المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

وأُولاءِ وهاؤلُاءِ يُشار به الى كلِّ جمْعٍ مذكَّرا كان أو مؤنَّثا مما يَعْقِل ومما لا يَعْقِل قال جرير

ذُمّ المَنازِلَ بعد مَنْزِلةِ اللِّوَى

والعَيشَ بعد أولئِكَ الأيَّامِ

وقال بعض الاعراب

يا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لَنَا

من هؤلَيَّائِكُنَّ الضَّالِ والسَّمُرِ

فجاء بأُولاءِ للأيام وللضالِ والسَّمُر ويقال هذانِ ولا يُضافُ هذانِ واللَّذانِ وغيرُهما من المبهَم ولا تسقُط النونُ للاضافة ويقال ذانِ أيضا مثل هذانِ واللَّذانِ وفيه وجْه آخَرُ وذلك أن الذى يقُول في الواحد ذلك فيُدخِل اللامَ للزِّيادة والبُعْد يقول في التثنية ذانِّك والذى يقول ذَانِك في الواحد يقول ذَانِك في التثنية وكلُّ ما جاءَ في التنزيلِ فهو باللام وحكَى ابنُ السكيت أُولَالِك بمعنى أُولئِك

ما جاء في الذى وأخواتِها من اللُّغات

الَّذِى عِند البصريين أصله لَذٍ مثلُ عَمٍ لزِمتْه الألفُ واللامُ فلا تُفارقَانِه ويُثَنَّى فيُقال اللَّذانِ واللَّذَيْنِ على حدِّ ما يقال في غيره من الأسماءِ القابِلة للتَّثْنية ويجمَعُ فيقال الَّذِينَ في الرفع والَّذين في الخفْض والنَّصْب على حدِّ الأسماء التامَّة (١) فأما الألف واللامُ اللَّتانِ في الذى فزعم الفارسىُّ أنها زائدةٌ توهُّما وقِيَاسا منهم وهو صحيح ولم يَجْعَلْ تعرُّفَ الَّذِى بالألف واللام ولكن بالصِّلَة ولو كان الَّذى انما حصَل له التعرِيفُ من أجل الألفِ واللامِ لا بالصِّلَةِ لوجَب أن تكون مَنْ وما الموصولَتانِ نَكِرتيْنِ لأنَّه لا ألِفَ ولامَ فيهما وان كان الظاهرُ من كلامِ سيبويه غيْرَ ما ذهب اليه الفارِسىُّ وذلك أن سيبويه قال في باب الحِكاية في آخِر أبوابِ ما لا يَنْصَرِف ولو سَمَّيت رجُلا الَّذِى لم يجُزْ أن تنادِيَهُ وإنما مَنَع سيبويه ذلك لأن الألف واللام المَعرِّفةَ لا يَجْتَمِع مع النِّداء لأنهما كِلَاهما معَرِّف فلا يجتَمِع تعريفانِ فنتجَ من ذلك أن اللام في الذى معرِّفةٌ ليست زائدةً فقد ألزم أبو على نفسَه هذه الحجَّة ثم انفصل منها بما أذكُره لك وذلك أنه قال ان قال قائِلٌ ان اللام في الذى معرِّفةٌ لا زائدةٌ بدليل مَنْع سيبويه مِن نِدائِه اذا سمِّى به فامَّا أن تقولَ إنها زائدة فتدَع قولَ سيبويه إنَّها

__________________

(١) قوله ويجمع فيقال الذين في الرفع الخ يظهر أن هنا سقطا ووجه الكلام أن يقال ويجمع فيقال الذين في كل حال وبعضهم يقول اللذون في الرفع الخ تأمل

١٠١

معرِّفة وإمَّا أن تقولَ إنها معرِّفة فتَدعُ قولكَ إنها زائدةٌ فالجواب عن ذلك أن قول سيبويه هو الصحيح وانما امتَنَع من نِداءِ الذى وإن كانت اللامُ فيه غَيرَ معرِّفة لأنها نائِبةٌ مَنابَ اللامِ المعرِّفة وذلك أن قولنا هذا الذى ضَربَ زيداً محال من قولنا هذا الضارِبُ زيدا فكما لا يجوزُ نِداءُ الضارِب وفيه الألف واللام كذلك لا يجوز نِداءُ الَّذِى التى هى نائبِةٌ مَنَابَ الالف واللام ولو كانت الذى انما تعرِّفُها بالألف واللام فما كانت ذُو التى بمعنى الذى معرِفةً لأنه لا لامَ فيها وهى معرِفةٌ لأنا وجدْناهم يَصِفُون بها المعارفَ فصحَّ من هذا أن تَعَرُّفَ هذه المَوْصولاتِ بصِلاتها أولا تَرَى أنك اذا خلَعْت الصِّلةَ من مَنْ وما ووضَعْت مكانَها الصفةَ كانتا نكرتين كقوله تعالى (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ على احد الوجهين اللذين ذكرهما سيبويه وكقول الشاعر

* كمَنْ بوادِيهِ بعْدك المَحْلِ مَمْطُورِ*

ونظيرُ الذى في أن الألف واللام زائدة فيها قولُهم الآنَ الالف واللام فيه زائدةٌ وليست على حدِّ (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) وذهب الناس بالدِّينار والدِّرْهَم وانما أوردت هذه المسئلةَ لِغُمُوضها ودِقَّتها ولُطْفها في العربية وليكونَ دارِسُ هذا الكتابِ مُلْتمِسا لجَسِيمٍ من الفائدة* وفي الذى لُغاتٌ الَّذِى باثْبات الياءِ والَّذِ بكسر الذالِ بغير ياء واللَّذْ باسكان الذال والَّذِىُّ بتشديدِ الياء وفي التثنية اللَّذَانِّ بتشديد النونِ وتخفيفِها واللَّذَا بحذف النون وفي الجميعِ الَّذِينَ والَّذُونَ واللَّاؤُنَ وفي النصب والخفض اللائِينَ واللَّاؤُا بلا نون واللَّائِى باثبات الياء في كل حالٍ والأُلَى وللمؤنثَّ اللَّائِى واللَّاءِ بالكسر واللَّاتِى واللَّتِ بالكسر بغير ياء واللَّتْ باسكان التاء واللَّتانِ واللَّتا بغيْرِ نُونٍ واللَّتَانِّ بتشديد النونِ وجمع الَّتِى اللَّاتِى واللَّاتِ بغير ياء واللَّواتِى واللَّواتِ بالكسْر بغير ياء واللَّوَا واللَّاءِ بهمْزةٍ مكسورة واللَّآتِ مكسورةَ التاء مثل اللَّعاتِ وطيِّئ تقول هذا ذُو قالَ ذاكَ يريدُونَ الَّذِى ومرَرْت بِذُو قالَ ذاك ورأيت ذُو قالَ ذاك وللانثى ذَاتُ قالتْ ذاكَ في الرفْع والنصْب والخفْض فأما أبو حاتم فقال ذُو هذه للواحد والاثنيْنِ والجميعِ والمذكَّرِ والمؤنَّثِ بلفظٍ واحد وإعرابُها بالواو في كلِّ موضع وإن كان ليس باعْراب لأنه اسمٌ موصولٌ كالَّذِى* قال أبو حاتم* سَوَّوْا هذه اللفظةَ كما فعَلُوا ذلك بمَنْ وما فأمّا التثنيَةُ في ذُو وذاتُ فلا يجوزُ فيه الا الاعرابُ في كل الوجوه

١٠٢

وحكىَ أنه قد سُمِع في ذاتٍ وذواتٍ الرفعُ في كل حال على البِناءِ* وقال غير البصريين* أصلُ الذى هذَا وهذَا عِنْدهم أصله ذَىْ وهذا بَعيدٌ جِدًّا لأنه لا يجوُزُ أن يكونَ اسمٌ على حرْفٍ في كلام العرَب الا المضمَرَ المتَّصِلَ ولو كان أيضا الأصلُ حرفًا واحدَا لما جاز أن يُصَغَّرَ والتصغِيرُ لا يدخُلُ الّا على اسمٍ ثُلَاثِىٍّ والموجودُ والمسمُوعُ معا أنّ الأصولَ من الَّذِى ثلاثةُ أحرُفٍ لامٌ وذالٌ وياءٌ وليس لنا أن ندَفَع الموجُودَ الا بالدَّلِيل الواضِح والحُجَّةِ البيِّنةِ على أنِّى لا أدْفَعُ أنَّ ذا يجوزُ أن يُسْتَعْملَ في موضِعِ الَّذِى فيشارُ به الى الغائب ويُوَضَّح بالصِّلة لأنه نُقِل من الاشارةِ الى الحاضِر الى الاشارةِ الى الغائِب فاحتاجَ الى ما يوضِّحُه لِما ذكرْنا* وقال سيبويه* إنّ ذا يَجْرِى بمنزِلة الَّذِى وحْدَها ويجرِى معَ مَا بمْنزِلةِ اسمٍ واحدٍ فأما إجْراؤُهم ذا بمنْزلة الذى فهو قولُهم ماذَا رأيْتَ فتقول متاعٌ حسَنٌ وقال لَبِيد

ألا تَسْألَانِ المَرْءَ ماذا يُحَاوِلُ

أنَحْبٌ فيُقْضَى أمْ ضَلالٌ وباطِلُ

وأمَّا إجْراؤُهم إيَّاه معَ ما بمنْزِلة اسمٍ واحدٍ فهو قولُك ماذا رأيتَ فتقُول خيْرًا كأنَّك قلتَ ما رأَيْتَ ومثل ذلك قولُهم ما ذا تَرَى فتقول خَيْرا وقال تعالى (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) فلو كان ذَا لَغْوًا لَمَا قالت العربُ عَمَّا ذا تَسْألُ ولَقالُوا عَمَّ ذا تَسْأل ولكنهم جعَلُوا ما وذَا اسمًا واحدًا كما جعَلُوا ما وانَّ حرْفا واحِدًا حِينَ قالُوا إنما ومثلُ ذلك كأنَّما وحَيْثُما في الجَزاء ولو كان ذا بمنْزِلة الذى في هذا الموضِع البتَّةَ لكان الوجه فى ماذَا رأيتَ اذا أردتَ الجواب أن تقول خيْرٌ فهذا الذى ذكرَه سيبويه بَيِّنٌ واضِح من استِعمالِهم ذا بمنْزِلة الذى فأمَّا أن تكونَ الذى هى ذَا فبعِيدٌ جدًّا ألا تَرَى أنهم حِينَ استعملُوا ذا بمنْزِلة الَّذِى استعملُوها بلفظها ولم يُغَيِّروها والتغْيِير لا يبْلُغُ هذا الذى ادَّعَوْه كلَّه

