المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

فى عِلَل هذا البابِ وأنا أذكُر المبْنِيَّاتِ لأُعَيِّنُها حرْفا حرْفا ان شاء الله تعالى بأوْجزِ ما أقْدِر عليه ليُغْنِىَ الملْتَمِسَ لعِلم المبنيَّات عن كثير من النظَر في كلام النحويين وإطالتِهم في شرح هذا القَبِيل أما حُرُوف المَعانِى فقد قدَّمْت ذكرَها وأنا آخِذٌ الآنَ فيما سِواها من المبنِيَّات أمَّا الأصواتُ فانها تجْرِى على ضربَيْنِ معرِفةٌ ونكِرةٌ والمعرفةُ منها مبنيَّةٌ على السُّكُون الا أن يلتَقِىَ في آخره ساكنانِ فيُحرَّك على قدْرِ ما يستوجِبُه التقاء الساكِنيْنِ فمما جاء منه ساكِنًا ولم يلْتقِ في آخِره ساكنانِ صَهْ ومعناه اسكُتْ ومَهْ ومعناه انْتهِ وكُفَّ وعَدَسْ وحَدَسْ ـ وهو زَجْر للبغْل قال الشاعر

عَدَسْ مالِعَبَّادٍ عليْكِ إمارةٌ

أَمِنْتِ وهذا تَحْمِلينَ طَلِيقُ

* وما الْتقَى في آخره ساكنانِ فحُرِّك فنحو إيهِ وغاقِ قال الشاعر

وقَفْنا فقُلْنا إيهِ عن أُمِّ سالِمٍ

وما بالُ تَكْلِيم الدِّيارِ البَلَاقِع

وكان الأصمعى يُخَطِّئ ذا الرَّمةِ في هذا البيتِ ويزعُم أن العربَ لا تقُول الا إيهٍ بالتنوين والنحويُّون البَصْرِيُّون صوَّبوا ذا الرمَّة وقسَّموا إيهٍ على ضربين فقالوا إنما إيهٍ استزادةٌ فاذا استزادُوه منكُورا كان منَوَّنا وكان التنوين علامةً للتنكيرِ غيرَ أن التنوينَ ساكنٌ فتكسر لها الهاءُ واذا كان استزاده مُعرَّفا زال التنوينُ فبقِىَ الحرفُ الاخيرُ ساكنا فالتقى ساكنان في آخرِه فكُسِر الاخيرُ منهما لالتقاء الساكنينِ فاذا نَكَّرت شيئا من الأصواتِ نَوَّنت لعَلامة التنكير ثم كسَرت آخِرَه لسُكونه وسُكُون التنوين كقولهم صَهٍ ومَهٍ وربما لَم يكْسِروا آخِرَه لعِلَّة عارِضةٍ فمن ذلك قولهم إيهًا في الكفِّ أدخَلُوا التنوين للتنكير ثم فتحُوا آخرَه لالتقاء الساكنيْن لئلَّا يلتَبِس بايهٍ الذى هو للاستزادةِ غيْرَ أن هذه الاصواتَ منها ما يستَعْمَل معرِفةً ولا يُنَكَّر كنحو عَدَسْ وتُشُؤْ للحمار اذا دَعَوته ليَشْربَ ومنها ما يستَعمَل نكرةً فقط كنحو إيهًا ووَيْهًا ومنها ما يُستَعمل نكِرةً ومعرِفةً نحو غاقِ وغاقٍ وإيهِ وإيهٍ وكنحو قولهم أُفُّ وأُفَّ وأُفِّ وهى كلمة للضُّجْرة غير منَوَّنه في المعرفة وفي النكرة أُفٌّ وأُفًّا وأُفٍّ فمن قال أُفُّ فضَمَّ أتبع الحركةَ الحركةَ كما تقول مُدُّ ومن قال أُفِّ كسرَ لالتقاءِ الساكنينِ على حَسَب ما يوجِبُه الْتقاءُ الساكنينِ ومن قال أُفَّ فتَح استِثْقالا للتضْعِيف وضمَّةِ الهمزةِ كما تقول مُدَّ يا هذا

٨١

واذا نُكّرت أدخلتَ التنوينَ على اختِلافِ هذه الحركاتِ للعِلَل التى ذكرْناها وما أتاكَ من الأصوات فهذا قِياسُه.

ومن المَبنِيَّات قولُهم

أيَّانَ تقُومُ في معنى متَى تقُومُ وهى مبنِيَّة على الفتْح وقد كان أصلُها أن تكونَ ساكنة لأنها وقَعتْ موقِعَ حرفِ الاستفهامِ غير أنها التقَى في آخِرها ساكنانِ فاثَرُوا تحرِيكَ آخرِها بالفتْح لأن قبلها ياءً وهى مع ذلك مُشدَّدة وبينَها وبينَ الياء الألفُ وليست حاجِزا حَصِينا فلم يَحْفِلُوا بكونِها أعنى كونَ الألفِ ففتَحوا النونَ كأنها وقَعتْ بعدَ ياءٍ مضاعَفةٍ وعِلَّةٌ أُخَرى وهى أن الأسماءَ التى يستفْهَم بها كلُّ ما وجبَ التحريكُ فيه منها مفتوحٌ نحو أيْنَ وكيْفَ فأتبعُوها أيَّانَ اذ كانتْ مستَحِقَّة لتحرِيك الآخِر حتى لا تَخْرُجَ من جملتِها ومنها قولُ الشاعر

طَلَبُوا صُلْحنَا ولاتَ أَوَانٍ

فأجَبْنا أن لَيْس حِينَ بَقَاء

فكسَر أوانٍ ونَوّن* قال أبو العباس* انما نَوّن من قِبَل أنّ الأوانَ من أسماء الزَّمانِ وأسماءُ الزَّمانٍ قد تكونُ مُضافاتٍ الى الجُمَل كقولك هذا يومُ يقُومُ زيد وأتيتُك زَمَنَ الحَجَّاجُ أميرٌ فاذا حُذِفت الجملةُ عَوَّضت منها التنوينَ كما فعَلْت فيما أُضِيف الى غير متمكِّن كقولك يومئِذٍ وحِينَئذٍ فهذا معنى ما قال أبو العباس وأظُنُّنى قد زدتُ فيه شرح دُخول التنوينِ لأن الغالبَ في ظنِّى عن أبى العباس وهو الذى حكاه أصحابُه أنه بمنْزِلة قبْلُ وبعدُ حين بُنِيَا لِمَا حُذِف منهما من المضاف اليه فرأيتُ هذا القولَ يختَلُّ من جِهةِ أن قَبْلُ وبعدُ وما جَرَى مَجْراهما متى نُحِّىَ عنهما المضافُ اليه لم يخْلُ من أن يكونَ معرِفةً أو نكِرةً فاذا كان معرفةً كان مبنِيًّا على حالةٍ واحدةٍ كقولك جئتُك قَبْلا وجئتُك من قبْلُ والصحيح في أوَانٍ عِندِى أنه نُوِّن وبُنِىَ لعِلَّتين احداهما أنه كان مُضافا الى جملة حُذفت عنه فاستَحَقَّ التنوينَ عِوضا من حَذْفها بمنزلة إِذْ ولم يكن بمنزلة قبْلُ وبعْدُ لأن قبْلُ وبعدُ كان مضافا الى اسمٍ واحدِ وبُنِى اذ قد صُيِّرت في معنى إِذ حينَ حُذِفت الجملةُ منها وبقى فيها عوضُها وهو التنوينُ فصار كاسمٍ حُذِف بعضُه وبقى بعضُه والْتَقَى في آخره ساكنانِ التنوينُ

٨٢

الذى دخَل عوضا والنونُ التى ينبغى إسكانُها للبناءِ فكُسِرت والعلة الثانيةُ في كسرةِ أوانٍ أنا رأينا لاتَ قد تقَع بعدها الأزمنةُ منصوبةً ومرفوعةً اذا لم تكنْ محذُوفا منها شئٌ فلو قيل لاتَ أوانًا أو لاتَ أَوَانٌ كانا معربَيْنِ ولم يكن دليلٌ على حذفِ شئٍ وصار بمنزلة لاتَ حِينًا ولاتَ حينٌ بلا تقدير حذفٍ من حينٍ فنوَّنوا لما ذكرْنا وكَسُروا لأن يخرُجَ هذا من اللَّبْس

ومن ذلك هُنَا وهو إشارةٌ الى ما حضَر من المكانِ وفيه ثلاثُ لُغاتٍ هُنَا وهَنَّا وهِنَّا وهى أرْدَؤُها قال ذو الرمَّة في التشديد

هَنَّا وهِنَّا ومن هُنَّا لهُنَّ بها

ذاتَ الشَّمائِلِ والأيمانِ هَيْنُومُ

ويجوزُ إدخالُ حرفِ التنبيهِ عليه كما تُدْخِلْه على ذا اذا أشرْتَ اليه تقول ههُنا وههُنَّا واستَحقَّ البناءَ للإشارةِ والابْهامِ كما استَحقَّ هذا وهؤُلاء وما يَجرِى مجْراهما ولا تجُوزُ الاشارةُ به الى شئٍ غير المكان الا أن تجْرِيَه مُجْرَى المكانِ مَجازا كقولك قِفْ هُنا حيْثُ أمرَك اللهُ وإنما حيثُ للمكان ومثله زَيدٌ دُونَ عمْرو في مرتَبتِه وفوقَه ودُونَ وفَوْقَ يُسْتعْمَلانِ في حقيقة اللُّغةِ لما علا شيأ أو انحَطَّ عنه وقد جاء في الشعر للزمان قال الشاعر

لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرةَ أو مَنْ

جاء مِنْها بِطائِفِ الأهْوالِ

أراد أنَّه ليس هذَا أوانَ ذِكرَى جُبَيرةَ وهى امرأةٌ

فاذا أشرتَ الى مكان متَنَحٍّ متباعِد قلت ثَمَّ اذا وصلتَ الكلامَ فاذا وقفْت عليه وقفْت بالهاء فقلت ثَمَّهْ وانما ألحقْتَ الهاءَ اذا وقَفْت لأن كل متحرِّك ليست حركتُه اعرابًا جاز أن تُلْحِق آخرَه هاءً في الوقْفِ نحو كَيْفَ وأيْنَ وهُوَ وهِىَ فتقول كَيْفَهْ وأيْنَهْ وهيَهْ وهُوَهْ قال حسان

اذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغُلَام

فما إنْ يُقالُ له مَنْ هُوَهْ

ويجوز أن لا تُلْحِق هاءً فتقول جئتُك من ثَمّ وانما وجب أن يُفْتَح آخِرُه من قِبَل أن ثم يُشارُ بِه الى متباعِدٍ فوجب بِناؤه على السكون للاشارة التى فيه ولِابهامه على ما تقدم في المبهَماتِ فالْتقَى في آخِره ساكنانِ ففُتِح للتشديد الذى فيه ولا يُستعمَلُ الا للمكان المتنَحِّى أو ما أُجْرِىَ مُجْراه فان قال قائلٌ فهَلَّا زادُوا على إشارة الحاضِر

٨٣

من المكانِ كافا فيكونُ اشارةً الى المتنَحَّى منه كقولهم ذا اذا أشارُوا الى حاضِر فاذا أشاروا الى متَنَحٍّ زادُوا كافا للمخاطَب وجعلُوه علامةً لتَبَاعُد المشارِ اليه فقالوا ذاكَ قيل له قد فعَلُوا مثلَ هذا في الاشارة الى المكان فقالوا هُنَا ثم قالوا هُنَاك فدَلُّوا بزيادة الكاف على المكانِ المتنَحَّى المشارِ اليه ثم جعلُوا للمكان المُتباعد لفظا يَدُلُّ على صورتهِ على تباعُدِه فلم يحتاجُوا الى الكاف وهو قولُهم رأيتُه ثَمَّهْ فثَمَّه صورتُها تدلُّ على تَباعُد المكان فاذا قالوا رأيتُه هُنَاك دلت الكافُ على مثل ما دلَّتْ عليه ثَمَّهْ بغير كافٍ والدليل على ذلك أنهم لو نزَعُوا الكاف فقالوا رأيتُه هُنَا بغير كافٍ صارت الاشارةُ الى مكانٍ حاضِرٍ فقد علمت أن الكاف مع هنا بمنزلة ثَمَّ بصِيغتِها ويُدْخِلون اللامَ لتأكيدِ التباعُدِ فيقولُون هُنَالك كما يقولُون ذلكَ ولا فرق بينَهما في الاشارةِ غير أن هُنَالِك وبابَها اشارةٌ الى المكانِ وذلك إشارةٌ الى كل شئ فاعرِفْه إن شاء اللهُ

ومن ذلك الآن

وهى مبنِيَّةٌ على الفتْح* قال المُبرَد* الذى أوجَبَ البِنَاء أنها وقعَتْ في أولِ أحوالِها بالألف واللامِ وحُكمُ الأسماء أن تكونَ منكُورةً شائعةً في الجنس ثم يدخل عليها ما يُعَرِّفُها من إضافة أو ألِف ولام فخالفتِ الآنَ أخواتِها من الأسماء بأن وقَعْت معرفةً في أوّل أحوالِها ولَزِمت موضِعا واحِدا فبُنِيتْ لذلك هذا المعنى قاله أبو العباس أو نحوُه وأقول إن لزُومَها لهذا الموضِع في الأسماء قد ألحقَها بشبَه الحُروف وذلك أن الحروف لازمةٌ لمواضِعها التى وقَعَت فيها في أوّليَّتها غيرُ زائِلة عنها ولا بارِحةٍ منها واختارُوا الفتْحَ لأنه أخَفُّ الحركاتِ وأشكلُها بالألف وأتْبعوها الألفَ التى قبلَها كما أتبعُوا ضمةً الذال في مُنْذُ ضمةَ الميمِ وان كان حقُّ الذال أن تُكسَر لالتقاء الساكنيْنِ وقد يجوز أن يكونُوا أتبعوا فتحةَ النونِ فتحةَ الهمزةِ ولم يَحْفِلُوا بالألف كما لم يَحْفلوا بالنون التى بين الميم والذالِ في مُنْذُ وقد يجوز في فتحها وجهٌ آخرُ وهو ما ذكَرْنا من أمر الظُّروف المستَحِقَّة لبِناء أواخِرها على حركةٍ لالتقاء الساكنيْنِ كأَيْنَ وأيَّانَ وقد بُنِيَا على الفتح وأحدُهما من ظُروف الزمانِ والآخَرُ

٨٤

من ظرُوف المكانِ وشاركتْهما الآنَ في الظرفِية وآخِرها مستَحِقٌّ للتحريكِ لالتقاء الساكنيْنِ ففُتحِ تشبيهًا بهما* ومعنى الآنَ أنه الزمانُ الذى كان يقَع فيه كلامُ المتكلِّم وهو الزمان الذى هو آخِرُ ما مضَى وأوّلُ ما يأتِى من الأزمنة* قال الفراء* فيه قولانِ أحدُهما أن أصله من قولك آنَ الشىءُ يَئِين ـ اذا أتَى وقتُه كقولك آنَ لك أن تفْعلَ وأنَى لكَ وأنَالَ لك أن تفعل ـ أى أنَى وقتُه وآخِرُ آنَ مفتوح لأنه فِعْلٌ ماضٍ فزعم الفراء أنهم أدخلُوا الألفَ واللامَ على آنَ وهو مفتوح فتركُوه على فتحِه كما يُرْوَى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نَهىَ عن قِيلَ وقالَ وقِيلَ وقالَ فِعْلان ماضِيانِ فأدخلَ عليهما الخافِضَ وتركَهُما على ما كانا عليه* والقول الثانى أن الأصل أوَانَ ثم حذَفُوا الواو فبقى آنَ كما قالوا رَيَاحٌ وراحٌ والذى قاله الفراء خطأ أعنى الوجهَ الاوّل من الوجهين لأن الألف واللامَ ان كانتا للتَّعْريفِ كدُخولهما في الرجُل فليس لَانَ الذى هو فِعْلٌ فاعلٌ وان كانتَا بمعنى الذى لم يجُز دُخولهما الا في ضرورةٍ كاليُجَدَّع فان قال قائِل يكونُ فيه ضميرُ المصدَر كما أُضْمِر في قِيلَ وقالَ فالجوابُ في ذلك أن ما يُحْكَى تدخُل عليه العوامِلُ ولا تدخُل عليه الألفُ واللامُ لأن العوامِلَ لا تغيِّر معانِىَ ما تدخُلُ عليه كتغييرِ الألف واللامِ ألا ترى أنا نقُول نصبْتا اسمَ إن بانّ ورفعنَا بكانَ ولا تقول نصبْناه بالانّ ورفَعْناه بالْكَانَ وأما ما شبَّهه به من نَهيه عليه‌السلام عن قِيلَ وقالَ فغير مُشَبّه به لأنه حكايةٌ والحكاياتُ تدخُل عليها العواملُ فتُحْكَى ولا يدخُل عليها الألف واللامُ ألا ترى أنا نقول مرَرْت بتأبَّط شرًّا وبِبرَقَ نحْرُه ولا تقول هذا التَّأبَّطَ شرًّا وانما حُكِىَ قيِلَ وقالَ عِنْدى من قِبَل أن فيهما ضميرًا قدْ أُقِيم مُقامَ الفاعِل ومتى ورَدَ الفِعلُ ومعه فاعِلُه حُكِىَ لا غَيْرُ كما ذكرْنا في تأبَّط شَرًّا وبَرَقَ نَحْرُه وأمّا ما ذكره من الرَّاح والرَّيَاح وأن أصْلَه أوَانَ فليس ذلك تعليلا لِبنائِه على الفتح وانما كلامُنا في بِنائه ومن ذلك شَتَّانَ ومعناه بَعُدَ من الشَّتِّ ـ وهو التفرُّق والتَّباعُدُ يقال شَتَّانَ زيدٌ وعمرٌو وشَتَّان ما زيْدٌ وعمرٌو فمعناه تَباعَدَ وتفَرَّق أمرُهما قال الشاعر

شَتَّانَ هذا والعِنَاقُ والنَّوْمْ

والمَشْرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْمْ

ويروى ... في الظِّلّ الدَّوْم قال الاعشى

٨٥

شَتَّانَ ما يَوْمِى على كُورِها

ويَوْمُ حَيَّانَ أخِى جابِرِ

وكان الأصمعى يأبَى شَتَّان ما بيْن زيدٍ وعمْرِو وينشدُ بيتَ الأعشَى الذى ذكرناه ويردّ قولَ رِبيعةَ الرَّقِّىِّ ويقول ليس بحجة وهو قوله

