المخصّص - ج ١٦

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٦

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٣

وقد قال فى كتاب البَغْدادِيَّات إن أجْمَع حمل على الضمير الذى فى فَرْع كأنها وهى طويلة* قال* فأما قوله تعالى (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) ثم قال (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) فلأنه حُمِل على الارث يعنى الميراثَ أو لأن القسمةَ المقْسومُ فى المعنى* قال* وعلى هذا حمل سيبويه قوله

* والعينُ بالاثْمدِ الحارِىِّ مكحولُ*

كما تقدم وروى أبو عثمان وغيرُه عن الأصمعى أنه كان يتأوّله اذ هى أحْوَى حاجبُها مَكْحُول والعينُ بالاثْمدِ* قال أبو عثمان* العرب تقول الأَجْذاع انكَسَرْن لأدْنَى العَدَد والجُذُوع انْكَسَرتْ لكثيره وعلى هذا قولهم لِخمْس خَلَوْن وكذلك الى العَشْر فاذا زاد على العشرة دخل فى حَدِّ الكثيرِ فقالوا لِاحْدَى عشْرةَ خَلَتْ وكذلك الى التِّسْعَ عشرةَ* قال سيبويه* وأما الجَمِيع من الحيَوان الذى يُكَسَّر عليه الواحدُ فبمنزلة الجَميع من غيره الذى يكسَّر عليه الواحدُ ألا تَرى أنك تقول هو رجل وهى الرجالُ فيجوز ذلك وتقول هو جَمَل وهى الجَمَال وهو عَيْر وهى الأعْيار فجرَتْ هذه كُلُّها مَجْرَى هى الجُذُوع وما أشبه ذلك يُجْرَى هذا المُجْرَى لأن الجميع يؤنَّث وإن كان كلُّ واحدٍ منه مذَكَّرا من الحيوان فلما كان كذلك صَيَّرُوه بمنزلة المَوَات لأنه قد خَرَج من الأوّل الأمْكَن حيث أردت الجميع فلما كان ذلك احتملوا أن يُجْرُوه مُجْرَى جميع المَوَات قالوا قد جاء جَوَارِيك وجاء نِساؤُك وجاء بَنَاتُك وقالوا فيما لم يكَسَّر عليه الواحدُ لأنه فى معنى الجميع كما قالُوا فى هذا كما قال الله تبارك وتعالى جَدُّه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) * قال الفارسى* حين علل حذف العلامة من الفعل أعنى فعلَ الجميع ولأنَّ هذه الجُموعَ كما يعبَّر عنها بالجَماعة فقد يعَبَّر عنها بالجَمْع والجميعٍ ويدلّ على أن هذا التأنيث ليس بحقيقة أنك لو سمَّيت رجُلا بكِلَابٍ أو كِعَابٍ أو ظُرُوف أو عُنُوق صَرَفته ولو سميت بعَنَاقٍ أو أَتَانٍ لم تصرفه ولذلك جاء (وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) وقال تعالى (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) ولو قلت قال امرأةٌ لم يستقِمْ لأن تأنيث النِّساء والنِّسوة للجمع كما أن التأنيث فى قالتِ الأعرابُ كذلك فلو لم يؤَنَّث كما لم يؤنَّث قال نسوةٌ لكان حسَنا وعلى التذكير قولُ الفَرزْدق

٨١

وكُنَّا وَرِثْناه على عَهْدِ تُبَّعٍ

طَوِيلاً سَوَارِيه شَدِيداً دَعائِمُه

وقال فى إحدَى فَعِيل

وما زِلْتُ مَحْمُولاً عَلىَّ ضَغيِنةٌ

ومُضْطَلِعَ الأضْغَانِ مُذْ أنا يَافِعُ

وقال آخر

فَلاقَى ابنَ انثَى يَبْتَغِى مِثلَ ما ابْتَغَى

من القَوْمِ مَسْقِىُّ السِّمَام حَدائِدُهْ

ولو قال الكِلابُ نَبحَ والكِعَاب انكَسَر كان قبيحا حتى يُلْحِقَ العلامةَ كما قَبُح موعِظةٌ جاءَنَا ولم يَقْبُح جاءنا مَوْعِظةٌ وقد جاء فى الشعر

فامَّا تَرَيْنِى ولِى لِمَّةٌ

فانَّ الحَوادِثَ أوْدَى بها

وهذا انما حَمَل الحوادِثَ على الحَدَثان ولَمَّا كانوا يقولُون الحَدَثان فيريدون به الكَثْرة والجنْس كما يُراد ذلك بلفظ الجميع فجعل الجمعُ كالواحد لموافقته له فى المعنى بارادتِه الكثرة باللفظين ومنْ ثَمَّ أنَّث الحَدَثان فى الشِّعر أيضا لَمَّا جاز أن يُعْنَى به ما يعنى بالحَوَادث قال الشاعر

وحَمَّالُ المِئِينَ اذا ألمَّتْ

بنا الحَدَثانُ والْأَنِفُ النَّصُور

باب أسماء المؤنَّث

الأسماء المؤنَّثة على ضرْبين اسمٌ لا علامةَ فيه للتأنيث واسمٌ فيه علامةٌ فما لم تكن له فيه علامةٌ فلا يَخْلُو من أن يكونَ على ثلاثة أحرُف أو أكثَرَ من ذلك فالذى على ثلاثة أحْرُفٍ نحو عَيْن وأُذُن وشَمْس ونارٍ ودارٍ وقِدْر وعَنْز وسُوق فما كان من هذا الضَّرْب فانه اذا حُقِّر لَحِقتْه هاءُ التأنِيثِ فى التحقير كأذَيْنةٍ وعُيَيْنةٍ ، وسُوَيْقة ودُوَيْرةٍ وإنما لَحِقت التاءُ فى التحقير لانه يَرُدّ ما كان ينبغِى أن يكون فى بِناء المكَبَّر فرُدّت كما رُدَّت اللامُ فى نحو يَدٍ ودمٍ ونحو ذلك ألا ترى أنهم جمعُوا ما حُذِفت الهاءُ فى مكَبَّره من المؤنث بالواو والنون كما جمعُوا ما حُذِفت منه اللامُ فقالوا أرَضُونَ كما قالوا سِنُونَ وثِبُونَ ومِئُونَ وقد تركُوا رَدّ الهاء فى التحقير فى حُرُوف مؤنَّثة من ذوات الثلاثةِ شَذَّتْ عما عليه الجُمْهورُ فى الاستعمال منها حَرْب وقَوْس ودِرْع لِدرْع الحديدِ وانما قلنا لِدرْع الحديد لأن الدِّرْع من الثِّياب مذكَّر ومنها عُرْس وعَرَب قالوا عُرَيْب

٨٢

وأنشد أبو عبيدة

ومَكْنُ الضِّبابِ طَعامَ العُرَيْب

ولا تَشْتهِيه نُفُوسُ العَجَمْ

والعَرَب مؤنَّثة لقولهم العَرَبُ العارِبَةُ والعَرَب العَرْباءُ* وأما ما كان على أربعة أحرف من المؤنث فلا تَلْحَقُه التاءُ فى التحقير وذلك قولهم فى عَنَاق عُنَيِّق وفى عُقَاب عُقَيِّب وفى عَقْرَبٍ عُقَيْرِب كأنهم جعلوا الحرف الزائد على الثلاثة فى العِدّة وان كان أصلا بمنزلة الزِّيادة التى هى التاء فعاقَبْتْها كما جعلوا الأصلَ كالزائِد فى يَرْمِى ويَغْزُو ويَخْشَى حيث حُذِفَت فى الجزم كما حذفت الحركاتُ الزائدة وكما جعلت الألف فى مُرَامًى بمنزلة التى فى حُبارَى وكما جعلت الياءُ فى تَحِيَّة بمنزلة الأُولَى فى غَذِىّ والياء فى حَنِيفة فى قولهم تَحَوِىٌّ وقد شذَّ شئٌ من هذا الباب أيضا فأُلْحقت فيه الهاءُ وذلك وَرَاء وقُدَّام قالوا وُرَيِّئة وقُدَيْدِيمةٌ قال الشاعر

وقد عَلَوْت قُتُودَ الرَّحْلِ يَسْفَعُنى

يَوْمٌ قُدَيْدِيمةَ الجَوْزاءِ مَسْمُومُ

ولَحاقُ الهاءِ فى هذا الضَّرْب شاذُّ عمَّا عليه استعمالُ الكَثْرة وانما جاء على الأصل المرْفُوض كما جاء القُصْوَى على ذلك ليُعْلَم أن الأصل فى الدُّنْيا والعُلْيا الواوُ كما جاء الْقَوَد ليُعْلم أن الأصلَ فى دارٍ وبابٍ الحركةُ فأما حُبَيِّرةٌ ولُغَيْغِيرةٌ فى قول من ألحقَ التاء فى التحقير فليس على حَدّ قُدَيْدِيمة ولكن على حدِّ زَنادِقةٍ وفَرَازِنَة* ومما غَلَب عليه التأنيثُ فلم يُعْرَف فيه التذكيرُ يقولون ثَلاثُ أَعْقُبٍ غَلَب عليه التأنيثُ ولم تكن كالضَّبُع لأن الضبَّعُ ذَكَرُها ضِبْعانٌ ولم يقولوا ثلاثةُ أعْقُب ذكورٌ ولا إناثٍ كما قالوا حمامٌ ذكَرٌ وله ثلاثُ شِيَاهٍ ذُكُور لأن العُقَاب لا تكون عِنْدهم الا أُنْثى وهذا قول أبى الحسن

