المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

أخرَجْته اليه كما تقول انتَزَعْته وقالوا قَرَّ في مكانِه واستَقَرّ كما قالوا جَلَب الجُرْحُ وأجْلَبَ والمعنى واحدٌ* قال سيبويه* وأمَّا اسْتَحقَّه فانه يكون طلَبَ حقَّه واسْتَخَفَّه طلَبَ خِفَّته واسْتَعْمله طلَبَ اليه العَملَ واسْتَعْجلت زيدا ـ اذا طلَبْتَ عَجَلْته فاذا قلت استَعْجلْت غير متعدٍّ الى مفعُول فمعناه طلَبْت ذلك من نَفْسى وكلَّفتها إيَّاه فالباب في استَفْعلت الشىءَ أن يكون للطَّلَب أو للاضافة كقولك عَلَا قِرْنَه واستَعْلاه وقرَّ في المكانِ واستَقَرَّ ومنه في التحَوُّل من حالٍ الى حالٍ استَنْوقَ الجملُ ـ اذا تخَلَّق بأخْلاقِ الناقةِ واسْتَتْيستِ الشاةُ ـ اذا تشَبَّهت بالتَّيْس* قال أبو على* ومثله استَحْجَرَ الطينُ وكلُّ ما كانَ للتحَوُّل من حالٍ الى حالٍ من هذا المثالِ فانَّه لا فِعْلَ له خال من حَرْفَىِ الزيادةِ اللَّذيْنِ هما السِّينُ والتاءُ* قال* ومن هذا الباب «استَنْسَرَ البَغَاثُ» ـ أى صار كالنَّسْر وحكَى ابن السكِّيت استَسْعلَتِ المرأةُ ـ أى صارَتْ كالسِّعْلاة* قال سيبويه* فاذا أراد الرجُلُ أن يُدْخِل نَفْسه في أمرٍ حتى يُضَافَ اليه ويكُونَ من أهْله فانك تقُول تَفَعَّلَ وذلك تَشَجَّع وتَبَضَّر وتَحَلَّم وتَجَلَّد وتَمَرَّأَ وتقديره تَمَرَّعَ ـ أى صار ذا مُرُوءَة وقال حاتِمُ طيئ

تَحَلَّمْ عنِ الأَدْنَيْنَ واسْتَبْقِ وُدَّهُمْ

ولَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْم حتَّى تَحَلَّما

وليس هذا بمنزِلة تَجَاهَلَ لأن هذا يَطْلُب أن يَصِيرَ حَلِيما وتَجَاهلَ يُرِى من نَفْسه غيْرَ الذى هُوَ فيه وقد مضَى ذلك وقد يَجِىء تَقَيَّس وتَنَزَّر على هذا يعنِى أنه يُقال للرجُل تَقَيَّس ـ اذا دَخَل في نَسَب قَيْس حتَّى يُضَاف اليه ويكونَ من أهْله وكذلك تَنَزَّر اذا دَخَل في نَسَب نِزَارٍ وقد دَخَل استَفْعَل هُنا قالوا تَعَظَّم واستَعْظَم وتكَبَّرَ واستَكْبَرَ كما شارَكَ تفاعَلْتُ تَفَعَّلْتُ الذى ليس في هذا المعنَى ولكنَّه استِثْباتٌ وذلك قولهم تيَقَّنتُ واستَيْقَنْتُ وتبيَّنْت واستَبَنْت وتَثَبَّتُّ واستَثْبَتُّ ومثل ذلك يعنى تحَلَّم تَقَعَّدتُه ـ أى رَيَّثته عن حاجتِه وعُقْته ومنه تَهَيَّبَنِى أهلُ البِلادِ وتَكَاءَدنِى ذلك الأمْرُ ومعناه هابَنِى أهلُ البلاد وتَكَاءدَنِى معناه شَقَّ علَىَّ من قولهم للمكانِ الشاقِّ المَصْعَد كَؤُود وكَأَداءُ* قال سيبويه* وأمَّا قولُه تنَقَّصْته وتَنَقَّصَنِى فكأنَّه الأخْذُ من الشئ الأَوَّلَ فالأَوَّلَ وأمَّا تَفَهَّم وتبَصَّرَ وتَأمَّلَ فاستِثْباتٌ بمنزِلة تَيَقَّنَ وقد يَشْرَكه استفعل نحو استَثْبَت وأمَّا يَتَجَرَّعُه ويَتَحسَّاه ويتَفَوَّقُه فهو يَتَنَقَّصُه لأنه يأخذ منه

١٨١

شيْأ بعْدَ شئ وليس من مُعالَجتِك الشىءَ بمرَّة واحدةٍ ولكنَّه في مُهْلة وأما تَغَفَّله فنحو تَقَعَّدَه لأنه يُريدُ أن يَخْتِله عن أمر يَعُوقُه عنه ويَتَملَّقُه نحوُ ذلك لأنه انما يُدِيره عن شئٍ وقالوا تَظَلَّمنِى ـ أى ظلَمَنِى مالىِ فبَناهُ على تَفعَّل كما قالوا جُزْتُه وجاوَزْته وهو يُرِيد شيْأ واحداً وقال الشاعر

تَظَلَّمِنى حَقِّى كذَا ولَوَى يَدِى

لَوَى يَدَهُ اللهُ الذى هُو غالِبُهْ

وقِلْتُه وأقَلْته ولِفْتُه وألَقْتُه ـ وهو اذا لَطَّخته بالطِّين وألَقْت الدَّواةَ ولِقْتُها وأما تَهَيَّبه فانَّه حَصَرٌ ليس فيه شىءٌ مما ذكَرْنا كما أنك تقُول استَعْليته لا تُرِيد الا عَلَوْته يُرِيد أنَّ تَهَيبه في معنَى هابَهُ ولم يُبْن على تفَعَّل لزيادةِ معنًى في فَعَل كما أن استَعْلَيته لم يَزِد معناه على عَلَوته وقوله فانه حَصَرٌ يريد أن الهَيْبةَ حَصْرٌ للانسانِ عن الاقْدامِ وأمّا تَخَوَّفه فهو أن تتَوَقَّع أمرا يقعُ بك فلا تأمَنُه في حالك الَّتى تكلَّمت فيها وأمَّا خافَ فقد يكونُ وهو لا يتَوقَّع منه في تلك الحالِ شيْأ* قال أبو على* فَرَق سيبويه بيْنَ تخَوَّفَ وخافَ ولم يَفْرُقْ بيْنَ تهَيَّبَ وهابَ* قال سيبويه* وأما تَخَوَّنَتَه الأيَّام فهو تنَقَّصَتْه وليس في تَخَوَّفْته من هذه المعانى شئٌ كما لم يكُن استَنْهيته في نَهْيته يريد أنَّه ليس في تخَوَّفته معنى خِفْته المطَلقِ كما لم يكُنْ في نهيْته معنَى استَنْهيتُه لأن استَنْهيته انما هو .... (١) وأمّا يَتَسَمَّع ويَتَحَفَّظُ فهو يتَبَصَّر وهذه الأشياء نحوُ يَتَجَرَّعُ ويتفَوَّقُ لأنها في مُهْلة يعنى أنه ليس تُصْنَع في مرَّةٍ واحدةٍ وانما هو شئٌ يتَّصِلُ ومعنى يَتَفَوَّق أنَّه يشرَبُه شيأ بعدَ شئٍ وهو مأخُوذ من الفُوَاق ومثلُ ذلك تَخَيَّره كأنَّه تمهَّلَ في اخْتِياره وأما التَّغَمُّج والتَّعَمُّق والتَذَكُّر فنحوٌ من هذا لأنه عَمَل بعد عمل في مُهْلة والتَغَمُّجُ ـ الشُرْب وأمَّا تنَجَّز حوائِجَه وستَنْجَز فهو بمنزِلة تَيَقَّن واستَيْقَن في شَرِكة استَفْعلْت فالاستِثباتُ والتَّقَعُّد والتَنقُّص والتنجُّز وهذا النحوُ كلُّه في مهلة وعمل بعد عمل وقد بَيَّن وجوه تفَعَّل الذى ليس في مُهْلة

باب موْضِع افتَعَلْت

تقول اشْتَوَى القومُ ـ أىْ اتَّخَذُوا شِوَاءً وأما شَوَيْت فكقولك أنْضَجْت وكذلك

__________________

(١) بياض بالأصل

١٨٢

اخْتَبَزَ وخَبَز واطَّبَخَ وطَبَخَ واذَّبَحَ وذَبَح فأما ذَبَحَ فبمنْزِلة قوله قتَلَه وأما اذَّبَح فتقُول اتَّخَذ ذَبِيحة وقد يُبْنَى على افْتَعلَ ما لا يُرادُ به شئٌ من ذلك كما بنَوْا على أفْعَلْت وغيْرِه من الأبنية وذلك افتقَرَ واشْتَدَّ فقالوا هذا كما قالُوا استلَمْت فبنَوْه على افتَعل كما بنَوْا هذا على أفْعَلَ ـ أى أنهم يَبْنُون على افتَعلَ كما بنَوْا هذا على أفْعَل أى انهم يَبْنُون على افتَعَل ما لا يُرادُ به الا معنَى فِعْل لا زِيادَةَ فيه ولا يُستَعْمَل إلا بالزِّيادة كقولهم افتَقَر فهو فَقِير ولا يستَعْمَل قَقُر وقالوا اشْتَدَّ الأمرُ فهو شَدِيد ولا يستَعْملُ بغيْرِ الزيادة في هذا المعنَى وقالوا استَلَم الحَجَر ولم يقولوا سَلَمه ولا سَلَّمه ومثل هذا في أفْعَل قولُهم أفْلَح الرجلُ وما أشبَهه ولا يستعْمَل بغير الزيادةِ* قال سيبويه* وأمَّا كَسَب فانه يقول أصابَ وأما اكْتَسَب فهو التصَرُّف والطَّلَب والاجتهادُ* غيْرُه* لا فَرْقَ بينهما قال الله عزوجل (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) والمعنَى واحدٌ* قال سيبويه* وأما قولُك حَبَسْته فبمنْزِلة ضَبَطْته واحتَبَسْته بمنزلة اتَّخَذته حَبِيسا كأنَّه مثل شَوَى واشْتَوَى وقالوا ادَّخَلُوا واتَّلَجُوا وتَدَخَّلُوا وتَوَلَّجُوا والمعنى دَخَلُوا قال الشاعر

