المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

أراد الجُوْدِ يَاءَ بالنَبطية أو بالفارِسيَّة ـ وهو الكِساءُ والمُهْرَق ـ الصحِيفةُ قال الشاعر

* لِآل أسماءَ مِثْلُ المُهْرَق البالِى*

وهو بالفارسيَّة مُهْره* ابن دريد* تفسير مُهْر كَرْد ـ أى صُقِلتْ بالخَرَز وكذلك اليَلْمَق ـ وهو القَبَاء هو بالفارسِيَّة يَلْمَه وأنشد

* كأنَّهُ مُتَقَبِّى يَلْمَقٍ عَزَبُ*

قال وكذلك قولُ لبيد

* قُرْدُ مَانِيًّا وتَرْكًا كالبَصَل*

والقُرْدُمانِىُّ ـ سلاحٌ كانتِ الأَكاسِرةُ تدَّخِرُه في خَزائِنها يُسمُّونه كرْدَمَانَدْ معناه عُمِلَ وبَقِى ومنه قول أبِى ذُؤيب

كأنَّ عليها بالَةً لَطَمِيَّةً

لَهَا من خِلَالِ الدَّأْيَتَينِ أَرِيجُ

البالَةُ ـ الجِرَاب وهو بالفارسية باله* قال* والفَصَافِص واحدتها فِصْفِصةٌ وهو قول الأعشى

«ونَخْلا نابِتًا وفَصافِصَا»

وهو بالفارسية اسْپَسْت* قال* والنُّمِّىُّ ـ الفَلْس بالرُّومية قال أوس

وقارفَتْ وهى لم يَجْرَبْ وباعَ لَها

من الفَصَافِصِ بالنُّمِّىِّ سِفْسِيرُ

يعنى السِّمسار وقوله باعَ لها ـ أى اشتَرَى لها* غيره* الفَيْجُ مشتَقٌّ من الفارسية ـ وهو رسُولُ السُّلطان على رِجْليه والجمع الفُيُوج وهو بالفارسية السِّفْسير* أبو عبيد* والقُمْقُمُ بالرُّومِيَّة قال عنترة

* حَشَّ الِمَاءُ به جَوانِبَ قُمْقُم*

وكذلك الطَّسْت والتَّوْر* قال* فأما الطَّاجَن فهو بالفارسِيَّة تابه وكذلك الطابَقُ وكذلك الهاوَنُ فارسى* قال* والدَّيَابُوذ ـ ثوبٌ يُنْسَج بنِيرَيْنِ وهو بالفارسية دُوبُود قال الأعشى يصِف الثورَ

عَلَيْه دَيَابُوذٌ تَسَرْبَلَ تحتَهُ

يَرَنْدَجَ إسْكافٍ يُخالِطُ عِظْلِمَا

واليَرَنْدج أيضا بالفارسية رَنْده ـ وهو جِلْد أسوَدُ والجُدَّادَ نبَطيَّة ـ الخُيُوط

٤١

المعَقَّدة يقال لها بالفارسِيَّة كُدَاد قال الأعشى

* والليلُ غامِرُ جُدَّادِها* (١)

والبُوْرِيَاءُ بالفارسِيَّة وهى بالعربية بارِىٌّ وبُورِىٌّ* قال* والأُلُوَّة ـ العُود وأصلُها بالفارسِيَّة والأَلُوَّة أيضا* ابن السكيت* البَرَق ـ الحَمَلُ وأصله فارسِىٌّ معرَّب هو بالفارسية بَرَهْ* وقال* هى الرُّزْداق والرُّسْدَاق ولا تقُل الرُّسْتاق* ابن دريد* الهَمَقِيق ـ نَبْت أعجمِىٌّ معرَّب وهو الحَمَقِيق والسُّلَاق ـ عيدُ النَّصارى أعجمى معرَّب والسَّبِيجة ـ البَقِيرة وأصله شَبىِّ ـ وهو القمِيصُ وأنشد

* كالحَبشِىِّ الْتفَّ أو تَسَبَّجا*

والكَرْد ـ العُنُق وهو بالفارسية كَرْدَن والبُوصِىُّ والبُوزِىُّ ـ السَّفِينةُ (٢) وقال

* عَكْفَ النَّبِيط يَلْعَبُونَ الفَنْزَجَا*

وهو يَنْجَكانْ وقال

* يَوْمَ خَراجٍ يُخْرِجُ السَّمَرَّجا*

وهو سُمَرَّه ـ أى ثلاثُ مِرَار وقال

* مَيَّاحة تَمِيحُ مَشْيا رَهْوَجَا*

أى رَهْوار ـ وهو الهِمْلاجُ وقال

* وكانَ ما اهْتَضَّ الجِحَافُ بَهْرَجَا*

والبَهْرَج ـ الباطِل وهو بالفارسية نَبَهْره والكُرَّز ـ الطائِرُ الذى يَحُول عليه الحولُ وهو من الطُّيُور الجوارِح وأصله كُرَّه ـ أى حاذِق وقد كُرّز وقال

* فى جِسْمِ شَخْتِ المَنكِبَيْنِ خُوشِ*

أراد كُوحَكْ ويُسَمِّى أهلُ العِراق ضَرْبا من الحرير السَّرَق أراد سَرَهْ فاعرب والدَّرابِنَة ـ البَوَّابُون قال الشاعر

فأبْقَى باطِلِى والجِدُّ منها

كدُكَّانِ الدَّرَابِنةِ المَطِينِ

أراد الدَّرْبان وقالوا الدَّيْدَبان أرادُوا الربِيئةَ وقالوا البَهْرمانُ ـ لَونٌ أحمَرُ وكذلك الأُرْجُوان فارسى وقالوا قِرْمِز وانما هو دُودٌ يُصْبَغُ به وقالوا الدَّشْت وأنشد

قد عَلِمَتْ حِمْيرٌ وفارِسُ وال

أعرابُ بالدَّشْت أيُّهُمْ نَزَلا

__________________

(١) قوله قال الاعشى الخ أى يصف خمارا وقد أنشد البيت بتمامه في فى اللسان فقال أضاء مظلته بالسراج والليل غامر جدادها اه

(٢) قوله والبوصى والبوزى الخ عبارة اللسان عن أبى عمرو والبوصى زورق وهو بالفارسية بوزى فتأمل كتبه مصححه

