المخصّص - ج ١٦

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٦

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٣

بالجميع* قال أبو عمر* عن يونُسَ واذا أرادوا المذَكَّر قالوا هذا شاةٌ ذَكَر وهذا حَمامةٌ ذكَرٌ وهذا بَطَّة ذكَرٌ ويدلُّ على وقوع الشاة على الذكَر قولُ الشاعر

وكأنَّها هى بَعْدَ غِبِّ كَلَالِها

أو أسفَعُ الخَدَّين شَاةُ إرَانِ

فأبدل شاةً من أسْفَع كقوله «أذاك أمْ خاضِبٌ» فشبه بهما وقالوا حَيَّة للذَّكَر والأنثى قال الشاعر

اذا رأيْتَ بِوَادٍ حَيَّةٌ ذَكَرا

فاذْهَبْ ودَعْنِى أمارِسْ حَيَّةَ الوادِى

وجمعوا الحَيَّة على حَيَّات قال الشاعر

كأنَّ مَزَاحِفَ الحَيَّاتِ فيه

قُبَيْلَ الصُّبْحِ آثارُ السِّيَاطِ

واذا غُيِّر الجمعُ عن بِنَاءِ الواحدِ فكلُّه مؤنَّث من أىِّ بِناءٍ كان وذلك كالثِّمار والنَّخِيل* وقد جاءتاءُ التأنيث يُراد بها الجمعُ قالوا رجل بَغَّالٌ وجَمَّال للواحد فاذا أرادُوا الجمعَ قالوا بَغَّالةٌ وجَمَّالة وأنشد أبو عُبَيدة

حتَّى اذا أسْلَكُوهُمْ فى قُتَائِدةٍ

شَلًّا كما تَطْرُدُ الجَمَّالةُ الشُّرُدَا

ومثلُ ذلك حَمَّار للواحد وحَمَّارة وقالوا حَلُوبةٌ للواحد مما يُحْلَب وقالوا للجمع حَلُوب ويُقال للجماعة الحَلُوبة أيضا قال الشاعر

رآهُ أهْلَ ذلكَ حِينَ يَسْعَى

رِعاءُ الناسِ فى طَلَب الحَلُوبِ

فالحَلُوب ههُنا جماعةٌ ألا تَرَى أن رِعاءَ الناسِ لا يَسْعَونَ فى طلَب حَلُوبة واحدة* قال* أبو عبيد يقول الحَلُوبة يُقال للواحد والجماعةِ والحَلُوب لا يُقال إلا للجماعة ومثل ذلك قَتُوبة ورَكُوبة وقد قُرِئَت الآية «فمنها رَكُوبَتُهم» ومنه الْكَمْءُ والكَمْأة* قال أبو عمر* سمعتُ يونُسَ يقول هذا كَمْءٌ كما تَرَى لواحدة الكَمْأة فيذَكِّرونه واذا أرادُوا جمعَه قالوا هذه كَمْأةٌ للواحد وكَمْأة للجميع (١) فمرَّ رؤبةُ فسألُوه فقال كَمْءٌ وكَمْأة كما قال مُنْتَجِع* وقد جَرَى مَجْرَى تاء التأنيثِ فى هذا ياءُ النَّسَب فقالوا زِنْجىٌّ للواحد وزِنْجٌ للجماعة وعلى هذا قالوا رُومِىٌّ ورُومٌ وسِنْدِىٌّ وسِنْد وقياسُ هذا أن يجُوزَ فيه التذكيرُ والتأنيثُ كما جاز فى البقَر والجَراد قال الشاعر

دَوِّيَّة ودُجَى ليلٍ كأنَّهما

يَمٌّ تَراطَنُ فى حافاتِه الرُّومُ

وعلى هذا قولهم المَجُوس واليَهُود انما عُرِّف على حَدّ يَهُودىٍّ ويَهُود ومَجُوسِىٍّ ومَجُوس

__________________

(١) قوله كماءة للواحد وكماءة للجميع فمر رؤبة الخ فى الكلام سقط وعبارة اللسان وقال أبو خيرة وحده كماءة للواحد وكمء للجميع وقال منتجع كمء للواحد وكماءة للجميع فمر رؤبة الخ كتبه مصححه

١٠١

فجمع على قياس شَعِيرة وشَعِير ولو لا ذلك لم يَسُغْ دخُولُ الألفِ واللامِ عليهما لأنهما مَعرِفتان مؤنَّثان فجَريَا فى كلامهم مَجْرَى القبيلتين ولم يُجْعَلَا كالحَيَّيْن أنشد الأخفش

فَرَّتْ يَهودُ وأسْلَمَتْ جِيرانَها

صَمِّى لِمَا فَعَلَت يَهُودُ صَمَامِ

وقال آخر

أحارِ تَرَى بُرَيْقا هَبَّ وَهْنا

كنارِ مَجُوسَ تَسْتَعِر اسْتِعارَا

ومن هذا قول جرير

والتَّيْمُ ألْأم مَنْ يمشِى وألْأمُهُم

ذُهْلُ بنُ تَيْمٍ بَنِى السُّودِ المَدَانِيس

انما هو على تَيْمِىٍّ وتَيْم ثم عُرِف الجمعُ بالألف واللامِ كما عُرِّف اليَهودُ ولو لا ذلك لم تدخل الألِفُ واللامُ لأنَّ تَيْما علم مخصُوص ومما يدل على ذلك قوله وألْأمُهم لأن الذِّكْر يعُود على مَن وعلى هذا قول أبى الأخْزَر الحِمَّانى

سَلُّومُ لو أصْبَحْتِ وَسَطَ الأَعْجَمِ

فى الرُّوم أو فى التُّرْكِ أو فى الدَّيْلَمِ

* اذًا لَزُرْناكِ ولو بِسُلَّمِ*

انما هو على أن أعْجَم .... (١) فأما قول رؤبة

بَلْ بَلَدٍ مِلْءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ

لا يُشْتَرَى كَتَّانُه وجَهْرَمُه

فيحتمِلُ ضربَيْن أحدُهما أن يكون على جَهْرَمِىٍّ وجَهْرَمٍ ثم عُرِّف بالاضافةِ كما عُرِّف ما تقدّم بالألفِ واللامِ ويجوز أن يكونَ لا يُشْتَرى كتَّانُه ووشْىُ جَهْرَمِه أو بُسُطُ جهْرَمِه فحُذِف المضافُ

بابُ ما لَحِقه تاءُ التأنيثِ وهو اسمٌ مفرَدٌ لا هو واحدٌ من جِنْسٍ

كَتْمرة وتَمْر ولا له ذكَر كمَرْأةٍ ومَرْء ولا هو بوصْف

وذلك كثيرٌ فى الكلام نحوُ غُرْفةٍ وقَرْية وبَلْدةٍ ومَدِينةٍ وعِمَامةِ وشُقَّة فهذا التأنيثُ ليس على نحوِ ما تقدَّم ذَكرُه ورُبَّما عَبَّروا عن هذا بالتأنِيث للعَلَامة الكائنةِ فى لفظ الكلِمة فمن ذلك ما جاء فى بيت لغز

وما ذكَرٌ فان يَكْبَرْ فأُنْثَى

شدِيدُ الازْم ليس بِذِى ضُرُوسِ

__________________

(١) بياض بالأصل

١٠٢

يريد القُرَاد لأنه اذا كان صَغِيرا سُمِّى قُرَادا فاذا كَبِر كان حَلَمةً وقال آخر

انِّى وَجَدْتُ بَنِى سَلْمَى بمنْزِلةٍ

مِثْل القُرَاد على حالَيْه فى النَّاسِ

وقال الفَرزْدق

وكُنَّا اذا الجَبَّار صَعَّر خَدَّه

ضَرَبْناه تَحتَ الانْثَيَيْن على الكَرْدِ

يريد بالانثَيَيْن الأُذُنين وسمَّاهما انثَيَينِ للتأنيث اللاحِقِ لهما فى اللَّفْظ فى قولهم هى الأُذُن وأُذَيْنة وكذلك قال العجَّاج فى صِفَة المَنْجَنِيق

أورد حُذًّا تَسْبِقُ الأبصارا

وكُلّ أُنْثَى حمَلَتْ أحْجارَا (١)

فقوله كلّ أنثَى كأنه قال كل مَنْجنيق لأن المَنْجَنيق مؤَنَّثة ومثل ذلك فى تعَلُّقه بما عليه اللفظُ دُونَ المعنى قولُ الشاعر أنشده أحمدُ بنُ يحيى

بَلْ ذات أُكْرُومةٍ تَكَنَّفها

الاحْجارُ مَشْهُورة مواسِمُها

وقال الأحجارُ صَخْر وجَنْدَلٌ وجَرْوَل بَنُو نَهْشَل فسمَّاهم بالأحجار من حيثُ كانُوا مسمَّيْنَ بأسمائِها كما أُنِّثت هذه الاسماءُ لتأنيث اللفظ لا لمعنىً غيرِه