رأيْتُ القَوَافِى يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا

تَضايَق عنها أن تَوَلَّجها الابَرْ

وقالوا قَرأْت واقْتَرأْت يُرِيدون شيأً واحداً كما قالوا عَلَاه واستَعْلاه وخَطِفَ واخْتَطَفَ وأما انتَزَع فانما هى خَطْفةٌ كقولك استَلَب وأما نَزَع فانَّه تحويلُك إيَّاه وان كان على نحو الاستِلَاب وكذلك قَلَع واقْتَلَع وجَذَب واجْتَذب وأما اصْطَبَّ الماءَ فبمنْزِلة اشْتَوِه كأنَّه يقول اتَّخِذْه لنفسكَ وكذلك اكْتَلْ وأَتزِنْ وقد يَجِىء على وزَنْته وكِلْتُه فاكْتالَ واتَّزَنَ

هذا بابُ افعَوْعَلْت وما هو على مِثَاله مما لم نَذْكُرْه

قالوا خَشُنَ وقالوا اخْشَوْشَنَ* قال سيبويه* وسأَلت الخليل فقال كأنهم أرادُوا المبالَغةَ والتوكيدَ كما أنه اذا قال اعْشَوْشبَتِ الارضُ فانما يُرِيد أن يَجْعلَ ذلك عامًّا كثيرًا قد بالَغَ وكذلك احْلَوْلى وربَّما بُنِى عليه الفِعلُ فلم يُفارِقْه كما أنه قد يجىءُ الشىءُ على أفْعَلْت وافْتَعَلْت ونحو ذلك لا يُفارِقه لمعتىً ولا يستعمَل في الكلام الا على

١٨٣

بِناءٍ فيه زيادةٌ يعنى أن افَعْوعَل رُبَّما جاء من لفظه ومعناه الفِعْلُ بغير زيادةٍ كقولهم حَلَا واحْلَوْلَى وخَلِقَ الشىءُ والخَلَوْلَقَ وربَّما جاءَ بالزيادةِ ولا يُسْتعمَلُ بحَذْفها كقولهم اذْلَوْلَى وذكر أفعالاً فيها زِياداتٌ لم تستَعمل إلا بها كقولهم اقْطَرَّ النبْتُ واقْطَارَّ ـ اذا وَلَّى وأخَذَ يَجِفُّ وابْهارَّ الليلُ ـ اذا اشتَدَّت ظلمته وابْهارّ القمَرُ ـ اذا كَثُر ضوْءُه وكذلك ارْعَوَيْت لم يستعْمكل الا بالزِّيادةِ واجْلَوَّذَ ـ اذا جَدَّ به السيْرُ واعْطَوَّطَه ـ اذا ركِبَه بغير سَرْج واعْرَوْرَيْت الفَلُوَّ ـ اذا رَكِبْتَه عُرْيا* ومما استعْمِل بالزيادةِ اقْشَعَرَّ واشمأزَّ واسْحَنْكَك اسودّ ولم يستَعْمَل الا بالزيادةِ ويقال شَعَرٌ سُحْكُوك ـ أى أسْودن وهو فُعْلُول وإحدَى الكافين زائدٌ قال الشاعر

واستَنْوَكَتْ وللشَّبابِ نوُكُ

وقد يَشِيبُ الشعَرُ السُّحْكُوك

* قال سيبويه* وأرادوا بافْعَنْلَلَ أن يبْلُغُوا به بناءَ اخْرنْجَم كما أنهم أرادوا بصَعْرَرْت بناءَ دحرجْت* قال أبو على* يريد أنهم ألحَقوا اقعَنْسَسَ (١) وكاف على اسْحَنْككَ كما ألحقوا صَعْرَرْت بدحْرَجت بزيادةِ احدَى راءىْ صعْرَرْت

هذا بابُ مصادر ما لحِقْته الزوائدُ من الفِعْل

من بَناتِ الثَّلاثةِ

فالمصدر على أفْعَلت إفْعَالا أبَدا وذلك قولك أَعْطَت إعطاءً وأخْرجْت إخْراجا وأما افْتَعَلْت فمصدَرُه افْتعالٌ وألفُه موصُولةٌ كما كانتْ موصُولةً في الفِعْل وكذلك ما كانَ على مِثَاله ولُزُوم الوصلِ ههُنا كلُزُوم القَطْع في أعطَيْت وذلك قولك احتَسَبْت احْتِسَابا وانطَلَقْت انْطِلاقا وجملة الأمر أنّ ما كان من الفعل في أوّلِ ماضِيه ألِفُ وصلٍ فمصدره أن يُزَاد قبل آخِرِه ألفٌ ويُؤْتَى بُحُروفه مع ألفِ الوصل وذلك .... (٢) خُمَاسِيَّة وسُدَاسِيَّة فأمّا الخُمَاسِيَّة فافتَعَلْت افتِعالا نحو احتَسبْت احتِسابا وانفَعلت انْفِعالا نحو انطَلقْت أنْطِلاقا وافْعَلَلْت افْعِلالا نحو احْمَرَرْت احْمِرارا وأمّا السُّدَاسِيَّة فاستَفْعَلْت اسْتِفْعالا كقولك استخْرَجت اسْتِخراجا وافْعَنْلَلْت افْعِنْلالا كقولك اقعَنْسَسْت اقْعِنْساسا واحْرَنْجَمْت احْرِنْجاما وافعَوَّلت افْعِوَّالا كقولك اجْلَوَّذْت اجْلِوَّاذا وافْعَوْعَلْت

__________________

(١) قوله يريد أنهم ألحقوا الخ في العبارة سقط والاصل يريد أنهم ألحقوا أقعنسس واسحنكك بأحرنجم بزيادة سين على اقعنسس وكاف على استحنكك الخ كتبه مصححه

(٢) بياض بالأصل

١٨٤

افْعِيعالاً كقولك اخْشَوْشَنْت اخْشِيشَانا* قال سيبويه* وأمّا فَعَّلت فالْمصدَر منه على التَّفْعِيل جعَلُوا التاءَ التى في أوّله بَدَلا من العين الزائِدة في فَعَّلت وجعَلُوا الياء بمنزلة ألِف الافْعال فغيَّرُوا أوّله كما غَيَّروا آخِرَه وذلك قولك كَسَّرته تَكْسِيرا وعَذَّبته تَعْذِيبا وقد قال قومٌ كَلَّمته كِلَّاما وحَمَّلته حِمَّالا أرادُوا أن يجيؤُا به على الافْعال فكسَرُوا أوَّله فهؤلاء نحو أفْعَل إفْعالا لأنّ إفْعالاً على حُرُوف أفْعلَ وقد زيدَ قبْل آخِرِه ألِفٌ وكُسِرَ أوَّلُه فكذلك كِلَّا وحمَّال وقد زِيدَ قبْلَ آخِره ألِفٌ وكُسِرَ أوَّلُه وأُتِىَ بحُروف الفِعْل على جملتِها* وأما مصدَر تَفَعَّلت فانه التفَعُّل جاؤُا فيه بجميع ما في تَفَعَّل وضَمُّوا العينَ لأنه ليس في الكلام اسمٌ على تَفَعَّلٍ ولم يزيدوا ياءً ولا ألِفًا قبل آخِرِه لأنهم جعَلُوا زيادةَ التاءِ في أوّله وتشديدَ عيْنِ الفِعْل منه عِوَضا ممَّا يُزاد وذلك قولك تكَلَّمْت تَكَلُّما وتقَوَّلت تَقَوُّلا* قال* وأما الذين قالُوا كِذَّابا فانهم قالوا تحَمَّلت تِحِمَّالا أرادوا أن يُدْخِلُوا الألِفَ كما أدخَلُوها وفي أفْعَلْت واستَفْعَلت أعنى أنهم أتَوْا بحُرُوف الفِعل بأسْرِها وزادُوا قبل آخِرِها ألِفًا وكَسَروا أوّلها كما فَعَلُوا ذلك في مصدَر فَعَّلت واستَفْعَلت وإنما يَزِيدون في المصدَر ما لم يكُنْ فى الفِعْل لأن المصدر اسمٌ والأسماءُ أخَفُّ من الأفعال وأحمَل للزيادة* وأما فاعَلْت فان المصدَر منه الذى لا ينْكَسِر أبدًا مُفَاعَلَةٌ جعَلُوا الميمَ عِوَضا من الألف التى بعدَ أوّل حرف منه والهاءُ عِوَضٌ من الألفِ التِى قبل آخرِ حَرْف وذلك قولك جالَسْته مُجَالَسَةً وقاعَدْته مُقَاعدَةً وشارَبْته مُشَارَبَةً وجاء كالمَفْعول لأن المصدر مفعول* قال أبو سعيد* كلام سيبويه في هذا مختَلٌّ وقد أُنْكِر وذلك أنه جعَل المِيمَ عِوَضا من الألف التى بعْدَ أوَّل حرفٍ منه وذلك غَلَط لأن الألف التِى بَعدَ أوّلِ حرْفٍ هى موجودةٌ في مُفَاعَلة ألا تَرى أنك تقول قاتَلْت وبعد القافِ ألِفٌ زائدة وتقول مُقَاتلَة في المصدَر وبعْدَ القافِ ألِفٌ زائدةٌ فالألف موْجُودة في المصدر والفِعْل فكيف تكونُ المِيمُ عَوِضا من الألف والألِفُ لم تَذْهبْ وأما قوله جاء كالمَفْعول يعنِى مُجالَسَة لَفْظُه كلفظ مُجَالَس وهو المَفْعول من جالَسْته والجيِّد في هذا ما وجدته في نسخة أبى بَكْر مَبْرمَان وهو أنّ هذه المَصادِرَ جاءت مُخالِفةَ الأصل وذلك أن فَعَلْت يجِىءُ مصدَرهُ مُخَالفا لما يُوجِبه قياسُ الفِعْل وتُزَادُ في أوّله الميم كما