٤٢

وقالوا البُسْتان وهو معَرَّب وأنشد

يَهَبُ الجِلَّة الجَراجِر كَالبُسْ

تانِ يَحْنُو لِدَرْدَقٍ أطْفالِ

ومما أخذُوه من الرُّومِيَّة قَوْمَس ـ وهو الأميرُ والسَّبَحنْجَل رومِىٌّ معرَّب ـ وهى المِرآةُ والقَرَامِيدُ ـ الآجُور وهو بالرُّومِية قِرْمِيدَى والخُزْرانِقُ ـ ضرْب من الثِّياب فَارسىٌّ معرَّب والخَوَرْنَقُ كان يسمَّى خَرانكه ـ موضِعُ الشُّرب والسَّدِير سِدَلى ـ أى ثلاثُ قِبابٍ بعضُها في بعض والبِرْزِيق ـ الفارِسُ بالفارسية والبِرْزِين ـ القِطْعة من الخيل والمِرْعزِىَّ نَبطِيَّتُه مِرْضِزَّى والصَّيْق ـ الغُبار وهو بالنبطية زَنْقا وقُزْبُر بالفارسيَّة كُزْبُر والتَّامُور ـ صِبْغٌ أحمرُ وربَّما جعلُوه موضِعَ السِّر سُرْيانِيَّة والرَّزْدَق ـ السَّطْر من النخْل وغيره والفُرْس تسمِّيه رَسْتَهْ ـ أى سَطْر والجَوْسَقُ فارسى وهو كُوْشَك والجَرْدَق من الخُبْز كَرْده والأُبُلَّةُ كانت تسَمَّى بالنبَطِيَّة بامرأة كانت تسكُنها يقال لها هُوْب خَمَّاره فماتت فجاء قومٌ من النَّبَط يطْلُبونها فقيل لهم هُوب ليكا أى ليْس فغَلِطت الفُرْس فقالوا هُو بَلَتْ فعرَّبتها العرب فقالوا الأُبُلَّة والعَسْكَر فارسى معَرَّب وانما هو لَشْكَر وفُرَانِق البَرِيد پَرْوانَهْ والمُوزَجُ والمُوقُ بالفارسية مُوزَهْ وقد تقدم أن المُوقَ عربِىٌّ والاسْتَبْرَق اسْتَرْوهُ ـ ثِيابُ حريرٍ غلاظٌ صِفَاقٌ نحو الدِّيباج وبَرْنَكان ـ وهو الكساء بر بالفارسِيَّة ومما أخذتها العربُ عن العجم من الاسماء قابُوسُ وهو بالفارسية كاؤوس وبِسْطام وهو بالفارسية .... (١) ودَخْتَنُوسُ يريد دَخْتَنُوش ومما أخذُوا من السُّرْيانية شَرَاحِيلُ وشُرَحْبِيلُ وعادِيَاءُ وحَيًا مقصور وسَمَوْءَل وهو أشْمَوِيل والتَّنُّور فارسى معرَّب لا تعْرِف له العربُ اسما غير هذا واللَّوْز والجَوْز ـ وهو الْباذامُ والكُوز وعبدُ القيسِ تسمى النَّبِقَ الكُنَار والمِلْحفة الشَّوْذَر وهو جاذَر ومما أعربُوه التِّرْياقُ والدِّرْياقُ رومِيَّانِ ويسمَّى الحَمَل عُمْروسا وأحسَبُه رُومِيًّا والخُرْدِيق ـ طعَامٌ يعمَلُ شَبِيه بالحَسَاءِ أو الحَرِيرة والزِّنْدِيق فارسى معرَّب كان أصله عندهم زِنْدَكِر ـ أى يقولُون ببقاء الدَّهْر* أبو عبيد* فَلَجت الجِزيةَ على القوم ـ فرَضْتها عليهم وهو مأخُوذ من القفِيز الفالِجِ وأصله بالسُّريانية فالْغا ويقال أيضا فِلْج* صاحب العين* الجامُوس دَخِيل تسمِّيه العَجَم كاوْمِيش* قال

__________________

(١) بياض بالاصل

٤٣

أبو على الفارسى* ومن هذا الباب قول رؤبة

* بارِكْ له في شُرْبِ إذْرِيطُوسا*

* قال* هو ضَرْب من الدَّواء وقيل هى السَّقَمُونِيَا وأصلها دَرِيطاؤُوسْ فأما الاسْوار من أساوِرَة الفُرْس ـ وهو الجَيِّد الرَّمْى أو الثَّباتِ على ظهْر الفَرَس فقد قدمته عند ذكر إسْوار اليَدِ بغاية الشَّرح* صاحب العين* الزانِكِىُّ معرَّب ـ وهو الشاطر والقُنْذُع والقُنْذُوع والقُنْذَع ـ الديُّوث سريانى معرَّب

باب ما خالفتِ العامَّة فيه لُغاتِ العرب من الكلام

* أبو عبيد* هو الْاذْخرُ بكسر الالف واحدته إذْخِرَة وهو القَرْقَلُ باللام لقَرْقَر المرأةِ وهو الطَّيْلَسان بفتح اللام والمَرْقاة بفتْح الميم والاجَّاص بغير نون وهى الأُبُلَّةُ مضمومة الالف للتى بالبصرة* ابن السكيت* الأُبُلَّة أيضا الفِدْرة من التمرِ وأنشد

فيأكُلُ ما رُضَّ من زَادِنا

ويَأْبَى الأُبُلَّة لم تُرْضَضِ

 .... (١) دبل بضَمِّ القاف وهو بَثْق السيلِ بفتح الباء وهى البالُوعة .... (١) * ابن دريد* وكذلك .... (١) سَتُّوق وهى قَاقُوزةٌ وقازُوزَة ـ للتى تسمَّى قاقُزَّة وهو الرَّصَاص بالفتح وهو الابْرِيسَمُ وهو الحَوْأب ـ للمَنْهل الذى يقال له الحَوَبُ وأنشدنا هو وأبو الجراح

ولأنتْ كلُّ أقلَّ بارض نائِلٍ

عِنْد المَسَائِل من جَمَاد الحَوْأَبِ

* وقال* هو القُرْطُم والقِرْطِمُ والمِرْعِزَّى إن شَدَّدت الزاىَ قصَرْت وإن خَفَّفت مَدَدت والميم مكسورة على كل حال* غيره* فى الباقِلَّى اذا شدَّدته أعنى اللام قصَرْت واذا خَفَّفت مددت وكذلك القُبَّيْطى ـ للنَّاطِف* الأحمر* هى الابْرِدَة بالكسر وكذلك الاطْرِيَة وإهْلِيلَجَة وإهْلِيلَج وإرْمِينِيَةُ* وقال* هى الطِّنْفِسَةُ والطِّنْفَسة والسِّرْدابُ والدِّهْلِيز وقالوا عَلَيك إمْرةٌ مُطَاعة

حروف المعانى

(ذكر عِدَّة ما تجىء عليه الحُروفُ التى يسمّيها النحويُّون حروفَ المعانى) وهى

__________________

(١) بياض بالاصل بمقدار بعض كلمة ولعل الكلمة بتمامها قُطْرُبُّل بدليل قوله بضم القاف وكذا بيض فى الاصل للموضعين بعد كتبه مصححه

٤٤

الحروفُ التى تربطُ الأسماءَ بالأفعال والاسماءَ بالاسماء وتبيينُ العِلَّة التى من أجلها وجبَتْ قِلَّتُها في الكلام مع أنها أكثَرُ في الاستعمال وأقوَمُ دَوْرا فيه ولنبدأ أوّلا بشرح العِلَّة التى من أجلها قَلَّت اذ هى من أهمِّ ما نقصِدُ له في هذا الباب فنقول إنه انما وجَب أن تكونَ حُرُوف المعانِى أقلَّ أقسامِ الكلامِ مع أنها أكثَرُها فى الاستعمال من قِبَل أنها انما يُحْتاج اليها لغيرِها من الاسمِ أو الفِعْل أو الجملةِ وليس كذلك غيْرُها لأنها يُحْتاج اليها في أنفسها فصارت هذه الحرُوف كالآلة وصار القِسْمانِ الآخرانِ اللذانِ هما الاسمُ والفعلُ كالعَمَل الذى هو الغرض في إعداد الآلة واعمالها وهذه علة ذكرها أبو على الفارسى وهى حسنة وغرضنا الآن أن نذكر أقلَّ ما تجىءُ عليه هذه الحروف وأكثَرَ ما تجىء عليه بزيادة وغير زيادةٍ ما يجىء على حرفٍ واحدٍ وهو القسمُ الذى يكْثُر في أعلَى مرتبةِ الكَثْرة لأن كونَه حَرْفا يقتضِى له ذلك من حيثُ هو كالجُزْء من الكلِمة وكونهُ كثيرًا في أعْلَى مرتبةٍ يقتضِى له ذلك أيضا فلما اجتمع فيه السبَبانِ المُوجِبان للايحاد وقَويَا وجب له أقلُّ ما يمكِن أن ينطق به من الحُرُوف وهو الحرف الواحد فقد قدمنا ذكر أقلِّ ما يَجِىء عليه واستوفيناه وعدَّةُ ما يكونُ على حرفٍ واحدٍ من هذه الحُرُوف ثلاثة عَشَر حَرْفا حرفانِ من حُروف العطف وهما الواوُ والفاءُ وخمسةٌ من حُروف الجَرِّ وهى الباءُ واللامُ والكافُ والواوُ والتاءُ الداخلةُ عليها وحرفٌ من حُرُوف الاستفهام وهو الألِفُ وواحدٌ من حُرُوف الجَزْم وهو لام الأمرِ وحرفان في جواب القسم وهما لامُ الابتداءِ ولامُ القسمِ التى تلزمُها النونُ في المضارِع وحرف التعريف وهو لام المعرِفة الساكنةُ المتوصَّلُ اليها باجتِلاب ألفِ الوصْل والسِّينُ التى معناها التَّنْفِيس في قولك سيَفْعَل فهذا جمعُ ما جاء على حرف واحد منها* ما يَجِىء على حرفيْنِ وهو في المرْتَبة الثانيةِ من كَثْرة الاستعمال وعدَّةُ ذلك ثلاثةٌ وثلاثُون حرفا من عشرةِ أقسامٍ أربعةٌ من حرُوف الجرِّ وهى مِنْ وعَنْ وفي ومُذْ ومثلُها من حروف العطف وهى أَمْ وبَلْ وأوْ ولا وخمسةٌ من حُرُوف الاستفهام وهى هَلْ وأَمْ وكَمْ ومَنْ وما الاستفهامِيَّتان وثلاثةٌ من حُرُوف الجزاءِ وهى إنْ ومَنْ وما ومثلُها من حروف النِّداء وهى يا وواو أىْ وحرفانِ من حُرُوف الجزم وهى لم ولا الناهيةُ وقد حكى أبو عبيدة أن من العرب