هذا باب ما دخَلَته التاءُ من صِفَات المَذكَّر

للمُبالَغة فى الوصْف لا للفَرْق بين المذَكَّر والمؤَنَّث

وذلك قولُهم رجُل عَلَّامةٌ ونَسَّابةٌ وسَألةٌ وراويَةٌ ولا يجُوز لهذه التاء أن تدخُلَ فى وَصْف من أوْصافِ اللهِ تعالى وان كان المرادُ المبالغةَ* وقال أبو الحسن* فى قولهم رَجُل فَرُوقةٌ ومَلُولةٌ وحَمُولةٌ ألحَقُوها الهاء للتكْثيرِ كنَسَّابة وراويةٍ وقد لَحِقت تاءُ التأنيثِ حيثُ لم تلحقِ الكلمةَ تأنيثًا ولم تَفْصِل واحدا من جِنْس ولم تَفْصِلْ تأنيثا من تذكير كامْرئٍ وامرأةٍ ولم تَجْر صفةً على فِعْل وذلك قولهم فى جمع حَجَر حِجَارَة وذَكَر ذِكَارة وجَمَل جِمَالَة وقُرِئ (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) ودخلَتْ أيضا فى فُعُولة التى يُراد بها الجمعُ وذلك قولهم عَمٌّ وعُمُومَة وخالُ وخُؤُولة وصَقْر وصُقُورةٌ وكذلك أفْعِلةٌ وفِعْلَةٌ مثل أجْرِبة وجَرِيب وخَصِىّ وخِصْية وغِلْمة وجِيْرةٍ وهذا كياءٌ النسَب فى قُرَشىٍّ وقُرْىٍّ ويَمَانِىٍّ جاءت فى البناء غيرَ دالَّة على ما تدُلُّ عليه فى الامر العامِّ من النسَب

__________________

(١) قلت أخطأ ابن سيده فى ايراده هذين المصراعين مختلَّى الترتيب لانه أغفل ثلاثة مصاريع بينهما والرجز للعجاج والصواب فى روايته

أورد حدا تسبق الابصارا

يسبقن بالموت القا الحرارا

تسرع دون الجنن البشارا

والمشرفىّ والقسا الخطأرا

وكل أنثى حملت احجارا

كتبه محمد محمود لطف الله به آمين

١٠٣

باب ما جاء من الجمع المبنىِّ على مثال مَفَاعِلَ فَدَخَلَتْه

تاءُ التأنيثِ وذلك على أربعة أضرب

فمن ذلك ما يدلُّ لَحَاقُها به على النَّسَب وذلك قولهم المَهَالِبَة والمَنَاذِرة والأَشاعِرة فجاء جمعُه المكَسَّر على حدِّ ما جاء المُصَحَّحُ وذلك أنهم لمَّا كانوا يقولون الأشْعَرُون فيجمعون بحذف الياءِ كأنه جمعُ أشْعَرَ لا أشْعرِىٍّ كُسِّر عليه فدلَّ التأنيثُ على هذا المعنى من النسَب ومن هذا عِنْدى فارسىٌّ وفُرْس قال ابن مقبل

* طافَتْ به الفُرْس حتى بَذَّ ناهِضُها*

ومن ذلك ما دخَل على الأعجمِيَّة المعرَّبة نحو الأَشاعِثَة والسَّيابِجَة والمَوَازِجة والجَوَارِبة وقالوا صَيْقَل وصَيَاقِلة وقَشْعم وقَشَاعمة فدخلت الهاءُ الاسمَ على غير هذين الوجْهَين وان شئت حذفتَ الهاءَ فقلت الأشاعِث والسَّيَابِج كما تقول الصَّيَاقِل ومن ذلك أن تَدْخُل الهاء فى هذا المثال من الجمع عِوَضا من الياء التى تَلْحَق مثالَ مَفاعِلَ وذلك نحو فِرْزانٍ وفَرَازِنَة وجَحْجاحٍ وجَحَاجِحَة وزَنْدِيق وزَنادِقَة فالهاء فى هذا الباب لازمةٌ لا تُحْذف لأنها تُعاقِب الياءَ التى فى الجَحَاجِيح فان حذفت أتيت بالياء لانهما يَتَعاقَبان وانما اجْتَمعتِ النسبةُ والعُجْمة فى لَحَاقِها لهما فى أشاعِثَة ومَوَازِجَة لاتِّفاقهما فى النَّقْل من حالٍ الى حال لم يكونا عليها فالنَّسب قد صار الاسمُ فيه وصْفا بعد أن لم يكن كذلك وليس ذلك لاتِّفَاق العُجْمة والتأنيث فى المَنْع من الصَّرف ألا ترى أن العُجْمة فى أسماء الأجناس لا تمنعُ الصَّرف وهذه الأعجمِيَّة الداخِلةُ فى هذا الباب أسماءُ أجناس

باب ما أنِّثَ من الاسماءِ من غيرِ لَحَاقِ علامةِ

من هذه العلاماتِ الثَّلاث وهو على ثلاثة أضرب

من ذلك ما اختَصَّ مُؤَنَّثُه باسمٍ انْفَصل به من مذكَّره وكذلك مذكَّره جُعِل له اسمٌ

١٠٤

يَخْتصُّ به وذلك نحوُ حَمَل ورِخْل وجَدْىٍ وعَنَاقٍ وتَيْس وعَنْزٍ وقالوا ضَبْع للأُنثى والذَّكَر ضَبْعانٌ ولم يقولوا ضَبُعة وقالوا حِمَار وأتَانٌ وقد حُكِى أنهم قالوا حِمَارة ورُبَّما ألْحَقُوا التاءَ فى هذه الاسماءِ الموضُوعةِ للمؤَنَّث وإن كانتْ مستَغْنىً عنها كقولهم كَبْش ونَعْجة وجَمَل وناقةٌ فأمَّا البَعِير فكالانسانِ يَشْمَلُ الجَمَل والناقةَ كما أن الانسانَ يَشْمَلُ الرجُل والمرْأةَ والفَحْلُ كالرَّجُل من كل ذى أربَعٍ وجمْعه أفْحُلٌ وفُحُول وفُحُولَةٌ وفِحَال وفِحَالةٌ وفَحَلْت إبِلِى فَحْلا كرِيمًا وافْتَحلْتُ لِدَوابِّى فَحْلا ـ اتَّخذتُه لها وبَعِيرٌ ذُو فِحْلة ـ يَصْلُحُ للافْتِحال وفَحْلٌ فَحِيل ـ كريمٌ ومنه الاستِفْحِال ـ شئٌ تَفْعَله أعْلاجُ كابُل اذا رأَوْا رجُلاً جَمِيلا جَسِيما من العَرَب خَلَّوْا بينه وبيْنَ نِسائِهم رَجاءَ أن يُولَد فيهم مثلُه وكالبَعير فى هذا قولُهم الدَّجَاج فى وُقُوعه على المذكَّر والمؤنَّث اللذين هما الدِّيك والدَّجَاجةُ قال جرير

لَمَّا تَذَكَّرْت بالدَّيْريْنِ أرَّقَنِى

صَوْتُ الدَّجَاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيس

المعنى انتِظارُ صوتِ الدِّيَكَة لأنه مُزْمِع للخُرُوج وقالوا فَرَسٌ وحِجْر للأنثى وقالوا فَرَس أُنْثَى ولم يقُولوا فَرَسة* ومن ذلك ما كان تأنيثُه بغير علامةٍ ولا صيغةٍ مختَصَّة للمؤنَّث كأُذن وعَيْن* وقد يكونُ الاسمُ الذى فيه عَلامةُ التأنيثِ واقِعا على المذَكَّر والمؤنَّث كقولهم شاةٌ للذَّكَر والأُنْثَى وكذلك جَرَادةٌ وبَقَرةٌ وقد يكون الاسمُ واقعا على المذَكَّر والمؤنَّث ولا علامَةَ للتأنيث فيه كقولهم عَقْرَبٌ ذكَرٌ وعَقْرَبٌ أُنثَى ويقال رأيتُ عَقْرَبا على عَقْرَب ويقال لذكر العَقَارِب عُقْرُبَانٌ وقيل العُقْرُبَّان بتشديدِ الباء من دَوَابِّ الأرضِ يُقَال إنه دَخَّال الأُذُن وقد قيل عَقْرَبة بالهاء على حدِّ رَجُلةٍ قال الشاعر

كأن مَرْعى أُمَّكُمْ اذ غَدَتْ

عَقْرَبةٌ يَكُومُها عُقْرُبَانُ

مَرعى ـ اسمُ أُمِّهم وعَقْرَبُ الشِّتاءِ ـ أوَّلُه مُؤَنَّث وكذلك العَقْرَب من النُّجوم والعَقْرَب ـ النَّمِيمة* قال أبو حاتم* العَقَارِب كلُّها إنَاثٌ لا يُعْرَف ذكُورُها من إناثِها فأما العُقْرُبَّان فدابَّة غيْرُها* قال* وقد زعَم بعضُهم أن العُقْرُبَّان ذكَرُ العَقارب ولم أسمَعْه من الفُصَحاء والأفْعَى تَقَع على المذكَّر والمؤنَّث وقد يقال للذكر أُفْعُوَانٌ وأنشد

١٠٥

قد سالَمَ الحَيَّاتُ منه القَدَما

الافْعُوانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا

* قال الفارسى* الافْعَى مُؤنَّثة يقال رَمَاه اللهُ بافْعَى حارِيَةٍ ـ أى نَقَص جِسْمُها وصَغُر قال الشاعر