١٨٥

يقال ضَرَبه مَضْرَبا وشَرِبه مَشْرَبا وقد يُزاد فيه مع الميمِ الهاءُ كما يقال المرْحَمَةُ وألزموا الهاءَ فى هذا لما ذكره من تعويض الألِفِ التى قبل آخر المصدَر* قال سيبويه* وأما الذين يقولون تحَمَّلت تِحِمَّالا فانهم يقولون قاتَلْت قِتالا فيُوَفِّرون الحُروفَ ويجيؤن به على مثال إفْعالِ وعلى مثال قولهم كَلَّمته كِلَّاما* قال أبو على* يريد أنهم يأتُونَ بحروف فاعَلَ موَفَّرةً ويَزِيدونَ الألِفَ قبل آخِرِها ويكسِرون أوّلَ المصدَر فاذا كسروه انقلبت الألفُ ياء لانكسار ما قبلها فيصير قِيتَالا وقد يحذِفُون هذه الياءَ لكثْرةِ هذا المصدَر في كلامهم ويكتَفُون بالكسرة فيقولُون قِتَالا ومِرَاءً واللازم عند سيبويه في مصدر فاعلْت المُفاعَلَة وقد يَذَعُون الفِيعَال والفِعَالَ في مصدَرِه ولا يَدَعُون مُفَاعَلة وقالوا جالَسْته مُجَالَسةً وقاعَدْته مُقاعَدَة ولم يُسْمَع جِلَاسا ولا جِيلَاسا ولا قِيْعادًا ولا فِعَادًا* قال سيبويه* وأما تَفَاعَلْت فالمصدَر التَّفَاعُل كما كان التَّفَعُّلُ مصدَرَ تَفَعَّلت لأنَّ الزِّنَة وَعِدَّة الحُرُوف واحدةٌ وتفَاعَلْت من فاعَلْت بمنزلة تفَعَّلت من فَعَّلت وضَمُّوا العينَ لَئلَّا يُشْبِه الجمعَ ولم يفْتَحُوا لأنه ليس في الكلام تَفَاعَلٌ في الأسماء فأمَّا ما حكاه ابن السكيت من قولهم تَفَاوَت الأمْرُ تَفَاوَتا وتَفَاوِتًا فشاذٌّ

هذا بابُ ما جاء المصدَرُ فيه من غير الفِعْل

لأن المعنى واحدٌ

وذلك قولك اجْتَوَرُوا تَجَاوُرًا وتَجَاوَرُوا اجْتِوارًا لأن معنَى اجْتَوَرُوا وتَحَاوَرُوا واحدٌ ومثلُ ذلك انْكَسَر كَسْرا وكُسِر انْكِسَارًا وكذلك كل فِعْلينِ في معنًى واحدٍ ويَرْجِعانِ الى معنًى واحدٍ اذا ذكَرْت أحدَهما جاز أن تأتِىَ بمصدَر الآخر فتجعَلَه فى موضع مصدَرِه فمن ذلك قوله الله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ومصدر تَبَتَّل تَبَتُّلا وتَبْتِيلا مصدَرُ بَتَّل فكأنه قال بَتِّلْ ومنه (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) لأنه اذا أنْبَتَهم فقد نَبَتُوا ونَبَاتا مصدرُ نَبَت فكأنه قال نَبَتُّم نَبَاتا وزعمُوا أن في قراءة ابن مسعُود وأُنْزِل المَلائكَةُ تَنْزِيلا لأن معنى أُنْزِل ونُزِّل

١٨٦

واحدٌ وقال القطامى

وخَيْرُ الأمْرِ ما استَقْبَلْتَ منه

وليس بأنْ تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعَا

لأن تَتَبَّعت واتَّبَعْت في المعنى واحدٌ وقال رؤبة

* وقد تَطَوّيْتُ انْطِواءَ الحِضْبِ*

لأن معنى تَطَوَّيت وانْطَوَيت واحدٌ والحِضْب ـ الحَيَّةُ* وقد يجىءُ المصدَرُ على خِلافِ حُروفِ الفِعْل اذا كان الفِعْلان متساوِيَيْنِ في المعنى كقولك .... (١) وتَذْلِيلا حَسَنا وذَلَّلته رِياضةً جَيِّدةً قال

فَصِرْنا الى الحُسْنَى ورَقَّ كلَامُنَا

ورُضْتُ فذَلَّت صَعْبةً أىَّ إذْلالِ

هذا باب ما لَحِقتْه هاءُ التأنيثِ عِوَضا عَمَّا ذَهَب

وذلك قولُك أقَمْته اقامةً واسْتَعَنْته اسْتِعانَةً وأرَيْته إرَاءةً مثل إرَاعةً وان شئت لم تُعَوِّض وتركْتَ الحُرُوف على الأصل قال الله تعالى (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) * قال أبو على* اعلم أن الأصلَ فى هذا البابِ هو أن يكونَ الفعلُ على أفْعَلَ وعيْنُ الفعل منه واوٌ أو ياءٌ فانما يعْتَلَّانِ وتُلْقَى حركتُهما على ما قبْلَهما وتُقْلَب كل واحدة منهما ألِفا في الماضى وياءً فى المستقْبَل كقولك أقَامَ يُقيم وألَانَ يُلِينُ والأصل أقْوَمَ يُقْوِم وألْيَنَ يُلْيِن فألْقَيْت حركةَ الياءِ والواوِ على ما قبلهما وقَلْبتهما ألِفا بعد الفتْحة وياءً بعد الكسرة ثم تعِلُّ المصدَر لاعتلال الفِعْل فتقول إقَامةً وإلَانةً وكان الأصل إقْواما وإلْيانا كما تقول أكْرَم يُكْرِم إكْراما غير أنك لمَّا أعلَلْت الواوَ والياءَ في الفعل أعلَلْتهما في المصدر فألقَيْت حركتَهما على ما قبْلَهما فسكَنَتَا وبعدهما ألف إفْعالٍ وهى الالف التى في الاقْوام والالْيان قبل الميم والنون فاجتمع ساكِنانِ أحدُهما عينُ الفِعْل المعتلَّةُ والآخَرُ ألفُ إفْعالٍ فأُسْقِط أحدُهما وجعِلت هاءُ التأنيثِ عِوَضا من الحرفِ الذاهبِ فقالوا اقامةً والَانةً وكذلك يعمل في استَفْعَل ويجىءُ مصدره كقولك اسْتعانَ يَسْتَعيِن استِعانةً واسْتَلانَ يَسْتَلِين اسْتِلانة والأصل استعْيَنَ يَسْتَعيِن اسْتِعْيانا واستَلْيَنَ يَسْتَلْيِن اسْتِلْيانًا واختلف النحويُّون في الذاهبِ من الحرفَيْنِ لاجتماع الساكنين

__________________

(١) بياض بالأصل

١٨٧

فقال الخليلُ وسيبويه الذاهبُ هو الساكنُ الثانِى لأنّ الساكنَ الثانِىَ زائدٌ والأول أصلِىٌّ وإسقاطُ الزائد أوْلَى وقال الأخفش والفراء الذاهبُ هو الأوَّل لأن حقَّ اجتماع الساكنين أن يسقُطَ الأوَّلُ منهما وقد أجاز سيبويه أنْ لا تدخُلَ الهاءُ عِوَضا واحتج بقوله عز وجَلَ (وَإِقامِ الصَّلاةِ) ولم يفصل بين ما كان مُضَافا وغيْرَ مُضاف وذكر الفرَّاءُ أن الهاء لا تسقُط الا مما كان مُضافًا والاضافةُ عوضٌ منها وأنشد

