المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

ومن هذه الجُمُوع التى ليست بمكَسَّرة صاحِبٌ وصُحْبة وظِئْر وظُؤْرةٌ ومثلُ ذلك أَدِيمٌ وأَدَم وأَفِيقٌ وأَفَقٌ والأَفِيق ـ الجِلْد الذى في الدِّبَاغ وعَمُود وعَمَد واستدلَّ سيبويه على أنَّ ذلك ليس بجمعٍ مكسَّر أن الجمعَ المكَسَّر مُؤنَّث وهذا مُذَكَّر تقول هذا أَدَمٌ وهذا أُدَيْم في التصغير ومثل ذلك حَلْقة وحَلَق وفَلْكَة وفَلَك فلو كانتْ كُسِّرت على حَلَقٍ كما كُسِّرت ظُلْمة على ظُلَم لم يُذَكِّرُوه فليس فَعَل مما يكَسَّر عليه فَعْلةٌ* قال* ومثلُ ذلك فيما حدَّثنى به أبو الخطَّاب نَشْفة ونَشَفٌ ـ وهو الحَجَر الذى يُتَدَلَّك به ومثل ذلك الجامِل والباقِر لم يكسَّر عليهما جَمل ولا بَقَرة والدليلُ عليه التذكِيرُ والتحقِيرُ وأن فاعِلا لا يُكَسَّر عليه شئٌ أعنى في قولهم هو العَمَد وهو الجامِلُ والباقِرُ وهذا أُدَيْمُ ولم يقُولوا أُدَيِّمات ولا أُدَيِّمة* قال* ومثل ذلك في الكلام أَخٌ وإخْوة وسَرِىٌّ وسَرَاة ويدلُّك على هذا قولُهم سَرَوَات فلو كانت بمنزلة فَسَقَة أو قُضَاة لم تجمع ومع هذا إن نظير فَسَقَة من بناتِ الواوِ والياء يجِىء مَضْموما* قال أبو سعيد* أما أخٌ وإخْوة فهكذا رأيتُه في جميع نسخ كتابِ سيبويه وغيرِها وهو عِنْدى غلَط لأن إخوة فِعْلة وفِعْلة من الجُموع المكسَّرة القليلة كأفْعُل وأَفْعِلة وأفْعال كما قالوا فَتًى وفِتْية وصَبِىٌّ وصِبْية وغُلَام وغِلْمة والصَّواب أن يكونَ مكانَ إخْوة وأُخْوة حتى يكونَ بمنزِلة صُحْبةٍ وفُرْهة وظُؤْرة وقد حكى الفراء في جمع أخٍ إخْوة وأُخْوة وأما سَرَاة فاستَدلَّ سيبويه أنه اسم للجمع وليس بمكسَّر بشيئين أحدهما أنهم يقولُون سَرَوات في جمعه ولا يقولون في فَسَقَة فَسَقات والثانى أنه لو كان جَمْعا مكسَّرا لكان حقه أن يقولُوا سُرَاة لأن لامَه معتَلَّة ويقال فيما كان معتَلَّ اللامِ في مكسَّره فُعَلة كقولهم غُزَاة ورُمَاة وفيما كان غير معتلٍّ فَعَلة كقولهم كَتَبةٌ وفَسَقة* ومن الباب فارِهٌ وفُرْهة وغائِبٌ وغَيَبٌ وخادِمٌ وخَدَم وإهَابٌ وأَهَبٌ وماعِزٌ ومَعَز وضائنٌ وضَأَن ويقال معْز وضَأْن بتسكينِ الثانِى* ومنه أيضا فَعِيل كقولهم عازِبٌ وعَزِيبٌ وغازٍ وغَزِىٌّ وقاطِنٌ وقَطِينٌ قال امرؤ القيس

سَرَيْتُ بهم حتَّى يَكِلَّ غَزِيُّهمْ

وحَتَّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بأرْسانِ

فقال أبو على ومن هذا الباب رائِحٌ ورَوَح يحكيه عن أبِى زيد* قال* وقال فلانٌ من القَعَد والدليل على صحةِ قول سيبويه من أنها اسمٌ للجمع وليس بتكسِيرِه

١٢١

ما أنشده أبو زيد

بَنَيْتُه بعُصْبةٍ من مالِيَا

أَخْشَى رُكَيْبا ورُجَيْلا عادِيَا

وأنشد أيضا

وأيْنَ رُكَيْبٌ واضِعُونَ رِحالَهُمْ

الى أهْلِ بيتٍ من مَقَامةِ أهْوَدَا

ويدُلُّ على ذلك أيضا أنهم نسَبُوا اليه على لَفْظه فلو كان تكْسير الرَدُّوه الى واحدِه قال الشاعر

فكأَنِّى مِمَّا أُزَيِّنُ منها

قعَدِىٌّ يُزَيِّن التحكِيمَا

وأذكُر شيأ من الجُمُوع التى لم يأتِ لها واحِدٌ فمن ذلك قولهم المَحَاسِن لا واحِدَ لها من لفْظها وكذلك مَذَاكِيرُ ومَطَايِبُ الجَزُور وسَدَدْت مَفَاقِرهُ وجاءت الخَيْلُ عَبَادِيدَ وعَبَابِيدَ وشَمَاطِيطَ ولذلك اذا نَسب سيبويه الى شئٍ من هذا النحوِ نسَب الى لفظ الجمْع وأنشد ابنُ السكيت

ويَرْكُلْنَ عن أقرابِهِنَّ بأرْجُلٍ

وأذنَابِ زُعْرِ الهُلْبِ زُرْقِ المَقَامِعِ

والمَقَامِع ـ نوعٌ من الذُّباب واحدته قَمَعة ولم يقولوا مَقْمعة* قال سيبويه* وقالوا المَشَابِه والمَلَامِحُ ولم يقُولوا مَشْبَهَة ولا مَلْمَحَة وحكى ابن السكيت إنه لَطَيِّبُ السُّعُوف ـ أى الضَّرائِبِ ولا واحِدَ لها

كتاب الأفْعال والمَصادر

(باب بِناء الأفعال التى هى أعمال وذكر أبْنِيَة المَصادِر واختِلافها وما يتعلَّق بالفعل من أبْنيَة الفاعِلِين والمفْعُولِين وغير ذلك من أسماء الأزْمِنة والأمْكِنَة مما سَنُبَيِّنه* ونحن نقدِّم جملة تُسَهّل حِفْظ ذلك ونَبْذَأُ بأصل يُرْجَع اليه في تقْيِيد مُعظَمِ ذلك وأكثرُ ما في هذا يجرِى مَجْرِى اللغةِ التى يُحتاجُ الى حِفْظها)

اعلم أن الأفعال على ضربَيْن أحدُهما ثُلَاثِىٌّ وهو العَدَد الأعدلُ في الأفعالِ والأسماءِ والآخَرُ زائِدٌ على الثُّلاثِىِّ فأما الثُّلاثِىُّ الأوّلُ البَسيطُ الذى لم تَلْحَقْه زيادَةٌ فله ثلاثةُ أبنِيَةٍ فَعَل وفَعِل وفَعُل ففَعَل نحو ضَرَب وقَتَل وجَلَس وقَعَد ويكون فيه المتعَدِّى وغَيرُ المتعَدِّى فالمتعَدِّى نحو ضَرَب زيْدٌ عَمْرا وغير المتعَدِّى قولُك جَلَس

١٢٢

زيدٌ وذَهبَ عَمْرو وأما فَعِلَ فنحو عَلِمَ وجَهِل وشَرِبَ وفَزِعَ وهَلِع وجَزِع ويكون فيها المتَعدّى وغيرُ المتَعدِّى فالمتَعدِّى قولك عَلِم زيدٌ الأمرَ وشَرِب عَمْرٌ والماءَ وغير المتَعدِّى قولُك فَزِعَ زيدٌ وجَزِع عبدُ الله وأمَّا فَعُل فنحو كَرُم وظَرُف ولا يكون متَعدِّيا البَتَّةَ لا يَجِىءُ منه كَرُم زيدٌ عَمرا في الصحيح فأمَّا المعتَلُّ في هذا البِناءِ في حَيِّزِ الأفعال فليس من غَرَض هذا الكِتابِ ولكِنَّه ربما عَنَّ فعلَّلناه* فأما فَعَل فمستقْبَلُه يجِىءُ على يَفْعِل ويَفْعُل ويَكْثُران فيه حتى قال بعضُ النحويِّين إنه ليس أحدُهما أوْلَى به من الآخَرِ وإنه ربَّما يكْثُر أحدُهما في إعادة ألْفاظِ الناسِ حتى يُطَّرَح الآخَرُ ويقْبُحَ استِعمالُه* قال أبو على* هذانِ المِثالانِ يعنى يَفْعِل ويَفْعُل جارِيانِ على السَّواءِ في الغَلَبة والكَثْرة* قال* وقال أبو الحسن يَفْعِل أغلَبُ عليه من يَفْعُل* قال أبو على* وذلك ظَنٌّ إنما تَوهَّمَ ذلك من أجْل الخِفَّة فحكَم أنَّ يَفْعِل أكثَرُ من يَفْعُل ولا سبِيلَ الى حَصْر ذلك فيُعْلَم أيُّهما أكثَرُ وأغْلبُ غيْرَ أنا كُلَّما استَقْرينا بابَ فَعَل الذى يَعْتَقِبُ عليه المِثالانِ يَفْعِل ويَفْعُل وَجدْنا الكسْرَ فيه أفصَحَ وذلك للخِفَّة كقولنا خَفَق الفُؤَادُ يَخْفِق ويَخْفُق وحَجَل الغُرابُ يَحْجِل ويَحْجُل وبَرَدَ الماءُ يَبْرِد ويَبْرُد وسَمَط الجَدْىَ يَسْمِطُه ويَسْمُطه وأشباه ذلك مما قد تَقَصَّاه مُتْقِنُو اللغة كالأصمعىِّ وأبى زيدٍ وأبى عبيد وابنِ السِّكِّيت وأحمدَ بنِ يحيى فهذا مذْهب أبى على في يَفْعِلُ ويَفْعُل* وقال بعض النحويين* اذا عُلِم أن الماضِىَ على فَعَل ولم يُعْلَم المستقبَلُ علَى أىِّ بِناءٍ هو فالوجه أن يُجْعَل يَفْعِل وهذا أيضا لما قدَّمت من أن الكسرةَ أخَفُّ من الضمَّةِ وقيل هُمَا يُستَعْمَلانِ فيما لا يُعْرَف وحكى عن محمدِ بنِ يَزِيدَ وأحمدَ بنِ يحيى أنه يجوزُ الوجهانِ في مستقْبَل فَعَل في جميع الباب وزعَم قومٌ من النحويِّين أن ما كَثُر استِعمالُه على يَفْعِل وشُهِر لم يُجْز فيه ما استُعمِل على غير ذلك نحو ضَرَب يَضْرِب وقَتَل يَقْتُل وما لم يكن من المشهُور جاز فيه الوجْهانِ* وأنا أذكر من الأفعال التى يَعْتَقِب عليها هذان المِثالانِ على حَدِّ ما نَحَا اليه أبو على لأُنَبِّهَ على ذلك قالوا حَشَدَ يَحْشِد ويَحْشُد وعَنَد يَعْنِد ويَعْنُدُ وزَمَر يَزْمِر ويَزْمُرُ ونَفَر يَنْفِر ويَنْفُرُ وعَرَم يَعْرِمُ ويَعْرُم وزَبَرَ يَزْبِر ويَزْبُرُ وطَمَث يَطْمِثُ ويَطْمُث ـ اذا جامَعَ فأما في الحيض فيَطْمِث لا غيْرُ وخَمرَ يَخْمِر

