تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

على الجنازة في كل ساعة لأنها ليست صلاة ركوع وسجود ، وإنما يكره عند طلوع الشمس وغروبها التي فيها الركوع والسجود » (١) ، ولأنها عبادة واجبة فلا يكره كاليومية ، ولأنها أدعية محضة فلا يكره كغيرها من الأدعية ، ولأنها ذات سبب فجاز فعلها في الوقت المنهي عنه ، كما يجوز بعد العصر ، وقال الأوزاعي : تكره في الأوقات الخمسة (٢).

وقال مالك ، والنخعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن عمر ، وعطاء ، وأصحاب الرأي : لا يجوز عند طلوع الشمس واصفرارها واستوائها (٣). لأن عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا ، وذكر هذه الساعات (٤) ، وهو محمول على النافلة ، أو على قصد ذلك الوقت بصلاة الجنازة.

مسألة ٢٢٤ : ولو حضرت جنازة وقت الفريضة تخير في تقديم أيهما شاء‌ ما لم يخف فوت إحداهما فتتعين لقول الباقر عليه‌السلام : « عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف فوت الفريضة » (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ابدأ بالمكتوبة قبل الصلاة على الميت إلاّ أن يكون الميت مبطونا أو نفساء » (٦) وإذا تعارض الخبران تخير المجتهد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٠ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢١ ـ ٩٩٨ ، الإستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٤.

(٢) المغني ٢ : ٤١٧ وفيه : تكره في الأوقات الثلاثة.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٩٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٣١٦ ، المغني ٢ : ٤١٦ ـ ٤١٧.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ـ ١٥١٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦٩ ـ ١٨١٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٤.

٨١

ولو قيل : الأولى أن يبدأ بالمكتوبة ما لم يخف على الجنازة كان وجها ـ وبه قال مجاهد ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة (١) ـ لشدة اهتمام الشارع بالمكتوبة.

وقال أحمد : يبدأ بالمكتوبة إلاّ الفجر والعصر ـ وبه قال ابن سيرين ـ لأن ما بعدهما وقت نهي عن الصلاة فيه (٢).

مسألة ٢٢٥ : ويستحب الصلاة في الأمكنة المعتادة‌ ، وإن صلي عليها في المساجد جاز ، والأولى تجنبه إلا بمكة إذ لا يؤمن من تلطخ المسجد بانفجاره. وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ( من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي‌ء له ) (٣).

ومن طريق الخاصة ما رواه أبو بكر بن عيسى بن أحمد العلوي قال : كنت في المسجد ، فجي‌ء بجنازة وأردت أن أصلي عليها ، فجاء أبو الحسن الأول عليه‌السلام فوضع مرفقه في صدري وجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ثم قال : « يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلى عليها في المسجد » (٤) وليس للتحريم لقول الصادق عليه‌السلام : « نعم » وقد سئل هل يصلى على الميت في المسجد؟ (٥).

وقال الشافعي : يجوز مطلقا ـ وبه قال أحمد (٦) ـ لأن عائشة روت أن‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٤١٦.

(٢) المغني ٢ : ٤١٦.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٥٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٦ ـ ١٠١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٣١.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٢ ـ ٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٢٩.

(٦) المجموع ٥ : ٢١٣ ، المغني ٢ : ٣٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٥٩ ، المحرر في الفقه ١ : ١٩٣.

٨٢

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على ابني بيضاء سهيل وأخيه في المسجد (١) ، ولأن كل صلاة جازت خارج المسجد لم تكره فيه كسائر الصلوات ، وقال أبو حنيفة ، ومالك : يكره في المسجد (٢) لما تقدم.

مسألة ٢٢٦ : لو فاته بعض الصلاة مع الإمام وأدركه بين تكبيرتين كبر ودخل معه‌ ولا ينتظر الإمام حتى يكبر معه ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنه أدرك الإمام وقد فاته بعض صلاته فيدخل ولا ينتظره كسائر الصلوات.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد ، والثوري ، وإسحاق : لا يكبر وينتظر تكبيرة (٤) ـ وعن مالك روايتان (٥) ـ لأن التكبيرات تجري مجرى الركعات لأنها تقضى بعد فراغ الإمام فإذا فاته بعضها لم يشتغل بقضائها كما إذا فاته ركعة مع الإمام. وينتقض بتكبير العيدين فإنه يقضيه عنده في حال الركوع ولا يجري مجرى الركعات ، وإلاّ لكان إذا حضر وكبّر الإمام قبل أن يكبر المأموم لا يكبر حتى يكبر اخرى.

