المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

هُنَّ الحَرائِرُ لا رَبَّاتُ أَحْمِرةٍ

سُودُ المَحاجِر لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ (١)

 ـ أى لا يَقْرأْنَ السُّوَر ويجُوز في قوله (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) قولٌ آخَرُ وهو أنَّ الكُفَّار قالوا إن النبىَّ صلى اللهُ عليه وسلم مَجْنُون وإن به جِنِّيًّا فرد اللهُ عز وجَلَّ ذلك عليهم وتَوَعَّدَهم فقال (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) يعنى الجِنِّىَّ فيما يحمِلُ التأوِيل لأن الجِنِّىَّ مَفْتُون* قال أبو عبيد* قال الأحمرُ ومن هذا الباب حَلَفْت مَحْلُوفا والمَجْلُود ـ الجَلَد وأنشد بيت جرير

إنَّ التَّذَكُّرَ فاعْذِلَانِى أوْدَعَا

بَلَغَ العَزَاءَ وأدْرَكَ المَجْلُودَا

فهذه قوانِينُ المَصادِر قد أبَنْتُ حُدُودَها وأوضَحْت فُصُولَها وحَللت معانِيَها بما سقَط الىَّ من لفظ الشيخين أبِىّ علىٍّ وأبى سعيدٍ ورجَّحْت وجَرْحت واللهَ أسأَل تيسير المقصُود وإدراك المراد وأذكر الآن شيأ من التعَجُّب والمُضارعات التى في حُرُوف الحلقِ وما يَحْدُث في أوائِل الأفعال المضارِعةِ من الكسْر لضربِ من الاشعار بعد ذِكْرِ حِفْظِيَّات مَفْعَلة ومَفْعُلة ومَفْعِلة ومَفْعَلَة ومَفْعُلة ومَفْعَلة ومِفْعلة ومَفْعَلة ومِفْعَلة ومِفْعَل ومُفْعَل ومَفْعِل ومَفْعِل ومَفْعُل وفِعَالٍ ومَفْعَلَة من الأَرضِينَ لها أفعال ليكونَ هذا الكتاب أجْسمَ كُتُبِ اللُّغة فائدةً وأعظمَها نَفْعا

باب مَفْعَلةٍ ومَفْعُلة

* ابن السكيت* المَأْرَبَة والمَأْرُبَة ـ الحاجَةُ ومثَلٌ من الأمثال «مَأْرُبةٌ لا حَفَاوةٌ» يقال ذلك للرجُل اذا كان يتمَلَّقُك ـ أى انما حاجَتُك الىَّ لا حَفَاوةٌ بِى* وقال* مَأْدَبَة ومَأْدُبة ومَحْرَمة ومَحْرُمة ومزْرَعة ومَزْرُعة ومَفْخَرة ومَفْخُرة ومَقْبَرة ومَقْبُرَة ومَخْرَأَة ومَخْرُؤَة وعَبْدُ مَمْلَكَة ومَمْلُكَةٍ ـ اذا مُلِكَ ولم يُمْلَكْ أبوَاه وما بَيْنَهما مَقْرَبة ومَقْرُبة ـ أى قَرَابة وقالوا مَعْرَكة ومَعْرُكَة والمَقْنَأة والمَقْنُؤَة ـ المكانُ الذى لا تطْلُع عليه الشمسُ ويُتْرك همزُه فيُقال مَقْناة ومَقْنُوَة وقد أنعمتُ شرحَ ذلك في كتاب الأرَضِينَ وقالوا مَأْكَلَة ومَأْكُلَة ومَزْبَلَة ومَزْبُلَة ومَبْطَخَة ومَبْطُخَة* أبو عبيد* مَخْبَرة ومَخْبُرة ومَسْرَبَة ومَسْرُبة ومَأْثَرة ومَأْثُرة* قال ابن السكيت* وكذلك يفْعَلون بكل ما كان من هذا البابِ الا أنهم قد قالوا مَكْرُمة لا غيْرُ* ثعلب* مَصْنَعَة

__________________

(١) قلت هذه الكلمة من هذا البيت وهى أحمرة رواها الرواة الثقات المحققون الاولون بالحاء المهملة جمع حمار وهو الدابة المعروفة وصحفه الدمامينى فيما كتبه على مغنى اللبيب بالحاء المعجمة وقال انه جمع خمار واحد خمر النساء المعلومة وما قاله رحمه‌الله باطل لا أصل له في الرواية وتبعه فيه من تبعه ممن لم يعرفوا الرواية وكتبه محققه محمد محمود لطف الله تعالى به آمين هنا بياض بالأصل

٢٠١

ومَصْنُعَة للصِّهرِيج

مَفْعَلة ومَفْعُلة ومَفْعِلة

* غير واحد* مَشْرَقة ومَشْرُقة ومَشْرِقَة ومَقْدَرة ومَقْدُرة ومَقْدِرة وأُورِدُ ههنا شيأ اطِّراديًّا نافِعا في التصريف وذلك أنَّ كل ما كان من بَناتِ الياءِ مما لا يُتَوَهَّم فيه مفعول إما بدِلالةِ معنًى وإما من جِهة أن الفعلَ لا يتعدَّى فقد يكون مَفْعِلة ومَفْعُلة وان كان لفظه على مَفْعِلة وهذا مذهَب الخليل وسيبويه وأبو الحسن لا يَراه الا مَفْعِلةً على اللفظ ونحن نُعَلِّل المذْهبنِ بما علَّله به أبو على الفارسىُّ قال مَفْعِلةٌ من هذا الضرْبِ كمَعِيشةٍ عند الخليل وسيبويه يصلح أن يكون مَفْعُلَة وان يكونَ مَفْعِلة فأما وَزْنهم لها بمَفْعِلة فجلِىٌّ وكان الاصل مَعْيِشة الا أن الاسمَ وافَقَ الفعل فى وَزْنِه لأنَّ مَعِيش على وَزْن يَعِيش فأُعِلَّ كما أُعِلَّ الفعلُ وقد وجَدْنا الاسمَ اذا وافَق الفِعلَ في البناء أُعِلَّ كما يُعَلُّ فمن ذلك اعلالهم لبَابٍ ودارٍ ونحوِه ورجُلٌ مالٌ وخافٌ لمَّا وافقَ ضَرَب وسَمِع في البناء أُعِلَّ كما أُعِلَّ قال وخافَ وهابَ فكذلك مَعِيشةٌ أُعِلَّ بأن أُلْقى حركةُ عينِها على فائها ولم يُحتَج الى الفصل بينه وبين الفِعل لأن الزِّيادةَ التى في أوَّلها زيادةٌ يختَصُّ بها الاسمُ دون الفِعل وهى الميمُ وهى لا تُزاد فى أَوائِل الأفعالِ ولو كانت الزيادةُ يشْترِك فيها الاسمُ والفِعلُ لأُعِلَّ الفِعلُ ولم يُعَلَّ الاسمُ نحو أقَامَ وأجَادَ تُعِلُّه في الفعل وتقول هذا أقْومُ من هذا وأجْودُ منه فلا تُعِلُّه في الاسم لاشتراكهما في المِثال والزيادةِ لأن الهمزَ تُزَاد في أوائِل الافعالِ كما تُزَاد في أوائِل الاسماءِ وكذلك أُعِلَّ مَعِيشة لَمَّا انفصلَتْ بزيادتها من الفِعْل وكانت على وَزْنه وكذلك ما كان مثلَ مَعِيشةٍ في الاعتِلال وهذا مذْهبُ سيبويه والخليلِ وأبى عثمانَ وجميعِ المتقدِّمين من البَصْريِّين* قال* وقد ذهب بعضُ أصحابِنا الى أن هذا الضَّرْب من الأسماء انما اعتَلَّ ما اعتَلَّ منه لمناسبَته الفِعْل فزعم أن المَقَال والمَعَاش ونحوَ ذلك انما اعتَلَّ بجَرْيه على الفِعْل والْتِباسه به في أنه موضِعٌ له أو مَصْدَر ولعَمْرى إنَّ مناسبةَ الفِعل تُوجب الاعلال ومُوافَقَة الاسمِ للفعل في البِناء أيضا ضرْبٌ من المُناسَبة والملابَسةِ يُوجِب الاعلالَ ويدُلُّك على جَواز

