتُ ببعضٍ أي مررت ببعضهِم فيستغني بما جَرَى من الكلام ومعرفةِ المخاطب بما يُعْنَى عن اظهار الضمير وصار ما يَعْرِفُ المخاطبُ مما يُعْنَى به مُغْنِياً عن وصفه ولم يُوَصْف به أيضاً لأنهم لما أقاموه مُقامَ الضمير والضمير لا يوصف به إذ لم يكن تَحْليةً ولا فيه معنى تحليةٍ لم يَصِفُوا به لا يقال مررتُ بالزَّيدين كُلٍّ كما لا يقال مررتُ بكلٍّ الصالحين فإن قال قائل لِمَ لَم يُبْنَ كُلٌّ حين حذفوا المضافَ إليه قيل ليس في كُلٍّ من المعاني التي توجِبُ البناءَ شيءٌ وأصلُ الأسماءِ الأعرابُ وإنما يَحْدُثُ بناؤها لأنها جزء فأتبعنا الجُزْءَ الكلَّ إذ كان كُلٌّ معربا لأنه أسبقُ لعمومه من اتِّباعِ الكُلِّ البعَّضَ فلما أُجْرِيَ مُجْرَى خلافِه لم يُضَمَّنْ معنىَ الحرفِ ولما لم يُضَمَّنْ معناه لم يجب فيه البناءُ وجَرَى على أصلِ الإعرابِ ككُلٍّ وهذا من أقرب ما سمعناه في هذه المسئلة وقد ذُكِرَ فيها غيرُ الذي قلنا فتركناه لأنه لم يصح عندنا وهذا كله تعليل الفارسي وحكى سيبويه في كُلٍّ التأنيثَ فقال كُلَّتُهنَّ منطلقةٌ ولم يَحْكِ ذلك في بعض فأما كِلاَ فليس من لفظ كُلٍّ كُلُّ مضاعفٌ وكِلاَ معتل كمِعاً ألفه منقلبة عن واو بدلالة قولهم كِلتْا إذ بدلُ التاء من الواو أكثر من بدلها من الياء وقد أبَنْتُ ذلك في باب بِنْتٍ وأخت بنهاية البيان وأجْمَعُ معرفةٌ تقول رأيتُ المالَ أجمعَ ورأيتَ المالَيْن أجْمَعَيْنِ وقالوا رأيت القومَ أجْمَعِين وليس أجمْعُونَ وما جَرَى مَجْراه بصفة عند سيبويه وكذلك واحدُه ومذكرهُ ومؤنثه وإنما هو اسم يجري على ما قبله على إعرابه فيُعَمُّ به ويُؤَكَّدُ فلذلك قال النحويون أنه صفة ولو كان صفةً لما جرى على المضمر لأن المضمر لا يوصف ومما يدلك على أنه ليس بصفة أنه ليس فيه معنىَ إشارةٍ ولا نَسَبٍ ولا حِلْيةٍ وقد غَلِظَ قومٌ فَتَوهَّمُوه صِفَةً وقد صرح سيبويه أنه ليس بصفة وقال في باب ما لا ينصرف إذا سميته بأجْمَعَ صرفته في النكرة وقد غلط الزجاجُ في كتابه في باب ما لا ينصرف ورَدَّ عليه الفارسي بعد أن حكي قولَه فقال وقد أغْفَلَ أبو إسحاق