بابُ تَحْقير الأسْماءِ المبهَمة

اعلم أنّ التحقِيرَ يَضُمُّ أوائلَ الأسماءِ إلا هذه الأسماءَ فانها تُتْركُ أوائِلُها على حالها قبْلَ أن تُحَقَّر وذلك أنّ لها نحوًا في الكلامِ ليْسَ لغيرها فأرادُوا أن يكونَ تحقِيرُها على غيْرِ تحقِير ما سِوَاها وذلك قولك في هذَا هذَيَّا وذاكَ ذَيَّاك وفي أُلَى أُلَيَّا

١٠٣

خالَفُوا بيْنَ تصغيرِ المبهَمِ وغيرهِ بأن ترَكُوا أوّلَه على لفظْهِ وزادُوا في آخرهِ ألِفا عِوضا من الضَّمّ الذى هو علامةُ التصغِير في أوّله وقوله ذَيَّا وهو تصْغِيرُ ذا ياءُ التصْغِير منه ثانِيةٌ وحقُّ ياءِ التصغيرِ أنْ تَكُونَ ثالِثةً وانما ذلك لأنّ ذا على حرفيْنِ فلَمَّا صَغَّروا احتاجُوا الى حَرفٍ ثالثٍ فأتَوْا بِياءٍ أُخْرَى لتِمامِ حُرُوف المصغَّر ثم أدْخَلوا ياءَ التصغِير ثالثةً فصار ذَيّىٌّ ثم زادوا الألف التى تُزَاد في المبهم المصغَّر فصار ذَيَيَّا فاجتمع ثلاثُ يا آتٍ وذلك مُستثْقَل فحذفُوا واحِدةً منها فلم يكن سَبِيل الى حذْف ياء التصغير (١) لأن بعدَها ألِفًا ولا يكون ما قبلَ الألفِ الا مُتحرِّكا فلو حذَفوها حَرَّكُوا ياء التصْغير وهى لا تُحرَّك فحذفُوا الياءَ الأُولَى فبقِىَ ذَبَّا ويقال في المؤَنَّث تَيَّا على لُغة من قال هذهِ وهذِى وتَا وتِى يَرْجِعْن في التصغيرِ الى التاءِ لِئَلَّا يقَعَ لَبْس بينَ المذَكَّر والمؤَنَّث واذا قُلْنا هَذَيَّا أو هتَيَّا للمؤنَّث فها للتَّنْبِيه والتصغيرُ واقعٌ بِذَيَّا وبِتَيَّا وكذلك اذا قُلْنا ذَيَّالك وذَيَّاكَ وتَيَّاك في تصغير ذَاك وتِلْكَ فانما الكافُ علامةُ المخاطَبةِ ولا يُغيِّر حُكمَ المصغَّر واذا صَغَّرت أُلَاءِ فيمَنْ مَدَّ قلت أُلَيَّاءِ كقول الشاعر

* مِنْ هؤُليَّائِكُنَّ الضَّالِ والسَّمُرِ*

ها للتنبِيه وكُنَّ لمخاطَبة جميع المؤَنَّث والمُصَغَّرُ أُلَيَّاءِ وقد اختَلَف أبو العَبَّاس المبرّد وأبو إسحاقَ الزجَّاجُ في تقدير ذلك فقال أبو العَبَّاس المبرد أدخَلُوا الألفَ التى تُزَاد في تصغير المبهَم قبل آخِره ضرُورةً وذلك أنهم لو أدخَلُوها في آخِر المصغَّر لوَقع اللَّبْسُ بين أُلَى المقصور الذى تقديره هُدًى وتصغيره أُلَيَّا يا فَتَى وذلك أنهم اذا صغَّروا الممدُودَ لزِمهُم أن يُدخِلُوا ياء التصغِيرِ بعْد اللامِ ويَقْلِبوا الألِفَ التى قبلَ الهمزة ويكْسرُوها فتنْقلِبُ الهمزةُ ياء فتصيرُ أُلَيِّىٌ كما تقول في غُرَاب غُرِّب ثم تُحَذف إحدَى الياآتِ كما حُذِف من تصغِير عَطاءٍ ثم تُدخِلُ الألفَ فتصِيرُ أُلَيَّا على لفْظ المقصُور فتُرِك هذا وأُدْخِل الألِفُ قبل آخِره بين الياء المشدَّدة والياء المنقلِيَة إلى الهمزةِ فصار أُلَيَّا لان أُلاءِ وزنُه فُعَال فاذا أُدخِلتِ الألفُ التى تدخُل في تصغير المُبْهَم طَرَفا صارت فُعَالَى واذا صُغِّرتْ سقَطت الألفُ لأنها خامِسةٌ كما تسقُط في حُبَارَى واذا قدَّمناها صارتْ رابعةً ولم تسقُطْ لأنَّ ما كان على خمسةِ أحرُفٍ اذا كان رابعُهُ من حُروفِ المَدِّ واللِّين لم يسقُطْ* ومما يُحتَجُّ به لأبى العبَّاس أنه اذا أدخِلتِ الألفُ

__________________

(١) (قوله فلم يكن سبيل إلى حذف ياء التصغير الخ) في الكلام سقط واضح وصوابه فلم يكن سبيل إلى حذف ياء التصغير لأنه أتى بها لمعنى ولا حذف ما بعد ياء التصغير الخ اه كتبه مصححه

١٠٤

قَبْل آخرِه صار بمنْزِلة حَمْراءَ لأن الألف تدخل بعد ثلاثة أحْرُف قبل الهمزةِ للطَّرَف وحَمْراءُ اذا صُغِّر لم يُحْذَفْ منه شئٌ* وأما أبو إسحقَ فانه يقدِّر أن الهمزة في أُلاءِ ألف في الأصل وأنه اذا صَغَّر أدخَل ياءَ التصغِير بعد اللام وأدخَل الألفَ المَزِيدةَ للتصغِير بعْدَ الألفين فتَصِير ياءُ التصغيرِ بعدَها ألف فتنقَلِب ياءً كما تنقلِب الألف في عَنَاقٍ وحِمَار اذا صُغِّرتا ياءً كقولنا عُنَيِّق وحُمَيِّر وبَقِىَ بعدها ألفان احداهما تتصل بالياءِ فتصيرُ أُلَيَّا وتنقلب الأخْرَى همزةً لأنه لا يجتَمع ألِفانِ في اللفظ ومتَى اجتمعتَا فى التقدير قلبت الثانية منهما همزةً كقولنا حَمْراءَ وصَفْراءَ وما أشبَه ذلك* وما يدخُل عليه من ها التنْبِيه أو كافِ المخاطب مثل قولك هؤُلاء وأُلاكَ وأُولَئِك لا يعتدُّ به وتقُول في تصغير الَّذِى والَّتِى اللَّدَيَّا واللَّتَيَّا واذا ثنَّيت قلت اللَّذَيَّانِ واللَّتَيَّانِ في الرفع واللَّذَيَّيْنِ واللَّتَيَّيْنِ في النصب والجر* واختَلف مذهبُ سيبويه والأخفش في ذلك فأمَّا سيبويه فانه يَحْذِف الألف المَزِيدةَ في تصغِير المبْهمِ ولا يقدِّرُها وأما الأخفَشُ فانَّه يقَدِّرها ويحْذِفها لاجتِماع الساكنَيْنِ ولا يتغيَّر اللفظُ في التثنية فاذا جُمِع تبَيَّن الخلافُ بينَهما يقول سيبويه في جمْع اللَّذَيَّا اللَّذَيُّونَ واللَّذَيِّينَ بضمِّ الياء قبل الواوِ وكسرها قبل الياء وعلى مذهب الأخفش اللَّذَيَّوْنَ واللَّذَيَّينَ بفتْح الياءِ وعلى مذهَبه يكونَ لفظُ الجمع كَلفْظ التثنيَة لأنه يحذف الألف التى في اللَّذَيَّا لاجتماع الساكِنَيْنِ وهما الألف في اللَّذَيَّا وياءُ الجمع كما تقُول في المصْطَفَيْنَ والأعْلَيْنَ وفي مذهب سيبويه أنه لا يَقدِّرُها ويُدْخِل علامةَ الجمْع على الياءِ من غير تقدِيرِ حرفٍ بين الياءِ وبين علامةِ الجمعِ والى مذهب الأخفش يذهب المبَرّد والذى يحتَجُّ لسيبويه يقُول إن هذه الألفَ تُعاقِب ما يُزادُ بعدها فتسْقُط لأجْل هذه المعاقَبَة وقد رأينا مثلَ هذا مما يجتَمِع فيه الزيادتا فتحذَفُ إحداهما كأنها لم تكُنْ قطُّ فى الكلام كقولِك وا غُلامَ زَيْداهْ فتحذِفُ النُّون من زَيْدٍ كأنه لم يكُنْ قطُّ في زيْدٍ ولو حذَفْناه لاجتماعِ الساكنَيْنِ لجاز أن تقول وا غلُامَ زَيْدِنَاهْ ولهذا نَظائِرُ كَرِهنا الاطالةَ فتركناها* وقال سيبويه* اللَّاتِى لا تُحَقَّر استَغْنَوْا بجمع الواحد يعنى أنهم استَغْنَوْا بجمع الواحِد المحقَّر السالِمِ اذا قلْتَ اللَّتَيَّاتُ وقول سيبويه يدلُّ أن العرَب تمتَنِع من ذلك وقد صَغَّر الأخفش اللَّاتِى واللَّائِى فقال في تصغير اللَّاتِى اللُّوَيْتَا واللَّائِى