١٢٣

ويَخْمُرُ وفَطَر يَفْطِر ويَفْطُر وعَثَر يَعْثِر ويَعْثُر وقَدَر يَقْدِر ويَقْدُر وأَهَل يَأْهِل ويَأْهُلُ ـ اذا تَزوّجَ وعَضَل المرأةَ يَعْضِلُها ويَعْضُلها ـ أى عَقَلها عن النِّكاح وتَلَد الشىءُ يَتْلِد ويَتْلُد ـ أى قَدُم وعَرَش البئرَ يَعْرِشُها ويَعْرُشُها ـ وهو الطَّىُّ بالخشَب وقالوا عَكَف يَعْكِف ويَعْكُف ونَقَزَ يَنْقِزُ ويَنْقُزُ وشَرَط الحَجَّام يَشْرِط ويَشْرُط وكذلك فى الشَّرِكة وحَنَك الدابَّةَ يَحْنِكُها ويَحْنُكُها ـ اذا جعَل الرَّسَن في فِيهَا وفَسَقَ يَفْسِق ويَفْسُق ونَجَبَ الشجرةَ يَنْجِبها ويَنْجُبُها وقَبَر الميِّتَ يَقْبِره ويَقْبُرُه وعَتَبَ عليه من العِتَاب يَعْتِب ويَعْتُب وذَمَلَت الناقةُ تَذْمِل وتَذْمُل وقَنَطَ يَقْنِط ويَقْنُطُ وجَزَرَ النخْل يَجْزِره ويَجْزُره وأبَقَ يَأْبِق ويَأْبُقُ وعَزَفت نفسِى عن الشئ تَعْزِف وتَعْزُف فأما الجِنُّ فبالكسْر لا غيْرُ وحَشَر يَحْشِر ويَحْشُرُ وفَتَك يَفْتِك ويَفْتُك وأبَنْتُ الرجُلَ آبِنُه وآبُنُه ـ اذا اتَّهمْتَه* فأمّا ما يَعْتقِب عليه هذان المثالان من المُضاعَف نحو شَدَّ يَشِدُّ ويَشُدُّ وشَحَّ يَشِحُّ ويَشُحُّ وعَلَّ يَعِلُّ ويَعُلُّ ونَمَّ يَنِمُّ ويَنُمُّ فسأ ستَقْصِيه في موضِعه إن شاء الله تعالى وأشباهُ هذا في الكلام كثيرٌ جِدًّا ولكنى ذكرتُ منه عامّة ليدُلَّك على أن المِثاليْنِ يَكْثُرانِ في هذا البابِ وجعلت لك تَعاقُبَهُما على الكلِمة الواحدة دَلِيلا على كَثْرتهما واشتراكِهما في هذا البِناءِ وفي الأفعالِ ما يلزَمُ مستقْبَلُه أحدَ هذينِ البِناءيْنِ إما لَحرْف معْتَلٍّ وإما لمعنًى لازمٍ فأما ما لَزِم فيه أحدُ البناءَيْنِ بحَرْفٍ معتَلٍّ فهو أن يكونَ الماضِى على فَعَل وعينُ الفعل أو لامُه واوٌ فانه يلزَمُه يفْعُل وذلك قولُك فيما العيْن منه واو قالَ يَقُول وقامَ يقُوم وأمّا ما كان لامُ الفِعْل منه واوًا فنحوُ غَزَا يَغْزُو ودَعَا يَدْعُو ونَثَا يَنْثُو وسَمَا يَسْمُو* وأمّا ما كان الماضِى منه على فَعَل وعيْنُ الفِعل أوْ لامُه ياءٌ فانه يلزَمُ في مستقبله يَفْعِل كقولنا فى الذى عيْنُه ياءٌ باعَ يَبِيع ومالَ يَمِيلُ ومارَ يَمِيرُ وصارَ يَصيرُ وأما الذى لامُه ياءٌ فكَرَمَى يَرْمَى وجَرَى يَجْرِى وقَضَى يَقْضِى* ومما يلْزَم يَفْعِل في مستَقْبَله ما كان على فَعَل وفاؤهُ واو كقولك وَعَدَ يَعِدُ ووَزَن يَزِنُ ووَثَبَ يَثِبُ ووَجَدَ يَجِدُ فأمّا يَجُد فسنذْكُره في نَظَائِر الصحيح من المعتَلِّ ان شاء الله وأصْل يَعِدُ ويَزِنُ يَوْعِد ويَوْزِن وسَقَطت الواوُ منه عِنْد البَصْريِّين لوُقُوعها بيْنَ ياءٍ وكسْرةٍ وعِنْد الكُوفيِّين إنما تسْقُط الواوُ فَرْقا بيْنَ المتعَدِّى من هذا البابِ وبَيْن ما لا يتَعَدَّى وكأنّ التعَدِّىَ

١٢٤

عِنْدَهم عِوَضٌ من سُقُوط الواوِ قالوا لأنه قد جاء فيما لا يتَعَدَّى يَوْجَل ويَوْحَل وما أشبَهَ ذلك وليس الأمرُ على ما قالُوا لأنَّه قد جاءَ أفْعالٌ كثيرةٌ مما لا يتعدَّى قد سَقَطت منها الواو كقولك وَكَفَ البيتُ يَكِف ووَثَم الذُّبابُ يَنِمُ ـ اذا ذَرَقَ ووخَدَ الجَمَل يَخِدُ ووَجَدَ عليه يَجِدُ وهو أكثرُ من أن يُحْصَى وأمَّا يَوْحَل ويَوْجَل فانما هو على يَفْعَل لأن الماضِىَ منه فَعِل كما تقول عَلِم يَعْلَم وحَذِرَ يَحْذَر فأما وَهَب يَهَبُ ووَضَع يَضَع وما أشبهَ ذلك فانما سَقَطت الواوُ منه لأن أصلَه يَوْهِبُ ويَوضِع على الباب الذى ذكرتُ فسَقطتِ الواوُ لوُقُوعها بيْنَ ياءٍ وكسْرةٍ ثم فُتِح من أجْل حَرْفِ الحَلْق وسأَقِفُك على ما يُفْتَح من أجْل حرفِ الحلقِ ولَمِ ذلك إن شاء الله وقد يَلْزَمُون في بعض المعَانِى أحدَ البِناءَيْن كقولهم في الغَلَبة اذا قلت فاعَلْته وهذا هو القِسم الثانِى الذى يَلْزم فيه يَفْعُل من أجْل المعنَى وذلك قولهم خاصَمنِى فَخَصَمْته أَخْصُمُه وضارَبَنِى فضَرَبْته أَضْرُبُه وقد جاءت يَفْعِل في هذا البابِ وذلك في حَيِّز المُعْتَلِّ الذى عَيْنه أو لامُه ياءٌ وسأبَيِّن هذا البابَ بعِلَله لأنى انما قدَّمت هذه الجملةَ توطِئَة لما بعْدَها ان شاء الله* وقد يكون الآتى من فَعَل يَفْعَل اذا كانتْ لامُه أو عينُه حَرْفا من حُروف الحلْقِ وليس هذا الموضِعُ كُلِّيًّا بل قد يَجِىء مما عيْنُه أو لامُه حرفٌ من حُروف الحلْقِ على القياس كَثِيرا* وحُروف الحلْق ستةٌ الهمزُ والعيْنُ والحاءُ والهاءُ والغَيْنُ والخاءُ فأمَّا ما كان الهمزةُ فيه عيْن الفعل فقولك سَأَلَ يَسْئَلُ وما كانت لامَهُ فقَرَأَ يَقْرَأُ وما كانت العينُ عيْنَ الفِعْل منه فقولك فَعَل يَفْعَل وما كانت لامَه فصنَعَ يَصْنَع وما كانت الحاءُ عيْنَ الفِعْل منه فسَحَب يَسْحَب وسَحَطَ يَسْحَطُ وما كانت لامَه فذَبَح يَذْبَح وسَبَحَ يَسْبَح وما كانت الهاءُ عيْنَ الفِعْل منه فذَهَب يَذْهَبُ وما كانت لامَه فَجبهَ يَجْبَه وأمَّا ما كانتِ الغَيْنُ منه عيْنَ الفِعْل فَدغَرَ يَدْغَر وما كانت لامَه فدَمَغَ يَدْمَغ وما كانت الخاءُ عيْنَ الفِعْل منه ففَخَرَ يَفْخَر وما كانت لامَه فسَلَخَ يَسْلَخُ وقد يجىءُ بعضُ ذلك على الأصْل على فَعَل يَفْعِل أو يَفْعُل فأمَّا ما جاء منه على فَعَل يَفْعِل فنَحَتَ يَنْحِتُ وصَهَل يَصْهِل ورَجَعَ يَرْجِع وما كان على يَفْعُل فقَعَدَ يَقْعُد وشَحَب يَشْحُبُ وذلك كثير* وما كان فاء الفِعْل منه أحَدَ الحُروف الستَّةِ من حُرُوف الحلق فلا يُغَيَّر الحكمُ ويلزمُ فيه يَفْعِل أو يَفْعُل كقولك أَكَلَ يَأْكُل وعَبَرَ يَعْبُرُ

