تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

فإن كان الشدّ في موضع نجس صحت صلاته عندنا على ما تقدم ، خلافا للشافعي ، وإن كان في طاهر فله قولان (١).

ج ـ لو صلّى وفي كمه قارورة مضمومة فيها نجاسة لم تصح صلاته ، لأنه حامل للنجاسة. وقال ابن أبي هريرة من الشافعية : تصح إذا كانت مضمومة بالرصاص ، لأنّه يجري مجرى باطن الحيوان (٢).

وهو غلط ، لأن تلك نجاسة في معدنها ، وهذه في غير معدنها.

ط ـ لو صلّى وفي كمه حيوان طاهر غير مأكول اللحم صحت صلاته ، لأن باطن الحيوان معفوّ عنه ، فإن المصلّي في باطنه نجاسة ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأن الحسن والحسين عليهما‌السلام ركبا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساجد (٤).

ولو كان نجسا كالكلب والخنزير لم تصح صلاته.

ولو حمل حيوانا مذبوحا وقد غسل موضع الدم منه ، فإن كان مأكول اللحم صحّت صلاته ـ خلافا للشافعي (٥) ـ وإن كان غير مأكول لم تصح ، لأن باطن الحيوان لا حكم له إذا كان حيا فإذا زالت الحياة صار حكم الظاهر والباطن سواء ، وجرى مجرى القارورة.

مسألة ١٢٧ : كلّ ما لا تتم الصلاة فيه منفردا‌ كالتكة ، والجورب ، والقلنسوة ، والخف ، والنعل تجوز الصلاة فيه وإن كان نجسا ، ذهب إليه‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨.

(٢) المجموع ٣ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤١.

(٣) المجموع ٣ : ١٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨.

(٤) مستدرك الصحيحين ٣ : ١٦٥ ـ ١٦٦ و ١٦٧ و ٦٢٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٦٣ ، أسد الغابة ٢ : ٣٨٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٥ و ١٨١ و ١٨٢.

(٥) المجموع ٣ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤١ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٢.

٤٨١

علماؤنا عملا بالأصل. ولقول الصادق عليه‌السلام : « كلّ ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة ، والتكة ، والخفين وما أشبه ذلك » (١).

وخالف الجمهور في ذلك ، لأنه حامل نجاسة ، والجواب المنع من الفساد مطلقا ، فإنّ الحاجة قد تدعو الى هذه الأشياء فوجب العفو عنها.

فروع :

أ ـ خصّ بعض علمائنا هذه الأشياء الخمسة بالرخصة (٢) ، والوجه : العموم فيها وفيما شابهها كالسوار ، والخاتم ، وشبهه.

ب ـ لو كان الخاتم ، أو أحد هذه ، وشبهها نجسا وصلّى في المسجد لم تصح صلاته للنهي عن الكون في المسجد بنجاسة ، وكذا لو كانت النجاسة معفوا عنها في الثوب كالدم اليسير.

ولو كانت النجاسة خارجة عن ثوبه وبدنه ، بل في نفس المسجد ، أمكن بطلان الصلاة في أول وقتها مع تمكنه من إزالتها.

ج ـ الأقرب أنّ العفو عن هذه الأشياء إنّما هو إذا كانت في محالّها فلو كانت القلنسوة في يده فالوجه : المنع.

د ـ ألحق ابن بابويه العمامة بها (٣) ، ويحمل على عمامة صغيرة ليست ساترة للعورة بانفرادها.

مسألة ١٢٨ : لو نجس أحد الثوبين واشتبه طرحهما وصلّى في غيرهما‌ ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٥ ـ ٨١٠.

(٢) هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٣) الفقيه ١ : ٤٢ ذيل الحديث ١٦٧.

٤٨٢

لأن المشتبه بالنجس كالنجس في وجوب الامتناع منه ، لعدم العلم بالشرط الذي هو الطهارة فيه.

ولو لم يجد غيرهما لعلمائنا قولان : النزع وأن يصلّي عريانا (١) ـ وبه قال أبو ثور ، والمزني (٢) ـ كالأواني النجسة.

قال ابن إدريس : لا يجوز له أن يشرع في صلاة يشك في صحتها ، والعلم بأنّه صلّى في ثوب طاهر بعد صلاته فيهما غير نافع ، لأنّ الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون متأخرا عنه (٣).