١٣٢

فيما ذهب إليه من جُمَعَ في كتابه فيما لا ينصرف وهذا لفظه. قال : الأصل في جَمْع جَمْعَاءَ جُمْعٌ مثل حَمْراء وحُمْرٌ ولكن حُمْر نكرة فأرادوا أن يُعْدَلَ إلى لفظ المعرفة فعُدِلَ فُعْلٌ إلى فُعَل. قال أبو علي : وليس جَمْعاءُ مثلَ حَمْراءَ فيلزم أن يُجْمَعَ على حُمْرٍ كما أن أَجْمَعَ ليس مثلَ أَحْمر وإنما جَمْعاءُ كطَرْفاءَ وصَحْراءَ كما أن أَجْمَعُ كأحْمد بدلالة جَمْعِهم له على حَدِّ التثنية فقد ذهب في هذا القول عن هذا الاستدلال وعن نص سيبويه في هذا الجنس أنه لا يجمعُ هذا الضربَ من الجَمْع وعما نَصَّ على هذا الحرف بعينه حيث قال وليس واحدٌ منهما يعني من قولك أجمع وأكتعُ إنما وُصِفَ بهما معرفةٌ فلم ينصرفا لأنهما معرفةٌ وأجمعُ هنا معرفةٌ بمنزلة كُلُّهم انقضى كلام سيبويه وما يَجْري هذا المَجْرَى مما يَتْبَعُ أجمعون كقولك أكتعون وأبْصعون وأبتعون وكذلك المؤنثُ والاثنانِ والجميعُ في ذلك حُكْمُه سواءٌ والقولُ فيه كالقول في أجمعين وكلُّه تابعٌ لأجمعين لا يتكلم بواحدٍ منهنَ مُفْردا وكُلُّها تَقْتَضي معنى الإحاطة. ومما يدل على معنى الإحاطة قاطبةً وطُرّاً والجَمَّاءَ الغَفِيرَ ونحن آخذون في تبيين ذلك إن شاء الله تعالى اعلم أن الجَمَّاءَ هي اسم والغَفِيرَ نعتٌ لها وهو بمنزلة قولك في المعنى الجَمُّ الكثير لأنه يراد به الكثرةُ والغَفِيرَ يرادُ به أنهم قد غَطّوا الأرض من كثرتهم غَفَرْتُ الشيءَ إذا غَطَّيتْه ومنه المِغْفَرُ الذي يوضع على الرأس لأنه يُغَطيه ونصبه في قولك مررتُ بهم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ على الحال وقد علمنا أن الحال إذا كان اسما غير مصدر لم يكن بالألف واللام فأخرجَ ذلك سيبويه والخليلُ أن جَعَلا الغفيرَ في موضع العِراكَ كأنك قلتَ مررتُ بهم الجُمومَ الغُفْرَ على معنى مررت بهم جامِّين غافِرِين للأرض أي مُغَطيِّن لها ولم يذكر البصريون أنهما يستعملان في غير الحال وذكر غيرهم شِعَّرا فيه الجَمَّاءُ الغِفيرُ مرفوع وهو قول الشاعر :

صَغيرُهُمُ وشَيْخُهُمُ سَواءٌ * هُمُ الجَمَّاءُ في اللُّؤْمِ الغَفيرُ

وأما قولُهم مررتُ بهم قاطبةً ومررت بهم طُرّاً فعلى مذهب سيبويه والخليل هما في موضع مصدرين وإن كانا اسمين وذلك أن قاطبةَ وإن كان لفظهُا لفظَ الصفات

١٣٣

كقولنا ذاهبة وقائمة وما أشبه ذلك وطُراً وإن كان لفظُها لفظَ صُفْراً وشُهْباً وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز حملُهما إلا على المصدر وقال أنا رأينا المصادر قد يَخْرُجْنَ عن التمكن حتى يستعملن في موضع لا تتجاوزه كقولنا سبحان الله ولا يكون إلا منصوبا مصدرا في التقدير ولَبَّيْكَ وحَنَانَيْكَ وما جَرَى مجراهما مصادرُ لا يستعملنَ إلا منصوباتٍ ولم تَر الصفاتِ يخرجن عن التمكن فلذلك حمل سيبويه قاطبة وطُرّاً على المصدر وصارا بمنزلة مصدر اسْتُعْمِلَ في موضع الحال ولم يَتَجاوزا ذلك الموضعَ كما لم يتجاوز ما ذكرناه من المصادر إن شاء الله تعالى.