١٢٥

وحَمَل يَحْمِل وعَقَل يعْقِل وما أشبَهَ ذلك وقد ذكر سيبويه أنه جاء حرفٌ واحدٌ على فَعَل يَفْعَلُ وهو أَبَى يَأْبَى وليس عيْنُ الفِعْل ولا لامُه حَرْفا من الستةِ* وقال بعضُ النحويين* شبَّهُوا الالفَ بالهَمزة لأنها من مَخْرَجها وهو شاذٌّ ليس بأصل وزاد ابنُ السِّكِّيت عن أبى عَمر ورَكَنَ يَرْكَنُ *

وأما ما كان على فَعِل فيلْزَم مستقبَلُه يَفْعَل كقولك حَذِرَ يَحْذَر وفَرِقَ يَفْرَق وعَمِلَ يَعْمَل وشَرِبَ يَشْرَب وقد شذَّت منه أحرُفٌ من الصحيح والمعتل فمن الصحِيح أربعةُ أفعالٍ جاءْت على فَعِلَ يَفْعِلُ ويَفْعَل جميعا وهى حَسِب يَحْسِبُ ويَحْسَب ويَبِسَ يَيْبِس ويَيْبَس ويَئِس يَيْئِسُ ويَيْئَس ونَعِمَ يَنْعِم ويَنْعَم وقد جاء حرفٌ واحد من الصحيح على فَعِل يَفْعُلُ وهو فَضِل يَفْضُل وأنشد

ذَكَرتُ ابنَ عَبَّاسٍ ببَابِ ابْنِ عامِرٍ

وما مرَّ من عَيْشٍ هُنَاكَ وما فَضِلْ

وذكر غيرهم أنه جاء حَرْف آخَرُ وهو حَضِرَ يَحْضُر وأظنُّ أبا زيدٍ ذكرَه أيضا وأنشدُوا قولَ جرير

ما مَنْ جَفَانَا اذا حاجَاتُنَا حَضِرَتْ

كمَنْ لَنا عِنْدَه التَّكْرِيمُ واللَّطَفُ

* وقد جاء من المعْتَلِّ على فَعِل يَفْعِل أحرفٌ كثيرةٌ منها وَثِقَ يَثِقُ ووَمِقَ يَمِقُ ووَرِثَ يَرِثُ ومنها طَاحَ يَطِيحُ وتَاهَ يَتِيه على لُغة من هو يُقول طَوّحته وتَوَّهْته * وقد جاء حرفان على فَعِل يَفْعُل من المعتَلِّ قالوا مِتَّ تَمُوت ودِمْتَ تَدُوم فأمّا فَعُل فان مُستقبَلَه يَجِىء على يَفْعُل لا غيْرُ كقولهم ظَرُفَ يَظْرُف وكَرُمَ يَكْرُم وقد ذكرُوا أنه جاء حرْفٌ من المعتَلِّ على فَعُل يَفْعَل وهو كُدْت تَكَاد وهو شاذٌّ نادِرٌ* وأما مصادرُ هذه الأفعالِ الثُّلَاثِيّة فهى مختلِفةٌ وستَقِف على اختلافِها مما أسُوقُه لك من كلامِ سيبويه وجميعِ النحويين وليس يَلْزَم قِياسا واحِدًا وانما يُحْفَظ حِفْظا غير أن الغالِبَ على ما كان منها متعدِّيًا الفَعْلُ كقولك ضَرَبْته ضَرْبا وقَتَلْته قَتْلا وشَتَمته شَتْما وبَلِعْت الشىءَ بَلْعا وجَرِعت الماءَ جَرْعا وقد يأتِى على غير ذلك والبابُ فيه فَعْل* وأما مالا يتعَدَّى فيكثُر فيه الفُعُول كقولك جَلَس جُلُوسا وقَعَد قُعُودا ورَجَع رُجُوعا* وأنا أذكُر مَصادِرَ هذا القِسْم الأوَّلِ الأعْدلِ الذى هو الثُّلاثِىُّ وأبيِّن البِناء الغالِبَ على كلِّ نوعٍ منها وأُفَضِّل ما يغْلِب على غير المتعدِّى

١٢٦

وأَبْدَأُ أوَّلا بشرح معنَى المصْدَر الذى هو اللَّفْظ الجامِعُ لجمِيع الأشخاصِ المقْصودِ الى تعيينِها وحصْرِ أبْنِيتِها وتحديدها ان شاء الله تعالى فنقول

ان المَصْدَر اسمُ الحدَثِ الذى تَصَرَّفُ منه الافعالُ نحو الضَّرْب تَصَرَّف منه ضَرَب يَضْرِبُ وسيَضْرِب والمَصدَر للفِعْل كالمادّة المشْتَرَكة ولذلك سمَّته الأوائِلُ مِثالا وسَمَّوْا ما اشتُقَّ منها تَصارِيفَ ونَظَائر فأما النَّظائِرُ عِنْدهم فما جَرَى على وجْه النسَب وهذا غيرُ مستعمَل في لُغة العرَب انما يقولُونه بوَسِيط كقولهم فَعَل كذا على جِهَة العَدْل وعلى جهة الجَوْرِ وعلى جِهَة السَّهْو وعلى جِهة الخيْر وعلى جِهة الشَّرِّ ولا يقولون على العَدْلِيَّة ولا على الجَوْرِيَّة ولا على جِهة الخيْر ولا على الشرِّية وأما التصاريف فهى التى نسمِّيها نحن الأمثلةَ كقولنا فَعَل يَفْعَل ويَفْعُل ويَفْعِل ونحن آخِذُون في ذكر مَصَادرِ الثُّلَاثِىِّ غيرِ المَزِيد ومقدِّمُون لمصْدَر فَعَل لكونه الأخف فنقول أوَّلا ان الغالبَ على مَصادِر هذه الأقسامِ الثلاثةِ التى هى فَعَل يَفْعِلُ وفَعِلَ يَفْعَل وفَعُل يَفْعُل أن يجىء على فَعْل وقد صَرَّفوها على غير ذلك فنحتاجُ الى ضَبْطها لحمْل النظَرِ عليها على طريقةِ النادِر فأما فَعْل فالقياس عليه لاطِّراده ونحن نذكُر جميعَ الأبْنِيَة التى جاءتْ لمَصادِر الثُّلاثِىِّ الذى ليس فيه زيادةٌ للحاجةِ اليه على ما بَيَّنا

فصل في فعَلَ يَفْعِل من المتعدِّى

فَعَله يَفْعِله فَعْلا ضَرَبه يَضْرِبه ضَرْبا وشَتَمه يَشْتِمه شَتْما وكَلَمه يَكْلِمه كَلْما وكَطَمَه يَكْظِمه كَظْما وكَسَره يَكْسِرُه كَسْرا وحَطَمَه يَحْطِمه حَطْما وهذا البِناءُ هو الغالبُ والغالبُ كالقِياس الذى هو اللازِمُ وان لم يكن مستَحِقًّا لاسم اللُّزُوم ولا لاسْمِ القياس ولكنه قرِيبٌ منه فلا حاجةَ بِنا الى استِقْصائه وانما يُتَقَصَّى ما سِواه لخُروجه من بابِ الغالبِ وحُصولهِ في حَيِّز النادِر وفَعَله يفْعِله فعْلا قالَهُ يقيِلُه قيْلا فَعَله يَفْعِلُه فَعَلاً سَرَقَه يَسْرِقُه سَرَقا فَعَلَه يَفْعِلُه فَعَلةً غَلَبه يَغْلِبُه غَلَبةً* وحكى أبو زيد* غُلُبَّة وغُلُبَّى فَعَله يَفْعِلُه فَعِلَةً سَرَقَه يَسْرِقُه سَرِقَةً فَعَله يَفْعِلُه فِعْلةً حَمَاه يَحْمِيه حِمْيةً فَعَله يَفْعِله فِعَالا ضَرَبها يَضْرِبُها ضِرَابا ونَكَحها يَنْكِحُها نِكاحا وكَذَبه

١٢٧

يَكْذِبه كِذَابا قال الاعشى

فَصدَقْتُها وكَذَبْتها

والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذَابُهْ

فَعَله يَفْعِله فعَالةً حَمَاه يَحْمِيه حِمَايةً ووَقَاه يَقِيه وِقَايةً فَعلَه يَفْعِلُه فِعْلانا حَرَمه يَحْرِمُه حِرْمانا فَعَله يَفْعِله فُعْلانا غَفَره يَغْفِرُه غُفْرَانا فَعَله يَفْعِله فَعْلانا لَواه يَلْوِيه لَيَّانا

فصل في فعَل يَفْعُل من المتعدِّى

فَعَلَه يفْعُلُه فَعْلا قَتَله يَقْتُله قَتْلا فَعَله يفْعُله فَعَلا سَلَبه يَسْلُبهُ سَلَبا وطَرَده يَطْرُده طَرَدا وحَلَبه يَحْلُبه حَلَبا وطَلَبه يَطْلُبه طَلَبا وخَلَبه يَخْلُبه خَلَبا وجَنَبه يَجْنبُه جَنَبًا وخَبَّ في العَدْو يَخُبُّ خَبَبا وصَدَرْت عن البِلادِ أصْدُر صَدَرا فأما أبو عبيد فقد أساء العِبارةَ فقال صَدَرت عن البِلاد صَدَرا فهذا الاسمُ فان أردْتَ المصدَر جزمْت الدالَ وأنشد بيتَ ابن مقبل