٢٠٢

اعتِلال هذَا الضربِ أعنى مَقَالا ومَتَابا لمشابَهتِه الفعل في البناء ومَجِيئِه عليه أنا وجدْناهم قد أعَلُّوا نحوَ بابٍ ودارٍ ويومٍ راحٍ لمشابَهتهِ الفِعْل في البِناء والزِّنَة ألا تَرَى أن ما خالَفَه فيه لم يُعِلُّوه نحو غَيَبَة وعِوَض وغيرهما من الاسماء فكما أوجبَ موافقَةُ الفِعل في البِنَاء هذا الْاعلال كذلك يُوجِبه في بابٍ ومَقَال ومَثابةٍ وان لم يكُنْ مصدَرًا للفعل ولا مكَانًا له ألا تَرى أنّ نحو بابٍ ودارٍ لم يناسب الفعلَ في معنًى أكثَرَ من البِناءِ وانه لا مُلابَسةَ بينهما في شئٍ غيْرِه وقد استمَرَّ الاعتِلالُ فيه مع ذلك فكذلك يستَمِرُّ في هذا الضربِ الذى لَحِقَ أوَّلَه الزيادةُ وان لم يُناسِب الفعلَ في معنى غير مُوافَقَة البِناء للبِناء واستدل على ما ذهب اليه من أنّ ما لم يكُنْ مناسِبا للفعل من بابِ ما لَحِقه الزيادةُ في أوله لا يكونُ معْتَلًّا وان وافَق الفِعلَ في البِناءِ بقولهم الفُكَاهة مَقْوَدة الى الأذْى وبقولهم مَرْيَم ومَكْوَزة فأما مَرْيم ومَكْوَزة فليس فيهما حجة لانها اسمان عَلَمان والاسماءُ الاعلام والألقاب قد يُخالَف بها ما سواها ويجوز فيها ما لا يجوز في غيرها فأما وزن مَعِيشة عند الخليل فكان أصله مَعْيُشة فنقلت حركتها الى الفاء للاعلال لانه على وزن الفعل فتحركت الفاء بالضمة وصادفت الياء ساكنة فلزم أن تقلبها واوا كما انقلبت ياء مُوسِر واوا ثم أبدل من ضمة الفاء كَسْرة لتصح الياء ولا تنقلبَ واوا كما فعل ذلك في بِيض جمع أَبْيض أو بَيُوض فيمن قال رُسْل ألا ترى أن أصل ذلك فُعْل مثل أَحْمر وحُمْر ورُسْل الا ان الضمة قلبت كسَرة لتصح الياء فكذلك تقاس معيشة في وزنك اياه بمَفْعُلة فأما أبو الحسن فلا يجيز فيه أن يكون مَفْعُلة انما هى عنده مَفْعِلة لا غير ولا يرى أن يقيسه على بِيض ويحتجُّ بأن الجمع قد يُخَصُّ بالاشياء التى تكون في الآحاد فلا يقيس الآحادَ عليه لكن يقصُر هذه العِبْرة على الجمع دون غيره

باب مَفْعَلَة ومَفْعِلة

* ابن السكيت* يقال عِلْق مَضَنَّة ومَضِنَّة وأرضٌ مَضَلَّة ومَضِلَّة ومَهْلَكة ومَهْلِكة وهى مَضْرَبة السَّيف ومَضْرِبة السَّيف ومَعْتَبة ومَعْتِبة .... وقال .... (١) منه مَذَمَّة ومَذِمَّة

__________________

(١) بياض بالأصل

٢٠٣

باب مَفْعَلة ومِفْعَلة بمعنى واحد

* ابن السكيت* مَبْناة ومِبْنَاة للنِّطَع ومَثْناة ومِثْناة للحَبْل ومَرْقَاة ومِرْقاة للدَّرَجة* وقال* والله لَتَعْلَمُنَّ أيُّنا أشَدُّ مَنْزَعة* وقال خشَّاف الاعرابى* مِنْزَعة والمِنْزَعة ـ ما يرجع اليه الرجل من أمره ورأيه وتدبيره وحكى في غير هذا الباب مَسْقَاة ومِسْقاة ومَطْهَرة ومِطْهَرة

باب مُفْعَل ومِفْعَل

* ابن السكيت* يقال مُغْزَل ومِغْزَل وحكى الكسائى مَغْزَل* وقال غيره* انما مَغْزَل من الغَزْل وقد استثقلت العرب الضمة في حروف فكسرت ميمها وأصلها الضم من ذلك مِصْحَف ومِخْدع ومِطْرَف ومِغْزَل ومِجْسَد لانها في المعنى مأخوذة من أُصْحِف ـ جُمِعَت فيه الصُّحُف وأُطْرِف ـ جُعِل في طَرَفيه العَلَمانِ وأُجْسِد ـ أُلْصِق بالجَسَد وكذلك المِغْزل انما هو أُدِير وفُتِل* وقال غيره* المُجْسَد ـ ما أُشْبِع صِبْغُه من الثياب والمِجْسَد بكسر الميم ـ الذى يَلى الجسد من الثَّياب* أبو زيد قال* تميم تَقُول المِغْزَل والمِصْحَف والمِطْرَف وقيس تقول المُغْزَل والمُصْحَف والمُطْرَف

باب مَفْعِل ومَفْعَل

* أبو زيد* يقال للسيف مَقْبِض ومَقْبَض وله مَضْرِب ومَضْرَب وقالوا هو المَسْكِن وأهل الحجاز يقولون هو مَسْكَن وقالوا المَنْسَك وقال العَدَوِى المَنْسِك وقالوا مَنْسَج الثوب حيث يَنْسَجُونه وهى المَنَاسِج ومَعغْسَلُ المَوْتى* وقال بعضُهم* مَنْسِج الثوب ومَغْسِل الموتى

باب مِفْعَل وفِعَال

يقال مِلْحَف ولِحَاف ومِعْطَف وعِطَاف وحكى الفارسى مِنْقَب ونِقَاب ومِلْثَم ولِثَام

٢٠٤

ومِقْنَع وقِنَاع* أبو عبيد* مِسَنٌّ وسِنَان ومِطْرَف وطِرَاف ومِقْرَم وقِرَام* غيره* ومسْرَد وسِرَاد

باب مَفْعَلة من صفات الارَضِين

أَرْض مَأْبَلَة ذات إبِل ومَشَاهة من الشَّاء ومَدْرَجَة من الدَّرَّاج ومَلَصَّة من اللُّصُوص ومَحْيَاة ومَحْواة من الحَيَّات ومَذَبَّة من الذُّبَاب ومَذْأَبة من الذِّئَاب ومَسْبَعة من السِّبَاع ومَأْسَدة من الاسُود ومَقْثَأة من القِثَّاء ومَثْعَلة مِن ثُعَالة وهو ـ الثَّعْلَب وقد أدخلوا فَعِلَة في هذا الباب قالوا أرضٌ فَئِرة من الفَأْر وجَرِذَة من الجِرْذان وضَبِبَة من الضِّبَاب ونَمِلة من النَّمْل وسَرِفة من السُّرْفة وقد أَدْخَلوا مَفْعولة قالوا أرض مَدْبِيَّة من الدَّبَى وقالوا مُدْبِيَة وقالوا مَوْحُوشة من الوَحْش ومَسْرُوَّة من السَّرْوَة وهى ـ دودة ويجوز عندى أن يكون من السِرْوَة وهى صِغَار الجراد وقالوا مَذْبُوبة من الذُّبَاب وحكى الفارسى وأبو عبيد أرض مَدَبَّة من الدِّبَبة ومَخَزَّة من الخِزَّان يعنى ذكور الأرانب وقد قدمت أنهم لم يستعملوا مَفْعَلة فيما جاوز الثلاثة وأبدلوا مكانه مُفَعْلَلة كراهية الحذف كما قدمت وذلك قولهم أرض مُثَعْلَبة من الثعالب ومُعَقْرَبة من العقارب* وحكى أبو الحسين* مُعَنْكَبة من العَنَاكب وقد قالوا أرض مُؤَرْنَبة من الارانب ومُخَرْنَقة من الخَرَانق وهى ـ أولاد الارانب (١)

هذا باب ما يكون يفعَل من فَعَل فيه مفتوحا

وذلك اذا كانت الهمزةُ أو الهاءُ أو العينُ أو الغَيْنُ أو الحاءُ أو الخاءُ لاما أو عينا وذلك قولك قرَأَ يَقْرأُ وبَدَأَ يَبْدأُ وخَبَأَ يَخْبأُ وجَبَه يَجْبَهُ وقَلَع يَقْلَع ونَفَع يَنْفَع وفَرَغَ يَفْرَغُ وسَبَع يَسْبَع وضَبَع يَضْبَع وذَبحَ يَذْبَح ومَتَح يمْتَح وسَلَخ يَسْلَخ ونَسَخ يَنْسَخ فهذه الحروف في هذه الافعالِ لا ماتٌ وأما ما كانتْ فيه عيناتٍ فهو كقولك سأَل يَسْأَل وثَأَر يَثْأَر وذَأَل يَذْأَل والذَّأَلانُ ـ المَرُّ الخفيفُ وذَهَب يَذْهَب وقَهَر يَقْهَر ومَهَر يَمْهَر وبَعَث يَبْعَث وفَعَل يَفْعَل ونَحَل يَنْحَل ونَخَر يَنْخَر وشَحَج يَشْحَج ومَغَث يَمْغَث وفَغَر يَفْغَر وشَغَر يَشْغَر والشَّغْر ـ أن يرفَعَ الكلبُ إحدَى رجليه ليَبُولَ والمَغْث