اشتقاق أسماء الله عز وجل

أَبْدَأُ بشرح ما اسْتَفْتَحْتُ به ثم أُتْبِعُ ذلك سائرَ أسمائه الحُسْنَى وصفاتهِ العُلَى قيل في اشتقاق اسم قولان أنه مشتق من السُّمُوِّ والثاني من السِّمَة والأول الصحيح من قِبَلِ أن جمعه أسماءٌ على رَدِّ لام الفعل وكذلك تصغيره سُمَيُّ ولأنه لا يُعْرَفُ شيءٌ إذا حذفت فاؤه دخله ألف الوصل إنما تدخله تاء التأنيث كالزِّنةِ والعِدَةِ والصِّفةِ وما أشبه ذلك ويقال سَمَا يَسْمُو سُمُوّاً إذ علا ومنه السماءُ والسَّمَاوةُ وكأنه قيل اسم أي ما علا وظَهَر فصار عَلَما للدلالة على ما تحته من المعنى ونظير الاسْمِ السِّمةُ والعلامةُ وكل ما يصح أن يُذْكَر فله اسم في الجملة لأن لفظه شيءٌ يلحقه وأما في التفصيل كزيد وعمرو ومنها ما لا اسم له في التفصيل وهو بالجملة كل ما لم يكن له اسم عَلَمٌ يختص به كالهَواء والماء وما أشبه ذلك والاسْمُ كلمة تدل على المسمى دلالةَ الإشارِةُ دون الإفادةِ وذلك أنك إذا قلت زيد فكأنك قلت هذا وإذا قلت الرجل فكأنك قلت ذاك فأما دلالة الإفادة فهو ما كان الغرض أن تفيد السامع به معنى أو أخرجته ذلك المخرج كقولك قام وذهب فأما الأول فإنما الغرض فيه أن تشير إليه ليتنبه عليه أو تُخْرجه ذلك المخرج وأنا أكره أن أُطِيل الكتابَ بذكر ما قد أوُلعَتْ به عامَّةُ المتكلمين من رسم الاسم أو حَدِّه والتكلم على المُسَمىَّ هو الاسم أم غير الاسم والفعلُ المُصَرَّفُ من الاسم قولُك أسْمَيْتُ وسَمَّيْتُ مُتَعَدٍّ بحرف الجر وبغير حرف جر تقول سَمَّيته زيدا

١٣٤

وسميته بزيد. قال سيبويه : هو كل تقول عَرَّفْتُه بهذه العلامة وأوضحتُه بها وحكى أبو زيد اسْمٌ واُسْمٌ وسِمٌ وسُمٌ وأنشد :

