المخصّص - ج ١٧

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٧

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

الى الاول صار بمنزلة تاء التأنيث يفتح ما قبلها وفتح الثانى لان الفتح أخف الحركات ولأن يكون مثل الاول لانهما اسمان جعلا اسما واحدا فلم يكن لاحدهما على الآخر مزيةٌ فَجَريا مَجْرًى واحدًا فى الفتح وقد قلنا ان الذى أوجب فتح الاول هو ضم الثانى اليه وإجْراءُ الثانى مُجْراه لانه ليس أحدهما أولى بشئ من الحركات من الآخر وانتصب ما بعدهما من قبل أن فيهما تقدير التنوين ولا يصح الا كذلك اذ تقديره خمسة وعشرة فالخمسة ليس بعدها شئ أضيفت اليه فوجب أن تكون منونة والعشرة مَحَلُّها محلُّ الخمسةِ فكانت منونةً مثلَها وأيضا فانا لم نر شيئين جعلا اسما وهما مضافان أو أحدهما مضاف فوجب نصب ما بعدهما للتنوين المقدر فيهما وجعل ما بعدهما واحدا منكورا أما جعلْنا له واحدا فلانهما قد دلا على مقدار العدد وبقى الدلالة على النوع فكان الواحدُ منه كافيا اذ كان ما قبله دل على المقدار والعدد وأما جعلنا اياه منكورا فلان النكرة شائعة فى جنسها وليست ببعض الجنس أولى منه ببعض فكانتْ أشكَل بالمعنى الذى أريدت له من الدلالة على الجنس وأدخلَ فيه من غيرها فبُيِّنَ بها النوعُ الذى احتيج الى تبيينه وذلك قولُك أحَدَ عَشَرَ رجلا وخمسَ عشرةَ امرأة فاما المذكر فانك تقول أحدَ عَشَرَ رجلا واثنا عشر رجلا وثلاثةَ عَشَر رجلا الى تسعةً عَشَرَ رجلا فاما أحد فالهمزة فيه منقلبة من واو وقد أبنتُ ذلك وأوضحته بشرح الفارسى وكذلك احدى عشرة وقد أبنتها هنالك وأما اثنا عشر فما بعدها فقد أبنتها فى المبنيات بغاية الشرح فلا حاجة بنا الى اعادتها هنا وأما ثنتا عشرة ففيها لغتان ثِنْتَا عَشْرةَ واثنتا عشرة فالذى قال اثنتا عشرة بناه على المذكر فقال للمذكر اثنان وللمؤنث اثنتان كما تقول ابنان وأبنتان والذى يقول ثِنْتا عشرة بَنَى ثِنْتا على مثال جِذْعِ كما قال بِنْت فألحقها بِجِذْعٍ وتقول ثِنْتانِ كما تقول بِنْتانِ ولم تدخل هذه التاء على تقدير أن يكون ما قبلها مذكرا لانها لو دخلت على سبيل ذلك لأوجبتْ فَتْحَ ما قبلها والكلام فى تغير الالف فى ثنتان واثنتان اذا قلت ثنتا عشرة وثنتى عشرة وأما ثمانى عشرة فان أكثر العرب يقولون ثمانِىَ عَشْرةُ كما يقولون ثلاثَ عَشْرةَ وأربعَ عَشْرَةَ ومنهم من يسكن الياء فيقول ثمانى عشرة قال الشاعر

١٠١

صَادَف من بَلائِه وشِقْوَتِهْ

بنتَ ثَمانِى عَشْرةٍ من حِجَّتِهْ

وانما أسكن الياء كما أسكن فى معد يكرب وقَالِى قَلَا وأيادى سَبَا لان الياء أثقل من غيرها وغيرها من الصحيح انما يفتح اذا جعل مع غيره اسما واحدا فسكنت الياء اذ لم يبق بعد الفتح الا التسكين وفى عشرة لغتان اذا قلت ثلاثَ عشرةَ فاما بنو تميم فيفتحون العين ويكسرون الشين ويجعلونها بمنزلة كَلِمَة وأهل الحجاز يفتحون العين ويسكنون الشين فيجعلونها مثل ضَرْبة وهذا عكس ما عليه لغة أهل الحجاز وبنى تميم لان أهل الحجاز فى غير هذا يُشْبعون عامةَ الكلام وبنو تميم يخففون فان قال قائل فلم قالوا عَشِرة فكسروا الشين قيل له من قِبَلِ أن عشر فى قولك عشر نسوة مؤنثة الصيغة فلم يصح دخول الهاء عليها فاختار والفظة أخرى يصح دخول الهاء عليها وخفف أهل الحجاز ذلك كما يقال فَخِذٌ وفَخْذ وعَلِمَ وعَلْمَ ونحو ذلك وعلى هذا الحكم يجرى من الواحد الى التسعة فاذا ضاعفت أدنى العدد كان له اسم من لفظه ولا يثنى العقد ويجرى ذلك الاسم مجرى الواحد الذى لحقته الزيادة للجمع ويكون حرفُ الاعراب الواوَ والياءَ وبعدهما النونُ ويكون لفظُ المذكر والمؤنث فى ذلك سواءً ويُفَسَّرُ بواحد منكور وذلك قولهم عشرون درهما فان قال قائل ما هذه الكسرة التى لحقت أول العشرين وهلا جرت على عَشِرة فيقال عَشِرين أو على عَشْرِ فيقال عَشْرِين والجواب فى ذلك أن عِشْرِين لما كانت واقعة على الذكر والانثى كسر أولها للدلالة على التأنيث وجمع بالواو والنون للدلالة على التذكير فيكون آخذا من كل واحد منهما بشبهين فان قال قائل فقد كان ينبغى على هذا القياس أن يجعلوا هاتين العلامتين فى الثلاثين الى التسعين قيل قد يجوز أن تكون الثلاث من الثلاثين هى الثلاث التى للمؤنث ويكون الواو والنون لوقوعه على التذكير فيكون قد جمع للثلاثين لفظ التذكير والتأنيث فيكون على قياس العلة الاولى مطردا ويجوز أن يكون اكتفوا بالدلالة فى العشرين عن الدلالة فى غيره من الثلاثين الى التسعين فجرى على مثل ما جرى عليه العشرون فاذا وقع العشرون على المذكر والمؤنث كان الثلاثون مثله واكتفى بعلامة التأنيث فى العشرين عن علامة فى الثلاثين ودليل آخر فى كسر

١٠٢

العين من عشرين وهو أنا رأيناهم قالوا فى ثلاث عشرات ثلاثون وفى أربع عشرات أربعون فكانهم جعلوا ثلاثين عَشْرَ مرارٍ ثلاثةً وأربعين عَشْرَ مرار أربعةً الى تسعين فاشتقوا من لفظ الآحاد ما يكون لعشر مراتِ ذلك العدد فكان قياس العشرين من الثلاثين أن يقال اثْنِينَ واثْنُونَ لعَشْرِ مرارِ اثْنَيْن الا أنهم تجنبوا ذلك لان اثنين لا يكون الا مثنى فلو قلنا اثْنِينَ كنا قد نزعنا اثْنًا من الاثنين وأدخلنا عليه الواو والنون واثْنٌ لا يستعمل الا مع حروف التثنية فبَطَلَ استعمالُه فى موضع العشرين فلما اضطروا لهذه العلة الى استعمال العشرين كسروا أوّله لان اثنين مكسور الاول فكسروا أول العشرين كذلك وأدخلوا الواو والنون لانه يقع على المذكر واذا اختلط المذكر والمؤنث فى لفظ غلب التذكير وانفرد اللفظ به ودليل آخر وهو أنهم يقولون فى المؤنث احدى عَشِرَةَ وتسعَ عَشِرَةَ فلما جاوزوها الى العشرين نقلوا كسرة الشين التى كانت للمؤنث الى العين كما يقولون فى كَذِبٍ كِذْبٌ وفى كَبِدٍ كِبْدٌ وجمعوه بالواو والنون كما يفعلون فى الاشياء المؤنثة المحذوف منها الهاآت عوضا من المحذوف كقولهم فى سنة سِنينَ وسِنُونَ وفى أَرْضٍ أَرَضُون وأَرْضُون وفى ثُبِة ثُبون وثِبُون وهذا كثير جدا والجمع بالواو والنون له مزية على غيره من الجموع فجعل عوضا من المحذوف واعلم أن عشرين ونحوها ربما جُعِلَ اعرابُها فى النون وأكثر ما يجىء ذلك فى الشعر فاذا جعل كذلك ألزمت الياء لانها أخف من الواو كما فعلوا ذلك فى سِنِين اذا جعلوا اعرابها فى النون قالوا أتَتْ عليه سِنينٌ قال الشاعر