١٠٥

اللُّوَيَّا وقد حذف منه حرفا لأنه لو صُغِّر على التَّمام لصارَ المصغَّر بزيادةِ الألف في آخِره على خمسةِ أحْرُف سِوَى ياء التصغيرِ وهذا لا يكون في المُصغَّرِ فحذَفَ حرْفا منه وكان الاصلُ لو جاء به على التمام اللُّوَيْتِيَا واللُّوَيْئِيَا وجعل الحرْف المُسْقَط الياء التى فى الطَّرَف قبل الالفِ* وقال المازنى* اذا كُنَّا محتاجِينَ الى حَذْفِ حرفٍ من أجلِ الألف الداخلةِ للابهام فحذفُ الحرف الزائد أوْلى وهو الألفُ التى بعدَ اللامِ من اللَّاتى واللَّائِى لأنه في تقديرِ ألِفِ عامِل فيصير على مذهبه اللَّتَيَّا وقد حكوا أنَّه يقال في اللَّتَيَّا واللَّذَيَّا بالضم والقياسُ ما ذكرناه أوّلا واستشهد سيبويه في استِغْنائِهم باللَّتَيَّا عن تصغير اللاتِى باستغنائِهِم بقولهم أتانَا مُسَيَّانًا وعُشَيَّانًا عن تحقير القَصْر في قولهم أتانَا قَصْرا وهو العَشِىُ

هذا بابُ ما يَجْرِى في الأعْلامِ مُصَغَّرا وتُرِك تكبِيرُه لأنه

عِنْدهم مُسْتَصْغَرٌ فاستُغْنِى بتصغِيره عن تكْبِيره

وذلك قولهم جُمَيْل وكُعَيْت ـ وهو البُلْبُل وحُكِى عن أبى العَبَّاس المبرَّد أنه قال يُشْبِه البُلْبُل وليسَ بِه ولكنْ يقارِبهُ وقد يُصَغَّر الشىءُ لمُقارَبة الشىءِ كقولهم دُوَيْنَ ذلك وفُوَيْقَه ويقولُون في جمْعه كِعْتانٌ وجِمْلانٌ لأن تقديرَ مكبَّرهِ أن يكُون على جُمَل وكُعَتٍ كقولك صرَد وصِرْدانٌ وجُعَل وجِعْلانٌ ولا يُكسَّر الاسمُ المصغَّر ولا يجْمَع إلا بالألفِ والتاءِ لأن التصغيرَ مُضَارِعٌ للجمْع فيما يُزادُ فيهما من الزَّوائِد ولأن ألف الجمع تقَع ثالثةً كما أن ياءَ التصغيرِ تقَع ثالثةً كقولك دَراهِم ودُرَيْهِم وإن شِئْت قلت لأن الجمعَ تكثِير والتصغِيرَ تقليلٌ ولا يجمع الا جمْعَ السَّلامةِ الذى بالواوِ والنُّون أو الألفِ والتاءِ كقولك ضارِبٌ وضَوَيْرِبٌ وضُوَيْرِبُون ورجُلٌ ورُجَيْلُون ودِرْهَم ودُرَيْهِمَات لأن جمْعَ السلامةِ كالواحدِ لسَلامةِ لفظِ الواحدِ فيه فلذلك قالوا كِعْتان وجِمْلانٌ فردُّوهما الى كُعَتٍ وجُمَلٍ وأمّا قولُهم كُمَيْت فهو تصغيرُ أكْمتَ لأن الكُمْتة لونٌ يَقْصُر عن سَوادِ الأدْهمِ ويزيد على حُمْرة الأشقَرِ وهو بيْنَ الحُمْرة والسَّوادِ وتصغيرهُ على حَذْف الزَّوائِد وهو للذكَر والأنْثى ويجمَع على كُمْتٍ كما يقال شُقْر ودُهْمٌ

١٠٦

جمعُ أشْقَرَ وشَقْراءَ ويُقال لما يجِىء آخِرَ الخَيْلِ سُكَّيْت وسُكَيْت فأما سُكَّيْت فهو فُعَّيل مثلُ جُمَّيْز وعُلَّيْقٍ وليس بتصغِير وأما سُكَّيْت المخفَّف فهو تصغيرُ سُكَّيْت على الترخِيم لأنَّ الياءَ وإحدَى الكافيْنِ في سُكَّيْت زائدتانِ فحذفُوهما فبقِىَ سُكَت فصُغِّر سُكَيْت ولو صَغَّرت مُبَيْطِرا ومُسَيْطِرا لقلت مُبَيْطِر ومُسَيْطِر على لفظ مُكبَّرِه لأن فيهما زائِدتيْنِ المِيمُ والياءُ وهما على خمسة أحرف ولا بُد من حذْف إحدَى الزائِدَتين وأَوْلاهما بالحَذْف الياءُ فاذا صَغَّرناه وجبِئنا بياءِ التصغِير وقعَتْ ثالثةً في موقِعِ الياءِ التى كانت فيه وهى غيرُ تلكَ الياءِ واللفظُ بهما واحدٌ ولو صَغَّرتهما تصغِيرَ الترخِيم لقلت بُطَيْر وسُطَيْر لأنك تحذِف الميمَ والياء جميعا فاعرفْه

* وأذكر الآنَ من الاشياءِ التى لم تقَعْ في كلامهم الا مُحَقَّرة فمن ذلك الثُرَيَّا ـ وهو النَّجْمُ المعْلُوم كأنه تصغِيرُ الثَّرْوَى ومنه الحُمَيَّا ـ وهى دَبيبُ الخمْرِ والحُبَيَّا ـ موضِعٌ وقالوا لك عِنْدِى مثْلها هُدَيَّامَا وحكى لفارسى عن أبى زيد احْجُ حُجَيَّاك ويقال رماهُ بسَهْم ثم رماهُ بآخَرَ هُدَيَّاه ـ أى على إثْره والحُدَيَّا من التَحدِّى ويُقال أنَا حُدَيَّاكَ على هذا الأمْرِ ـ أى أُخاطِرُك والحُذَيَّا ـ العَطِيَّة وقالوا لِضَرْب من نَبَاتِ السَّهل الغُبَيْراء ـ وهو اسمٌ يجمَع شجَرتها وثمَرتَها وليستْ بالغَبْراء التى تُسْتعمَل مكبَّرَة وقد أبنتُ الفرقَ بينهما في صِنْف النَّباتِ من هذا الكتابِ وعلى مِثال الغُبَيْراءِ الشُّوَيْلاءُ ـ وهى أيضا نَبْته سُهْلِيَّة وهى موضِعٌ أيضا وقالوا لضَرْبٍ من العَنَاكِب الرُّتَيْلَى والكُدَيْراءُ ـ حَلِيب يُنْقَع فيه تَمْرٌ بَرْنِىٌّ والعُزَيْزاء ـ طائِر والعُزَيْزاء من الفَرَس ـ وهو العَظْم الذِى على فَقْحَته والمَليْساءُ ـ نصْفُ النَّهار ويقال للشَّهر الذِى تَنْقَطِع فيه المِيرَة المُلَيْساء قال الشاعر

أَفِينا تَسُومُ الشَّاهِرِيَّةَ بَعْدَ ما

بَدَالكَ منْ شَهْرِ المُلَيْساءِ كَوْكَبُ

والغُمَيْصاء ـ من النُّجُوم* قال أحمدُ بنُ يحيى* هى إحْدَى الشِّعْرَيَيْن* وقال أبو عبيد* الشِّعْرَيَانِ إحْداهما العَبُور ـ وهى التى خَلْفَ الجَوْزاء والأُخْرَى الغُمَيْصاء ـ وهى في الذِّراع أحدُ الكَوْكبنِ والغُمَيْصاء أيضا ـ مَوضِع والعُرَيْجاء ـ أن تَرِد الابلُ يوْمًا نِصْفَ النَّهارِ ويَوْما غُدْوَة واذا وَلَدت الغنَمُ بعضُها بعْدَ بعضٍ قيل قد وَلَّدْتها الرُّجَيْلاءَ ممدودُ وقالُوا في الطَّعام رُعَيْداءُ ومُرَيْراءُ ـ وهما ما يُخرَج