* حارِيَة قدْ صَغُرَتْ من الكِبَرْ*

وقد استُعْمِلتِ اسمًا ووَصْفا فمن جَعَلها وَصْفا لم بَصْرِف كما لا يَصْرِف أحمَرَ ومن جعلها اسمًا صَرَف كما يَصْرِف أرْنَباً وأفْكَلاً* قال* والأسَدُ يقَع على المذكَّر والمؤنَّث يقال أسَدٌ ذكَرٌ وأسَدٌ أُنثَى ورُبَّما أدخَلُوا الهاءَ فقالوا أسَدٌ وأسَدةٌ ويقال للأنثى اللَّبُؤَة وفيها أربعةُ أوجُه اللَّبُؤَة بضم الباء مع الهمزة واللَّبْأة على وَزْن الَحْمأة واللَّبَة على ترك الهَمْزة كما تقول فى الحَمْأه اذا تركتَ همزَها حَمَة واللَّبَاة على مِثال الكَمَاة والمَراة وهى قليلة عند سيبويه* وقال الفارسى* فى التذكِرَة كأنهم يتَوهَّمُون الحركةَ الواقِعةَ على الهمزة واقِعةً على الحَرْف الذى قبلَها فكأنها همزةٌ مسَكَّنة قبلها فتْحة واذا أريد تخفيفُ الهمزةِ التى هذه صورَتُها كان تخفيفُها هكذا ألا تَراهم قالوا كاسٌ وراسٌ فكذلك لَبْأة كأنها لَبَأْة ونظير ذلك همزُهُم مُؤْسَى* قال* وزعم أبو العَبَّاس محمدُ بنُ يزيدَ أنَّ أبا حَيَّةَ النُّمَيْرِىَّ كان يَهمِز كلَّ واو ساكنةٍ قبلها ضَمَّة وذلك أنَّ الواوَ المضمومةَ تُهمَزُ باطِّراد فتُتَوَهَّم الضمةُ التى قبْل الواوِ واقِعةً على الواو وعلى هذا قرأ بعضهم «فاسْتَغْلَظ فاستَوَى على سُؤْقِه» «وعادًا اللُّؤْلَى» أدغم* قال* وكان أبو حَيَّة النميرىُّ ينشد

* لَحُبَّ المُؤْقِدانِ إلَىَّ مُؤْسَى*

على ما ذكرناه وعلى هذا يُرَى الهمزُ فى يُؤْمِن بعْدَ اعتِقاد القَلْب البدَلِىِّ فهذا شئٌ عَرَض ثم نعُود الى غرضِنا المَغْزُوِّ فى هذا الباب ويقال لَبْوة ولِبْوة ولا أدرى أثَبْت هى أمْ لا فمن قال لَبُؤة قال فى الجمع لَبُؤَات ومن قال لَبُوَة قال فى الجميع لَبُوَات ومن قال لَبْأة قال فى الجمع لَبَأت* وقال فى التذكرة* أُرَى لَبْأة مخفَّفة من لَبُؤَة على حَدِّ عَضُد وعَضْد وحكى فيه أنه يُجْمَع اللَّبُؤة على اللَّبُؤ* قال* ونظيرهُ ما حكاه سيبويه من قولهم ثَمَرة وثَمَر وسَمُرة وسَمُر* قال* ومما يدلُّ أنَّ لَبْأة أصلُها لَبُؤة قولهم «أخَذَه أخْذَ سَبْعةٍ» قال فسَبْعة هنا مخفَّفة من سَبُعة واللَّبُؤة أنْزَق من

١٠٦

الأسد فلهذا قالوا أخْذَ سَبْعة ولم يقولوا أخذ سَبُع* قال* ولم يستعملوه فى هذا المَثَل إلا مخفَّفا والأمثال تُتْرك على أوائل موضُوعاتها لا تُغيَّرُ فهذا قوله وان كان ابنُ السكيت قد حَكى فى قولهم أخذَه أخْذَ سَبْعة وجها آخَرَ مع هذا لا أدْرِى أبْعَده أم قَبْله والحَمَامة تقع على المذكَّر والمؤنَّث أمَّا وُقُوعها على المؤنث فكثيرٌ مشهُور لا يُحتاجُ الى الاستِشْهاد عليه لكَثْرته وشُهْرته واذا كان الشئ فيه عَلَم تأنيثٍ وهو يقَع على المذكَّر والمؤنَّث فانما يُسْتَشْهَد على وقُوعه للمذكَّر لا للمؤنث قال جرير فأوْقَع الحمامَة على المذكَّر

اذا حَنَّ مِنْ شَجْوٍ غَرِيبٌ ظَنَنْته

حمَامةَ وادٍ إثْرَ انثَى تَرنَّما

* وقال الفراء* رُبَّما جعلت العرَبُ عِنْد موضِع الحاجةِ الأنْثَى مفرَدةً بالهاء والذكر مفْرَدا بطرح الهاء فيكُون الذَّكَر على لفظ الجمْع من ذلك قولهم رأيتْ نعاماً أقْرَعَ ورأيت حَمَاما ذَكَرا ورأيت جَرادًا على جَرَادةٍ وحَمَاما على حَمَامة يريدون ذكرا على أُنثَى وكذلك قوله

كأنّ فَوْقَ مَتْنِه مَسْرَى دَبَى

فَرْدٍ سَرَى فَوْقَ نَقَاغِبَّ صَبَا

أراد الواحد من الدَّبَى* قال الأصمعى* سمعت رجُلا من بَنِى تَمِيم يقول بَيْض النَّعامة الذَّكَر يعنِى ماءَه* وقال الفراء* سمِعت الكسائِىَّ يقول سَمِعت كلَّ هذا النَّوْعِ من العرب بطَرْح الهاء من ذَكَره الا قولهم رأيتُ حَيَّةً على حَيَّةٍ فان الهاء لم تُطْرَح من ذَكَره وذلك أنه لم يُقَلْ حَيَّة وحَىَّ كثيرٌ كما قيل بَقَرة وبَقَر كثيرٌ فصارت الحيّةُ اسما موضُوعا كما قيل حِنْطة وحِبَّة فلم يُفْرَد لها ذكَر وان كان جَمْعا فأجْرَوْه على الواحد الذى يجمَع التأنيثَ والتذكِيرَ ألا تَرَى أنَّ ابنَ عِرْسٍ وسامَّ أبْرصَ وابنَ قِتْرةَ قد يُؤَدِّى عن الذكَر والأنثى وهو ذكَر على حاله قال الأخطل فذكَّر الحيَّة

انَّ الفَرَزْدقَ قد شالَتْ نَعامَتُه

وعَضَّه حَيَّةٌ من قَوْمِه ذَكَرُ

ويُقال للذَّكَر من الحَيَّات الحَيُّوت وأنشد

* ويَأْكُل الحَيَّةَ والحَيُّوتَا*

وليس الحَيُّوت من لفظ حَيَّة وقد أريتُك وجهَ تعليله فى باب الحَيَّات وأنعمْت إيضاحَه هناك فانه قد يخفَى على الناظر فى دَقِيق التصريفِ الماهِر بتنْقِيحه

١٠٧

ومما يدخُله الهاءُ على جِهَة الاشتِقاق

قولُهم خُزَرٌ للذكَر من الأَرانِب وعِكْرِشَة للأُنثى وهو كقولهم وَعِلٌ وأُرْوِيَّة فأما الأرْنَب فهو واقِع على الذكَر والأنْثَى وقد غلَب التأنيثُ وهمزته زائدة وقد قدمتُ تعليله ووجْهَ .... (١) فى باب الأَرانِب من هذا الكتاب فأما قوله «فى كِساءٍ مُؤَرْنَبِ» فعلى قوله

* وصالِياتٍ ككَمَا يُؤَثْفَيْنْ*

وكقوله*

فانَّه أهْلٌ لأن يُؤَكْرَما*

وانما الصحيح الآتِى على السَّعَة والاختِيار كِسَاء مُرْنَبٌ كما قال «فى ثِيابِ المَرَانِب» والخِرْنِق ـ ولَدا لأَرْنَب والغالبُ عليه التأنيثُ والضَّيْوَنُ ـ وهو السِّنَّوْر يقع على المذكَّر والمؤنث* قال الفارسى وغيره من النحويِّين* طَيْوَن وانما هو من باب مَكْوَزة ومَرْيَمَ وحَيْوةَ حين قالوا رجَاءُ بنُ حَيْوةَ فى الشُّذوذ والهِر يقَع على المذكَّر ويكسَّران على قِطَاط (٢) وقال انما هو الهِرُّ والسِّنَّور والسِّنَّورة و.... (٣) قليلتان

ومما يقَع على المذكر والمؤنث

الجَيْأَلُ ـ وهى الضَّبُع يقال هى جَيْألٌ أُنْثى وتُسَمَّى الأنثَى جَيْأَلةَ وفى الجَيْأَل ثلاثُ لُغات الجَيْأَلُ والجَيَّل والجَيَلُ فأما قولهم الجَيَّل فقد يجوزُ أن يكونَ من غير لَفْظ جَيْأل وقد يكون من لَفْظه ويكون التَّصرِيف شاذًّا وأما قولهم جَيَلٌ فعلى التخفيفِ القِياسِىِّ ولا يكون على البَدَلِىِّ لأنه لو كان على البدَلِىِّ لوَجَب القَلْب والاعْلال اذ لو كان كذلك لكان بمنزلة ما عَيْنُه ياءٌ مفتوحةٌ مفتُوحٌ ما قبْلَها وتلك تُعَلُّ لا مَحالةَ كمالَ وباعَ وجاءَ فلما وجَدْناهم يقولون جَيَلٌ علِمنا أنه تخفيفٌ قياسىٌّ لان الهمزة مُعامَلة مُعامَلة الثَّبات فكما لم يُعَلَّ الاسمُ والهمزةُ فيه ثابتةٌ والياء ساكِنةٌ كذلك لم يُعَلَّ والهمزةُ محذُوفةٌ والياءُ متحرِّكة اذِ المحذوفةُ فى قِوام المثبتة هنا واذا كانت الهمزة المحذُوفة هُنا فى قِوَام المثبَتة بالياء فالياءُ المتحرِّكة فى قِوَام الساكنةِ وهذا كلُّه تعليلُ الفارسىّ وأنشد الفارسى فى الجَيَّل