لَشَتَّانَ ما بيْنَ اليَزِيدَيْنِ في النَّدَى

يَزِيدِ سُلَيْمٍ والأغَرِّ بنِ حاتِمِ

وزعم الزجَّاجُ أن الذى أوْجَب له البِناءَ أنه مصدَر جاء على فَعْلانَ فخالف أخواته فبُنِى لذلك* قال* وقد وجَدْنا فَعْلانَ في المصادِر قالوا لَوَى يَلْوِى لَيَّانًا قال الشاعر

تُطِيلِينَ لَيَّانِى وأنْتِ مَلِيَّةٌ

وأُحْسِنُ يا ذاتَ الوِشَاح التَّقاضِيَا

فلقائل أن يقُولَ إن لَيَّانا مصدرُ فِعْل مستَعْمَلٍ له وهو قولك لَوَى يَلْوِى لَيَّانا وليس كذلك شَتَّانَ لأنك لا تَقُول شَتَّ يَشُتُّ شَتَّانا فهو مع خروجه عن أمثلةِ المصادِر غيرُ منطوقٍ بالفِعْل المأخُوذِ منه وذكر بعضُ أهل العلمِ باللغة أن شَتَّ الذي شَتَّانَ في معناه انما هو فَعُلَ كان أصله شَتُت فنَزَعُوا الضمةَ وأدغمُوا ومثله قولهم سَرْعانَ ذَا إهالةً يريدُونَ سَرُع ذا إهالةً فجرى سَرْعانَ مَجْرَى سَرُع ففُعِل به ما فُعِل بشَتَّانَ حين كان في معنى شَتَّ وسَرْعانَ ذا إهالةً مثلٌ أن أحدَ حمْقَى العربِ فيما رُوِى اشترى شاة فسالَ رُعَامُها فتَوهَّمه شَحْما مُذَابا فقال لبعضِ أهلِه خُذْ من شاتِنا إهالَتَها فنظَر الى مُخَاطِها فقال سَرْعانَ ذا إهالةً والاهالةُ ـ الشَّحْم المُذَاب* أبو حاتم السِّجِسْتانى* وقد ذكر شَتَّانَ فزعم أنه بمنْزِلة سُبْحانَ وهذا وَهَم لأن سُبْحانَ عند النحويين منصوبٌ مُعْرَب إلا أنه لا يَنْصَرِف لأنه معرِفة ولأن في آخِره نُونا وألفًا زائدتَيْنِ وانتصبَ لأنه مصدرٌ ولم ينَوَّن لأنه لا ينصرف قال أميةُ بنُ أبى الصَّلْت

سُبْحانَه ثم سُبْحانًا يعُودُ له

وقبْلَنا سَبَّح الجُودِىُّ والجُمُد

الجودِىُّ والجُمُد ـ جبلانِ وسُبْحانا فيه وجهانِ أحدُهما أن يكونَ نُوِّن للضرُورة كما يُصْرَف ما لا ينْصرِف في الشعر والآخر أن يكون نكِرةً فأعرَبه وأما إبَّانَ ذلك وإفَّانَ ذلك والمعنى فيهما مُتقارِب فهما مُعْرَبان مضافانِ الى ما بعدهما كقولك جِئْت على إفَّانِ ذلك وجِئْت في إبَّانه ـ أى في وَقْتِه واذا لم تُدْخِلِ الجارَّ نصبْتَ على الظرف فقلتَ جِئْت إبَّانَ ذلك

ومن ذلك هَلُمَّ* قال سيبويه* هَلُمَّ وما أشبَهها من أسماء الفِعْل لا تدخُلُها

٨٦

النونُ الثقيلةُ ولا الخفيفة* قال أبو على* اعلم أن في هَلُمَّ لغتين احداهُما وهو قولُ أهلِ الحجاز ولغةُ التنزيل أن تكون فَى جميع الاحوال الذكرِ والمؤنَّثِ والواحدِ والاثنينِ والجماعةِ من الرجالِ والنساءِ على لفظٍ واحدٍ لا تظهَر فيه علامةٌ لتثنيةٍ ولا جمعٍ كقوله تعالى (هَلُمَّ إِلَيْنا) فيكون بمنزلة رُوَيْدَ وصَهْ ومَهْ ونحوِ ذلك من الاسماء التى سُمِّيتْ بها الأفعالُ وتستعمل للواحد والجميع والتأنيث والتذكير على صورةٍ واحدةٍ والأخرَى أن تكون بمنزلة رُدَّ في ظهور علامات الفاعلينَ على حسَب ما يظهَر في رُدّ وسائِر ما أشبهها من الأفعال وهى في اللُّغةِ الأُولى وفي اللُّغةِ الثانية اذا كانت للمخاطَب مبنِيَّةٌ مع الحرف الذى بعدها على الفتح كما أنّ هل تفعَلَنّ مبنىٌّ مع الحرف على الفتح وان اختلف موقِعُ الحرفين في الكلمتَيْنِ فكان الحرف في احداهما مقدَّما وفي الأُخْرى مؤخَّرا ولم يمنعهما من الاجتماع فيما اجتمعا له من كونهما مع الحرفين مبنِيَّن على الفتح فامّا الهاء اللاحِقُ لها أوّلا فهى من ها التى للتنبِيه لَحِقت أوّلا لأنَّ لفَظْ الأمْر قد يحتاج الى أمْر المأمورِ واستدعائِه لِاقْباله على الأمْرِ فهو لذلك مثل المنادَى ومن ثَمَّ دخل حرفُ التنبيه في قوله تعالى (أَلَّا يَسْجُدُوا) ألا تَرى أنه أمْر كما ان هذا أمْر وقد دخَل هذا الحرفُ في جُمل أُخَرَ نَحو (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ) فكما دخلَ في هذه المواضِع كذلك لحِقَ لُمَّ إلا أنه كَثُر الاستعمالُ معَها فغُيِّر بالحذفِ لكثرة الاستعمالِ كاشياءَ تُغَيَّر لذلك بالحذف نحو لم أُبَلْ ولا أَدْرِ ولم يَكُ ومَا أشبه ذلك مما يُغَيَّر للكثرةِ وقد قرأ بعض القراء هَأَنْتم هؤُلاء فحذف هذه الألفَ فاذا حذفَها في هذا الموضِع مع أنه لم يكثُرْ كثرةَ ما علمتك كان حذفُه هُناك أجدَرَ ولا يستقِيمُ لمن ضَعُف نظرُه ان يستدلَّ بحذف هذه الألف على أنها في الحُرُوف زائدةٌ ألا تَرَى أن الحذْف قد لَحِقَ ما أعلمتك من الأُصُول لكثرةِ الاستعمالِ وما مُحَال أن يكونَ زائدا فكذلك الألفُ هنا ومما حَسَّن حذفَ الألفِ من ها فى هَلُمَّ أنها في موضِعٍ كان يجب أن تسقُطَ في لأصل لالتقاءِ الساكنَينِ ألَا تَرى أن فاءَ افْقُلْ كانت في موضِعٍ سكونٍ قبل الادْغامِ وقد نَجِد الحركة التى تُلْقَى عن الحرف لحَرف غيرهِ لا يخرجُ الحرف بها عن أن يكونَ في نِيَّة سكونٍ يُدلُّك على ذلك تركُهم قلبَ الواو في مَوَلةٍ فحسُن الحذفُ لسُكون الألفِ ولأن الفاء كأنَّها ساكِنةٌ