١٠٧

من الطَّعام فَيُرْمَى به والحُجَيْلاء ـ موضِعٌ والقُطَيْعاء ـ من الشِّهْريز والقُرَيْنَاء ـ لضَرْب من اللُّبَاب على شَكْل اللُّوبِيَا وقالوا القُبَيطاءُ في القُبَّيْطَى والقُصَيْرَى ـ أسْفَلُ الأضْلاع والهُيَيْماء ـ موضِعٌ فأمّا سُوَيْدَاءُ الفُؤَاد فأكثَرُ ما استَعْملوه مصَغَّرا وقد قالُوا سَوْداءُ الفُؤاد وأمّا السُّوَيداء اسمُ أرضٍ فمصَغَّر لا غيْرُ وخُلَيْقَاءُ المَتْنِ الأكثرُ فيها التَّصْغِير وقد قيل ضَرَبه على خَلْقَاء مَتْنِه والخُلَيْقَاءُ من الفَرَس ـ كموْضِع العِرْنِينِ من الانسان وهو ما لانَ من الأنْف والسُّوَيْطاء ـ ضَرْب من الطَّعام والمُرَيْطاء ـ جِلْدة رقِيقةٌ بيْنَ السُّرَّة والعانَةِ والهُوَيْنا ـ السُّكُون والخَفْض والعُقَّيب ـ ضَرْب من الطَّيْر والحُمَيْمِيق أيضا ـ طائِر والصُّلَيْقاء ـ طائِر والرُّضَيِّم ـ طائِر والشُّقَيْقِة ـ طائِر واللُّبَيْد ـ طائِر والرُّغَيم بالغين مُعجمةً ـ طائِر والأُدَيْبِرُ ـ دُوَيْبَّة والأُعَيْرِج ـ ضَرْب من الحَيَّات والأُسَيْلِم ـ عِرْق في الجَسَد والأُنَيْعِمُ ـ موضِعٌ والأُبَيْرِدْ ـ اسمُ رجُل والكُحَيْل ـ القَطِرانُ والشُّرَيْف ـ موضع وخُوَىٌّ ـ موضِعٌ وذُو الخُلَيْص والخُلَيْصة ـ موضِعٌ والقُطَيْعة ـ الحَجَلة وسُهَيْل ـ كَوْكَب وقُعَيْن وهُذَيْل ـ قَبِيلتانِ والعُذَيب ـ موضِعٌ وكذلك حُنَيْن واللُّجَبْن ـ الفِضَّة والسُّمَيْط ـ الآجُرُّ القائِمُ بعضُه فوقَ بعضٍ وجاءَ بأمِّ الدُهَيْمِ وأُمِّ اللُّهَيْمِ وجاء بأُرَيْقَ على رُبَيْقَ ويُصْرفانِ ويُقْلبَانِ فيقال جاء برُبَيْقٍ على أُرَيْقٍ وجاء بأُمِّ الرُّبَيْق عَلَى أُرَيْق وكل هذا الداهِيَةُ والخُويْخِيَة ـ الداهِيَةُ وقالوا أفلَتَ جُرَيْعةَ الذَّقَنِ* أبو عبيد* دَبَلْتُهم الدُّبَيْلة ـ وهى الداهِيَةُ* غيره* الضُّوَيْطة ـ الأحمقُ وقُعَيْقِعَانُ ـ موضِعٌ (١)

ومما جاءَ على لفْظ التصغِير وليس بمصَغَّر

إنَّما ياؤُه بازاءِ واوِ مُحَوْقِلٍ

* قال الفارسى* هى أربعةٌ مُهَيْمنِ في صِفَة القديمِ سبحانَه ومُبَيْقِر ـ يعنى الذى يَلْعَبُ البُقَّيْرى ـ وهى لُعْبة ومُبَيْطِر ـ للبَيْطارِ ومُسَيْطِر ـ يعنى الوكيلَ وحكى غيره مُهَيْنِم فأمّا مُجَيْمِر اسم موضِع فقد تكُون ياؤهُ للتحقير والالْحاق

__________________

(١) قلت لقد أخطأ ابن سيده هنا في تفسير قُعَيقِعان بقوله موضع كما أخطأ قبلا في تفسيره يلملما بقوله واد وقد بينا صواب معنى يَلَملم قبل هذا والصواب الذى لا محيد عنه أن قُعَيقعان اسم جبل بمكة هو أحد أخشبيها والآخر هو أبو قبيس وقيل ان ثانى أخْشَبَيْها هو الأحمر لا قعيقعان وعن السدى قال سمى الجبل الذى بمكة قُعَيْقعان لأن جُرْهم كانت تجعل فيه قِسِيَّها وجِعَا بها ودَرَقها فكانت تقعقع فيه وبالأهواز جبل يقال له قعيقعان منه نحتت أساطين مسجد البصرة سمى بذلك لان عبد الله ابن الزبير بن العوام ولى ابن حمزة البصرة ـ

١٠٨

بابُ ما لا يَجُوز أن يُصَغَّر وما يُختَلَف

فى تصغِيره أجائِزٌ أمْ غيرْ جائزٍ

فمِمَّا لا يجوزُ تصغِيرُه علامةُ الاضْمار* قال سيبويه* لا تصَغَّر علامةُ الاضْمار نحو هُوَ وأنَا ونحْنُ من جِهَتين إحْداهما أن الْاضْمار يَجْرِى مَجْرَى الحُروفِ ولا تُحقَّر الحُروفُ والأُخْرَى أن أكثَرَ الضَّمَائِرِ على حَرْفٍ أو حَرْفَيْنِ وليستْ بثابِتةٍ اسْما للشىءِ الَّذِى أُضْمِر فان قالَ قائِل فقهد حَقروا المُبْهَماتِ وهى مَبْنِيَّات تَجْرِى مَجْرَى الحُروف وفيها ما هُو على حرفيْن وكذلك الَّذِى وتثنِيتُها وجمعُها فالجواب أن الْمبهَم قد يجوز أن يُبْتدأ به كقولك هذا زيْدٌ وما أشْبه ذلك وليس فيه شئٌ يتَّصل بالفِعل ولا يجوز فصْلُه كالكاف في ضربتُك والتاءِ في قمتُ وقُمتُما وما أشبهَ ذلك فأشبه المبهَمُ الظاهِرَ لقِيامه بنَفْسه ولا يُصَغَّر غيْرٌ وسِوًى وسُوًى اللَّذاتِ في معنى غَيْر وليس بمنْزِلةِ مِثْلٍ لأنَّ مِثْلا اذا صَغَّرته قَلَّلت المُماثلةَ والمُماثلة تَقِلُّ وتكْثرُ وتُفِيد بالتصغِير معنًى يتفاضَلُ وغَيْرٌ هو اسمٌ لكلِّ ما لم يكُنْ المضافَ اليه واذا كان شئٌ غيْرَ شئٍ فليس فى كونه غيْرَه معنًى يكون أنقَصَ من معْنًى كما كان في المُماثلة ألا تَرَى أنه يجوز أن تقُولَ هذا أكثَرُ مماثلَةً لِذَا من غيْرِه وهذا أقَلُّ مماثلَةً ولا تَقُلْ هذا أكثَرُ مغايَرةً وقد احتَجَّ له سيبويه فقال غَيْرٌ ليْس باسْمٍ متَمكِّنٍ ألا تَرَى أنها لا تكونُ الا نكِرةً ولا تُجْمَع ولا تدخُلُها الألفُ واللامُ فهذه أيضا فُرُوق بيْنهَا وبيْنَ مِثْل ولا يُصَغَّرُ أيْنَ ولا مَتَى ولا مَنْ ولا مَا ولا أيُّهم لأنَّ هذه أسماءٌ يُسْتَفْهَم بها عن مُبْهمات لا يَعْرِفُها ويجوز أن يكونَ ذلك الشىءُ الذى استَفْهَمَ عنه قليلاً أو كثيرا ويلزمك أن تُبْهِم لتُردَّ الجوابَ عنه على ما عِنْد المَسؤُل فيه ولا يصَغَّر حيْثُ ولا إذْ لأنهما غير متمكِّنيْنِ ويَحتاجانِ الى ايضاح وانما حيْثُ اسمُ مكانٍ يُوضَّح بما وقَع فيه ولا ينْفَرِد وإذْ اسمُ زمانٍ يُوضَّح بما وقع فيه ولا ينْفرِد وليس الغرضُ ذِكْر حالٍ فيها يختصُّ بها فان قال قائل قد صغَّرتُمُ الَّذِى وهي مُحتاجةٌ الى إيضاحٍ فهلا صغَّرتُمْ إذْ وحَيْثُ ومَنْ ومَا وأيُّهم اذا كان بمعنَى الَّذِى قيل له لِلَّذِى مَزِيَّة عليهِنَّ لأنها تكونُ وَصْفا وتكون

__________________

ـ فخرج الى الأهواز فلما رأى جبلها قال كأنه قعيقعان فلزمه ذلك الاسم والدليل على صحة ما قلته قول عمر بن أبى ربيعة

قامت تراءى بالصفاح كأنها

كانت تريد بنا بذاك ضرارا

من ذا نواصل ان صرمت حبالنا

أو من نحدث بعدك الأسرارا

هيهات منك قعيقعان وأهلها

بالحزنتين فشط ذاك مزارا

وقال أعرابى قدم الأهواز مرة

لا ترجعن الى الأهواز ثانية

قعيقعان الذي قي جانب السوق

كتبه محمد محمود لطف الله به آمين

١٠٩

موصُوفةً كقولك مَررْت بالرجُل الذى كلَّمك ومَررْت بالَّذِى كلَّمك الفاضِلِ وتُثَنىَّ وتجمَعِ وتُؤَنّث وليسَ ذلك في شئ مما ذَكَرناه فتمكَّنتِ الذى في التَّصْغير ولا يصَغَّر عِنْدَ لأن تصغيرها لو صُغِّرت انما هو تَقْرِيب كما تقَرِّب فُوَيقَ ونُحَيْتَ وهى في نِهاية التقرِيب لأنّ عِنْد زيدٍ لا يكون شئٌ أقربَ اليْه مما عِنْده فلما كانت موضُوعةً لما يوجِبُه التصغيرُ في غَيْرِها من الظُّروف اذا صُغِّرت لم تُصَغَّر* قال سيبويه* اعلم أنّ الشَّهرَ والسَّنَة واليوْمَ والساعةَ واللَّيْلَةَ يُحَقَّرْن وأمّا أمْسِ وغَدٌ فلا يُحَقَّران لأنهما ليسا اسمَيْنِ لليوميْنِ بمنْزِلة زيدٍ وعمرو وانما هما لليَوْم الذى قبل يومِكَ واليوم الذى بَعْدَ يومِك ولم يتمَكَّنا كزيْد واليومِ والساعةِ وأشباههِنّ ألَا ترَى أنَّك تقولُ هذا اليومُ وهذِه اللَّيلُة فتكونُ لِمَا أنتَ فيه ولما لم يَأْتِ ولما مَضَى وتقول هذا زيدٌ وذاك زيدٌ فهو اسم ما يكونُ معَك وما يتراخَى عنْكَ وأمْسِ وغَدٌ لم يتمَكَّنا تمكُّنَ هذه الأشياءِ فكَرِهوا أن يُحقِّروهُما كما كَرِهوا تحقِيرَ أيْنَ واستغْنَوْا بالذى هو أشدُّ تمُّكنا وهو اليومُ والليلةُ والساعةُ وأوّلُ من أمْسِ كأمْسِ في أنه لا يُحَقّرُ* قال أبو سعيد* أمّا اليومُ والشهْرُ والسَّنةُ والليْلَةُ والساعةُ فأسماء وُضِعْن لمقادِيرَ من الزمانِ فى أوّل الوَضْع وتصغيرهُنّ على وجهين أنك اذا صَغَّرت اليوم فقد يكون التصغير له تقليلاً ونقصانا عمَّا هو أطولُ منه لأنه قد يكونُ يومٌ طويلٌ ويومٌ قصيرٌ وكذلك الساعةُ تكون ساعةٌ طويلةٌ وساعةٌ قصيرةٌ والوجه الآخر أنه قد يَقِلُّ انتفاعُ المصغِّر بشئٍ في يومٍ أو ليلةٍ أو في شهْر أو في سنَةٍ أو في ساعة فيحَقِّره من أجْل انتفاعِه به فان قال قائل فلا يكونُ شهْرٌ أطولَ من شَهْر ولا سنَةٌ أطوَلَ من سَنَة لأن ما يَنْقُص من أيَّام الشَّهر يَزِيد في لَيالِيه وما يَنْقُص من لَيالِيه يزيدُ في أيَّامه حتى تتَعادَل الشُّهورُ كلُّها قيل له قد يكون التحقيرُ على الوجه الآخَرِ الذى هو قِلَّة لانتِفاعِ وقد قال بعضُ النحويِّين إن المعتمَدَ على أيَّام الشهر لا علَى اللَّيالِى لأن التصَرُّفَ في الأيَّام يقَع وأما أمْسِ وغَدٌ فهما لَمَّا كانا متعَلِّفين باليومِ الذى أنتَ فيه صارَا بمنْزِلة الضَّمِير لاحْتِياجِهما الى حُضُور اليومِ كما أن الضمِيرَ يحتاج الى ذِكْرٍ يجرِى للمضْمَر أو يكونُ المضمرُ المتكلِّمْ أو المُخاطَب وقال بعض النحويين أمَّا غَدٌ فانه لا يصَغَّر لأنه لم يُوجَدْ بعدُ فيستحِقُّ التصغِير وأما أمْسِ فما كان منه مما يُوجِب التصغِيرَ قد