فروع :

أ ـ من أوجب القراءة لو دخل والإمام في القراءة فكبر الإمام الثانية كبر‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٩ ـ ١٠١ ، سنن البيهقي ٤ : ٥١.

(٢) شرح فتح القدير ٢ : ٩٠ ، عمدة القارئ ٨ : ٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٥ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٣) الام ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٥ : ٢٤٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٨٣ ، الميزان ١ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٨ ، المغني ٢ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٥٢.

(٤) الحجة على أهل المدينة ١ : ٣٦٤ ، المغني ٢ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٥٢ ، المجموع ٥ : ٢٤٣ ، الميزان ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٨.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ١٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٥ : ٢٤٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٨٣ ، الميزان ١ : ٢٠٧ ، المغني ٢ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٥٢.

٨٣

معه عنده إن كان قد فرغ من القراءة وإلا ففي القطع أو الإتمام وجهان للشافعي يبنيان على المسبوق إذا ركع الإمام قبل إتمام القراءة ، وأصحهما عنده : أنه يتبعه ويقطع كذا هنا قال : إلا أن بعد الثانية محل القراءة باق لأنه إذا أدركه في الثانية قرأ المأموم بخلاف الركوع (١) ، ومقتضاه أن يأتي بالقراءة بعد الثانية.

ويمكن أن يقال : لا يأتي لأنه لما أدرك قراءة الإمام صار محل القراءة ما قبل الثانية في حقه فلا يأتي بها بعد الثانية ، وإن أدركه بعد الثانية كبر واشتغل بالقراءة والإمام مشغول بالصلاة على النبيّ.

وعندنا عوض القراءة الشهادتان ، فإذا كبر الثالثة كبر معه واشتغل بالصلاة والإمام مشغول بالدعاء للمؤمنين ، فإذا كبر الرابعة كبر معه واشتغل بدعاء المؤمنين ، والإمام مشغول بدعاء الميت ، فإن أدركه في الرابعة كبر ، فإذا كبر الخامسة عندنا ، وسلّم عند الشافعي (٢) دعا للميت وتمّم.

ب ـ لو أدرك بعض التكبيرات أتم الصلاة عندنا وقضى ما فات مع الإمام ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والنخعي ، والزهري ، وابن سيرين ، وقتادة ، ومالك ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي (٣) لقوله عليه‌السلام : ( ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عيص عن الرجل‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٨٣.

(٢) المجموع ٥ : ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٨١ ، المغني ٢ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٥١ ، المجموع ٥ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ـ ٦٠٢ ، الموطأ ١ : ٦٨ ـ ٦٩ ـ ٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ ـ ٧٧٥ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ ـ ٣٢٧ وفي الجميع ورد « فأتموا » بدل « فاقضوا ».

٨٤

يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة ، قال : « يتم ما بقي » (١) ولأنه دخل في فرض فوجب إكماله.

وقال ابن عمر ، والحسن البصري ، وأيوب السجستاني ، والأوزاعي : لا يقضي ـ وهو رواية عن أحمد (٢) ـ لأن عائشة قالت : يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفى عليّ بعض التكبير ، قال : ( ما سمعت فكبري ، وما فاتك فلا قضاء عليك ) (٣) ولأنها تكبيرات متوالية فإذا فاتت لم تقض ، كتكبيرات العيد.

ويحمل الحديث على الشك في البعض ، فأمرها بالتعويل على تكبير الإمام ، ويخالف تكبيرات العيد لأنها تجري مجرى أفعال الصلاة إذ لا يجوز الإخلال بها ، بخلاف تكبيرات العيد عنده.

ج ـ إن تمكن في القضاء من الأدعية فعل ، وإن خاف مسارعة رفعها تابع بالتكبير ولاء ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين في الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا » (٤).

د ـ لو رفعت الجنازة ولمّا يتم أتم وهي على أيدي الرجال ، ولو دفنت أتمّ على القبر لقول الباقر عليه‌السلام : « يتم التكبير وهو يمشي معها ، وإذا لم يدرك التكبير كبر على القبر ، وإن أدركهم وقد دفن كبر على القبر » (٥).