__________________

(١) سقط من الناسخ ما سبق وعد المؤلف به من ذكره أبواب التعجب وهى عدة أبواب فى كتاب سيبويه فليرجع اليه

٢٠٥

ـ تقلُّب النفْسِ وغَثَيانُها والفَغْر ـ فتحُ الفَمِ وإنما فتَحُوا هذه الحروفَ لأنها سَفَلت في الحلْق فكرِهُوا أن يتناوَلُوا حركة ما قبلَها بحركة ما ارتفَع من الحُروف فجعلُوا حركتَها من الحرف الذى في حَيِّزها وهو الألف وانما الحركاتُ من الالفِ والياءِ والواو وكذلك حركوهن اذا كُنَّ عيناتٍ* واعلم أن هذه الحروفَ التى من الحَلْق هى مستَفِلَة عن اللِّسان والحركاتُ ثلاثٌ الضمُّ والكسرُ والفتْحُ وكل حركة منها مأخوذةٌ من حرْف من الحرُوف فالضمَّةُ مأخوذة من الواوِ والكسرةُ من الياءِ والفتحةُ من الألفِ ومَخرَج الواوِ من بين الشَّفتيْنِ والياء من وَسَط اللسانِ والالف من الحلْق فاذا كانت حروفُ الحلْق عيناتٍ أو لاماتٍ ثَقُل عليهم أن يضُمُّوا ويكْسِرُ والأنهم اذا ضَمُّوا فقد تكلَّفُوا الضمةَ من بين الشَّفَتين لأن منه مَخرجَ الواوِ وان كَسَرُوا فقد تكلَّفُوا الكسرةَ من وسَط اللسانِ وان فتَحُوا فالفتحةُ من الحلْق فثقُل الضمُّ والكسر لأنَّ حرف الحَلْق مُسْتَفِل والحركة عالِيةٌ متباعدةٌ منه فحرَّكُوه بحرَكَةٍ من موضِعِه وهى الفَتْح لان ذلك أخَفُّ عليهم وأقلُّ مَشَقَّةً وكان الاصلُ فيما كان الماضِى منه على فَعَل أن يجِىءَ مستقْبَلُه على يَفْعِل أو يَفْعُل نحو ضَرَب يَضْرِبُ وقَتَل يَقْتُل وإنَّما يجىءُ مفتُوحا فيما كان في موضِع العينِ أو اللامِ منه حرفٌ من حُرُوف الحَلْق لما ذكرتُه لك من العِلَّة* وقد يَجِىءُ ما كان في موضِع العينِ واللامِ منه حرفٌ من حُرُوف الحلق على الأصل فيكون على فَعَل يَفْعِل وفَعَل يَفْعُل وقد ذكر سيبويه منه أشياءَ فمن ذلك قولهم بَرَأَ يَبْرُؤُ ويقال بَرَأَ اللهُ الخلْقَ يَبْرَأُهم ويَبْرُؤُهم ولم يأْتِ مما لامُ الفعلِ منه همزةٌ على فَعَل يَفْعُل غيْرُ هذا الحرفِ وقالوا هَنَأَ يَهْنِئُ كما قالوا ضَرَب يَضْرب ومَجِىءُ هذه الافعال على فَعَل يَفْعُل ويَفْعِل في الهمز أقلُّ لأن الهمز أقْصَى الحُروفِ وأَشَدُّها سُفُولا وكذلك الهاءُ لأنَّه ليس في الستَّة أقرَبُ الى الهمزةِ منها وانما الألِفُ بينَهما وقالوا نَزَع يَنْزِع ورَجَعَ يَرْجِع ونَضَح يَنْضِح ونَجَح يَنْجِح ونَطَح يَنْطِح ومَنَح يَمْنِح كل ذلك على مِثْل ضَرَب يَضْرِب وقالوا جَنَح يَجْنُح وصَلَح يَصْلُح وفَرَغ يَفْرُغ ومَضَغ يَمْضُغُ ونَفَخ يَنْفُخُ وطَبَخَ يَطْبُخُ ومَزخ يَمْرُخ كل ذلك على مثل قَتَل يَقْتُل وما كان من ذلك للخاء والغين فيَفْعِل ويَفْعُل فيه أكثَرُ منه في غيرِهما لأنَّهما أشدُّ السِّتَّة ارتِفاعا وأقرَبُها الى حُروفِ اللسانِ ومن أجْل ذلك أخْفَى

٢٠٦

بعضُ القُرَّاء النونَ الساكِنةَ قبْلهما في مثل قوله عزوجل (مِنْ خَوْفٍ) وما أشبه ذلك* ومما جاء على الأصل مما فيه هذه الحروفُ عَيْناتٌ قولهم زَأَرَ يَزْئِرُ ونَأَم يَنْئِم من الصَّوت كما قالوا هَتَفَ يَهْتِفُ ونَهَق يَنْهِق ونَهَت يَنْهِت والنَّهِيت صَوْت وقالوا نَعَر يَنْعِر ورَعَدتْ تَرْعُد وقَعَد يَقْعُد وقالوا شَحَج يَشْحِجُ ونَحَتَ يَنْحِت ونَغَرت القِدْرُ تَنْغِر ونَحَزَ يَنْحِرُ والنُّحَاز ـ السعال وقالوا شَحَب يَشْحُب مثل قَعَد يَقْعُد ولَغَب يَلْغُب وَشَعر يَشْعُر ونَخَل يَنْخُل كل ذلك مثل قَتَل يَقْتُل* قال سيبويه* بعد ذكره فتح ما يُفتح من أجل حروف الحلق ولم يُفْعَل هذا بما هو من موضع الواو والياء لانهما من الحروف التى ارتفعت والحروف المرتفعة حَيِّزٌ على حِدَة فانّما تتناول للمرتفع حركةً من مرتفع وكُرِه أن يُتَناوَل للذى قد سَفَل حركةٌ من هذا الحَيِّز يريد أن ما كان من موضع الواو والياء من الحروف لا يلزمه أن تكون الحركة مأخوذة من الواو ولا من الياء بل يجىء على قياسه ولا تُغَيِّر الواوُ ولا الياء حكمَ القياس فيه والذى هو من مخرج الواو الباءُ والميم والذى من مخرج الياء الجيم والشين تقول ضَرَب يضرِب وصَبَر يصبِر ونَحَم يَنْحِم وحَمَل يَحْمِل فكُسِرت هذه الحروف وان كانت من مخرج الواو وتقول شَجَب يَشْجُب وشَجَن يَشْجُن ومَشَق يَمْشُق ولم يكسر ذلك من أجل الياء لان موضع الواو والياء بمنزلة ما هو من مخرج واحد لاجتماعهما في العلو عن الحَلْق وتقارب ما بينهما* واعلم أن فَعَل يَفْعِل انما جاز فيه الخروج عن قياس نظائره من حروف الحلق أن فَعَل لا يَلْزَم مستقبله شئٌ واحد لانه يجىء على يَفْعِل ويَفْعُل كقولك ضرب يضرِب وقَتَل يقتُل واستجازوا أن يَخْرُجوا منه الى يفعَل لما ذكرت لك من العلة فاذا كان الفعل يلزمه وزن لا يتغير لم يَحْفِلوا بحرف الحلق ولزموا القياسَ الذى يوجبه الفعل فمن ذلك ما زاد ماضيه على ثلاثة أحرف كقولك اسْتَبْرأَ يَسْتَبْرئ وأَبرأ يُبْرِئ وانْتَزَع يَنْتَزع وجَرَّأ يُجَرِّئ وبارَأَ يُبارِئ واطْلَنْفَأ بالارض يَطْلَنْفِئ ـ اذا لَصِقَ بها وقالوا فيما كان ماضيه على فَعُل يَفْعُل ولا يُغَيِّرِه حرف الحلق لان ما كان على فَعُل لزم فيه يَفْعُل مما ليس فيه حرف حلق تقول صَبُحَ يَصْبُح وقَبُح يَقْبُح وضَخُم يَضْخُم وقالوا مَلُؤَ يَمْلُؤ وقَمُؤَ يَقْمُؤ وضَعُف يَضْعُف وقالوا مَلُؤ فلم يفتحوها لانهم لم يريدوا أن يُخْرِجوا فَعُل من هذا الباب وأرادوا أن تكون