باب لَحَاق علامةِ التأنيث للاسماء وتقسيمِ العَلاماتِ

العَلامةُ التى تَلْحَق الأسماءَ للتأنيث علامتانِ متَّفِقتان بكونهما عَلامتَىْ تأنيثٍ ومُخْتَلِفتان فى الصورة فاحداهما ألِفٌ والأُخْرَى هاء وإن شئت قلت تاء وهى التاء التى تُقْلَب فى الوقْف هاءً فى أكثر الاستعمال لأن ناسا يَدَعُون التاءَ فى الوقف على حالها فى الوصل كما قال

٨٣

* بَلْ جَوْزِ تَيْهاءَ كظَهْر الحَجَفَتْ*

وكما قال لَيْس عِندنا عَرَبِيَّتْ وسآتى على تعليل ذلك فى باب الهاء ان شاء الله تعالى وتأخُذ الآنَ فى ذكر الألفِ لأنَّه لا يُنْوَى بها الانفصالُ من الاسم الذى هى فيه كما يُنْوَى ذلك فى الهاء ألا ترى أن سيبويه يجعَل الهاءَ فى طلحةَ بِازاء مَوْتَ من حَضْرَمَوْتَ فيُعاملُها معاملةَ هذا الاسمِ الأخِيرِ من هذين الاسميْنِ المَركَّبَين فيُجْرِيه مُجْرَاه كنحو تمثيلِه له به فى باب التحقير والنَّسَبِ والترخيمِ وأما الألِف فالاسمُ مبْنِىُّ عليها فهى جُزْء منه فكما لا يُنْوَئ بجُزْء من أجْزاء الاسم انْفِصالٌ من الاسم كذلك لا يُنْوَى بالالف انفصالٌ من الاسمِ الذى هى فيه وهذه العلامةُ التى هى الألفُ على ضربين ألِفٌ مُفْرَدةٌ وألف تلحقُ قبلها ألفٌ فتنقلب الأخيرةُ منهما همزةً لوقوعها طَرَفا بعد ألفٍ زائدةٍ فالألف المُفْرَدة اذا لَحِقتْ الاسمَ لم تَخْلُ من أن تَلْحَق بِناء مختَصًّا بالتأنيث أو بناءً مشتَرَكا للتأنيثِ والتذكيرِ ونَبْدأُ بالمختصِّ بالتأنيث لأن قصدَنا فى هذا الموضِعِ إحصاءُ التأنيثِ بعَلاماته وأبنِيَته وما تختَصُّه ثم نُتْبِعه ما تَلْحَقه من الأبْنِية المشتَرَكة فمن المخْتَصّ ما كان على فُعْلَى وهذا البناء على ضربين أحدُهما أن تكون الفُعْلَى تأنيثَ الأفْعَل والآخَر أن تكونَ فُعْلَى لا يكون مذكَّرُها أفْعَلَ فاذا كان الفُعْلَى مذكَّرُه أفْعَلُ لم يُستعْمَل الا بالالف واللامِ كما أن مذَكَّره كذلك وذلك قولك الكُبْرَى والأكْبَر والصُّغْرَى والأصْغَر والوُسْطَى والأوْسَط والطُّولَى والأطْوَلُ والدُّنْيا والأدْنَى وجمع الفُعْلَى هذه اذا كُسِّرت الفُعَلُ كقولنا الكُبَر وفى التنزيل (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) وكذلك الصُّغَر والطُّوَل والعُلَى وفى التنزيل (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) والفُعْلَى اذا أُفْرِدت أو جُمِعت مكسَّرةً أو بالألف والتاءِ لم تُستَعْمَل إلا بالألف واللام أو بالاضافةِ تقول الطُّولَى والطُّوَل وطُولَاها وقُصْرَاها والطُّولَيَات والقُصْرَيَات وكذلك المذَكَّر أُفْرِد أو جُمِع فسَلِم أو كُسِّر وفى التنزيل (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) وفيه (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) وفيه (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) وفيه (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) وفيه (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) وقد استعملوا أُخَرَ بغير ألفٍ ولامٍ فقالوا رجل آخَرُ ورجال أُخَرُ وفى التنزيل (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) وكذلك أُخْرَى وكان قياس ذلك أن يكون كما تقدّم* قال سيبويه* سألت الخليل

٨٤

عن أُخَرَ فقلت ما بالُه لا يَنْصرِف فى معرفةٍ ولا نكرةٍ قال لأن أُخَرَ خالفت أخواتِها وأصلَها وانما هى بمنْزِلة الطُّوَل والوُسَط والكُبَر لا يكُنَّ صفةً إلا وفيهنَّ ألف ولامٌ فتُوصَف بهنَّ المعرفةُ ألا ترى أنك لا تقول نِسْوةٌ صُغَرٌ ولا هؤلاء نِسْوةٌ وُسَطٌ ولا هؤلاء قومٌ أصاغِرُ فلما خالفت الأصلَ وجاءت صفةً بغير ألفٍ ولامٍ تركُوا صَرْفها كما تركُوا صَرْف لُكَعَ حين أرادوا يا ألْكَعُ وفُسَقَ حين أرادوا يا فاسِقُ* قال الفارسى* ومن ذلك أوّلُ تقول هذا رجلٌ أولُ فلا تصرف تريد أوَّلَ من غيره فتَحذف الجارَّ مع المجرُورِ وهو فى تقدير الاثبات فلذلك لم تَصْرِفْ* قال سيبويه* سألت الخليلَ رحمه‌الله عن قولهم مُذْ عامٌ أوَّلُ ومُذْ عامٍ أوّلَ فقال أوَّلُ هاهُنَا صفةٌ وهو أوَّلُ من عامِك ولكن ألزمُوه ههنا الحذَف استِخْفافا فجعلوا هذا الحرَف بمنزلة أفضَلُ منك وقد جعلوه اسما بمنْزِلة أفْكَلٍ وذلك قول العرب ما تركتُ له أوَّلاً ولا آخِراً وقالوا أنا أوَّلُ منه ولم يقولوا رجُل أولُ منه فلما جاز فيه هذانِ الوجهانِ أجازُوا فيه أن يكونَ صِفةً وأن يكونَ اسمًا* قال* وعلى أىِّ الوجْهين جعلتَه اسمًا لرجُل صَرفْته فى النكرة واذا قلت هذا عامٌ أوّلُ فانما جاز هذا الكلامُ لأنك تُعْلمِ به أنك تَعْنِى العام الذى يَلِيه عامُك كما أنك اذا قلت أوَّلُ من أمْسِ وبعد غدٍ فانما تعنى الذى يَليِه أمْسِ والذى يَلِيه غَدٌ فأما قولهم ابْدأْ بهذا أوَّلُ فانما يريدُون به أوَّلَ من كذا ولكن الحذفُ جائز جَيِّد كما تقول أنت أفضَلُ وأنت تريد أفضَلُ من غيرك وهذا مذهبُه أيضا فى قولنا اللهُ أكبَرُ أو لا تراه ذكره فى عَقِب قول سُحَيم ابنِ وَثِيل الرِّيَاحى

مَررْتُ على وادِى السِّباعِ ولا أَرَى

كوادِى السِّباعِ حِين يُظْلِمُ وادِيَا

أقَلَّ به رَكْبٌ أتَوْه تَئِيَّةً

وأخْوَفَ الَّا ما وَقَى اللهُ سارِيَا

قال أراد أقَلَّ به الركْب تَئِيَّة منه* ثم قال* ومثل ذلك قولهم اللهُ أكبَرُ قال فى بابِ أوّل الا أن الحذْف لزِم صِفةَ عامٍ لكثرة استِعْمالهم إيَّاه حتى استَغْنوْا عنه ومثلُ هذا فى الكلام كثيرٌ والحذف يُستَعمل فى قولهم ابدَأْ به أوّلُ أكثَرَ وقد يجوز أن يُظْهِروه الا أنهم اذا أظهَروا لم يُجْز الا الفتْح* قال* وسألته رحمه‌الله عن قول العرَب وهو قليل مُذْ عامٌ أوَّلَ فقال جعلُوه ظَرْفا فى هذا الموضع وكأنَّه قال مُذْ