وليس بجيّد ، فإن الفرق واقع بين الثياب والأواني لعدم تمكنه من استعمالها ، وينجس به في الحال وفيما بعد ، والثوب النجس قد تباح الصلاة فيه إذا لم يجد غيره ، بخلاف الماء النجس ، والشك ممنوع فإن ستر العورة شرط وهو متمكن منه بفعل صلاتين فتجبان معا ، وليس اليقين بالطهارة شرطا ، بل عدم العلم بالنجاسة ، وهو حاصل في الثوبين.

والوجه لو سلّم مقارنته فإنه مقارن هنا ، لأنّ المقتضي لوجوبهما تحصيل ستر العورة ، كما أنّ المأمور بالصلاة يجب عليه الوضوء لتوقفها عليه ، وإن كانت الصلاة متأخرة لأنه ليس وجه وجوب الوضوء الصلاة بل التمكن منها ، وكونها لا تتم إلاّ به.

الثاني : أن يصلّي في كلّ ثوب بعدد النجس ويزيد واحدة (٤) وهو الأقوى

__________________

(١) قال به ابن إدريس في السرائر : ٣٧ ، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : ٢٤.

(٢) المغني ١ : ٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢.

(٣) السرائر : ٣٧.

(٤) قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٩٠ ـ ٩١ ، والخلاف ١ : ٤٨١ المسألة ٢٢٤ ، والنهاية : ٥٥ ، والمحقق في المعتبر : ١٢١.

٤٨٣

عندي ـ وبه قال أحمد ، وابن الماجشون (١) ـ لأنه تمكن من أداء الصلاة في ثوب طاهر بيقين فيجب ، كما لو اشتبه الطهور بالطاهر ، وكما لو نسي صلاة من يوم.

ولما رواه صفوان بن يحيى قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في رجل معه ثوبان أصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : « يصلّي فيهما جميعا » (٢).

وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يتحرى فيهما كالقبلة (٣).

والفرق مشقة اعتبار اليقين في القبلة لكثرة الاشتباه فيها ، ولأنّ الاشتباه في الثوبين حصل بالتفريط لأنه كان يمكنه تعليم النجس أو غسله ، ولا يمكنه ذلك في القبلة ، ولأنّ القبلة عليها أدلة من النجوم ، والشمس ، والقمر ، وغيرها فيصح الاجتهاد في طلبها ويقوى دليل الإصابة لها بحيث لا يبقى احتمال الخطأ إلاّ وهما ضعيفا بخلاف الثياب.

فروع :

أ ـ لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين صلّى في المتيقن ، لأنّ وجه الوجوب وهو التمكن من الصلاة في ثوب طاهر موجود في الثوب فيتعين.

ب ـ لو لم يعلم عدد النجس صلّى فيما يتيقن أنه صلّى في ثوب طاهر ، فإن كثر ذلك وشق فالوجه : التحري دفعا للمشقة.

__________________

(١) المغني ١ : ٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٣٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٦١ ـ ٧٥٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٧.

(٣) المجموع ٣ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢١ ، مختصر المزني : ١٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٨٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢.

٤٨٤

ج ـ لو ضاق الوقت عن الصلاة في الجميع صلّى فيما يحتمله الوقت وإن كانت واحدة ، ويتخير في الساقطة والمأتي بها إذا لم يتغلب عنده النجس.

د ـ لو أداه اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فإن كان لأمارة فالوجه : لزوم الصلاة فيه مع ضيق الوقت ، ويحتمل مع اتساعه تعدد الصلاة.

والشافعي جوّز التحري فأوجب الصلاة فيه مطلقا ولا إعادة عليه ، فلو غسل الثوب الآخر فصلّى فيه صحت صلاته (١).

ولو جمع بين المغسول والطاهر بالتحري والاجتهاد ، ثم صلّى فيهما لم تصح عندنا ، لأنّ المشتبه بالنجس كالمتيقن نجاسته في المنع.

واختلفت الشافعية ، فقال بعضهم : لا تصح ، لأنه قد تيقن حصول النجاسة ولم يتيقن زوالها لأنّ الذي غسله يحتمل أن يكون هو الطاهر.

وقال آخرون : تصح ، لأن المغسول طاهر قطعا ، والآخر طاهر اجتهادا ، فيجري مجرى اليقين ، ولهذا يصح أن يصلّي فيه (٢). وهو ممنوع.