__________________

(١) بياض بالأصل

(٢) قوله ويكسران على قطاط كذا فى الأصل وفيه سقط ظاهر كتبه مصححه

(٣) بياض بالأصل

١٠٨

* وَمَنْخِر مِثْل وِجَار الجَيَّل*

* قال الفارسى* ليس جَيْأَل مثل خَطِيئة ومَقْرُوءَة لأنَّ خَطِيئةً ومَقْرُوءةً مما جاءتْ ياؤُه وواوه لغير إلْحاقٍ وانما هى مَسدَّة فلا يكون إدْغامُ جَيْأل كادْغام خَطِيئةٍ ومَقْروءة وقد صرَّح سيبويه بأن تخفِيفَ هذا النحوِ لا يجُوزُ على طرِيق القَلْب وانما يكون تخفِيفُ جَيْألٍ ومَوْألةٍ وحَوْأبٍ وما شاكلَ هذا الضربَ على التخفيف القياسِىِّ لأنها همزةٌ متحرّكة قبلها ساكن فانما تخفيفُها أن تُحْذَف وتُلْقَى حركتُها على الساكن الذى قَبْلها* قال* فلا وجْهَ لَجيَّلٍ عِنْدى إلا أن يكونَ من باب سِبَطْر ولأَّلٍ والضَّبُع ويقال الضَّبْع بتسكين الباء وهو يَقع على المذكَّر والمؤنَّث يقال ضَبُعٌ ذكرٌ وضَبُع أُنثَى وأنشد

يا ضَبُعا أكَلَتْ آيَارَ أحْمِرة

ففى البُطُون (١)

لقوله ففى البُطُون والبُطُون تكُونُ للجمع ولا يمتَنع لهذا الذى ذكَره أن يَكون يا ضَبُعا أكَلَتْ وقال البُطون فجَمع كما قالوا للواحد منها حَضَاجِرُ لِعَظم بطْنها وانتِفَاجه وصرح الفارسى فى كتاب الايضاح أن أبا زيد أنشده يا ضُبُعا وتكسِيرُ فَعُلٍ على فُعُلٍ عزِيزٌ وانما جمعُها المعروفُ أضْبُعٌ قال سُوَيْد بن كُرَاع

اذا ما تعَشَّى ليلَةً من اكِيلةٍ

حَذَاها نُسُورًا ضارِيَاتٍ وأضْبُعا

والكثير ضُبُعٌ وأهلُ الحجاز يجمَعُون الضِّباعَ ضُبُعا وعلى هذا أوجه يا ضُبُعا أكلَتْ فى رِوايةِ أبى زيْد وان كان ليس كلُّ جمْع يُجمَع صرح بذلك سيبويه ولذلك وجَّه الفارسىُّ فى قِراءةِ مَنْ قرأ «فرُهُنٌ مَقْبوضةٌ» انَّ رُهُنا جمعُ رَهْن مثل سَقفٍ وسُقُفٍ وسَحْل وسُحُل* قال* ولا أقُول إنه رَهْن ورِهَانٌ ثم كسِّر رِهَان على رُهُن لأنه ليس كلُّ جَمْع يُجْمَع حتى يجِىءَ أن رُهُنا جمع رِهانٍ بثَبَتٍ ورِوايةٍ فأما قول المتنخل الهذلى

مما أُقَضِّى ومَحارُ الفَتَى

للضُّبْع والشَّيْبة والمَقْتَل

فمن رواه بالضم فعلى أنه خفَّف الضُّبُع ومن رواه للضَّبْع فعلى أنه خفَّف ضَبُعا كما قالوا عَضُد وعَضْد والضِّبْعانُ ـ ذكَر الضِّباع والجمع ضَبَاعِينُ وقالوا فى التثنية ضَبُعانِ فغَلَّبوا لفظ المؤنَّث للخِفَّة ولم يقولوا ضِبْعانانِ

__________________

(١) قلت هذا البيت لجرير الضبى وهو من شواهد سيبويه ووقع هنا مبتورا كما ترى وتتمته قدر راحت قراقير وبعده هل غيرانكم جعلان ممدرة قسم المرافق أنذال عواوير وغيره ولمز للصديق ولا ينكى عدؤكم منكم اظافير وانكم ما يطنتم لم يزل أبدا منكم على الأقرب الأدنى زبابير وكتبه محمد محمود لطف الله به آمين

قوله لقوله ففى البطون الخ فى الكلام سقط ولعل وجهه أفرده والمراد الجنس لقوله الخ فتأمل كتبه مصححه

١٠٩

ومما يقع على المذكر والمؤنث

حَضَاجِرُ ـ يقَع على الذكر والأنثى من الضِّبَاع وأنشد للحُطَيْئة

هَلَّا غَضِبْتَ لِرَحْلِ جا

رِكَ اذْ تُنَبِّذُه حَضَاجِرْ

وحكى الفارسى فى جمعه حَضَاجِرَات وقد تقدم تعليلُه فى باب الضَّبُع* قال* وقد يقال للذكَر ذِيْخٌ وللأنثى ذِيخةٌ ويقال لذكَر الضَّبُع أيضا عِتْبانٌ وعَيْلام ولا يكُونان للمؤنَّث بِعَلَامة ولا غَيْر عَلامةٍ* ومما يُخَصُّ به الأنثَى منْها العَيْثُوم وجَعَارِ قال الشاعر

تَعَلَّقْنا بذِمَّةِ امِّ وَهْبٍ

ولا تُوفِى بذِمَّتها جَعَارِ

* قال الفارسى* وذُكِر لى عن أحمدَ بن يحيَى أنه يقال لها ذَبَابِ اسمٌ على نحو جَعَارِ* قال* فأمَّا الذى صَرَّح به سيبويه فانه يقال لها دَبَابِ ـ أى دِبِّى وهذا مُطَّرِد لأن هذا الباب عِنْده يَطَّرِد فى النِّداء والأمرِ* ومن كُنَاها أمُّ عامرٍ وأنشد

على حِينَ أنْ كانتْ عُقَيْلٌ وشَائِظًا

وكانَتْ كِلَابٌ خَامِرِى أُمَّ عامِرِ

أى التى يقال لها خَامِرى أمَّ عامِر تُسْتَحْمَق بذلك وهذا على الحكاية كما قال الشاعر

ولقَدْ أَبِيتُ من الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ

فأَبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ

ومن كُنَاها أمُّ خَنُّور وخِنَّوْر وخَنَوَّر وأُمُّ رِمَال وأمُّ نَوْفل وظاهرٌ من قولهم أُمُّ كذا أنه يُخَصُّ به المؤنَّث (١)

ومما أدخلوا فيه الهاء

قولهم للثعلب تَتْفُلٌ وتَتْفلٌ ثم قالوا للانثى بُرْمُلَةٌ* وقال بعضهم* التُّتْفُل ـ جَرْوُ الثَّعْلب والأنثى تُتْفُله فعلى هذه الرواية الأنثى مبنِىٌّ على لفظ الذكَر وأما قولهم التَّتْفَلة فزعم الفارسى أن الأنثى مَخْصوصةٌ بفتح التاءِ والفاءِ لا يقال فى الذكر تَتْفَلٌ والثَّعْلب ـ يقَعُ على المذكَّر والمؤنَّث يقال ثَعْلبٌ ذكَرٌ وثَعْلب أنثَى فاذا أرادُوا الاسمَ الذى لا يكونُ إلا للمذَكَّر قالوا ثُعْلُبانٌ كما أنَّ الأفْعَى والضَّبُعَ والعَقْرَب يقعن على المُذَكَّر والمؤنَّث فاذا أرادوا ما لا يَكُونُ إلا مذكَّرا قالوا أُفْعُوانٌ وضَبْعانٌ وعُقْرُبَانٌ

__________________

(١) قلت قول ابن سيده وظاهر من قولهم أمّ كذا الخ يرده قول الشنفرى

وأم عبال قد شهدت تقوتهم

اذا أطعمتهم او تحت وأقلت

خاف عليا العين ان هي أكثرت

نحن جياع ايّ إلّ تألت

يعنى بأم عيال ثابت بن جابر الملقب تأبط شرا ويرده أيضا قول العرب أم الأرض تعنى بها الجعل الذى يدهدى النجو برأسه كتبه محمد محمود لطف الله به آمين

١١٠

وثُعْلُبانٌ قال الشاعر فى الثُّعْلبان

أرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ برأسِه

لقَدْ هانَ مَنْ بالَتْ عليه الثَّعَالِب (١)

ومنهم من يقول ثَعْلَب وثَعْلَبةٌ وبها سميت هذه القَبيلة ونظيره عَقْرَب وعَقْربة وأنشد أبو عبيد