٨٥

عامٌ قبلَ عامِك وسألته رحمه‌الله عن قوله زيْدٌ أسْفَلَ منك فقال هذا ظَرْف كأنه قال زيدٌ فى مكانٍ أسفَلَ من مكانِك وفى التنزيل (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ومثلُ الحذفِ فى أوّل لكَثْرة استعمالهم إيَّاه قولُهم لا عَلَيْك فالحذْف فى هذا الموضع كهذا ومثلُه هَلْ لك فى ذلك وألك فى ذلك ولا تذكر له حاجةً ولا هل لك حاجةٌ ونحوُ هذا أكثر من أن يُحْضَى قال الشاعر

يا لَيْتَها كانتْ لِأهْلِى إبِلَا

أو هُزِلَتْ من جَدْبِ عامٍ أوَّلَا

يكون على الوَصْفِ وعلى الظرْف وهكذا أنشده سيبويه أو هُزِلت فأما الفارسى فأنشده أو سَمِنَت وهذا على الدُّعاءِ لها أو عليها* قال* ومن جعل أوّلاً غير وصْف صَرَفه وقالوا ما تَرَكْتُ له أوَّلا ولا آخِراً كقولك قَدِيما ولا حَدِيثا وأما ما حُكِى من أن بعضَهم قرأ «وقُولُوا للناسِ حُسْنَى» فشاذّ عن الاستعمال والقياس وما كان كذلك لا ينبغى أن يُؤْخَذ به إلا أن يكونَ جعل حُسْنَى مصدَرا كالرُّجْعَى والبُشْرَى* وأفْعَلُ الذى مؤنَّثُه الفُعْلَى يستعمل على ضربين أحدُهما أن يتعَلَّق به مِنْ فاذا كان كذلك كان للمذكر والمؤنَّث والاثنين والجَمِيع على لفظٍ واحدٍ تقول مررت برجُل أفْضَلَ من زيدٍ وبامرأةٍ أفضَلَ من زيدٍ وبرجليْنِ أفضَلَ من زيدٍ وكذلك الجميع وتثِنيَةُ المؤنَّث وجمعُه فاذا دخلت الأَلفُ واللامُ عاقَبَتا مِنْ ولم تجتَمِعْ معهما تقول زيدٌ الأفضَلُ ولا يجوز زيدٌ الأفضلُ من عَمْر ولأن مِنْ انما تدخُل لتُحْدِثَ فيه ضَرْبا من التخصيص فاذا دخلت لامُ التعريفِ جعلت الاسم بحيثُ تُوضَع اليدُ عليه وهذا من حُرِّ العِبارة فلو أُلْحِقَت مِن معها لكان بالنقض للتعرِيف الحادِث باللامِ فأما قول الاعشى

ولَسْتَ بالأكْثَرِ منهم حَصَى

وإنَّما العِزَّةُ للكاثِرِ

فتَعَلُّق مِن بالأكْثَر ليس على حَدِّ قولك قومُك أكثَرُ من قومِ زيدٍ ولكن على حَدِّ ما يتعَلَّق به الظَّرْف ألا تَرَى تعلُّقَه به فى قول أوْس

فانَّا رَأيْنا العِرْضَ أحْوَجَ ساعةً

الى الصَّوْنِ مِنْ رَيْطٍ يَمَانٍ مُسَهَّمِ

٨٦

هذا باب فُعْلَى التى لا تَكونُ مؤَنَّث أفْعَلَ وما اشبهها

مما يختَصُّ ببناء التأنِيث ولا تكونُ ألِفُها إلا له

اعلم أنّ فُعْلَى هذه يختَصُّ بِنَاؤُها بالتأنيث ولا يكونُ لغيرهِ ولا يلزمُ دُخولُ الألف واللامِ عليها معاقِبَةً لِمنِ الجارّةِ كما جاز ذلك فى فُعْلَى التى تقَدَّم ذكرُها وهى تجىء على ضَرْبين أحدُهما أن تكون اسمًا غيْرَ وَصْف والآخَرُ أن تكونَ وَصْفا فالاسم على ضَرْبَيْن أحدُهما أن يكونَ اسماً غيْرَ مصدَر والآخَرُ أن يكونَ مصدَرا وهذه قِسْمة الفارسىِّ فالاسمُ غيْر المصدَر نحو البُهْمَى وحُزْوَى وحُمَّى ورُؤْيَا وزعم سيبويه أن بعضهم قال بُهْماة وليس ذلك بالمعروف واختُلِف فى طُغْيَا التى هى اسمُ الصغيرِ من بَقَر الوَحْش فحكاها أحمدُ بنُ يحيىَ بفتح أوَّلها وحَكَى عن الأصمَعى طُغْيَا بضم الاول وقال يُقال طَغَتْ تَطْغَى طَغْيًا ـ اذا صاحَتْ وأنشد لأُسامةَ الهُذَلى

وإلَّا النَّعامَ وحَفَّانَهُ

وطَغْيَا مع الَّلهِقَ النَّاشطِ

* وقال الفارسى* وما جاء من المَصادِر على فُعْلَى فنحوْ البُشْرَى والرُّجْعَى والزُّلْفَى والشُّورَى وما جاء منه من الصِّفات فنحو حُبْلَى وخُنْثَى وأُنْثَى ورُبَّى ومما جاء من الأبنِيَة المختَصَّة للتأنيث على غير هذه الزِّنَة قولُهم أَجَلَى ودَقَرَى ونَمَلَى وبَرَدَى ـ وهى أسماءُ مواضِعَ وقالوا بَرَدَى وبَرَدَيَّا والصِّفة نحو جَمَزَى وبَشَكَى ومَرَطَى وقالوا ناقة مَلَسَى وزَلَجَى ـ وهما السريعتان وكذلك شُعَبَى وأُدَمَى ـ لمكانين وقد قدمتُ جُمْهُورَ هذه الأوزان فى الممدود والمقصور فالألف فى هذه الأبنية لا تكونُ الا للتأنيثِ ولا تكون للِالْحاق لأن الاصول لم تَجْرِ على هذه الأمثلة فيقع الالحاقُ بها

بابُ ما جاء على أربعةِ أحرُفٍ مما كان آخِرُه ألِفا من

الأبْنِية المشتَرَكة للتأنيث ولغيره وذلك

بناآنِ أحدهما فَعْلَى والآخَرِ فعْلَى

٨٧

أمَّا فَعْلَى فتكون ألفُها للِالحاق وللتأنيث فما جاء ألِفُه للِالْحاق ولم يُؤنَّث قولهم الأرْطَى فيمن قال أدِيم مَأْرُوط وانصَرف فى النَّكِرة لأن ألفِهَا لغير التأنيث ولذلك قالوا أرْطاةٌ فألْحقُوا التاءَ فلو كانتْ للتأنيث لم تدخُلْه التاءُ ألا تَرَى أنه لا يجتمعُ فى اسمٍ عَلامتانِ للتأنيث فكلُّ ما جاز دُخُول التاء عليه من هذه الألفاظِ عُلِم أنها للِالْحاق دُونَ التأنيث ومثلُ الأرْطَى فيما وصَفْت لك العَلْقَى لأنهم قد قالوا عَلْقاةٌ وزَعَم أن بعض العرب أنَّث العَلْقَى وأنّ رُؤْبةَ لم ينوّنْهُ فى قوله (١)

* فَحَطَّ فى عَلْقَى وفى مُكُورِ*

ومثلُ ذلك تَتْرَى وهو فَعْلَى من المُواتَرَة وأُبْدِلت من واوها التاءُ كما أُبدِلَتْ فى تُرَاثٍ وتُخَمَة* قال الفارسى* الوجه عِنْدى تركُ الصَّرْف كالدَّعْوَى والنَّجْوَى لأن الألف للِالْحاق لم تدخُلِ المَصادِرَ وقد كَثُر دُخولُ ألف التأنيثِ على المَصَادر فى هذا البِناء وغيرِه فاذا كانتِ الألفُ فى فَعْلَى ولم تكن للالحاق فانَّ البِناءَ الذى هو فيه على ضَرْبين أحدُهما أن يكونَ اسما غيْرَ وَصْف والآخَرُ أن يكونَ وَصْفا فالاسمُ الذى هو غيْرُ وصف على ضربين اسمٌ غيْرُ مصدَر واسمٌ مصدَرٌ وهذه كلُّها قِسْمة الفارسىِّ فالاسمُ الذى ليس بمَصْدَر نحو سَلْمَى ورَضْوَى وجَهْوَى وعَوَّا ـ لاسم النَّجْم وشَرْوَى ـ لمثل الشئِ وقالوا فى اسمِ موضعٍ سَعْيَا* قال* أعنى الفارسى وفيه عنْدى تَأْوِيلانِ أحدهما أن يكون سُمِّى بوَصْف أو يكون هذا فى باب فَعْلَى كالقُصْوى فى بابه فى الشُّذُوذ وهذا كأنَّه أشبَهُ لأنّ الأعْلام تُغَيَّر كثيرا عن أحْوالِها أعنى عن أحوالِ نَظَائِرها فأما الاسمُ الذى هو مَصْدَر من هذا البابِ فنحوُ الدَّعْوَى والنَّجْوَى والعَدْوَى والرَّعْوَى* قال* وهو عِنْدى من ارْعَوَيْت وليست منقلِبةً والتَّقْوَى والفَتْوَى والَّلوْمَى ـ يريدُ به اللَّوْمَ وأنشد أبو زيد