وانّ لنا أبا حَسَنٍ عَلِيًّا

أَبٌ بَرٌّ ونحنُ له بَنِينُ

وأنشد لغيره

أرَى مَرَّ السَّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّى

كما أخَذَ السِّرارُ من الهِلَالِ

وقال سُحَيْم

وما ذا تَدَّرِى الشَّعراءُ مِنِّى

وقد جاوزتُ رأسَ الارْبَعِينِ

أَخُو خَمْسِينَ مُجْتمعٌ أَشُدِّى

ونَجَّذنِى مُدَاورَةُ الشُّؤُونِ

هذا عامة قول البصريين انه متى لزم النونَ الاعرابُ لزم الياءُ وصار بمنزلة قِنِّسْرين

١٠٣

وغِسْلِينٍ وأكثر ما يجىء هذا فى الشعر وقد زعم بعضهم أنه قد يجوز أن يلزم الواوُ وان كان الاعرابُ فى النون وزعم أن زَيْتُونا يجوز أن يكون فَيْعُولاً ويجوز أن يكون فَعْلُونَا وهو الى فَعْلُونٍ أقربُ لانه من الزَّيْتِ وقد لزم الواو* وقال سيبويه* لو سمى رجل بمُسْلِمين كان فيه وجهان ان جعلت الاعرابَ فى الواو فتحتَ النونَ على كل حال وجعلتَ فى حال الرفع واوا وفى حال النصب والجر ياء كقولك جاءنى مسلمون ورأيت مسلمين ومررت بمسلمين فهذا ما ذكره ولم يزد عليه شيئا وقد رأينا فى كلام العرب وأشعارها بالرواية الصحيحة وجها آخر وهو أنهم اذا سموا بجمع فيه واو ونون فقد يلزمون الواوَ على كل حال ويفتحون النونَ ولا يحذفونها فى الاضافة فكانهم حكوا لفظ الجمع المرفوع فى حال التسمية وألزموه طريقة واحدة قال الشاعر

ولَها بالماطِرُونَ اذَا

أكَلَ النَّمْلُ الذى جَمَعَا

ففتح نُونَ الماطرونَ وأثبت الواو وهو فى موضع جر والعرب تقول الياسَمُون فى حال الرفع والنصب والجر ويقولون ياسَمُونَ البَرِّ فيثبتون النون مع الاضافة ويفتحونها ومنهم من يرويه بالمَاطِرونِ ويُعْرِبُ الياسَمُون وكذلك الزَّيْتُونُ وهو الأجود فاذا زدت على العشرين نَيِّفًا أعربته وعطفتَ العِشْرين عليه كقولك أخذتُ خمسةً وعشرين وهذه ثلاثة وعشرون لانه لا يصح أن يبنى اسم مع اسم وأحدهما معرب ولم يقع الآخر فى شئ منه كوقوع عَشر فى موضع النون من اثنى عشر وتنصب ما بعد العشرين الى تسعين وتوحد وتنكر والذى أوجب نصبه أن عشرين جمعٌ فيه نون بمنزلة ضاربين ويجوز اسقاط نونه اذا أضيف الى مالك كقولك هذه عشر وزيد وعشرون تطلب ما بعدها وتقتضيه كما أن ضار بين يطلب ما بعده ويقتضيه فتنصب ما بعد العشرين كما نصبت ما بعد الضاربين من المفعول الذى ذكرناه الا أن عشرين لا يعمل الا فى منكور ولا يعمل فيما قبله لانه لم يقوقوّة ضاربين فى كل شئ لانه اسم غير مشتق من فعل فلم يتقدم عليه ما عمل فيه لانه غير متصرف فى نفسه ولم يعمل الا فى نكرة من قِبَلِ أن المعنى فى عشرين درهما عشرون من الدراهم فاسْتَخَفُّوا وأرادوا

١٠٤

الاختصارَ فحذفوا مِنْ وجاؤا بواحد منكور شائع فى الجنس فدَلُّوا به على النوع ولا يجوز أن يكون التفسير الا بواحد اذ كان الواحد دالا على نوعه مُسْتَغْنًى به فاذا أردت أن تجمع جماعاتٍ مختلفةً جاز أن تفسر العشرين ونحوَها بجماعة فتكون عشرون كلُّ واحد منها جماعةٌ ومثلُ ذلك قولُك قد التقى الخَيْلانِ فكل واحد منهما جماعة خيل فعلى هذا تقول التقى عشرون خيلا على أن كل واحد من العشرين خيلٌ قال الشاعر

تَبَقَّلَتْ مِنْ أَوَّلِ التَّبَقُّلِ

بينَ رِماحَىْ مالِكٍ ونَهْشَلِ

لان مالكا ونَهْشَلاً قبيلتانِ وكل واحدة منهما لها رماح فلو جمعتَ على هذا لقلتَ عشرون رِماحًا قد الْتَقَتْ تريد عشرين قبيلة لكل منها رماح ولو قلت عشرون رُمْحًا كان لكل واحد منها رُمْح قال الشاعر

سَعَى عِقَالاً فلم يَتْرُكْ لنا سَبَدًا

فكيفَ لو قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ

لَأصْبَح القومُ قد بادُوا ولم يَجِدُوا

عِنْدَ التَّفَرُّقِ فى الهَيْجا جِمالَيْنِ

أراد جِمالاً لهذه الفِرقة وجمالا لهذه الفرقة فاذا بلغتَ المائةَ جئتَ بلفظ يكون للذكر والانثى وهو مائة كما كان عشرون وما بعدها من العُقود وبينتَ المائة باضافتها الى واحد منكور فان قال قائل ما العلة التى لها أُضِيفَتْ الى واحد منكور فالجواب فى ذلك أنها شابهت العشرةَ التى حكمُها أن تضافَ الى جماعة والعشرين التى حكمها أن تميز بواحد منكور فاخِذَ من كل واحد منهما شَبَهٌ فاضيف بِشَبَهِ العشرة وجُعِلَ ما يضافُ اليه واحدا بشَبَه العِشرين لانها يضاف اليها نوع يبينها كما يُبَيِّنُ النوعُ المُمَيِّزُ العشرين فان قال قائل وما شَبَهُها من العشرة والعشرين قيل له أما شبهها من العشرة فلانها عَقْدٌ كما أن العشرة عقد وأما شبهها من العشرين فلانها تلى التسعين وحكمُ عَشْرِة الشئِ كحكم تِسْعَتِه ألا ترى أنك تقول تسعة أثواب وعشرة أثواب فتكون العشرةُ كالتسعة والمائةُ من التسعين كالعشرة من التسعة وذلك قولك مائتا درهم ومائتا ثوب ونحو ذلك ويجوز فى الشعر ادخالُ النون على المائتين ونصبُ ما بعدها قال الشاعر