٢٠٧

الأبنية الثلاثة فَعَل وفَعِل وفعُل في هذا الباب فلو فتحوا لالتبس فَخَرج فَعُل من البناء وانما فتحوا يَفْعَل من فَعَل لانه يختلف فاذا قلت فَعَلَ ثم قلت يَفْعَل علمت أن أصله الكسر أو الضم ولا تجد في حَيِّز مَلُؤه هذا كأنَّ سائلا سأل فقال لم لا يُنْقَل فَعُل الى فَعَل من أجل حرف الحلق فيقال مكان مَلُؤ مَلَأَ ومكان قَبُح قَبَح فأجيب عنه بجوابين أحدهما أنا لو فعلنا ذلك لأخرجنا فَعُل من باب حروف الحلق وأسْقَطْناه فكرهوا اخراجه من ذلك لاشتراك هذه الابنية والجواب الآخَر أنا لو فتحناه لم يعلم هل أصله فَعَل أو فعُل لأن مستقبله يجىء على يَفْعُل أو يَفعَل فلو جاء على يَفْعَل لكان من باب صَنَع يَصْنَع ويلزم أن يقدر ماضيه على فعَل ولو جاء على يَفْعُل لكان بمنزلة قَتَل يَقْتُل وانما جاز أن يفتح في المستقبل فيقول ذَبَح يَذْبَح وقَرَأ يَقْرَأ لان فَعَل قد دَلَّ على أن المستقبل يَفْعِل أو يَفْعَل كما يوجبه القياس وان المفتوح أصله يَفْعِل أو يَفْعُل* قال سيبويه* ولا يُفتَح فَعُل لانه بناء لا يتغير وليس كيَفْعَل مِنْ فَعَل لانه يجىء مختلفا فصار بمنزلة يُقْرِئ ويَسْتَبْرِئ وانما كان فَعَلَ كذلك لانه أكثر في الكلام فصار فيه ضربان ألا ترى أن فَعَلَ فيما تعدى أكثر من فَعِل وهى فيما لا يتعدى أكثر نحو جَلَسَ وقَعَدَ وحَلَّل أبو سعيد وأبو على هذا الفصل من كتاب سيبويه فقالا ان فَعُل اذا كان فيه حرف الحَلق لم يُقْلَب الى فَعَلَ لانه يلزم مُسْتَقْبلَه أن يكون على يَفْعَل وما كان مستقبله في الاصل على يَفْعَل لزم ماضيَه أن يكون على فَعَلَ فصار بمنزلة يُقْرِئ ويَسْتَبْرِئ الذى لا يغيره حرف الحلْق .... (١) فَعَل الذى يكون مستقبله يَفْعِل أو يَفْعُل واعلم أن فَعَلَ في الكلام أكثرُ فجاز فيه من التصرف لكثرته ما لا يجوز في غيره وأذكر مما جاء من هذا الباب على الأصل شيأ لم يذكره سيبويه من موضع العين واللام قالوا كَعَبَ ثَدْىُ المرأة يَكْعُب ونَهَدَ يَنْهُدُ وسَهَم لَوْنُه يَسْهُم وبَزَغَت الشمس تَبْزُغ وطَلَعَتْ تَطْلُع وسَخَنَ الماءُ يَسْخُن وبَغَمَت الظَّبْيةُ تَبْغُم صَرَّح بضَمِّه أبو على وسَبَغَ الثوبُ يَسْبُغ ـ أى اتسع وصَبَغَ الثوبَ وغيره يَصْبُغه وكَهَنَ الرجلُ يَكْهُن وطَهَر يَطْهُر ورَجَح يَرْجُحُ وصَلَحَ يَصْلُح فأما ما يقع فيه الاشتراك مما لم يذكره سيبويه قالوا شَحَجَ يَشْحِج ويَشْحَج وشَهَقَ يَشْهِق ويَشْهَق ونَهَش يَنْهِش ويَنْهَش ودَبَغ يَدْبَغ ويَدْبُغ وحكى

__________________

(١) بياض بالأصل

٢٠٨

الفارسى عَهَنَتْ عَوَاهِنُ النخل وهى الجَرائد ـ اذا يَبِسَت تَعْهَن وتَعْهُن يرفعه الى أبى الجَرَّاح ولم يَحْكِ رؤساءُ اللغة غيرُه الا احداهما وقالوا جَنَح يَجْنَح ويَجْنُح ولم يذكر سيبويه الا الضم وقالوا مَخَضَ اللبنَ يَمْخَضه ويَمْخُضه وشَخَب اللبنُ يَشْخَب ويَشْخُب ـ اذا صَوَّت وقالوا أَنَحَ يَأْنِح ويَأْنَح أَنِيحا وأُنُوحا وهو مثل الزَّحِير وزَحَر يَزْحِرُ ويَزْحَر ونَحَت يَنْحِت ويَنْحَت ونَهَقَ يَنْهِق ويَنْهَق ونَضَحَ يَنْضِح ويَنْضَح وصَمَحَتْه الشمس تَصْمَحُه وتَصمُحُه ـ أَلَمَتْ دِماغَه ومَضَغ يمَضْغ ويَمْضُغ ونَحَب يَنْحَب ويَنْحُب من النَّذْر ونَبَحَ يَنْبِح ويَنْبَح ولعله قد حكى غير هذا فان المجىء على القياس والأصول لا يحاط به وانما يُحْصَر النادر من هذا الضرب

هذا باب ما هذه الحروف فيه فاآت

تقول أَمَر يَأْمُر وأَبَق يَأْبِق وأَكَل يأْكُل وأَفَل يَأْفُل لانها ساكنة وليس ما بعدها بمنزلة ما قبل اللامات لان هذا انما هو مثل الادغام والادغام انما يدخل فيه الاول فى الآخِر والآخِرُ على حاله ويُقْلَب الاول فيدخل في الآخر حتى يصير هو والآخر من موضع واحد ويكون الآخر على حاله فانما شُبِّه هذا بهذا الضرب من الادغام ولا يُتْبِعون الآخر الأوّل في الادغام فعلى هذا أجرى هذا وقد ذكر فى الباب الذى قبل هذا أن حروف الحلق اذا كانت عينا أو لاما جاز أن يأتى الفعل على يَفْعَل وماضيه فَعَل وذكر في هذا الباب أنه اذا كان حرف الحلق فاء الفعل وكان الماضى على فَعَلَ لم يأت مستقبلُه على يَفْعَل وانما يأتى على يَفْعِل أو يَفْعُل بمنزلة ما ليس فيه حرف من حروف الحلْق وفرق بينهما بأنه اذا كان حرف الحلق فاء من الفعل فهو يَسْكُن في المستقبل وان هذا الساكن لا يوجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون كما أوْجَب لامُ الفعل اذا كان من حروف الحلق فتحَ ما قبله لان اللام متحركة ثم شبه ذلك بالادغام لان الأول يَتْبَعُ الثانى يريد أن عين الفعل يجوز أن يَتْبَع لامَ الفعل اذا كانت لام الفعل من حروف الحلق كما أن الحرف الاول يدغم فيما بعده ولا تتبع عين الفعل فاءه لان الفاء قبل العين ومع هذا ان الذى قبل اللام فَتَحَتْه اللام حيث قَرُبَ جِوارُه منها لأن الهمز واخواته لو كُنَ

٢٠٩

عيْنَاتٍ فُتِحْن فلما وقع موضعهن الحرف الذى كن يُفْتَحْنَ به لو قَرُب فُتِح وكرهوا أن يفتحوا هنا حرفا لو كان في موضع الهمزة لم يُحَرَّك ولزمه السكونُ فحالُهما في الفاء واحدةٌ كما أن حال هذين في العين واحدة أعنى أن لام الفعل اذا كان من حروف الحلق فَتَحَت العينَ كما أن العين اذا كانت من حروف الحلق فتحت نفسَها فلما كانت تفتح نفسها اذا كانت من حروف الحلق وجب أن يفتحها ما يُجَاوِرها لاشتراكهما فى الحركة لان العين واللام متحركتان جميعا وليست تقلب الالفُ الفاءُ العينَ لان الفاء ساكنة في المستقبل والعين متحركة فهما مُخْتَلِفان ولو جعلت العين مكان الفاء سكنت وخالفت حالها الاوّل في الحركة ولو جعلت اللام مكان العين لم تخرج عن الحركة التى كانت تلزمها هذا كلام سيبويه وعندى فيه وجه آخر يقوّى ما قال وهو أن الفتحة التى تجلبها حروف الحلق انما هى على العين والحركة في الحرف المتحرك يقدّر أنها بعده فهى بعد العين وقبل اللام فتَوَسُّطُها بينهما ومجاورتها لهما واحدة فمن أجل ذلك جاز أن تكون الفتحة تجلبها العين واللام وليست الفاء كذلك لان الفتحة بعيدة من الفاء اذا كانت تقع بعد الحرف الذى بعده* قال سيبويه* وقالوا أَبَى يَأْبَى فشبَّهوه بِيَقْرأ أراد أنهم شبهوا الهمزة التى في أوّل أبى وهى فاء الفعل منها بالهمزة التى تكون لاما في مثل قرأ يقرأ فتحوا عين الفعل من أجل الفاء التى هى همزة كما فتحوها من أجل اللام التى هى همزة وفي يَأْبَى وجهٌ آخر وهو أن يكون فيه مثل حَسِب يَحْسِب فُتِحَا كما كُسِرَا والفرق بين هذين الوجهين ان الاول كان التقدير فيه أَبَى يَأْبِى ثم فَتَحت الالف عينَ الفعل كما قيل صَنَع يَصْنَع تشبيها للفاء باللام والوجه الثانى أنهم بنوه في الاصل على فَعَل يَفْعَل كما بَنَوا في الاصل حَسِب يَحْسِب على فَعِل يَفْعِل وقالوا جَبَى يَجْبَى وقَلَى يَقْلَى فشبهوا هذا بِقَرَأَ يَقْرَأ وأتْبَعُوه الاوّل كما قالوا وَعَدُّهُ يريدون وَعَدْتُه وكما قالوا مُضَّجَع ولا نعلم الا هذا الحرف وأما غير هذا فجاء على القياس مثل عَمَر يَعْمُر وهَرَبَ يَهْرُب وحَزَرَ يَحْزُر وقالوا عَضَضْتَ تَعَضُّ حكى أبو اسحق الزجاج عن اسمعيل بن اسحق القاضى أنه عَلَّلَ أَبَى يَأْبَى وقال انما جاء على فَعَلَ يَفْعَل لان الالف من مخرج الهمزة وقال ان هذا ما سبقه اليه أحد* قال أبو على وأبو سعيد* وذلك غلط لان الالف