إنَّ الخَلِيطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانجَرَدُوا

وأخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرِ الَّذِى وَعَدُوا

وذكر أن الأصل عِدَةَ الأمرِ والهاء سقطَتْ للاضافةِ وأن ذلك لا يجُوز في غير الاضافةِ* وقال خالدُ بن كلثوم* عَدِى الأمر جمع عِدْوة والعِدْوة ـ الناحِيَة والجانِبُ من قوله عزوجل (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) وإنما أراد الشاعر نواحِىَ الأمْرِ وجوانِبَه وأجاز سيبويه أَقْمته إقامًا ولم يُجِزْه الفراءُ وأما قولهم أريتُه إرَاءةً فليس من هذا الباب لأنه لم يعتَلَّ عينُ الفعل منه ولكنه دخَله النقصُ لتَلِينَ الهمزةُ فعُوِّض الهاء وكان الأصل أرْأيتُه إرْءاءً كما تقول أرعَيْته إرْعاء فخفِّفت الهمزةُ في المصدَر كما خُفِّفت في الفعل بأن أُلقِيت حركتُها على الراء وأُسْقِطت فجُعِلت الهاءُ عِوَضا من ذلك* واذا كان الفِعلُ على انْفَعل وافْتَعل وعينُ الفِعْل واوٌ أو ياءٌ فانه لا يسْقُط من مصدره شئٌ لأنه لا يلتقِى فيه ساكنان ولا تلزمُه الهاءُ لأنه لم يسقُطْ شئ تكونُ الهاءُ عِوَضا منه وذلك قولك انْقادَ انْقِيادًا وانْحاز انْحِيازًا واكْتالَ اكْتِيالا واخْتارَ اخْتِيارا* قال سيبويه* وأمَّا عَزَّيتُ تَعْزِيَةً ونحوُها فلا يجوز الحذفُ فيه ولا فيما أشْبَهه لأنهم لا يجيئُون بالياء في شئ من بنات الياءِ والواوِ مما هما فيه في موضِع اللامِ صحيحتينِ وقد يجىءُ في الأوَّل نحو الْاحْواذِ والاسْتِحْواذ ونحوه يريد أن ما كان على فَعَّل فمصدَرُه تفْعِيل أو تَفْعِلة في الصحيحِ كقولك كَرَّمته تَكْرِمةً وتَكْرِيما وعَظَّمته تَعْظِمةً وتَعْظِيما والبابُ فيه تفْعِيلٌ فاذا كان لامُ الفِعْل منه معتَلًّا ألزمُوه تَفْعِلة كراهةَ أن يقَع الاعرابُ على الياء وأرادوا أن تُعْرَب التاءُ وتكونَ الياءُ مفتوحةً أبدا كقولك عَزَّيته تَعْزِيَةً وسَوَّيته تَسْوِيةً ولم يقولوا عَزَّيته تَعْزِيًّا وهذا تَعْزِيُّك وعَجِبت من تَعْزِيِّك لأنَ

١٨٨

لهم عنه مَندُوحةً باستِعْمالهم الوجْهَ الآخَرَ وفَرَق سيبويه بيْنَ هذا وبين إقَامِ الصلاةِ فلم يجَوِّز في هذا حذفَ الهاء كما أجازه في إقامِ الصلاة بأن قال انه قد جاء في باب إقامِ الصلاةِ المصدرُ على الأصل بغير هاءٍ كقولهم الْاحواذ والاستِحْواذ ولم يقولوا في هذا الباب باسقاط الهاءِ* قال أبو سعيد* وقد جاء في الشعر قال الراجز

باتَ يُنَزِّى دَلْوَهُ تَنْزِيَّا

كما تُنَزِّى شَهْلةٌ صَبِيًّا

* قال سيبويه* ولا يجوزُ حذفُ الهاء في تَجْزِئةٍ وتَهْنِئةٍ وتقديرها تَجْزِعة وتَهْنِعَة لأنهم ألحقُوها بأُختَيْها من بَناتِ الياءِ والواوِ كما ألحقوا أرَيتَ الهاء* قال أبو العباس محمدُ بن يزيد* الذى قاله في تَفْعِلة مصدرِ فَعَّلْت من الهمْز جَيِّد بالِغٌ والاتمامُ على تَفْعِيل كغير المعتَلّ أجْودُ وأكثَرُ عن أبى زيد وجميعِ النحويِّين فتقول هَنَّأته تَهْنِيئا وتَهْنِئةً وخَطَّأته تَخْطِيئًا وتَخْطِئةً* قال أبو على* الذى عندى أن سيبويه ما أراد ما قاله أبو العبّاس من الاتيان بالمصدَر على التمام وإنما أراد أنه لا يجوزُ حذفُ الهاء من الناقص من تَفْعِلة كما جاز في إقامِ الصلاة لا تقول جَزَّأته تَجْزِئًا وهَنَّأْته تَهْنئًا والدليل على ذلك أن .... (١) المفعول الذى يَتَعدَّى فعلُه الى مفعولين ونُبِّئت تَنْبِئةً ولو كان ذلك لا يجوز عنده ما استعمله

هذا بابُ ما تُكَثِّر فيه المصدَر من فَعَلت فتُلْحِق

الزوائدَ وتَبنِيه بِناءً آخرَ

كما أنك قلْتَ في فَعَلت فَعَّلْت حين كَثَّرت الفِعلَ وذلك قولك في الهَدْر التَّهْدار وفي اللَّعِب التَّلْعاب وفي الرَّدِّ التَّرْداد وفي الصَّفْق التَّصْفاق وفي الجَوَلان التَّجْوال والتَّقْتال والتَّسْيار وليس شئ من هذا مصدَرَ فَعَّلْت ولكن لَمَّا أردت التكثيرَ بَنَيْت المصدَر على هذا كما بنيت فَعَلت على فَعَّلت* قال أبو سعيد* اعلم أن سيبويه يجعل التَّفْعال تكثيرًا للمصدَر الذى هو للفِعْل الثُّلاثِى فيصير التَّهدارُ بمنزلة قولك الهَدْر الكثير والتَّلْعاب بمنزلة اللَّعِب الكثيرِ وكان الفرَّاء وغيرُه من الكوفيِّين يجعلون

__________________

(١) بياض بالأصل

١٨٩

التَّفْعال بمنزلة التَّفْعيل والألفَ عِوَضا من الياء ويجعَلُون ألف التَّكْرار والتَّرْداد بمنزلة ياءِ تَكْرِير وتَرْدِيد والقولُ ما قاله سيبويه لأنه يقال التَّلْعاب ولا يقال التَّلْعِيب* قال سيبويه* وأما التِّبْيان فليس على شئٍ من الفعل لَحِقتْه الزِّيادةُ ولكنَّه بُنِى هذا البناءَ فلحِقْته الزيادةُ كما لَحِقت الرِّئْمانَ وهى من الثلاثة وليس من باب التَّفْعال ولو كان أصلُها من ذلك فتَحُوا التاءَ فانما هى من بَيَّنْت كالغارَة من أغَرْت والنَّبَاتِ من أنْبَتَ ـ أى ان التِّبْيان ليس بمصدَرٍ لَبَّينت وانما مصدَرُ بَيَّنت التَّبْيِين والتِّبْيان اسمٌ جُعِل موضِعَ المصدَرِ وكذلك مصدَرُ أغَرْت إغَارةٌ وتجعَل غارَةٌ مكانَ إغارة ومصدَرُ أنبَتَ إنْباتٌ ويستعمل النَّبَات مكان الْانْباتِ* قال سيبويه* ونظيرُها التِّلْقاء يريدُ اللُّقْيان قال الراعى

أمَّلْت خَيْرَكِ هل تَدْنُو مَوَاعِدُه

فالْيَومَ قَصَّرَ عن تِلْقائِكِ الأَمَلُ (١)

يريد عن لِقائِك والمَصادِر كلُّها على تَفْعال بفتح التاء وانما تجِىءُ تِفْعال في الأسماءِ وليس بالكثير وقد ذكر بعضُ أهلِ اللغةِ منها ستَّةَ عشَرَ حرفا لا يَكادُ يُوجَد غيْرُها منها التِّبْيان والتِّلْقاء ومَرَّ تِهْواءٌ من الليلِ وتِبْراك وتِعْشارٌ وتِرْياعٌ ـ مواضعٌ وتِمْساحٌ ـ الدابَّة المعروفةُ والتِّمْساحُ ـ الرجلُ الكَذَّاب وتِجْفافٌ وتِمْثالٌ وتِمْرادٌ ـ بيتٌ للحَمَام وتِلْفاقٌ ـ وهو ثَوْبانِ يُلْفَقَانِ وتِلْقامٌ ـ سرِيعُ اللَّقْم ويقال أتَتِ الناقةُ على تِضْرابها ـ أى الوقتِ الذى ضَرَبها الفحلُ فيه وتِلْعابٌ ـ كثيرُ اللَّعِب وتِقْصار ـ وهى المِخْنَقة وتِنْبال ـ وهو القَصِيرُ

هذا بابُ مَصادِر بناتِ الأربَعةِ

فاللازم لها الذى لا يَنْكسِر عليه أن يَجىءَ على مثال فَعْلَلَةٍ وكذلك كلُّ شئٍ أُلْحِق من بَناتِ الثلاثةِ بالأربعة وذلك نحو دَحْرجْته دَحْرجةً وزَلْزَلْته زَلْزلةً فهذا الأصلى والمُلْحَقُ حَوْقَلْت حَوقلَةً وزَحْولته زَحْولةً وهى من الزَّحْلة وانما ألحَقُوا الهاءَ عِوَضا من الألف التى تكُونُ قبل آخِرِ حرفٍ وذلك ألِفُ زِلْزالٍ وقالوا زلْزلته زِلْزالا وقَلْقلْته قِلْقالا وسَرْهَفْته سِرْهافًا كأنَّهم أرادُوا مثلَ الاعْطاء والكِذَّاب لأن مثال دَحْرجْت وزْنها على أفْعَلْت وفَعَّلت* قال أبو سعيد* قد كنتُ ذكرتُ