١٠٥

اذا عاشَ الفَتَى مائتينِ عامًا

فقد ذَهَبَ الَّلذاذةُ والفَتاءُ

وقال آخر أيضا

أَنْعَتُ عَبْرًا مِنْ حَمِير خَنْزَرهْ

فى كُلِّ عَيْرٍ مائتانٍ كَمرَهْ

فاذا أردت تعريف المائة والمائتين أدخلتَ الالفَ واللامَ فى النوع وأضفتَها اليه كقولك مائةُ الدرهم ومائتا الثوب فاذا جمعتَ المائةَ أضفت الثلاثَ فقلت ثلاثمائة الى تسعمائة فان قال قائل هَلَّا قلتم ثلاثُ مِئينَ أَو مِئاتٍ كما قلتم ثلاثُ مسلماتٍ وتِسْعُ تَمَراتٍ فالجواب فى ذلك أنا رأينا الثلاثَ المضافة الى المائة قد أشبهت العشرين من وجه وأشبهت الثلاثَ التى فى الآحاد من وجه فاما شبهها بالعشرين فَلِانَّ عقْدَها على قياس الثلاثِ الى التِّسع لانك تقول ثلاثُمائةٍ وتسعمائةٍ ثم تقول ألفٌ ولا تقول عَشْرُ مائةٍ فصار بمنزلة قولك عشرون وتسعون ثم تقول مائةٌ على غير قياس التسعين وتقول فى الآحاد ثلاثُ نسوةٍ وعَشْرُ نِسْوةٍ فتكون العَشْرُ بمنزلة التأنيث فاشبهت ثلاثُمائةٍ العشرين فبُيِّنَتْ بواحدٍ وأشبهت الثلاثَ فى الآحاد فجعل بيانُها بالاضافة والدليل على صحة هذا أنهم قالوا ثلاثةُ آلافٍ فانما أضافوا الثلاثةَ الى جماعةٍ لانهم يقولون عشرةُ آلافٍ فلما كان عَشَرَتُه على غير قياس ثلاثته أَجْرَوْه مُجْرَى ثلاثةِ أثوابٍ لانهم قالوا عشرةُ أثوابٍ فاذا قلت ثلاثمائةٍ فحكم المائة بعد اضافة الثلاث اليها أن تضاف الى واحد منكور كحكمها حين كانت منفردة ويجوز أن تُنَوَّنَ وتُمَيَّزَ بواحدٍ كما قيل مائتانِ عامًا فاما قولُ الله عزوجل (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) فان أبا اسحق الزجاج زعم أن سنين منتصبةٌ على البدل من ثلاثِمائةٍ ولا يصح أن تُنْصَبَ على التمييز لانها لو انتصت بذلك فيما قال لوجب أن يكونوا قد لَبِثُوا تِسْعَمائة وليس ذلك بمعنى الآية وقبيحٌ أن يُجْعَل سِنين نعتا لها لانها جامدة ليس فيها معنى فِعْلٍ وقال الفراء يجوز أن تكون سنين على التمييز كما قال عنترة فى بيت له

فيها اثْنَتانِ وأربعونَ حَلُوبةً

سُودًا كخَافيةِ الغُرابِ الاسْحَمِ

ويروى سُودٌ فقد جاء فى التمييز سُودًا وهى جماعة* قال أبو سعيد* ولابى اسحق أن يفصل بين هذا وبين سنين بانَّ سُودًا انما جاءت بعد المميز فيجوز أن يُحْمَلَ على

١٠٦

اللفظ مرةً وعلى المعنى مرةً كما تقول كُلُّ رجلٍ ظَريفٍ عندى وان شئتَ قلتَ ظريفٌ فتحمله مرة على اللفظ ومرة على المعنى وليس قبل سنين شئ وقَعَ به التمييز فيكون سنين مثل سودا واعلم أن مائة ناقصةٌ بمنزلة رِئَةٍ وإرَةٍ فلك أن تجمعها مِئُونَ فى حال الرفع ومِئين فى حال النصب والجر وان شئت قلت مِئِينٌ فجعلتَ الاعرابَ فى النون وألزمته الياء وان شئت قلت مِئَاتٌ كما تقول رِئَاتٌ وأما قول الشاعر

* وحاتِمُ الطَّائِىُّ وَهَّابُ المِئِى*

فقد اختلف النحويون فى ذلك فقال بعضهم أراد جمعَ المائة على الجمع الذى بينه وبين واحده الهاء كقولك تمرة وتمر فكانه قال مائةٌ ومِئٌ ثم أطلق القافية للجر وقال بعضهم أراد المِىَّ وكان أصله المَئِىّ على مثال فَعِيل لان الذاهب من المائة إما واو واما ياء فان كانت ياء فهى مئِىٌّ وان كانت واوا انقلبت أيضا ياء وصار لفظها واحدا ثم تُكْسَر الميم وذلك أن بنى تميم يكسرون الفاء من فَعيل اذا كانت العين أحد الحروف الستة وهى حروف الحلق كقولهم شِعِير ورِحِيم فيقولون فى ذلك مِىٌّ وأصله مَئِىٌّ ومما جاء على هذا المثال من الجمع مَعِيزٌ جمع مَعَزٍ وكَلِيبٌ وعَبيد وغير ذلك مما جاء على فعيل فعلى هذا القول مِىٌّ مشدد ويجوز تخفيفها فى القافية المقيدة كما ينشد بعضهم قول طرفة فى بيت له

أَصَحَوْتَ اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرْ

ومِنَ الحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ

وقال بعض النحويين انما هو مِئِينٌ فاضْطُرَّ الى حَذْفِ النون كما قال

* قَواطِنًا مكةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِى*

فاذا بلغتَ الالفَ أضفته الى واحدٍ فقلت ألف درهم كما أضفت المائة الى واحد حين قلت مائة درهم والعلة فيه كالعلة فيها من قِبَلِ أن الالْفَ على غير قياس ما قبله لانك لم تقل عشر مائة كما قلت تسعمائة وضعتَ لفظا يدل على العقد الذى بعد تسعمائة غَيْرَ جارٍ على شئ قبله كما فعلتَ ذلك بالمائة حين لم تُجْرِها على قياس التسعين فاذا جمعت الالف جمعته على حدّ ما تجمع الواحدَ وتُضيف ثلاثَته الى جماعةِ نوعِه فتقول ثلاثةُ آلافٍ وعشرةُ آلاف كما قلت ثلاثة أثوابٍ وعشرةُ أثوابٍ وانما

١٠٧

خالف جمعُ الألف فى الاضافة جمعَ المائة لان الالفَ عشرتُه كثلاثته فصار بمنزلة الاحاد التى عشرتُها كثلاثتها وليس عشرة المائة كثلاثتها وقد بينا هذا فيما تقدم وليس بعد الالْفِ شئ من العدد على لفظ الآحاد فاذا تضاعف أعيد فيه اللفظُ بالتكرير كقولك عشرةُ آلافِ ألفٍ ومائةُ ألفِ ألفٍ ونحو ذلك وانما قلت عشرةُ آلافٍ لان الالفَ قد لزم اضافتُه الى واحد فى تبيينه وكذلك جماعتُه كواحده فى تبيينه بالواحد من النوع واعلم أن الالف مذكر تقول أخذتُ منه ألفا واحدا قال الله تعالى (بِثَلاثَةِ آلافٍ) فأدخل الهاء على الثلاثة فدل على تذكير الالف وربما قيل هذه ألفُ درهمٍ يريدون الدراهمَ

بابُ ذكرك الاسم الذى تُبَيّنُ به العِدَّةَ كم هى مع

تمامها الذى هو من ذلك اللفظ

فبناءُ الاثنين وما بعده الى العشرة فاعلٌ وهو مضاف الى الاسم الذى يُبَيَّنُ به العَدَدُ ذكر سيبويه فى هذا الباب من كتابه ثانِىَ اثنين وثالثَ ثلاثةٍ الى عاشر عشرة فاذا قلت هذا ثانى اثنين أو ثالثُ ثلاثةٍ أو رابعُ أربعةٍ فمعناه أحدُ ثلاثةٍ أو بعضُ ثلاثةٍ أو تمامُ ثلاثةٍ وقولُنا فى ترجمة الباب الاسم الذى تُبَيِّنُ به العِدَّةَ كمْ هِىَ نعنى ثلاثةً وقولُنا مع تمامها الذى هو من ذلك اللفظ نعنى ثالثا لانه تمامُ ثلاثةٍ وهذا التمامُ يُبْنَى على فاعل كما قلنا فيقال ثانِى اثنين وثالثُ ثلاثةٍ وتُجْرى الاوّلَ منها بوجوه الاعراب الى عاشر عشرةٍ قال الله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) وقال (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) وقد كنتُ ذكرتُ فى المبنيات من أحدَ عَشَرَ الى تسعةَ عَشَرَ ما فيه كفاية ولكنى أذكر ههنا منه جملةً فيها ما لم أذكره هناك اذ كان هذا بابه ان شاء الله تعالى هذا الباب يشتمل على ضربين أحدهما وهو الاكثر فى كلام العرب على ما قاله سيبويه أن يكون الاولُ من لفظ الثانى على معنى أنه تمامُه وبعضُه وهو قولك هذا ثانى اثنين وثالث ثلاثة وعاشر عشرة