كأنَّ مَرْعَى أمَّكمْ اذ غَدَتْ

عَقْرَبةٌ يكُومُها عُقْرُبَانُ

مَرْعَى ـ اسمُ أُمِّهم فلذلك نصبها وقد قدَّمت فى باب الثَّعالب فى تَصْرِيف هذه الكلمةِ ما أغنانى عن إعادتِه هنا وانما هذا موضع جمل وقَصْدنا فيه التنبيه على الأجْناسِ الثلاثةِ التى نوقِع نحن اسمَ الجِنْس عليها وهى ما لا يَكُونُ إلا مذكَّرا وما لا يكُون الا مؤنَّثا وما يكونُ مذَكَّرا ومؤنَّثا فأما ثُعَلٌ وثُعالةُ فمختص بهما المذكَّر وكذلك الهِجْرِسُ قال الراجز

* فَهِجْرِسٌ مَسْكَنُه الفَدَافِد*

ويُكْنَى أبا الحُصَيْن وظاهرٌ من قولهم أبٌ أنه مخَتصُّ به المذَكَّر اذ لم يقولُوا أمّ الحُصينَ (٢) والذِّئب يقَع على المذَكَّر والمؤنَّث يقل ذِئْبٌ ذكَر وذِئْبٌ أنثَى وحكى ذِئْبة للانثى فأما قول جرير

* جاءَتْ به الضَّبُع الحَصَّاءُ والذِّيْبُ*

فانه جعَلُه اسمًا للعَامِ الشَّدِيد كما سَمَّوْا السنَةَ الشديدةَ ضَبُعا فأما قولُهم سِلْق فقد يَشْتَرِك فيه المذَكَّر والمؤنَّث وكذلك الالْق فأما إلْقَةٌ فيختَصُّ به المؤنَّث فأما أوْس وأُوَيْس وسَمْسَم فيختص به المذَكَّر فأما سِرْحانٌ فقد يَقَع على المذكَّر والمُؤَنث وعَنَزة على وَزْن سَلَمة ـ ضَرْب من الذِّئَاب وهى فيها كالسَّلُوقِيَّة فى الكِلَاب البَقَرة تَقَع على المذَكَّر والمؤنَّث كما أن الشاةَ تقَع على المذكَّر والمؤنَّث وأنشد

يَجُوبُ بِىَ الفَلاةَ الى سعيد

اذا ما الشاةُ فى الأَرْطاة قالا

* قال سيبويه* قال الخليلُ هذا شاءٌ بمنزِلة هذا رَحْمةٌ من رَبِّى وقالوا فى الثَّوْر من الوَحْش شاةٌ قال الاعشى

* وحانَ انْطِلاقُ الشاةِ مِن حَيْثُ خَيَّما*

والثَّوْر ـ يقَع على المذَكَّر ويقال فى جمعه ثِيْرة وثِوَرة وثِيْرانٌ وأنْوار وثِيَارَة وثِيرَةَ

__________________

(١) قلت تبع ابن سيده فى انشاد هذا البيت على هذا الضبط غيره من الأئمة كالجوهرى والكسائى والصواب فى روايته أنه بفتح الثاء واللام مثنى ثعلب والبيت لغاوى بن عبد العزى وقصته والسبب الذى قيل من أجله أن غاويا كان سادنا لصنم لبنى سليم فبينا هو عنده اذ أقبل ثعلبان يشتدّان حتى تسمناه فبالا عليه فقال

أرب يبول الثعلبان برأسه

البيت ثم قال يا معشر سليم لا والله لا يضر ولا ينفع ولا يعطى ولا يمنع فكسره ولحق بالنبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له ما اسمك فقال غاوى بن عبد العزى فقال بل أنت راشد ابن عبد ربه أما كون الثعلبان كعقربان ذكر الثعالب فلا خلاف فى ثبوته وكتبه محمد محمود لطف الله به آمين

(٢) قلت يرده قول العرب أبو الأدهم تعنى به القدر تكنوها بذلك لسوادها وشدة دهمتها وكتبه محمد محمود لطف الله به آمين

١١١

صَحَّت الياء فيها للِاشعار بأنها مقصُورةٌ عن ثِيَارة فى قول أبى بكر وتقدَّم وحكى ثَوْر وثَوْرَة قال الأخطل

* وفَرْوةَ ثَفْرَ الثَّوْرةِ المُتَضاجِمِ*

وقالوا للأنثى بَقَرة وقد تقدم أنها واقعة على المذَكَّر والمؤنث فأما النَّعْجة والمَهَاة والعَيْناء والخَزُومة فمخصُوصٌ بها المُؤَنث وأما اللَّاءى فقد اخْتُلِف فيه فقال بعضهم هو الثَّوْر وخَصَّ به المذكَّرَ وقال بعضهم الأنثى لَأة وقد أثبتُّ هذا فى كتاب الوَحْش وأبَنْت تعليله هُنا لك فأما الجُؤْذُر والبَرْغَز وهو البُرْغُز والبَحْزَج والفَرْقَد فمؤنثُه كَلُّه بالهاء وكلُّها أولادُ البَقَر وأمَّا اليَعْفُور واليُعْفُور والذَّرَع فلا مُؤَنَّث له من لفظه ومما يقَع على المذكر والمؤنث القُنْفُذُ والقُنْفَذ يقال قُنْفُذ ذكَرٌ وقُنْفُذ أنثَى فأما أبو عبيد فقال الذكر قُنْفُذ والأنثى قُنْفُذة ومما يختَصُّ به المؤنَّث غَنِجَة ومما يختَصُّ به المذكَّر الشَّيْهَمُ قال الأعشى

* لَتَرْتَحِلَنْ مِنِّى على ظَهْرِ شَيْهَم*

ويقال له أيضا دُلْدُلٌ وابنُ أنْقَدَ وقُبَاعٌ وكُلُّه لا يُؤنَّث ولا يسمَّى به المؤنَّث ويقال له أيضا مِنَنة على مثال عِنَبة وأما الدَّرْص فيقَع على المذكَّر والمؤنث من أوْلادِها بلفظٍ واحدٍ ويقال للذكر من الضِّبَاب ضَبُّ والأنثى ضَبَّة وأنشد

إنْك لو ذُقْتَ الكُشَى بالأكْبادْ

لم تُرْسِلِ الضَّبَّة أعْداءَ الوَاد

والكُشْية ـ شَحْمةُ كُلْية الضَّبِّ والأعْداء ـ جَوَانب الوادِى جمعٌ لا واحِدَ له فأما السَّحْبَلُ منها ـ وهو العظيم فمذَكَّر لا غيرُ والنَّمِر والجمع نُمُور ونُمُر وأنْمار وأنثاه بالهاء ويقال للذكَر من القُرُود قِرْد ويُكَسَّر على قُرُود وأقْرادٍ وقِرَدةٍ فأما أبو عبيد فقال يقال للذكَر من القُرُود رُبَّاح وللانثى قِشَّة* وقال غيره* يقال لها أيضا مَيَّةُ وبها سمِّيت المرأةُ مَيَّةَ ويقال للذكر من الضَّفَادِع عُلْجُوم والانثى هاجَةٌ وهى من الواو مُقْعَدة وقيل الانثى من الضَّفادِع ضِفْدَعة والذكر من الفِرَاخ فَرْخ والانثى فَرْخة ومن أولاد الحَجَل سُلَكٌ والانثى سُلَكةٌ وكذلك سُلَفٌ والانثى سُلَفة وهى السِّلْكانُ والسِّلْفان* وقال قطرب* السُّلَك ـ فَرْخ القَطَاة وذكَر الحَجلِ يَعْقُوبٌ قال سَلامةُ بن جَنْدل

١١٢

أوْدَى الشَّبَابُ حَمِيدا ذُو التَّعاجِيبِ

أوْدَى وذلك شَأْوٌ غيرُ مطلوبِ

وَلَّى حَثِيثًا وهذا الشَّيْبُ يَصْلُبه

لو كان يُدْرِكُه رَكْضُ اليَعاقِيبِ

ويروى بالنَّصْب رَكْضَ لأنه لَمَّا قال يطْلُبه صار فيه معنى يَرْكُضُ كما قال أبو كبير الهُذَلى

ما إنْ يَمسُّ الارضَ الامَنْكِبٌ

منه وحَرْفُ الساقِ طَىَّ المِحْمَل

وقيل اليعاقيب فى بيت سَلامة جمع يَعْقُوبٍ ـ وهو الفَرَس الذى له جَرْى بعد جَرْى* قال الأصمعى* لم يقل أحدٌ أحسنَ من هذا وان سَمَّيت رجلا بيَعْقُوبٍ واحدِ اليَعَاقِيب على أىِّ هذين الوجهين كان فى هذا البيتِ صَرَفْته وقيل القَبَجُ ـ ذُكُور الحَجَل والانثى قَبَجَة وخَجَلة ووجدت فى كُتُب أبى علىّ الفارسىّ الفَيْج فى موضِع القَبَج فلا أدْرِى من أينَ رواه ويغلب على ظَنِّى أنه غَلَطٌ من الناقل وقال هُنَالك الفَيْجة تَقَع على المذكَّر والمؤنَّث فأمَّا غيره فقال القَبَجة تقع على المذكر والمؤنث

ومما يُخَصُّ به المذكر من البُوم

الفَيَّاد والصَّدَا وقيل البُومُ جَمْع واحدته بُومةٌ وقيل الذكَر بُومٌ والأنثى بُومةٌ* ومما يُخَصُّ به ذكرُ القَمارِىِّ الهَدِيلُ وقيل الهَدِيل ـ فَرْخ كان على عهد نُوحٍ مات ضَيْعةً وعَطَشا فيزعُمون أنه ليس من حَمَامة الا وهى تَبْكِى عليه قال نُصَيْب