١١٠

عرَفه المتكَلِّم أو المخاطَبُ فيه قبل أن يَصِيرَ أمْسِ فاذا ذَكَروا أمْسِ فانما يَذْكُرونَهُ على ما قد عَرَفُوه في حالِ وُجودِه بما يستَحِقُّه من التصغير فلا وَجْه لتصغيره* قال سيبويه* والثَّلَاثاءُ والأَرْبِعاءُ والْبارِحةُ وأشباهُهُنَّ لا يحقَّرْنَ وكذلك أسماءُ الشُّهور نحوُ المُحرَّم وصَفَر الى آخِر الشُّهُور وذلك أنها أسماءٌ أعلامٌ تتكَرَّر على هذه الأيَّامِ فلم تتمكَّنْ وهى معارِفُ كتمَكُّن زيدٍ وعَمْرو وسائرِ الاسماءِ الأعلامِ لأن الاسمَ العَلَم انما وُضِع للشىءِ على أنه لا شَرِيكَ له فيه وهذه الأسماءُ وُضِعتْ على الأُسْبُوع وعلى الشُّهور ليُعلَم أنه اليومُ الأولُ من الأُسبُوع أو الثانِى أو الشَّهْرُ الأوّلُ من السنةِ أو الثانِى وليس منهما شىءٌ يختَصُّ فيعبَّر به فيلزمُه التصغيرُ وكان الكوفِيُّون يَروْن تصغيرَها وأبُو عثمانَ المازِنىُّ وقد حُكِى عن الجَرْمىِّ أنه كان يَرَى تصغيرَ ذلك وكان أبو الحسن بنُ حَسَّانَ يختارُ مَذْهَبَ سيبويه في ذلك للعِلَّة التى ذكَرْنا وكان بعضُ النحوِيِّينَ يفرِّق بينَ أن يقولَ اليَوْمَ الجمعةُ واليَوْمَ السبتُ فينصِبُ اليومَ وبين أن يقول اليومُ الجمعةُ واليوْمُ السَّبتُ فيرفع اليومَ فلا يُجِيز تصغِيرَ الجُمعة في النَّصْب ولا تصغِيرَ السبْت قال لأن السبْتَ والجُمُعة انما هما اسمانِ لمَصْدَرى الاجتِماعِ والراحةِ وليس الغرَضُ تصغِيرَ هذين المصدرَيْنِ ولا أحدَ يقْصِد إليهما في التصغير ويُجِيزُ اذا رُفِع اليومانِ لأن الجمعةَ والسبْتَ يَصِيران اسميْنِ ليومَيْنِ ولا يُجِيز في النصْب تصغيرَ اليومِ لأن الاعتماد في الخبر على وَقَع ويقَعُ وهما لا يصَغَّران ولا يُقْصَد اليهما بالتصغيرِ وقد حُكِى عن بعضهم أنه أجازَ التصغيرَ في النصب وأبْطَلَ في الرفع وكان المازنِىُّ يجِيزُه في ذلك كلِّه

واعلم أنك لا تُحقِّر الاسمَ اذا كان بمنزلة الفِعْل ألا تَرَى أنه قَبِيح هو ضُوَيْرِبٌ زيدًا وضُوَيْربٌ زيدٍ اذا أردت بضارِب زيْدٍ التنوينَ وإن كان ضارِبُ زيدٍ لِمَا مضَى فتصغيرُه جَيِّد لأن ضارِبَ اذا نَونَّاه ونصْبنا ما بعده فمذْهَبه مَذْهبُ الفِعْل وليْس التصغيرُ مما يَلْحق الفِعْل الا في التعَجُّب واذا كان فيما مضى فليس يجُوز تنوينُه ونصبُ ما بعدَه ومُجْراه مُجْرَى غُلَام زيْدٍ فلما جاز تصغيرُ غُلام زيْدٍ جاز تصغير ضارِبُ زيدٍ فيما مضَى فاعرِفْه ان شاءَ الله تعالى

١١١

هذا بابُ شَوَاذِّ التحقِير

من ذلك قولُ العربِ في مَغْرِب الشمس مُغَيْرِبانُ الشمسِ وفي العَشِىِّ عُشَيَّانٌ* قال سيبويه* وسَمِعنا من العرب من يقول في عَشِيَّة عُشَيْشِيَة كأنهم حَقَّرُوا مَغْرِبَانٌ وعَشْيَانٌ وعَشَّاة لأن عُشَيَّان تصغيرُ عَشْيانٍ كما تقول في تصغيرِ سَعْدانَ سُعَيدان وكأن عُشَيْشِيَة تصغيرُ عَشَّاة بشِيْنَيْنِ تفصِلُ بينهما ياءُ التصغير فأما قولهم أتيْتُك أُصَيْلالا فزعم الخليلُ أنه أُصَيْلانًا وتصديقُ ذلك قولُ العرب أَتيتُك أُصَيْلانًا* قال سيبويه* وسألتُه عن قولِ بعضِ العرب أتَيْتُك عُشَيَّاناتٍ ومُغَيْرِباناتٍ فقال جعَل ذلك الحِينَ أجزاءً لأنه حِينٌ كُلَّما تصوَّبت فيه الشمسُ ذهبَ منه جُزْء فقالوا عُشَيَّانات كأنهم سمُّوْا كلَّ جُزْء منه عَشِيَّة* وشذُوذُ هذا البابِ من غيْرِ وَجْه فمنه ما هو على غَيْر حُروفِ مُكَبَّرِه ومنه ما يصَغَّر على لَفْظ الجمعِ ومُكَبَّرُه واحدٌ ومنه ما يُصَغَّر على جَمْع لا يصَغَّر مثلُه ومن طَرِيف هذا الباب أن جميعَ ما وقَع فيه هذا الشُّذُوذُ من أسماء العَشَايَا فقَطْ فأما تصغير البِنَاء فقال فيه بعضُ النحوِييِّنَ إنه لَمَّا خالفَ معنَى التصغيرِ فيه معْنَى التصغيرِ في غيرِه من الأيَّام خُولِف بلفْظِه كما فُعِل ذلكَ في باب النِّسْبةِ ومُخالفةُ معناه لغيرِه أن تصغِيرَ اليوم فيما ذكَرْناه يقَع لِأحَدِ أمريْنِ اذا قلنا يُوَيْم أو اذا قُلْنا عُوَيْم أو سُوَيعةٌ لتصغير عامٍ أو ساعةٍ أو سُنَيَّةٌ لتصغير سَنَة انما هو أن يُرِيد بيُوَيْم قِصَرَه أو يُرِيد قِلَّة الانتفاع به وقد ذكرنا هذا فيما مضى مشروحا وقولُهم مُغَيْرِبانٌ انما تصغِيرُه للدِّلالة على قُرْبِ باقِى النَّهارِ من اللَّيْل كما أنَّك لو نَسَبْت الى رجل اسمُه جُمَّة أو لحِية أو رَقَبة لَقُلتَ جُمِّىٌّ ولحِيِىٌّ ورَقَبِىٌّ فان كان طوِيلَ الجُمَّة أو اللِّحْية أو غَلِيظَ الرَّقَبةِ وأردت العِبارةَ عن ذلك بلفظ النِّسْبة لقلتَ جُمَّانِىٌّ ولْحِيانِىٌّ ورَقَبانِىٌّ ففَصَلُوا بيْنَ لفظَىِ النِّسبةِ لاختِلافِ المعنَيَيْنِ وكذلك في التصغيرِ وأما جمعُ ذلك فكما ذكرَه سيبويه في هذا الباب من كتابه من جَعْلهم إيَّاه أجْزاءً كَأنَّهم جعَلوا كلَّ جُزْء منه عَشِيَّةً اذْ كان أجزاؤُها تَنْقِضى أوَّلَ فأوّلَ فيكون الباقى منها على غير حُكْم الأوّل ثم شبَّه ذلك بأشياءَ مما يجمَعُ فيه الواحِدُ كقولهم فلانٌ شابَتْ مَفَارِقُه وإنما له مَفْرِقٌ واحدٌ وكما قالوا جَمَل ذُو عَثَانِينَ كأنه جَعَل كلَّ جُزْء عُثْنُونا فجمعه