ولَيْلةٍ قد جَعَلْت الصُّبْحَ مَوعِدَها

صَدْرَ المَطِيَّة حتى تعْرِف السَّدَفَا

فَعَله يَفْعُله فَعِلا خَنَقه يَخْنُقه خَنِقا فَعله يَفْعُله فُعْلا كَفَرَه يَكْفُره كُفْرا وشَكَره يَشْكُره شُكْرا* وحكى الفارسى* شَكَده يَشْكُدُه شُكْدا وشَكَمه يَشْكُمُه شُكْما هذه حكاية الفارسى والجمهورُ أو الكلُّ غيْرَه على أن الشَّكْد والشَّكْم المصدَرُ والشُّكْدَ والشُّكْم الاسمُ فعَله يَفْعُلُه فِعْلا ذَكَره يَذْكُره ذِكْرا وحَجَّه يَحُجُّه حِجًّا فأما غير سيبويه فقال الحَجُّ والحِجُّ لغتانِ* وقال الفارسى مثلَ ذلك غير أنه قال في كتاب الحُجَّة الحَجُّ المصدَر والحِجُّ الاسمُ يرفَع ذلك الى أبى الحسن فَعَله يَفْعُله فِعْلة نَشَدَه يَنْشُده نِشْدةً فَعَله يَفْعُله فِعَالا كتَبَه يَكْتُبه كِتَابا وحَجَبه يَحْجُبُه حِجَابا فَعَله يَفْعُله فُعْلانا كَفَره يَكْفُره كُفْرانًا وشَكَره يَشْكُره شُكْرانا فَعَله يَفْعُله فُعُولا كَفَره يَكْفُره كُفُورا وشَكَره يَشْكُره شُكُورا وحَبَرَه يَحْبُره حُبُورا وشَرَّه يَسُرُّه سُرُورا وكَفَله يَكْفُله كُفُولا فَعَله يَفْعُله فِعْلانا نَشَده يَنْشُده نِشْدانا

فصل في فَعِله يَفْعَله من المتعدِّى

فَعِلَه يَفْعَله فَعْلا حَمِدَه يَحْمَده حَمْدا فَعِله يَفْعَله فَعَلا عَمِلَه يَعْمَله عَمَلا فَعِله يَفْعَله

١٢٨

فُعْلا شَرِبَه يَشْرَبُه شُرْبا ورَحِمَه يَرْحَمه رُحْما فَعِله يَفْعَله فَعْلةً رَحِمه يَرْحَمه رَحْمة فَعِلَه يَفْعَله فِعْلةً خالَهُ يَخَالُه خِيْلةً* وحكى الفارسىُّ* خالَ يَخِيل خَيْلةً ـ اذا اخْتالَ فَعِله يَفْعَله فِعَالا سَفِدَها يَسْفَدُها سَفِادا فَعِله يَفْعَله فَعَالا سَمِعَه يَسمَعُه سَماعا فَعِله يَفْعَله فِعْلانا غَشِيَه يغْشَاه غِشْيانا

فصل في فَعَل يَفْعَل من المتعدِّى الذى فيه حرْف الحَلْق

فَعَله يَفْعَله فَعَالة نَصَحه يَنْصَحُه نَصَاحةً* وحكى الفارسى* عن أبى زيد اللهُمَّ أعْطِنا سَألاتنا فَعَله يَفْعَله فُعَالا سألَهُ يسْأَله سُؤَالا فَعَله يَفْعَله فِعَالة قَرأه يَقْرَأهُ قِرَاءةً

فصل في تمييز المتعدِّى من غير المتعدِّى وتحديد

كل واحد منهما بخاصِيَّته

ونحن نَضَع هذا الباب على عِبارةِ الاوائِل والنحويِّين ومعنى قول النحويِّين لا يتعَدَّى أى لا يكونُ منه صِفَة على طريق مفْعُول وذلك أن المتعدِّىَ هو ما كان منه صِفَة على طريقة المفْعول بعد ذكر الفاعل فيكون قد تعدّى الفاعلَ في الذِّكْر الى المفْعُول كقولك ضَرَب زَيْد عَمْرا فهو يَدُلُّ على مَضْروب يصح أن يُذْكَر بعد الفاعِل والأفْعالُ كلُّها تدُلُّ على الصِّفَة التى على طَرِيقةِ فاعِلٍ فما كان منها يَدُلُّ مع ذلك على الصِّفة التى على طَرِيقة مفْعول فهو مُتعَدٍّ وما لم يَدُلَّ على ذلك فليس بمَتَعدٍ كقولك جَلَس يَجْلِس وقامَ يقُومُ وما أشبه ذلك وإنما يعْنُون بالمتعدِّى أنه قد تعَدَّى ذكر الفاعِل الى المفْعول فيما يتعلَّقُ بالفِعل كقولك ضرَبْت زيدًا ويَعْنُون بطريقة مفعول ما هو متميِّز من طريقة فاعِل على حدِّ قولك ضارِب ومَضْرُوب ومُكْرِم ومُكْرَم ومُسْتَخْرِج ومُسْتَخْرَج ومُحْتَمِل ومُحْتَمَل ومُحسِّن ومُحَسَّن ومُقاتِل ومُقَاتَل ومُتقَاضٍ ومُتَقَاضًى ومُتَوهِّم ومُتَوهَّم فكل هذا متعدٍّ وفيه الطريقتانِ على ما بيَّنتُ لك طريقةُ فاعِل وطريقةُ مفعُول فأمّا ما لا يتعدَّى فانّه يَجْرِى على طريقةِ فاعِل فقط دُونَ طريقةِ مفْعُول والأصل في مصدَر الثُّلاثىّ الذى لا يتعدَّى مما هو على فَعَل يفْعُل

١٢٩

أو يَفْعِل أن يجِىءَ على فُعُول نحو قَعَد يَقْعُد قُعُودا وجلَس يَجْلِس جُلُوسا فهذا الاصل المطَّرد وما جاء من مَصادِره على غير هذا البِناء فهو على طَريقةِ النادِر الذى يُحْتاج فيه الى معرِفةِ النظِير حتى يَجُوز ما يجوز فيه على شرائِط النادِر ويمتنَع مما لا يجوزُ مما ليس له نظير في كلامِ العرَب

فصل

كلُّ ما كان على طَرِيقة فَعَل ويَفْعَل وسَيَفْعل في أىِّ معنًى كان فهو فِعْل في حُكْم النحوِيِّين لأنه يلزمُه في باب الاعْراب وما يجِبُ للاسماءِ به أحكامٌ متققةٌ فأجْرَوْا عليه هذه التسميةَ من أجْل غَلَبة هذه الاحكامِ المتَّفِقَة وهو مع ذلك في حقيقةِ المعنَى على قسمين أحدُهما يدُلُّ على حادِثٍ أُخِذ منه هذا الفِعلُ المتصَرِّف والآخَرُ لا يدُلُّ على حادِثٍ وكلُّه يَجْرِى على مِنهاجٌ واحدٍ في التصرُّف فالأوّل الذى لا يدُلُّ على فِعْل نحو كانَ وأخواتِها ونحو تَضادَّ الشيئانِ وتماثَلَا في الجِنْس وعَدِمَ الشىءَ هو مأخوذٌ من العَدَم وليس العَدَم بحادثٍ وكذلك تَضَادَّ الشَيْئَانِ مأْخُوذ من التضادِّ وليس التضَادُّ بحادِثٍ وكذلك صِفاتُ الله جل وعَزَّ النفْسِيَّةُ نحو يَعْلَم ويَقْدِر ويَسْمَع ويَرَى فهذا بابٌ والثانى وهو الأكثَرُ الأغْلب ما يدُلُّ على عملٍ حادِثٍ في الحقيقة إمّا من القلْب أو من غيْرِه نحو فَهِم وفَطِنَ وسُرَّ واغْتَمَّ واشتَهَى .... (١) كلُّها أفعالٌ حادنةٌ فى الحقيقة وانما يتَصرَّف الاوّل تصرُّفَ هذه الحقيقةِ وليست ترجع الى معنًى حادثٍ في الحقيقةِ وأمّا أفعالُ الجَوارِح نحو جَلَس وذَهَبَ وضَرَب وكَسَر فتَجْرِى في المتعَدِّى وغيْرِ المتعَدِّى فليس وإن رجَعْت الى النَّفْس تَخْرُج من معنى العَمل الحادِث وإنَّما صِفاتُ اللهِ عزوجل التى تَتَصَرَّف هذا التصرُّفَ اذا رجَعْت الى النَّفْس خرجتْ من معنَى العمل الحادِثِ فالصِّفاتُ الراجِعة الى النَّفْس على وجهَيْنِ على ما بيَّنَّا

فصل في الأمْثِلَة التى لا تَتَعَدَّى

فَعَل يَفْعِلُ فَعْلا عَجز يَعْجِز عَجْزا فَعَل يَفْعِل فَعِلا حَلَف يَحْلِفُ حَلِفا وضَرَط يَضْرِطُ ضَرِطا وحَبَق يَحْبِق حَبِقا فَعَل يفْعِل فُعُولا جَلَس يجْلِسُ جُلُوسا فَعَل يفْعُل فُعُولا