فقُلْتُ أَتَبكِى ذاتُ طَوْقٍ تَذَكَّرتْ

هَدِيلا وقد أوْدَى وما كان تُبَّع

أى لم يُخْلق تُبَّعٌ بعدُ* وقال الفارسى* الهَدِيل هذا الفَرْخُ المذكورُ لبُكاء الحَمامِ عليه سُمِّى صوتُ الحَمَامِ هَدِيلا وصَرَّفوا منه فقالوا هَدَل يَهْدِل وساقُ حُرٍّ أيضا ـ الذَّكَر من القَمَارىِّ قال حُمَيد بنُ ثور الهِلَالى

وما هاجَ هذا الشَّوْقَ الا حَمَامةٌ

دَعَتْ ساقَ حُرٍّ تَرْحةً وتَرَنُّما

والذكر من العَصَافِير عُصْفُور والانثى عُصْفُورة قال الشاعر

ولو أنَّها عُصْفُورةٌ لَحَسِبْتها

مُسَوَّمةً تَدْعُو عُبَيْدا وأزْنَما

وأمَّا الحُمَرة والحُمَّرة ـ وهو ضَرْب من العَصَافِير فمؤنث بالهاء فلا أدْرِى أهو اسمٌ يقَع على المؤنث خاصَّةً أم اسمٌ يجمَعُ المذكَّر والمؤنث والتشديد أفصحُ من التخفيف قال أبو مُهَوِّس الاسدى

١١٣

قد كُنْتُ أحْسِبُكُم أُسُودَ خَفِيَّةٍ

فاذا لَصَافِ تَبِيضُ فيها الحُمَّر

وقال ابنُ أحمر الباهِلىِ

ان لا نُلَافِهِمُ تُصْبِحْ دِيارُهُمُ

قَفْرا تَبِيضُ على أرْجائِها الحُمَرُ

ويقال للذكَر من الطَّيْر طائِر وللأنثى طائِرٌ بغير هاءٍ* قال الفارسى* وحكى أبو الحسن طائِرةٌ وطَوَائِرُ ونظير ما حكاه من ذلك ضائِنةٌ وضَوائِنُ فأمَّا الطَّيْر فواحِدُه طائر مثل ضائِنٍ وضَأْن وراكبٍ ورَكْب* قال* والطائِرُ كالصِّفة الغالِبَة وقد قالوا أطْيَار فهذا مثلُ صاحبٍ وأصْحابٍ وشاهِدٍ وأشْهادٍ ويمكن أن تكون أطْيارٌ جمعَ طَيْر كبَيْت وأبْياتٍ وجمعوه على العَددَ القليل كما قالوا جِمَالان ولِقَاحانِ فاذا جاز أن يُثَنَّى جاز العَدَدُ القليلُ فيه أيضا وكما جُمِع على أفْعال كذلك جُمِع على العَدَد الكثير فقالوا طُيُور* قال* فيما حكاه أبو الحسن* قال* ولو قال قائل إن الطائرَ قد يكون جَمْعا مثل الجامِلِ والباقِرِ والضَّامِرِ لجاز* قال* ويُقوّى ذلك ما حكاه أبو الحسن من قولهم طائرةٌ فيكون من باب شَعِيرة وشَعِير* وقال غير الفارسى* طائرةٌ قليلة فى كلام العرب وأنشد

هُمُ أنْشَبُوا زُرْقَ القَنَا فى صُدُورِهمْ

وبِيضًا تَقِيضُ البَيْضَ من حَيْثُ طائِرُه

فقد قدَّمت أن المعنِىَّ بالطائِر الدِّماغُ سمى بذلك من حيثُ قيل له فَرْخ ويقال للذكر من الفَأْر جُرَذٌ بالذال معجمةً والفَأْرة يَقَع على المذكَّر والمؤنَّث ويقال للمذكر والمؤنث دِرْص ويقال فى الجمع دُرُوص قال امرؤ القيس

أذلكَ أمْ جَوْنٌ يُطارِد آتُنًا

حَمَلْن فأرْبَى حَمْلِهنَّ دُرُوص

قوله أذلك يعنى النَّعام شِبْه ناقتِى أم جَوْن يعنى حِمَارا يَضْرِب الى السَّواد وقوله فأرْبَى ـ أى فأعظَمُ حَمْلِهن مثلُ ولَدِ الفأرةِ ويقال للذكر والانثى من النَّحْل مَحْلة ويقال للذكر أعنى الفَحْل يَعْسُوبٌ قال أبو ذؤيب

تَنَمَّى بها اليَعْسُوبُ حتى أقَرَّها

الى مَأْلَفٍ رَحْبِ المَباءةِ عاسِلِ

أى ذى عَسَل ويقال له أيضا المَلِك والأمِير والفَحْلُ فأما اليَعْسُوب الذى هو شئ أصغَرُ من الجَرادةِ طَوِيلُ الذَّنَب فلا أعلم كيف يقال لأنثاه غير أن الفارسىَّ قال فى كتاب التذكرة اليَعْسُوبة ـ شئ شِبْه الجَرادةِ وأصغَرُ منها طوِيلُ الذَّنَب هكذا

١١٤

وجدتها فى التذْكِرة بالهاء فلا أدْرِى أهو ضبطه أم هو غَلَط من الناقل وليس فى الكتاب لفظ يُصرِّح بهذا ويقال للذكر من الخَنَافِس خُنْفُس والأنثى خُنْفُساء* وقال العُقَيْلِيُّون* هذا خُنْفُس ذكر للواحد والخُنْفُس للكَثِير وبَنُو أسد يقولون للخُنْفُساء خُنْفُسة* وقال بعضهم* رأيت خُنْفُسًا على خُنْفُسَة والخُنْطُب ـ ذكرٌ من الخَنَافِس فيه طُول وجمعه حَنَاطِبُ قال حسان

وأُمُّك سَوْداءُ موْدُونةٌ

كأنَّ أَنامِلَها الحُنْطُبُ

والجُلَعْلَعَة من الخَنافِس ـ يقع على المذكَّر والمؤنَّث والجَرادة تَقَع على المذكر والمؤنث وأنشد

مُهَارِشَةَ العِنَانِ كأنّ فيه

جَرادةَ هَبْوةٍ فيها اصْفِرارُ

وقال الشاعر أيضا

كأنّ جَرادةً صَفْراءَ طارَتْ

بألْبابِ الغَواضِرِ أجْمَعِينَا

فأخرَج صَفراءَ وطارتْ مخرَجَ جَرَادة وإن كان المعنى للذكر لأنّ الصُّفْرة لا تكون إلا للذكر واذا كان ذَكَرا كان أخفَّ له واذا كانت فيه هَبْوَةٌ كان أسرَعَ له وأراد أيضا التذكيرَ بظاهر اللَّفْظ وباطن المعْنَى بقوله فيه والعَرَب تقول نَعامةٌ ذكَرٌ ويقال للذَكر من الجَرَاد العُنْظَب وجمعه عَنَاظِبُ قال الراجز

لسْتُ أُبَالِى أنْ يَطِيرَ العُنْظَب

اذا رأيْتُ عِرْسَه تَقَلَّبُ

والسَّخْلَة والبَهْمَة يكُونانِ للمذكَّر والمؤنَّث يُقال لأوْلادِ الغَنَم ساعةَ تضَعُها من الضَّأْن والمَعَزِ ذَكَرا كان الولَدُ أو أنثَى سَخْلة وجمعها سِخَال ثم هى البَهْمة للذكر والأنْثَى وجمعها بَهْم قال المجنون

تَعَلَّقْت لَيْلَى وهْىَ ذاتُ مُؤَصَّد

ولم يَبْدُ للأتْرابِ من ثَدْيِها حَجْمُ

صَغِيريْنِ نَرْعى البَهْمَ يا لَيْتَ أنَّنا

الَى اليَوْم لم نَكْبَرْ ولم يَكْبَرِ البَهْمُ

وحكَى الفارسىُّ عن ثعلبٍ بِهَامٌ والعِسْبارَة ـ وَلَدُ الضَّبُع من الذِّئْب يَقَع على المذكَّر والمؤنث ويُقال لولَدِ الضَّبُع الفُرْعُل والانثى فُرْعُلَة وقالوا الفَرَاعِلَة جعَلُوه من باب الملائِكَة وقد يَحذِفُون الهاءَ ولولدِ الذِّئْب من الكَلْبة الدَّيْسَم والدُّرَّاجة يَقَع على المذكَّر والمؤَنثِ والحَيْقُطَان ـ ذكَرُ الدُّرَّاج* وقال الفارسى* الا أنَ

١١٥

الدَّرَّاجة يُخَصُّ بها المؤنَّثُ والعَضْرَفُوط ـ الذكَر من العِظَاء والعِظَاءةُ تقَع على المذكَّر والمؤنث وقيل العَضْرَفُوط ـ ضَرْب من العِظَاء ولا أعلم أنه حُكِى له مؤنَّث من لفظَه

بابُ التاء التى تَلحَق الحروفَ وأسماءَ الافعال

التاءُ التى تَلْحقُ الحُرُوف نحو رُبَّ فى قولك رُبَّتَ رجلٍ ضَرَبتُ وقُمتُ ثُمَّتَ قعَدْت قال الشاعر