٤٥

من يجْزِم بلَنْ كما يجزِم بلم فاذا صح ذلك فهى ثلاثة وثلاثةُ أحرفٍ من حرُوف النصب للفِعْل وهى أن ولَنْ وكى وحرفان للجواب وهى قد وأى وحرفان للتنبيه وهى ها وواو فهذه تسعة وعشرون حرفا مأخوذة من القسمة من حروف المعانى وأربعة أحرف مفردةٌ وهى لو وصَهْ ومَهْ وقَط فذلك ثلاثة وثلاثون حرفا مما يجىء على حرفين وهو أصل في بابه لم يحذف منه شئ والاصل في الحرفين للحروف كما أن الأصل في الحرف الواحد لها ولم يحذف منها فاما الاسماء التى تأتى على هذه العِدَّة فمشَّبهة بها وليس ذلك فيها أصلا البَتَّةَ وانما كانت الحُرُوف أوْلَى بذلك وأحَقَّ به لانها كبعض الكَلِمة ولأنها لا تقُوم بأنفُسِها في البيان عن مَعْناها فوجب فيها تقليلُ اللفظِ لذلك أعنِى لأنها لا يُتَكَلَّم بها على حِدَتها وهذه العِلَّة هى التى سَوَّغتْ في الضمِير المتَّصلِ أن يأتِىَ على حرفٍ واحدٍ اذ كان لا يُتَكلَّم به على انفرادِه ولذلك لم يُجِز أحدٌ ممن النحويِّينَ إثباتَ التنوين مع اسمِ الفاعلِ اذا كان مفعولُه الكِنايَة المتَّصِلةَ فأما الاسم المتمكن فلا يجىء على حرفين الا وقد حُذِف منه حرفٌ وأكثرُ ذلك في حُروف العِلَّة لأنها متهيِّئة لقبُول الحذْف والتغيِير وقد قدَّمنا ذكرَ ذلك مستَقْصًى في غير هذا الكتابِ وأما الآخِر (١) فلأنه حرفُ إعرابٍ تعتَقِب عليه الحركاتُ باعتِقاب العوامِل وأما الثالِثُ فلتكثر به الأبنِيَة على ما يقتضيه تمكنُه وهذا هو قانون الاعتدال في الاسماء ولذلك قال سيبويه وأما الأسماءُ المتمكِّنةُ فأكثرُ ما تجىءُ على ثلاثة أحرُف لأنها كأنها هى الاوّل في كلامهم* فهذا شئ عرضَ ثم نعُود الى ذكر ما بدأنا به من شرح عِدَّة ما تجىء عليه الحروفُ الرابطةُ ثم ما كان في المرتبةِ الثالثة من كثرته في نفسه لأن ما كان أكثرَ في نفسه من الحُروف فحقُّه أن يَجىءَ على حرفٍ واحد ثم يليه ما ينقصُ عنه بمرتبتين فيكمون على ثلاثة أحرفٍ وهو ثلاثون حرفا لحُروف الجرِّ خمسةٌ الى وعلى وخلَا وعدا ومُنْذُ وفي الجزاء مثلُها وهى أىٌّ وأينَ ومتَى مفردة وإذا في الشعر وحيْثُ مع ما ولحُروف العطف ثُمَّ ولحروف الاستفهام كيْفَ ولحروف النداء أَيَا وهَيَا وللتنبيه والاستفتاح ألَا والحروف الجواب نَعَمْ وأَجَلْ وبَلَى وللحروف الداخلة للابتداء أربعة أحرف إنّ وأَنَّ وكأنَّ وليتَ ولحروف النصب اذًا وللحروف المفردة سَوْف وقَطُّ وحَسْب وبَجَلْ وإيهٍ* وأمَّا ما جاء

__________________

(١) قوله وأما الآخر الخ كذا وقع في الأصل ولعله سقط شئ قبله من الناسخ كتبه مصححه

٤٦

على أربعةٍ فقليل كقولهم حَتَّى وأمَّا ولكِنْ الخفيفة ولعَلَّ وكقولهم إمَّا في العطف وإلَّا في الاستِثْناء* وما جاء على خمسة أقلُّ مما جاء على أربعة نحو لكِنَّ مشدّد ولا يعرف في الخمسة غيرها ونحن آخذونَ الآنَ في تفسير معانِى هذه الحروفِ اذ قد بيّنا قوانينَها في العِدَّة

شرح الواو

فأما ما يكونُ قبل الحرف الذى يُجَاء به له فالواوُ اذا لم تكُنْ بَدلا من الحرف الجار لزمته الدلالة على الاجتماع كلُزُوم الفاءِ الدلالةَ على الاتْباع وهى مع ذلك تجىءُ على ضربَيْن أحدُهما أن تَأتِىَ دالةً على الاجتماع متَعرِّيةً من معنى العطف في نحو ما حكاه النحويون من قولهم ما فعلتَ وأباكَ وقوله تعالى (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) وقول الشاعر

كونُوا أنتُمُ وبَنِى أبِيكُم

مَكانَ الكُلْيتيْنِ من الطِّحالِ

وجميعُ ما ذكره سيبويه في هذا الباب وما يتصل به قال أبو على أبو الحسن لا يَطْرُده وسيبويه يطْرُدُه والآخَر أن تأتى عاطفةً مع دِلالتها على الاجتِماع في نحو مررت بزيدٍ وعمرٍو فهذا الضَّرْبُ يُوافق الاوّلَ في الدِّلالة على الجمْع ويُفارقُه في العَطْف لأن الواو هناك لم تُدخِل الاسمَ الاخِر في إعراب الاوّلِ كما فعلَتْ ذلك في الباب الثانى فاذا كان كذلك علم أن المعنَى الذى يُخَصُّ به الواوُ الاجْتماعُ ويدلُّك على أنها غيْرُ عاطِفة في الباب الاوّل وأنها فيه للاجتماع دُونَ العطف أنها لا تخلُو عاطفةً من أحد أمرين إما أن تَعطِف مُفْرَدا على مفرد فتُشْركه في اعرابه وإمّا أن تعطف جملةً على جملةٍ وليس لها في العطف قِسم ثالث فبَيِّنٌ أن الاسم بعد الواو في قولهم ما فَعلتَ وأبَاك وجميع البابِ الذى يسمَّى المفعولَ معه غيْرُ معطوف على ما قبلَه لأنه غير داخل معه في جِنسِيَّة اعرابه وانما هو معمول الفِعل الذى قبل الواو بتوسُّط الواو كما أن المستثنَى منتصبٌ عن الجملة التى قبل الّا بتوسُّط إلا عند سيبويه ومن تابعه فبَيّن اذًا أن الاسمَ المفرَد المنتصبَ بعد الواو غيرُ معطوفٍ على ما قبلها لمُفارَقته إيَّاه في اعرابه ولا هو جملة فتكونَ الواو عاطفةً جملةً على جملة فعُلِم أن الواو في هذا