١١٢

وأنشد قولَ جَرِير

قالَ العَوَاذِلُ ما لِجَهْلِكَ بعْدَ ما

شابَ المَفَارِقُ واكْتَسَيْنَ قَتِيرًا

وأمّا قولُهم أُصَيْلالٌ ففيه شُذُوذ من ثلاثةِ أوجهٍ أحدُها أنه أبدَل اللامَ من النُّون فى أُصيْلانٍ وأُصَيْلانٌ تصغِيرُ أُصْلانٍ وأُصْلانٌ جَمعُ أَصِيلٍ كما تقول رَغِيف ورُغْفَانٌ وقَفِيزٌ وقُفْزانٌ وفُعْلانٌ من أبنِيَة الجمعِ الكثيرِ الذى لا يُصَغَّر لفْظُه وانما يُرَدُّ الى واحدِه ألا تَرَى أنا لو صَغَّرنا سُودانٌ وحُمْرانٌ وقُضْبان لم يجُزْ أن تقولَ قُضَيْبانٌ وانما تقُول قُضَيِّبات فتردُّه الى واحدِه وهو قَضِيب فتصغِّرُه قُضَيِّب ثم تدخِلُ عليه الألِفَ والتاءَ للجمع وكان حَقُّ أَصِيل اذا صُغِّر أن يقال أُصَيِّل على لفظ الواحد فصار فيه من الشُّذُوذ نَقْلُ لفظِ الواحدِ الى الجمع وتصغيرُ الجمعِ الذى لا يصغَّر مثلُه وإبدالُ اللامِ من النُّون ثم ذكر سيبويه غُدْوَةً وسَحَرا وضُحًى وتصغِيرَهنّ على ما يوجِبُه القياسُ ليُرِيَك أنه من غير بابِ مُغَيْرِبانٍ وعُشَيَّانٍ فقال تحقيرُها غُدَيَّة وسُحَيْرا وضُحَيًّا وأنشد قولَ النابغة الجَعْدِىِ

كأنّ الغُبَارَ الذِى غادَرَتْ

ضُحَيًّا دَواخِنُ من تَنْضُبِ

وبَيَّن أن تصغِيرَ هذِه الأحْيانِ والساعاتِ ليْست تُرِيد بها تحقِيرَها في نَفْسِها وانما تريد أن تُقَرِّب حِينًا من حِينٍ وتُقَلّلِ الذى بيْنهما كما فَعلْتَ ذلك في الأَماكِن حِينَ قلتَ دُوَيْنَ ذاكَ وُفَوْيَق ذاك وقد مَضَى ذلك ومضى الكلامُ في قَبلُ وبَعْدُ ونحو ذلك ومما يحقَّر على غير بناء مُكَبَّره المستعمَل في الكَلامِ إنسانٌ تقُول فيه أُنَيْسِيانٌ وفي بَنُونَ أُبَيْنُونَ وفي لَيْلة لُيَيْلِيَة كما قالُوا لَيَالٍ وقولُهم في رَجُل ورُوَيْجِل أمّا أبَيْنُونَ فقد تقدَّم الكلامُ فيه قبل هذا الباب وأمّا أُنَيْسِيَانٌ فكأن الأصلَ إنْسِيانٌ على فِعْلِيَان وتصغيرُه أُنَيْسِيَانٌ ولُبَيْلية تقديره لَيْلاةٌ والألف زائدةٌ فاذا جمعْت قلْتَ لَيَالٍ واذا صغرت قلت لُيَيْلِيَة كما تقول في سِعْلاة سَعَالٍ وسُعَيْلِيَة وقولهم في رجُل رُوَيْجل أرادُوا راجِلاً لأنه يقال للرَّجُل راجِلٌ وان سَمَّيت رجُلا أو امرأةً بشئٍ من ذلك ثم صغَّرْته جَرَى على القِياسِ فقلت في إِنْسانٍ أُنَيْسانٌ وفي لَيْلة لُييْلة وفي رجُل رُجَيْل

ومن الشُّذوذ قولُهم في صِبْيةٍ أُصَيْبِةٌ وفي غِلْمة أُغَيْلِمةٌ كأنَّهم حقَّروا أَغْلمةً

١١٣

وأَصْبِيَة لأن غُلاما فُعَال مثل غُراب وصَبِىّ فَعِيل مثل قَفِيز وبابهما في أدْنَى العَددِ أفْعِلةٌ كأغْرِبةٍ وأقْفِزةٍ فرُدّ في التصغِيرِ الى البابِ ومن العرب من يُجْريه على القياس فيقول صُبَيَّة وغُلَيْمة قال الراجز

صُبَيَّةً على الدُّخَانِ رُمْكَا

ما إن عَدَا أصغَرُهم أنْ زَكَّا

زَكَّ يَزِكُّ ـ اذا قارَبَ الخَطْؤَ* وقال المبرد* انَّما هو ما إن عَدَا أكْبَرُهم أن زَكَّا كانّ المعنى يوجِب ذلك لأنه أراد تصْغِيرهم فاذا كان أكْبَرُهم بلَغ الى الزَّكِيك من المَشْى فَمنْ دُونهُ لا يقدِر على ذلك

بابُ شَواذِّ الجمْع

من ذلك قولُهم عَرَوضُ وأعَارِيضُ وحَدِيثٌ وأحَادِيثُ وقَطِيع وأَقَاطِيعُ وباطِلٌ وأَباطِيلُ ومَدِيح وأَمَادِيحُ ووَادٍ وأَوَادِيَةٌ على ذلك جمعه الشاعرُ (١) فقال

* وأقْطَعُ الأبحُرَ والأَوَادِيهْ*

جَمع وادِيًا على أَوْدِيَةٍ ثم جَمع أوْدِيةً على أوَادٍ كأسقِيةٍ وأَسَاقٍ وألْحقَ الهاءَ في أفَاعِلَ عِنْد أبى العَبَّاس أحمدَ بنِ يحْيَى للوَقْف وعند أبِى علِىٍ على حَدِّ إلحاقِها في أَفْعلِة

ومن شاذِّ الجمع عِنْد بعض اللغَوِيِّين سِوَار وسُوَار وأَساوِرُ وهو عِند حُذَّاق النحوييِّن سيبويه فَمنْ دُونَه جمعُ جمعٍ كأسْقِية وأَساقٍ يقال سِوَار وأَسْوِرة ثم يكَسَّر على أَساوِرَ وقد أوضحْت هذا وأبنْتُه ولم يحكِ أحدٌ أن بعض اللغويين قال إنَّه من شاذِّ الجمعِ غيْرَ أبى على فانه حكاه ورَدّه

ومن الشاذِّ تكسيرهُم فَعْلا على فُعُل وذلك قولهم سَحْلٌ وسُحُل قال الشاعر

كالسُّحُلِ البِيضِ جَلَا لَوْنَها

سَحُّ نِجَاءِ الحَمَلِ الأسْوَلِ

وقالوا سَقْفٌ وسُقُف ورَهْنٌ ورُهُنٌ وفي التنزيل «فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ» * قال أبو على* فان قال قائل فَهلَّا أجَزْت أن يكونَ رَهْن كُسِّر على رِهَانِ ثم كُسِّر رِهَانٌ على رُهُن قيل له ليس كلُّ جمعٍ يُجمَع وإنما يَثْبُت من ذلك ما أثُرِ عن العرَب وقد صرَّح سيبويه بذلك حين قال وليس كل جمْع يجمَع كما أنَّه ليس كلُّ مصدَر يجمع ألا تَرَى أنك لا تجمَع العِلْم ولا الفِكْر ولا النَّظَر

__________________

(١) قوله وأوادية على ذلك جمعه الشاعر الخ) الذى في اللسان وأوداية واستشهد بالشعر ثم قال قال ابن سيده وفي بعض النسخ والاوادية قال وهو تصحيف لان قبله أما تريني رجلا اه كتبه مصححه

١١٤

ومن الشاذِّ قولُهم دُخَانٌ ودَواخِنُ وعُثَانٌ وعَواثِنُ أنشد سيبويه

كأنَّ الغُبارَ الَّذِى غادَرَتْ

ضُحَيَّا دَوَاخِنُ من تَنْضُبِ

ومن الشاذِّ قولُهم كَرَوانٌ وكِرْوانٌ وإنما حقُّه كَراوِينُ كما أنشد بعضُ البَغْداديِّين فى صِفَة صَقْر

* حَتْف الحُبَارَيَاتِ والكَرَاوِينْ*

* قال أبو على* حقيقتُه أنهم رَدُّوا كَرَوانًا الى كَرًا ثم كَسَّروا كَرًا على كِرْوانٍ كما قالوا أَخٌ وإخْوانٌ ونظير قولهم كَرَوانٌ وكِرْوانٌ في الشذوذ قولهم وَرْشانٌ ووِرْشانٌ ولم يَحْكِه سيبويه الا على القياس قالوا ورَاشِينُ

ومن الشاذِّ قولُهم أهْلٌ وأَهَالٍ* قال سيبويه* ومثلُ أَراهِطَ قولُهم أَهْلٌ وأَهَالٍ ولَيْلة ولَيَالٍ يعنى أنَّ لَيَالٍ ليس بجمْع لَيْلة على لفظِها ولا أَهَالٍ جمع أَهْل وانما هو على تقْدير لَيْلاةٍ وأَهْلاةٍ وإن لم يستَعْمل وقالوا لُيَيْلِيَة فجاءتْ على لَيْلاةٍ في التصغِير كما جاءت عليه في التكْسِير