ما وِىَّ يا رُبَّتَما غارَةٍ

شَعْواءَ كاللَّدْعةِ بالمِيسَمِ

وقال آخر

ولقَدْ أمُرُّ على اللَّئِيم يَسُبُّنِى

فمَضَيْت ثُمَّتَ قلتُ لا يَعْنِينِى

* وقال الفرَّاء* التاء فى رُبَّتَ تُشْبِه التأنِيثَ وليستْ بِتأنيثٍ حقيقِىٍّ ومثلُ ذلك التاءُ التى فى هَيْهاتَ وفى قولهم (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) * وأنا آخِذٌ فى إشْباع القولِ على هَيْهات بأقْصَى نِهاية التعليلِ ثم آخِذٌ فى لات حِينَ مَناصٍ بذلك ومبَيِّن لمَواضِع الاختِلافِ وفاصِلٌ بين المختَلِفيْنِ بما يَسْبِق الىَّ من سابِقَة الصواب بعد اتِّهام بادِى الرأىِ ومعانَدَتِه* قال الفارسى* فى هَيْهاتَ أربعُ لُغاتٍ هَيْهاتَ هَيْهاتَ وهى لغة التنزيل وهَيْهاتِ هَيْهاتِ وهَيْهاتٍ وهَيْهاتٍ وهَيْهاتًا هَيْهاتًا فمن قال هَيْهاتَ قال العَربُ تفْتَح أواخِرَ الأدواتِ مَيْلا الى التخفيفِ كما فَتَحُوا تُمَّتَ ورُبَّتَ ويُوقَف من هذا الوَجْهِ على الهاءِ وهذا كلامٌ عبارتَهُ كُوفِيَّة لا أدْرِى من أين خالَفَ عِبارَتَه المُعتادةَ* قال* ومن قال هَيْهاتِ كسَرَه لالتِقاءِ الساكنَيْنِ كما قالوا نَزَالِ ونَظَارِ ومن قال هَيْهاتٍ هَيْهاتٍ شَبَّهه بالأصْواتِ كقولهم غاقٍ فى حكاية صوتِ الغُرَاب ومن قال هَيْهاتًا هَيْهاتًا نصَبه على التشبيه بالمصدَر ولا أظُنُّ هذا لفظَ أبى على* قال* ومن العرب مَنْ يقُول أيْهاتَ أيْهاتَ وأنا مُورِدٌ ما صَحَّ عن أبى علىٍّ فى تعليل هذه الكلمةِ ورَدِّة فيها على أبِى اسحق ابراهيمَ بنِ السَّرِىِّ ونبدأ بقول أبِى اسحقَ أوَّلا فى قوله تعالى (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) مَنْ قرأ (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) وموضعُها الرفعُ وتأويلُها البُعْدُ (لِما تُوعَدُونَ) فلأنها بمنْزِلة الاصواتِ وليست مُشْتَقَّة من فِعْل فبُنِيتْ

١١٦

هَيْهاتَ كما بُنِيَتْ رُبَّتَ فاذا كَسَرت جعَلْتها جمعا فهى بمنزلة قولِ العرَب استَاْصَل اللهُ عِرْقاتَهم وعِرْقاتِهم وانما كُسِر فى الجمْع لأن بِنَاءَ الفتْح فى الجمع كَسْر تقول مررت بالهِنْداتِ ورأيت الهنْداتِ ويقال هَيْهاتَ ما قُلْتَ فمن قال هَيْهات ما قلْتَ فمعناه البُعْدُ قولُكَ ومن قال هَيْهاتَ لِمَا قُلْت فمعناه البُعْد لقولِك فأمَّا مَن نَوَّنَ هيهات فجعَلها نَكِرةً فمعناه بُغْدٌ لما تُوعَدون انتهى كلام أبى اسحق* قال الفارسى* أقول إن قولَه فى هَيْهَات إنَّ موضعَه رَفْع واجراءه ايَّاه مُجْرَى البُعْد فى أن موضِعَه رَفْع كما أن البُعْدَ رَفْعٌ من قولك البُعْدُ لزيد خَطَأَ وذلك أنَّ هيْهاتَ اسمٌ سمِّى به الفِعْل فهو اسم لبَعُد كما أن شَتَّانَ كذلك ولو كان هَيهاتَ موضِعُه رَفْع لوجب أن يكون شَتَّانَ أيضا مَرْفُوعا وكان أوْلَى بذلك من هيْهاتَ لأنه مأخوذٌ من التَّشْتِيت والشَّتُّ تَفْرِيق وبُعْد وهَيْهاتَ أشبَهُ بالأصواتِ نحوصَهْ ومَهْ وما لا حَظَّ له فى الاعراب فاذا لم يكُنْ شَتَّانَ مُرْتَفِعا كان ارتِفَاع هَيْهاتَ أبْعَدَ لما أعلمتك وكما لا يجُوز أن يُحْكَم لشَتَّانَ بموضِع من الاعرابِ كما لا موضِعَ لِقامَ من قولنا قامَ زيدٌ وما أشبهه كذلك لا يَجُوز أن يحكم لهَيْهاتَ بأنَّ موضعَه رَفْع ولو جاز أن يكون موضعُه رَفْعا لدِلالته على البُعْد لكان شَتَّانَ أيضا مُرْتفِعا لدِلالته على ذلك فليس للاسْمِ الذى يُسَمَّى به الفِعْل موضعٌ من الاعراب كما لم يكُنْ للفِعْل الذى جُعِل اسمًا له موضع لوُقُوعه أولا فى غيرِ موضع المُفْرَد فلا موضع مرفُوعٌ لهيهاتَ لما أعلمتك كما لم يكُن لشَتَّانَ الا أنَّ هيهاتَ تُخَالِف شَتَّان من جهةٍ وإن وافَقَتها من أُخْرَى وهو أنّ هيهاتَ ظَرْف سُمِّى به الفِعْل فهو مُنْتَصِب بالظَّرْف كما أن عِندك اسمٌ سُمِّى به احْذَرْ ومَكانَك اسمٌ سمِّى به اثْبُتْ ولا تَبْرَحْ بتأخُّر وان كانا مُنْتَصِبَينِ على الظَّرْف فكذلك هَيْهاتَ فهذه جِهةُ الخِلَافِ ولو تَأوَّل فيه مُتَأوِّلٌ أنه غَيْرُ ظَرْف كما أنَّ شَتَّان غيْرُ ظرف وانما هو اسمٌ لبَعُدَ لم يمتَنعْ وقد قال أبُو العَبَّاس فيها ما أعلمتك وحكاه سيبويه فى باب الظُّرُوف التى لم تَتَمَّكن وأمّا جهةُ الوِفاق فهى أن هيْهاتَ اسمٌ سُمّى به الفِعْل فى الخَبَر وغَيرِ الأَمْر كما أن شَتَّانَ اسمٌ سمِّى به الفِعْل فى الخَبَر وغير الأمْرِ فاذا ثبَت أنه اسمٌ سمِّى به الفِعْل كشَتَّانَ لم يَجُزْ أن يَخْلُوَ من فاعِلٍ ظاهِرٍ أو مُضْمَر كما أن الفِعْل لا يَخْلُو من ذلك وكما أن سائرَ ما سُمِّى به الأفْعالُ فى غيْر الخَبَرِ على هذا ألَا تَرَى أنَّا نقُول شَتَّانَ زيدٌ وعَمْرو

١١٧

فيرتَفِع الاسمُ كما يرتَفِع بَبُعدَ ويرتَفِع الضميرُ فى رُوَيْدَ وعَلَيْك ونحوه كما يرتَفِع فى أرْوِدْ والزَمْ فيُحْمَل عليه ما يُؤَكِّده مرفُوعا كما يُحمَلُ على الضميرِ فى الفِعْل الصرِيحِ ولو لا أن شَتَّان وهَيْهاتَ كبَعُدَ فى قولك شَتَّانَ زيدٌ وهَيْهاتَ العَقِيقُ لما تَمَّ به الكلامُ وبالاسم فلَمَّا تمَّ الكلامُ به علمنا أنه بمنْزِلة الفِعْل أو بمنزِلة المُبتدا فلا يجوز أن يكونَ بمنْزلة المبتَدإ لأن المبتَدَأ هو الخَبرُ فى المعنَى أو يكونُ له فيه ذِكْر وليس هَيهاتَ بالعَقِيق ولا شَتَّانَ بزيْدٍ فان قلتَ فما تُنْكر أن تَكُون هيهاتَ زيدٌ بمنزلة البُعْد زيدٌ فتجَعَله البُعْدَ اذا أردتَ المُبالَغةَ كما تقول زيْدٌ سَيْر فالجوابُ أنه لو كان مِثْلَ ذلك لوجَبَ أن يكون مُعْرَبا غيْرَ مبنِىٍّ اذ السَّيْرُ وما أشبهَهُ من المَصَادِر أسماءٌ والاسماءُ لا تُسَمَّى بأسماءٍ مَبْنِيَّة كما تُسمَّى بها الافعالُ فلمَّا وَجدْنا هيهاتَ مبنِيًّا علمنا أنه اسمٌ سمِّى به الفِعلُ لكونه مبْنيًّا ولو كان اسمًا للمصْدَر لَمَا وجَب بِناؤُوه لأنَّ المعنَى الواحِدَ قد يسمَّى بعِدَّة أسماءٍ ويكونُ ذلك كلُّه مُعْرَبا فثَبت ببِناءِ شَتَّانَ وهَيهاتَ أنهما اسمانِ سمِّى بهما الأفعالُ فان الاسمَ بعدهما مرتفِعٌ بهما وأيضا فانك تَقُول هيهاتَ المَنازِلُ وهَيْهاتَ الدِّيارُ وشَتَّانَ زيدٌ وعَمْرو وبَكْر لو كان هَيْهاتَ مبتدَاً لوجَب أن يُجْمَع اذ لا يكون المبتَدأُ واحِدًا والخبَرُ جمعا وأظُنُّ أن الذى حَمَل أبا اسحق على أنْ قال إن هَيْهاتَ معناه البُعْد وموضعُه رَفْع كما أنك لو قلتَ البُعْد لزيد كانَ البُعْدُ رَفْعا أنه لَمَّا لم يَرَ فى قوله (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) فاعلا ظاهرًا حمله على أن موضِعَه كالبُعْد والقول فى هذا أنّ فى هَيْهاتَ ضَمِيرا مرتَفِعا وذلك الضميرُ عائِد الى قوله (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) الذى هو بمعنى الاخْراج كأنَّهم لَمَّا قالوا مستَبْعدِين للوَعْد بالبَعْث ومُنْكِرين له (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فكان قوله (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) بمعنى الاخراج صار فى هَيْهات ضميرٌ له والمعنى هَيْهاتَ إخْراجُكم للوَعْد أى بَعُدَ إخراجُكم للوَعْد اذ كان الوَعْدُ اخراجَكُم بعد مَوْتِكُم ونُشُورَكم بعد اضْمِحْلالِكم فاستَبْعدَ أعداءُ اللهِ إخْراجَهم ونشرَهم لمَّا كانت العِدَةُ به بعْدَ الموت إغْفالاً منهم للتدَبُّر وإهمالاً للتَّفَكُّر فى قوله جلَّ وعزَّ (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) وفى قوله (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) ونحوِ هذا من الْأى* قال* وقوله فأما من نون هَيْهاتٍ فجَعَلها نَكِرة فيكون المعنى بُعْدٌ لِمَا قلتم ففيه اختِلاف قيل إنه اذا نُوِّن كان نَكِرةً ووجْهُ هذا