هـ ـ لو سبق المأموم الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الإمام ليدرك فضيلة الجماعة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٩ ـ ٤٦١ ، الإستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦١.

(٢) المغني ٢ : ٣٧٣.

(٣) المغني ٢ : ٣٧٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٢ ـ ٤٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٦٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٢ ، الإستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦٢.

٨٥

مسألة ٢٢٧ : لو حضرت جنازة في أثناء التكبير تخير‌ في الإتمام ثم يستأنف أخرى على الثانية ، وفي الاستئناف عليهما بعد إبطال ما كبّر ، لأن في كل واحدة منهما الصلاة عليهما.

وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه‌السلام عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها اخرى ، قال : « إن شاءوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة ، وإن شاءوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة ، كلّ ذلك لا بأس به » (١).

فروع :

أ ـ الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة.

ب ـ يجوز أن يصلى على كل طائفة صلاة واحدة.

ج ـ لو اختلف الوجه بأن جاء بعض من يستحب الصلاة عليه وقد دخل في الواجبة وجب الإكمال واستحبت الثانية ، ولو انعكس الحال جاز الإتمام والاستئناف.

د ـ لو خيف على الجنائز استحب الاستئناف كما يستحب الجمع ابتداء معه.

مسألة ٢٢٨ : ذهب علماؤنا أجمع إلى أن الإمام يقف خلف الجنازة وجوبا‌ ، ولا يجوز أن يتقدمها ويصلي والجنازة خلف ظهره ـ وهو أصح وجهي الشافعية (٢) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا فعل فيجب اتباعه (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٠ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٢٠.

(٢) المجموع ٥ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ١٦٣ ، الوجيز ١ : ٧٦.

(٣) انظر على سبيل المثال : سنن ابن ماجة ١ : ٤٧٩ ـ ١٤٩٣ و ١٤٩٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣.

٨٦

احتجوا على الآخر بجواز الصلاة على الغائب وإن كان خلف ظهر المصلي (١) ونمنع حكم الأصل ، ولو سلّم فللضرورة بخلاف صورة النزاع.

مسألة ٢٢٩ : قد بيّنا وجوب الصلاة على النبيّ وآله : في الثانية‌ ـ وللشافعي في الآل قولان (٢) ـ لأن الآل تجب الصلاة عليهم في التشهد فكذا هنا.

ويجب في النيّة التعرض للفرض ـ وهو أحد قولي الشافعية (٣) ـ لأن الفعل إنما يقع على الوجه المأمور به شرعا باعتبار القصد.

ولا يجب التعرض لكونه فرض كفاية ـ وهو أصح وجهي الشافعية (٤) ولا تعيين الميت باسم ، أو صفة ، غير الإشارة ومعرفته ، فلو عيّن فأخطأ احتمل بطلان الصلاة ـ وهو قول الشافعية (٥) ـ إذ لم يقصد الصلاة على هذا فلا يجزي ما فعله ، والصحة إذ التعيين ليس شرطا.

ولو زاد تكبيرة عمدا على العدد الواجب لم تبطل الصلاة لأن التسليم ليس واجبا ولا مستحبا هنا.

والشافعي حيث أوجب التسليم في البطلان عنده وجهان لأن الزيادة قد ثبتت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده (٦). ولأنها كالركعات.

ولو كبر مع الإمام ثم تخلف في التكبير اللاحق عمدا حتى كبر الإمام‌

__________________

(١) فتح العزيز ٥ : ١٦٣.

(٢) المجموع ٥ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ١٦٩ ، الوجيز ١ : ٧٦.

(٣) المجموع ٥ : ٢٣٠ ، السراج الوهاج : ١٠٦.

(٤) المجموع ٥ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ١٦٥ ، السراج الوهاج : ١٠٦.

(٥) المجموع ٥ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ١٦٥ ، السراج الوهاج : ١٠٦.

(٦) المجموع ٥ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ١٦٥ ـ ١٦٦.

٨٧

باقي الفائت فالوجه عدم البطلان ، ويأتي بها المأموم بعد الفراغ ، وعند الشافعي تبطل (١) لأن الاقتداء في هذه الصلاة لا يظهر إلا في التكبيرات ، وهذا تخلف فاحش.

المطلب الخامس : في الدفن.