١٠٨

ولا ينوّن هذا فينصب ما بعده فيقال ثالثٌ ثلاثةً لان ثالثا فى هذا ليس يَجْرى مَجْرَى الفعل فيصير بمنزلة ضاربٍ زيدًا وانما هو بعضُ ثلاثةٍ وأنتَ لا تقول بعضٌ ثلاثةً وقد اجتمع النحويون على ذلك الا ما ذكره أبو الحسن بن كَيْسانَ عن أبى العباس ثعلب انه أجاز ذلك قال أبو الحسن قلتُ له اذا أجزتَ ذلك فقد أجريته مُجْرَى الفعل فهل يجوز أن تقول ثَلَثْتُ ثلاثةً قال نعم على معنى أتممت ثلاثةً والمعروفُ قول الجمهور وقال بعضهم سَبَعْتُ القومَ وأسبعتُهم  ـ  صَيَّرْتُهم سبعةً وسَبَعْتُ الحبلَ أَسْبَعُه  ـ  فتلُته على سبع قُوًى وكانوا ستةً فأَسْبَعُوا  ـ  صاروا سبعة وأسْبعْتُ الشئَ وسَبَعْتُه  ـ  صيرتُه سبعةً ودراهمُ وَزْنُ سبعةٍ لانهم جعلوا عشرةَ دراهم وَزْنَ سبعة مثاقيلَ وسُبِعَ المولُود  ـ  حُلِقَ رَأْسُهُ وذُبحَ عنه لسبعةٍ وسَبَّع اللهُ لك  ـ  رَزَقَكَ سبعةَ أولادٍ وسَبَّعَ اللهُ لك  ـ  ضَعَّفَ لك ما صَنَعْتَ سبعَ مرات وسَبَّعْتُ الاناءَ  ـ  غَسَلْتُه سَبْعًا ولهذه الكلمة تصاريفُ قد أبَنْتُها فى مواضعها فاذا زدتَ على العشرة فالذى ذكره سيبويه بناءُ الاول والثانى وذلك حادى عشر وثانى عشر وثالث عشر ففتح الاوّل والثانى وجعلهما اسما واحدا وجعل فتحهما كفتح ثلاثة عشر وذكر أن الاصلَ أن يقال حادىَ عَشَرَ أحَدَ عَشَرَ وثالثَ عَشَرَ ثَلاثة عشر فيكون حادى بمنزلة ثالثٍ لان الثالث قد استغرق حروفَ ثلاثةٍ وبنى منها فكذلك ينبغى أن يستغرق حادى عشر حروفَ أحَدَ عَشَر وقد حكاه أيضا فقال وبعضهم يقول ثالثَ عَشَرَ ثلاثةَ عَشَرَ وهو القياسُ وقد أنكر أبو العباس هذا وذكر أنه غير محتاج الى أن يقول ثالثَ عَشَرَ ثلاثةَ عَشَرَ وأن الذى قاله سيبويه خلافُ مذهب الكوفيين وكانَّ حجةَ الكوفيين فيما يَتَوَجَّهُ فيه أن ثلاثة عشر لا يمكن أن يبنى من لفظهما فاعل وانما يبنى من لفظ أحدهما وهو الثلاثة فذكر عشر مع ثالث لا وجه له وقد قدّمنا احتجاجَ سيبويه لذلك مع حكايته اياه عن بعضهم ويجوز أن يقال انه لما لم يمكن أن يبنى منهما فاعل وبنى من أحدهما احتيج الى ذكر الآخر لينفصلَ ما هو أحدُ ثلاثةٍ مما هو أحدُ ثلاثةَ عَشَر فأتى باللفظ كله والضرب الثانى من الضربين أن يكون التمام يجرى مجرى اسم الفاعل الذى يعمل

١٠٩

فيما بعده ويكون لفظ التمام من عدد هو أكثر من المتمم بواحد كقولك ثالثُ اثنين ورابعُ ثلاثةٍ وعاشرُ تسعةٍ ويجوز أن ينون الاولُ فيقال رابعٌ ثلاثةَ وعاشرٌ تسعةً لانه مأخوذٌ من الفعل تقول كانوا ثلاثةً فَرَبَعْتُهم وتسعة فعشرتهم فانا عاشرُهم كقولك ضربتُ زيدا فأنا ضاربٌ زيدا وضاربُ زيدٍ قال الله تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) وقال سيبويه* فيما زادَ على العشرة فى هذا الباب هذا رابعُ ثلاثةَ عَشَرَ كما قلتَ خامسُ أَرْبعةٍ ولم يحكه عن العرب والقياسُ عند النحويين أن لا يجوز ذلك وقد ذكره المبرد عن نفسه وعن الاخفش أنهم لم يجيزوه لان هذا الباب يَجْرِى مَجْرَى الفاعل المأخوذ من الفعل ونحن لا نقول رَبَعْتُ ثلاثةَ عَشَرَ ولا أعلم أحدا حكاه فان صح أن العرب قالته فقياسه ما قال سيبويه وأما قولهم حادِى عَشَرَ وليس حادى من لفظِ واحدٍ والباب أن يكون اسمُ الفاعل الذى هو تمامٌ من لفظِ ما هو تمامُه ففيه قولان أحدهما أن حادِى مقلوبٌ من واحد استثقالا للواو فى أول اللفظ فلما قُلِبَ صار حادِوٌ فوقعت الواو طَرَفا وقبلها كسرة فقلبوها ياء كما قالوا غازِى وهو من غزوت وأصله غازِوٌ وذكر الكسائى أنه سمع من الاسْدِ أو بعضِ عبد القيس واحِدَ عَشَرَ يا هذا وقال بعض النحويين وهو الفراء حادِى عَشَرَ من قولك يَحْدُو أى يَسُوقُ كانَّ الواحدَ الزائدَ يسوق العَشَرةَ وهو معها وأنشد

أَنْعَتُ عَشْرًا والظَّلِيمُ حادِى

كانَّهُنَّ باعالِى الوادِى

* يَرْفُلْنَ فى مَلَاحِفٍ جِيَادِ*

وفى ثالثَ عَشَرَ وبابِها ثلاثةُ أوجه فان جئتَ بها على التمام على ما ذكر سيبويه فقلت ثالثَ عَشَرَ ثلاثةَ عَشَرَ فتحتَ الاوّلين والآخرين لا يجوز غير ذلك وان حذفتَ فقلتَ ثالثَ ثلاثةَ عَشَر أعربتَ ثالثا بوجوه الاعراب وفتحت الآخرين فقلتَ هذا ثالِثُ ثلاثةَ عَشَرَ ورأيتُ ثالثَ ثلاثةَ عَشَرَ ومررتُ بثالثِ ثلاثةَ عَشَر لا يجوز غير ذلك عند النحويين كُلِّهم وان حذفتَ ما بين ثالث وعَشَر الاخير فالذى ذكره سيبويه فتحهما جميعا وذكر الكوفيون أنه يجوز أن يُجْرَى ثالثٌ بوجوه الاعراب ويجوز أن يُفْتَح فمن