بسَّمِ الذِّي في كُلِّ سُورةٍ سُمُهْ

والاسمُ منقوصٌ قد حذفت منه لام الفعل وغُيِّر ليكونَ فيه بعضُ ما في الفعل من التصرف إذ كان أَشْبَهَ به من الحرف وقيل أن ألف الوصل إنما لحقتْهُ عِوَضاً من النَّقْصِ فأما الباء في بسم الله فإنما كسرت للفرق بين ما يَجُرُّ وهو حرف وبين ما يجر مما يجوز أن يكون اسما ككاف التشبيه وموضعُ بِسْمِ نصبٌ كأنك قلت أبدأ بسم الله ولم يحتج إلى ذكر أبدأ لأن المُسَّتَفْتحِ مُبْتَدِئٌ فالحال المشاهَدةُ دالة على المحذوف ويصلح أن يكون موضُعه رفعا على ابتدائي بسم اللهِ الفِعْلَ المتروك لأن جميع حروف الجر لا بد أن تتصل بفعل أما مذكورٍ وأما محذوف وبسم الله يجوز أن يكون الفعلُ المحذوفُ العاملُ في موضعه لفظاً صيغتهُ صيغةُ الأمر ولفظاً صيغتُه صيغةُ الخبر وإذا كان كذلك فمعناه معنى الأمر وهم مما يَضَعُون الخبرَ موضعَ الأمر كقوله اتَّقَي اللهَ امْرُؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عليه وكذلك يضعون الأمر موضع الخبر كقولهم أكْرِمْ بزيد والغَرَضُ في بسم الله التعليمُ لما يُسْتَفْتَحُ به الأمور للتبرك بذلك والتعظيم لله عز وجل وهو تعليم وتأديبٌ وشِعارٌ وعَلَمٌ من أعلام الدين وعلى ذلك جرى في شريعة المسلمين يقال عند المأكل والمَذْبحَ وابتداءِ كُلِّ فِعْلٍ خلافا لمن كان يذكر اسم اللاتِ والعُزَّى من المشركين. الله الأصل في قولك الله الْإِلَهُ حذفت الهمزة وجعلت الألف واللام عوضا لازما وصار الاسم بذلك كالعَلمَ هذا مذهب سيبويه وحُذَّاقِ النحويين وقيل الإله هو المستحق للعبادة وقيل هو القادر على ما تَحِقُّ به العبادةُ ومن زعم أن معنى إله معنى معبود فقد أخطأ وشهد بخطئه القرآنُ وشريعةُ الإسلام لأن جميع ذلك مُقِرُّ بأنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شك أن الأصنام كانت معبودةً في الجاهلية على الحقيقة إذ عبدوه وليس بالهٍ لهم فقد تبين أن الإلهَ هو الذي تَحِقُّ له العبادةُ وتجب وقيل في اسم الله أنه علم ليس أصلهُ الإله على ما بينا أوّلا وهو خطأ من وجهين أحدهما أن كُلَّ اسمٍ عَلَمٍ فلا بُدَّ من أن يكون له أصلٌ نُقِلَ

١٣٥

منه أو غُيِّرَ عنه والآخَرُ أن أسماءَ الله كُلَّها صفاتٌ إلا شيءٌ فإنه صح له عز وجل من حيثُ كان أعَمَّ العمومِ لا يجوز أن يكون له اسم على جهة التلقيب والأسماءُ الأعلامُ إنا أجراها أهلُ اللغةِ على ذلك فَسَمَّوْا بكَلْبٍ وقِرْد ومازنٍ وظالم لأنهم ذهبوا به مذهبَ التلقيب لا مذهبَ الوصفِ. قال أبو إسحق إبراهيم بن السِّرِي الزَّجاَّجُ وإذا ذكرنا أبا إسحاق في هذا الكتاب فإياه نريد أكره أن أذكر ما قال النحويون في هذا الاسم تنزيها لاسم الله هذا قوله في أول كتابه في معاني القرآن وإعرابه ثم قال في سورة الحشر في قوله تعالى : " هُوّ اللهُ الخْالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ له الأَسْماءُ الحُسْنَى "(١) جاء في التنزيل أنها تسعة وتسعون اسما ونحن نبين هذه الأسماءَ واشتقاقَ ما ينبغي أن يُبَيَّنَ بها إن شاء الله تعالى فبدأ بتفسير هذا الاسمِ فقال قال سيبويه سألتُ الخليل عن هذا الاسم فقال إلَهٌ فأدْخِلَتْ عليه الألفُ واللام.