أمَا تَنْفَكُّ تَرْكَبُنِى بِلَوْمَى

لَهِجْتَ بها كَمَا لَهِجَ الفِصَالُ

وفى التنزيل (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) فافرادُها حيثُ يُرادُ بها الجمعُ يُقَوِّى أنه مصدَرٌ وقال تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) وقد جمعُوا فقالوا أَنْجِيَةٌ قال الشاعر

تُرِيحُ نِقَادَها جُشَمُ بْنُ بَكْرٍ

وما نَطَقُوا بأنْجِيَةِ الخُصُومِ

__________________

(١) قلت الصواب أن هذا المصراع للعجاج والد رؤبة من أرجوزته التى مطلعها

جارى لا تستنكري عذيري

سعيي واشفاق على بعيري

وحدري ما ليس بالمحذور

وقذري ما ليس بالمقذور

ومنتهاها قوله يصف ثور وحش فى مشيته

يمشى بأنقاء أبى جبرير

مشى الأميرأ وأخى الأمير

يمشى السبطري مشية الجبير

أوفيخمان القرية الكبير

وكتبه محمد محمود لطف الله به آمين

٨٨

* وأمَّا ما كان من فَعْلَى وَصْفا فعلى ضربَيْنِ أحدُهما أن يكون مُفْرَدا والآخَرُ أن يكونَ جَمْعا فالمُفْرَد ما كان مؤَنَّثَ فَعْلانَ وذلك نحوُ سَكْرانَ وسَكْرَى ورَيَّانَ ورَيَّا وحَرَّانَ وحَرَّى وصَدْيانَ وصَدْيَا وشَهْوانَ وشَهْوَى وظَمْآنَ وظَمْأَى وهذا مستمِرٌّ فى مؤَنَّث فَعْلانَ وأما ما كان من ذلك جَمْعا فانه يكونُ جَمْعا لِمَا كان ضَرْبا من آفة وداء وذلك مثل جَرِيح وجَرْحَى وكَلِيم وكَلْمَى ووَجِىٍّ ووَجْيَا من الوَجَى وقالوا زَمِنٌ وزَمْنَى وضَمِن وضَمْنَى ومن ذلك أَسِير وأَسْرَى ومائِقٌ ومَوْقَى وأحمَقٌ وحَمْقَى وأنْوَكُ ونَوْكَى وربما تعاقب فَعْلَى وفُعَالَى على الكلمة كقولهم أَسْرَى وأُسَارَى وكَسْلَى وكُسَالَى ورُبَّما تَعاقَبَ عليه فَعَالَى وفُعَالَى فقالوا كَسَالَى وكُسَالَى كما قالوا سَكَارَى وسُكَارَى

بابُ ما جاء على فِعْلَى

وأمَّا ما جاء على فِعْلَى فان ألِفَه قد يجوز أن تكونَ للِالحاقِ ويجوز أن تكونَ للتأنيث فما جاء ألِفُه للالحاق ولم يُؤَنَّث معْزَى كلُّهم ينوِّنُه فى النِكرة فيقول مِعْزًى كما تَرَى ومما يدلُّ على أن هذه الالفات المُلْحِقات تَجْرِى مَجْرَى ما هو من انْفُس الكَلِم قولهم فى تحقير مِعْزًى وأرْطًى مُعيْزٍ وأُرَيْطٍ كما يقولُو دُرَيْهِم ولو كانت للتأنيث لم يَقْلِبوا الألفَ كما لم يقْلِبوا فى حُبَيْلَى وأُخَيْرَى* وأمَّا ما جاء فيه الأمر انِ جميعا فى هذا الباب فذِفرَى منهم من يقول ذِفْرًى أسِيلةٌ فينوِّن وهى أقلُّ اللغتين وألحَقَها يدِرْهم وهِجْرَعٍ ومنهم من قال ذِفْرَى أسِيلةٌ فلم يَصْرِف وأُشِذَّت فاذا كانت الألفُ للتأنيث فى فِعْلَى ولم تكن للالحاق فان الاسمَ الذى هى فيه على ضربين أحدُهما أن يكونَ اسما غيْرَ مَصدَر والآخَرُ أن يكونَ اسمًا مصدرًا ولم يجئْ صِفةً وقد جاء جَمْعا فى شئٍ قليلٍ فالاسم نحو الشِّيزَى والدِّفْلَى والدِّفْرَى فيمن لم يصْرِف والمصدر نحوُ ذِكْرَى فى قوله تعالى (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) وقالوا السِّيمَى ـ للعلَامة والمُسَوّمةُ ـ المعلَّمة والعينُ منها واوٌ قلبتْها الكَسرةُ ولم تَجِئْ فِعْلَى صفةً فأما قوله تعالى (قِسْمَةٌ ضِيزى) فزعم سيبويه أنه فُعْلَى فجعله من باب حُبْلَى وأُنْثَى وانما ابدلَ من الضمة كسرةً كما ابدلها منها فى بِيضٍ* قال التَّوَّزِىُّ* وحكى

٨٩

أحمدُ بن يحيى رجُلٌ كِيصَى ـ اذا كان يأكُل وحْدَه وقد كاصَ طعامَه كَيْصا ـ اذا أكلَه وَحْدَه وليس هذا خِلافَ ما حكاه سيبويه لأنه حكاه منوَّنا ولكن زعم سيبويه أن فِعْلَى لا يكون صِفةً إلا أن تَلْحَق تاءُ التأنيث نحو رجُلٌ عِزْهاةٌ وامرأةٌ سِعْلاة وحكى أحمد بن يحيى الكلمة بلا هاء فهو من هذا الوجه خِلافُ قول سيبويه* وأما فِعْلى التى تكونُ جَمْعا فما علمتُه جاء إلا فى حرفين قالوا فى جمع حَجَلٍ حِجْلَى قال الشاعر

ارْحَمْ أُصَيْبِيتِى الذينَ كأنَّهم

حِجْلَى تَدرَّجُ فى الشَّرَبَّة وُقَّعُ

وقالوا فى جمع ظَرِبَانٍ طِرْبَى قال القَتَّال الكِلابِىّ

يا أُمَّةً وجَدَتْ مالاً بلا أحَدٍ

الا لِظِرْبَى تَفاسَتْ بيْنَ أحْجارِ

* قال أبو زيد* هو الظَّرِبانُ وجمعُه ظَرَابِىُّ كما تَرَى وهى الظِّرْبَى الظاء من هذه مكسورةٌ ومن تلك مفتوحة وكلاهما جِمَاع وهى دابَّةٌ شبيهةٌ بالقِرْد* وحكى أبو الحسَن* أن دِفْلَى تكون جمعا وتكون واحدا وجميع ما ذكرته فى هذا الباب من فصل مقدَّم أو قادمٍ فهو مذهبُ الفارسى وهكذا ذكره فى كتابيه الايضاحِ والاغْفال

باب ألف التأنيث التى تلحق قبلها ألفٌ فتُقْلَب الآخرةُ

منهما همزةً لوقُوعها طَرَفا بعد ألفٍ زائدةٍ

اعلم أنَّ أبنِيَة الأسماءِ التى تَلْحَقُها هذه العلامةُ على ضروب فمنها فَعْلاءُ وهى لا تكون أبَدا إلا للتأنيثٍ ولا تكُونُ همْزتُها إلا منقلِبةً عن ألفه فهى فى هذا الباب مثل فُعْلَى فى باب الألفِ المقصورةِ وفَعَلى وفُعَلَى وتكونُ اسمًا وصِفةً فاذا كانت اسمًا كان على ثلاثة أضْرُب اسمٌ غيرُ مصدَرٍ واسمٌ مصدرٌ واسمٌ يُرادُ به الجمعُ فمثال الأوّل قولهم الصَّحْراء والبَيْداءُ وسَيْناءُ والهَضَّاءُ* قال أحمد بنُ يحيى* ـ وهى الجماعةُ من الناس وأنشد

إلَيْه تَلْجَأُ الهَضَّاءُ طُرًّا

فليس بِقائِلٍ هُجْرًا لِجَادِى

٩٠

والجَمَّاء من قولهم جاؤُا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ والجَرْباء ـ السماءُ والعَلْياءُ فان قلت فَلِم لا يكونُ العَلْياءُ صِفةً ويكون مذكَّره الأعْلَى كقولك الحَمْراء والأحْمَر فالقول أن العَلْياءَ ليس بوَصْفَ انما هو اسم ألا تَرَى أنَّ استِعْمالهم إيَّاها استِعمال الأسماء فى نحو