٨٧

كما كانت الواوُ في مَوَلَةٍ كأنها ساكِنةٌ ولو لا ذلك لوجَبَ الاعْلال والقلبُ فمن حيْثُ لم يجبِ القلبُ حسُن الحذفُ في الالف من هَلُمَّ وحسُن الحذفُ فيها أيضا لكونهما كالكلمة الواحدةِ كأنهما لما بُنِيَا على الفتْح صارا من الأسماء كخمسةَ عشرَ ومما يدل على أنهما كالكلمة الواحدة أنهم اشْتَقُّوا منهما جميعا فِعْلا كما يُشْتَقُّ من الحرف المفْرَد* قال الاصمعى* اذا قال لكَ هَلُمَّ فقلْ لا أُهَلُمُّ ألا تَرَى أنهم قد أجْرَوْهما مُجْرَى ما هو شئٌ واحد حيث اشتَقُّوا منهما فان قلت وكيفَ يكونُ أُهَلِمُّ هذا الذى حكاه الأصمعىُّ فِعْلا وهل جاء مثال من كلامهم يُؤْنَسُ به فقد قالوا أنَا أُهَرِيقُ وهو مضارعُ هَرَقْت وليس بمضارعِ أرَقْت ألا تَرَى أن الوزنين واحدٌ وهذا الذى حكاه الاصمعى غيرُ خارجٍ مما هو في كلامهم سائغٌ* قال* ان شئت جعلت أُهَلِمُّ من باب هَلَّل ولَبَّى فيكون انتظامُك في اشتِقاقٍ منه من الحرفين كهذا الضَّرْب ويدُلُّك على حُسْن هذا الوجه واستقامتِه أنهم قد أجْرَوْا هَلُمَّ مُجْرَى الأصوات بدِلالة تركِهم لها على صورةٍ واحدةٍ في الاحوال كلها وهذه الأصوات يشتَقُّون منها كما يشتَقُّون من الكلمتين وما جرى مَجْراهما* قال* وحُكِى عن الفراء أنه قال في هَلُمَّ إن أصله هَلْ أُمَّ وأُمَّ من قَصْدت والدليل على فَسادِ هذا القولِ وفَسَالتِه أنه لا يخلُو من أحد أمريْنِ إما أن تكون هل بمعنى قَدْ وهذا يدخُل في الخبَر وإما أن تكونَ بمعنى الاستفهام وليس لواحد من الحرفين متعَلَّق بهَلُمَّ ولا مدخَلٌ ألا ترى أنها يرادُ بها الأمرُ دُونَ غيره والدليل على ذلك تثنيةُ مَن ثنَّاها وجمعُ من جَمَعها ولا وجْهَ لهَلْ ههنا ألا ترى أنه لا يكونُ هلِ اضْرِبْ وأنت تأمرُ كما لا تقول قد اضْرِبْ وأيضا فان أُمَّ بعدها لا تخلو من أن تكونَ مثل رُدَّ ومُدَّ وأُنّ أو تكون مثَل فُعِلَ اذا أَخْبرت فلا يجوز على قوله أن تكونَ التى للأمْر من حيثُ لا تقولُ هل اضْرِبْ ولا هل اقْتُلْ ونحوه ولا يجوز أن تكون بمعنى فُعِل لأن ذلك للخبر والخبَر لا وجْهَ له هنا لأن المراد الأمرُ فان قال قائل ما تُنْكِر أن يكونَ اللفظُ لفظَ الخبَر والمعنى معنَى الأمر مثلُ رحِم اللهُ زيدا ونحوِه فانَّ كوْنَ الكلمةِ واستعمالَهم إيَّاها في الأمر يمنَع ذلك ألا تَرى أن من قال رحِمَ اللهُ زيدا فأراد به الدُّعاءَ لم يُدْخِل هلْ عليه فلم يقلْ هَلْ رحِمَ اللهُ ولا هل لَقِيتَ خيرا وهو يُرِيد الدعاءَ وهذا قولٌ فاسدٌ جِدًّا لا يجب

٨٨

أن يُعرَّج عليه والقولُ فيه ما قد تقدّم ذكره* ابن السكيت* اذا قال لَكَ هَلُمَّ الى كذا وكذا قلتَ إلَامَ أَهَلُمَّ واذا قال هَلُمَّ كذا وكذا قلت لا أَهَلُمُّه مفتوحةَ الألف والهاء ـ أى أُعْطِيكه* ابن دريد* هَلْمَمْت بالرجُل ـ قلت له هَلُمَّ (حَىَّ هَلْ) * أبو عبيد* يقال حَىَّ هَلْ بفُلانٍ بجزْم اللامِ وحَىَّ هَلَ بفلان وحَىَّ هَلاً بفلان* قال* وسمِع أبو مَهْدِيَّةَ رجلا يقول بالفارسيَّة لرجل زُوذْ زُوذْ فقال ما يقول فقيل يقول عَجِّلْ عَجِّلْ قال أفلا يقول حَىَّ هَلَكَ* قال سيبويه* أما حَيَّهَلْ التى للأمر فمن شيئين يُدُّلك على ذلك حَىَّ على الصلاةِ وزعَم أبو الخَطَّاب أنه سمِع مرةً بعضَ العرب يقول حَىَّ هَلَ الصلاةَ والدليلُ على أنهما جُعِلا اسمًا واحدا قول الشاعر

وهَيَّجَ الحَىَّ مِن دارٍ فَظَلَّ لهُمْ

يومٌ كَثِيرٌ تَنادِيهِ وحَيَّهَلُهْ

والقَوافى مرفوعةٌ* قال* أنشدَناه هكذا أعرابىٌّ من أفصحِ الناس وزعم أنه شعرُ أبيه* قال أبو على* فأما قوله

بِحَيَّهَلاً يُزْجُونَ كلَّ مَطِيَّةٍ

أمَامَ المَطَايَا سَيْرها المَتقاذِفُ

فانه جعله اسمًا للكلِمة المزْجُور بها* قال سيبويه* ومن العرب من يقول حَيَّهَلَ حَيَّهَلَ اذا وصل واذا وقف أثبتَ الألفَ ومنهم من لا يثبِتُ الألف في الوقْف والوصْل قال سيبويه* تقول رُوَيْدَ زَيْدا وإنما تُرِيد أرْوِدْ زيدا قال الهذلى

رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ ما ثَدْىُ أمِّهمْ

اليْنَا ولكِنْ ودُّهُمْ مُتَمايِنُ

* قال* وسمعنا من العرب مَن يقُول واللهِ لو أردْتَ الدَّراهمَ لأعطيتُكَ رُوَيْدَ ما الشِّعْرَ يُرِيد أرْوِدِ الشِّعرَ كقول القائل لو أردتَ الدراهمَ لأعطيتُك فدَعِ الشِّعرَ وقد تكون رُوَيْدا أيضا صِفةً كقولك سارُوا سَيْرا رُوَيدا* أبو عبيد* تكبيره رُوْد وأنشد

* كأنَّها مِثْلُ من يَمْشِى على رُودِ*

وليس هذا القسم من غرَض هذا الباب وتلحق رُوَيْدا الكافُ وهى في موضع افْعَلْ وهذه الكافُ انما لَحِقت لتبْيِين المخاطَب المخصوصِ وليست باسمٍ وانما هى ككاف النجاءَكَ وكافٍ أرأيتَكَ زيدًا ما حالُه وكاف ذلكَ وللنحويِّين فيه تعليلٌ لا يليق ذكره

٨٩

بهذا الكتاب لطُوله* قال سيبويه* وقد حدَّثنا من لا نَتَّهِمُ أنه سمِع من العرب من يقولُ رُوَيْدَ نفسِه جعله مصدَرا بمنزلة ضَرْبَ الرقابِ وعَذِيرَ الحَىِّ ونظيرُ الكاف فى رُوَيْد في المعنى لا في اللفظ لَكَ التى تجىءُ بعد هَلُمَّ في قولك هَلُمَّ لك فالكاف ههنا اسمٌ مجرور باللام والمعنى في التوكيد والاختصاص بمنزلة الكاف التى في رُوَيْد وما أشبهها كأنه قال هَلُمَّ ثم قال إرادتِى هذا لكَ فهو بمنزلة سَقْيًا لك وإن شئتَ هَلُمَّ لى بمنزلة هاتِ لِى* أبو عبيد* خاءِ بِكَ علينا وخاءِ بِكُما وخاءِ بكم ـ أى اعْجَلْ وأنشد

* بِخاءِ بِكَ الْحَقْ يَهْتِفُونَ وحَيَّهَلْ*

وكذلك للمؤنَّث* ابن دريد* كلمةٌ للعرَب يقولونَ للرجُل عند إمكانِ الأمْرِ والاغراءِ به هَيْسِ هَيْسِ وتقول هَيْكَ وهَيِّكَ ـ أى أسْرِعْ فيما أنتَ فيه* وقال* جمَالَكَ أن تفعَلَ كذا ـ أى لا تَفْعَلْه والزَمِ الأمرَ الاجمَل

ومما يُؤْمر به من المبنِيَّاتِ قولُهم

هاءَ يا فَتَى ومعناه تَناوَلْ ويفتحُون الهمزة ويجعلون فتحَها عَلَم المذكَّر كما تقول هاك يا فتَى فتجعل فتحةَ الكافِ علامَة المذكَّر ويُصَرِّفُونها تصريفَ الكافِ في للتثنِيَة والجمعِ والمؤنَّث ويقولون للاثنين المذكَّرين هاؤُمَا وللجميع هاؤُمُوا وهاؤُمْ قال الله تعالى (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) وللمؤنثة الواحدةِ هاءِ يا امرأةُ بهمزةٍ مكسورة بغير ياء ولجماعة المؤنَّث هاؤُنَّ يا نِسْوةُ وهى أجودُ اللُّغات وأكثَرُها وبها جاء القرآنُ ومنهم من بقول للرجل هاءِ يا رجل على وزن عاطِ يا رجل والاصل هاءِىْ بالياء ومثاله من الفعل فاعلْ كما تقول قاتِلْ يا رجل وسقطت الياءُ للأمْر ومثله هاتِ يا رجُل وتتصرف كما تتصرف هاتِ تقول للاثنين هائِيَا كما تقول هاتِيَا وللجماعة المذكَّرِين هاؤُا كما تقول هاتُوا وللمرأة هاءِى يا مَرْأةُ وللجماعة من النساء هائِيْنَ يا نِسوةُ فأما ما يروى أن علِيًّا رضى اللهُ عنه قال* أفاطِمَ هاءِ السيْفَ غَيْرَ مُذَمَّمِ * فيحتمل أن يكون من هذه اللُّغة وسقطتِ الياءُ منها لمجِىء اللامِ الساكنةِ بعدها ومنهم من يقول هاكَ يا رجُل وهاكُمَا يا رجلانِ وهاكُمَا يا مرأتانِ وهاكُمُوا يا رجالُ وهاكُمْ وهاكِ يا مَرْأةُ وهاكُنّ يا نِسوةُ ومنهم من يقول هَأْ يا رجلُ وهَا يا رجلانِ كما تقول طَأْ يا رجُل وطَا