٢١٠

ليست بأصل في أَبَى يَأْبى وانما هى منقلبة من ياء أَبَيْتُ لانفتاح ما قبلها فاذا قلت فى الماضى أَبَى لانفتاح ما قبلها فحقها أن تكون في المستقبل على يأْبِى كما تقول أَتَى يَأْتِى ورَمَى يَرْمِى وانما تنقلب في المستقبل ألفا اذا فتحنا ما قبلها فلا سبيل الى الالف التى من أجلها قال الزجاج عن القاضى انه جاء على فَعَل يَفْعَل من أجل ذلك وكلام سيبويه يدل على ما قلناه لانه قال فشبهوا هذا بِقَرَأَ يَقْرَأ ونحوه وأتْبَعُوه الأوّل كما قالوا وَعَدُّهُ يريد اتْبَعُوا الفتحة في باب يَأْبَى الهمزةَ التى في أوله كما قالوا وَعَدُّه والاصل وَعَدْتُه فأتبعوا التاء الدال التى قبلها وكان القياس أن تكون الدال هى التابعة لان الاول يتبع الاخيز وكذلك مُضَّجَع أصله مُضْطَجَع فجعلوا الطاء تابعةً للضاد ومعنى قوله ولا نعلم الا هذا الحرف الاشارة الى يَأْبى فيما ذكره أصحابنا هذا لفظ أبى سعيد وأما جَبَى يَجْبَى وقَلَى يَقْلَى فلم يَصِحَّا عنده كصحة أَبَى يَأْبَى وقد حكى أبو زيد في كتاب المصادر جَبَوْتُ الخَرَاج أَجْبَا وأَجْبُو وقوله وأما غيرُ هذا فجاء على القياس مثل عَمَر يَعْمُر يريد غير الذى ذكر من أَبَى يَأْبَى مما فاء الفعل منه من حروف الحلق لم يجئ الا على القياس كقولك هَرَبَ يَهْرُب وحَزَرَ يَحْزُر وحَمَل يَحْمِل وقد دل هذا أيضا أن سيبويه ذهب في أَبَى يَأْبَى أنهم فَتَحوا من أجل تشبيه الهمزة الاولى بما الهمزة فيه أخيرة ومثله عَضَضْتَ تَعَضُّ الذى حكاه هو شاذ

هذا باب ما كان من الياء والواو

قالوا شَأَى يَشْأَى وسَعَى يَسْعَى ومَجَى يَمْحَى وصَغَى يَصْغَى ونَحَى يَنْحَى فَعَلُوا به ما فعلوا بنظائره من غير المعتل ومعنى شَأَى سَبَق يقال شآنى ـ سَبَقَنِى وشَاءنِى وشآنى ـ شاقَنى وقالوا بَهُو يَبْهُو لان نظير هذا أبدا من غير المعتل لا يكون الا يَفْعُل ونَظائر الاوّل مختلفات في يَفْعل وقالوا يَمْحُو ويَصْغُو ويَزْهُوهم الآلُ ويَنْحُو ويَدْعُو وقد تقدم من كلامنا أن فَعُل يَفْعُل لا يُغَيِّره حرف الحلق لان ما كان ماضيه فَعُل فَيَفْعُل لازم لمستقبله فلذلك يلزم في بَهُوَ ونحوه أن يقال في مستقبله يَبْهُو* قال سيبويه* وأما الحروف التى يلزم سكونُ عين الفعل فيها فان حروف الحلق

٢١١

لا تقلب يَفْعِل ويَفْعُلُ الى يَفْعَل وذلك فيما كان معتلا من ذوات الياء والواو وما كان مدغما فذوات الياء نحو جاءَ يجِىءُ وباع يَبِيعُ وتاهً يتِيه وذوات الواو ساءَ يَسُؤُ وجاع يَجُوع وناح يَنُوح والمدغم نحو دَعَّ يَدُعُّ وسَحَّ يَسُحُّ وشَحَّ يَشُحُّ لان هذه الحروف التى هى عينات أكثر ما تكون سَوَاكِن ولا تُحَرَّك الا في موضع الجزم من لغة أهل الحجاز يعنى فيما كان مُدْغَما أنها تكون سواكن كذوات الواو والياء وان كان أهلُ الحجاز يُحَرِّكونها في الجزم كقولك لم يَشْحُحْ ولم يَشْحِحْ فهذا لا يُعْمَل عليه لان الحركة فيه غير لازمة وكذلك حركته في فَعَلْنَ ويَفْعُلْن كقولك رَدَدْنَ ويَرْدُدْنَ على أن هذا يسكنه بعض العرب فيقولون رَدَّنَ فلما كان السكون فيه أكثر جُعِلَتْ بمنزلة ما لا يكون فيه الا ساكنا يعنى ذوات الواو والياء* قال* وزَعَم يونس أنهم يقولون كَعَّ يَكَعُّ ويَكِعُّ أجود لَمَّا كانت قد تُحَرَّكُ في بعض المواضع جُعِلَتْ بمنزلة يَدَعُ ونحوها في هذه اللغة وخالفتْ باب جِئْت كما خالَفَتْها في أنها قد تُحَرَّك أراد أن الذى يقول يَكَعُّ وماضيه كَعَعْت جاء به على مثال صَنَع يَصْنَع لان باب كَعَّ لما كان عين الفعل قد يحرك في يَكْعَعْنَ وكَعَعْن صار بمنزلة صَنَعْنَ ويَصْنَعْنَ وخالف باب جِئْت من ذوات الياء والواو لان الياء والواو لا تتحركان اذا كانتا عينين وأذكر هنا أيضا من الانفراد والاشتراك ما لم يذكره سيبويه على نحو ما ذكرت في الصحيح قالوا في الانفراد زَهَاهُم السَّراب يَزْهَاهُم لم يذكر أهل اللغة غير هذا وذكر سيبويه يَزْهُوهم ولم يَأْتِ بالالف وقالوا في الاشتراك والمجىء على الاصل مرة وعلى ما يوجبه حرف الحلق أخرى نَحَوْتُ ظَهْرِى اليه أَنْحَاه وأَنْحُوه ـ أى صَرَفْتُه وشَحَوْتُ فَمِى أَشْحَاه وأَشْحُوه ـ أى فَتَحْتُه وبَعَوْت أَبْعُو وأَبْعَى بَعْوا ـ أى أجْرَمْتُ وجَنَيْتُ وسَحَوْتُ الطِّين عن الارض أَسْحَاهُ وأَسْحُوه ـ أى قَشَرْتُه ومَحَوْتُ اللَّوْحَ أَمْحَاه وأَمْحُوه ولعله قد جاء غير هذا وانما أُورِدُ ما يُحيط به عِلْمِى