__________________

(١) بياض بالأصل

١٣٠

قَعَد يَقْعُد قُعُودا وسَجَد يَسْجُد سُجُودا ودَخَل يَدْخُل دُخُولا وخَرَج يَخْرُج خُرُوجا فَعَل يَفْعُل فَعَالا ثَبَت يَثْبُت ثَبَاتا فَعَل يَفْعُل فَعْلا سَكَت يَسْكُت سَكْتا فعَلَ يَفْعُل فُعْلا مَكَثَ يَمْكُث مَكْثا فعَلَ يَفْعُل فِعْلا فَسَق يَفْسُق فِسْقا فَعَل يَفْعُل فِعَالةً عَمرَ المَنْزِلُ يَعْمُر عِمَارةً فَعِل يَفْعَل فعْلا حَرِدَ يَحْرَد حَرْدا فَعِل يَفْعَل فَعِلا ضَحِكَ يَضْحَك ضَحِكا فَعَل يَفْعَل فُعَالا مَزَحَ يَمْزَحُ مُزَاجا فهذه قوانينُ من المَصادِر والأفعال مجمُوعة قدَّمتها توطِئَة وتسهيلاً وأنا الآنَ آخُذ في ذِكْر الجمهور وتحليلِ ما عقَدَ منه سيبويه والتنبيهِ على ما شُبِّه من المتعدِّى بغير المتعَدِّى ومن غيْرِ المتعدِّى بالمتَعدِّى وأبْدأ بتَحليل كلام سيبويه عَقْدا عَقْدا لتَقِفَ على صِحَّة من القوانِينِ ثم أُتْبِع ذلك جميعَ ما وضعه أصحابُ المَصادر كالأصمعى وأبِى زيد والفَرَّاء* قال سيبويه* هذا بابُ بِناءِ الأفْعال التى هى أعمالٌ تَعدَّاك إلى غيْرِك وتُوقِعُها به ومصادِرِها فالأفْعال تكونُ من هذا على ثلاثة أبْنِيَةٍ على فَعَل يَفْعِل وفَعَل يَفْعُل وفَعِلَ يَفْعَل ويكونُ المصدَر فَعْلا والاسم فاعِلا فأما فَعَل يَفْعُل ومصدَرُه فَعْل قَتَل يَقْتُل قَتْلا والاسم قاتِلٌ وخَلَقه يَخْلُقُه خَلْقا والاسم خالِقٌ ودَقَّه يَدُقُّه دَقًّا والاسم داقٌّ وأما فَعَل يَفْعِل فنحو ضَرَب يَضْرِب وهو ضارِبٌ وحَبَس يَحْبِس وهو حابِسٌ وأما فعِل يَفْعَل ومصدرُه والاسمُ فنحو لَحِسَه يَلْحَسُه لَحْسا وهو لاحِسٌ ولَقِمه يَلْقَمُه لَقْما وهو لاقِمٌ وشَرِبه يَشْرَبه شَرْبا وهو شارِبٌ ومَلِجَه يَمْلَجُه مَلْجًا وهو مالِجٌ ومعناه مَصَّه ورَضِعه ومنه ما يُرْوَى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «لا تُحَرِّم الامْلاجةُ ولا الامْلاجتانِ» يريد الرَّضْعة والرَّضْعتيْنِ* قال سيبويه* وقد جاء بعضُ ما ذكرْنا من هذه الأبْنِيَة على فُعُول* قال أبو على* يعنِى مما يَتعدَّى لأن بِناءَ الفِعْل واحدٌ وقد جاء مصدَرُ فَعَل يَفْعُل وفَعَل يَفْعِل على فَعَلٍ وذلك حَلبَها يَحْلُبها حَلَبًا وطَرَدَها يَطْرُدها طَرَدا وسَرَقَ يَسْرِق سَرَقا وقد جاء المصدَرُ على فَعِلٍ قالوا خَنَقَه يَخْنُقه خَنِقًا وكَذَب يَكْذِب كَذِبا وقالوا كِذَابا وحَرَمه يَحْرِمه حَرِما وسَرَقه يَسْرِقُه سَرِقا وقالوا عَمِله يَعْمَله عَملا فجاء على فَعَلٍ كما جاء السَّرَق والطَّلَبُ ومع ذا أنَّ بِناءَ فِعْله كبِنَاء فِعْل الفَزَع فَشُبِّه به* قال أبو على وأبو سعيد* يذكُر سيبويه هذه المَصادِرَ في الأفعال المتعدّية والأصل فيها عِنْده أن يكونَ المصدَرُ على فَعْل بل

١٣١

الأصْل في الافعال الثُّلاثِيَّة كلِّها أن تكون مصادِرُها على فَعْل لأنه أخَفُّ الأبْنِيَة ولأنا نقُول فيها كلّها اذا أردْنا المرَّةَ الواحدَة قلنا فَعْلة كقولنا جَلَس جَلْسةً وقامَ قَوْمَةً وفَعْل هو جمْعُ فَعْلة كما يقال تَمْرة وتَمْر فيكون الضَّرْب من الضَّرْبة كالتَّمْر من التَّمْرة وما خرَج من هذا فهُو الذى يذكُره فقد ذكر فَعَل وفَعِل ثم قال في عَمِل عَمَلا إنهم شَبَّهوه بالفزَع الذى هو مصدَرُ فَزِعَ وفَزِع لا يتعَدَّى والباب في فَعِل الذى لا يتعدَّى اذا كان فاعلُه يأتِى على فَعِلٍ أن يكون مصْدَره على فَعَل كقولنا فَرِقَ فَرَقا فهو فَرِقٌ وحَذِرَ يَحْذَر حَذَرا فهو حَذِر* قال أبو على* فشُبِّه العَمَل وهو مصدَر فِعْل يتعدَّى بالفَزَع وهو مصدَر فِعْل لا يتعدى لاستِواء لفظِ فَزِع وعَمِلَ وان اختلَفا فى التَعدِّى مثل الطَّلَب والسَّرَق على العَمَل* وقد جاء المصدَرُ على فُعْل وذلك نحو الشُّرْب والشُّغْل وعلى فِعْل كقولنا قال قِيلاً وقالوا سَخِطَ سَخَطا شَبَّهه بالغَضَبِ حِينَ اتفَقَ البِناءُ يعنى أن سَخَطا مصدرُ فِعْل يتعدَّى وقد شبَّهه بالغَضَب مصدَرِ فِعلْ لا يتعدَّى لاتفاقِهما في وزن الفِعْل وفي المعنَى* قال* ويدُلُّك ساخِطٌ وسَخِطْته أنه مُدْخَل في بابِ الأعمال التى تُرَى وتُصْنَع وفي بعض النسخ تُرَى وتُسْمَع وهى مُوقَعَة بغيرِها* قال أبو على* يعنى بالأعمال التى تُرَى الأعمالَ المتعدِّيَةَ لأن فيها عِلَاجًا من الذى يُوقِعه للذى يُوقَعُ به فيُشاهَدُ ويُرَى فجعل سَخِطته مُدْخَلا فى التعدِّى كأنه بمنْزِلة ما يُرَى وقولهم ساخِطٌ دليلٌ على ذلك لأنهم لا يقولُون غاضِبٌ ومعنَى الغضَبِ والسَّخَط واحدٌ فجعلوا الغَضَب بمنزلةِ فِعْل تتغيَّر به ذاتُ الشىءِ والسَّخَط بمنزِلة فِعْل عُولج إيقاعُه بغير فاعِله* قال سيبويه* وقالوا وَدِدْته وُدًّا مثل شَرِبْته شُرْبا وقالوا ذَكَره ذِكْرا كحَفِظه حِفْظا* قال* وقد جاء شئٌ من هذا المتعدِّى على فَعِيل قالوا ضَرِيبُ قِدَاحٍ للذى يَضْرِب بالقِدَاح وصَرِيمٌ للصارِم وقال طَرِيف ابن تَمِيم العنبَرىِ

أوَ كُلَّما ورَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلةٌ

بَعَثُوا إلَىَّ عَرِيفَهُمْ يتَوَسَّمُ

يريد عارِفَهم والبابُ في ذلك أن يكونَ بِناؤُه على فاعِلٍ كضارِبٍ وقاتِلٍ وما أشبَه ذلك ويجوز أن يكونَ ضَرِيبُ قِدَاح فَرْقا بيْنَه وبيْنَ من يَضْرِب في معنًى آخَرَ وبيْنَ الصَّرِيم في القَطِيعة وبيْنَ من يَصْرِم في معنًى سِوَاه وبيْنَ عَرِيفٍ الذى يَعْرِف

١٣٢

الانسانَ وبيْنَ العارِف شيْأ سِوَاه* وقد جاء المصدَرُ على فِعَال قالوا كَذَبْته كِذَابا وكَتَبْته كِتَابا وحَجَبْته حِجَابا وقالوا كَتَبْته كَتْبا على القِياس وقالوا سُقْته سِيَاقا ونَكَحها نِكَاحا وسَفِدها سِفَادا وقالوا قَرَعها قَرْعا* وقد جاءَ على فِعْلانٍ قالوا حَرَمه يَحْرِمه حِرْمانا ووجَدَ الشىءَ يَجِدُه وِجْدانا بمعنى أصَابَ وقالوا أتيْته آتِيهِ إتْيانًا وقالوا أَتْيا على القياس قال الشاعر

إنِّى وأَتْيِى ابنَ غَلَّاقٍ لِيَقْرِيَنِى

كغابِطِ الكَلْبِ يَبْغِى الطِّرْقَ في الذَّنَبِ

ولَقِيته لِقْيانًا وعَرَفْته عِرْفانا ورَئِمَه رِئْمانا ـ اذا أَلِفَه وعَطَف عليه وقالوا رَأْما وحَسِبَه حِسْبانا ورَضِيَه رِضْوانا وغَشِيَه غِشْيانا* وقد جاء على فَعَال كما جاء على فُعُول كقولك سَمِعْته سَمَاعا مثل لَزِمته لُزُوما وعلى فُعْلانٍ نحو الشَّكْران والغُفْران وقد قيل الكُفْران قال الله تعالى (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) وفي بعض الأخبار «شُكْرَانَكَ لا كُفْرانَكَ» وقالوا الشُّكُور كما قالُوا الحُجُود وقالوا الكُفْر كالشُّغْل* وقالوا سألْته سُؤالا فجاؤُا به على فُعَال كما جاؤا به على فَعَال* وجاء على فِعَالة كقولك نَكَيْت العدُوَّ نِكَايةً وحَمَيته حِمَايةً وقالوا حَمْيًا على القياس وقالوا حَمَيت المرِيضَ حِمْية كما قالوا نَشَدته نِشْدة فهذا على فِعْلة وقد جاء على فَعْلة كقولهم رَحِمته رَحْمة وليس يُرادُ به مرَّةً واحدةً وكذلك لَقِيته لَقْيةً ونظيرها خِلْته خِيْلةً يريد نظيرها في المصدَر لا في الوَزْن وقالوا نَصَح نَصَاحةً فأدخلُوا الهاءَ وقالوا غَلَب غَلَبةً كما قالوا نَهَمة وقالوا الغَلَبُ كما قالوا السَّرَق وقالوا ضَرَبها الفحلُ ضِرَابا كالنِّكاح والقياس ضَربا ولا يقُولونه كما لا يقُولون نَكْحا وهو القياس وقالوا دَفَعَها دَفْعا كالقَرْع وذَقَطَها ذَقْطا ـ وهو النِّكاح ونحوهُ من باب المُباضَعة وقالوا سِرْقةٌ كما قالوا فِطْنة وقالوا لوَيْتُه حَقَّه لَيَّانا على فَعْلانٍ* وذكر بعضُ النحويين* وهو عِنْدِى جيِّد أن لَيَّانا أصْلُه لِيَّانٌ لأنه ليس في المَصادِر فَعْلان وانما يجِىءُ على فِعْلانٍ وفِعْلانٌ كثير كالوِجْدان والاتْيان والعِرْفان فكانَّ أصلَه لِيَّانٌ فاستَثقَلُوا الكسرةَ مع الياء المشدَّدة ففَتحُوا استِثْقالا وقد ذكر أبو زيد في كتاب عَيْمان عن بعض العرب لِيَّانًا بالكسر وهذا من أوْضَح الدلائِلِ على ما ذكرْنا وقالوا رَحْمته رَحَمةً كالغَلَبة وجميعُ ما ذكرتُه الى هذا الموضِع في الأفعال المتعدِّيَة وأما كلُّ عَمَل لم يتعَدَّ الى منصُوب فانه يكون فِعْلُه