مسألة ٢٣٠ : أجمع علماء الإسلام على وجوب دفن المسلم على الكفاية‌ ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر به وفعله بكل ميّت (٢) ، ويجب دفنه في حفرة تحرسه عن السباع ، وتكتم رائحته عن الناس.

ويجب عندنا إضجاعه على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفن كذلك ، وهو عمل الصحابة والتابعين (٣).

وأوجب الشافعي الاستقبال دون الإضجاع على الأيمن بل جعله مستحبا (٤) ، وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب اتباعه ، وقال عليه‌السلام : ( إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه ) (٥).

مسألة ٢٣١ : ويستحب تعميق القبر قدر قامة أو إلى الترقوة‌ عند علمائنا أجمع إذ قصد الدفن يحصل به فالزيادة تكلف ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « حد القبر إلى الترقوة » (٦).

وقال الشافعي : يعمق قدر قامة وبسطة ، وقدر ذلك أربعة أذرع‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٢٤٢.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ـ ٣٢١٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٥ ـ ١٥٥٢.

(٤) الام ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٥ : ٢٩٣ ، فتح العزيز ٥ : ٢١٦ ـ ٢١٨.

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٣٢ نحوه.

(٦) الكافي ٣ : ١٦٥ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٨ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ـ ١٤٦٩.

٨٨

ونصف ، وهو رواية عن أحمد (١) لأن النبيّ عليه‌السلام قال : ( احفروا وأوسعوا وعمقوا ) (٢) وقال عمر : عمقوا قبري قامة ، وبسطة (٣).

والحديث لا دلالة فيه على دعواه ، وقول عمر لا حجة فيه.

وقال مالك : لا حدّ فيه بل يحفر حتى يغيب عن الناس (٤).

وقال عمر بن عبد العزيز : يحفر إلى السرة ولا يعمق لأن ما على وجه الأرض أفضل مما سفل منها (٥) ، وعن أحمد : إلى الصدر ، وبه قال الحسن البصري ، وابن سيرين (٦).

والوجه ما قدمناه لأن الصادق عليه‌السلام قال : « إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع » (٧) ولا خلاف في أن ذلك كله مستحب.

مسألة ٢٣٢ : ويستحب أن يجعل له لحد‌ ، ومعناه : أنه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت ، وهو أفضل من الشق ومعناه : أن يحفر في قعر القبر شقا شبه النهر يضع الميت فيه ويسقف عليه بشي‌ء ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال الشافعي ، وأكثر‌

__________________

(١) الام ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٥ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٥ : ٢٠١ ، الوجيز ١ : ٧٧ ، فتح الوهاب ١ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧٩.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٧ ـ ١٥٦٠ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ـ ٣٢١٦.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٣٢٦.

(٤) المنتقى ٢ : ٢٢ المجموع ٥ : ٢٨٨.

(٥) المجموع ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

(٦) الشرح الكبير ٢ : ٣٧٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٦٦ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ـ ١٤٦٦.

٨٩

أهل العلم (١) ـ لقول ابن عباس : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( اللحد لنا والشق لغيرنا ) (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحد له أبو طلحة الأنصاري » (٣) وقال أبو حنيفة : الشق أفضل بكل حال (٤).

فروع :

أ ـ لو كانت الأرض رخوة يخاف من اللحد فالشق أولى ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ وقال بعض علمائنا : يعمل له شبه اللحد من بناء ، تحصيلا للفضيلة (٦).

ب ـ يستحب أن يكون اللحد واسعا قدر ما يتمكن فيه الجالس من الجلوس لقوله عليه‌السلام : ( وأوسعوا ) (٧) ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « وأما اللحد فقدر ما يتمكن فيه من الجلوس » (٨).

ج ـ يستحب أن يضع تحت رأس الميت لبنة أو شيئا مرتفعا كما يصنع‌

__________________

(١) الام ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٥ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٥ : ٢٠٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٣١٨ ، كشاف القناع ٢ : ١٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٨١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٦ ـ ١٥٥٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٣ ـ ١٠٤٥ ، سنن النسائي ٤ : ٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٣ ـ ٣٢٠٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٦ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ـ ١٤٦٧.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٢٠٢.

(٥) الام ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٥ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٥ : ٢٠٢.