فهذا منتهى نقله وحكايته عن سيبويه. قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي رادا على الزجاج في سهوه ما حكاه أبو إسحاق عن الخليل سهو ولم يحك سيبويه عن الخليل في هذا الاسم أنه إلَهٌ ولا قال أنه سأله عنه لكن قال أن الألف واللام بدل من الهمزة في حد النداء في الباب المترجم هذا بابُ ما ينتصب على المدح والتعظيم أو الذم والشتم لأنه لا يكون وصفا للأول ولا عطفا عليه قال وأوّل الفصل اعلم أنه لا يجوز لك أن تُنادي اسماً فيه الألف واللام البتةَ إلا أنهم قد قالوا يا الله اغْفِر لي وهو فصل طويل في هذا الباب إذا قرأتَه وقفتَ عليه منه على ما قلنا قال والقولُ الآخر الذي حكاه أبو إسحق فقال وقال مرة أخرى ولم ينسبه سيبويه أيضاً إلى الخليل لكن ذكره في حد القسم في أوّل باب منه قال وروي عن ابن عباس في قوله جل وعز : " وَيَذَرَكَ وإِلَهَتَك " قال عِبَادَتك فقولنا إلَهٌ من هذا كأنه ذو العبادة أي إليه يُتَوجَّهُ بها ويُقْصَدُ قال أبو زيد تَأَلَّهَ الرجلُ إذا تَنَسَّكَ وأنشد :

سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلِهُّي

ونظيرُ هذا في أنه اسمُ حَدَثٍ ثم جرى صفةً للقديم سبحان قولُنا السَّلاَمُ وفي التنزيل السلامُ المؤمنُ المُهَيْمِنُ والسَّلامُ من سَلَّم كالكلام من كَلَّمَ والمعنى ذو السَّلاَم أي يُسَلِمُ

__________________

(١) قلت قوله جاء في التنزيل أنها تسعة وتسعون اسما غلط فاحش والصواب أن هذا العدد انما جاء في الحديث الصحيح ولفظه ان الله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحد من أحصاها دخل الجنة وليس هذا اللفظ في التنزيل الذي هو الكتاب العزيز وكتبه محققه محمد محمود التركزي لطف الله تعالى به آمین

بیاض بأصله

١٣٦

من عذابه من لم يَسْتَحِقَّه كما أن المعنى في الأوّل أن العبادة تَجِبُ له فإن قلتَ فأَجِزِ الحالَ عنه وتَعَلُّقَ الظرفِ به كما يجوز ذلك في المصادر فإن ذلك لا يلزم ألا ترى أنهم قد أَجْرَوا شيئا من المصدر واسمِ الفاعلِ مُجْرَى الأسماء التي لا تُناسب الفعلَ وذلك قولُك للهِ دَرُّكَ وزيدٌ صاحبُ عمرو أما ما حكاه أبو زيد من قولهم تألَّهُ الرجلُ فإنه يحتمل أن يكون على ضربين من التأويل يجوز أن يكون كمُتَعَبِّدٍ والتَّعَبُّدِ ويجوز أن يكون مأخوذا من الاسم دون المصدر على حدّ قولك اسْتحجرَ الطينُ واسْتَنْوَقَ الجملُ فيكون المعنى أنه يفعل الأفعالَ المُقَرِّبةَ إلى الإلهِ والمُسْتَحق بها الثواب وتسمى الشمسُ الإلاهةَ وإلاهةَ وروى لنا ذلك عن قُطْرُب وأنشد قول الشاعر :

تَرَوَحْنَا من اللَّعْباءِ قَصْراً * وأعَجْلَنْا إلاَهةَ أنْ تَؤُوبا

فكأنهم سموها إلاهَةَ على نحو تعظيمهم لها وعبادتهم إياها وعن ذلك نهاهم الله عز وجل وأمرهم بالتوجه في العبادة إليه دون ما خَلَقَه وأَوْجَدَهُ بعد أن لم يكن فقال : " ومِنْ آياتِه الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ لا تَسجُدوا للشمسِ ولا للقمرِ واسْجدوا للِه الذِّي خَلَقَهُنَّ " ويدلك على ما ذكرنا من مذهب العرب في تسميتهم الشمس إلاهَةَ أنه غير مصروف فقوي ذلك لأنه منقول إذا كان مخصوصا وأكثر الأسماء المختصة الأعلام منقولةٌ نحو زيد وأسد وما يكَثْرُ تعدادُه من ذلك فكذلك إلهةُ تكون منقولة من إلاهةً التي هي العبادة لما ذكرنا وأنشد البيت المتقدم الذكر :