٤٧

الموضِع بمعنى الاجتماع دُونَ العطف وانما سمَّى النحويُّون هذه الواوَ بمعنى مع الاجتماع لأن معنَى معَ الصُّحبةُ والصحبة اجتماعٌ وسَمَّوا المنتصِب بعده مفعولا معه وقد تجىءُ الواوُ غيْرَ عاطفةٍ على غير هذا الوجه في نحو قوله تعالى (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فهى لغير العطْف في هذا الموضع أيضا وذلك أن الجملةَ التى بعدها غيْرُ داخلة في اعرابِ الاسمِ الذى قبْلَها ولا هى معطوفةٌ على الجملة التى قبلها وانما الكلامُ مجموعُه في موضعِ نصب بوقوعُه موقِعَ الحال فهذا ما يُنْبِئُك عن استحكام الواو في باب الدِّلالة على الاجتماع اذ كان حكم الحال أن تكون مصاحِبةً لذى الحالِ فان جاء شئ ظاهرُه على خلاف الاجتماع رُدّ تأويلُه اليه نحو قول أهل العربية فيما حُكى من قولهم مَررْت برجُل معه صَقْرٌ صائِدًا به غَدًا أن معناه مقَدِّرا به الصيدَ غدًا فلمَّا كان حال الواو ما وصفتُ لك وكان حكم الحالِ ما ذكرْتُ وقعت الجملُ بعدَها وصارت هى معها في موضِع الحال ولِمَا ذكرنا من تعلُّق هذه الجملة التى دخلت الواو عليها بما قبْلَها في قوله تعالى (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) وكونِها معها في موضع نصب مثَّلَها سيبويه باذْ فقال كأنه تعالى قال اذ طائفة يريد أن تعلُّقَ هذه الواو معها ودخولَها عليها بما قبلها كتعلُّق إذ مع ما اتصلتْ به بما قبْلَها وأنها معَ ما بعدَها في موضع نَصْب كما أن تِلْك مع ما بعدها في موضِع نصب فى ذلك الموضِع

شرح الفاء

والفاء تضُمُّ الشىءَ الى الشىءِ فيه تُوافِق الواوَ في ضمِّ الشئ الى الشىءِ وتُفارقها في الاجتِماع وهى لازِمة للدلالة على الاتْباع كلُزُوم الواو للدِّلالة على الاجتِماع وذلك أعنى الاتباع أعمُّ فيها من العطف كما أن الاجتِماع في الواو أعمُّ من العطف والفرقُ بيْن العَطْف في باب الفاء وبين الاتباع وان كان كلٌّ يعُود الى معنى الاتباع أنك اذا قلت ائْتِنى فأُكْرِمَك وزُرْنى فأَعرِفَ لك ذلك فانما وجب الثانى بوقُوع الأوّل وليس كذلك العطفُ وانما يذلُّك علَى أن الفاء موضُوعة للدِّلالة على الاتْباع استعمالُهم إيَّاها في جواب الشرطِ اذا لم يحسُن ارتباطه بالشرط وذَلك اذا كان الكلام جملةً من

٤٨

مبتدإ وخبر أو فِعل وفاعِل وكانت غيرَ خبَرِيَّة كقوله تعالى (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ) فلو استعملوا الواوَ موضِع الفاءِ على ما فيها من الدِّلالة على الاجتِماع لَأدَّى ذلك الى خِلاف ما وُضِع له الشرطُ كما أنهم لو وضَعُوا الفاء موضِعَ الواو في العطف على الاسم المضاف بَيْنَ اليه اذا كان مُفْرَدا لا يدل على أكثرَ من واحد أو في العطف في باب الافعال التى لا تكونُ الا من اثنين فصاعدًا لَبَقِيت بَيْن مُضافةً الى مفرد لا يدُلُّ على أكثرَ من واحد وكانت هذه الافعال مستَنِدةً الى فاعلٍ واحدٍ وكِلاهما ممتنعٌ فثبتت أن المعنى الذى تُخَصُّ به الفاء الاتباعُ والعطفُ داخلٌ عليه كما أن المعنَى الذى تُخَصُّ به الواوُ الاجتماعُ والعطف داخلٌ عليه* قال سيبويه* والفاء وهى تضُمُّ الشىءَ الى الشئ كما فعلَتِ الواوُ غيْرَ أنها تجعل ذلك متَّسِقا بعضُه في إثْر بعض وذلك قولك مررتُ بِزَيدٍ فَعَمْرٍ وفخالِدٍ وسقط المَطَرُ بِمكانِ كذا فَمَكانِ كذا وإنما يَقْرُوا أحدَهما بعدَ الآخَر

شرح الكاف

وكافُ التَّشْبِيه التى تأتِى لِايصالِ الشَّبَه الى المشَبَّه به وذلك قولُك أنتَ كزَيد والتَّشْبيه يأتى على ضربَيْن تشبيهٌ حقيقةً وتشبيهٌ بلاغةً فتشبيهُ الحقيقةِ قولُك هذا الدِّرْهَم كهذا الدِّرهم لا يُغَادِرُ منه شيأ وهذا الماء كهذا الماءِ وأما تشبيهُ البلاغةِ وهو التشبيهُ غير الحقِيقىِّ فنحو قوله عزوجل (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) وقد استُعْمِلت هذه الكافُ اسمًا وساغَ لهم ذلك لنَضَمُّنها معنَى مِثْل كما ساغَ لهم ذلك في سَواء لتضمُّنها معنى غَيْر وذلك في نحو ما أنشده سيبويه من قوله

* وصالِياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ*

وكقول الأخطل

* عَلَى كالقَطَا الجُونِىِّ أَفْزَعَهُ الزَّجْرُ*

وقد تكون الكاف زائِدةً في موضِعٍ لو سَقَطَتْ فيه لم يُخِلَّ سقُوطُها بمعنى وذلك نحو قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ألا تَرَى أنّ من جعلَ الكافَ هنا دالَّة على مثل ما دَلَّت عليه في قولك أنت كذلك فقد أثبتَ الشَّبَهَ لِمَن لا شَبَهَ له كما أنك اذا قُلت

٤٩

ما زَيْد كعَمْرو ولا شَبِيهٍ به فقد أثبَتَّ له الشَّبِيهَ كأنَّك قلت ولا كشَبيه به فاذا لم يحْسُنْ ذلك في الاثبات لم يكن بُدٌّ من أن يُحْكَم بالزيادة على الكافِ أو على مِثْل فلا يجوزُ أن يُحْكَم بها على مِثْل لكونِها اسمًا ولم نَعْلم اسما زِيدَ فلم يُحْكَم له بموضِع الا المُضْمَراتِ الموضُوعاتِ للفصل نحو هو وأخواتِها وقد استَطْرف الخليلُ ذلك وعَجِب منه فقال في قراءة من قرأ (هؤُلاءِ بَناتِي) هُنَّ أطْهَرَ لَكُم» وجميعِ باب الفصل واللهِ إنَّه لعظِيم جعْلهُم هو فَصْلا بين المَعْرفة والنكرةِ وتصييرُهُم إيَّاها بمنزلة ما اذا كانت ما لَغْوا لأنّ هو بمنزلة أبُوه ولكنَّهم جعلوها في ذلك الموضع لغوا كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزِلة ليس وانما قياسها أن تكون بمنزلة انما وكأنما انتهى قول الخليل فكأن الذى آنسهم بذلك شدَّةُ مطابَقةِ المضمَر للحرف وجهةُ استِحكام المشابَهة أن المضمَر غيْرُ أوّل وأنه لم يُوضَع اسما ليعيِّن نَوْعا من نَوْع أو شخْصا من شخصٍ وأنه غيْرُ معْرَب فهذه جهة استحكامِ مشابَهة المضمَر الحرْفَ وليس مِثْل مضمَرا فيَلْزمنا اجازةُ هذا الحكم عليه ولو كان مضمَرا لَما أُعْرِب ولَمَا دخلت الكافُ عليه لأن العَرَب لم تستَعمِل دُخولَ الكاف على المضمر فيما حكى سيبويه الا في الضرورة لتضَمُّنها معنى مِثْل وهذا أبيَنُ من أن نَحْتاج الى دليل عليه أو تَنْبيه بأكثَرَ من هذا فلما كانت مِثْل من التَّرَتُّب في باب الاسمية والتمكُّنِ فيه بحيْثُ وصفْنا وكانت الكافُ حرفا شخصا لا تخرج الى الاسم الا بتضمُّنها معنى مثل كانت هى أعنِى الكافَ أوْلَى بالزِّيادة وإنا رأينا الحرفَ كثيرا ما يُزَاد والاسماء لا تُزاد الا ما وصَفْنا في باب الفصل للعِلّة التى ذكرنا وقد نصصنا لفظ الخليل في استِطْرافه ذلك وعَجَبِه منه وذكرْنا جِهة المُناسبةِ بين المضمَر والحرف