١٣٣

على ما ذكرنا في الذى يتَعدَّى ويكونُ الاسمُ فاعِلاً والمصْدَر يكونُ فُعُولا وذلك نحوُ قَعَدَ قُعُودا وهو قاعِدٌ وجَلَس يَجْلِس جُلُوسا وهو جالِسٌ وسكَت سُكُوتا وهو ساكِتٌ وثَبَت ثُبُوتا وهو ثابِتٌ وذَهَب ذُهُوبا وهو ذاهِبٌ وقالوا الذَّهَاب والثَّبَات فبنَوْه على فقال كما بنَوْه على فُعُول والفُعُول فيه أكثَرُ وقالوا رَكِنَ يَرْكَنُ رُكُونا وهو راكِنٌ وقد قالُوا في بعض مصادِر هذا فجَاؤا به على فَعْل كما جاؤُا ببعض مصَادِر الأوّل على فُعُول وذلك قولك سَكَت يَسْكُت سَكْتا وهَدأ اللَّيْل يَهْدَأُ هدءًا وعَجَزَ عَجْزا وحَرِدَ يَحْرَد حَرْدا وهو حارِدٌ وقولهم فاعِلٌ يدُلُّك على أنهم انما جعَلُوه من هذا الباب وتخفيفُهم الحَردَ أنهم حملوا مصادِرَ ما لا يتعَدَّى على ما يتعَدَّى في قولهم عَجْزا وسَكْتا والبابُ فيه الفُعُول كما حملوا ما يتعَدَّى حيث قالوا لَزِم لُزُوما وجَحَده جُحُودا والباب فيه لَزْمًا وجَحْدا على ما لا يتعَدَّى وقَوَّى حَمْلَهم ذلك على ما يتعدَّى أنهم قالُوا حارِدٌ وكان القِياسُ في مِثْله أن يكونَ حَرِدَ حَرَدا فهو حَرْدانُ كما قالوا غَضِبَ غَضَبا فهو غَضْبانُ فأخرجوه عن باب غَضْبانَ بتخفِيف الحَرَد وبقولهم حارِدٌ ومعنى قولنا فانه يكونُ فِعْله على ما ذكَرْنا في الذى يتَعَدَّى يريدُ من بابِ فَعَل يَفْعُل كقولنا قَعَد يَقْعُد وفَعَل يَفْعِل كقولنا جَلَس يَجْلِس وفَعِل يَفْعَل كقولنا حَرِد يَحْرَد فهذه الأفعال لها نظائِرُ فيما يتعَدَّى* ويَجِىء فيما لا يتعَدَّى بِناءٌ يَنْفَرد به كقولنا ظَرُف يَظْرُف وكَرُم يَكْرُم وستقِف على ذلك ان شاء الله وقالوا لَبِثَ لَبَثًا فجعلوه بمنْزِلة عَمِل عَمَلا وقولهم لابِثٌ يدُلُّك على أنه من هذا الباب وقالوا مَكَثَ يَمْكُث مُكُوثا كما قالوا قَعَد يَقْعُد قُعُودا وقال بعضهم مَكُثَ شبَّهه بظَرُف لأنه فِعْل لا يتعدَّى كما أن هذا فِعْل لا يتعَدّى وقالوا المُكْث كالشُّغْل والقُبْح لأن بِنَاء الفعْل واحدٌ في مكُث يمْكُث وقَبُح يَقْبحُ وقال بعضُ العربِ مَجَن يَمْجُن مُجْنًا كالشُّغْل فيما يتعَدَّى وفَسَقَ فِسْقا كما قالوا فَعَلَ فِعْلا فيما يتَعَدَّى وقالوا حَلَف حَلِفًا كما قالوا سَرَق سَرِقًا فيما يتعَدَّى وأمّا دخَلْته دُخُولا ووَلَجْته وُلُوجا فانما هى على وَلَجْت فيه ودَخَلْت فيه ولكِنَّه ألْقَى في استِخْفافًا كما قالوا نُبِّئْت زَيْدا وإنما يُرِيد نُبِّئت عن زيْدٍ ومثلُ الحارِدِ والحَرْد قولُهم حمِيَتِ الشمسُ تَحْمَى حَمْيا وهى حامِيَةٌ قال الشاعر

تَفُور عَليْنا قِدْرُهم فنُدِيُمها

ونَفْثَأُها عَنَّا اذا حَمْيُها غَلَى

١٣٤

نُدِيمها ـ أى نُسَكِّنها وقالوا لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِبا وضَحِك يَضْحَك ضَحِكا كما قالوا الحَلِف وقالوا حَجَّ حِجًّا كما قالوا ذكَر ذِكْرا وقد تقَدَّم وقد جاء بعضُه على فُعَال كما جاء على فَعَال وفُعُول قالوا نَعَس نُعَاسًا وعَطَس عُطَاسا ومَزَحَ مُزَاحًا* وقد يَجِىءُ الفُعَال والفُعَالة والفِعَال والفِعَالة في أشياءَ تكثُرُ فيها وتكون أبوابًا لها وكذلك الفَعِيل فأمَّا فُعَال فقد كَثُر في الأصوات وصار البابَ لها ويتْلُوه في ذلك الفَعِيل فأما الفُعَال فنحوُ الصُّرَاخ والضُّبَاح واليُعَار والبُغَام والحُصَاص والحُبَاج والخُبَاج وهو الضُّرَاط والرُّغاءُ والدُّعاءُ والعُوَاء والبُكَاء وأما الفَعِيل فنحوُ الصَّهِيل والزَّئِير والطَّنِين والصَّرِيف والنَّزِيب والنَّبِيب والزَّحِير والنَّهِيت والنَّهِيم والنَّئِيم ونحوُه كثيرٌ ومما اجتَمع فيه فَعِيل وفُعَال شَحِيج البغْل وشُحَاجه ونَهِيق الحِمار ونُهاقه وسَحِيله وسُحَاله ونَبِيح الكلْبِ ونُبَاحه وضَغِيب الأَرْنَبِ وضُغابُها والأَنِينُ والأُنَان والزَّحِير والزُّحَار وفَعِيل وفُعَال أختانِ فى هذا كما اتفَقتَا في الوَصْف كقولك طَوِيل وطُوَال وخَفِيف وخُفَاف وعَجِيب وعُجَاب وكَرِيم وكُرَام* وحكى الفارسى* لَئِيم ولُؤَام وخَبِيث وخُبَاث ويكثر فُعَال في الأدْواءِ كقولنا السُّكَات والبُوَال والدُّوَار والعُطَاس والسُّهَام ـ وهو تغيُّر من حَرٍّ أو شمْس أو سُقْم والسُّعَال والهُلَاس والنُّحَاز والدُّكَاع والقُلَابُ والخُمَال والنُّكَاف والهُيَام والقُحَاب والصُّرَاع وكلُّ هذا من أدْواء الابِل* قال الاصمعى* وقَع في الابِل سُوَاف ـ وهو الهَلَاك والموتُ* وقال أبو عَمْرو الشيبانِىُّ* سَوَاف بفتْح السِّين فأنكَر .... (١) * قال أبو عمرو* هكذا سَمِعته ويقَوِّى ما قال أبُو عمرو أن سيبويه قال كما أنَّك قد تَجىءُ ببعضِ ما يكُون مِنْ ذا يومئُ الى الأدْواء على غير فُعَال وبابه فُعَال فيمكن أن يكون السَّوَاف منه وقالوا سَمِع اللهُ غُوَاثَه وغَوَاثَه ـ وهو استِغاثتُه والبابُ فيه الضمُّ لأنه من الأصْوات ويجوز أن يكونَ فَتْحُهم لذلِك استِثْقالا للضمِّ الذى بعْدَه الواو ويَجِىءُ فُعَال فيما كان نَحوَ الدُّقَاق والحُطَام والجُذَاذ والفُضَاض والفُتَات والرُّفَات وهو مصدَرٌ على مَفْعول* قال أبو على* وبالجملةِ الغالِبةِ فكلُّ ما كان مُسْتَطِيرا أو مُرْفَضًّا أو متَقَطِّعا من شئٍ وبالجملةِ التى هى أعْلَى طبقةً من هذه في باب الجِنْسيَّة والاستِحقاقِ لاسمِ العُموم فانَّ الفُعَال يكونُ على الأجزاء المتَّسِعة عن البِناء كقوله

__________________

(١) بياض بالأصل

١٣٥

* يَطِيرُ فُضَاضًا بَيْنَها كُلَّ قَوْنَسِ*

* قال أبو على* وقد جعل سيبويه البَقِيَّة من الشئ تغْلِب عليه الفُعَالة هذه عبارة أبى على فأما سيبويه وأبو بكر محمدُ بن السرِىِّ فقالا ويَجِئُ الفُعَالة فيما كان فاضِلا من الشىءِ اذا أُخِذ منه نحو الفُضَالَة والفُوَارة والقُرَاضة والنُّفَايَة والنُّقَاوة والحُسَالة والحُثَالة والحُسَافة والكُسَاحة والجُرَامة ـ وهى ما يُجْرَم من النخل بعد الفَراغ منه ومثله الظُّلَامة والخُبَاسَة ـ وهى الغنِيمة وأنشد أبو على