١١٠

أَجْراه بوجُوه الاعرابِ أراد هذا ثالثُ ثلاثةَ عَشَر ومررت بثالثِ ثلاثةَ عَشَرَ ثم حَذَفَ ثلاثةً تخفيفا وبَقَّى ثالثا على حكمه ومن بنى ثالثا مع عشر أقامه مُقامَ ثلاثةٍ حين حذفَها وهذا قول قريب ولم ينكره أصحابنا وقال الكسائى سمعت العرب تقول هذا ثالثُ عَشَرَ وثالثَ عَشَرَ فرفعوا ونصبوا* قال سيبويه* وتقول هذا حادِى أَحَدَ عَشَرَ اذا كنَّ عشرِ نِسْوةٍ معهن رجل لان المذكر يغلب المؤنث ومثلُ ذلك قولك خامسُ خَمْسةٍ اذا كنَّ أربع نسوة فيهن رجل كانك قلتَ هو تَمامُ خمسةٍ وتقول هو خامسُ أربع اذا أردتَ أنه صَيَّرَ أربَع نِسْوةٍ خمسا* قال سيبويه* وأما بِضْعَةَ عَشَرَ فبمنزلة تسعةَ عَشرَ فى كل شئ وبِضْعَ عَشِرَةَ كتِسْعَ عَشِرةَ فى كل شئ* قال الفارسى* بضعة بالهاء عددُ مبهم من ثلاثة الى تسعة من المذكر وبِضْعٌ بغير الهاء عدد مبهم من ثلاث الى تسع من المؤنث وهى تُجْرَى مفردةً ومع العشرة مُجْرَى الثلاثةِ الى التسعةِ فى الاعراب والبناء تقول هؤلاء بِضْعةُ رجال وبضعُ نسوةٍ قال الله تعالى (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) وفيما زاد على العشرة هؤلاء بضعةَ عَشَرَ رجلا وبضعَ عَشْرةَ امرأةً وهى مشتقة والله أعلم من بَضَعْتُ الشئَ اذا قَطَعْته كانه قِطْعةٌ من العَدد وقد كان حقه أن يذكر فى الباب الاوّل لان هذا البابَ انما ذُكِرَ فيه العَددُ المتممُ نحو ثالثُ ثلاثةٍ ورابعُ أَرْبَعةٍ ولكنه ذَكرَها هنا لِتَرى أنه ليس بمنزلة ثالثَ عَشَرَ أو ثالثةَ عَشْرةَ فاعلمه ومن قول الكسائى هذا الجزء العاشرُ عِشْرِينَ ومن قول سيبويه والفراء هذا الجزءُ العِشْرونَ وهذه الورقةُ العشرونَ على معنى تَمامِ العشرين فتَحْذِفُ التمامَ وتُقيم العشرين مُقامَه وكذلك تقول هذا الجزء الواحدُ والعشرون والاحَدُ والعشرون وهذه الورقةُ الاحْدَى والعشرون والواحدةُ والعشرون وكذلك الثانى والعشرون والثانيةُ والعشرون وما بعده الى قولك التاسعُ والتسعون وتقول هو الاوّل والثانى والثالث والرابع والخامس وقد قالوا الخامى* قال أبو على* وهو من شاذ المحوّل كقولهم أَمْلَيْتُ فى أَمْلَلْتُ ولا أَمْلَاهُ يريدون لا أمَلُّه الا أن هذا حُوِّل للتضعيف وخامسٌ ليس فيه تضعيف فاذًا هو من باب حَسَيْتُ وأَحَسْتُ فى حَسَسْتُ وأَحْسَسْتُ وقالوا سادسٌ وسادِ على حَدِّ خَام وأنشد ابن السكيت

١١١

اذا ما عُدَّ أربعةٌ فِسَالٌ

فزوجُكِ خامِسٌ وحَمُوكِ سادِى

وفى هذا ثلاث لغات جاء سادِسًا وسَادِيًا وسَاتًّا فمن قال سادسا أخرجه على الاصل ومن قال سَاتًّا فعلى اللفظ ومن قال سادِيًا فعلى الابدال والتحويل الذى قدّمنا وأنشد ابن السكيت

بُوَيْزِلُ أَعْوامٍ أذاعتْ بخمسةٍ

وتَجْعَلُنِى إن لم يَقِ اللهُ سَادِيا

وأنشد أيضا

مَضَى ثَلاثُ سِنِينٍ مُنْذُ حُلَّ بها

وعامُ حُلَّتْ وهذا التَّابعُ الخامى

يريد الخامس* قال أبو على* فى العقود كلها هو المُوَفِّى كذا وهى المُوَفِّيةُ كذا كقولك المُوَفِّى عشرين والمُوَفِّية عشرين

هذا باب المؤنث الذى يقع على المؤنث والمذكر

وأصله التأنيث

اعلم أن المذكر قد يعبر عنه باللفظ المؤنث فيجرى حكمُ اللفظ عَلى التأنيثِ وان كان المعبر عنه مذكرا فى الحقيقة ويكون ذلك بعلامةِ التأنيثِ وبغير علامةٍ فأما ما كان بعلامة التأنيث فقولُك هذه شاة وان أردتَ تَيْسًا وهذه بقرة وان أردتَ ثورا وهذه حمامة وهذه بَطَّة وان أردت الذَّكر وأما ما كان بغير علامة فقولك عندى ثلاثٌ من الغنم وثلاثٌ من الابل وقد جعلت العرب الابل والغنم مؤنثين وجعلت الواحد منهما مؤنث اللفظ كأَنَّ فيها هاءً وان كان مذكرا فى المعنى كما جعلت العين والاذن والرجل مؤنثات بغير علامة فان قال قائل فلم لا يقال هذه طلحةُ لرجل يسمى طلحة لتأنيث اللفظ كما قالوا هذه بقرة للثور فالجواب أن طلحة لقب وليس باسم موضوع له فى الاصل وأسماءُ الاجناس موضوعة لها لازمة .... (١) فَرَقَتِ العرب بينهما وقد ذكر سيبويه فى الباب أشياء محمولة على الاصل الذى ذكرته وأشياء قريبة منها وأنا أسوق ذلك وأفسر ما أحتاج منه الى تفسيره* قال سيبويه* فاذا جِئْتَ بالاسماءِ التى

__________________

(١) كذا بياض بالأصل

١١٢

تُبَيِّنُ بها العِدَّةُ أجريتَ البابَ على التأنيث فى التثليث الى تسعَ عشرةَ وذلك قولك له ثلاثُ شياهٍ ذكورٌ وله ثلاثٌ من الشاء فأجريتَ ذلك على الاصل لان الشاء أصلها التأنيث وان وقعت على المذكر كما أنك تقول هذه غَنَم ذكور فالغنم مؤنثة وقد تقع على المذكر* قال أبو سعيد* يعنى أنها تقع على ما فيها من المذكر من التيوس والكباش ويقال هذه غَنَم وان كانت كلُّها كِباشًا أو تُيوسا وكذلك عندى ثلاث من الغنم وان كانت كباشا أو تيوسا لانه جعل الواحد منها كان فيه علامة التأنيث كما جعلت العين والرجل كأن فيهما علامة التأنيث* وقال الخليل* قولُك هذا شاةُ بمنزلة قولك هذا رحمة من ربى* قال أبو سعيد* يريد أن تذكير هذا مع تأنيث شاة كتذكير هذا مع تأنيث رحمة والتأويل فى ذلك كانك قلت هذا الشئ شاة وهذا الشئ رحمةٌ من ربى* قال سيبويه* وتقول له خَمْسٌ من الابل ذكورٌ وخمسٌ من الغنم ذكور من قِبَلِ أن الابل والغنم اسمان مؤنثان كما أن ما فيه الهاء مؤنث الاصل وان وقع على المذكر فلما كان الابل والغنم كذلك جاء تثليثها على التأنيث لانك انما أردت التثليث من اسم مؤنث بمنزلة قَدَم ولم يكسر عليه مذكر للجمع فالتثليث منه كتثليث ما فيه الهاء كانك قلت هذه ثلاث غنم فهذا يوضح وان كان لا يتكلم به كما تقول ثلاثُمائةٍ فتدع الهاء لان المائة أنثى* قال أبو سعيد* قول سيبويه الغنم والابل والشاء مؤنثات يريد أن كل واحد منها اذا قرن بمنزلة مؤنث فيه علامة التأنيث أو مؤنث لا علامة فيه كقولك هذه ثلاثٌ من الغنم ولم تقل ثلاثة وان أردت بها كباشا أو تيوسا وكذلك ثلاث من الابل وان أردت بها مذكرا أو مؤنثا وقوله بمنزلة قَدَم لان القَدَم أنثى بغير علامة وكذلك الثلاث فقولك ثلاث من الابل والغنم لا يفرد لها واحد فيه علامة التأنيث وقوله لم يكسر عليه مذكر للجمع يعنى لم يقل ثلاثة ذكور فيكون ذكور جمعا مكسرا لذكر فتذكر ثلاثةً من أجل ذلك وقوله كانك قلت هذه ثلاث غنم يريد كانَّ غنما تكسير للواحد المؤنث كما تقول ثلاثمائة فتترك الهاء من ثلاث لان المائة مؤنثة ومائة واحد فى معنى جمع لمؤنث* قال سيبويه* وتقول ثلاثٌ من البَطِّ لانك تُصَيِّره الى بَطَّةٍ* قال أبو سعيد* يريد كانك قلت له