__________________

(١) قلت هذا البيت للراعى وبعده بيت دليل قاطع على أنه يخاطب أنثى لا ذكرا وهو قوله

وما هجرتك حتى قلت معلنه

لاناقة لي في هذا ولاجمل

وكتبه محققه محمد محمود لطف الله به آمين

١٩٠

ما يلزَم المصدَر في أكثر ما جاوَزَ الثلاثةَ من ألِفٍ تُزَاد قبل آخِرِه بما أغْنَى عن اعادتِه ولفَعْلتُ مصدَران أحدُهما فَعْلَلَةٌ والآخَرُ فِعْلان كقولك سَرْهَفْته سَرْهَفَة وسِرْهافًا والأغلَبُ أنَّ مصدَر فَعْللت الفَعْللةُ لأنها عامَّة في جمِيعها ورُبَّما لم يأتِ فِعْلال تقول دَحْرَجْتُه دَحْرجةً ولم يُسْمَع دِحْراج ولا .... (١) فَعْلَلة الهاءَ عِوضًا من الألف التى قبل آخِر فِعْلال فاذا كان فَعْلَلته مُضاعَفا جاز فيه الفَعْلال قالوا الزَّلْزال والقَلْقال ففَتَحُوا كما فتَحُوا أوّل التَّفْعِيل كأنهم حذَفُوا الهاء في فَعْلَلَة وزادوا الألِفَ عِوَضا منها وفي غير المُضاعَف لا يَفْتَحون أوَّله لا يقولون السَّرْهاف* قال سيبويه* والفَعْلَلة ههُنا بمنْزِلة المُفاعَلَة في فاعَلْت والفِعْلان بمنزلة الفِعَال فى فاعَلْت تمكُّنُها ههُنا كتمَكُّن ذيْنِك هُناك* قال أبو سعيد* قد ذكَرْنا في مصدَر فاعَلْت أنه مُفَاعَلَة وفِعَال وأنَّ الأصلَ مُفاعَلة وكذلك مَصدَر فَعْلَلْت فَعْللةٌ وفِعْلالٌ والأصل فَعْلَلَة* قال سيبويه* وأمَّا ما لَحِقته الزِّيادةُ من بَناتِ الأربعة وجاءَ على مثالِ استَفْعَلْت وما لَحِق من بَنَات الثلاثةِ ببَنَاتِ الاربعة فان مصدَرَه يجىءُ على مثال مصدر استَفْعَلْت وذلك احْرنْجَمْت احْرِنْجَاما واطْمَأْننْت اطْمِئْنانا والطُّمَأنِينَة والقُشَعْرِيرةُ ليس واحدٌ منهما بمصدَرٍ على اطْمَأْننت واقْشَعْرَرت كما أنَّ النَّبات ليس بمصدَرٍ على أنْبتَ فمنْزِلةُ اقْشَعْرَرت من القُشَعْرِيرة واطْمَأْننْت من الطُّمَأْنِينة بمنْزِلة النَّبات من أنْبتَ يريد أن القُشَعْرِيرةَ والطُّمَأنِينةَ اسمانِ وليسَا بمصدَرَيْنِ لهذيْن الفِعْلين وإن كانَا قد يُوضَعان في موضِعِ المصدَر فيقال اطْمأنَنْت طُمَأْنينةً واقشَعْررْت قُشَعْرِيرةً كما أن النَّبَات ليس بمصدَرٍ وان كان قد يُوضَع في موضِعه قال اللهُ عزوجل (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)

هذا بابُ نظيرِ ضَربْت ضَرْبةً ورميْت رَمْيةً

من هذا الباب

اعلم أن الواحِدَ من مصدَر ما يُجاوِزُ الثلاثةَ أن تَزِيدَ على مصدَرِه الهاءَ فان كان المصدَر يلزمُه الهاءُ اكتفَيْت بما يَلْزمه من الهاءِ وان كان للفِعْل مصدرانِ جعلتَ الواحدَ

__________________

(١) بياض بالأصل

١٩١

من لفْظ المصدَر الذى هو الاصلُ والأكثَرُ تقول أعْطَيت إعْطاءةً وأخرَجْت إخْراجةً اذا أردْت المرَّة الواحدةَ وكذلك احْتَرزت احْتِرازةً وانطَلَقْت انْطِلَاقة واحدةً واستَخْرجت استِخْراجةً واحدةً واقْعَنْسَسْت اقْعِنْساسةً واغْدَوْدَنَ اغْدِيدانةً وفَعَّلْت بهذه المنْزِلة تقول عَذَّبته تَعْذِيبةً ورَوَّعْته تَرْوِيعةً والتَّفَعُّل كذلك وذلك قولهم تَقَلَّب تَقَلُّبةً واحدةً وكذلك التَّفَاعُلُ تقول تَغافَلَ تَغافُلةً وتَعاقَلَ تَعاقُلةً وأما فاعَلْت فانَّك ان أردْت الواحدةَ قلت قاتَلْتُه مُقاتَلةً وراميْتُه مُراماةً ولا تقول قاتَلْته قِتالةً لأن أصل المصدَرِ في فاعَلْت مفاعَلةٌ لا فِعَالٌ وانما تجعَلُ المرةُ على لفظ المصدَر الذى هو الأصلُ وأغنَتْك الهاءُ عن هاءٍ تجلُبها للمرة فالمُقاتَلة بمنزلة الْاقالةِ والاشْتِغاثةِ لأنك لو أردتَ الفَعْلة في هذا لم تجاوِزْ لفظ المصدَرِ للهاء التى في المصدَر* قال سيبويه* ولو أردتَ الواحدةَ من اجْتَوْرت فقلت تَجاوُرَةً جاز لأن المعنى واحدٌ فكما جاز تَجاوُرا يعنى في مصدَر اجتَورَ جاز تَجَاوُرةً في الواحد مصدر اجتَوَرَ ومثل ذلك يَدَعُه تَرْكةً واحدةً كما تقول في غير الواحد يَدَعُه تَرْكا

هذا بابُ نظيرِ ما ذكرنا من بَناتِ الاربعةِ

وما أُلْحِق ببِنَائِها من بَناتِ الثلاثةِ

تقول دَحْرجته دَحْرجةً واحدةً وزَلْزلْته زَلْزَلَةً واحدةً جِىءَ بالواحِد على المصدَرِ الأغلَبِ الأكثَرِ أعنى أنك لا تقول زِلْزالةً لأن الأصل والأكثَرَ في مصدَرِ فعْلَلْت فَعْلَلةٌ وأمَّا ما لَحِقته الزوائدُ فجاء على مثال اسْتَفْعلْت فان الواحدة تجىء على مثال اسْتِفْعالة وذلك قولك احْرَنْجَمت احْرِنْجامةً واقْشَعْررت اقْشِعْرارةً وقد مضى الكلام فى نحوه

هذا بابُ اشتِقاقكَ الاسماءَ لمواضِع بَناتِ

الثلاثة التى ليست فيها زيادةٌ من لفظها

أمَّا ما كان من فَعَل يَفْعِل فان موضِع الفِعْل مَفْعِل وذلك قولك هذا مَحْبِسُنا ومَضْرِبُنا

١٩٢

ومَجْلِسُنا كأنهم بَنَوْه على بِنَاء يَفْعِل وكسَرُوا العينَ كما كسَرُوها في يَفْعِل فاذا أردت المصدر بنيْتَه على مَفْعَلٍ وذلك قولك إن في ألْفِ دِرْهمٍ لمَضْرَبا ـ أى لضَرْبا وقال الله عزوجل (أَيْنَ الْمَفَرُّ) يريد أينَ الفِرَار فاذا أراد المَكانَ قال أين المَفِرُّ كما قالوا المَبِيت حينَ أرادَوا المكانَ لأنها من باتَ يَبِيتُ وقال الله تعالى (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أى جعَلْناه عَيْشا وقد يجىءُ المَفْعِل يُراد به الحِينُ* فاذا كان من فَعَل يَفْعِل بنَيْته على مَفْعِل تجْعَل الحِينَ الذى فيه الفِعلُ كالمكان وذلك قولك أتَتِ الناقَةُ على مَضْرِبها وأتَتْ على مَنْتِجِها انما تريد الحِينَ الذى فيه النِّتاج والضِّرَابِ ورُبَّما بنَوا المصدَرَ على المَفْعِل كما بنَوُا المكانَ عليه والقياس المَفْعَل فمما بنَوْا فيه المصدَر على المَفْعِل المَرْجِع قال الله تعالى (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) ومن ذلك فيما ذكره سيبويه المَطْلِع في معنى الطُّلوع وقد قرأ الكسائِىُّ «حتى مَطْلِعِ الفَجْرِ» ومعناه حتى طُلُوع الفَجْر وقال بعض الناس المَطْلِع الموضِعُ الذى يطْلُع فيه الفَجْر والمَطْلَع المصدَر والقول ما قاله سيبويه لأنه لا يجوز ابطالُ قراءةِ من قَرأ بالكَسْر ولا يحتمل الا الطُّلوعَ لأن حتى انما يقَع بعدها في التوقيت ما يحْدُث والطُّلُوع هو الذى يَحْدُث والمَطْلِع ليس بحادِثٍ في آخرِ الليلِ لأنه الموضِعُ وقال الله جل ثناؤُه (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أى في الحيض وقالوا المَعْجِز يريدُون العَجْز وقالوا المَعْجَز على القياس وقد جعَل الزجَّاج هذا الباب في معانِى القرآن مُطَّرِدا عند ذكره (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) ورَدّ عليه الفارسىُّ بقول سيبويه في هذا الباب وذلك أن سيبويه قال ورُبَّما بنَوْا المصدَر على مَفْعِل ثم أتبع ذلك بأن قال الا أن تفسيرَ البابِ وجملَتَه على القياس كما أريْتُك فقد تبيَّنَ لك من قوا سيبويه أنه لا يُتجاوَزُ به المسمُوعُ وربّما ألْحقُوا هاءَ التأنِيث فقالوا المَعْجِزة والمَعْجَزة كما قالوا المَعِيشة وكذلك يُدْخِلون الهاء في المواضِع قالوا المَزِلَّة أى موضع زلل وقالوا المَعْذَرة والمعْتَبة فألحقُوا الهاءَ وفتَحُوا على القياس لأنه مصدر وقالوا المَصِيف كما قالوا أتَتِ الناقةُ على مَضْرِبها ـ أى على زمان ضِرَابها والمَصِيف زمان وقالوا المَشْتاة فأنَّثُوا وفتَحُوا لأنه من يَفْعُل وما كان على فَعَل يَفْعُل فاسمُ المكانِ منه مَفْعَل كما يقال مَقْتَل لأنه من قَتَل يَقْتُل وقالوا في هذا شَتَا يَشْتُو وقالوا المَعْصِية والمَعْرِفة كقولهم