هـ ـ لو لم يغلب على ظنّه طهارة أحد الثوبين صلّى في كلّ منهما منفردا على ما اخترناه ، وعريانا على قول بعض علمائنا (٣). وبه قال الشافعي ، لكنه أوجب الإعادة خلافا لنا ، لأنّ معه ثوبا طاهرا بيقين ، قال : ولا يجوز أن يصلّي في كل منهما لأنّه يؤدي الى أن يصلّي بنجاسة متيقنة وهو حرام (٤).

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٨ ـ ١٩.

(٢) المجموع ٣ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠ ـ ٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨.

(٣) السرائر : ٣٧.

(٤) المجموع ٣ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢١ و ١٠٤.

٤٨٥

ونحن لا نوجب الإعادة لو قلنا بنزعهما ، لأنّه فعل المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة.

وتحريم الصلاة في الثوب النجس لا يستلزم تحريمها في المشتبه لاستدراك مصلحة الصلاة في الثوب الطاهر.

و ـ لو اشتبه الثوبان ـ ولا ظنّ ـ ومعه من الماء ما يغسل أحدهما ، لزمه عندنا تحصيلا ليقين الطهارة. وهو أظهر مذهبي الشافعي ، وفي الآخر : لا يجب ، لأن الثوب الذي يريد غسله لا يعلم نجاسته ، ولا يمكن أن يؤمر بغسل ما لا يعلم نجاسته (١). والثانية ممنوعة.

ز ـ لو اشتبه الثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين لم يجز له الاجتهاد عندنا ، ويصلّي في الطاهر ، وهو ظاهر. وللشافعي وجهان (٢). وكذا لو قدر على غسل أحدهما منع من الاجتهاد. وللشافعي وجهان (٣).

ح ـ لو تلف أحد الثوبين لم يجتهد عندنا ، وهو ظاهر على مذهبنا.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، إذ المقصود من الاجتهاد معرفة الطاهر من النجس بالتمييز بينهما وقد تعذر ، وثبوته لتمكنه من التوصل إلى معرفة صفة الباقي من طهارة أو نجاسة بأمارات تدله عليه (٤).

إذا ثبت المنع من الاجتهاد فما ذا يصنع؟ يحتمل وجهان : الصلاة فيه وإعادتها عريانا ، لأنه إن كان طاهرا حصل بالصلاة فيه‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢١.

(٢) المجموع ٣ : ١٤٤.

(٣) المجموع ٣ : ١٤٤.

(٤) المجموع ٣ : ١٤٦.

٤٨٦

الصلاة في ثوب طاهر ، وهو المأمور به فيخرج عن العهدة ، وإن كان نجسا أجزأته الصلاة عاريا.

والصلاة عاريا خاصة ، لأصالة البراءة السالم عن معارضة اليقين بالصلاة في ثوب طاهر مع التعذر بخلاف الثوبين ، وكذا لو انصب أحد المشتبهين بالمضاف احتمل استعمال الآخر مع التيمم ، والاكتفاء بالتيمم.

ط ـ لو غسل أحدهما من غير اجتهاد تعين عليه الصلاة فيه ، وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني : له أن يصلّي في الآخر (١).

ي ـ لو خفي موضع النجاسة من الثوب الواحد غسل الثوب كلّه ولم يجز التحري ، وهو مذهب الشافعي أيضا (٢) خلافا له في الثوبين.

مسألة ١٢٩ : يجوز أن يصلّي في ثوب عمله المشرك‌ إذا لم يعلم مباشرته له برطوبة ، لأصالة الطهارة.

ولأنّ المعلى بن خنيس سمع الصادق عليه‌السلام يقول : « لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس ، والنصارى ، واليهود » (٣).

وقال معاوية بن عمار سألت الصادق عليه‌السلام عن الثياب السابرية (٤) يعملها المجوس وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ، ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ، ولا أغسلها ، وأصلّي فيها؟ قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٦.

(٢) المجموع ٣ : ١٤٣ ، مختصر المزني : ١٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٧٦٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٦.

(٤) الثياب السابرية : وهو ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور وهو موضع بفارس. مجمع البحرين ٣ : ٣٢٢ « سبر ».

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٧.

٤٨٧

وسأله عليه‌السلام عبيد الله الحلبي عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال : « يرش بالماء » (١).

ووجه الجمع حمل الثاني على الاستحباب ، أو على علم المباشرة بالرطوبة ، أو الظن ، والشيخ منع في المبسوط من ذلك (٢) ، وهو حسن ، لغلبة الظن بالمباشرة بالرطوبة.