وأعَجْلَنْا إلاهةَ أن تَؤُوبا

غير مصروف بلا ألف ولام فهذا معنى الإلهِ في اللغة وتفسير ابن عباس لقراءة من قرأ ويَذَرَك والَهَتَك وقد جاء على هذا الحدّ غير شيء. قال أبو زيد : لَقِيتُه نَدَرَي وفي النَّدَرَى وفَيْنَةً والفَينْةَ بعدَ الفَينْةِ وفي التنزيل : " ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً " وقال الشاعر :

أمَا ونِماءٍ لا تَزالُ كأنها * على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما

قال فهذا مِثْلُ ما ذكرنا من إلَهةَ والإلَهةِ في دخول اللام المعرّفة الاسم مرة وسقوطها أخرى فإما من قرأ ويذَرَكَ وآلِهَتَك فهو جمع إلَهٍ كقولك إزارٌ وآزِرةٌ وإناءٌ وآنيةُ

١٣٧

والمعنى على هذا أنه كان لفروعة أصنام يعبدها شِيعتَهُ وأتْباعُه فلما دعاهم موسى عليه السلام إلى التوحيد حَضُّوا فرعونَ عليه وعلى قومه وأغْرَوْهُ بهم فإما قولنا اللَهُ جل وعز فقد حمله سيبويه على ضربين أحدهما أن يكون أصلُ الاسم إلَهاً ففاء الكلمة على هذا همزة وعينها لام والألف ألف فِعَال الزائدة واللام هاء والقولُ الآخر أن يكون أصلُ الاسم لاهاً ووزنه فَعَلٌ فأما إذا قَدَّرْتَ أن الأصل إله فيذهب سيبويه إلى أنه حُذفت الفاءُ حذفا لا على التخفيف القياسي على حد قولك الخَبُ في الخَبْءِ وضَوٌ في ضَوْء فإن قال قائل فلم قَدَّره هذا التقديرَ وهَلاّ حمله على التخفيف القياسي إذ تقدر ذلك سائغ فيه غير ممتنع منه والحملُ على القياس أولى من الحمل على الحذف الذي ليس بقياس قيل له إن ذلك لا يخلوا من أن يكون على الحذف كما ذهب إليه سيبويه أو على تخفيف القياس في أنه إذا تحرّكت الهمزة وسكن ما قبلها حذفت وألقيت حركتُها على الساكن فلو كان طرحُ الهمزة على هذا الحد دون الحذف لما لزم أن يكونَ منها عِوَضٌ لأنها إذا حُذِفَتْ على هذا الحَدِّ فهي وإن كانت مُلقَّاةً من اللفظ مُبَقَّاةٌ في النية ومُعَامَلةٌ معاملة المُثبْتَةِ غير المحذوفة يدلك على ذلك تركُهم الياءَ مصححة في قولهم جَيْأل إذا خَفَّفُوا فقالوا جَيل ولو كانت محذوفة في التقدير كما أنها محذوفة من اللفظ للزم قلبُ الياء ألفا فلما كانت الياءُ في نيةِ سكونٍ لم تُقْلَبْ كما قُلِبتْ في بابٍ ونحوه ويدل على ذلك تحريكُهم الواوَ في ضَوٍ وهي طَرَفٌ إذا خففت ولو لم تكن في نية سكون لقلبت ولم تثبت آخرا ويدل عليه أيضاً تبيينهم في نُوىٍ إذا خفف نُؤْيُ ولولا نية الهمزة لقلبت ياء وأدغمت كما فعل في مَرْمِي ونحوه فكما أن الهمزة في هذا المواضع لما كان حذفها على التخفيف القياسي كانت منويةَ المعنى كذلك لو كان حذفُها في اسم اللهِ تعالى على هذا الحدِّ لما لَزِمَ أن يكون من حَذْفِها عوضٌ لأنها في تقدير الإثبات للدلالة التي ذكرناها وفي تَعْوِيضهم من هذه الهمزة ما عَوَّضُوا ما يدل على أن حذفها عندهم ليس على حَدِّ القياس كجَيَلٍ في جَيْألٍ ونحو ذلك بل يدل العِوَضُ فيها على أنهم حَذَفُوها حَذْفا على غير هذا الحَدِّ فإن قال فما العَوِضُ الذي عُوِّضَ من هذه الهمزة لما حُذِفَتْ على الحَدّ الذي ذكرتَ وما الدلالةُ على كونه