٩٠

يا رجلانِ وهَبْ يا رجلُ وهَبَا يا رجلانِ وهَأُوا يا رجال كما تقول هَبُوا يا رجالُ .... (١) وهذه اللُّغة يُشبِه أن يكون فاءُ الفِعْل فيها واوا مثل وهَبَ يَهَب ومنهم من يقول هَا مهمُوزا وغير مهموز يا رجُلُ ويا رجُلانِ ويا رجالُ وهَا يا مرأةُ وها يا نِسْوَةُ جعلوه صوْتًا لم يُلْحِقوا فيه علامة الخطاب كقولهم طَهْ يا رجُلُ وطَهْ يا رجُلانِ وكذلك الجماعةُ والمؤنَّثُ وجماعتُها

ومن المبنيات العَدَد

من أحدَ عَشَرَ الى تِسعةَ عَشَرَ يكون النَّيِّف والعَشَر مفتوحينِ جميعا تقول أحدَ عَشَرَ وثلاثَةَ عَشرَ وتِسْعةَ عشَرَ والذى أوجب بناءَهما أن التقديرَ فيهما خمسةٌ وعشَرةٌ فحذفت الواوُ وتضمَّنتَا معناها فاختير لهما الفتْحُ لأنه أخفُّ الحركاتِ وبعضُ العرب يقول أحَدَ عْشَرَ لأنه قد اجتَمع فيه سِتُّ متحرِّكاتٍ وليس في كلامهم أكثَرُ من ثلاثِ حركات مُتَوالِياتٍ الا ما كان مُخَفَّفا والأصل غيره كقولهم عُلَبِطٌ وجَنَدِلٌ وذُلَذِلٌ وليس أكثَرُ من أربعِ حرَكات متوالِياتٍ في كلمة كانت أصْلا أو مخَفَّفة فلما صار أحدَ عَشَرَ بمحل اسمٍ واحدٍ خفَّفُوا الحرْف الرابعَ الذى بتحرُّكه يكون الخروجُ عن ترتيبِ حرَكات الأصُول في كلامهم ومن يَسكِّن العينَ في اللغة التى ذكرناها لا يسَكِّنها في اثنَىْ عَشَرَ لئلا يجتمع ساكنانِ وليس في كلامهم جمعٌ بين ساكنَيْنِ الا أن يكون الساكنُ الثانى بعدَ حرفٍ من حروفِ المدِّ واللِّين مُدْغَما في مثله نحو دابَّة وما أشبهها فان قال قائل هلَّا بنَيْتُم اثنىْ عَشَر على حدٍّ واحدٍ فلا تتغَيَّر في نصْب ولا رفْع ولا جَرٍّ كما فعلْتم ذلك في أخَواته قيل له من قِبَل أن الاثنين قد كان اعرابهما بالألف والياءِ وكانت النونُ على حالةٍ واحدةٍ فيهما جميعا كقولك هذانِ الاثنانِ ورأيت الاثنينِ ومررت بالاثنينِ فاذا أضفْتَ سقطت النونُ وقام المضافُ اليه مَقامَه ودخل حرفَ التثنية من التغييرِ في حال الرفْع والنصبِ والجرّ مع المضافِ اليه ما كان يدخُله مع النون فلما كان عَشَر في قولك اثنا عَشَر حَلَّ مَحلَّ النون صار بمنزلة المضافِ اليه ولم يَمْنع تغييرَ الألف الى الياءِ في النصْب والجرِّ وتقول في المؤنث إحْدَى عَشْرةَ وثِنْتا عَشْرةَ وان شئت اثْنَتا عَشْرةَ وتقول في ثمانِىْ عَشْرة ثمانِىَ عَشْرةَ بفتح الياء وهو

__________________

(١) بياض بالأصل

٩١

الاختيار عند النحويين وقد يجوز ثمانِىْ عَشْرة بتسكين الياء فأما مَن فتَحها فانه أجراها على أخَواتها لأنهما جميعا في عِدَّةٍ واحدةٍ وترتيبٍ واحدٍ وأما من سكَّنَها فشبَّههَا بمعدِىْ كَرِبَ وأيادِىْ سَبَا وقالِى قَلَا وأشباهِ ذلك وقد قِيل ثمانَ عَشْرةَ واعلم أنك اذا سَمَّيت رجُلا بخمسةَ عَشَر جاز أن تضمَّ الراءَ فتقول هذا خمسةَ عَشَرُ ورأيت خمسةَ عَشَرَ ومررت بخمسةَ عشَرَ تَجْرِيه مُجْرَى اسمٍ لا ينصَرِفُ ولك أن تَحْكِيَه فتفتَحَه على كل حالٍ والأخفشُ كان يَرَى إعرابَها اذا أضَفْتها وهى عدد فيقول هذِه الدَّراهمُ خَمسة عشَرُك وقد ذكر سيبويه أنها لغةٌ رديئة والعلة في ذلك أن الاضافةَ ترُدّ الاشياء الى أصُولها وقد علمت أن خمسةَ عَشرَ دِرْهما هى في تقدير التنوينِ وبه عَمِل في الدِّرْهم فمتى أضفْتها الى مالِكها لم يصلُح تقديرُ التنوينِ فيها لمعاقَبة التنوين الاضافةَ فصارت بمنزلة اسمٍ لا ينصرِفُ فاذا أُضِيف انصرَف وأُعْرِب بما كان يمتنِع به من الاعراب قَبْل حالِ الاضافة* وقال الخليل بْن أحمدَ* مَن يقولُ هذا خَمسةَ عَشَرُك لم يقلْ هذا اثنا عشَرُك في العدَد من قِبَل أن عَشَر قد قام مَقامَ النُّون والاضافةُ تُسقِط النونَ ولا يجوز أن يثبُت معها ما قامَ مَقام النون فان قال قائل فأضِفْ وأسْقِطْ عَشَرة كما تُسقِط النون قيل هذا لا يجوز من قِبَل أنا لو أسقَطْناه كما نُسقِط النونَ لم يَنْفصِل في الاضافةِ اثنانِ من اثنَىْ عشَرَ لأنك تقول فى اثنين هذا اثْناكَ فلو قلت في اثْنَىْ عشَرَ هذا اثناكَ لالتَبسَا فاذا كان اسم رجل جازتْ اضافتُه باسقاط عشَرَ

واعلم أن الفرّاء ومن وافقه يُجيز إضافةَ النَّيِّفِ الى العشرة فيقول هذا خمسةُ عَشَرٍ وأنشدوا فيه

كُلِّفَ من عَنَائِه وشِقْوتِهْ

بِنْتَ ثَمَانِى عَشْرةٍ من حِجَّتِهْ

وهذا لا يجيزُه البَصْريُّون ولا يعرِفُون البيت

واعلم أن العرب تقول هذا ثانِى اثنيْنِ وثالثُ ثلاثةٍ وعاشرُ عشْرةٍ وقد يقال ثانِى واحدٍ وثالثُ اثنينِ وعاشِرُ تِسعةٍ لأنه مأخوذ من ثَنَّى الواحدَ وثَلَثَ الاثنينِ وعَشَّرَ التسعةَ فان نوّنت فهو بمنزِلة قولك ضارِبٌ زيدا وان أضفْتَ فهو بمنزلة قولك ضارِبُ زيدٍ ولا يجوز التنوينُ في الوجه الأوّل اذا قلت ثالثُ ثلاثةٍ لأنك أردتَ به

٩٢

أحَدَ ثلاثةٍ وبعضَ ثلاثةٍ ولا يجوز التنوينُ مع هذا التقدير في قولِ أكثرِ النحويّينَ لأنه لا يكون مأخوذا من فِعْلٍ عامل وإذا قلت هذا عاشرُ عَشرةٍ قلت هذا حادِىْ عَشَرَ بتسكين الياء ومنهم مَنْ يقول هذا حادِىَ عَشَرَ بفتح الياء فأما من سكْن الياء من حادِىْ فتقديرُه هذا حادِى أحَدَ عَشَرَ كما تقول هذا قاضِى بَغْدادَ وحَذَفَ أحَدَ تخفيفا لدلالةِ المعنَى عليه وأما مَن فتَح فانه بنَى حادِىَ عَشَرَ حينَ حذَف أحدَ فجعَل حادِىَ قائما مَقامَه فان قال قائل فلم قيل حادِىْ عشَرَ وهو فاعل من واحِدٍ وهلا قالوا واحِدَ عشَرَ وآحِدَ عشَرَ من لفظ أحَد ففي ذلك جوابانِ أحدُهما أنه مقلوبٌ من واحدٍ والواو من واحدٍ في موضع الفاء منه فجُعِلت الفاءُ منه في موضعِ اللام فانقلبت الواوُ ياء لانكسارِ الدالِ وتقديرُه من الفعل عالِفٌ والقَلْب في كلامهم كثيرٌ كقولهم شائِكُ السلاحِ وشاكِى السِّلاحِ وكقولهم لائِتٌ ولاثٍ وكما قال الشاعر