هذا باب الحروف الستة اذا كان واحد منها عينا وكانت

الفاء قبلها مفتوحة وكان فَعِلاً

٢١٢

اذا كان ثانيه من الحروف الستة فان فيه أربعَ لُغَات مُطَّرِدة فَعِلٌ وفِعِلٌ وفَعْلٌ وفِعْل اذا كان فعلا أو اسما أو صفة فهو سَوَاءٌ وفي فَعِيل لُغَتان فَعِيل وفِعِيل اذا كان الثانى من الحروف الستة مُطَّرِدٌ ذلك فيهما لا ينكسر في فَعِيل ولا فَعِل اذا كان كذلك كسرت الفاء في لغة تميم وذلك قولك لِئِيم ونِحِيف ورِغِيف وبِخِيل وبئِس ومَحِك وبَعِل ونَغِل ولَعِبَ ورَحِمَ ووَخِمَ وكذلك اذا كان صفة أو فِعلاً أو اسما وذلك قولك رجلٌ لِعِبٌ ورحل مِحِك وهذا ماضِغٌ لِهِمٌ واللِّهِمُ ـ الكثير البَلْع وهذا رجل وِغِل أى طُفَيْلِىٌّ كثير الدخول على من يَشرب من غير أن يُدْعَى ورجل جِئِزٌ ـ وهو الذى يَغَصُّ بما يأكل والْجَأَز ـ الغَصَصُ وهذا عَيْرٌ نِعِرٌ وهو الصَّيَّاح وفِخِذ وانما كان هذا في هذه الحروف لان هذه الحروف قد فعلت في يَفْعل ما ذكرت لك حيث كانت لا مات من فتح العين ولم تَفْتَح هى أنفسَها ههنا لانه ليس في الكلام فَعَيْل وكراهيةَ أن يَلْتَبِس فَعِل بفَعَل فيخرج من هذه الحروف فَعِل فَلَزِمها الكسر ههنا وكان أقربَ الاشياء الى الفتح وكانت من الحروف التى تقع الفتحة قبلها لما ذكرت لك فكَسَرْتَ ما قبلها حتى لَزِمها الكسرُ وكان ذلك أخَفَّ عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف فارادوا أن يكون العَمَل من وجه واحد كما أنهم اذا أدغموا فانما أرادوا أن يرفعوا ألسنتهم من موضع واحد وانما جاز هذا في هذه الحروف حيث كانت تفعل في يَفْعل ما ذكرنا فصارت لها قوَّة في ذلك ليست لغيرها واعلم أن حروف الحلق لَمَّا أَثَّرَتْ في يَفْعل اذا كان واحد منها في موضع عين الفعل أو لامه وكان الفعل الماضى على فَعَل فَجَوَّزَتْ أن يُصَيَّر على يَفْعَل ما حَقُّه أن يأتى على يَفْعِل أو يَفْعُل على ما مضى من شرحه قبل هذا الباب جُعِلَتْ هذه الحروف في فَعِل وفَعِيل مُجَوِّزة تغييرَ ذلك وان كان التغييران مختلفين وذلك أن التغيير في يَفْعل أن تفتح ما ليس حقه الفتح وفي هذا أن يُكْسَر ما ليس حَقُّه الكَسْر لان كسر الفاء في فَعِل وفَعِيل من أجل حرف الحلق* قال سيبويه* لم تَفْتَحْ هى أنفسَها يعنى حروف الحلق في فَعِيل لأنها لو فَتَحَتْ نفسَها لَوَجَب أن تقول فَعَيْل فتقول في بَخِيل بَخَيْل وفي شَهِيد شَهَيْد كما قلنا يَشْحَب وفتحناه لانه ليس في الكلام فَعَيْل ولو قلنا شَهَيْد لكان بناء خارجا عن الكلام واذا قلنا يَشْحَب ففتحناه من أجل حرف

٢١٣

الحلق ففى الكلام له نظير كقولنا يَعْمَل ويَفْرَق ولو فَتَحَت نفسَها في فَعِل لخَرَجَتْ الى فَعَل فكان يبطل أن يوجد فَعِلٌ مما حرف الحلق ثانيه وكان أيضا يقع لَبْسٌ بين ما أَصْلُه فَعَل وما أصلُه فَعِل وكُسِر الأول اتباعا للثانى ولأن الكسر قريب من الفتح والياء تشبه الألف وأتْبَعُوا الأولَ في الكسر الثانىَ كما يُتْبِعُون الاولَ الثانَى في الادغام وأهلُ الحجاز لا يُغَيِّرون البناء ولا يقولون في شهِيد الا بفتح الأول وكذلك في شَهِد ومن قال شَهِد فَخفَّف قال شَهْد ومن قال شِهِدَ قال شِهْدَ وعامَّةُ العرب قالوا في نِعْم وبِئْس بكسر الأول كأنهم اتفقوا على لغة تميم وأسكنوا الثانى واذا كان البناء على فَعُل أو فَعُول لم يغيروا اذا كان الثانى من حروف الحلق كقولهم رَؤُفٌ ورَؤُوفٌ ولا يقولون رُؤُف ولا رُؤُوف استثقالا للضمتين ولبعد الواو من الالف كما أنك تقول مَنْ مِثْلُك فتجعل النون ميما ولا تقول هَمْ مِثْلُك فتجعل اللام ميما لان النون لها بالميم شَبَهٌ ليس للام* قال سيبويه* وسمعت بعض العرب يقول بِيسَ فلا يحقق الهمزة كما قالوا شِهْد فخففوا وتركوا الشينَ على الأصل يريد أن الهمزةَ قد يُتْرك تحقيقُها ولا يتغيَّر كسرُ الأوَّل وكذلك شِهْدَ إنما كُسرت الشينُ لكسرة الهاءِ في الأصل ولما سكَنت الهاءُ لم يغيَّر كسرُ الشينِ لأن النيَّةَ كسرُ الهاء وتحقيقُ الهمزةِ وإن كان قد لَحِقه هذا التخفيفُ* قال* وأمَّا الذين قالُوا مِغِيرة ومِعِينٌ فليس على هذا ولكنَّهم أتبعُوا الكسرةَ الكسرةَ كما قالوا مِنْتِن وأُنْبُؤُك وأَجُوؤُك يريد أُنْبِئُك وأَجِيئُك يريد أنَّ هذا شاذٌّ ولا يطَّرد فيه قياسٌ وليس من أجلِ حرفِ الحلْق ما عُمِل ذلك ولكنه كَثُر في كلامهم فأتْبعوا الحروفَ خاصَّةً (١) ولا يقُولون في مُجِير مِجِير ولا في مُعِينة مِعِينة ولا في أَبِيعُك أَبُوعُك ولا في أُرْبِحُك أُرْبُحُكَ وقالوا في حرفٍ شاذٍّ إحِبُّ ويِحِبُّ ونِحِبُّ شبَّهوه بمِنْتِن وانما جاءتْ على فَعَلَ وان لم يقولوا حَبَبْت وقالوا يِحِبُّ كما قالوا يِئْبَى فلما جاءَ شاذًّا عن بابه على يَفْعَل خُولِف به كما قالوا يا اللهُ وقالوا لَيْسَ ولم يقُولوا لاسَ فكذلك يِحِبُّ لم يَجِئْ على أفْعلْت فجاء على ما لا يستَعْمَل كما أنَّ يَدَع ويَذَر على وَدَعت ووَذَرْت وان لم يستعمَلْ فعَلُوا هذا بهذا لكثرتهِ في كلامهم واعلم أن في نِحِبُّ قولين أحدهما ما قال سيبويه إن أصلَه

__________________

(١) قوله فاتبعوا الحروف خاصة أى هذه الحروف المذكورة بدليل ما بعده كتبه مصححه

٢١٤

حَبَّ وان لم يستعمَلْ في حَبَّ وقد تقدم القولُ بأن حَبَّ قد يستعْمَلُ وذكرت فيه ما رُوى عن أبى رجاءٍ العُطَاردىِّ «(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) يَحِبَّكم الله» وشعرا أُنْشِدَ فيه ومما أنشد فيه غيرُ ذلك قول بعض بنى مازِنٍ من تميم

لعَمْرُك إنَّنِى وطِلابَ مِصْرٍ

لَكا لمُزْداد مما حبَّ بُعْدا

وكان حقُّه على ما قدَّره سيبويه أن يقال يَحِبُّ بفتح الياءِ ولكنه أتبَع الياءَ الحاءَ* وقال غيره* يِحِبُّ بالكسر أصلُه يُحِبُّ من قولنا أحَبَّ يُحِبُّ وشذُوذُه أنهم أتبعُوا الياءَ المضمُومةَ الحاءَ كما قالوا مِغِيرة والاصل مُغِيرة فكسَرُوه من مضْمُوم وهذا القول أعجَبُ الىَّ لأن الكسرةَ بعد الضمةِ أثقَلُ وأقلُّ في الكلام فالأولى أن يُظَنَّ أنهم اختَارُوا الشاذَّ عُدُولا عن الأثقَل ومن حُجَّة سيبويه انهم قالوا يِئْبَى والاصل يَأْبَى فقد كَسُروا المفتُوحَ وإنما كسروا في يِئْبَى وحقُّ الكسر أن يكون في أوائل يَفْعَل مما ماضيه على فَعِل اذا كان الاول تاء أو نونا أو ألفا ولا تدخل على الياء تقول في عَلِم أَنْتَ تِعْلَم وأنا إعْلَم ونحن نِعْلم ولا يقولون زيد يِعْلَم وسترى ذلك في الباب الذى بعد هذا ان شاء الله فصار يِئْبَى شاذا من وجهين أحدهما أن أَبَى يَأْبَى شاذ وكسر الياء فيه شاذ وعند سيبويه أنه ربما شذ الحرف في كلامهم فخرج عن نظائره فيُجَسِّرُهم ذلك على ركوب شذوذ آخر فيه فمن ذلك قولُهم أيضا يا ألله ليس من كلامهم نداء ما فيه الالف واللام ولا يقطعون ألف الوصل فلما قالوا يا ألله فنادوا ما فيه الالف واللام قَطَعوا الالف فخرجوا عن نظائره من الوجهين ولم يقولوا في لَيْسَ لاسَ وكان حَقُّه أن يقال لانه فعل ماض وثانيه ياء وهو على فَعِل واذا تحركت الياء وقبلها فتحة قلبوها ألفا كما قالوا هابَ ونالَ وأصله هَيِبَ ونَيِلَ فقولهم لَيْسَ شاذ وكذلك قولهم يَدَعُ ويَذَرُ لم يستعملوا فيه وذَرْتُ ولا وَدَعْت وتَرْكُهم ذلك من الشاذ وأما أَجِىءُ ونحوُها فعلى القياس وعلى ما كانت تكون عليه لو أَتَمُّوا يعنى أنه يفتح الالف في أَجِىءُ ولا يكون مثل يِحِبُّ وإحِبُّ لان هذا شاذ ويَجِىءُ وأَجِىءُ ونحو هذا جاء على ما ينبغى أن يكون