ومن الشاذِّ قولُهم أرْضٌ وآراضٌ أفْعالٌ كما قالوا أهْلٌ وآهَالٌ حكاها سيبويه عن أبِى الخَطَّاب وهذا نَص موضوع نَقْله كما وضَعْنا والذى عِنْد أبى سعيد وأبِى على وابنِ السرِّىِّ أنَّ هذا غلَط وقَع في كتاب سيبويه من جِهَتيْنِ إحداهما أن سيبويه ذكر فيما تقدَّم أنهم لم يقولُوا آراضٌ ولا آرُضٌ والأُخرى أن هذا البابَ إنما ذُكِر فيه ما جاء جمعُه على غيرِ واحدِه ونحن اذا قُلْنا أرضٌ وآراضٌ وأهْل وآهالٌ فهو على الواحد كما يقال زَنْدٌ وأزْنادٌ وفَرْخٌ وأفْراخ وان كان الأكثر فيه أفْعُلاً وقد ذكَر سيبويه مثْل هذا فيما تقدَّم من الجموع قبْل هذا البابِ من كتابه* قال أبو سعيد السيرافى* وأظُنُّه أرضٌ وأراضٍ كما قالوا أهْلٌ وأَهَالٍ فيكون مثلَ لَيْلة ولَيالٍ فيشاكِلُ البابَ

ومن الشاذ قولُهم مَكانٌ وأَمْكُنٌ حكاه سيبويه ويكون التقدير أنه جمع مَكْن بحذْف الالفِ من مكانٍ لأنَّا لم نَرَ فَعِيلا ولا فَعَالا ولا فِعَالا ولا فُعَالا يُكسَّرْن مذكَّراتِ على أفْعُلٍ* ومن الشاذِّ قولُهم شاةٌ رُبَّى وغَنَم رُبَاب وظِئر وظُؤَار وفَرِيرٌ وفُرَار وثِنْىٌ وثُنَاء ورِخْل ورُخَال وإنَّما قال سيبويه كأنَّهم كَسَّروا عليه لأن الباب عِنْده في فُعَال أن يكون جمعَ فِعْل لأن أكثَرَه جَمْع فِعْل وذلك ظِئْر وظُؤَار ورِخْل ورُخَال وثِنْى وثُنَاء

١١٥

وهذا نظير ما حكاه أبو على الفارسى في قراءَة مَنْ قَرأ إنَّا بُرَاءٌ مِنْكمْ قال هو جمْعُ بَرِىءٍ وهو في الوصْف مثلُ فَرِير في الاسْمِ حين كُسِّر على فُرَار

ومن الشاذِّ قولُهم حِمَارٌ وحَمِير ومثله أصْحابٌ وأطْيارٌ وفلُوٌّ وأفْلاءٌ* قال أبو على وأبو سعيد* جعل سيبويه ما كانَ من جَمْع الثُّلاثِىِّ مما ذُكِر اذ جاء جمعا لما كانَ على أربعةِ أحرف فهو يُحْذَف حرفٌ منه في التقدير وليس ذلك بمطَّرِد كأنهم قدَّرُوا حِمارًا على حَمْر وجمعوه على حَمِير كما قالُوا كَلْبٌ وكَلِيب وعَبْد وعَبِيد وجعلوا صاحِبًا وطائِرًا على صَحْب وطَيْر وجمعوه على أصحابٍ وأطْيار كما قالوا بَيْت وأبياتٌ وجعلوا فَلُّوًّا على فَعْل أو فَعُل وجمعوه على أفْعال كما قالوا عَجُز وأعْجازٌ

ومن الشاذ قولُهم حُرَّة وحَرائِرُ وحِقَّة وحِقَاق وحاجَة وحِوَج وهَضْبة وهِضَب وبَدْرة وبِدَر وبَضْعة وبِضَع فأما قولُ الشاعِر

* يَجِئْنَ من أَفِجَّةٍ مَنَاهِجِ*

فقد يكونُ من شاذِّ الجمْع وهذا من العَيْب أن يكونَ فَعْل يكَسَّر على أفْعِلة ويجوز أن يكونَ فَجٌّ كُسِّر على فِجَاج ثم كُسِّر فِجَاج على أَفِجَّةٍ فيكون من بابِ جمْع الجمعِ فأمّا أُمَّهات فقد قال أبو على إنه جمعُ أُمٍّ على الشذوذ* وقال مرة* رُدّت الى الأصل لأنهم يقولون أُمٌّ وأُمَّهة

ومن الشاذ قولهم ضَرَّة وضَرَائِرُ جمعُ ضَرِيرة وقالوا مَعِدَة ومِعَد وهو عِنْد أهل اللُّغة فيما شَذَّ* قال أبو على* وليس هذا كذلك مَعِدٌ جمع مَعِدَة كِلَين جمْع لَبِنة ونَبِقٍ جمْع نَبِقَة ومِعَدٌ جمْعُ مِعْدة كِفقَر جَمْع فِقْرة وكِسَر جمْع كِسْرةٍ ونظيره قول أهلِ اللغة إن نِقَما جمعُ نَقِمةٍ والقول فيه كالقول في المَعِدة وقولهم في سَفِلةٍ وسِفَل والقول في هذا كلِّه سواءٌ من أنْ التكسيرَ بعْدَ التخفيف وإلقاءِ الحركةِ على الفاءِ وإزالةِ الحركةِ التى كانتْ عليها

ومن الشاذِّ قولُه

وأصْبَحتِ النِّساءُ مُسَلِّباتٍ

لَها الوَيْلاتُ يَمْدُدْنَ الثُّدِينَا

وهو كالغَلَط شُبِّه الثُّدِىُّ بالقُنِىِ

ومن الشاذِّ بُرْد وأَبْرُد وامرأة نَسْءٌ ونِسَاءٌ نُسّء وسَهْم حَشْر وسِهَامٌ حُشْرٌ

١١٦

ومن الشادّ قولُهم قَدِيم وقُدَامَى وتَقِىٌّ وتُقَوَاءُ والمعروف أتْقِياءُ وقالوا أَتِىٌّ وأُتِىٌّ وسَدُوسٌ وسُدُوس فأما حِجَارة وجِمَالَة فعدَّها أهلُ اللغة في الشاذِّ ومَن لَطَّف النظرَ أدْنَى تلطِيفٍ لم يذْهَب ذلك عليه

وأذْكرُ من جمْع الجمْع شيأ لقرْبه

فى القِلَّة من هذا البابِ

أمَّا أبنِيَة أدنَى العددِ فكُسِّر منها أفْعِلَة وأَفْعُل على أفَاعِلَ أَفْعُل بزِنَة أفْعَلٍ وأفْعِلَةٌ بزِنَة إفْعَلة كما أن أفْعالا بزِنَة إفْعالٍ وذلك نحوُ أيْدٍ وأيَادٍ وأوْطُب وأَوَاطِبَ وقال الراجز * تُحْلَبُ منها سِتَّةُ الأَوَاطِبِ*

وأسْقِيَةٌ وأَسَاقٍ* قال أبو على وأبو سعيد* اعلم أن جمْع الجمْعِ ليس بقِياسٍ مُطَّرِد وانما يُقال فيما قالُوه ولا يُتجَاوَز وكذلك قال أبو عُمَر الجَرْمى ولو قُلنا في أفْلُسٍ أفَالِسُ وفي أدْلٍ أَدَالٍ لم يجُزْ* وما كانَ على أفْعالٍ كُسِّر على أفاعِيلَ لأن أفْعالاً بمنزلة إفْعالٍ وذلك نحو أنْعامٍ وأناعِيمَ وأقْوالٍ وأقَاوِيلَ وقد جمَعُوا أفعِلةً بالتاء كما كسَّرُوها على أفاعِلَ شَبَّهُوها بأَنْمُلة وأَنَامِلَ وأَنْمُلاتٍ وذلك قولُهم أَعْطِيَاتٌ وأسْقِيَات أعنِى أنَّهم لما استَجَازُوا جمعَه على التكسيرِ استجازُوه على السَّلامة بالألِف والتاءِ وقالوا جِمَالٌ وجَمائِلُ فكسَّرُوها على فَعائِلَ لأنها بمنزلة شِمَال وشَمائِلَ في الزِّنة كأنهم جعلُوا جِمَالا واحِدا بمنزلة شِمَال التى هى واحدٌ قال ذو الرُّمة

وقَرَّبْنَ بالزُّرقِ الجَمَائِلَ بعد ما

تَقَوَّبَ عن غِرْبانِ أوْراكِها الخَطْر

وقالوا جِمَالاتٌ ورِجَالات وكِلَابات وبُيُوتَات لأنها جُمُوع مكَسَّرة مُؤنَّثة فجمعُوها بالألف والتاء كما يُجْمَع المؤنَّثُ ومثل ذلك الحُمُرات والطُّرُقات والجُزُراتُ لجمع الحُمُر والطُّرُقِ والجُزُر وقد قالوا مَوَالِيَات حكاها الفراء وأنشد أبو على

* فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائِداتِها*

وأنشد

وإذا الرِّجالُ رَأَوْا يَزِيدَ رأْيتَهُمْ

خُضُعَ الرِّقابِ نَوَاكِسِى الأَبصارِ

١١٧

وأنشد

* جَذْبَ الصَّرَارِيِّينَ بالكُرُورِ*

انما هو ناكِسٌ ونَواكِسُ ثم جمعَ نَواكِسَ جمع السَّلامةِ كما جمع بُيُوتا وطُرُقا وجُزُرا جَمْع السلامةِ حِينَ قالوا بُيوتات وطُرُقات وجُزُرات وجِمَالات وكذلك قوله جَذْبَ الصَّرَارِيِّين انما كَسَّر صارِيًا على صُرَّاءٍ كما يكسَّر فاعِلٌ من السالم نحو ضارِب وضُرَّاب ثم جمَعه على فَعَالِلَ فقال صَرَارِىُّ ثم جمعه بالواو والنُّون فهذا جمْعٌ مسَلَّم بعد جمع مكَسَّر* قال أبو على* ومن هُنا استَجازُوا قراءة من قرأ قَوارِيرًا وسَلاسِلاً يُصْرَف من حيثُ ضارعَ الواحِدَ في أنه يجْمَع كما يجمع الواحِدُ* قال* فقال أبو الحسن هى لُغة الشعراء ونظير جَذْبَ الصرارِيِّين قوله