(٦) قاله المحقق في المعتبر : ٨٠.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٧ ـ ١٥٥٩ و ١٥٦٠ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ـ ٣٢١٥.

(٨) الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨ ـ ٤٩٨.

٩٠

بالحي ، ويدنى من الحائط لئلا ينكب ويسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب.

قال الصادق عليه‌السلام : « يجعل للميت وسادة من تراب ، ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي » (١).

د ـ لا ينبغي جعل مضربة ولا مخدة في القبر لما فيه من إتلاف المال ، وعدم ورود النص به ، وقد نقل أنه جعل في قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطيفة حمراء (٢).

مسألة ٢٣٣ : ويستحب وضع الجنازة على الأرض عند الوصول إلى القبر‌ ، وإنزاله إليه في ثلاث دفعات ولا يفدحه بالقبر دفعة واحدة ، لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره » (٣).

ويجعل الميت عند رجل القبر إن كان رجلا ، ويسلّ من قبل رأسه ، ويبدأ برأسه كما خرج إلى الدنيا ، وقدامه مما يلي القبلة إن كان امرأة وتؤخذ عرضا عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي مطلقا ، وأحمد ، والنخعي ، والشعبي (٤) لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سل من قبل رأسه سلا (٥).

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن عطية مرسلا ، قال : « إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه ، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٨ ـ ٥٠٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٥ ـ ٦٦٦ ـ ٩٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٥ ـ ١٠٤٨ ، سنن النسائي ٤ : ٨١ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣١٣ ـ ٩٠٨.

(٤) المجموع ٥ : ٢٩٤ ، المغني ٢ : ٣٧٤ ، كشاف القناع ٢ : ١٣١ ، بدائع الصنائع ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٥٤.

٩١

حتى يأخذ أهبته (١) ، ثم ضعه في لحده » (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن لكل بيت بابا ، وباب القبر من قبل الرجلين ) (٣).

وقال أبو حنيفة : توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة ، ثم يدخل القبر معترضا لأنه مروي عن علي عليه‌السلام (٤).

وهو ممنوع ، إذ أهل البيت عليهم‌السلام أعرف بمذهب أبيهم ، وقد قال الصادق عليه‌السلام : « إذا أدخل الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلاّ ، والمرأة تؤخذ عرضا » (٥).

مسألة ٢٣٤ : وينبغي أن ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره به‌ في الرجل ، لطلب الحظّ للميت والرفق به ، ولقول علي عليه‌السلام : « إنما يلي الرجل أهله » (٦) والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحّده علي عليه‌السلام ، والعباس ، وأسامة (٧).

ولا بأس أن يكون شفعا أو وترا ، والأصل فيه حاجتهم والأسهل في أمره لأن زرارة سأل الصادق عليه‌السلام عن القبر كم يدخله؟ قال : « ذلك إلى الولي إن شاء أدخل وترا ، وإن شاء شفعا » (٨).

__________________

(١) تأهّب : استعدّ. وأهبة الحرب : عدّتها. الصحاح ١ : ٨٩ « أهب ».

(٢) التهذيب ١ : ٣١٢ ـ ٩٠٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٣ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٦ ـ ٩١٨.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٣١٨ ، المجموع ٥ : ٢٩٤ ، المغني ٢ : ٣٧٤ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٢٥ ـ ٥٩٠.

(٦) الكافي ٣ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ـ ٩٤٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٥٣.

(٧) المجموع ٥ : ٢٨٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٥٣.

(٨) الكافي ٣ : ١٩٣ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٣١٤ ـ ٩١٤.

٩٢

وقال الشافعي : يستحب الوتر ثلاثا أو خمسا (١) ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخله العباس ، وعلي عليه‌السلام ، واختلف في الثالث ، فقيل : الفضل بن العباس ، وقيل : أسامة بن زيد (٢) ، وهو اتفاقي.

ويكره أن ينزل ذو الرحم لأنه يقسي القلب ، بل يوليه غيره.

أما المرأة فالإجماع على أولوية إدخال ذي الرحم قبرها ، لأنها عورة ، قال الصادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مضت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حياتها » (٣).

والزوج أولى من كل أحد ـ خلافا لأحمد ـ فإن لم يكن أحد من ذوي أرحامها ولا زوجها فالنساء ، فإن تعذر فالأجانب الصلحاء ، وإن كانوا مشايخ فهم أولى ، وجعلهم أحمد أولى من النساء (٤).