١٩٣

المَعجِزَة وربما استغْنَوْا بالمَفعِلة عن غيرها وذلك قولك المَشِيئة والمَحْمِية وقالوا المَزِلَّة وقال الراعى

بُنِيَتْ مَرافِقُهُنَّ فَوْقَ مَزِلَّةٍ

لا يَسْتَطِيعُ بها القُرادُ مَقِيلَا

يريد قَيْلولةً وأمَّا ما كان يَفْعَل منه مفْتُوحا فان اسمَ المكانِ مَفْعَل وذلك قولُك شَرِبَ يَشْرَب وتقُول للمَكان مَشْرَبٌ ولَبِس يَلْبَس والمكان المَلْبَس واذا أردت المصدَر فتحتَه أيضا كما فتَحتَه في يَفْعِل فاذا جاء مفْتُوحا في المكسور فهو في المَفْتُوح أجدَرُ أن يُفْتَح وقد كُسِر المصدَرُ كما كُسِر في الأول قالوا عَلَاه المكبِر ويقولون المَذْهَب للمكان وتقول اردت مَذْهَبا ـ أى ذَهَابا فتفتح لأنك تقُول يَذْهَب وقالوا مَحْمِدة فأنَّثُوا كما أنَّثُوا الأول وكسَروا كما كسَرُوا المَكْبِر فاذا جاء المَفْعِل مصدَرَ فَعَلَ يَفْعِل كانَ في فَعِل يَفْعَل أوْلَى وكذلك في فَعُل يَفْعُل وقد مضى الكلام في نحو ذلك* وأما ما كان يفعُل فيه مضْمُوما فهو بمنزلة ما كان يَفْعَل منه مفتُوحا ولم يَبْنُوه على مثال يَفْعُل لانه ليس في الكلام مَفْعُلٌ فلما لم يكُنْ الى ذلك سبيلٌ وكان مصيرُه الى إحدَى الحركتيْنِ ألزموه أخفَّهما وذلك قَتَل يَقْتُل وهذا المَقْتَل وقامَ يَقُوم وهذا المَقَام وقالوا أكْرَه مَقالَ الناسِ ومَلَامَهُم وقالوا المَلامَة والمَقَامة وقالوا المَرَدُّ والمَكَرُّ يريدون الرَّدَّ والكُرُور وقالوا المَدْعاة والمَأْدَبة يريدون الدُّعاءَ الى الطعام وقد كسَرُوا المصدرَ كما كسروا في يَفْعِل فقالوا أتَيتُك عنْدَ مَطْلِع الشمسِ ـ أى عند طُلُوع الشمس وهذه لُغة بَنِى تميم وأما أهل الحجاز فيَفْتَحون وقد كسَرُوا الأماكِنَ أيضا في هذا كأنهم أدخَلُوا الكَسْر أيضا كما أدخَلُوا الفَتْح* قال أبو على* اعلم أن مذْهَب العرب في الأماكِن والأزمنةِ كأنهم يبنُونها من لفظ مستَقْبَل فقالوا فيما كان المستَقْبَل منه يَفْعِل المَفْعِل للزمانِ والمكانِ كقولهم المَحْبِس والمَجْلِس والمَضْرِب وقالوا فيما كان المستَقْبَل منه يَفْعَل المَلْبَس والمشْرَب والمَذْهَب وكان يلزم على هذا أن يقال فيما المستقبَل منه يَفْعُل مَفْعُل فيقال في المكان من قَتَل يَقْتُل مَقْتُل ومن قعَدَ يَقْعُد مَقْعُد غير أنَّهم عدَلُوا عن هذا لأنه ليس في الكلام مَفْعُل الا بالهاء كقولك مَكْرُمة ومَيْسُرة ومَقْبُرة ومَشْرُبة فعدلوا الى أحدِ اللفظينِ الآخَريْنِ وهما مَفْعِل أو مَفْعَل فاختارُوا مَفْعَلا لأن الفتْحَ أخَفُّ وقد جاءت عن العرب

١٩٤

أحدَ عشَرَ حرفا على مَفْعِل في المكانِ مما فِعْله على فَعَل يَفْعُل وهى مَنْسِك ومَجْزِر ومَنْبِت ومَطْلِع ومَشْرِق ومَغْرِب ومسْجِد ومَسْقِط ومَفْرِق ومَسْكِن ومَرْفِق كأنهم حمَلُوا يَفْعُل على يَفْعِلُ لانهما أخوانِ* وقد ذكر بعضُ الكوفِيِّين أنه قد جاء مَفْعُل وأنشد في ذلك

* لِيَوْمِ رَوْعٍ أو فَعَال مَكْرُمِ*

وأنشد أيضا

يُثَيْنَ الْزمِى لَا إنَّ لا انْ لَزِمْتِه

على كَثْرةِ الواشِينَ أىُّ مَعُونِ

فقال بعضُهم مَعُون مَفْعُل في معنى مَعُونة وأصله مَعْوُنة وقال بعضهم مَعُونٌ جمعُ مَعُونة وليس في شئٍ من ذلك ما يَمْنَع ما قاله سيبويه لأن أصلَ الكلامِ مَكْرُمَة ومَعُونة وانما اضطُرَّ الشاعِرُ الى حذفِ الهاءِ والنيةُ الهاءُ ومثل هذا كثيرٌ في الشعر كقوله

* أمَا ترَيْنِى اليَوْمَ أُمَّ حَمْزِ*

يريدون حمزة* وقول الآخر «أَمالِ بن حَنْظَلِ» يريد حنظلة وأما المَسْجِد فانه اسمٌ للبيت ولسْتَ تريد به موضِعَ السُّجود وموضِعَ جَبْهتك ولو أردت ذلك لقلت مَسْجَد ويقوّى ذلك ما رُوِى عن الحجاج أنه قال ليَلْزَمْ كلُّ رجُلٍ مَسْجَدَه أراد موضعَه من المسجِد لأنه لا يكونُ لهم تجمُّع في المسْجِد للفِتَن* وقال سيبويه* ونظير ذلك المُكْحُلة والمِحْلَب والمِيْسَم لم ترد موضِعَ الفعل ولكنه اسمٌ لوِعاء الكُحْل وكذلك المُدُقُّ صار اسما له كالجُلْمود وكذلك المَقْبُرة والمَشْرُقة يريدون الموضع الذى تُجمَع فيه القبُور ويَقع فيه التَّشْريقُ ولو أرادوا موضع الفِعْل لقالوا مَقْبَر ولكنه اسم بمنزلة المَسْجِد ومثله المَشْرُبة ـ وهى الغُرْفة اسمٌ لها وكذلك المُدْهُن والمَظْلِمةُ بهذه المنزلة انما هى اسمٌ لما أُخِذ منك ولم ترد مصدَرا ولا موضِعَ فِعْل ولذلك عادَلَ به أبو على الاثْمَ في قوله عزوجل (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) وقالوا مَضْرِبة السيفِ جعَلُوه اسما للحدِيدةِ وبعض العرب يقول مَضْرُبة كما يقول مَقْبُرةٌ ومَشْرُبة قال فالكَسْر في مَضْرِبة كالضم في مَقبُرة والمَنْخِر بمنزلة المُدْهُن كسروا الحرفَ كما ضمُّوا ثَمَّة* قال أبو على* وأبو سعيد* ولقائل أن يقول ان مَنْخِرا هو من باب مَنْسِك لأنه موضِعُ بَخِير وفعله نَخَر يَنْخُر ومنهم من يَكْسِر الميمَ إتْباعا للخاءِ