لام الجَرِّ

وهى على خمسة أضْرُب لامُ الاختِصاصِ ولامُ المِلْك ولامُ الاستِغاثةِ ولامُ العِلَّة ولام العاقِبَة وهذا كله راجع الى مَعْنًى واحدٍ وهو الاختصاص كقولك الحمد لِلّهِ والقُدْرة له والارادةُ ولام المِلْك كقولك المال لِعَبْد اللهِ ولامُ الاستِغاثةِ كقوله

* يالَ بَكْرٍ أنْشِرُوا لى كُلَيْبا*

٥٠

ولام العِلَّة كقولهم صَلَّيت لِأَدخُلَ الجنةَ وكلَّمته لِيَأْمُرَ لِى بشئْ وجميعِ اللاماتِ الملفُوظِ بها والمُقَدَّرةِ في باب المفعُول له وأمَّا لام العاقِبَة فكقوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وكقولهم للموتِ ما تَلِدُ الوالِدةُ وهذا كله راجعٌ الى معنَى الاختِصاصِ لأن معناه دائِر في سائرِ الأقسام* قال سيبويه* معنى اللام الملكُ والاستحقاقُ للشئ ففرَّق بين المِلك والاستحقاقِ لأن بعضَ ما تدخُل عليه اللَّامُ يحسُن أن يَمْلِك ما أُضِيف اليه كقولك الدارُ لعَبْد اللهِ والغلامُ له وبعضُه لا يحسُن أن يقال فيه إنَّ ما أُضيف اليه يملِكُه ولكنه يستَحِقُّه كقولك اللهُ ربٌّ للخَلْق ولا يحسُن أن يقال إن الخَلْق يملِكُون الربَّ ولكنهم يُستَحِقُّونه (١) ولِمَا تضمَّنت اللامُ من معنى الملك والاستحقاقِ قَوِيت قراءة من قرأ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و (الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)

وباء الاضافة

والغرضُ منها تعلِيقُ الشىءِ بالشئ وهى تأتى على ثلاثةِ أضرُب اختصاصُ الشىءِ بالشئ واتصالُ الشئ بالشىءِ وعملُ الشئ بالشئ وهذا كله راجع الى معنَى التعليق كتعليق الثوب بيدِك للاتصال به وتعليق الذِّكْر بالمذكور للاختصاصِ به وتعليقِ الفعل بالقُدرة والآلة يُوصَل بها الى عملِ الشئ* قال سيبويه* ومعنى الباء الالزاقُ والاختِلاط كقولك بِه داءٌ وخرجْت بزيد ودخَلْت به وضربته بالسَّوط ألزقت ضربَك إياه بالسَّوْط فان اتسع الكلام فهذا أصلُه أى انك اذا قلت مررْت بزيد فالمُرور لم يتعَلَّق بزَيْد وانما يتعلق بموضِعه وقد تكون الباء زائدةً في نحو قولهم بحَسْبِك هذا و (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) فأما الباء التى للقسَم فزعم الخليلُ أنها تأتِى لايصال الحِلف الى المحلوف به كما أنك اذا قلت مررت بزيد فقد أوصلت المُرُور الى المَمْرور به وهى أصل لأخواتها من حروف القسم كالواو والتاء ومن أجْل كونها أصلا تمكَّنت فى بابها فدخَلت على كل اسم ظاهِر ومُضْمَر وذلك أنه لو قيل لك اكْنِ عن اسم الله تعالى من قولك عن هَيْئتها فأما واوُ القسَم في قولك فانها بدل من الباء لأنها من بين الشَّفَتين كما أن الباء كذلك وهم مما يُبْدِلون الحروفَ اذا

__________________

(١) قلت قد عبر ابن سيده في حق الله تعالى هنا بهذه العبارة الشنيعة وهى قوله ولكنهم يستحقون وانما هى في عدم الحسن مثل التى نفاها قبلها بقوله ولا يحسن أن يقال ان الخلق يملكون الرب أقول كذلك يقبح أن يقال ان الخلق يستحقون الرب والجواب عن ابن سيده والله أعلم أنه أراد أن يقول لكنّ الخلق محتاجون الى ربهم وخالقهم فلم يوفق للتعبير عنه كما ينبغى وكتبه محمد محمود لطف الله به آمين

٥١

تقاربَتْ مخارِجها نحو ما فَعَلُوه في باب البَدَل والادغامِ في التصريف ولكونِها في المَرْتَبة الثانيةِ من الاصل نقصتْ عنه درجةً فدخلَت على كل اسمٍ ظاهر ولم تدخُل على المضمَر وذلك أنه لو قيل لك أكْنِ عن اسم الله من قولك والله لأفْعَلَنَّ لقُلْت بك لأجتَهِدنّ لانهم مما يَرُدّون الشئ في المضمَر الى أصله كنحو لامِ الخفض المفتوحةِ في الاضمارِ وردِّهم الواوَ في قولهم أعطيتُكُموه اذا كنَيْت عن دِرْهَم من قولك أعطيتكُمْ دِرْهما بحذف الواو من أعطيْتُكموه فأما ما حكاه يونس من قولهم أعطيْتُكُمْه فشاذ غير مأخوذ به لردّهم الأشياءَ الى أصُولها في الاضمار وكذلك الواوُ اذا دخلت على اسم مضمرٍ ردّت الى أصلها وهو الباء فقيل بِهِ لأفْعَلَنَّ أنشد أبو زيد

رأى بَرْقا فأوضعَ فوق بَكْرِ

فلا بِكَ ما أسالَ ولا أغَامَا

وأنشد أيضا

ألا نادَتْ أُمامةُ باحتِمالِ

غَداةَ غدٍ فلا بِكَ ما أُبالِى

شرح ألفِ الاستفهام

أما الألف فانها أمُّ الاستِفْهامِ ولذلك قويَتْ وتمكَّنَت في بابها ولم تَدُلَّ الا على طرِيقة الاستفهام

شرح لام الأمر

ولامُ الأمرِ موضوعةٌ ليُتَوصَّل بها الى الأمر من الفِعْل وفيه حروفُ الزِّيادة وهى تنقسم الى ضربين ضَرْبٌ يُجاء بها فيه من غير اضْطِرار اليها وذلك اذا أمرتَ الحاضرَ كقولك لِتَضرِبْ وضربٌ يجاء بها فيه اضطرارا وذلك اذا كان بينَك وبين مأمورِك وَسِيط ولم يكُ هو حاضِرا كقوله تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) فأما لامُ الابتداء ولامُ القَسَم التى هى في الجَواب فثِنتان فأمَّا التى للابتداء فللِاعْلامِ بالقَطْع والاستئناف وأما التى للقسم فلِرَبْط الحَلِف بالمَحلُوف عليه ولا بُدَّ لها من النون في المضارِع المُوجَب للتأكيد فان رأيتَ لامًا لم يتقدَّمْها قَسَم ولم يَجُز أن تكونَ لامَ ابتداءٍ فالقَسَم مضمرٌ كنحو ما نص عليه سيبويه من قوله تعالى (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا

٥٢

لَظَلُّوا) فهذا على إضمار القسم* قال أبو على* ومثله قوله تعالى (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) فأما لام التعريف وسِينُ التنفيس فقد أبنتهما في العَقْد لِقِلَّةِ ما يقتَضِيانه من التفسير

تفسير ما جاء منها على حرفَيْن

شرح مِن

أما مِنْ فتكونُ على أربعة أوْجُه ابتداءُ الغايةِ والتبعيضُ والتَّبْيينُ وزائدةٌ فابتداء الغاية نحو خرجْت من بَغْدادَ الى الكُوفة والتبعيضُ هذا الدِّرْهم من الدَّراهِم والتبيين اجْتَنِبُوا الرِّجْس من الأوثان ومن هذا الباب الثِّيابُ من الخَزِّ والأبواب من الحدِيد وهذا تبيين يخصِّص الجملةَ المتقدّمة قبلَ هذا وأمّا الزائدة فتكون في غير الواجب خاصَّة من نحو النَّفْىِ والاستفهامِ كقولك ما جاءنِى مِن رَجُل فمن ههنا زائِدةٌ لاستِغْراق الجِنس وتقول ما أتانِى مِن أحدٍ فتكون زائدة للتأكيد والأصل أن تكونَ لابتِداء الغايةِ لأنه ابتداء فصل الجملة في نحو قولك أخذتُ من الطَّعام قَفِيزا فابتدأ القفِيزَ ولم يَنْتَهِ الى آخر الطعام فالقَفِيز ابتداءُ الأخذ الى أن لا يَبْقَى منه شئ وفي كلِّ تبعيضٍ معنَى الابتداء بالبعض الذى انتهاؤُه الكُلُّ وأما التى للتَّبْيِين فهى تُخَصّصُ الجملة التى قبلَها كما أنها في التبعيض تخصصُ الجملة التى بعدَها فأما زيادتُها لاستغْراق الجِنس في قولك ما جاءنى مِنْ رجُل فانما جعلت الرجل ابتداءَ غاية نَفْى المجِىء الى آخِر الرجال فمن ههنا دخلَها معنى استغراقِ الجنس وأما زيادتُها للتأكيد في ما جاءنى مِنْ أحَد فلأنها لَمَّا كانت لاستغراقِ الجنس وكان أحدٌ أيضا جنسا كذلك صارت بمنزلةِ ما جاءنى أحدٌ للتأكيد (١)