ألَا يا بَيْتُ بالعَلْياءِ بَيْتُ

ولَوْ لا حُبُّ أهْلِكَ ما أتَيْتُ

ولو كان صِفةً كالحَمراء لصَحَّت الواوُ التى هى لامٌ من عَلَوْت كما صَحَّت فى القَنْواء والعَشْواء ونحوِ ذلك وليس الأعْلَى كالأحمرَ انما الأعْلَى كالأفْضَل لا يُستَعْمل إلا بالألفِ واللامِ أو بِمن نحو زيد أعْلَى من عَمْرو والزَّيدُونَ الأعْلَوْنَ وفى التنزيل (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) وفيه (إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) ولو كان كالأحْمر لم يُجْمَع بالواو والنونِ فأما الكَلَّاءُ كَلَّاءُ البَصْرة فزعم سيبويه أنه فَعَّال بمنزلة الجَبَّارِ والقَذَّاف وهو على هذا مذكَّر مصروفٌ ويدُلُّ على ذلك أنهم قد سمَّوْا مُرْفَأَ السُّفُن المُكَلَّأَ والمعنى أن الموضِعَ يَدْفَع الريحَ عن السُّفُن المقرَّبةِ اليه ويحفَظُها منها من قوله تعالى (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أى يحفَظُكم وقد زعم بعضهم أن قوما تركُوا صَرْفه فمن تَرك صَرْفَه كان اسمًا وهو من كَلَّ مثلُ الهَضَّاء فى التضعِيف والمعنَى أنه موضِعٌ تَكِلُّ فيه الريحُ عن عَمَلها فى غير هذا الموضعِ قال رُؤْبة

* يَكِلُّ وَفْدُ الرِّيح مِنْ حيثُ الْمَخَرقْ*

ومثل الكَلَّاءِ فى المعنى على هذا القول تسميتُهم لمُرْفا السُّفُن مكَلَّأَ ألا ترى أنه مفعال أو مفعل بياض بالأصل وكَلَّال وقد يَقْصُرون بعض هذه الأسماء الممدودةِ كقولهم الهَيْجاء والهَيْجَا* قال الفارسى* وسمعت أبا اسحقَ ينشد

وأرْبَدُ فارسُ الهَيْجا إذا ما

تَقَعَّرتِ المَشَاجِرُ بالفِئَامِ

وقال آخر

* اذا كانَتِ الهَيْجاءُ وانْشَعَّتِ العَصَا*

والمحذوف من الألفين هى الأولى الزائدة لأن الآخِرةَ لمعْنَى ولو كانت المحذوفةُ الآخِرةَ لصَرفتَ الاسمَ كما تَصرِف فى التصغير اذا حَقَّرت نحو حُبَارَى فى النَّكِرة* ومما يجوز أن يكونَ مكَبَّره فَعْلاءَ المُرَيْطاءُ والقُطَيْعاء ـ وهو تمر الشِّهْريزِ وأنشد أبو زيد

* باتُوا يُعَشُّونَ القُطَيْعاءَ جارَهُمْ*

٩١

والغُمَيْصاءُ* قال أحمدُ بنُ يحيى* هما غُمَيْصاوانِ إحداهُما فى ذِراع الأسد والأُخْرَى التى تَتْبَع الجَوْزاء والْمُليساء ـ نِصْفُ النَّهارِ والمُلَيْساء ـ شهْرٌ بينَ الصَّفَرِيَّة والشِّتاء وتنقَطِع فيها المِيرةُ قال الشاعر

أفِينا تَسُومُ السَّاهِرِيَّةَ بَعْدَ ما

بذالَكَ من شَهْرِ المُلَيْساءِ كَوْكَبُ

وقال فى كتاب الحُجَّة السَّاهِرِيَّة ـ ضَرْب من الطِّيب وقد قدَّمت ذكر الجَرْباء مع ذكر الرَّقِيع وبِرْقِعَ وحاقورةَ وصاقُورةَ فى باب السَّماء والفَلَك* قال الفارسى* عِنْد تحليل القِسْمة الثانيةِ من هذا الباب وأمَّا ما جاء من هذا المثالِ مَصْدَرا فنحوُ السَّرَّاء والضَّرَّاءِ والبَأْساء والنَّعْماءِ وفى التنزيل (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) ومنه قولهم الَّلأْواء ـ للشِّدّة والَّلْولاءُ بمعناها إلا أنه ليس من هذا الباب إلا أن تحمِلَه على قياس الفَيْف والأكثر أن تجعَله من باب القَضْقاضِ* وأمَّا الاسمُ الذى يُراد به الجمعُ عِنْد سيبويه فقولهم القَصْباءُ والطَّرْفاءُ والحَلْفاء ومن هذا الباب على قول الخليل وسيبويه قولُهم أشْياءَ ويُشْبِه ذلك عِنْده وإن لم يكُنْ على وَزْنه أُبَيْنُونَ فى تصغير أبْناءٍ فالطَّرْفاء وأُخْتاها كالجامِل والباقِر فى أنهما على لَفْظ الافْراد والمرادُ بهما الجمعُ كما أنَّ الجامِلَ والباقِرَ كالكاهِل والغارِبِ والمراد بهما الكَثْرةُ وفى التنزيل (سامِراً تَهْجُرُونَ) فاستُعمل فاعِلٌ منه أيضا جمعا فأما قولهم أشْياءُ فى جمع شئٍ فقد قدّمت تعليله من كتاب الحجة عند ذكرِى إيَّاها فى الممدُود والمَقْصُور واختصرت ذلك هنالك ايثارًا لهذا الموضِع بالايضاح وإنعامِ حُسن الوَضْع وتَحَرَّيت أفضلَ ما عَبَّر به عنها فى الايضاح وغيرِه من كتبه ان شاء الله تعالى وهذا من نَصِّ لفظه* قال* وأما قولُهم أشْياءَ فكان القِياسُ فيه شَيْاءَ لَيكون كالطَّرْفاء فاستُثْقِل تَقَارُبُ الهمزتيْنِ فأُخِّرت الأُولَى التى هى اللامُ الى أوَّل الحَرْف كما غيَّرُوها بالابدال فى ذوائِبَ وبالحذف فى سَوَايَةٍ وان لم تكن مجتمعة مع مثلها ولا مُقارِبةً لها فصارتْ أشْياءُ كطَرْفاءَ ووزنها من الفِعل لَفْعاءُ والدِّلالة على أنها اسمٌ مفردٌ ما رُوِى من تكسيرها على أشَاوَى فكسَّرُوها كما كسَّرُوا صَحْراءَ على صَحَارَى حيث كانت مثلَها فى الافْراد والأصل صَحارِىُّ بياءيْن الاولَى منهما بدَلٌ من الألف الاولَى التى فى صَحْراءَ انقلبت ياءً لسُكونها وانكسارِ ما قَبْلَها والياءُ الثانيةُ بدَل من ألف التأنيثِ التى