١١٣

ثلاثُ بَطَّاتٍ من البَطّ* قال سيبويه* وتقول له ثلاثة ذكورٍ من الابل لانك لم تجئ بشئ من التأنيث وانما ثَلَّثْتَ الذَّكَرَ ثم جئتَ بالتفسير من الابل لا تذهب الهاءُ كما أن قولك ذكورٌ بعد قولك من الابل لا تثبت الهاء* قال أبو سعيد* يريد أن الحكم فى اللفظ للسابق من لفظ المؤنث أو المذكر فاذا قلت ثلاث من الابل أو الغنم دكور نزعتَ الهاء لان قولك من الابل أو من الغنم يوجب التأنيث وانما قلت ذكور بعد ما يوجب تأنيث اللفظ فلم تغير وكذلك اذا قلت ثلاثة ذكور من الابل فقد لزم حكمُ التذكير بقولك ثلاثة ذكور فاذا قلت بعد ذلك من الابل لم يتغير اللفظ الاول* قال سيبويه* وتقول ثلاثة اشْخُصٍ وان عَنَيْتَ نساءً لان الشخص اسم مذكر* قال أبو سعيد* هذا ضد الاول لان الاول تؤنثه للفظ وهو مذكر فى المعنى وهذا تذكره للفظ وهو مؤنث فى المعنى* قال سيبويه* ومثله قولهم ثلاثُ أَعْيُنٍ وان كانوا رجالا لان العين مؤنثة* قال أبو سعيد* وهذا يُشْبِهُ الاوّلَ وانما أنثوا لانهم جعلوا الرجال كانهم أعينُ من ينظرون لهم* قال سيبويه* وقالوا ثلاثةُ أَنْفُسٍ لان النفس عندهم انسانٌ ألا ترى أنهم يقولون نَفْسٌ واحد ولا يدخلون الهاء* قال أبو سعيد* النفس مؤنث وقد حمل على المعنى فى قولهم ثلاثة أنفس اذا أريد به الرجال قال الشاعر وهو الحطيئة

ثلاثةُ أَنْفُسٍ وثَلاثُ ذَوْدٍ

لقد جارَ الزمانُ عَلَى عِيَالِى

يريد ثلاثةً أَناسِىَّ* قال* وتقول ثلاثةٌ نسَّاباتٍ وهو قبيح وذلك أن النسابة صفة فكانه لفظ بمذكره ثم وَصَفَهُ ولم يجعل الصفةَ تَقْوى قُوَّةَ الاسم فانما يجىء كانك لفظتَ بالمذكر ثم وصفته كانك قلت ثلاثةُ رجالٍ نَسَّاباتٍ وتقول ثلاثةُ دوابَّ اذا أردتَ المذكر لان أصلَ الدابة عندهم صفةٌ وانما هى من دَبَبْتَ فاجْرَوْها على الاصل وان كان لا يُتَكَلَّم بها الا كما يتكلم بالاسماء كما أن أبطَح صفة واسْتُعْمل استعمالَ الاسماء* قال أبو سعيد* الاصل أن أسماء العدد تفسر بالانواع فيقال ثلاثةُ رحال وأربعةُ أثوابٍ فلذلك لم يعمل على تأنيث ما أضيف اليه اذ كان صفة وقُدِّرَ قبله

١١٤

الموصوف وجعل حكم تذكير العدد على ذلك الموصوف فيكون التقدير ثلاثة رحال نسّابات وثلاثة ذكور دوابّ وان كانوا قد حذفوا الموصوف فى دابة لكثرته فى كلامهم كما أن أبطح صفة فى الاصل لانهم يقولون أبطحُ وبَطْحاء كما يقال أحمر وحمراء وهم يقولون كنا فى الابطح ونزلنا فى البطحاء فلا يذكرون الموصوفَ كانهما اسمان* قال سيبويه* وتقول ثلاثُ أفراسٍ اذا أردت المذكر لان الفرس قد ألزموه التأنيث وصار فى كلامهم للمؤنث أكثر منه للمذكر حتى صار بمنزلة القَدَم كما أن النفس فى المذكر أكثر* قال أبو سعيد* أنت ثلاثَ أفراس فى هذا الموضع لان لفظ الفرس مؤنث وان وقع على مذكر وقد ذكره فى الباب الاول حيث قال خمسةُ أفراس اذا كان الواحدُ مذكرا وهذا المعنى* قال سيبويه* وتقول سار خمسَ عَشْرةَ من بينِ يومٍ وليلة لانك أَلْقَيْتَ الاسمَ على الليالى ثم بينت فقلت من بين يوم وليلة ألا تَرى أنك تقول لخمسٍ بَقِينَ أو خَلَوْنَ ويعلم المخاطبُ أن الايامَ قد دخلتْ فى الليالى فاذا ألقى الاسم على الليالى اكتفى بذلك عن ذكر الايام كما أنه يقول أتيته ضحوة وبكرة فيعلم المخاطب أنها ضحوة يومه وبكرة يومه وأشباهُ هذا فى الكلام كثيرٌ فانما قولُه من بين يوم وليلة توكيدٌ بعد ما وقع على الليالى لانه قد علم أن الايام داخلة مع الليالى وقال الشاعر وهو الجعدى

فطافتْ ثلاثا بينَ يَوْمٍ وليلةٍ

وكانَ النكيرُ أن تُضِيفَ وتَجْأَرا

قال أبو على اعلم أن الايام والليالى اذا اجتمعتْ غُلِّبَ التأنيثُ على التذكير وهو على خلاف المعروف من غلبة التذكير على التأنيث فى عامة الاشياء والسبب فى ذلك أن ابتداء الايام الليالى لان دخول الشهر الجديد من شهور العرب برؤية الهلال والهلالُ يُرَى فى أول الليل فتصير الليلة مع اليوم الذى بعدها يوما فى حساب أيام الشهر والليلة هى السابقة فجرى الحكم لها فى اللفظ فاذا أبهمتَ ولم تذكر الايام ولا الليالى جرى اللفظ على التأنيث فقلت أقامَ زيدٌ عندنا ثلاثا تريد ثلاثة أيام وثلاثَ ليال قال الله عزوجل (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) يريد عشرةَ أيام مع الليالى فاجْرِىَ اللفظُ على الليالى وأنث ولذلك جرت العادة فى التواريخ بالليالى

١١٥

فيقال لخمسٍ خَلَوْنَ ولخمسٍ بَقِينَ يريد لخمسِ ليالٍ وكذلك لاثْنَتَىْ عشرةَ ليلةً خلتْ فلذلك قال سار خمسَ عشرةَ فجاء بها على تأنيث الليالى ثم وَكَّدَ بقوله من بَيْنِ يوم ليلة ومثلُه قولُ النابغة