مسألة ٢٣٥ : يستحب لمن ينزل إلى القبر حل أزراره ، والتحفّي ، وكشف رأسه‌ ، قال الصادق عليه‌السلام : « لا تنزل إلى القبر وعليك عمامة ، ولا قلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحل أزرارك » قلت : فالخف؟ قال : « لا بأس » (٥) قال الشيخ : ويجوز أن ينزل بالخفين عند الضرورة والتقية (٦).

ويستحب أن يكون متطهرا ، قال الصادق عليه‌السلام : « توضأ إذا‌

__________________

(١) الام ١ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) المجموع ٥ : ٢٨٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٥٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٣ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ـ ٩٤٨.

(٤) المغني ٢ : ٣٧٨.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٢ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٣ ـ ٣١٤ ـ ٩١١ ، الإستبصار ١ : ٢١٣ ـ ٧٥١.

(٦) النهاية : ٣٧ ـ ٣٨.

٩٣

أدخلت الميت القبر » (١) ويستحب الدعاء عند معاينة القبر ، فيقول : ( اللهم اجعلها روضة من رياض الجنّة ، ولا تجعلها حفرة من حفر النار ) فإذا تناوله قال : ( بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، اللهم زدنا إيمانا وتسليما ).

وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إذا وضعته في لحده فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا ، وأنت أعلم به ، فإذا وضعت اللبن فقل : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك ، فإذا خرجت من قبره فقل : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) والحمد لله ربّ العالمين ، اللهم ارفع درجته في أعلا عليين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا رب العالمين » (٢).

مسألة ٢٣٦ : ويحل عقد كفنه من قبل رأسه ورجليه‌ لأن عقدها كان لخوف انتشارها وقد أمن ذلك ، ولما أدخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعيم بن مسعود الأشجعي (٣) القبر نزع الأخلة بفيه (٤) ، ولا يشق الكفن لأنه إتلاف مستغنى عنه ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٢١ ـ ٩٣٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٦ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٣١٦ ـ ٩٢٠.

(٣) نعيم بن مسعود بن عامر .. الغطفاني الأشجعي : أسلم زمن الخندق وهو الذي خذل الأحزاب ثم سكن المدينة ومات في خلافة عثمان ، وقيل : بل قتل في الجمل الأول قبل قدوم عليّ البصرة. راجع تهذيب التهذيب ١٠ : ٤١٥ ـ ٨٤١ وأسد الغابة ٥ : ٣٣.

وعلى هذا فان بين متن الحديث وكتب التراجم تضاد ، وقال أبو داود في المراسيل ص ١٧٨ : ان هذا الاسم خطأ.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٣٢٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٧ ، مراسيل أبي داود : ١٧٨ ـ ٣٧٩.

٩٤

وقد أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحسن الكفن (١) وتخريقه يذهب حسنه ، ثم يضع خده على التراب ، ويستحب أن يضع معه شيئا من تربة الحسين عليه‌السلام للأمن والستر ، فقد روي أن امرأة كانت تزني ، وتحرق أولادها خوفا من أهلها ، فلما ماتت دفنت ، فقذفتها الأرض ، ودفنت ثانيا ، وثالثا ، فجرى ذلك ، فسألت أمها الصادق عليه‌السلام عن ذلك وأخبرته بحالها ، فقال : « إنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شيئا. من تربة الحسين عليه‌السلام » ففعل فاستقرت (٢).

مسألة ٢٣٧ : إذا طرحه في اللحد لقنه الولي أو من يأمره‌ وهو التلقين الثاني ، قال الصادق عليه‌السلام : « إذا وضعته في اللحد فضع فمك على اذنه وقل : الله ربّك ، والإسلام دينك ، ومحمد نبيك ، والقرآن كتابك ، وعلي إمامك » (٣) وقال الصادق عليه‌السلام : « تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحركه تحريكا شديدا ، ثم تقول : يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل : الله ربّي ، ومحمد نبيّي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، وعلي إمامي حتى تستوفي الأئمة » (٤).