٩٢

كانت انقلبتْ همزةً لوُقُوعها طَرَفا بعد ألفٍ زائدةٍ فلَمَّا زال عنها هذا الوصفُ زال أن تكونَ همزةً كما لو صَغَّرت سَقَّاءً لقلت سُقَيْقِىٌّ فقلبت الهمزةَ المنقَلِبةَ عن الياء التى هى لامٌ بالزَّوال لوقُوعها طَرَفا بعد ألفٍ زائدة ثم حذفت الياء الاولَى فى صَحارِىّ للتخفيف فصارت صَحَارٍ مثل مَدَارٍ ثم أبدلْتَ من الياء الألفَ كما أبدلتها منها فى مَدارَى ومَعايَا فصارت صَحارَى وأشَاوَى والواو فيها مُبْدَلة من الياء التى هى عينٌ فى شئ كما أبدلت منها فى جَبَيْت الخَراجَ جِبَاوةً وقد قيل فى أشْياءَ قولٌ آخَرٌ وهو أن تكون أفْعِلاءَ ونظيره سَمْح وسُمَحاءُ* قال أحمد بنُ يحيى* رجالٌ سُمَحاءُ الواحد سَمْح قال ونسوة سِمَاحٌ لا غيْرُ فأصل الكلمة على هذا القول أفْعِلاءُ وحذِفت الهمزةُ التى هى لامٌ حَذْفا كما حُذِفت من قولهم سَوائِيَة حيث قالوا سَوَاية ولزم حذفُها فى أفْعِلاءَ لأمرين أحدهما تقارُبُ الهمزتينِ فاذا كانوا قد حذفُوا الهمزةَ مفرَدة فجدير اذا تكرَّرت أن يلزم الحذفُ والآخَر أن الكلمةَ جمعٌ وقد يُسْتثقَل فى الجموع ما لا يُستَثْقَل فى الآحاد بدلالة إلزامهم خَطايَا القلْبَ وإبدالِهم من الأوَلى فى ذَوائِب الواوَ وهذا قول أبى الحسن فقيل له كيف تُحقِّرها قال أقول فى تحقيرِها أشَيَّاء فقيل له هَلَّا رددته الى الواحد فقلت شُيَيْآت لان أفعلاءَ لا تصغَّر فالجواب عن ذلك أن أفْعِلاءً فى هذا الموضع جاز تصغيرُها وان لم يجز ذلك فيها فى غير هذا الموضِع لأنها قد صارت بَدَلا من أفْعال بدلالة استِجازتهم إضافةَ العَدَد اليها كما أُضِيف الى أفعال ويدلُّك على كونِها بدَلا من أفعال تذكيرُهم العدَدَ المضافَ اليها فى قولهم ثلاثةُ أشياءَ وكما صارت بمنزلة أفْعالٍ فى هذا الموضع بالدِّلالة التى ذُكِرت كذلك يجوز تصغيرُها من حيث كان تصغير أفعال ولم يمتنِع تصغيرُها على اللفظ من حيث امتَنَع تصغيرُ هذا الوَزْن فى غير هذا الموضع لارتفاع المعنَى المانِع من ذلك عن أشياءَ وهو أنها صارت بمنزلة أفْعالٍ واذا كان كذلك لم يجتمع فى الكلمة ما يَتدافَعُ من إرادة التقليلِ والتكثيرِ فى شئ واحد* قال* وما ذكرته فى الطَّرْفاء وأُخْتيها من أنه يُراد به الجمعُ قول سيبويه وحكى أبو عثمان عن الأصمعى أنه قال واحد القَصْباء قَصَبة وواحد الطَّرْفاء طَرَفة وواحد الحَلْفاء حَلِفة مثل وَجِلة مخالِفةً لأختيها وكيف كان الأمرُ فالخلاف لم يقع فى أن كل واحد من هذه الحروفِ جمعٌ وانما موضعُ الخِلاف هل لهذا

٩٣

الجمعِ واحدٌ أم لا واحِدَ له* وأما فَعْلاء التى تكون صفةً فنحوُ سَوْداءَ وصَفْراءَ وزَرْقاءَ وما كان من ذلك مذكَّرُه أفعلُ نحو أبْيضَ وأسودَ وأزْرقَ وكلُّ فَعْلاءَ من هذا الضَّرْب فمذَكَّره أفْعَلُ فى الأمر العامِّ وقد جاء فَعْلاءُ صفةً ولم يستعْمَل فى مذكَّره أفْعَلُ إمَّا لامتناع معناها فى الخِلْقة وإما لرفْضِهم استعمالَه فالممتنع نحو امرأةٌ عَفْلاءُ ولا يكون للمذكَّر وقالوا امرأة حَسْناءُ ودِيمةٌ هَطْلاءُ ولم نعلمهم قالوا مطر أهْطَلُ وقالوا حُلَّة شَوْكاءُ* قال الأصمعى* لا أدْرِى ما يُعْنَى به* وقال أبو عبيدة* يُراد به خُشونَةُ الجِدّة ويدلُّ على صحة ذلك ما ذكره أبو عبيد أنهم سَمَّوُا الخَلَق جَرْدا قال الشاعر

* هَبِلَتْكَ أمُّكَ أىَّ جَرْد تَرْقَع*

وسَمَّوه الخَلَق وقالوا للأمْلَس أخْلَق وقالوا للصَّخْرة المَلْساء خَلْقاء فاذا كان الاخْلاق مَلَاسة فالجِدَّة خِلافُها* وقال أبو زيد* هى الدَّاهِية الدَّهْياءُ وداهِيَةٌ دَهْواءُ وهى باقِعةٌ من البَوَاقِع وهما سواءٌ وقالوا امرأةٌ عَجْزاءُ وقالوا العَرَب العَرْباءُ والعَرَب العارِبةُ ولم يجئْ لشئ من ذلك أفعَلُ وكأنهم شَبَّهوا الدَّهْياء بالصَّحْراء فقلَبُوا لامها كما قَلبُوها فى العَلْياء حيثُ لم يُسْتَعْمَل له أفْعَلُ وقالوا أجْدَلُ وأخْيَلُ وأفْعَى فلم يَصْرِفْ ذلك كلَّه قومٌ لا فى المعرِفة ولا فى النَّكِرة كما لم يصرِفُوا أحْمَر ولم يجئ لشئٍ من ذلك فَعْلاءُ قال الشاعر

* فما طائِرِى فيها عليكِ بأخْيَلا*

وربما استعملوا بعضَ هذه الصِّفات استعمالَ الأَسماء نحو أبْطحٍ وأبْرقٍ وأجْرَعٍ وكسَّروه تكسيرَ الأسماء فقالوا أجارِعُ وأبَاطِحُ وكذلك كان قياس فَعْلاءَ وقالوا بَطْحاءُ وبِطَاح وبَرْقاء وبِرَاق فجمعوا المؤنث على فِعَال كما قالوا عَبْلة وعِبَال فشَبَّهُوا الألفَ بالهاء كما شَبَّهُوا الكُبْرَى والكُبَر والعُلْيا والعُلَى بظُلْمة وظُلَم وغُرْفة وغُرَف ولم يجعلوها كصَحارَى* وأما أجمَعُ وجَمْعاءُ فليس من هذا الباب ومن جعله منه فقد أخْطأ يدلك على ذلك جمعهم للمذكر منه بالواو والنون وفى التنزيل (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) ولم يُكَسِّروا المؤنَّث تكسيرَ مؤَنَّث الصِّفة كما لم يكسِّرُوا المذكَّر ذلك التكسيرَ ولو جمعوا المؤنَّث بالألف والتاءِ كما جمَعُوا المذكَّر بالواو والنون لكان قياسا ولكنهم عدَلُوا

٩٤

عن ذلك الى الجَمْع المعدُول عن نحو صَحارَى وصَلَافَى فقالوا جُمَعُ وكُتَعُ ولم يُصْرَف المذكرُ الذى هو أجمعُ للتعريفِ والوزنِ لا للوصف ووزْن الفِعْل ومن ذلك قولهُم لَيْلٌ ألْيَلُ ولَيْلةٌ لَيْلاءُ فالقول فى ألْيَلَ أنه ينبغى أن لا يُصْرَف لانه قد وُصِف به وهو على وَزْن الفِعْل وليس كأجْمَع المنْصرِف فى النكِرة لان أجمَعَ ليس بوصْف وانما لم يصرَف أحمدُ فانضمَّ زِنَةُ الفِعل الى التعريفِ ودَلَّ على تعريفه وصفُ العَلَم به وليس كيَعْمَلٍ الذى أزال شبَهَ الفعل عنه لحَاقُ علامةِ التأنيث له فاذا لم يكن مثلَ أحمَد ولا يَعْمَلٍ صحَّ أنه مثلُ أحمرَ فأما امتناع اشتقاق الفعل من هذا النحو فلا يُوجِب له الانصرافَ ألا ترى أنهم قالوا رجل أشْيَمُ وامرأْةٌ شَيْماءُ ـ اذا كان بها شامةٌ ورجل أعْيَنُ وامرأةٌ عَيْنَاء* قال أبو زيد* ولم يَعْرِفُوا له فِعْلا ولم يُوجبْ ذلك له الانصرَافَ فَلْيلاءُ كعَرْباءَ ودَهْباءَ مما لا فِعْلَ له وألْيلُ كأخيلَ وأجْدَلَ فيما لم يصرفْ ولَيْلاءُ وألْيَلُ كشَيْماءَ وأَشْيَمَ* ومما جاء قد أنث بهذه العلامةِ غير ما ذكرنا من فَعْلاءَ وضُروبها قولهم رُحَضاءُ وعُروَاءُ ونُفَساءُ وعُشَراءُ وسِيَرَاءُ ومنه سابِياءُ وحاوِياءُ وقاصِعاءُ ومنه كِبْرياءُ وعاشُوراءُ وبَرَاكاءُ وبَرُوكاءُ وخُنْفُساءُ وعَقْرباءُ ومن الجمع أصْدِقاءُ وأصْفِياءُ وفُقَهاءُ وصُلَحاء وزَكَرِيَّاء يمدُّ ويقصر ومنه زِمِكَّاءُ وزِمجَّاءُ ـ لقَطَن الطائِر ويدلك على أنها ليست للالحاق بِسِمَّار أنهم لم يَصْرِفوه وقد قصروه فقالوا زِمِكَّى وزِمِجَّى