* فطافتْ ثلاثًا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ*

ومعنى البيت أنه يَصِفُ بقرةً وَحْشِيْةً فَقَدَتْ ولدَها فطافت ثلاثَ ليال وأيامَها تَطْلُبه ولم تَقْدِرْ أن تُنْكِرَ من الحال التى دُفِعَتْ اليها أكثَرَ من أن تُضِيفَ ومعناه تُشْفِقُ وتَحْذَرُ وتَجْأَرُ  ـ  معناه تَصِيح فى طلبها له* قال سيبويه* وتقول أعطاه خمسةَ عَشَر من بين عبد وجارية لا يكون فى هذا الا هذا لان المتكلَم لا يجوز أن يقول له خَمسةَ عَشَرَ عَبْدًا فيعلم أن تم من الجوارى بعدّتهم ولا خمس عشرة جارية فيعلم أن تَمَّ من العبيد بعدّتهنَّ فلا يكون هذا الا مختلطا يقع عليهم الاسم الذى بُيِّنَ به العددُ* قال أبو سعيد* بَيَّنَ الفرقَ بين هذا وبين خمس عشرة ليلة لان خمس عشرة ليلة يعلم أن معها أياما بعدّتها واذًا فاذا قلت خمس عشرة بين يوم وليلة فالمراد خمس عشرة ليلة وخمسة عشر يوما واذا قلت خمسة عشر من بين عبد وجارية فبعض الخمسةَ عشرَ عبيدٌ وبعضُها جوارٍ فاختلط المذكر والمؤنث وليس ذلك فى الايام فوجب التذكير* قال سيبويه* وقد يجوز فى القياس خمسة عشر من بين يوم وليلة وليس بحد كلام العرب* قال أبو سعيد* انما جاز ذلك لا ناقد نقول ثلاثة أيام ونحن نريدها مع لياليها كما نقول ثلاثَ ليال ونحن نريدها مع أيامها قال الله تعالى لزكريا عليه‌السلام (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) وقال فى موضع آخر (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) وهى قصة واحدة* قال سيبويه* وتقول ثلاثُ ذَوْدٍ لان الذَّوْدَ أُنْثَى وليس باسم كُسِّرَ عليه مُذَكَّرٌ* قال أبو سعيد* ثلاث ذَوْدٍ يجوز أن تريد بهن ذكورا وتؤنث اللفظ كقولك ثلاث من الابل فالذَّوْدُ بمنزلة الابل والغنم* قال سيبويه* وأما ثلاثة أشياء فقالوها لانهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كَسَّرُوا عليها فَعْلاً وصار بدلا من أفعال* قال أبو سعيد* يريد أن أشياء وان كان مؤنثا لا يُشْبه الذَّوْدَ وكان حق هذا على موضوع سيبويه الظاهر أن يقال

١١٦

ثلاث أشياء لان أشياء اسم مؤنث واحد موضوع للجمع على قوله وقول الخليل لان وزنه عنده فَعْلاء وليس بمكسر كما أن غنما وابلا وذَوْدًا أسماء مؤنثة وليست بجموع مكسرة فَجَعلَ واحدَ كُلِّ اسمٍ من هذه الاسماءِ كانه مؤنث فقال جَعَلُوا أشياء هى التى لا تنصرف ووزنُها فَعْلاءُ نائبةٌ عن جمع شئ لو كسر على القياس وشئ اذا كسر على القياس فحقه أن يقال أشياء كما يقال بَيْتٌ وأَبْياتٌ وشَيْخٌ وأَشْياخٌ فقالوا ثلاثة أشياء كما يقال ثلاثة أشياء لو كسروا شيأ على القياس* قال سيبويه* ومثلُ ذلك ثلاثةُ رَجْلة فى جمع رَجُلٍ لان رَجْله صار بدلا من أَرْجال* قال أبو سعيد* أراد أنهم قالوا ثلاثة رَجْلة ورَجْلة مؤنث وليس بجمع مكسر لان فَعْلةً ليس فى الجموع المكسرة لانهم جعلوا رَجْلة نائبا عن أَرْجال ومُكْتَفًى بها من أرجال وكان القياس أن يقال ثلاثة أرجال لان رَجُلا وَزْنُه وَزْنُ عَجُزٍ وعَضُدٍ ويجمع على أعْجازٍ وأعْضادٍ وليست الابلُ والغنم والذَّوْدُ من ذلك لانه لا واحد لها من لفظها* قال سيبويه* وزعم يونس عن رؤبة أنه قال ثلاثُ أنْفُسٍ على تأنيثِ النَّفْسِ كما يقال ثلاثُ أَعْيُنٍ للعَيْنِ من الناس وكما يقال ثلاثةُ أَشْخُص فى النساء قال الشاعر

وانَّ كِلَابًا هَذِه عَشْرُ أَبْطُنٍ

وأنتَ بَرِىءٌ منْ قَبائِلها العَشرِ

يريد عَشْرَ قَبائلَ لانه يقال للقبيلة بَطْنٌ من بُطُون العرب وقال الكلابى

قبائلُنا سَبْعٌ وأنتم ثَلاثةٌ

وللَسَّبْعُ خَيْرٌ مِنْ ثَلاثٍ وأَكْثَرُ

فقال وأنتم ثلاثة فذَكَّرَ على تأويل ثلاثة أَبْطُنٍ أو ثلاثةِ أحْياء ثم رَذَّها الى معنَى القبائِل فقال وللسبع خير من ثلاث على معنى ثلاثِ قبائلَ وقال عمر بن أبى ربيعة

فكانَ نَصِيرِى دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِى

ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبانٍ ومُعْصِرُ

فأنث الشخوصَ لان المعنى ثلاثُ نسوةٍ ومما يقوى الحملَ على المعنى وان لم يكن من العَددِ ما حكاه أبو حاتم عن أبى زيد أنه سَمِعَ من الاعراب من يقول اذا قيل أين فلانةُ وهى قريبة هاهُوَذِه قال فانكرتُ ذلك عليه فقال قد سمعتُه من أكثر من مائة من الاعراب وقال قد سمعتُ من يفتح الذال فيقول هاهوذا فهذا يكون محمولا

١١٧

مرةً على الشَّخصِ ومرةً على المرأة وانما المعروف ها هى ذِه والمذكر هاهوذا وزعم أبو حاتم أن أهل مكة يقولون هوذا وأهلُ مكة أفصحُ من أهل العراقِ وأهلُ المدينة أفصح من أهل مكة فهذا شئ عَرَضَ* ثم نعود الى باب العدد وكان الفراء لا يجيز أن يُنْسَقَ على المؤنث بالمذكر ولا على المذكر بالمؤنث وذلك أنك اذا قلت عندى ستة رجالٍ ونساءٍ فقد عقدتُ أن عندى ستة رجال فليس لى أن أجعل بعضهم مذكرا وبعضَهم مؤنثا وقد عقدتُ أنهم مذكرون واذا قلتَ عندى ثلاثُ بناتِ عُرْسٍ وأربعُ بَناتِ آوَى كان الاختيارُ أن تُدْخل الهاءَ فى العدد فتقول عندى ثلاثة بناتِ عُرْسٍ وأربعةُ بَناتِ آوى الاختيارُ أن تُدْخل الهاءَ فى العدد لان الواحدَ ابنُ عُرْسٍ وابنُ آوى وقال الفراء كان بعضُ مَنْ مَضَى من أهل النحو يقول ثلاثُ بناتِ عُرْسٍ وثلاثُ بناتِ آوَى وما أشبه ذلك مما يجمع بالتاء من الذُّكْرانِ ويقولون لا يجتمع ثلاثة وبنات ولكنا نقول ثلاثُ بناتِ عُرْس ذكورٌ وثلاثُ بناتِ آوى وما أشبه ذلك ولم يصنعوا شيئا لان العرب تقول لى حماماتٌ ثلاثةٌ والطلحاتُ الثلاثةُ عندنا يريد رجالا أسماؤهم الطَّلَحات