ثم تعيد القول ، ثم تشرج اللحد باللبن والطين ، قال الصادق عليه‌السلام : « وتضع الطين واللبن ، ثم تخرج من قبل الرجلين » (٥) لما تقدم من أنه باب القبر ، وقال الباقر عليه‌السلام : « من دخل القبر فلا يخرج منه إلا‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٥١ ـ ٩٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٧٣ ـ ١٤٧٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٨ ـ ٣١٤٨ ، سنن النسائي ٤ : ٣٣.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٤٦١.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٨ ـ ٩٢٤ ، و ٤٥٦ ـ ١٤٨٩.

(٤) التهذيب ١ : ٤٥٧ ـ ١٤٩٢.

(٥) التهذيب ١ : ٤٥٧ ـ ١٤٩٢.

٩٥

من قبل الرجلين » (١).

مسألة ٢٣٨ : ثم يهيل التراب عليه وكذا الحاضرون بظهور الأكف مسترجعين‌ ، لأن الكاظم عليه‌السلام حثا التراب على القبر بظهر كفه (٢) ، وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا حثوت التراب على الميت فقل : اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من حثا على ميت وقال هذا القول أعطاه الله بكل ذرّة حسنة » (٣).

ويكره أن يهيل ذو الرحم على رحمه لأن بعض أصحاب الصادق عليه‌السلام مات له ولد ، فحضره الصادق عليه‌السلام ، فلما الحد ، تقدم أبوه فطرح عليه التراب ، فأخذ الصادق عليه‌السلام بكفيه ، وقال : « لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب » فقلنا : يا بن رسول الله أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : « أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام ، فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربّه » (٤).

مسألة ٢٣٩ : ثم يطم القبر ولا يطرح فيه من غير ترابه‌ إجماعا لأن النبيّ عليه‌السلام نهى أن يزاد في القبر على حفيرته ، وقال : ( لا يجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه ) (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١٦ ـ ٩١٧ ، الكافي ٣ : ١٩٣ ـ ٤ وفيه عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٢) التهذيب ١ : ٣١٨ ـ ٩٢٥.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٨ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ـ ٩٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٩ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ـ ٩٢٨ ، علل الشرائع : ٣٠٤ باب ٢٤٧.

(٥) سنن البيهقي ٣ : ٤١٠.

٩٦

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا تطينوا القبر من غير طينه » (٢).

ويستحب أن يرفع مقدار أربع أصابع لا أزيد ليعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه ، ورفع قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدر شبر (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : ( لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) (٤).

ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « ويلزق الأرض بالقبر إلا قدر أربع أصابع مفرجات » (٥).

مسألة ٢٤٠ : ثم يربع القبر مسطحا ، ويكره التسنيم‌ ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم (٧). وقال القاسم بن محمد : رأيت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبر أبي بكر ، وعمر مسطحة (٨).

ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٢ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ـ ١٥٠٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠١ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ـ ١٤٩٩.

(٣) فتح العزيز ٥ : ٢٢٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٤١٠ ـ ٤١١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٦ ـ ٩٦٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٥ ـ ٣٢١٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٦ ـ ١٠٤٩.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٥ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٥ ـ ٩١٦ و ٤٥٨ ـ ١٤٩٤ ، وفيهما : ويلزق القبر بالأرض.

(٦) الام ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٥ : ٢٩٧ ، فتح العزيز ٥ : ٢٢٩ ، المغني ٢ : ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٧) فتح العزيز ٥ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ٣٨١.

(٨) سنن أبي داود ٣ : ٢١٥ ـ ٣٢٢٠ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٦٩ نحوه.

٩٧

« وربع قبره » (١) ولأن قبور المهاجرين والأنصار بالمدينة ، مسطحة ، وهو يدل على أنه السّنة ، وأنه أمر متعارف.

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والثوري ، وأحمد ، السنة التسنيم (٢) ، لأن إبراهيم النخعي قال : أخبرني من رأى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصاحبيه مسنمة (٣) ، وهو مرسل فلا عبرة به.

مسألة ٢٤١ : ثم يصب الماء عليه من أربع جوانبه‌ ، مبتدئا بالرأس دورا ، فإن فضل من الماء شي‌ء صبّه على وسط القبر.

قال الصادق عليه‌السلام : « السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة ويبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل ، يدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر » (٤).