شرح مذ

.... (٢) مُذِ اليَوْمِ ومُذِ الشَّهْر ومُذ السَّنَة كل ذلك على الوقتِ الحاضِرِ فاذا كانت اسما فهى على وجهين

__________________

(١) قوله بمنزلة ما جاءنى أحد للتأكيد كذا فى الاصل وفي العبارة سقط ولعل الاصل والليه أعلم بمنزلة تكرار ما جاءنى أحد الخ اه كتبه مصححه

(٢) هنا مقدار سطر ممحو من الاصل

٥٣

الأمَدُ وأوَّل الوقت كقولك ما رأيتهُ مُذْ يومانِ وما رأيته مُذْ يومُ الجمعةِ

شرح عن

وأما عَنْ فهى لما عَدَا الشىءَ نحو قولك رمَيْت عنِ القَوْس ـ أى جاوَزَت الرمْيةُ القوسَ وقد تكونُ لابتِداء الغايةِ نحو ما يكون من قولك هذا الحدِيثُ عن زَيْد وهذا الفِعلُ ظهَر عن عَمْرو ومن عَمْرو

شرح في

أمَّا في فهى للوِعَاء وما قُدِّر تقدِيرَ الوِعاء نحو قولك الماءُ في الاباءِ وزيدٌ في الدارِ فأمَّا قولك في هذه المسئَلة شَكٌّ فانما تقديرُه تقديرُ الوعاء وأما قوله (أَفِي اللهِ شَكٌ) فانما يرجع في التحقيق الى معنى الاختصاص أى شَكٌّ مختص به الا أنه أُخْرِج على طريق البَلاغة هذا المُخْرَج كأنه قيل أفى صِفاته شَكٌّ ثم أُلْقيت الصِّفات للايجازِ وإنما قلنا هذا لأنه لا يجُوز عليه جلَّ وعز تشبيهٌ حقيقةً ولا بلَاغةً

شرح أمْ وأو

أمَّا أَمْ فمعناها الاستفهامُ في العَطْف وهى على ضربين عَدِيلةٌ ومُنْقطِعة فأمَّا العَدِيلة فالمُعادِلة لحرف الاستِفْهام الثانِيةُ منه كقولك أَزَيْد في الدارِ أمْ عَمْرٌو وأما المُنْقَطِعة فالتى لا تُعادِل حرفَ الاستِفْهام وانما تجىُء بعد الخَبَر كأن يُوضَع شئٌ على سبِيل الوَهْم أو الحِسِّ ثم يتَبيَّن للحاسِّ أو المُتوهِّم خلافُ ذلك أو يَشُكُّ وذلك نحو ما حكاه النحويُّون من قولهم إنَّها لِابِل أمْ شاءٌ

وأما أو

اذا قلت أزيْدٌ عِنْدك أوْ عَمْرو أو خالِد فمحتوية لمعنَى قولك أحد هؤلاء كقولك رأيت زيْدا أو عَمْرا وتكون .... (١) أو لَحْما وما حكاه محمد بنُ ابراهيمَ من قولهم جالِسِ الحَسَن أو ابنَ سِيرينَ والزَمٍ الفُقَهاء أو الأخْيارَ وأْتِ المَسْجِد أو السُّوق

__________________

(١) بياض بالأصل في الموضعين

٥٤

ومعنَى (هَلْ) الاستفهامُ ومعنى (لِمَ) الاستفهامُ عن العِلَّة ومعنى (لَمْ) نفىُ الماضى ومعنى (لَنْ) نفىُ المستقبَل (وإنْ) تكون على أربعةِ أوجُه جزاءً وجَحْدا ومخفَّفةً من الثقيلة وزائدةً فيها فتقول إنْ أتيتَنِى أكرَمْتُك وفي التنزيل (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) وفيه (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) وتقول ما إن أتانِى أحدٌ (وأنْ) تكون على أربعة أوجه أيضا ناصِبةً للفعل بمعنى المَصْدَر بمنزلة كى ومفَسِّرةً ومُخَفَّفة من الثَّقِيلة وزائدةً وفي التنزيل (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وفيه (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) (وما) تكون على خمسة أوجه حُرُوفا وأسماءً فالحروف ما للجَحْد وكافَّةٌ للعامل وما مُسَلَّطةٌ وما مُغَيِّرة لمعنى الحرْف وما صِلَة وفي التنزيل (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) وتقول حيثُما تكُنْ آتِك وفي التنزيل (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) بمعنى هلَّا وفيه (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) وأما الاسماء فما استِفهامٌ وجزاءٌ وموصولةٌ بمعنى الذى وموصوفَةٌ وتعجُّبٌ وفي التنزيل (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) وفيه (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) وفيه (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وفيه (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) وفيه (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (ولا) وهى تكون على خمسة أوجُه النَّفْى والعطفُ والنهىُ وجوابُ القسَم وزائِدة مؤكِّدة وفي التنزِيل (لا رَيْبَ فِيهِ) وتقول قام زيدٌ لا عمْرٌو وفي التنزيل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) وتقول والله لا آتِيكَ وفي التنزيل (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) «و (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) ومعنى (كَىْ) الغَرضُ ومعنى (بَلْ) الاضرابُ عن الشىءِ الاولِ ويوضِّحه قولُ أبى ذُؤَيب

بَلْ هَلْ أُرِيكَ حُمُولَ الحَىِّ غادِيةً

كالنَّخْلِ زَيَّنَها يَنْعٌ وإفْضاحُ

لأنه أضربَ عن الأولِ واستأنفَ الكلام بالاستفهام ومعنى (قَدْ) جوابُ التوقُّعِ لأمر يكون مع التقريبِ من الحال وقد تكون بمنزلة رُبَّما كقول الهذلى

قد أترك القِرْنَ مُصْفَرًّا أناملُه

كأَنَّ أثوابَهُ مُجَّت بفِرْصادِ

٥٥

وانما خرجَتْ الى معنَى ربَّما لأنها تقريبٌ من الحال والتقريبُ تقليلُ ما بينَ الشيئين ومعنى (لو) تقديرُ الثانى والاولِ على انه يجبُ بوجوبه ويمتنِعُ الاول بامتناعه ومعنى (يا) النِّداءُ والتنبيهُ كقول الشماخِ

* ألَا يا اسْقِيَانِى قبْلَ غارَةِ سِنْجالِ*

ومعنى (كَمْ) السُّؤَال عن عدد وتكونُ بمعنى رُبَّ ومعنى (مَنْ) تكون على أربعة أوجه استِفْهام وجَزَاء ومَوْصُولة ومَوْصُوفة تقول مَنْ أخُوك ومن يَأْتِينى أُكْرِمْه وكلُّ مَنْ أتانِى في الدار ومررت بمَنْ غيْرِك ومعنى (قَطْ) حَسْب ومعنى (مَعَ) المصاحبَةُ ومعنى (إذ) الوقتُ الماضِى وقالوا اذ نَكَّرُوها وكَسَرُوا الذالَ لالتقاء الساكنيْن وقول أبى ذؤيب