١٩٥

وأما المَسْرُبة ـ وهو الشَّعَر المَمْدود في الصَّدْر وفي السُّرَّة فبمنْزِلة المَشْرُقَة لم تُرِدْ مصدَرا ولا موضِعا للفِعْل وانما هو اسم مَخَطِّ الشَّعَر الممْدُود في الصدر وكذلك المَأْثُرَة والمَكْرُمة والمأدُية وقد قال قوم مَعْذُرة كالمَأْدُبة ومنه فنَظِرَةٌ الى مَيْسُرَة وقد أنكر الاخفش قراءة قرئت «فَنَظِرة الى مَيْسُرِهِ» لأنه ليس في الكلام مفعُل على ما ذكرناه* ويجىءُ المِفْعَل اسمًا كما جاء في المَسْجِد وانتكِب وذلك المِطْبَخُ والمِرَبَد وكلُّ هذه الأبْنِيَة تقَع اسما للتى ذكَرْنا من هذا الفُصُول لا لمصدَر ولا لمَوْضِع عَملٍ

هذا باب ما كان من هذا النحوِ من بَناتِ الياءِ والواوِ

التى الياءُ فيهِنَّ لامٌ

فالمَوْضِعُ والمصدَر فيه سواءٌ لأنَّه معتَلٌّ وكانَ الألِفُ والفتحُ أخَفَّ عليهم من الكَسْرةِ مع الياء ففَرُّوا الى مَفْعَل وقد كَسَرُوا في نحو مَعْصِيَة ومَحْمِيَة* ولا يَجِىءُ مكسورًا أبدا بغير الهاءِ لأن الاعرابَ فيما لا هاءَ فيه يَقَع على الياءِ ويلحَقُه الاعتِلالُ فصار هذا بمنزِلة الشَّقاءِ والشَّقاوةِ تَثْبت الواوُ مع الهاءِ وتُبْدَل مع ذَهَابِها يريد أن الشَّقَاء أصلُه الشَّقَاو وقَعَت الواوُ طَرَفا بعد ألِفٍ واسْتُثْقِل الاعرابُ عليها فقُلِبَتْ همزة فاذا كان بعدَها هاءٌ يقَع الاعرابُ عليها جاز أن لا تُقْلَب كالشَّقاوةِ فكذلك مَعْصِيَة ومَحْمِيَةٌ لا يجىءُ الا بالهاءِ اذا بنَيْتَه على مَفْعِل والبابُ فيه مَفْعَل مثل المَرْمَى والمَقْصَى وما أشبه ذلك وبنَاتُ الواو أوْلَى بذلك والمَدْنَى* وذكر الفراء* أنه قد جاء في ذلك مَأْوِى الابِلِ وذكر غيرُه مَأْقِى العينِ والذى ذكر مَأْقِى العين غالِطٌ عندى لأن الميم أصلِيَّة في قولنا مَأْقٌ وأمْئاقٌ ومُوقٌ وأمْواقٌ

هذا بابُ ما كانَ من هذا النحوِ من بَناتِ الواوِ التى

الواوُ فيهنَّ فاءٌ

فكلُّ شئٍ من هذا كان فَعَلَ فان المصدَر منه والمكانَ والزَّمانَ يُبْنَى على مَفْعِل وذلك

١٩٦

قولك للمَكان المَوْعِد والمَوْضِع والمَوْرِد وفي المصدر المَوْجِدَة والمَوْعِدَة فيُزاد في المصدَر الهاءُ للتأنيثِ وانما جاء على مَفْعِل لأن ما كان على فَعَلَ وأوَّلُه واو يلزم مستَقبَلهُ يَفْعِل وأكثر العرب بنوا المَفْعِل من فَعِل يَفْعَل على ذلك فقالوا في وَجِل يَوْجَل ووَحِل يَوْحَل مَوْحِل ومَوْجِل وذلك أنَ يَوْجَل ويَوْحَل وأشباهَهما في هذا الباب من فَعِل يَفْعَل قد يَعْتَلُّ فتُقْلَب الواو مرَّةً ياءً ومرَّة ألِفًا وتَعْتَلُّ لها الياءُ التى قبْلَها حتى تُكْسَر فلما كانت كذلك شَبَّهوها بالأوَّل لأنها في حالِ اعْتِلال ولأن الواوَ منها موضِع الواوِ من الأوَّل وهم مما يُشبِّهُون الشىءَ بالشئ وانْ لم يكن مثلَه في جميع حالاتِه ومعنى قوله فتُقْلب الواوُ ياءً أنه يجوز في يَوْجَل ويَوْحَل يَيْجَلُ ويَيْحَلُ وقوله وألِفًا مرةً يعنى قولهم ياجَلُ وياحَلُ وقوله وتعتَلُّ لها الياءُ يريد أنهم يقولون ييِجَل ويِيحَل فيكسِرُون الياءَ الاولى وحقُّها الفتحُ ومما يقوِّى كسر المَوْجِل والمَوْحِل وان كان من وَجِل يَوْجَل أنهم قالوا علاه المَكْبِر في الصحيح وهو كَبِر يَكْبَر* قال سيبويه* وحدَّثنا يونسُ وغيره أن ناسا من العرب يقولُون في وَجِلَ يَوْجَل ونحوِه مَوْجَل ومَوْحَل وكأنهم الذين يقُولون يَوْحل فسَلَّموه فلما سَلِم من الاعْلال وكان يَفْعَل كيَرْكَب ونحوِه شُبِّه به وقالوا مَوَدَّة لأن الواوَ تَسْلَم ولا تُقْلَب يعنى في قولهم وَدَّ يَوَدُّ ولا يقال يَيَد كما يقال يَيْجَل فصار بمنزِلة الصحيح اذا قلت شَرِبَ يَشْرَب والمَشْرَب للمصدَر والمَكان* وقد جاء على مَفْعَلٍ من هذا الباب أسماءٌ ليست بمصادِرَ ولا أمْكِنةٍ للفِعْل فمن ذلك مَوْحَدٌ ـ وهو اسم معدُول عن واحِدٍ في باب العَدَد يقال مَوْحَد وأُحَاد ومَثْنَى وثُناء ومَثْلثُ وثُلاث ومَرْبَعُ ورُباع وهذا سيذكر في بابه وجاء مَعْدُولا كما عُدِلَ عُمَر عن عامِرٍ (١) ومَوْهَبٌ ومَوْءَلة ـ اسمانِ لرجلَيْنِ ومَوْرَقٌ اسمٌ وقالوا فلانُ بنُ مَوْرَق والمَوْهَبة ـ الغدِيرُ من الماء والمَوْكَلٌ ـ اسمُ موضعٍ أو جبلٍ* وبَنَات الياءِ بمنزلة غير المعْتَلِّ لأنها تتِمُّ ولا تعْتَلُّ وذلك أن الياءَ مع الياء أخفُّ عليهم ألا تَراهم قالوا مَيْسَرة وقال بعضهم مَيْسُرة ومعنى قولنا الياءُ مع الياء أخفُّ عليهم أنك تقُول يَسَرَ يَيْسِر ويَعَرَ يَيْعِر فتُثْبِت الياء التى هى فاءُ الفِعل وقبْلها ياءُ الاستقبال وتقول وَعَد يَعِد فتُسقِط الواوَ فصارت الواوُ مع الياءِ أثقَلَ من الياءِ مع الياءِ

__________________

(١) قلت تبع على بن سيده من قبله في غلطهم في قولهم عدل عمر عن عامر بلا دليل لعدم تمييزهم هنا بين الكلم المنقول والمعدول وانما عمر منقول عن عمر جمع عمرة نكرة فبقى العلم على تنكير أصله كما هو القياس المطرد باتفاق وكتبه محققه محمد محمود لطف الله به آمين

١٩٧

هذا بابُ ما يكون مَفْعَلةٌ لازمةً له الهاءُ والفتحةُ

وذلك اذا أردت أن يكثُرَ الشىءُ بالمكانِ والباب فيه مَفْعَلَة وذلك قولك مَسْبَعةٌ ومَأْسَدَة ومَذْأبَةٌ ـ اذا أردتَ أرضًا كَثُر بها السِّباعُ والأسْد والذِّئابُ* قال سيبويه* وليس في كل شئٍ يُقال هذا يعنى لم تَقُل العربُ في كل شئٍ من هذا فان قِسْت على ما تكَلَّمت به العربُ كان هذا لَفْظَه* قال سيبويه* ولم يجيئُوا بنظيرِ هذا فيما جاوَزَ ثلاثةَ أحرف من نحو الضِّفْدَع والثَّعْلَب كراهيةَ أن تَثْقُل عليهم ولأنهم قد يستَغْنُون بان يقولوا كثيرةُ الثَّعالِبِ ونحو ذلك وانما اختَصُّوا بها بناتِ الثلاثة لخِفَّتها ولو قلت من بَناتِ الاربعة على قولك مَأْسَدَة لقُلْت مُثَعْلَبة لأنَّ ما جاوَزَ الثلاثةَ يكون نظيرُ المَفْعَل منه بمنزِلة المَفْعُول يريد أن لفْظ المصدَر والمكانِ والزَّمانِ الذى في أوَّله الميمُ زائدةٌ فيما جاوَزَ ثلاثةَ أحرفٍ يجىءُ على لفظ المفْعُول سواءًا وفي الثلاثةِ على غيرِ لَفْظ المَفْعُول ألا تَرَى أنك تقُول في الثلاثة للمصْدَر والمَضْرَب والمَقْتَل وللمَفْعول مَضْرُوب ومَقْتُول وتقول فيما جاوَزَ الثلاثةَ المُقاتَل في معنَى القِتَال والمُسَرَّح في معنَى التَّسْرِيح والمُوَقَّى في معنى التَّوقِيَةِ ولفظُ المفعُول أيضا كذلك تقول قاتَلْت زيدا فهو مُقَاتَلٌ وسَرَّحته فهو مُسَرَّح ووَقَّيْتُه فهو مُوَقًّى وقالوا على ذلك أرْضٌ مُثَعْلَبة وأرْضٌ مُعَقْرَبة ومن قال ثُعَالةُ قال مَثْعَلَة لأن ثُعَالةَ من الثُّلاثِىِّ والألف زائدة وقال أرْضٌ مَحْيَاةٌ* وقال غيره* هى واوٌ* وقال صاحب العين* أرضٌ محواة وقال رَجُلٌ حَوَّاءٌ ـ صاحبُ حَيَّات وفي ذلك دليلٌ على أن عين الفِعْل واوٌ