خَيلانِ من قَوْمِى ومن أعدائِهِمْ

خفَضُوا أسِنَّتَهُمْ فكُلٌّ ناعِى

* قال أبو عبيدة* أراد نائِع ـ أى مائلٌ أو عَطْشان من قولك جائِعٌ نائِعٌ* قال الاصمعى* انما أراد الناعِى من نَعَى يَنْعَى والقول الثانى في حادِى أنه يتْبَع العشَرةَ ويَحْدُوها مثلُ حادِى الابلِ ـ وهو الذى يتْبعُها فيَسُوقُها وتقول في المؤنَّث مِن هذا هذه حادِيةَ عَشْرةَ وحادِيةٌ عَشْرةٌ وحادِيةُ إحْدَى عَشْرةَ بالضم لا غير الى تِسْعَ عَشْرةَ على هذا المِنْهاج وعلة وُجُوهِ الاعراب كعلة المذكَّر فاذا دخلتِ الألفُ واللامُ فى شئ من هذا تركُوه على حاله تقول الجادِىْ عَشَرَ والحادِى أحَدَ عَشَر لا غيْرُ كما لا تُزِيل الخَازِبازِ عن بنائِه اذا قلت هذا الخازِبَازِ فاعلم وسأذكُره في موضعه ان شاء الله تعالى فأمَّا مَن يقول هذا ثالثُ اثنيْنِ وعاشرُ تِسعةٍ فان كثيرا من النحويين يمنعُون أن يقال فيما جاوز العشَرةَ من هذا وذلك أن القوم اذا كانوا تِسعةً فصِرْت عاشِرَهم جاز أن تقول عَشَرتهم واذا كانوا عَشَرةَ فكَمَّلتهم أحدَ عَشَر كما كان لك فِعْل مشتَقٌّ في تكمِيلك التِّسعةَ عَشَرةَ فلم يكن لك اسمُ فاعِل فيما جاوَزَ العشَرَة وهذا هو القِياس ومنهم من يُجِيزُه ويشتَقُّه من لفظ النَّيِّف فيقول هذا ثانٍ أحدَ عَشَرَ وثالثٌ اثنَىْ عشَرَ وينونه وانما جاز له أن يشْتقَّ من لفظ النَّيِّف من قِبَل أن العشَرة معطوفةٌ على النِّيف فاذا قلت ثلاثَةَ عشَرَ فمعناه ثلاثةٌ وعَشرةٌ ويشتَفُّه من الأوِّ

٩٣

ويجعل الثانِىَ عطفا عليه وقد حُكِى نحوٌ من هذا عن العرب قال الراجز

* أنْعَتُ عَشْرا والظَّلِيمُ حادِى*

أراد الظليم حادِى عشَرَ ومن ذلك لعَددُ من واحِدٍ الى عشَرةٍ تقول واحدْ اثنانْ ثلاثهْ أربعهْ بتسكين أواخِر الاعداد الى العشَرة فان قال قائل ولم سُكِّنتْ فالجواب في ذلك أن هذه الأعدادَ اذْ عُدَّ بها لم تقَعْ فاعِلةً ولا مفعولَةً ولا مبتدَأةً ولا خبَرًا ولا في جملةٍ كلامٍ آخرَ والاعراب في أصله للفرْق بين اسمين في كلامٍ واحدٍ أو لفظين مجتمعين في قِصَّة لكل واحدٍ منهما غيرُ معنَى صاحبه ففُرِق بين إعرابَيْهما للدلالة على اختلافِ معناهما أو يكون الاعرابُ لشئ محمولٍ على ما ذكرنا فلما لم تكن هذه الأعداد على الحَدِّ الذى يستوجِب الاعرابَ ولا على الحدّ الذى يُحمَل على ما استوجَب الاعراب سُكِّنَّ وصُيِّرن بمنزلة الاصوات كقولك صَهْ ومَهْ وبَخْ بَخْ ويجوز أن تقولَ واحدِ اثنانِ فتكسر الدالَ من واحِد فان قال قائل لَمِ كُسِرَت الدالُ ألِالْتقاء الساكنين أم أُلقِيَتْ كسرةُ الهمزة على الدال ولا يجوزُ أن تكون الكسرةُ لالتِقاء الساكنين مِن قِبَلِ أنّ كلَّ كَلمِة من هذه القضيَّة يُقضَى عليها بالوقْف واستِئنافِ ما بعدَها كأن لم يتقدَّمْه شئٌ وألفُ القطْع والوصلِ يستوِيَانِ في الابتداء ويَثْبُتانِ ألف اثنان ثابتةٌ اذ كان التقدير فيها أن تكونَ مبتدَأة فهى بمنزلةِ ألفِ القطْع وألِفُ القطع يجوز إلقاء حركتِها على الساكنِ قبْلَها فلذلك كانت الكسرةُ في الدال من واحدِ هى الكسرةُ التى أُلقِيتْ عليها من همزةِ اثنانِ ويدل على صِحَّة هذا أنهم يقولون في هذا اذا حذفُوا الهمزةَ ثلاثَه أربعَهْ فيحذفُون الهمزةَ من أربعةٍ ولا يقلِبُون الهاءَ في ثلاثةٍ تاء من قِبَل أنّ الثلاثةَ عندهم في حُكم الوقْف والأربعةُ فى حكم الكلام المستأنَفِ وإنما تنقلب هذه الهاء تاء اذا وُصِلَت فلما كانت مقدَّرة على الوقف بقِيتْ هاءً وإن أُلْقِيت عليها حركة ما بعدها كما تكونُ هاءً اذا لم يكُنْ بعدها شئٌ فان قال قائل لم قالوا اثْنانْ فأثبتُوا النونَ في العَدَد ومن قولكم انما تدخل النُّونُ عِوَضا من الحركة والتنوينِ وهذا موضع يُسَكَّن فيه العدَدُ فانّ الجواب في ذلك أن اثنان لفظٌ صِيغَ تَثْبُت النونُ على معناه ولم يَقْصِدْ الى لفظ اثْنٍ يضُمُّه الى مثله اذْ كان لا ينطَقُ باثنٍ ولكنَّه لما كان حكم التثنيةِ في الأشياء التى يُنْطَق

٩٤

بواحدها متَى ثُنِّيت أن تزاد النونُ فيها عِوَضا من الحركة والتنوين وقد جاء اثنان وان لم يُنْطَق باثْنٍ حُمل على ما يجىءُ عليه الشىءُ المنطوق بواحده وان لم يكن له واحد فيه حركةٌ وتنوينٌ وثبتَتْ هذه النونُ على كل حال إلا أن تُعاقِبهَا الاضافةُ ومن ذلك حروفُ التَّهَجِّى اذا تَهَجَّيت تقول ألِفْ بَا تَا ثَا تَقْصُرها وفي زاىٍ لغتانِ منهم من يقول زاىْ بياء بعد ألفٍ كما تقول واوْ بواو بعد ألفٍ ومنهم من يقول زىْ وانما وُقِفَت هذه الحروفُ اذا قطَّعتها على هذا النحوِ لأنها تشبِه الأصواتَ ولأنك لم تُحَدِّثْ عنها ولم تَحدِّث بها ولا جعلت لها حالةً تستحِقُّ الاعرابَ بها كما فَعَلْنا فى العدد وان تَهَجَّيت اسما فانَّك تُقَطِّع حُروفَه وتَبْنِيها على الوقْفِ كقولك اذا تهجَّيت عَمْرا عيْنْ مِيمْ راءْ وان كان شئٌ من هذه الحُروف بعد هَمْزة جاز أن تُلْقِىَ حركَة الهمزة عليه وتحذفها كقولك في هِجاءِ عامِرٍ عَيْنْ ألفْ مِيمْ راءْ ويجوز أن تقول عينَ ألِفْ مِيمْ راءْ فتحذف الهمزة وتحرِّك النون من عيْن قال الراجز

أقْبَلْتُ من عِنْد زِيادٍ كالخَرِفْ

تَخُطُّ رِجْلاىَ بِخَطٍّ مُختَلِفْ

* تُكَتِّبانِ في الطريقِ لامَ الِفْ*

ويروى تَكَتَّبانِ فألقى حركةَ الهمزةِ من ألِفْ على الميمِ من لام وحذف الهمزةَ فمن رَوَى تُكَتُبانِ أراد تَكْتبانِ ـ يعنى تُؤَثِّرانِ لام ألف ومن روى تَكَتَّبانِ أراد تَتَكتَّبان ـ أى تَصِيران هُما كلام ألف* قال سيبويه* اذا قُلْت في باب العدَد واحِدْ اثنانْ جاز أن تُشِمَّ الواحِد الضمَّ فتقول واحد اثنانْ ولا يجوزُ ذلك في الحُرُوف اذا قلت لامْ ألفْ أو نحوهما* قال* والفصلُ بينَهما أن الواحد متمكِّن في أصله والحُروفُ أصواتٌ متقطِّعة فاحتمل الواحِد من إشمامِ الحركة لماله من تمكُّن الأصل ما لم يحتَمِلْه الحرفُ فاذا جعلتَ هذه الحروفَ أسماءً وأخبرتَ عنها وعَطفْت بعضها على بعض أعربْتَها ومدَدت منها ما كان مقصُورًا وشدّدت الياءَ من زَىْ في قول من لا يثبت الالِفَ قال الشاعر يذكر النحويين

اذا اجتمعُوا على ألِفٍ وباءٍ

وتاءٍ هاجَ بينهمُ قِتالُ

وانما فعلُوا ذلك من قِبَل أنها اذا صُيِّرت أسمَاءً فلا بُدَّ من أن تجرىَ مَجْراها وتُعْطَى حكمَها وليس في الأسماء المعربَةِ التى يدخُلها الاعرابُ اسمٌ على حرفينِ الثانى من