ولم أَرَ شَرْوَاها خُبَاسَةَ واحِدٍ

فَنَهْنَهْت نَفْسِى بعدما كِدْتُ أفْعَلَهْ

والعُمَالة وهى مشَبَّهة بالفُعَالة* قال أبو على* ليستْ هذه بمَصادِرَ محقَّقةٍ وانما هى موضوعة موضِعَ المفْعول وهى تدلُّ على ما تدُلُّ عليه الفَعِيلة التى هى بمعنَى الفَضْلة كالبَقِيَّة والتَّلِيَّة والتَّريكةِ فلو قلت في فَعِيلةٍ إنها مَصادِرُ لقلت مثَل ذلك في فُعَالة لكنْ فَعِيلة ليستْ بمصدَرٍ وهى دالَّة على ما تدلُّ عليه فُعَالةٌ من معنَى الفَضْلة فاذًا فُعَالةٌ ليست بمصدَر ويَجِىء الفِعَال فيما كان هِيَاجا من ذكر أو أنثى فالذكَر نحو الهِبَاب والحِرامُ والوِدَاقُ للأنثَى وذلك شهوتُها للذكَر ومما قاربَ ذلك المعنَى الفِرارُ والشِّرَاد والشِّمَاس والطِّمَاح والضِّرَاح ـ وهو الرَّمْح بالرِّجْل* قال أبو على* وذلك كله يُشْبِه باب الهِيَاج لأنه تحرُّك وخُرُوج عن الاعتِدال ومثلُه الخِلَاء والحِران لأنه يشبه ذلك للمُمانَعة والتبَاعُد مما يُراد منه* وقد يَجِىء فِعَال في الأصوات وليس بكَثْرةِ فُعَال وفَعِيل كالغِنَاء والزِّمَار والعِرَار ـ وهما أصواتُ النَّعامِ وقد يَجِىء فيه الفِعَال والفُعَال معتَقِييْنِ على الكلمة الواحدة وذلك قولهم الهُتَاف والهِتَاف والصِّيَاح والصُّيَاح والنِّدَاء والنُّداء حكى ذلك كلَّه ابنُ السكيت* ويَجِىء فِعَال لانتِهاء الزَّمان هذه عبارة جُمْهور النحويينَ في هذا الفصْلِ فأما أبو على فقال ويجىء فِعَال لِادْراك ما عالَجَه الهَواءُ وذلك نحو قولِهم الصّرَام والجِزَاز والقِطَاع والحِصَاد والرِّفَاع ـ وهو أن يُرْفَع الزرعُ والتمرُ ليجمَع في بَيْدره أو مِرْبَدهِ والكنَاز والقِطَاف ويدخُل الفَعَال عليه فهو لُغة في كلِّ واحدةٍ من هذه* وحكى أبو على* خِرَاص النَخْل والزرْع وصرَّح بالكَسْر ولم أرَهُ ذكر الفَتْح وتجىءُ الفِعالة فيما كان وِلَايةً أو صِنَاعة وكأنّ الولاية جِنْس لذلك وكذلك الصِّناعةُ وكُلَّما كان الجِنْس على وَزْن كان

١٣٦

النوع على ذلك الوَزْن هذا قَطْع أبى على وأُرَاه غالبا لا لازِمًا فأما الوِلَاية فنحوُ الخِلَافة والْامَارَة والعِرَافَة والنِّقَابة والنِّكابَةِ والنِّكابةُ من المَنْكِب والمَنْكِب ـ الذى في يده اثْنتا عَشْرةَ عِرَافةً* أبو عبيد* المَنْكِب ـ عَوْن العَرِيف ومن أنواع الوِلَاية السِّيَاسة والايالة وهى السياسة والْابَالةُ ـ وهى وِلَاية الابِل والحِذْقُ لمصلَحتِها والعِيَاسةُ ـ وهى السِّياسةُ وقالوا العَوْس* قال الفارسى* هو العَوْس والعَوْس شَذَّ عن قانُون هذا البابِ وخرج منه كخُرُوج الغَوَاث والصِّيَاح عن القانُون الذى عليه جمهورُ الأصوات وهذا وما أشبَهه مما يُنْبِئ به ويعيِّنه ويُعْلِن بخُرُوجه عن الباب هو وسيبويه وجميعُ حُذَّاق النحويين يُدلُّنى على أن قولَ أبِى على وكُلَّما كان الجِنس على وَزْنٍ كان النوْعُ على ذلكَ الوزْنِ محمل .... (١) كُلِّىٍّ الا أن يُقْضَى عليه بالغَلَبة فيكون مَجازِيًّا على ما عُهِد وجَرَتِ العادةُ به من موضُوعِ قَضايَا النحويِّينَ وقالوا في الصِّناعة القِصَابة ـ وهى الجِزَارة والحِيَاكةُ والخِيَاطة والخِرَازة والصِّيَاغة والنِّجَارة والفِلَاحة والمِلَاحة والتِّجارة وفتحُوا الأوّلَ في بعض ذلك* قال ابن السكيت* هى الوَلَاية والوِلَاية والوَكَالة والوِكالة والجَرَاية والجِرَاية فأما الدِّلَالة والدَّلَالة ففى بابِ الصِّنَاعة* قال أبو على* ويَجِىء في المَصَادر فِعْلة على معنَى الابَانة عن الكيْفِيَّة يقال انَّه لَحَسَنُ العِمَّة والعِصْبة والفِضْلة والنِّقْبة واللِّحْفة واللِّثْمة والبِيْعة والوِزْنة وقد استعملُوا ذلك فيما ليس بصِفةٍ محسُوسةٍ وانما هى مقبُولة بالعَقْل نحو الفِقْهة والفِهْمة والغِفْلة يخرِجُونه مَخْرَجَ الفِطْنة والعِرْفة والشِّعْرة والدِّرْية* قال أبو على وأبو سعيد* ويدخُل في هذا الكِظَّة والبِطْنة والمِلْأة والكِظَّة ـ امتِلَاءٌ من الطعام وقد دخل كلام سيبويه فيما ذكرته بما أغْنَى عن سِياقِه* وأما الوَسْم فيَجِىء على فِعَال نحو الخِبَاط والعِلَاط والعِرَاضِ والجِنَاب والكِشَاح والأثَرُ يكونُ على فِعَال والعملُ يكون فَعْلا كقولك وسَمْت وَسْما وخَبَطت البعيرَ خَبْطا وكَشَحْته كَشْحا وأمّا المُشْط والدَّلْو والخُطَّاف أعنى في السِّمَات فانَّما أراد صُورةَ هذه الأشْياءِ أنها وسُمِت به كأنه قال عليه صُورةُ الدَّلْو ومعنى الخِبَاط في السِّمة الأثَرُ على الوجْه والعِلَاط والعِرَاض على العُنُق والجِنَاب على الجَنْب والكِشَاح على الكَشْح* وجاء بعضُ السِّمَات على غير الفِعَال نحوُ القَرْمة والجَرْف اكتَفَوْا بالعمَل يعنى المصدَر والفَعْلةِ

__________________

(١) بياض بالأصل

١٣٧

فأوقَعُوهما على الأثَر والجَرْف ـ أن يُقْلعَ شئٌ من الجِلْد بحدِيد والقَرْمة ـ أن يُقْطَع شئٌ من الجلد يكون معَلَّقا عليه* ومن المصادر التى جاءت على مثالٍ واحدٍ حينَ تقاربت المعانِى قولُك النَّزَوانُ والنَّقَزانُ والقَفَزان وانما جاءت هذه الاشياءُ في زَعْزَعة البَدَن واهتِزازِه في ارتفِاعٍ وبابُ الفَعَلان أن يجىءَ مصدَرا فيما كان يَضْطَرِب ولا يجىءَ في غير ذلك ومثله العَسَلانُ والرَّتَكَانُ ـ وهما ضَرْبانِ من العَدْو وربَّما جاء ما كان فيه اضْطِرابٌ على غيْرِ الفَعَلان نحو النُّزَاء والقُمَاص كما جاء عليه الصوتُ نحو الصُّرَاخ والنُّبَاح لأن الصوتَ قد تكَلَّف فيه من نَفْسِه ما تكَلَّف من نَفْسه فى النَّزَوان ونحوِه وقالوا النَّزْو والنَّفْز كما قالوا السَّكْت والقَفْز لأن بِناءَ الفِعْل واحد لا يتعدَّى كما لا يتعَدَّى هذا ومثلُ ذلك الغَلَيَانُ والغَثَيانُ لأنّ النفْسَ تَضْطرِب وتَثُور وكذلك الخَطَران واللَّمَعَان لأنه اضْطِراب وتحرُّك واللهَبَانُ والصَّخَدان والوَهَجَانُ لأنه تحَرُّك الحَرِّ وثَوْرُه بمنْزِلة الغَلَيان وقالوا وَجَب قلْبُه وَجِيبا ووجَف وَجِيفا ورَسَم البعِيرُ رَسِيما ـ وهو ضَرْب من السَّيْرِ فجاء على فَعِيل كما جاء على فُعَال يعنى النُّزَاء والقُمَاص وكما جاء فَعِيل في الصوتِ مَجِىءَ فُعَال كالهَدِير والضَّجِيج والقَلِيخِ والصَّهِيل والنَّهِيق والشَّحِيج* قال* وأكثَرُ ما يكونُ الفَعَلان في هذا الضَّرْب ولا يجىءُ فِعْله يتعدَّى الفاعِلَ الا أن يشِذَّ شىءُ منه نحو شَنِئْته شَنأنًا وقالوا اللَّمْع والخَطْر كما قالوا الهَدْر فما جاء منه على فَعْل فهو الأصل وقد جاؤُا بالفَعَلان في أشياءَ تقارَبتْ في اشتِرَاكِها في الاضْطراب والحَرَكةِ كالطَّوَفَان والدَّوَرانِ والجَوَلان تشبيها بالغَلَيَان والغَثَيَان لأن الغَلَيان تقَلُّب ما في القِدْر وتصَرُّفه وقد قالوا الجَوْل والغَلْى وقالوا الحَيَدانُ والمَيَلانُ فأدخلوا الفَعَلان في هذا كما أن ما ذكَرْنا من المَصَادِر قد دخل بعضُها على بعضٍ وهذه الأشياءُ لا تُضْبَط بقِيَاس ولا بأمْر أحْكَمَ من هذا وهكذا مأخَذُ الخليل* قال بو على* يعنى أن الخَيَدانَ والمَيَلانَ شاذٌّ خارجٌ عن قياسِ فَعَلانٍ كما يخرج بعضُ المَصادِر عن بابه* قال* وقد يجُوز عِنْدِى أن يكونَ على البابِ لأنّ الحَيَدانَ والمَيلان انما هما أخْذٌ في جِهَة عادِلة عن جهةٍ أُخْرَى وهما بمنْزِلة الرَّوَغان وهو عَدْو في جهة المَيْل وقال بعضهم ـ لأن الحَيَدان والمَيَلان ليس فيهما زَعْزَعةٌ شديدةٌ وقالوا وثَبَ وثْبا ووُثُوبا كما قالوا هَدَأ هَدْءًا وهُدُوءًا