١٣٨

عوضا قيل أما العِوَضُ منها فهو الألف واللام في قولهم اللّه وأما الدلالةُ على أنها عوض فاستجازتُهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة على لام التعريف في القَسَمِ والنداء وذلك قولُهم تَأَللّهِ لَيَفْعَلَّن ويا أللّهُ أغْفِرْلي ألا تَرى أنها لو كانتْ غَيْرَ عِوَضٍ لم تَثْبُتْ كما لم تَثْبُتْ في غيرِ هذا الاسمِ فلما قُطِعَتْ هنا اسّتُجِيزَ ذلك فيها ولم يُسْتَجَزُ في غيرها من الهَمَزاتِ الموصولةِ عَلمِنْا أن ذلك لمِعْنّى اخْتَصَّتْ به ليس في غيرها ولا شئَ أَوْلَى بذلك المَعْنَى من أن يكونَ العِوَضَ من الحرفِ المحذوفِ الذي هو الفاء فان قال قائل ما أنكرتَ أن لا يكونَ ذلك المعنى العِوَضَ وإنما يكون كثرةَ الاستعمال فُغِيّرَ بهذا كما يُغَيَّرُ غيرُه مما يكثر في كلامهم عن حال نظائره وَحَدّه قيل لا يَخْلُو من أن يكونَ ذلك العوضَ كما ذكرناه أو يكونَ كثرةَ الاستعمال أو يكون لان الحرفَ ملازمٌ للاسم لا يفارقه فلو كان كثرةُ الاستعمالِ هو الذي أوجبَ ذلك دونَ العِوَضِ لوجب أن تُقْطَعَ الهمزةُ أيضا في غير هذا مما يكثر استعمالهُ ولو كان للزوم الحرفِ لوجبَ أن تُقْطَعَ همزةُ الذي للزومها ولكثرةِ استعمالها أيضا ولَزِمَ قطعُ هذا الهمزة فيما كثر استعماله هذا فاسد لأنه قد يكثرُ استعمالُ ما فيه هذه الهمزةُ ولا تُقْطَعُ فإذا كان كذلك ثَبَت أنه للعِوَضِ وإذا كان للعِوَضِ لم يَجُزْ أن يكون حذفُ الهمزة من الاسم على الحَدّ القياسي لما قدمناه فلهذا حمله سيبويه على هذا الوجه دون الوجه الآخر فقال كان الاسم واللّه أعلم إلَهٌ فلما أدخل فيه الألفُ واللامُ حذفوا الهمزة وصارت الألف واللام خَلَفَا منها فهذا أيضا مما يقوّى أن يكون بمنزلة ما هو من نفسِ الحرفِ فان قال قائل أفَلَيْسَ قد حُذِفَتِ الهمزةُ من الناس كما حُذِفَتْ من هذا الاسم فهل تقول إنها عوض منها كما أن الألف واللام عِوَضٌ من الهمزة المحذوفة في اسم اللّه عز وجل قيل له ليس الألف واللامُ عِوَضًا في الناس كما كانا عِوَضًا منها في هذا الاسم ولو كان عوضا لَفُعِلَ به ما فُعِلَ في الهمزة في اسم اللّه عز وجل لَماْ جُعِلَتْ في الكلمةِ التي دخلت عليها عِوَضًا من الهمزة المحذوفة فان قلت أفليس قد قال سيبويه بعد الكلام الذي ذكرته له ومِثْلُ ذلك أُناسٌ فإذا أدخلت الألف واللام قلتَ الناسُ قيل قد قال هذا ومعنى قوله ومِثْلُ ذلك أناسٌ أي مثلُه في حذف الهمزَ منه في حال