هذا باب ما يُكْسَر فيه أوائلُ الافعال المضارعة للاسماء

٢١٥

كما كَسَرْتَ ثانىَ الحروف حين قلت فَعِل وذلك في لغة

جميع العرب الا أهل الحجاز

وذلك قولك أنْتَ تِعْلَم وأنا إِعْلَم ذاك وهى تِعْلَم ذاك ونَحْنُ نِعْلم ذاك وكذلك كل شئ قلت فيه فَعِل من بنات الياء والواو التى الياء والواو فيهن لام أو عين والمضاعَف وذلك قولك شَقِيت وأنت تِشْقَى وخَشِيتُ فانا إِخْشَى وخِلْنا فَنَحْن نِخَال وعَضِضْتُنَّ فانْتُنَّ تِعْضَضْنَ وأنت تِعَضِّين لأن خالك أصله خَيِل وعَضَّ أصله عَضِضْت وانما كسروا هذه الاوائل لانهم أرادوا أن تكون أوائلها كثوانى فَعِل كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحا في فَعَل يعنى أنهم فتحوا أول المستقبل فيما كان الثانى منه مفتوحا كقولك ضَرَبْتَ تَضْرِب وقَتَلْت تَقْتُل وأجروا أوائل المستقبل على ثوانى الماضى في ذلك ولم يمكنهم أن يكسروا الثانى من المستقبل كما كَسَروه من الماضى لأن الثانى يلزمه السكون في أصل البنية فجعل ذلك في الاول وجميعُ هذا اذا قلت فيه يَفْعَل فادخلت الياء فَتَحْتَ وذلك أنهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يهابوا انتقاضَ معنًى فيحتملوا ذلك كما يكرهون الياآت والواوات مع الياء وأشباه ذلك يعنى أن الذين يقولون تِعْلَم بكسر التاء لا يقولون يِعْلَم بكسر الياء لاستثقالهم الكسر على الياء ولا يَدْعُوهم الى كسرها داعٍ يوجب تغيير معنى أو لفظ وقد كسروا الياء فيما كان فاء الفعل منه واوا قالوا وَجِل يِيَجل لأنهم أرادوا بكسرها قلب الواو ياء استثقالا للواو وكذلك وَحِلَ يَوْحَل ووَجِعَ يَوْجَع وما جرى مَجْراه ولا يكسر في هذا الباب شئ كان ثانيه مفتوحا نحو ذَهَب وضَرَب وأشباهِهما وقالوا أَبَى وأنْتَ تِئْبَى وهو يِئْبَى وذلك أنه من الحروف التى يستعمل فيها مفتوحا واخواتها وليس القياس أن تُفْتح وانما هو حرفٌ شاذٌّ فلما جاء مَجِىءَ ما فَعَلَ منه مكسورٌ فَعَلوا به ما فَعَلوا بذلك يعنى أنه لما كان يأْبَى على وزن يُوجِب أن يكون ماضيه أبِىَ بكسر الباء كسروا منه الياء في يِئْبَى وجعلوه بمنزلة يَخْشى الذى ماضيه خَشِىَ وكسروا الياءَ فيه أيضا فقالوا يِئْبَى وهم لا يقولون يِخْشَى بكسر الياء لأنهم قد ركِبُوا الشذُوذ في تِئْبَى بكسر

٢١٦

التاء فيه فجرَّأهم ذلك على كسر الياء الذى هو شُذوذٌ آخرُ كأنهم أتْبعوا الشذُوذ الشذُوذَ وشبَّهوه بِيِيجَل في كسر الياء حين أدخلت في باب فَعِل وكان الى جنْب الياء حرفُ اعتلالٍ وهم مما يغَبِّرون في كلامهم الأكثر ويجْسُرُون عليه اذ صار عندهم مخالِفا يعنى أنهم شبهوا الهمزة في تِيَبى بعد تاء الاستقبال اذ كان يجوز تليينُها وقلبُها الى الياء بقلب الواو الى الياءِ في يِيجَل ومعنى قوله وهم مما يُغَيِّرون في كلامهم الأكثَرَ اذْ صار عندهم مخالِفا يعنى لمَّا صار مخالفا للقياس في شئ احتملوا مخالفةً أخرَى فيه* قال* وجميعُ ما ذكرنا مفتوحٌ في لغة أهل الحِجاز وهو الأصل يعنى تَعْلم ونَعْلم وما أشبه وصارت لغتُهم الأصلَ لأن العربيَّة أصلُها اسمعيلُ عليه‌السلام وكان مسكَنُه مكةَ ومع ذلك فان العرب مجمِعةٌ على فتح ما كان ماضيه فَعَل أو فَعُل في المستقبَل فعلمِنا أن الفتح الأصلُ* قال* وأمَّا يَسَع ويَطَأُ فانما فتَحُوا لأنه فَعِل يَفْعِل مثل حَسِبَ يَحْسِبُ ففتحُوا للهمزةِ والعينِ كما قالوا يَقْرأ ويقْرَع فلَّما جاء على مثال ما فَعَل منه مفتوحٌ لم يكسِروا كما كسروا يَأْبَى حيث جاءت على مثال ما فَعِل منه مكسورٌ يعنى أن أصل يَسَع ويَطَأُ يَوْسِع ويَوْطِئُ وانما فُتِح لأجل حرف الحلقِ فصار بمنزلة حَسِب يَحْسِب فلم يكسِروه لأن ما كانَ مستقبله يَفْعِل فكأنَّ ماضيَه فَعَل ولا يكسر أوّلُ مستقبل ما ماضِيه فَعَل وانما كسروا في تَأْبَى على شذُوذه لانه جاء على مثال ما ماضيه مكسُور الثانى وأما وَجِل يَوْجَل ونحوه فان أهل الحجاز يقولون يَوْجَل فيجرونه مجرى عَلِمْت وغيرُهم من العرب سوى أهل الحجاز يقولون في تَوْجَل هى تِيجَل وأنا إيجَل ونحن نِيجَل واذا قلت يَفْعَل منه فبعض العرب يقولون يَيْجَل كراهية الواو مع الياء كما يبدلونها من الهمزة الساكنة يعنى كما يقولون في ذِئْب ذِيب فقلبوا الياء من الهمزة الساكنة وشبهوا قلب الواو ياء في يَوْجَل بأَيَّام ونحوها والأصلُ أيْوَام وقال بعضهم ياجل فأبدل مكانها ألفا كراهةَ الواو مع الياء كما يبدلونها من الهمزة الساكنة يعنى اذا خففوا همزة رَأْس قالوا راس بألف وقال بعضهم يِيجَل كأنه لما كره الياء مع الواو كَسَرَ الياء ليقلب الواو ياء لانه قد علم أن الواو الساكنة اذا كانت قبلها كسرة صارت ياء ولم تكن عنده الواو التى تقلب مع الياء حيث كانت الياء التى قبلها متحركة فأرادوا أن