باب ما كان آخِرُه همزةً واقعةً بعد ألفٍ زائدةٍ وكان مذكَّرا

لا يجوز تأنِيثُه وهو مثل فعْلاءَ فى العَدَد والزّنَة

وذلك ما كان أوَّلُه مضمُوما أو مكسُورا فمن المَكْسور الأوَّلِ قولهُم العِلْباء والحِرْباء والسِّيْساء ـ للظَّهْر والزِّيْزاء والقِيقاءُ والصِّيصاءُ ومن هذا قول من قرأ «تَخْرُج من طُورِ سِيناءَ» فكسَروا الأوَّل منه إلا أنه لم يُصْرَفْ لأنه جعله اسما للبُقْعة ومن المضموم الأول قولهم لضَرْب من النَّبْت الحُوّاء واحدته حُوّاءةٌ والمُزَّاء والطُّلَّاء للدم وقالوا خُشَّاءٌ وقُوْباءٌ فزادوا الألف لتُلحِقَهما بالأصولِ أمَّا العِلْباء فبسِرْداحٍ

٩٥

وحِمْلاق وأما القُوْباء فبالقُرْطاس إلا أنَّ الياءَ انقلبتْ فيهما ولم تصِحَّا لبِناء الكلمة على التذكير ويدُلُّك على زيادة الياء لذا المعنَى أن الياء لا تكونُ أصْلا فى بَنَات الأربعة فلما كانت منقلبة عما حُكْمُه حكمُ الأصلِ كان مثلَه فى الانصِراف كما أن الهمزةَ فى صَحْراءَ لمَّا كانت منقلبةً عن الألف كان حكمُها حكمَ الذى انقلبَتْ عنه فى مَنْع الكلِمة من الانْصِراف وكما كان هَراقَ الهاءُ فيها بمنزلة الهمزة فى أَراقَ فلو سمَّيت به شيأ ونزَعْت منه الضميرَ لم تصرفْه كما اذا سمَّيت بأَقَامَ* فأما ما كان مفتوحَ الاول نحو صَحْراءَ وحَمْراءَ فلا يكون أبدًا إلا غير منصَرف إذ لا يجوز أن تكون الهَمْزة فى ذلك منقلبةً عن حَرْف يُراد به الالحاقُ كما كان ذلك فى عِلْباءٍ وقُوْباءٍ ألا ترى أنه ليس فى الكلام فى غير مضاعَف الأربعة شئٌ على فِعْلالٍ فيكون هذا مُلْحقَا به فأما السِّيْساء فبمنزلة الزِّيزاءِ فان قلت فلم لا يكونُ من باب ضَوْضَيْت وصِيْصِيَّةٍ فانما ذلك لأنه اسمٌ ليس بمصدَر ولم يجُز الفتحُ فى أوّله فيكونُ بمنزِلة القَلْقال فأما الفَيْفاء فلا تكونُ الهمزة فيه إلا للتأنيث ولا تكون للالْحاق لما قَدَّمنا ولا يجوزُ أن تكون كغَوْغاءٍ فيمن صَرفَ لأنهم قد حذفوا فقالوا الفَيْف* وحكى أحمد بنُ يحيى* فى المُزَّاء المدَّ والقصرَ والقولُ فيه أنَّ قَصْره يدلُّ على أنه فُعْلَى من المَزِيز وليس من المَزِيَّة وان سُمِع فيه الصَّرفُ أمكن أن يكونَ فُعَّلا مثلَ زُرّق الا أنك قلَبْتَ الثالثَ من التضعيف لاجتماع الأمثال كما أَبْدل فى لا أَمْلاه وانما هو لا أمَلُّه

باب ما أُنِّث من الاسماءِ بالتاء التى تبدل

منها فى الوَقْف هاء فى أكثَر اللُّغات

هذه العَلامةُ التى تَلْحَق للتأنيث هى تاء وانما تُقْلَب فى الوقف هاءً لتغيُّر الوقف يدلُّك على أنها تاءٌ لَحاقُها فى الفعل نحو ضَرَبتْ وهى فيه فى الوَصْل والوَقْف على حالٍ واحدةٍ وانما قَلَب من قَلَب فى الوَقْف لأن الحُرُوف الموقُوفَ عليها تُغَيَّر كثيرا كابدالِهم الألفَ من التنوين فى رأيت زَيدا ومن العرب من يجعَلُها فى الوقف أيضا تاءً وعلى هذا قوله

* بَلْ جَوْزِ تَيْهاء كظَهْر الحَجَفَتْ*

٩٦

ولم يُؤَنَّث بالهاء شئٌ فى موضِعٍ من كلامهم فأما قولهم هذِهِ فالهاء بدَلٌ من الياء والياءُ مما يُؤنَّث به وكذلك الكَسْرة فى نحو أنت تَفْعَلِينَ وإنَّك فاعلةٌ ومنهم من يسَكِّنها فى الوقْف والوصْل فيقول هذِهْ أمَةُ اللهِ* وتاءُ التأنيث تدخُل فى الأسماء على سَبْعة أضرُب الأول منها دخُولُها على الصِّفات فَرْقا بين المذكَّر والمؤنَّث وذلك اذا كانت جاريةً على الأفعال نحو قائِم وقائِمة وضارِبٍ وضاربةٍ فالتاءُ فى الصِّفة هنا مثلُ التاء فى قامَتْ وضرَبَت فى الفصل بين القَبِيلين فاذا كان التأنيثُ حَقِيقيًّا لزِمتْ فعلَه هذه العَلامةُ فلم تُحْذَف وذلك نحو قامتِ المرأةُ وسارتِ الناقةُ واذا كان غيرَ حقِيقىٍّ جاز أن تُثْبَت وأن تُحذَف فما جاز فيه الأمرَ انِ قوله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ) وفى الأخْرَى (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وقد تقدم شرحُ هذا فى أوّل هذا النوع فأمَّا الصِّفات التى تجرى على المؤَنَّث بغير هاءٍ نحو طالِقٍ وحائِضٍ وقاعِدٍ لليائِسةِ من الولَد ومُرْضِعٍ وعاصِفٍ فى وصف الرِّيح فما جاءَ من ذلك بالتاء نحو طالفةٍ وحائِضةٍ وعاصِفةٍ ومُرْضِعة فانما ذلك لأنك تُجْرِيه على الفِعل فمن ذلك قولُه تبارك وتعالى (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) وقال تعالى (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) وما جاء بلا هاء كقوله تعالى (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) وقوله تعالى (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) فانما ذلك لأنه أُرِيد به النسَبُ ولم يُجْر على الفعل وليس قولُ من قال فى نحو طالِق وحائِضٍ انَّه لم يؤنث لأنه لا .... (١) للمذكَّر فيه بشئ ألا تَرَى أنه قد جاء ما يشتَرِك النوعانِ فيه بلا هاءٍ كقولهم جَمل ضامِر وناقةٌ ضامِرٌ وجَمَل بازِلٌ وناقة بازِلٌ وهذا النحوُ كثير قد أفرد فيه الأصمعِىُّ كتابا قال الأعشى

عَهْدِى بها فى الحَىِّ قد سُرْبِلَتْ

بَيْضاء مثل المُهْرةِ الضَّامِرِ

وقال تعالى (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) وهذا لا يكون فى المذَكَّر وعلى هذا النَّسَب تأوّل الخليلُ (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) كأنه قال ذاتُ انْفِطار ولم يُرِد أن تُجْرِيه على الفعل وكذلك قول الشاعر

وقد نَحِذَتْ رِجْلِى الى جَنْبِ غَرْزِها

نَسِيفًا كأُفْحُوص القَطَاةِ المُطرِّقِ

وهذه التاء اذا دخَلت على هذه الصِّفاتِ الجارِيةِ على أفعالها لم يتغيَّرْ بناؤُها عما كان عليه نحوُ قائِمٍ وقائِمةٍ وضارِبٍ وضارِبةٍ ومُكْرِم ومُكْرِمة وليست كالألفين الممدودةِ