هذا بابُ ما عالَجْت به

نذكُر في هذا الباب ما كانَ في أوَّله ميمٌ زائدةٌ من الآلات فالباب في ذلك اذا كانَ شئٌ يُعالَجُ به ويُنْقَل وكان الفِعْل ثُلاثِيًّا أن تكونَ المِيمُ مكسُورةً ويكونَ على مِفْعَلٍ أو مِفْعَلَةٍ ورُبَّما جاء على مِفْعالٍ وقد تجتَمِع اللُّغتانِ في شئٍ واحدٍ قالوا مِقَصٌّ للذى يُقَصُّ به ومِحْلَب للِاناءِ الذى يُحْلَب فيه ومِنْجَلٌ ومِكْسَحَةٌ ومِسَلَّة

١٩٨

ومِصْفَاة ومِخْيَطٌ وقد يَجِىءُ على مِفْعال نحو مِقْراضٍ ومِفْتاحٍ ومِصْباحٍ* وقالوا المِفْتَح كما قالُوا المِخْرَز وقالوا المِسْرَجَة كما قالوا المِكْسَحَة* وقد جاء منه خَمسة أحرُفٍ بضم الميمِ قالوا مُكْحُلة ومُسْعُط ومُنْخُل ومُدُقٌّ ومُدْهُن لم يذهَبُوا بها مَذْهَب الفِعْل ولكنها جُعِلت اسْمَاء لهذه الأوْعِيةِ كما جُعِل المُغْفُور والمُغْثُور والمُغْرُود والمُعْلُوق وهذه أربعةُ أحرفٍ جاءتْ على مُفْعُول ولا نظيرَ لها في كلام العرب وليست مأخوذة من فِعْل فعلى ذلك جَرَت مُكْحُلة والأربعةُ التى معها أما المَغْفُور والمَغْثُور فلِضَرْب من الصَّمْغ الذى يقَع على الشجَر وفيه حَلاوةٌ والمُغْرُود ـ ضرْب من الكَمْأة والمُعْلُوق ـ المِعْلاق* وزعم الفارسى* أن كل مِفْعَل فهو مُقَصَّر من مِفْعال كما أن كل افْعَلَّ مُقَصَّر من افْعالَّ ولذلك صحَّت العين في القَبِيليْنِ فقالوا مِخْيَط واعْوَرَّ اذ كانَا في نِيَّة مِخْياط واعْوَارَّ

هذا بابُ نظائِرِ ما ذكَرْنا مما جاوَزَ بَناتِ الثلاثةِ

بزِيادةٍ أو غيْرِ زيادةٍ

فالمَكانُ والمصدَر يُبْنَى من جميعِ هذا بِناءَ المفعُول وكان بِناءُ المفعُول أولَى به لأنّ المصدَرَ مفْعُول والمكانَ مَفْعُول فيه فيَضَمُّون أوَّله كما يَضُمُّون المفعُولَ لأنه قد خرَج من بناتِ الثلاثةِ فيُفْعَل بأوّله ما يُفْعَل بأوّل مَفْعُوله كما أنّ أوّلَ ما ذكرتُ لك من بَناتِ الثلاثةِ كأوّل مفعُوله مفتوحٌ أعنِى أن اشتراكَ المَصدَر والمكانِ والمَفْعُول في وُصُول الفِعل اليهِنّ ونصْبِه إيَّاهُنّ يُوجِب اشتراكَهُن في اللَّفْظ فيجب أن يكُونَ بِناءُ المصدَر الذى في أوّله الميم وبِناءُ الزمانِ والمَكانِ كبِناءِ المفعُول فيما جاوَزَ ثلاثةَ أحْرُف وجُعِل في الثلاثة علامةُ المفعُول واوًا قبْلَ آخِره كواو مَضْرُوب وانما منَعَ أن تجْعَل قبل آخِرِ حرفٍ من مفعُول فيما جاوَزَ الثلاثةَ واوًا كواو مَضْروب أنّ ذلك ليس من كلامِهم ولا ممَّا بَنَوْا عليه يعنى زِيادةَ الواو قبل آخر مفعُول فيما جاوَزَ الثلاثةَ ولأن ذلك يَثْقُل أيضا فيما يكْثُر حُرُوفُه وأبنِيتُه أخفُّ يَقولون للمَكان هذا مُخْرَجُنا ومُدْخَلُنا ومُصْبَحُنا ومُمْسانا وكذلك اذا أرَدْتَ المصدَر قال أميَّة بن أبى الصَّلْت

١٩٩

الحمدُ لله مُمْسانا ومُصْبَحَنا

بالخَيْر صَبَّحنا ربِّى ومَسَّانا

ويقولون للمكان هذا مُتَحامَلُنا ويقولون ما فيه مُتَحامَل ـ أى ما فيه مَحامُلٌ وتقول مُقاتُلَنا تعنى المكانَ وكذلك تقول اذا أردت المُقاتَلةَ قال أبو كعب بنِ مالك

أُقاتِلُ حتَّى لا أَرَى لِى مُقاتلاً

وأَنْجُو إذا غمَّ الجَبانُ من الكَرْبِ

وقال زيد الخيلِ

أُقاتِلُ حتَّى لا أَرَى لِى مُقاتلاً

وأنْجُو إذا لم يَنْجُ الا المُكَيَّس

وقال في المكان هذا مُوَقَّانَا وقال رؤبة (١)

* إنَّ المُوَقَّى مثْلُ ما وقِّيتُ*

يريد التَّوقِيَةَ وكذلك هذه الاشياءُ وأما قوله دَع مَعْسُورَه الى مَيْسُوره فانما يجىء هذا على المَفْعُول كأنه قال دَعْهُ الى أمرٍ يُوسَرُ فيه أو يُعْسَر فيه وكذلك المَرْفُوع والمَوْضُوع كأنه يقولُ له ما يَرْفَعُه وله ما يَضَعُه وكذلك المَعْقُول كأنه قال عُقِلَ له شئٌ ـ أى حُبِس له لُبُّه وشُدَ ويُستغْنَى بهذا عن المَفْعل الذى يكون مَصدَرا لأن فى هذا دليلا عليه* قال أبو على* «ولا أدرى أين ذَكَره غير أنى علَّقْته من لفظه» اعلم أن المَفْعُول عِنْد بعضِ النحويِّين يجوزُ أن يكونَ مصدَرا وجعَلُوا هذه المفعُولات التى ذكرها سيبويه مصادِرَ فالميسُور عِنْدَهم بمنزِلة اليُسْر والمَعْسُور كالعُسْر والمَرْفُوع والمَوْضُوع والمعْقُول كالرَّفْع والوَضْع والعَقْل وقالوا في قوله عزوجل (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أى بأيكم الفِتْنةُ وكلام سيبويه يدلُّ أنها غير مَصادِر وأنها مفعولات هذا وقْتٌ مَضْروبٌ فيه زيْدٌ وعَجِبْت من زَمانٍ مضْروبٍ فيه زيدٌ وجعل المرفُوعَ والموْضُوعَ هو الذى يَرْفعُه الانسانُ ويَضَعه تقول هذا مَرْفُوعُ ما عِنْدِى ومَوْضُوعه ـ أى ما أرفَعُه وأضَعُه وجَعَل المعقُولَ مشتَقًّا من قولك عُقِلَ له ـ أى شُدَّ له وحُبِسَ فكأنّ عقْلَه قد حُبِسَ له وشُدَّ واستُغْنِى بهذه المفْعُولات التى ذكَرْنا عن المَفْعَل الذى يكونُ مصدَر الأن فيها دليلا على المَفْعَل* وقال بعض أهل العلم في قوله عز وجَلَ (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) إن الباءَ زائدة ومعناه أيُّكم المفتُون ومثلُه في زيادةِ الباء قولُه تعالى في بعض الأقاويل (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أى تُنْبِت الدُّهْن وقال الشاعر

__________________

(١) قلت قول على ابن سيده وقال رؤبة خطأ محض تبع فيه بعض الرواة الذين لا يميزون بين شعر رؤبة وشعر أبيه العجاج حقيقة التمييز والحق ان المصراع المستشهد به لأبيه أبى الشعثاء العجاج من قصيدة يمدح بها مسلمة بن عبد الملك بن مروان مطلعها قوله

يا رب ان أخطات أونسيت

فأنت لا تنسى ولا تموت

ان الموتى مثل ما وقيت

أنقذني من خوف من خشيت

الى أن قال يخاطبه مسلم لا انساك ما بقيت فضلك والعهد الذي رضيت لو أشرب السلوان ما سليت ما بي غنى عنك وان غنيت وكتبه محققه محمد محمود لطف الله به امين

٢٠٠