ويستحب أن يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين ، قال الباقر عليه‌السلام : « إذا حثي عليه التراب وسوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك واغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء » (٥) وقال الباقر عليه‌السلام بعد أن وضع كفه على القبر : « اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، واصعد إليك روحه ، ولقه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك » ثم مضى (٦).

مسألة ٢٤٢ : ثم يلقنه ـ بعد انصراف الناس عنه ـ وليّه‌ مستقبلا للقبر والقبلة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٥ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥٨ ـ ١٤٩٤.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٩٤ ، اللباب ١ : ١٣٢ ، المنتقى للباجي ٢ : ٢٢ ، المغني ٢ : ٣٨٠ ، المجموع ٥ : ٢٩٧ ، فتح العزيز ٥ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٣) شرح فتح القدير ٢ : ١٠١ ، الكفاية ٢ : ١٠١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٢٠ ـ ٩٣١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٥٧ ـ ١٤٩٠.

(٦) الكافي ٣ : ١٩٨ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ـ ٩٢٧.

٩٨

وهو التلقين الثالث ، ذهب إليه علماؤنا ـ خلافا للجمهور (١) لما رووه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل : يا فلان بن فلان فإنه يسمع ولا يجيب ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة الثانية ، فيستوي قاعدا ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يقول : أرشدنا يرحمك الله ، ولكن لا تسمعون ، فيقول : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنك رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيّا ، وبالقرآن إماما ، فإن منكرا ونكيرا ( يتأخر كل واحد منهما ) (٢) فيقول : انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ، ويكون الله تعالى حجته (٣) دونهما ) فقال : يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمّه؟ قال : ( فلينسبه الى حوّاء ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « ما على أهل الميت منكم أن يدرؤا عن ميتهم لقاء منكر ونكير » قلت : كيف يصنع؟ قال : « إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به ، فليضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلى صوته يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه [ من ] (٥) شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عليا أمير المؤمنين ، وأن ما جاء به محمد حقّ ، وأن الموت والبعث حق ، وأن الله يبعث من في القبور » قال : « فيقول منكر لنكير (٦) : انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته » (٧) قال الشيخ : ويسمي الأئمة عليهم‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٣٨١.

(٢) في المصدر هكذا : يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه.

(٣) وفي المصدر : حجيجه.

(٤) مجمع الزوائد ٢ : ٣٢٤ نقلا عن الطبراني.

(٥) الزيادة من المصدر.

(٦) في الأصلين : ونكير. وما أثبتناه من المصدر.

(٧) الكافي ٣ : ٢٠١ ـ ١١ ، الفقيه ١ : ١٠٩ ـ ٥٠١ ، التهذيب ١ : ٣٢١ ـ ٩٣٥.

٩٩

السلام واحدا واحدا (١) لأنه موضع الحاجة.

مسألة ٢٤٣ : ينبغي تعليم القبر بحجر أو خشبة‌ ليعرفه أهله فيترحمون عليه لأن النبيّ عليه‌السلام ، لما مات عثمان بن مظعون واخرج بجنازته فدفن ، أمر عليه‌السلام رجلا أن يأتيه بحجر ، فلم يستطع حمله ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال : ( أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهله ) (٢).

ومن طريق الخاصة ، رواية يونس بن يعقوب قال : لما رجع الكاظم عليه‌السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت بنت له بفيد (٣) ، فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ، ويجعله في القبر (٤).

المطلب السادس : في اللواحق.

مسألة ٢٤٤ : الدفن في مقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيوت‌ لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته ، وأشبه بمساكن الآخرة ، وأكثر للدعاء له والترحم عليه ، ولم تزل الصحابة ، والتابعون ، ومن بعدهم يقبرون في الصحاري ، واختاره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه وكان يدفنهم بالبقيع (٥) ودفن النبيّ عليه‌السلام في بيته (٦) لأنه فعل أصحابه ، وفعله عليه‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٧.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٢١٢ ـ ٣٢٠٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٤١٢.

(٣) الفيد : منزل بطريق مكة ، ويقال : بليدة بنجد على طريق الحاج العراقي. انظر مجمع البحرين ٣ : ١٢٣ ، ومعجم البلدان ٤ : ٢٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٢ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠١ ، الإستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٨.

(٥) المغني ٢ : ٣٨٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٢٨ ، الموطأ ١ : ٢٣٢ ـ ٣٠.

١٠٠