فروع :

أ ـ يستحب غسل هذه الثياب إذا لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة ، فإن علم أو ظن وجب.

ب ـ تجوز الصلاة في ثياب الصبيان ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي وهو حامل لامامة بنت أبي العاص (٣).

ج ـ يجوز أن يصلّي في ثوب الحائض ، لأصالة الطهارة ، وقال عليه‌السلام لعائشة : ( ناوليني الخمرة ) فقالت : إني حائض ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ليس حيضتك في يدك ) (٤).

د ـ يجوز أن يصلّي في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم يعلم فيه نجاسة لطهارته.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٨٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٣٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨٥ ـ ٥٤٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٠ ، الموطأ ١ ١٧٠ ـ ٨١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ـ ٩١٧ ـ ٩٢٠.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٢٤٥ ـ ٢٩٨ و ٢٩٩ ، سنن النسائي ١ : ١٤٦ و ١٩٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٤١ ـ ١٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٧ ـ ٦٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٦٨ ـ ٢٦١ ، سنن الدارمي ١ : ٢٤٨ ، مسند أحمد ٢ : ٧٠ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٩ ، المنتقى لابن الجارود : ٥١ ـ ١٠٢ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٤١ ، مسند الطيالسي : ٢٠٣ ـ ١٤٣٠.

٤٨٨

ولو أصابه مني لم يجز الصلاة فيه عندنا ، لأنه نجس خلافا للشافعي (١).

ولو أصابه مذي صحت الصلاة فيه عندنا ، لأنه طاهر. خلافا للشافعي (٢).

ولو أصابه من رطوبة فرج المرأة فهو طاهر إن لم يكن منيا ، وللشافعي وجهان : النجاسة كالمذي ، والطهارة ، لأنه عرق الفرج (٣).

هـ ـ لو أعار ثوبه من لا يتقي النجاسة استحب له غسله ولا يجب عملا بالأصل ، لأن عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه‌السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي ، ويشرب الخمر ، فيردّه أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله » (٤).

و ـ المسك طاهر يجوز أن يصلّي فيه عملا بالأصل ، ولما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه فقال : « لا بأس بذلك » (٥).

وكتب عبد الله بن جعفر الى أبي محمد العسكري عليه‌السلام يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيا » (٦).

__________________

(١) الام ١ : ٥٥ ، مختصر المزني : ١٨ ، المجموع ٢ : ٥٥٣ و ٥٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٤ ، المغني ١ : ٧٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٨٢.

(٢) المجموع ٢ : ٥٥٢ ، الام ١ : ٥٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٣ و ٥٤.

(٣) المجموع ٢ : ٥٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٤٩٨ وفيهما : عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام .. فلاحظ.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ـ ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٥٠٠.

٤٨٩

مسألة ١٣٠ : لو صلّى في ثوب نجس عالما بذلك أعاد‌ بالإجماع عند من شرط الطهارة ، ومع الخروج القضاء ، لأنّه لم يفعل المأمور به على وجهه فيبقى في العهدة.

ولو علم النجاسة ثم نسيها وصلّى فقولان :

أحدهما : أنه يعيد مطلقا في الوقت وخارجه اختاره الشيخان ، والمرتضى (١) ، وهو المعتمد ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنه أخل بالشرط بتفريطه بالنسيان فلزمه القضاء.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة » (٣).

وقال الشيخ في موضع : لا يعيد مطلقا (٤) ـ وبه قال أحمد (٥) ـ لأن العلاء سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء فينجسه فينسى أن يغسله ويصلّي فيه ، ثم يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ فقال : ( لا يعيد وقد مضت صلاته وكتبت له » (٦).

ولأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان ، بل النسيان أولى لورود النص بالعفو فيه ، لقوله عليه‌السلام : ( عفي عن أمّتي الخطأ والنسيان ) (٧).

__________________

(١) المقنعة : ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٣٨ ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١٢٢.

(٢) المجموع ٣ : ١٣١ و ١٥٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، المحلى ٣ : ٢٠٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٧.

(٤) لم نعثر على قوله كما في المتن ، والذي في الاستبصار ١ : ١٨٤ ذيل الحديث ٦٤٢ : عدم الإعادة خارج الوقت لا مطلقا ، فلاحظ.