٩٥

حروف المدِّ واللّينِ واو أو ياء أو ألف لأن التنوين اذا دخله أبطلَهُ لالتقاء الساكين فيبقى الاسمُ على حرفٍ واحدٍ وهو إجحافٌ شديدٌ وقد جاء من الاسماء المعرَبة ما هو على حرفيْنِ والثانِى من حُروف المَدِّ واللِّينِ غيْرَ أنّ الاضافةَ تلزمُه كقولهم هذا فُو زيدٍ ورأيت فَا زيدٍ ورُبَّما اضطُرَّ الشاعر فيجِىء به غيرَ مُضاف قال العجاج

* خالَطَ من سَلْمَى خَيَاشِيمَ وفَا*

فلمَّا كان الأمرُ على ما وصفْنا وجُعِلت هذه الحروفُ أسماءً زِيد في كلِّ واحدٍ منها ما يكمُل به اسما وجُعِلت الزيادة مشاكِلةً لآخر المَزِيد فيه تقول في يا ياءٌ وتكون الهمزة مشاكلةَ الألفِ وفي زَىْ زَىٌّ ومما يدل على صِحَّة هذا المعنى قول الشاعر فى لَوِ التى هى حرف حينَ جعلها اسما

لَيتَ شِعْرِى وأينَ مِنِّى لَيْتٌ

إنّ لَيْتا وإنّ لَوًّا عَنَاءُ

ويُجِيز الفرَّاء في هذه الحروفِ اذا جُعِلت أسماءً القصْرَ والمدَّ فيقول هذه حَا فاعلم ويَا فاعلم ويثنّى فيقول حَيَانِ ويَبَانِ فلا يزيد فيها شيأ وقد بيَّنا صِحَّة القول الأوّلِ ويفرُق الفراء بين هذه الاسماءِ المنقولةِ عن أحوالٍ لها هى غيْرُ متمكِّنة فيها وبينَ ما يُصاغُ من الكلام متمَكِّنا في أوّل أحواله والقولُ الأوّل أقوَى ومن ذلك خازِبَاز وفيه سبْعُ لُغاتٍ وله خمسةُ معانٍ فأما اللُّغاتُ التى فيها فيُقال خازِبَازِ وخازَبازَ وخازَبازُ وخأْزُبأزُ وخازبازٍ وخازَبِاءُ مثل قاصِعاءَ ونافِقاءَ وخِزْبازٌ مثل كِرْباس وأما معانِيها (١) فخازِبازِ ـ عُشْب وهو أيضا داءٌ يكونُ في الأعناق واللهازِمِ والخازِبَازِ أيضا ـ الذُّباب وقالوا الخازِبَاء ـ السِّنَّوْر وهو أعرفُ فيه فالحُجَّة على أنه العُشْب قول الشاعر

* والخازَبَازَ السَّنِمَ المَجُودَا*

وقال آخر

تَفَقَّأ فوْقَه القَلَعُ السَّوَارِى

وجُنّ الخازِبازِ بِهِ جُنُونا

فهذا يحتمل أن يكون العُشْبَ ويحتمل أن يكونَ الذُّبابَ يقال جُنَّ النبت ـ اذا خرَج زَهْرهُ وجُنّ الذُّبابُ ـ اذا طارَ وهاجَ وقال المتلمس

فهذا أوانُ العِرْضِ جُنّ ذُبابُه

زَنابِيرُه والأزْرقُ المتَلَمِّسُ

__________________

(١) قوله وأما معانيها الخ لم يذكر منها الا أربعة وذكر خامسها في القاموس وهو حكاية صوت الذباب فانظره اه كتبه مصححه

٩٦

ويروى حَىَّ ذبُابهُ وقال في الداء

مثلُ الكلابِ تَهِرُّ عِنْد دِرَابِها

وَرِمتْ لهازِمُها من الخِزْبازِ

وأمّا مَن قال خازِبَازِ فانه جعلهما اسميْنِ وكسَر كلَّ واحدٍ منهما لالتقاء الساكنين وضَمَّ آخِرَه حين صَيَّرهما كشئ واحدٍ (١) كما تقول مَعْدِى كربُ الا أنه اضْطُّر الى تحريك الاول للساكنيْنِ ولم يكن ذلك في معدِى كربَ لتحرُّك ما قبْل الياء الساكنة في معدِى كَرِبَ ومن قال خازُبازٍ أضاف الأول الى الثانِى كما تقول بَعْلُ بَكٍّ* واذا دخلت الخازِبازِ الالفُ واللامُ في هذه الوجوه التى تُبْنَى فيها تُرِك على بنائِه كما قال «وجُنَّ الخازِبازِ» وأما من قال الخازِباءُ فانه بَنَاه اسما كالقاصِعَاء والنافِقَاء ومن قال الخِزْباز فانه عنْدِى كِكرْباس ويكون منصَرِفا في جميع وجُوه الاعراب كما يكون الكِرْباس ومن ذلك قولهم عِنْد الدُّعَاء وسُؤال الحاجةِ آمِينَ وأَمِينَ يُخَفّفان مقصورٌ وممدود قال الشاعر

* أَمِينَ فزادَ اللهُ ما بيْننا بُعْدا*

فقصَر وقال آخر في المدِّ

يا ربِّ لا تَسْلُبَنِّى حُبَّها أبدًا

ويرحَمُ اللهُ عبْدا قال آمِينَا

وانما بُنِيا وفتح آخرُهما من قِبَل أنهما صوتانِ وقَعا معًا موقِعَ فِعْل الدعاء وهو أنك اذا قلت أَمِينَ فمعناه استجِبْ يا ربَّنا كما وقع صَهْ ومَهْ في معنى اسكتْ وكُفَّ وفُتِح لالتقاء الساكنينِ ولم يُكْسر استثقالا للكسرة مع الياءِ كما قالوا مُسلِمينَ

ومما جاء من الاسمينِ اللذيْنِ جُعِلا اسمًا واحدا وآخِرُ الاول منهما ياء مكسورٌ ما قبلها مَعْدِى كرِبَ وأيادِى سَبَا وقالِى قَلَا وثمانِى عَشْرةَ وبادِى بَدَا فأمَّا مَعْدِى كربَ فاسمٌ عَلمٌ وفيه لُغات يقال مَعْدِى كَرِبُ ومَعْدِى كربٍ ومَعْدِى كرِبَ فأما مَنْ قال مَعْدِى كَرِبُ فانه جعله اسمًا واحدا وجعل الاعراب في آخره ومنَعه الصَّرفَ للتعريف والتركيب وسواء في هذا الوجه قدَّرته مدَكَّرا أو مؤنَّثا ومن قال مَعْدِىْ كرِبٍ أضافَ مَعْدِىْ الى كرِبٍ وجعل كَرِبا اسمًا مذكَّرا ومن قال مَعْدِىْ كَرِبَ على كل حالٍ فانه على وجهين الأول أن يجعلَهما اسمًا واحدا فيكون مثلَ خمسةَ عَشَرَ .... (٢) كانا مبْنِيَّين على الفَتْح قبل التسمية ثم حُكِيا في التسميَة والثانى

__________________

(١) قوله وضم آخره الخ عبارة اللسان ومن أعربه نزله بمنزلة الكلمة الواحدة فقال خاز باز اه وهي أوضح

(٢) بياض بالاصل

٩٧

أن يُجْعَل مَعدِىْ مضافًا الى كَرِبَ ويجعل كَرِبَ اسما مؤنَّثا معرفِةً* وأمَّا قالِى قَلَا فانك تجعله غير مُنَوَّن على كل حال الا أن تَجْعَل قالِى مضافًا الى قَلَا وتجْعَلَ قَلَا اسمَ موضع مذكر فتُنوِّنه* وأما أَيادِىْ سبَا ففيه لغتان أَيادِىْ سَبَا وأيْدِىْ سَبَا وقد تقدم منِّى الشرحُ فيه بما فيه كِفايةٌ* وأما ثَمانِى عَشْرةَ فقد تقدمت في مبْنِيَّات العددِ* وأما بادِىْ بَدَا فيقال بادِىْ بَدَا وبادِى بَدِى وبادِئَ بَدْءٍ وبادِئَ بَدِىءٍ وبادِىْ بَدِىٍّ لا يهمز ومعناه أوّلَ كل شئٍ وانما سكنت الياء من أواخر هذه الأسماء لأن الاسمين اذا جُعِلا اسمًا واحدا وكان الأَوّلُ منهما صحيحَ الآخِر بُنِيا على الفتْح لأنه أخفُّ الحركاتِ وقد علْمت أن الياءَ المكسورَ ما قبَلها أثقلُ من الحروف الصحيحة فأُعْطِيت أخَف مما أُعْطِىَ الحرفُ الصحيحُ ولا أخَفَّ من الفتحة الا السكونُ فاعرفه ومن ذلك قولُهم وقَع الناسُ في حَيْصَ بَيْصَ وحَيْصِ بَيْصِ وحِيصَ بِيصَ وقد حُكِى فى هذا كلِّه التنوينُ مع كسْرة الصادِ ويجوز أن يكونَ حَيْص مشتَقًّا من قولهم حاصَ يَحِيص ـ اذا فَرَّ وبَيْص من باصَ يَبُوس ـ اذا فاتَ لأنه اذا وقعَ الاختِلاطُ والفِتْنةُ فمن بَيْنِ مَن يَحِيصُ عنها أو يَبُوصُ منها فكان ينبغى أن يقال حَيْصَ بَوْصَ غيرَ أنَّهم أتبعوا الثانِىَ الاولَ وله نظائِرُ وقد قدمتُها* والذى أوجبَ بِناءَ حَيْصَ بَيْصَ تقديرُ الواو فيها كأنك قلت في حَيْصٍ وبَيْصٍ والكسْرُ لالتقاءِ الساكنيْنِ فيمن قال حَيْصِ بَيْصِ وان شئت قلت هى صوتٌ ضُورِع به غاقِ