باب النسب الى العدد

* قال الفراء* اذا نسبت الى ثلاثة أو أربعة فان كان يراد من بَنِى ثلاثة أو أُعْطِى ثلاثةً قلت ثَلَاثِىٌّ وان كان ثوبا أو شيئا طولُه ثلاثُ أذرع قلت ثُلاثِىٌّ الى العَشْر المذكرُ فيه كالمؤنث والمؤنثُ كالمذكر أرادوا بذلك أن يفرقوا بين الشيئين أعنى النسبتين لاختلافهما كما نسبوا الى الرجل القديم دَهْرِىٌّ وان كان من بنى دَهْرِ من بنى عامر قلت دُهْرِىٌّ لا غير فاذا نسبتَ الى عِشْرِينَ فأنتَ تقولُ هذا عِشْرِىٌّ وثَلَاثِىٌّ الى آخر العدد وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين المنسوب الى ثلاثين وثلاثةٍ فجعلوا الواو ياء كما جعلت فى السَّيْلَحِين وأخواتها اذا احتاجوا الى ذلك* قال أبو على* فعلوا ذلك لئلا يجمعوا بين اعرابين* وقال الفراء* اذا نسبت الى خمسةَ عَشَر والى خمسةٍ وعشرين فالقياسُ أن تَنْسُبَ اليه خَمْسِىٌّ أو ستِّىٌّ وانما نسبت الى الاول ولم تنسب

١١٨

الى الآخر لان الآخر ثابت والاول يختلف فكان أدلَّ على المعنى وكان مخالفا للذى نُسِب الى خمس فى خمسة لان ذلك يُنْسَب اليه خُمَاسىٌّ وذلك بمنزلة نسبتك الى ذى العِمامةِ عمامِىٌّ ولا تقل ذَوَوِىٌّ لان ذو ثابت يضاف الى كلِّ شئ مختلفٍ وغيرِ مختلفٍ واذا نسبتَ ثوبا الى أن طوله وعرضه اثنا عشر ذراعا قلتَ هذا ثوب ثَنَوِىٌّ وهذا ثوبٌ اثْنِىٌّ وقال أبو عبيد قال الاحمر ان كان الثوب طُولُه أَحَدَ عَشَر ذراعا لم أَنْسُبْ اليه كقول من يقول أَحَدَ عَشَرِىٌّ بالياء ولكن يقال طوله أحدَ عَشَرَ ذراعا وكذلك اذا كان طوله عشرين فصاعدا مثله وقد غلط أبو عبيد ههنا حين ذَكَر الذراع فقال أحد عشر ذراعا ولا يُذَكِّرُها أحد* وقال السِّجِسْتانى لا يقال حَبْلٌ أحَدَ عَشَرِىٌّ ولا ما جاوز ذلك ولا ما ينسب الى اسمين جعلا بمنزلة اسم واحد واذا نسبت الى أحدهما لم يُعْلم أنك تُريد الآخَر وان اضْطُرِرْت الى ذلك نسبته الى أحدهما ثم نسبته الى الآخر كما قال الشاعر لما أراد النَّسَبَ الى رَامَ هُرْمُزَ

تَزَوَّجْتُها رامِيَّةً هُرْمُزِيَّةً

بفَضْلِ الذى أَعْطَى الأميرُ من الرِّزْق

واذا نسبتَ ثوبا الى أن طوله أحد عَشَرَ قلتَ أحَدِىٌّ عَشَرِىٌّ وان كان طوله إحْدَى عَشْرة قلت إحْدَوِىٌّ عَشْرِىٌّ وان كنت ممن يقول عَشِرَة قلت إحْدَوِىٌّ عَشَرِىٌّ فتفتح العين والشين كما تقول فى النسبة الى النَّمِر نَمَرِىٌّ* وقال* لا يَقْبحُ هذا التكرير مخافةَ أن لا يُفْهَمَ اذا أُفْرِد ألا تراهم يقولون اللهُ رَبِّى وربُّ زيد فيكررون لخفاء المكنى المخفوض اذ وقع موقع التنوين

باب ذكر المعدول عن جهته من عدد

المذكر والمؤنث

اعلم أن المعدول عن جهته من العدد يُمْنَعُ الاجراءَ ويكون للمذكر والمؤنث بلفظ واحد تقول ادخلوا أُحادَ أُحادَ وأنت تَعْنِى واحدا واحدا أو واحدةً واحدة وادخلوا

١١٩

ثُنَاءَ ثُناءَ وأنت تعنى اثنين اثنين أو اثنتين اثنتين وكذلك ادخلوا ثُلَاثَ ثُلَاثَ ورُباع رُباعَ* قال سيبويه* وسألت الخليل عن أُحادَ وثُناءَ ومَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاع قال هو بمنزلة أُخر انما حَدُّه واحِدًا واحِدًا فجاء محدودا عن وجهه فتُرِك صَرْفُه قلت أفتَصْرِفه فى النكرة قال لا لانه نكرة توصف به نكرة* قال أبو سعيد* اعلم أن أُحَادَ وثُنَاءَ قد عُدِل لفظه ومعناه وذلك أنك اذا قلت مررت بواحد أو اثنين أو ثلاثةٍ فانما تريد تلك العِدَّة بعينها لا أَقلَّ منها ولا أكثر فاذا قلت جاءنى قوم أُحَادَ أو ثُناءَ أو ثُلاثَ أو رُباعَ فانما تريد أنهم جاؤنى واحِدًا واحِدًا أو اثنين اثنين أو ثلاثةً ثلاثةً أو أربعةً أربعةً وان كانوا ألوفا والمانع من الصرف فيه أربعةُ أقَاوِيلَ منهم من قال انه صفةٌ ومَعْدولٌ فاجتمعت علتان مَنَعَتاه الصَّرفَ ومنهم من قال انه عُدِلَ فى اللفظ وفى المعنى فصار كانَّ فيه عَدْلَيْنِ وهما علتانِ فاما عَدْل اللفظ فمن واحدٍ الى أُحادَ ومن اثنين الى ثُناءَ وأما عدل المعنى فتغيير العِدَّةِ المحصورة بلفظ الاثنين والثلاثةِ الى أكثر من ذلك مما لا يحصى وقول ثالث انه عُدِل وأنَّ عَدْلَه وقع من غير جهة الفعل لان باب العَدْل حَقُّه أن يكونَ للمعارف وهذا للنكراتِ وقول رابع انه مَعْدُول وانه جمع لانه بالعدل قد صار أكثر من العِدَّةِ الاولَى وفى ذلك كلِّه لغتان فُعَالُ ومَفْعَلُ كقولك أُحادُ ومَوْحَدُ وثُنَاءُ ومَثْنَى وثُلَاثُ ومَثْلَثُ ورُبَاع ومَرْبَع وقد ذكر الزجاج أن القياسَ لا يمنع أن يبنى منه الى العشرة على هذين البناءين فيقال خُمَاسُ ومَخْمَسُ وسُداسُ ومَسْدس وسُباعُ ومَسْبَع وثُمان ومَثْمَن وتُساع ومَتْسَع وعُشار ومَعْشَر وقد صرح به كثير من اللغويين منهم ابن السكيت والفراء وبعض النحويين يقولون انها معرفة فاستدل أصحابنا على تنكيره بقوله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فوصف أجْنِحَةً وهو نكرة بِمَثْنَى وثُلاث ورُباع* قال أبو على الفارسى قال أبو اسحق فى قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) بَدَلٌ من (ما طابَ لَكُمْ) ومعناه اثنتين اثنتين وثَلاثًا ثلاثا وأربعا أربعا الا أنه لم ينصرف لجهتين لا أعلم أحَدًا من النحويين ذكرهما وهى أنه اجتمع فيه علتان أنه معدول عن اثنتين اثنتين وثَلاثٍ ثلاثٍ وانه عُدِلَ عن تأنيث قال

١٢٠