__________________

(١) بياض بالاصل

٩٧

والمقصُورة التى تبنى عليها الكلمة نحو ذِكْرَى وسَكْرَى وحُبْلَى والصَّحْراء والحَمْراءِ فان قلت فقد قالوا زَكَرِيَّاءُ وزَكَرِيَّا وزَكَرِىٌّ فكانتَا فى هذه كالتاء وقد حكى أبو عبيد غَلبْت العدُوَّ غَلَبا وغَلَبةً وغُلُبَّة وقد قالوا الغُلُبَّى وحكى أبو زيد أيضا إنه لَجِيَضُّ المِشْيةِ ـ اذا كان مُخْتالا وحكى غيره هو يَمْشِى الجِيضَّى ـ وهى مِشْية يُخْتال فيها فالقول فى ذلك أن اللفظَيْنِ وان اتَّفَقا فالتقدير مُخْتلِف ولا نُقَدِّر الألفَ داخِلةً على الكلمة دُخُولَ التاءِ عليها لو كان كذلك لانْصَرف ما فيه الالفُ فى النكرةِ كما انصَرف ما فيه التاءُ وانَّما ذلك كالألفاظ المتَّفِقة على اختِلاف التقدير كقولنا ناقَةٌ هِجَانٌ ونُوقٌ هِجَانٌ و (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ والْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) وقولنا فى تَرْخِيم رجُل اسمُه منصورٌ يا مَنْصُ فالكَسْرة التى فى هِجَانٍ فى الجمع غيرُ التى فى الواحِد وكذلك الضمَّةُ التى فى الفُلْك وكذلك الَّتِى فى ترخيمِ مَنْصُور على .... (١) كذلك الجِيَضُّ والجِيَضَّى استئنافُ بِناءٍ للكلمة ليس على حدِّ قائِم وقائمة وكذلك الغُلُبَّة والغُلُبَّى والبَيِّنُ فى هذا والقياسُ ما فُعِل بأحَد حيث أُرِيد تأنيثُه قالوا إحْدَى فغيَّرُوه عن بناءِ واحِده* وقد جاءت هذه التاءُ مبنِيًّا عليها بعضُ الكَلِم وذلك قولهم عَبَايَة وعَظَاية وعِلَاوة وشَقاوةٌ يدُلّ على ذلك تصحيحُ الواو والياءِ وهذا فى البِناء على التأنيثِ كقولهم مِذْرَوان وثِنَايانِ فى البناء على التثنيَةِ وقد جاء حرفان لم تَلْحَق التاءُ فى تثنيتِهما وذلك قولُهم خُصْيانِ والْيانِ فاذا أفرَدُوا قالوا فى الواحدة خُصْبةٌ وألْية وأنشد أبو زيد

* تَرْتَجُّ ألْياهُ ارْتِجاجَ الوَطْبِ*

وأنشد سيبويه

كأنَّ خُصْبَيْهِ من التَّدَلْدُلِ

ظَرْفُ عَجُوزٍ فيه ثِنْتَا حَنْظَلِ

باب دُخُول التاء للفَرْق على اسمَيْن غيرِ وَصْفين

فى التأنيثِ الحقيقِىِّ الذى لُانْثاه ذَكَر

وذلك قولُهم امْرُؤ للمذَكَّر وامْرأةٌ للمؤَنَّث وهذا الاسمُ يُستَعْمَل على ضربين أحدُهما

__________________

(١) بياض بالأصل

٩٨

أن تلحَقَ أوّلَه همزةُ الوصْل والآخَر أن لا تَلْحَقه فمثال الأوّل نحو امْرِئ وامْرَأةٍ وفى التنزيل (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) «و (إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها)» والآخَرِ مَرْءٌ ومَرْأة وفى القرآن (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) وعلى هذا قالوا مَرْأة فاذا خَفَّفوا الهمزة فالقياس مَرَة وقد قالوا المَرَاة فاذا ألحقُوا لامَ المَعْرفة استعمَلُوا ما لم تَلْحَق أوَّلَه همزةُ الوصل فقالوا المَرْءُ والمَرْأة ورفَضُوا مع الألف واللام اللُّغةَ الأُخْرَى والسَند قولُه تعالى (بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) قال الشاعر

* والمَرْء يُبْلِيه بَلَاءَ السِّرْبالْ*

وقال الآخَرُ

فانَّ الغَدْرَ فى الأَقْوامِ عارٌ

وإنَّ المَرْءَ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ

وقال آخَر

يَظَلُّ مَقالِيتُ النِّساءِ يَطَأْنَهُ

يَقُلْنَ ألَا يُلْقَى على المَرْءِ مِئْزَرُ

وكأنَّهم رَفَضُوا ذلك لمَا كان يَلْزَم من التقاء الساكنيْنِ فى أوَّل الاسْم فاجتَزَؤُا باللغة الأُخْرَى عن هذه* وقال الفرَّاء* كان النحوِيُّون يقولوُن امْرَأة فاذا أدْخَلوا الألِفَ واللامَ قالوا المَرْأةَ وهو وجْه الكلام* قال* وقد سمِعتها بالألف واللامِ الامْرأة ولعل هذا الذى سَمِعه منه لم يَكُنْ فَصِيحا الَّا أنَّ قولَ الأكثر على خِلَافه* ومن ذلك قولهم الشَّيْخ والشَّيْخة وقال عَبِيد

* كأنَّها شَيْخَةٌ رَقُوبُ*

وقالوا غُلامٌ وغُلَامةٌ وأنشدوا

ومُرْكِضةٌ صَرِيحِىٌّ أبُوهَا

يُهَانُ لها الغُلَامةُ والغُلامُ

وقالوا رَجُل ورَجُلَة وقال الشاعر

خَرَقُوا جَيْبَ فَتاتِهِمُ

لم يُبَالُوا حُرْمةَ الرَّجُلَهْ

وقالوا حِمَار وحِمَارة وأسَدٌ وأَسَدة وبِرْذَوْن وبِرْذَونة قال الشاعر

بُرَيْذِينةٌ بَلَّ البَرَاذِينُ ثَفْرَها

وقد شَرِبَتْ من آخِرِ الصَّيفِ أُيَّلا

الأُيَّل ـ بَقِيَّة ماءِ الفَحْل فى الرَّحِم وقالوا فَرَس وحِجْر للأنثى ولم يقولوا فرسَةٌ وقد يَصُوغُون فى هذا الباب للمؤنَّث أسماءً لا يشرك فيها الْمذَكَّرُ كقولهم جَدْى وَعَنَاق

٩٩

وحَمَل وللأنثى رِخْل ورَخِلٌ وتيْس وعَيْر وأتانٌ وشيخ وعَجُوز ورُبَّما ألحقُوا المؤنَّث الهاء مع تخصِيصِهم إيَّاه بالاسم كقولهم جَمَل وناقةٌ وحَمَل ورَخِلة ورِخْلة وكَبْش ونَعْجة ووَعِل وارْوِيَّة وأسَدٌ ولَبُؤَة إلا أنَّ أبا خالد قال أظُنُّ أنه يقال للأسَد اللَّبُؤُ فذهبت تِلكَ اللغة ودَرَست لأن اللَّبُؤَ من عَبْد القيس لم يُسَمَّ إلا بشئ كان معروفا وقد يمكن أن يكونَ اللَّبُؤُ جمعَ اللَّبُؤة وقد قالوا اللَّبُوة وشَيخ وعَجُوزة وهى قليلة وأنكرها أبو حاتمٍ ألْحَقُوا الهاءَ تأكيدًا وتحقيقا للتأْنيث ولو لم تُلْحَقْ لم يُحتجْ اليها

باب دُخُول التاءِ الاسم فَرْقا بينَ الجمعِ والواحِد منه

وذلك نحو تَمْر وتَمْرة وبَقَر وبَقَرة وشَعِير وشَعِيرة وجَرَاد وجَرَادة فالتاء اذا أُلْحِقت فى هذا الباب دلَّت على المفرَد واذا حُذِفَت دَلَّت على الجنس والكَثْرة واذا حُذِفت التاءُ ذُكِّر الاسمُ وأنِّث وجاء فى التنزيل بالأمرين جميعا فمن التذكير قوله تعالى (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) و (جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) و (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) فالشَّجَر جمع شَجَرة والجَرَاد جمعُ جرادةٍ والنخل جمع نخلة ومن التأنيث قوله (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) وقوله تعالى (يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) فجمعُ الصفةِ هذا الجمعَ كالتأنيث وفي الأُخْرَى (يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) وعلى هذا قال الشاعر فى وصفه

دانٍ مُسِفٍّ فُوَيْقَ الأرضِ هَيْدَبُه

يَكادُ يَدْفَعُه مَن قام بالرَّاحِ

والتأنيث على معنَى الجماعةِ والتذكيرُ على معنَى الجمْع هذا قول جماعةِ أهلِ اللُّغة فى تذكير هذا الضَّرْب وتأنيثِه انهما سواءٌ فى الاستعمال والكثرة وأما أبو حاتم فقال أكثر العرَب يجعَلُون هذا الجمعَ مذَكَّرا وهو الغالب على أكثر كلامِهم* قال* وربما أنَّث أهلُ الحِجاز وغيرُهم بعضَ هذا ولا يَقِيسونَ ذلك فى كلِّ شئٍ ولكن فى خَواصَّ فيقولون هى البَقَر والبَقَر فى القرآن مُذَكَّر* قال* والنخل مذكَّر ورُبَّما أنَّثوه* قال* والنَّخْل فى القرآن مؤنَّث* قال* وما علِمْنا أحدًا يؤنِّث الرُّمَّان ولا المَوْز ولا العِنَب والتذكير هو الغالب والأكثَرُ فى كل شئٍ ومؤنَّث هذا البابِ لا يكونُ له مذكَّر من لفظه لما كان يؤدِّى اليه من الْتِباس مذكَّر الواحد

١٠٠