٢١٧

يقلبوها الى هذا الحد وكَرِهَ أن يقلبها على ذلك الوجه يريد أن الواو لا يجب قلبها ياء الا أن يكون المتحرك الذى قبلها مكسورا فالذى كَسَرَ الياء في يِيجَل استثقل الواوَ ولم يَرَ الياء المفتوحة تُوجِبِ قلبَ الواو فكَسَرَها لتنقلب الواو واعلم أن كل شئ كانت ألفه موصولة مما جاوَزَ ثلاثة أحرف في فِعْلٍ فانك تكْسِر أوائل الافعال المضارعة للاسماء وذلك لانهم أرادوا أن يكسروا أوائلها كما كسروا أوائل فَعِل فلما أرادوا الافعال المضارِعَة على هذا المعنى كسَرُوا أوائلها كأنَّهم شَبَّهوا هذا بذاك وانما منعهم أن يَكْسِروا الثَّوانَى في باب فَعِل أنها لم تكن تحرك فوضعوا ذلك في الأوائل ولم يكونوا لِيَكْسِروا الثالث فيلتبس يَفْعِل بِيَفْعَل وذلك قولك اسْتَغْفَرَ فانت تِسْتَغْفِر واحْرَنْجَم فانت تِحْرَنْجِم واغْدَوْدَن فانت تِغْدَوْدِن واقْعَنْسَسَ فأنت تِقْعَنْسِسُ (١) يريد أنهم شَبَّهُوا ما كان في ماضيه ألفُ وصل بما كان الماضى منه على فَعِل لاجتماعهما في كسرة ألف الوصل أوَّلا وكَسْرَة عين فَعِل ثانيا وكَرِهوا كَسْرَ الحرف الثانى من مستقبل فَعِل لان صفته السكون وكرهوا كسر الثالث لئلا يلتبس يَفْعَل بيَفْعِل فوجب كسر الاول ثم شبهوا مستقبل ما ماضيه ألف الوصل بمستقبل فَعِل فكسروا أَوَّله* قال* وكل شئ من تَفَعَّلْت أو تَفَاعَلْت أو تَفَعْلَلْت يجرى هذا المجرى لانه كان فى الاصل مما ينبغى أن يكون أوَّلَه ألفٌ موصولة لان معناه معنى الانْفِعال وهو بمنزلة انْفَتَح وانْطَلَق ولكَّنهم لم يستعملوه استخفافا يريد أنه يجوز ان يقال في مستقبل تَدَحْرَج وتَعَالَج وتَمَكَّن تِتَدَحْرَج وتِتَقاتَل وتِتَمَكَّن لأنه كان الاصلُ فيما زادَ على أربعةِ أحرفٍ من الأفعال الثُّلاثِيَّة أن تكُون فيها ألفٌ وصلٍ فَحُمِل كَسْرُ هذه الافعالِ على كسْر ما في أوَّله ألفُ وصْل فيصيرُ جملةُ ما يجوز كسرُ أوَّل مستقبَله ثلاثةَ عشر بناءً منها تسعةُ أبنِيَة في أوائلها ألفُ الوصل وثلاثةٌ في أوَّلها التاء الزائدة وفَعِلَ الذى ذكرناه أوَّلا والدليلُ على ذلك أنهم يفتَحُون الزائدَ في يَفْعَل يريد أن الدليلَ على أن ما في أوَّله التاءُ الزائدةُ في الماضى كان حقُّه ألف الوصلِ أن مستقْبَلَه يُفْتَحُ أوّلُه ولا يجرِى مَجْرَى الرباعِىّ كقولك يتعالَجُ ويتَكبَّر فصار بمنزلةِ ما فيه ألفُ الوصلِ نحو يَنْطِلق ويستغْفِر* قال سيبويه* ومثل ذلك قولُهم تَقَى اللهَ رجلٌ ثم قالوا يَتَقِى اللهَ أجْرَوْه على الاصل وإن كانُوا لم يستعْمِلوا الالفَ حذفُوها والحرفَ

__________________

(١) عبارة سيبويه في الكتاب فأنا اقعنسس

٢١٨

الذى بعدَها اعلَمْ أن العربَ تقول تَقَى يتَقِى بفتح التاء في المستقبل وكان الظاهر من هذا أن يقال تَقَى يَتْقِى وانما هو على الحذف وأصله اتَّقَى يَتَّقِى حذَفوا فاءَ الفعل وهو التاءُ الاولَى من اتَّقَى وهى ساكنةٌ فسقَطت الفُ الوصل من اتَّقَى لان بعدها متحرِّكا وفي المستقبَل يَتْقِى حذفُوا منه التاءَ أيضا الاولى فبقى يَتَقِى واذا أمروا قالوا تَقِ اللهَ وأصله اتَّقِ سقطت التاء التى هى مكان فاء الفعل وسقطت ألف الوصل وأصل هذه التاء الساقطة واو لانها من وَقَيْتُ والتاء في قولهم تَقَى اللهَ رجلٌ ويَتَقِى وتَقِ اللهَ فى الامر هى تاء افْتَعَل وهى زائدة واختلفوا في تُقًى فكان أبو العباس المبرد يقول هى زائدة ووزن تُقًى تُعَل وكان الزجاج يقول هى منقلبة من واو وُقًى وهو فُعَل مثل قولهم تُكَأَة وتُخَمَة والاصل وُكَأَة ووُخَمة ولا يقال يَتْقِى في المستقبل بتسكين التاء لان الاصل ما ذكرته ولو كان يجوز التسكين لقيل في الامر اتقِ كما يقال في يَرْمِى ارْمِ قال الشاعر

تَقُوُه أيُّها الفِتْيَانُ إنّى

رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الجُدُودا

وقال آخر

جَلَاها الصَّيْقَلُونَ فأخْلَصُوها

فَجَاءَتْ كُلُّها يَتَقِى بأَثْرِ

ومثل هذا يقال يَتَخِذُ على مثال يتَّخِذ فحذفوا التاء الاولى كما حذفوا من يَتَقِى وقالوا في الماضى تَخِذَ فكان الزجاج يقول أصل تَخِذَ اتَّخذَ وليس الأمرُ عندى كما قال لانه لو كان اتَّخَذَ وحُذِفت التاء منه لَوَجب أن يقال تَخَذَ وليس أحد يقول تَخَذَ بفتح الخاء وحكى أبو زيد تَخِذَ يتْخَذ تَخْذًا* قال أبو سعيد* وفيما قرأته على ابن أبى الازهر عن بندار في معانى الشعر له

ولا تُكْثِرا تَخْذَ الشِّعَار فانَّها

تُرِيدُ مَباآتٍ فَسِيحًا فِنَاؤُها

وانما أراد سيبويه أَنهم قالوا في المستقبل يَتَقِى وان كان الماضى تَقَى لأن أصل تَقَى اتَّقَى فَرَدُّوه الى أصل اتَّقَى فقالوا يَتَقِى مخفَّفا عن يَتَّقِى وقد مضى ذلك وأما فَعُل فانه لا يُضَمُّ منه ما كُسِر من فَعِل لان الضم أثقل عندهم فكرهوا الضمتين ولم يخافوا التباس معنيين فَعَمَدوا الى الأَخَفِّ يريد أنهم لم يقولوا في مستقبل فَعُل يُفْعُل على ما توجبه ضمة الماضى كما كسروا أوّل مستقبل فَعِل حين قالوا تِعْلَم لان الكسرة

٢١٩

مع الفتح أخف عليهم من اجتماع ضمتين ولم يكن بهم حاجة الى تحمل ثقل الضمتين لان المعنى لا يتغير فتكون إبانة المعنى داعية لهم الى تحمل الثقل فهذا معنى قوله ولم يخافوا التباسا فَعَمدوا الى الأخف* قال سيبويه* ولم يريدوا تفريقا بين معنيين كما أردت ذلك في فَعِل يريد بذلك أن في فَعِل حين قالوا تِفْعَل في مستقبله فرقوا بهذه الكسرة بين ما كان ماضيه على فَعِل وما كان ماضيه على فَعَل فقالوا تِعْلَم ولم يقولوا تِذْهَب وجعله سيبويه معنيين وان لم يكن من المعانى التى تغير مقاصد القائلين فيما عَبْروا عنه وانما هو حكمة في اتباع اللفظ وكلُّ عَقْدٍ في هذا الباب لسيبويه وكلُّ تحليل فلأبى بَكْر بن السَّرِىِّ وأبى على وأبى سعيد

هذا باب ما يُسَكَّن استخفافا وهو في الأصل

عندهم متحرك

وذلك قولهم في فَخِذ فَخْذ وفي كَبِد كَبْد وفي عَضُد عَضْد وفي الرجُل رَجْل وفي كَرْمَ الرجُلُ كَرْمَ وفي عَلمِ عَلْم وهى لغة بكر بن وائل وأناس كثير من بنى تميم وقالوا في مَثَلٍ «لم يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ لَه» يعنى فَصْدَ البعير للضَّيْف وفَصْدُه للضيف أنهم كانوا عند عَوَزِ الطعام يَفْصِدُون البعيرَ ليشْرَبَ الضيفُ من دَمِه فَيَسُدّ جُوعَه وقال أبو النجم

* لو عُصْرَ منه البَانُ والمِسْكُ انْعَصْر*

يريد عُصر وأبو النجم من بكر بن وائل وهذه اللغة أيضا كثيرة في تغلب وهو أخو بكر بن وائل وقال أيضا

* ونُفْخُوا في مَدائِنِهمْ فَطَارُوا*

وانما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح الى المكسور والمفتوحُ أخَفُّ عليهم فكَرِهوا أن ينتقلوا من الأخف الى الاثقل وكَرِهوا في عُصِرَ الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع ومع هذا انه بناء ليس من كلامهم الا في هذا الموضع من الفعل فكرهوا أن يحوّلوا ألسنتهم الى الاستثقال

٢٢٠