«فهُنّ يَعْلُكْنَ حَدَائِداتِها»

وحكى عن أبى الحسن أنه يقال في النساء هُنّ صَواحِبَات يُوسُفَ وأنشد أبو سعيد السيرافى

تَرْمِى الفِجَاجَ والفَيَافِىَّ القُصَا

بأعْيُناتٍ لم يُخَالِطْها قَذَى

جَمع عيْنا على أعْيُنٍ ثم جُمِع بالألف والتاءِ كما قالُوا بُيُوتَات* وقد ظَنَّتْ جَهَلة أهْل اللغة أن العُمُومة والخُؤُولة والبُعُولة والذُّكُورةَ والذِّكَارةَ والحِجَارةَ والفِحَالةَ جمْعُ جَمْعٍ وهذا غلَط إنَّما ألحَقُوا الهاء للمبالَغة بالتأنيثِ* ومن جَمْع الجمعِ قولُهم مُصْرانٌ ومَصَارِينُ كأبْياتٍ وأَبَايِيتَ جعَلُوا الألف في مُصْران كالألف في أبْياتٍ وقلَبُوها فى الجمع كما قُلِبت في كِرْباس اذا قلت كَرَابِيسُ وقالوا حُشٌّ وحِشَّانٌ وحَشَاشِينُ وقالوا عائِذٌ وعُوْذٌ وعُوْذَات وأنشد سيبويه

لَهَا بِحَقِيلٍ فالنُّمَيْرةِ مَنْزِلٌ

تَرَى الوَحْشَ عُوذاتٍ بِهِ ومَتَالِيَا

العُوْذ ـ الحدِيثاتُ النِّتاج والمَتَالِى ـ التى تَتْبَعُها أوْلادُها وقالوا دُوْر ودُوْراتٌ وقالوا أيْنُقٌ وأَيانِقُ وأنشد أبو على

لَقَدْ تعَلَّلتُ علَى أَيانِقِ

صُهْبٍ قَلِيلاتِ القُرَادِ اللَّازِقِ

وقالوا أَصِيلٌ وأُصُل ثم كَسَّروا أُصُلا على آصَالٍ وقد أَبْنت الاختِلَاف في هذه الكَلِمة فى بابِ صِفَة النهارِ وأسمائِه* قال أبو سعيد السيرافى* وأما قول الراجز

* تَرْعَى أناضٍ من جَزِيزِ الحَمْضِ*

فانه يُرْوَى بالصادِ والضادِ وجَمْع الأنْصاءِ أَنَاصٍ فمَن قال أناضٍ جَمَع النِّضْو أنضاءً ثم جمع الأنْضاءَ على أُنَاضٍ ويكون النِّضوُ ما قد رُعِىَ وبَقِيت منه بَقِيَّة كالنِّضْو من

١١٨

الابل الذى يُنْضِيه السَّفَر ويَهْزِلُه ومَنْ قال أَناص جعله جمعَ نَصِىٍّ والنَّصِىُّ ـ الرَّطْب من الحَلِىِّ ـ وهو نَبْت تأكُله الابِلُ وجمَع النصِىَّ على أنْصاءٍ ثم جمع أنْصاءً على أنَاصٍ وهذا ضَعيفٌ لأنه قال من جَزِيز الحَمْضِ والنصِىُّ ليس من الحَمْض فأما قولُهم أَبَاعِرُ فقد ذكر أبو على أنه من بابِ حَدِيثٍ وأحادِيثَ في الشُّذُوذ* ثم قال مرة* هو من باب أَيَادٍ وأَسَاقٍ كأنَّه بَعِير وأبْعِرة وهذا قولٌ حسَن فأما أَكَارِعُ فقد قيل إنه جَمْع أَكْرُع* وحكى سيبويه* أنه جمْعُ كُرَاع فهو اذًا من بابِ حَدِيثٍ وأَحَادِيثَ وليس من هذا البابِ وقد جعَل أبو عبيد في كتاب الأمثال قولَهم «أجْنَاؤُها أبْناؤُها» من شاذِّ الجمع* قال* هو جمعُ جانٍ وبانٍ

باب ما يُجْمَع من المذَكَّر بالتاء

لأنه يصِيرُ الى التأنيث اذا جُمِع

فمنه شئٌ لم يكَسَّر على بِناءِ من أبْنِية الجمع فجُمِع بالتاء اذ مُنِع ذلك* وذلك قولك سُرَادِقٌ وسُرَادِقَات وحَمَّام وحَمَّامَات وإيوانٌ وإيوَانَاتٌ ومنه قولهم جَمَلٌ سِجَلْ وجِمَال سِبَحْلاتٌ ورِبَحْلات وجِمَال سِبَطْراتٌ وقالوا جُوَالِقٌ ولم يقُولوا جُوَالِقات وقالوا عِيَرَات حين لم يُكَسِّروها على بِناءٍ يُكَسَّر عليه مثلُها فأما جُوَالِقٌ فلم يجمَعْ بالألف والتاء حنين قالوا جَوَالِيقُ والمؤنَّث الذى لا علامةَ فيه يَجْرِى هذا المَجْرَى كقولهم فِرْسِنٌ وفَرَاسِنُ ولم يقولوا فِرْسِناتٌ حِينَ قالوا فَرَاسِنُ وكذلك خِنْصِر وخَنَاصِرُ وقالوا سِجِلٌّ وسِجِلَّات* قال أبو على* انما يجمَع بالألفِ والتاء ما لم يكسَّرْ ليكونَ ذلك كالعِوَض من التكسير فأمَّا ما كُسِّر فلا حاجةَ بنا الى جَمْعه بالألف والتاءِ وقالوا أَهْل وأَهْلاتٌ وان كانوا قد قالوا أهَالٍ لأنهم قد توهَّمُوا به أهْلةً وأنشد سيبويه

فهُمْ أَهَلاتٌ حَوْلَ قَيْسِ بنِ عاصِمٍ

إذا أدْلَجُوا باللَّيْل يَدْعُونَ كَوْثَرَا

وهذا قَطْع أبِى على فأما قولُ غيره فقال قد يكَسَّر الشىءُ ويجْمَع بالألف والتاء كقولهم بُوَانٌ وبُوَاناتٌ وشِمَال وشِمَالاتٌ وكأنَّ هذا أسبقُ

١١٩

هذا بابُ ما هو اسمٌ يقَعُ على الجميع لم يُكَسَّر عليه واحدُه

ولكنَّه بمنزِلةِ قومٍ ونَفَر وذَوْد الا أن لَفْظه من لفْظ واحده

وذلك قولُك رَكْب وسَفْر فالرَّكْب لم يكَسَّر عليه راكِبٌ ألا تَرَى أنك تقولُ في التحقير رُكَيب وسُفَيْر واعلم أن هذا البابَ انما فيه الجمْعُ الذى هو من لَفْظ الواحدِ وليس بجمعٍ مكسَّر وانما هو اسمٌ للجمع كما أن قَوْما ونَفَرا وذَوْدا أسماءٌ للجمع وليست من لفْظ الواحدِ فَرَكْبٌ وسَفْر اسمٌ للجمْع كقَوْم ونَفَر الا أنَّه من لَفْظ الواحدِ هذا مَذْهب سيبويه وقال الاخفش رَكْبٌ وسَفْر وجميعُ ما يجمَع من فاعِل على فَعْل كقولِهم صاحِب وصَحْب وشارِب وشَرْب جَمْعٌ مكسَّرٌ فاذا صُغِرَ على مذهب الاخفش رُدّ الى الواحد فصُغِّر لفظُه ثم تَلْحقُه الواوُ والنُّونُ اذا كان لمذَكَّرِ ما يعقِل وان كان للمؤَنَّث أو لما لا يَعْقِل جمع بالألِف والتاءِ فتقول في تصغِيرِ رَكْبٍ رُوَيْكِبُون وفي سَفْر مُسَيْفِرُونَ لأنه يرُدُّه الى مُسافِر فيُصَغِّره ويجمَعُه وتقول في تصغِير زَوْر اذا كان جمع زائِر مذَكَّر زُوَيْئِرونَ وان كان للنّساء زُوَيْئِراتٌ وفي طَيْر وهى جمعُ طائِر على مذهب الأخفش طُوَيْئِرات* وقال الزجاج* مُحْتَجًّا لسيبويه في أن فَعْلا ليس بجمْعٍ مكسَّر إن الجمْعَ المكسَّر حقه أن يَزِيدَ على لفظِ الواحِد وهذا أخَفُّ أبْنِيَة الواحد فليس بجمْعٍ مكسَّر وانما هو اسمٌ للجمْع واسمُ الجمعِ يجرى مَجْرَى الواحد ولا يستَمِرُّ قياسُ هذا في الجُموع كلِّها لا يقال جالِسٌ وجَلْس ولا كاتِبٌ وكَتْب* قال سيبويه* وزعم الخليلُ أن مثلَ ذلك الكَمْأة وكذلك الجَبْأة ـ وهى ضَرْب من الكَمْأة ولم يكسَّر عليه كَمْ تقول كُمَيْئة يريد أن الكَمْأة جمعٌ للكَمْءِ لا على سبِيلِ التكسير وتصغيرُه كُمَيْئة ولو كان مُكَسَّرًا لواجَبِ أن يقال كُمَيْئات لأن كَمْاءً يصَغَّر كُمَئْ ثم يُزاد عليه الالف والتاء للجمع فيقال كُمَيْئات وهذا مما يُذكَر من نادِر الجمْع لأن الهاء تكونُ في الواحِد كتَمرة للواحد وتَمْر للجمع وبُسْرة وبُسْر وهذا كَمْء للواحد وكَمْأة للجمع وقال الشاعر فجمع كَماء على أكْمُؤ كما قيل كلْبٌ وأكْلُب

ولقد جَنَيْتك أَكْمُؤا وعَسَاقِلاً

ولقد نَهَيْتك عن بَنَاتِ الأوْبَرِ

١٢٠