١٣٩

دخول الألف واللام عليه لا أنه بدلُ المحذوفِ كما كان في اسم اللّه تعالى بَدَلاً ويُقَوّى ذلك ما أنشده أبو العباس عن أبي عثمان

اِنَّ المَنايًا يَطَّلعُ * نَ علَى الأُناسِ الآمنينا

فلو كان كان عِوَضًا لم يكن ليجتمعَ مع المُعَوَّضِ منه فإذا حُذِفَتِ الهمزةُ مما لا تَكونُ الألفُ واللاُمِ عِوَضًا منه كانَ حذفُها فيما ثَبَتَ أن الألفَ واللامَ عِوَضٌ منه أَوْلَى وأَجْدَرُ فبُيِّنَ من هذا أن الهمزةَ التي هي فاءٌ محذوفةٌ من هذا الاسم فان قال قائل ما أنكرتَ أن يكون قطعُ الهمزة في الاسم في هذا الوصل لا لشيء مما ذكرتَ من العِوَضِ وكثرةِ الاستعمال ولا للزوم الاسمِ ولكن لشيء آخر غير ذلك كُلِّه وهو أنها همزة مفتوحة وإن كانت موصولة والهمزات الموصولة في أكثر الأمر على ضربين مكسور ومضموم فلما خالف هذا ما عليه الجمهورُ والكثرةَ اسْتُجِيزَ في الوصل قطُعها لمشابهتها إياها في انفتاحها لا لغير ذلك قيل له أن كونها مفتوحة لا يوجب في الوصل قَطْعَها وإن شابهتها في الزيادة ألا ترى أن الهمزة في قولهما يم وأيمن همزة وصل وأنها مفتوحة مثل المصاحبة للأم التعريف ولم تقطع في موضع من مواضع وصلها كما قُطِعَتْ هذه فهذا يدل على أن قطعها ليس لانفتاحها ولو كان ذلك لوجب أن تقطع في غير هذا الموضع لدخول الانفتاح فلما لم تُقْطَعْ في الحرف الذي ذكرناه وهو أّيم اللّه وأّيمن اللّه ولم تقطع في غير هذا الاسم علمنا أن الانفتاح ليس بعلة موجبة للقطع وإذا لم يكن ذلك ثبت أنه ما ذكرناه من العوض فان قدّرته على التخفيف القياسي فكان الأصل الإله ثم خففت الهمزة وما قبلها ساكن فحذفتها وألقيت حركتها على الساكن فاجتمع مثلان فسكنت الأولى فأدغمت وعلى هذا التقدير قوله جل وعز " لكَّنا هو اللّهُ ربي " إلا أن توجيه الاسم على ما ذهب إليه سيبويه القولُ لما ذكرتُ وذكر أبو بكر عن أبي العباس أن الكسائي أجاز بما أُنْزِلِّيْكَ في قوله بما أُنْزِلَ إليك وأدغم اللامَ الأولى في الثانية وشبهه بقوله لكنَّا هو اللّه ربى وهذا خطأ لان ما قبل الهمزة من لكنْ أنا ساكنٌ فإذا خفقتَ حذفتَ فألقيتَ الحركةَ على الساكن وما قبل الهمزة في أُنْزِلَ إليك مُتَحَرِّك فإذا خفقت لم يجز الحذفُ كما جاز في الأوّل

١٤٠