ومن ذلك قولُهم ذهبَ الناسُ شَغَرَ بَغَرَ ـ اذا تفرَّقُوا تَفَرُّقا لا اجتماعَ بعدَه وذهَب الناسُ شَذَرَ مَذَرَ وشِذَرَ ومِذَرَ وشَذَرَ بَذَر وشِذَرَ بِذَرَ وكلُّه في معنى التفرُّق الذى لا اجتِماعَ بعدَه وإنما بُنِيتْ هذه الحروفُ لأن فيها معنَى الواو كأنَّه في الأصل ذهب الناسُ شَغَرًا وبَغَرًا فلما حُذِفت الواوُ بُنِيَا على الفتْح مثل خمْسةَ عشَرَ وشَغَرَ بَغَرَ مشتقٌّ من قولهم شَغَرَ الكلبُ ـ اذا رَفَع إحدَى رجلَيْه فباعدَها من الأُخْرَى وبَغَرَ من قولهم بغَرَ الرجلُ ـ اذا شَرِب فلم يَرْوَ لِما به من شِدَّة الحَرَارةِ فجُعِل مع شَغَرَ في التفرُّق الذى لا اجتِماعَ بعده كما يكونُ البَغَر في العطَش الذى لارِىَّ معه وسائِرُ هذه الحروفِ فيها معنَى الواوِ على ما قدَّرت لك في شَغَرَ بغَرَ

ومن ذلك قولُهم ذهبَ فلانٌ بَيْنَ بَيْنَ والمعنى بيْنَ هذا وبَيْنَ هذا فلما أُسْقِطت

٩٨

الواوُ بُنِيَا

ومن ذلك قولُهم لَقِيتُه صَبَاحَ مَسَاءَ ولسْتَ تعنِى صَباحًا بعينه ومعناه صَباحًا ومَسَاءً فلذلك بُنِيَا حِينَ تضمنَا الواوَ وإن شِئْتَ أضفْت فقلتَ صَباحَ مَسَاءٍ وإنما سَوّغ الاضافةَ فيه أنّ المعنَى صَباحًا مفتَرنا بمَساءٍ فوقَعتِ الاضافةُ على هذا فان أدخلتَ حرفَ الجرِّ لم يكن إلا الجرُّ وليس كذلك خمسةَ عشَرَ وأخواتُها لأن الواوَ في تلك مَنْوِيَّة على كل حال دخلَهُ حرفُ الجر أو لم يدخُلْه وصَباحَ مَساءَ قد كان يُضافُ قبل حرفِ الجرِّ فلما دخل حرفُ الجرِّ تمكَّنَ وخرج من حَيِّز الظروف الى حيِّز الأسماءِ ومن ذلك قولُهم لَقِيته يَومَ يَومَ وعلَّةُ البِناء تضَمن الواو

ومن ذلك قولهم لقيته كَفَّةَ كَفَّةَ ـ أى كَفَّةً لِكَفَّةٍ وان شئت قدّرت بكَفَّة عن كَفَّة وكَفَّةٍ على كَفَّة ـ أى مُتَكافَّينِ وذلك أنّ كل واحدٍ من المتلاقِيَيْنِ يَكُفُّ صاحِبَه عن أن يُجاوِزَه الى غيره في دُفْعة تلاقِيهما وتقولُ هو جارِىْ بَيْتَ بَيْتَ والمعنى بيتٌ لبيتٍ حَذفتَ حرفَ الجر وضمَّنته معناه فبُنِيا لذلك وجُعِلا اسمًا واحدًا فى موضِعِ مُلاصِقًا كأنك قلت هو جارِىْ مُلاصِقا والعامل في موضِع بَيْتَ بيتَ قولك جارى لتضمُّنه معنَى مُجاوِرِى ومن النحويين من يقول لَقِيته يَوْمُ يومُ وهو شاذُّ وتفسيره أنه يجعَل يَومُ الاوّل بمعنى مُذْ واليومُ الثانى معلومًا قد حُذِف منه ما أُضِيف اليه كأنه قال لم أرَهُ مُذْ يومَ تعلَمُ ويَبْنِيه كما بُنِى قبْلُ وبعدُ حين حُذِف ما أُضِيفَا اليه ومن ذلك لَدُنْ وفيه ثمانِى لُغاتٍ وهى لَدُنْ ولُدُنْ ولَدَى ولَدُ ولَدْنِ ولُدْنِ ولَدْ ولَدٍى ومعناها عِنْد وهى مبنية مع دُخول حرفِ الجرِّ عليها فان قال قائل فهلَّا أُعْرِبتْ كما أُعرِبتْ عِنْد فالجواب في ذلك أن عِنْد قد تصَرَّفوا فيها فأوقعُوها على ما بحضْرتِك وما يَبْعُد وان كان اصلُها للحاضِر فقالوا عِنْدِى مالٌ وان كان بخُرَاسانَ وأنتَ بمدِينة السلامِ وفلانٌ عِنْده مالٌ وان لم يَعْنُوا به الحضرةَ وقد كان حكْمُ عِنْدَ من البِناء حُكْمَ لدُنْ لو لا ما لَحِقها من التصرِيف الذى ذكَرْناه ولَدُنْ لا يتجاوَزُ بها حَضْرَةُ الشىءِ فلذلك بُنِىَ فأما مَن قال لَدُنْ ولُدنْ ولَدَى فهو يبْنِى آخِرَه على السُّكون من جِهة البِناءِ وأمّا مَن قال لَدُ فهو محذوفُ النون من لَدُن فان قال قائل فَلمِ زعمتُمْ ذلك وهَلَّا كانت حرفا على حِيَاله ولم تكُن مُخفَّفة من لَدُنْ قيل لو كانتَ غير مخفَّفة من لَدُنْ

٩٩

لكانتْ مبنِيَّة على السُّكون لا غيْرُ لحكم البِناء الذى ذكرْناه ومثل ذلك قولهم رُبَّ ورُبَ مخفَّفةً ومشدَّدةً لو كانت المخفَّفة كلمةً على حِيَالها لكانتْ ساكِنةً لا غيْرُ اذ كانت حَرْفا لمعنًى ومثل ذلك مُنْذُ ومُذْ مخفَّفةٌ منها وعليه دَليلانِ أحدهما أن من العرَب من يقول مُذُ والثانى تحريكُ الذالِ لالتقاء الساكنيْنِ بالحركة التى كانتْ فيها مع النُّون في قولك مُنْذُ وأما مَنْ قال لَدْنِ ولُدْنِ بكسر النون فلالتقاء الساكنين وأما من سكَّن الدال فانه بنَى باقِىَ الكلمةِ بعد الحذفِ والتخفيفِ

واعلم أن حُكْمَ لَدُنْ أن تَخْفِض بها على الاضافةِ الا أنهم قد قالُوا لَدُنْ غُدوةَ فنصبُوا بها في هذا الحرفِ وحدَه فأما أسماءُ الزمان المضافةُ كقولنا هذا يومَ قامَ زيدٌ و «على حِينَ عاتَبْت المَشِيبَ على الصِّبا» وغيْرَ في قوله

* لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ منها غيْرَ أن نَطَقتْ*

فبابٌ مطَّرد في حيِّزه وعِلَّةُ بِنائِه الاضافةُ الى غيرِ متمَكِّن وجميعُ ما ذكرْتُه من عِلَل هذه المبنيَّاتِ وشُرُوح معانيها قولُ أبى علىّ الفارسى وأبى سعيدٍ السِّيرافى بعد قَصْد اختصارِ الكلام وتسهيلِه وتقريبِه من الأفهام بغاية ما أمكنَنِى

ومن المبْنِيَّات فَعالِ

أقْسامها ومَعَانِيها والمُوجِب لبنائِها وصَرْفها وترك ووَجْه اختلافِ التميميين والحِجازِيِّين في الاعراب والبناء واختلافِهم فيما آخرُه راء وتمييز ما يَطَّرِد منها مما لا يَطَّرِد واختلاف سيبويه وأبى العباس في ذلك

ما جاء في المُبْهَمات من اللُّغات

أُولَاءِ فيها ثلاثُ لُغات أشهرُها أُولَاءِ ممدودٌ مكسُورٌ وأُلَى مقصورٌ على وَزْن هُدًى وقد زادوا فيه ها فقالوا هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ وكان أصلُه هاؤُلاءِهَا للتنبيه فقصَرُوه لَمَّا كثُر في كلامهم حتى صار كالكلمة الواحدةِ وواحدُ أُولاءِ للمذكَّر ذَا وللمؤنَّث تَا وتِى وتِيكَ وتِلْك وذِى وذِهْ وهى مبنِيَّة كلُّها وتقول في تثنيةِ ذا ذانِ وفي تَا تانِ وفي ذِى وذِهْ أيضا تانِ يجتَمِعْن في التثنيَةِ وتسقُطُ الألفُ لالتقاءِ الساكنيْنِ هى وألفُ التثنيةِ

١٠٠