نَهْيتُك عن طِلَابِكَ أُمَّ عمْرو

بعاقِبةٍ وأنتَ اذٍ صحِيحُ

* قال ابن جنى* لما حُذِف ما يُضاف اليه إِذْ عُوِّض منه التنوينُ بعدها ونحوٌ منه قولُهم لَدَنْ غُدْوة وذلك أن أصلَه لَدُنْ فأُسْكنتِ الدالُ لضمَّتِها فلما سَكَنت وسكَن التنوينُ بعدها حُرِّكت بالفتح لالتقائهِما فان قيل هَلَّا كُسِرت كما كُسِرت ذالُ إذٍ قيل انما أُسْكِنت الدالُ هَربا من ثِقلَ الضمَّة فلم يكونُوا ليُحْدِثوا نحوًا مما هَربُوا منه* قال* وقال أبو الحسن في قوله وأنتَ اذٍ صحيح أراد حينَئذٍ فسألتُ أبا على فقلت أتعتقِد أن أبا الحَسن يرى كسرةَ الذال علامةَ الجر الذى أحدثَت الاضافةُ اليه هذا ما لا يُظَنُّ به بل بأكثر المبتدئِين قال انما أراد أن حِينَ مرادةٌ في المعنى المعروفِ في الاستعمال والعادةِ فأما على أنها أحدثَتْ في اذْ جرا ظاهرًا فلَا* قال* والامر عِنْدى على ما ذَكَر وقول أبى ذؤيب أيضا

تَواعَدْنا الرُّبَيقَ لنَنْزِلَنْه

ولم تَشْعُرْ اذًا أنِّى خَلِيفُ

* قال ابن جنى* قال خالد اذًا لُغة هذيل وغيرُهم يقول إذ وينبغى أن يكون فتحةُ ذال اذًا في هذه اللُّغة لِسُكُونها وسُكون التنوينِ كما أن مَن قال إِذٍ إنما كسَرها لذلك وشبه ذلك بمِنْ فهرَب الى الفتْحة استنكارا لتوالى الكسرتين

٥٦

شرح ما جاء على ثلاثة أحرف من حروف المعانى

وما جَرَى مَجْراها من الظُّروف والأسماءِ التى ليستْ بظَرْف ونُبَيِّن العِلةَ التى من أجلها فسِّرت معانِى هذه الحروفِ والاسماءِ المبهمة إبهامَ الحُروف ولِمَ صار تفْسِير ما كثُر استعمالُه من الحروف وما جَرَى مَجْراها يُحتاج فيه الى النظَر والاستدلالِ ولا يُحْتاج الى ذلك في تفسير الغَرِيب وهل ذلك أكثره بشغف أحدها بالمواقِع التى تقَع فيها على اختلاف وجُوهها ولِمَ صار تفسيرُ التفسير أشدَّ من التفسير الاوّل وهل ذلك لأنه يُوجَد للتفسير الاول بَيانٌ فاذا طُلِب بيانُ البيان أعوَز التفسيرَ والجواب عن ذلك أن الذى جاء على ثلاثةِ أحرُف من حُرُوف المعانى وما جَرَى مَجْراها في البِناء من الاسماء هو ما كان في المَرْتبة الثالثةِ لأنه في بابه ونظائره اذ ما كان أكثَرَ في نفْسه من الحروف فحقه أن يكون على حرفٍ واحد ثم يليه ما ينقُص عنه في الكَثْرة بمرْتبة فيكونُ على حرفين ثم ما نقص بمرتبتين فيكون على ثلاثة أحرف وهى تسعةٌ وثلاثُون قسْما تُؤْخذ من أبواب الحُرُوف للمعانى كما قد بينت وانما أذكر هنا منه شيأ للتنبيه وأنا آخذ في تفسير ما جاء في هذا النحو على ثلاثةِ أحرفٍ كما فسَّرت بباب الحرف والحرفين معنى (علَى) استعلاءُ الشىءِ ويجوز أن يكون حَرْفا واسمًا وفِعْلا فما يَتَصرَّف على طريقةِ فَعَل يَفْعلُ وسيَفْعَل فهو فِعْل كقولك عَلَا زيدٌ رأسَ عَمْرٍو بسيفه وما كان منها اسمًا فكقوله

غدَتْ مِنْ عَلَيْه بعد ما تَمَّ خِمْسُها

تَصِلُّ وعن قَيْضٍ ببَيْداءَ مَجْهَلِ

فهذا بمنزِلة مِن فَوْقه وما كان منها معناه في غيره فهو حَرْف كقولك على زيدٍ مالٌ (والى) معناها الانتهاءُ والفرق بينَها وبينَ حَتَّى في معنى الغاية أن إلى على معنَى الغاية في المفرَد لابتداء الغاية بمن ومعنى (حَسْبُ) اكْتَفِ وأكْتفِى ولذلك كان جوابُ حَسْبُ كجواب الفعل ولذلك قال سيبويه هذا بابُ الحروف التى يَجرِى مَجْرَى الامر والنهىِ وذلك قولك حَسْبُكَ يَنَمِ الناسُ* قال الفارسى* حقيقةُ هذه الكلمةِ الاكتفاءُ تقول أحْسبَنِى الشىءُ ـ أى كفَانِى وأنشد

ونُقْفِى وَلِيدَ الحَىِّ إن كان جائِعًا

ونُحْسِبُه إن كان لَيس بجائِعِ

* قال* ولذلك مثل سيبويه قولهم هذا عربِىٌّ حِسْبَةً حينَ أراد إيضاحَ المصدَر

٥٧

فقال أى اكتِفاءً ومن هذا الحَسَبُ عنده كأنَّه اكتفاءٌ بالمِقْدار وقد تُوضَع هذه الكلمة في موضِع الأمر ثم يعبَّر عنها بفعل لفظُه لفظُ الخبرَ كما يُفْعَل ذلك في الأفعال الصريحةِ وجعلوه اسما فقالوا حَسْبُك هذا وانما ذكَرْت هذا القِسَم الاسْمِىَّ الاخيرَ وان لم يكنْ من هذا الباب لأُرِيَك تصريفَ حَسْب ومعنى (قَطْ) معنَى في الزَّمان الماضى* ابن السكيت* ما رأيتُه قَطْ وقَطُّ وقد أبنت ذلك فيما تقدم وحقيقتُه القَطْع فيما رواه الفارسى* قال* ولذلك زعم النحويُّون أن قَطْ مخفَّفةٌ من قَطُّ أو لأنهم اذا حَقَّروه قالوا قُطَيط فرَدُّوا ما ذهب منه كما يتعادُون ذلك ويُحافِظون عليه في المعتلِّ والمخَفَّفِ كقولهم في تصغير دَمٍ دُمَىٌّ وبَخٍ بُخَيْخ ورُبَ رُبَيْب ونحوُ هذا كثيرٌ ومعنى (غَيْر) بَدَلٌ واستثناءٌ* قال سيبويه* اعلم أن غَيْرا أَبدا سِوَى المضافِ اليه ولكِنَّه يكون فيه معنَى إلَّا وهى في باب الاستثناء مكانَ إلَّا وقد أبنْت حالها في باب البدَل ومعنى (سِوَى) كمعنى غَيْر الا أن غَيْرا اسمٌ وسِوًى حرف ومن حيث كان معناها معنَى غيرٍ أطلِق للشاعر أن يضَعَها موضِعَ الاسمِ كما أنشد سيبويه

ولا يَنْطِقُ الفَحْشاءَ من كان مِنْهُمُ

اذا جَلَسُوا مِنَّا ولا مِن سَوَائِنا

أولا ترى سيبويه قال فعَلُوا ذلك اذ كان مَعْنى سَواء مَعنى غَيْر ومعنى (كُلّ) عمومٌ وجمْعٌ ومعنى (كَلِا) تثنيةٌ ومعنى (بعضٍ) اختصاصٌ وجُزْء* قال سيبويه* كُلٌّ وبعضٌ معرفةٌ ولا تُوصَف ولا تكونُ وَصْفا وذلك اذا حذفت منها الاضافة ولا يُعَوَّض مما حُذِف منها لدِلالتها بأنفُسِها على الاضافة اذا لكُلُّ كُلٌّ لشئٍ والبعضُ بعضٌ لشئٍ وأنثوا فقالوا كُلَّتهُنَّ منطلِقةٌ ولم يؤنثوا بعضًا لم يقُولوا بعضَتُهنَّ ومعنى (بُلْهَ) زيدٍ تَرْكَ زيدٍ* قال الفارسى* بَلْهَ كلمة استثنائيَّة يُخْفَض بها ويُنْصَب فمن خفَض بها جعلها مصدَرا كقولك ضَرْب الرِّقاب ومن نصَب ما بعدها جعَلَها فِعْلا وهذا قولٌ مجازِىٌّ وليس بحقِيقىٍّ ولو لا الاشْفاق من الاطالةِ لأبنْت كيف هو غيْرُ حقيقى ومن لَطَّف النظر أدنَى شئٍ أدركه ومعنى (عِنْد) حضورُ الشىءِ* ابن السكيت* هو عِنْدِى وعُنْدِى وعَنْدِى قال النحويون ولا تحقَّر لأنها نِهايةُ القُرْب وهى من القِسْم الذى لا يتمكَّن من قسمَىِ الظُّروف ومعنى (نَوْلُك) كذا