١٣٨

وقالوا رَقَص رَقَصا كما قالوا طَلَب طَلَبا ومثله خَبَّ يَخُبُّ خَبَبا وقالوا خَبِيبا كما قالوا الذَّمِيل والصَّهِيل وقد جاء من الصوت شئٌ على فَعَلة نحو الرَّزَمة والجَلَبة والحَدَمة والوحَاة وقالوا الطَّيرَان كما قالوا النَّزَوانُ وقالوا نَفَيان المَطَر شبَّهوه بالطَّيَران لأنه يَنْفِى بجَنَاحَيْه والسَّحابُ ينفى أوَّلَ شئٍ رَشًّا أو بَرَدا ونَفَيانُ الرِّيح أيضا التُّرابُ وتَنْفِى المَطَر تُصَرِّفه كما تُصَرِّف الترابَ* ومما جاءت مصادِرُه على مثالٍ لتقَاربِ المَعانِى قولك يَئِسْت يَأْسا ويَأَسا ويَأَسةً وسَئِمْت سَأْما وسَأَما وسَأَمةً وزَهِدْت زَهْدا وزَهَادة فانما جُمْلة هذا لِتَرْك الشىءِ وجاءتِ الأسماءُ على فاعِلٍ لأنها جُعِلت من بابِ شَرِبْت ورَكِبت* قال أبو سعيد* قوله لأنها جُعِلت من باب شرِبت ورَكِبْت ينبغِى أن يكونَ ذكَر شَرِبت لأنه عَملٌ كما أن زَهدت عَمَل ويجوز أن يكون ذَكَر شرِبْت على معنى رَوِيت لأن رَوِيت انتهاءٌ وتَركٌ كسَئِمْت وقالوا زَهَدَ كما قالوا ذَهَب وقالوا الزُّهْد كما قالوا المُكْثُ وقد جاء أيضا ما كانَ من التَّرك والانْتِهاء على فَعِل يَفْعَل فَعَلا وجاء الاسمُ على فَعِلٍ وذلك أَجِمَ يَأْجَمُ أَجَما وهو أَجِمٌ ـ اذا بَشِمَ من الشىءِ وكَرِهه وسَنِقَ يَسْنَقُ سَنَقًا وهو سَنِقٌ كبَشِم وغَرِضَ يَغْرَضُ غَرَضا وهو غَرِضٌ وجاؤا بضِدِّ الزُّهْد والغَرَضِ على بِناء الغَرَض وذلك هَوِىَ يَهْوىَ هَوًى وهو هَوٍ وقالوا قَنِع يَقْنَع قَناعةً كما قالوا زَهِد يَزْهَد زَهادةً وقالوا قانِعٌ كما قالوا زاهِدٌ وقَنِعٌ كما قالوا غَرِضٌ لأن بِناءَ الفعْل واحدٌ وانه ضِدُّ تَرْكِ الشئ ومثلُ هذا في التقارُبِ بَطِن يَبْطَن بَطَنا وهو بَطِنٌ وبَطِينٌ وتَبِنَ تَبَنا وهو تَبِنٌ وثَمِل يَثْمَل ثَمَلا وهو ثَمِلٌ وقالوا طَبِنَ يَطْبَنُ طَبَنا وهو طَبِنٌ* وقال بعض النحويين* زيدت الياء في بَطِين للُزُوم الكسرةِ لهذا البابِ أى لفَعِل فصير بمنْزِلة المَرِيض والسَّقِيم وما أشبه ذلك وقالوا .... (١) انما هى خُلُق كالأشَر والفَرَحِ وهو لما يقَع في الجِسْم ومعنَى تَبِن فَطِنٌ أى ذلك من طَبْعه وسُوْسه وقال بعضهم تَبِنَ بَطْنُه اذا انتَفَخ

ومما جاء من الادواء على مِثَال

وَجِع يَوْجَعُ وَجَعا لتقَارُبِ المعانِى

__________________

(١) بياض بالأصل

١٣٩

وذلك حَبِطَ يَحْبَطُ حَبَطا وحَبِج يَحْبَج حَبَجا ـ وهما انْتِفَاخُ البَطْن وقد يجىء الاسمُ فَعِيلا نحو مَرِضَ يَمْرَض مَرَضا وهو مَرِيض وسَقِمَ يَسْقم سَقَما وهو سَقِيم* قال سيبويه* بعضُ العرَب يقول سَقُمَ سَقَما فهو سَقِيم كما قالوا كَرُم كَرَما وهو كَرِيم وعَسِر عَسَرًا وهو عَسِير وقد قالوا عَسُرَ وقالوا السُّقْم كما قالُوا الحُزْن وقالوا حَزِن حَزَنا وهو حَزِين جعلوه بمنْزِلة المَرَض لأنه داء مثل وَجِعَ يَوْجَع ووَجِلَ يَوْجَل وَجَلا وهو وَجِلٌ ورَدِىَ يَرْدَى رَدَى وهو رَدٍ ـ أى هَلَك ولَوِى يَلْوَى لَوًى وهو لَوٍ من وَجَع الجوفِ ووَجِىَ يَوْجَى وَجًا وهو وَجٍ ـ وهو الحَفَا ورِقَّةُ القدمَيْنِ وعَمِى قَلْبُه يَعْمَى عَمًى وهو عَمٍ لأنه كالدَّاء والمَرَض والعربُ تقول عَمِيَتْ عَيْنُه تَعْمَى عَمًى فهو أعْمَى فَصَلُوا بينَهما في اسم الفاعِل للفَرْق وقالوا فَزِعَ فَزَعا وهو فَزِعٌ وفَرِقَ فَرَقا وهو فَرِقٌ ووَجِرَ وَجَرا وهو وَجِرٌ ومعناه كمعنى الوَجَل أجْرَوُا الذُّعْر والخَوْفَ مُجْرَى الداءِ لأنه بَلاءٌ وقالوا أوْجَرُ فأدخَلُوا أفعَلَ هنا على فَعِلٍ لأنهما قد يجتَمِعان كقولك شَعِثٌ وأشْعَثُ وحَدِبٌ وأحدَبُ وكُدَرٌ وأكْدَرُ وحَمِقٌ وأحمَقُ وقَعِسٌ وأقْعَسُ ـ وهو ضِدُّ الأحْدَب في خُرُوج صدْرِه والأحدَبُ ـ الذى يخرُج ظَهرُه فأفعَلُ دخَل في هذا البابِ كما دَخَل فَعِلٌ في أخْشَنَ وأكْدَرَ وكما دخل فَعِلٌ في بابِ فَعلانَ أعنى أنَّ بابَ الأدْواء يَجِىءُ على فَعِل يَفْعَل فهو فَعِل (١) فاذا استُعْمِل فيهما خَشِنٌ وكَدِر فقد دخَل عليهما فَعِلٌ من غير بابهما ومثلُ ذلك في بابِ العطَش والجُوع والرِّىِّ والشِّبَع وكذلك فَعْلانُ كقولك عَطْشانُ وصَدْيانُ ووَجْلانُ وقد قالوا فيه عَطِشٌ وصَدٍ ووَجِلٌ واعلم أن فَرِقْته وفَزِعْته معناه فَرِقْت منه وفَزِعت منه ولكن حذَفُوا منه كما حدَفُوا من أمَرْتك الخبَر أى أنَّ فَعِل يَفْعَل وهو فَعِلٌ لا يتعدَّى وانما فَرِقْته وفَزِعْته على حذْفِ الجارّ كما أن أمَرْتُك الخيْرَ كذلك وقالوا خَشِىَ وهو خاشٍ كما قالوا رَحِم وهو راحِمٌ فلم يَجيئوا باللَّفْظ كلفْظ ما معناه كمعْناه ولكن جاؤُا بالمصدَر والاسمِ على ما بِناءُ فِعْله كبِناء فِعْلِه* قال أبو على* اعلم أنَّ فَعِل يفْعَل اذا كان اسمُ الفاعل منه على فاعِلٍ فهو يَجْرِى مَجْرَى ما يتعَدَّى وان كان لا يتعَدَّى كقولك سَخِط يَسْخَط فهو ساخِطٌ وخَشِىَ يَخْشَى وهو خاشٍ وكان الاصلُ سَخِط منه كما تقُول غَضِب منه وخَشِىَ منه كما تقول وَجِل منه فجعلوا خَشِىَ وهو خاشٍ كقولهم رَحِمَ وهو راحِمٌ

__________________

(١) (قوله أعنى أن باب الأدواء الخ) في العبارة نقص محتاج إليه وهي عبارة السيرافي ونصها يريد أن باب الأدواء يجيء على فعل يفعل فهو فعل فإذا استعمل فيه أفعل فقد دخلت في غير بابه وباب الخلق والألوان أفعل فإذا دخل فيه فعل دخل في غير بابه فأخشن من الخلق وأكدر من الألوان فإذا استعمل الخ

١٤٠