١١٨

القولِ أن هذه التنوينةَ فى الأصواتِ إنما تَثْبُت عَلَما للتنْكِيرِ وتُحذَف علمَا للتَّعرِيف كقولك غاقٍ وغاقِ وإيهٍ وإيهِ ونحو ذلك فجائز أن يكونَ المُرادُ بهَيْهاتٍ اذا نُوِّن التنْكِير وقيل إنه اذا نُوِّن أيضاً كان مَعْرِفة كما كان قَبْل التنْوينِ كذلك وذلك أنَّ التَّنْوينَ فى مُسْلِمات ونحوِه نظيرُ النُّون فى مُسلِمِينَ فهذا اذا ثبَتَ لم يَدُلَّ على التنكِيرِ كما يَدلُّ عليه فى غاقٍ لأنه بمنزلة ما لا يَدُلُّ على تَنْكِير ولا تَعْرِيف وهو النُّون فى مُسلِمينَ فهو على تعرِيفِه الذى كان عليه قَبْلَ دُخُول التنوينِ اذا ليس التنْوِينُ فيه كالذى فى غاقٍ* قال أبو العباس* فى هذا الوجه هو قولٌ قَوِىٌّ* فأمَّا (لاتَ حِينَ مَناصٍ) فزعَم سيبويه أن التاءَ فيها منقطِعة من حِينَ وكان أبو عبيد يقُول التاءُ متَّصِلة بحاءِ حِينَ ويقول الوَقْفُ ولَا الابتداءُ تَحِينَ مَنَاصٍ ويحتَجُّ بأن المعْرُوفَ فى كلام العرب لَا ولا يُعْرَف فيه لاتَ وزعَم أن العرَب تَزيدُ التاءَ مع الحين والآن والأَوَان ومن ذلك قول أبى وَجْزةَ السَّعْدِىِ

العاطِفُونُ تَحِينَ ما مِنْ عاطِفٍ

والمُطْعِمُونَ زَمانَ أيْنَ المُطْعِمُ

وأنشد الأحمر

نَوِّلِينِى قُبَيْلَ بَيْنِى جُمَانَا

وصِلِينِى كما زَعْمتِ تَلَانا

وقال أبو زُبَيْد الطائِىُ

طَلَبُوا صُلْحَنَا ولا تَأَوَانٍ

فَاجَبْنَا أنْ ليْسَ حِينَ بَقاء

وههُنا ردٌّ على أبى عبيد يطُولُ الكتابُ به فلذلك آثرت تركَهُ* قال أبو اسحق* الوَقْف على لاتَ بالتاء والكِسَائىُّ يقِف بالهاء يجعلها هاءَ تأنيثٍ وحقيقةُ الوقفِ بالتاءِ وهذه التاء نظِيرةُ التاء فى الفِعْل نحو ذهبَتْ وجلسَتْ ورأيت زيدا ثُمَّتَ عَمْرا فهؤلاء الأحْرُف بمنزلة تاء الأفْعال لان التاء فى الموضعَيْن دخَلَتْ على ما لا يُعْرَف ولا هو من طريق الأسماءِ فان قال قائلٌ نجعَلُها بمنْزِلة كان من الامر ذَيْتَ وذَيْتَ قيل فهذه هاءٌ فى الوَقْف* قال الفارسىُّ* ليس للعِرْفان والجَهالةِ فى قَلْب هذه التاءِ هاءً فى الوَقْف ولا لتَرْكها تاءً مَذهَبٌ ولكن يَدُل على أن الوَقْف على هذا ينبغى أن يكون بالتاء أنَّه لا خِلَاف فى أن الوقْفَ على الفِعْل بالتاءِ فاذا كان الوَقْف فى التى فى الفِعْل بالتاءِ ووقَعتِ المُنازَعةُ فى الحَرْف وجبَ أن يُنْظَر فيُلْحقَ بالقَبِيل الذى هو أشْبَهُ به

١١٩

فالحَرْف بالفِعْل أشبَهُ منه بالاسمِ من حيْثُ كان الفِعْل ثانِياً والاسم أوَّلاً فالحَرْف بهذا الثانى أشبَهُ منه بالأصْل وأيضا فالابْدال فى هذا الحَرْف ضَرْب من الاتِّساع والتَّصَرُّفِ فى الكَلِمة فاذا كان ذلك قد مُنعه الذى هو أكثَرُ تَصَرُّفا من الحرْف وأشبَهُ بالأوّلِ منه فأن يُمْنَعَه الحرْفُ الذى لا تَصَرُّف له والذى يَقِلُّ اعتِقابُ التغييرِ عليه أجْدَرُ وأشبَهُ أيضا فاذا كانتْ هذه التاءُ فى بعضِ اللُّغات تُتْرَك تاءً فى الاسماءِ كما حكاه سيبويه عن أبى الخَطَّاب وكما أنشده أبو الحسن من قوله

* بَلْ جَوْزِ تَيْهاءَ كظَهْر الحَجَفَتْ*

فأنْ تُتْرك تاءً فى الحرْف ولا تُقْلَبَ أجْدَرُ فبهذا يُرَجَّح هذا القَوْلُ على قول الكِسائِىّ فى القِياس وعَملُها عند سيبويه الرفْعُ والنَّصبُ فرفُوعُها مضمَرٌ ومنْصُوبها مُظْهَر وذلك عِنْده فى الحِينِ خاصَّةً وعمَلُها عند الكُوفِيِّيِنَ مُطَّرِد فى كل شئٍ وهى مُساوِيةٌ لليس يُظْهَر مرفُوعُها ويُضْمَر فأما قول الأعْشَى

لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرةَ أمْ مَنْ

جاءَ منها بطائِفِ الأهْوالِ

فانما هى كتَحِينَ من قوله (وَلاتَ حِينَ) فيمن جعل الوقْفَ على لا وزاد التاءَ فى الحِينِ ولا تكُون لاتَ ههُنا حَرْفا عامِلا عَمَلَ ليس على مذهَبِ سيبويه لأنه قد قَصَر عملَ لاتَ على الحِين ومعمولُ لاتَ هُنَا انما هو ذِكْرَى ومن رأَى إعمال لاتَ فيما بعدَها مُطَّرِدا أجاز أن تكون لاتَ هاهُنا عاملةً فى الذِّكْرَى

ما جاءَ من صِفات المؤنَّث على فاعِلِ

هذا البابُ يَسْتَوِى فيه المذَكَّرُ والمؤنَّثُ ومذهَبُ الخليلِ وسيبويه فى ذلك وما كان نحوَه أن ذلك انما سقطتِ الهاءُ منه لأنه لم يَجْرِ على الفِعْل وانما يلزَمُ الفَرْقُ بيْنَ المذكَّر والمؤنَّث فيما كان جارِياً على الفِعْل لأن الفِعْل لا بُدّ من تأنِيثِه اذا كان فيه ضمِيرُ المؤنَّث كقولك هِنْدٌ ذهبَتْ وموعِظةٌ جاءتْكَ ولُزُومُ التأنيثِ فى المستَقْبَل آكدُ وأوْجَبُ كقولك هِنْدٌ تَذْهَبُ ومَوْعِظَة تَجِيثُك وانَّما صار فى المستَقْبَل ألزَمَ لأن تَرْك التأنِيثِ لا يُوجِب تخفِيفًا فى اللْفظ لأنه عُدُول من تاءٍ الى ياء والتاءُ أيضا أخَفُّ وفى الماضى اذا تُرِكتْ عَلامةُ التأنيثِ فقيل مَوْعِظةٌ جاءَكَ فانما يَسْقُط حرف ويَخِفُّ لفظ الفِعْل فاذا كان

١٢٠