٥٨

يَنْبغى لك كذا وحقيقةُ التَّناوُل الأخذُ للشئ* قال سيبويه* لَانْولُك أن تفْعَل جعَلُوه بدَلا من قولهم يَنْبغِى لك مُعاقِبا له وقد حُكِى لم يَكُ نولُك أن تفْعلَ قال النابغة

فلم يَكُ نَوْلُكُم أن تُشْقذُونِى

ودُونِى عاذِبٌ وبِلادٌ حَجْرِ

وأنشد الفارسى

أَءَنْ حَنَّ أجْمالٌ وفَارقَ جِيرةٌ

عُنِيتَ بِنا ما كان نَوْلُك تَفْعَلُ

ومعنى (اذا) الوَقْت في معنى الجزَاء وتكون للمفاجَأَة كقولك نَظَرت فاذا الأسَدُ وتأمَّلْت فاذَا الضوء ومعنى (سَوْفَ) الاستِقبالُ* قال الفارسى* ولذلك سُمِّى المَطْلُ تسويفا وقال في بعض كُتُبه معناه التَّسْوِيف والتنْفِيس ونظيرها السِّين المتقدِّم ذكرها ومعنى (قَبْل) أوَّلٌ ولها تعليل لا يليقُ ذكرُه بهذا الكتاب ومعنى (بَعْدِ) آخِرٌ ومعنى (كيْف) استِفْهام عن حالٍ ومعنى (أيْنَ) استِفْهام عن مَكانٍ ومعنى (مَتَى) استِفْهام عن زَمانٍ ومعنى (حَيْثُ) مكانٌ مُبْهَم يحتَوِى الجملةَ وقد يقال حَوْثُ وحَوْثَ حكاهما الفارسى عن أبى الحَسن (وخَلْف) نقيضُ قُدَّام وأمَام ومعنى (فَوْق) مكانٌ عالٍ وتُبْنَى فيقال من فَوْق ومعنى (تَحْت) مكانٌ سافلٌ وتُبْنى فيقال من تَحْتُ ويُمَكَّنانِ ويُعْرَبان ويُصْرَفان فيقال من فَوْقٍ ومن تَحْتٍ (وأسْفَل) كتَحْت تكونُ ظَرفا وتكونُ اسما وفي التنزيل (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ومعنى (ليس) النفْىُ لما في الحالِ ومعنى (إنّ) توكيد (وأنّ) كانَّ في المعنى ولا فرْق بينهما الا أنّ إنَّ حرف وأنَّ اسمٌ (ولَيْتَ) تَمنٍّ ومعنى (عَسَى) طمَعٌ وإشْفاق ولا مُضارِعَ ولا مَصْدَرَ ولا اسمَ مكانٍ ولا اسمَ فاعلٍ ولا اسمَ مفعُولٍ له وحكى أحمدُ بنُ يحيى وابن السكيت* عَسَيت أن تفْعَلَ وحكى غيرُهما عَسِيت (وإذًا) جوابٌ وجزاءٌ وبعضُهم يعتقِدُها مركَّبة من إذْ وإنْ وهذا عِنْدى غلَط لأنها لو كانت كذلك لثَبتَت في الخط نُونا الى عِلَل لا يليقُ ذكرُها بهذا الموضِع ومعنى (لَدُنْ) عِنْد ولدُ محذوفةٌ من لَدُن كما أنشد سيبويه

* من لَدُ لَحْييه الى مُنْحُوره*

فأما قولُهم لَدُنّى فانما دخلت النونُ الاخيرةُ التسْلَم الأُولَى لأنها لو وَلِيَتْها ياءُ الاضافةِ للزِم كسرُها وانما كرِهُوا ذلك لئلَّا تكونَ بمنزِلة الاسماءِ المتمكِّنة نحو دَمٍ ويدٍ وكان

٥٩

الاسمُ أحملَ للتغيِير لقوَّته في ذاته فَخَصُّوا بالاجحافِ الاسمَ لذلك وَلَدَى كَلَدُنْ ومعنى (دُون) تقصيرٌ عن الغايةِ وتَمَكَّنُ ولَمَّا اقتَضَى معنى التقصير وصفُوا به ما ليس برفيع فقالوا رجُل دُونٌ وثوبٌ دُونٌ (ورُبَّ) معناها التقليلُ والعِزَّة ويُخَفَّف فيقال رُبَ واذا حَقَّروها ردُّوها الى الاصل كما فَعَلُوا ذلك في قَطْ وبَخٍ وهذا مطَّرد ومعنى (قُبَالة) مُقَابَلة ومعنى (تِجاه) مُواجَهَة وتاؤه مبدَلة من واو ومعنى (بَلَى) جوابُ النفىِ بالايجاب وهو حرف لأنه نقيضُ لا في الجواب ومعنى (حَسْبُ) كُفَّ وهذه غيرُ حَسْب التى هى الاسمُ وإن كان معناهما متقاربَيْنِ وهى مَبْنِيَّة على الضمِّ ومعنى (بَجَلْ) حَسْبُ ومعنى (نَعَمْ) جوابٌ وأَجَلْ كنعَمْ ومعنى (أَلَا) تنبيهٌ وانما فَسَّرنا معانِىَ الحُرُوف والأسماءِ التى تَجْرِى مَجْراها في الابهام لأنه مما يُحْتاج في إدراك الحقِّ في معانِيها الى قِياس ونَظيرٍ كما يحتاج في سائرِ أبواب النحو الى قياسٍ ونظيرٍ لتمييز الصَّواب من الخطا وليس ذلك على وَضْع تفسير الغَرِيب بالنحو ومع ذلك فتفسيرها يصْعُب لأنها تَدُورُ بين المُوَلَّدين والعرب على معنًى واحدٍ لشِدَّة الحاجةِ الى معانيها وأنها يُبَيَّن بها غيرُها كالآلات التى يُحْتاج اليها لغيرها فتفسيرُها أشدُّ من تفسير الغَرِيب لأن الغريب له ما يُساويه من اللفظ المعرُوف للمعنى الواحدِ فاذا طُلِب ذلك وُجِد ما يقومُ مَقامه فيفسَّر به ولأنه قد كان يُستغنى به عن الغَرِيب في كلام العرب وليس كذلك الحرُوفُ لأنها في كلام العرب والمولَّدِين سَواءٌ فليس في كلام المُولَّدِين ما يُستغنى به عنها كما كان في الأسْماءِ والأفعالِ فاذا طلب لها ما يفسر به أعْوَزَ ذلك لما بَيَّنا وليس كذلك الأسماءُ والأفعالُ وبيانُ البيانِ أشدُّ لأنه بمنزلةِ أعْلَى الأعْلَى في الامتناعِ من اليد اذ كانتْ تَنَالُ الأدْنَى ولا تَنَال الأعْلَى وكُلَّما زاد العُلُوُّ كان أشدَّ وكذلك منزِلة البيان والأَبْينِ اذا تُرِكَا على هذا المِنْهاج ويصلح أن تفَسَّر أيّان بمَتَى لكثرة استعمال متَى وقِلَّة استعمال أِيَّانَ وانْ كان معناهما واحدًا وأما الذى جاء من الحروف على أربعة فقليل كقولهم (أمّا وحَتَّى ولكنْ الخيفية ولعَلَّ وكِلَا وأنَّى ولَمَّا ولَوْ لا وكأنّ) وكقولهم إمّا في العطف وإلا في الاستثناء أمّا تفصيلُ ما أجملت (فأمّا) فيها معنى الجزاء كقول القائل فى الجواب لمن قال إخْوتُك في الدار فيقول أمّا زَيْد منهم ففى الدار وأمّا عَمْرو فليس

٦٠