(٥) المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٢ ، كشاف القناع ١ : ٢٩٢.

(٦) التهذيب ١ : ٤٢٣ ـ ١٣٤٥ و ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ـ ٦٤٢.

(٧) سنن البيهقي ٦ : ٨٤.

٤٩٠

قال الشيخ في التهذيب : هذا الخبر شاذ (١) ، وأشار الى رواية العلاء ، ونحن نحمله على ما إذا لم يعلم ، والنسيان حقيقة في الترك ، فيحمل على الترك لعدم العلم.

وهذا وإن كان بعيدا لكن فيه جمع بين الأدلة فيكون أولى ، والعفو عن النسيان لا يوجب ترك القضاء بل مفهومه هنا عدم الإثم ، ونحن نقول به.

وهنا قول ثالث مشهور لعلمائنا : أنه يعيد في الوقت دون خارجه ، لأنه ما دام في الوقت يكون في عهدة التكليف لعدم فعل ما أمر به ، وبعد الخروج يكون قضاء ، والأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد.

ولو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته وتيقن حصولها في ثوبه أو بدنه حال الصلاة فقولان لعلمائنا :

أحدهما : الإجزاء ، اختاره الشيخان ، والمرتضى (٢) ـ وبه قال ابن عمر ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب ، وسالم ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، ويحيى الأنصاري ، وإسحاق ، وابن المنذر ، والأوزاعي ، والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين (٣) ـ لما رواه أبو سعيد قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاته قال : ( ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ ) قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٠ ذيل الحديث ١٤٩٢.

(٢) النهاية : ٥٢ ، وحكى قول المفيد والمرتضى ، المحقق في المعتبر : ١٢٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٥٦ و ١٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١١.

٤٩١

جبرئيل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا ) (١) ولو كانت الطهارة شرطا مع عدم العلم لوجب استئناف الصلاة.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام وقد سأله أبو بصير عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة ، أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال : « قد مضت صلاته ولا شي‌ء عليه » (٢).

ولأنه مأمور بالصلاة في ثوب لا يعلم فيه نجاسة فيخرج عن العهدة بالامتثال.

الثاني : وجوب الإعادة في الوقت لا خارجه ، اختاره الشيخ في موضع من النهاية (٣) ـ وبه قال ربيعة ، ومالك ـ لأنه لم يفعل ما أمر به (٤) وهو الصلاة في ثوب طاهر ، فوجبت الإعادة ، ولا يجب القضاء ، لأنه بأمر مجدد ولم يثبت.

وقال الشافعي : يعيد مطلقا ، وهو رواية عن أحمد ، وقول أبي قلابة ، لأنّها طهارة مشترطة للصلاة فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث (٥).

والفرق أن طهارة الحدث آكد ، لأنّه لا يعفى عن يسيرها.

فروع :

أ ـ لو صلّى ثم رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة لاحتمال تجددها ، والأصل عدمها في الصلاة ، ولا نعلم فيه خلافا إلاّ ما‌

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٢٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٥ ـ ٦٥٠ ، مسند أحمد ٣ : ٢٠ و ٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٥ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٨١ ـ ٦٣٤.

(٣) النهاية : ٨.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣٤ ، المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١١.

(٥) المجموع ٣ : ١٥٧ ، المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١١.

٤٩٢

روي عن أبي حنيفة : أن النجاسة إن كانت رطبة أعاد صلاة واحدة ، وإن كانت يابسة وكان في الصيف فكذلك ، وإن كان في الشتاء أعاد صلوات يوم وليلة (١).

ب ـ لو رآها على ثوبه أو بدنه في أثناء الصلاة رماها عنه ، وأتم صلاته ، لعدم العلم بالسبق ، ولو لم يتمكن من رميها ، ولا رمي الثوب عنه ، استأنف الصلاة في ثوب طاهر ، تحصيلا للشرط ، ولما رواه محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثم صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول » (٢).

ج ـ لو وقعت عليه نجاسة وهو في الصلاة ثم زالت وهو لا يعلم ثم علم استمر على حاله على أحد قولي الشيخ ، ويستأنف على الآخر (٣).

مسألة ١٣١ : المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد أجزأها غسله في اليوم مرة واحدة‌ ، وتصلي باقي الصلوات وإن كان فيه نجاسة دفعا للمشقة الحاصلة بالتكليف بغسله عند كل صلاة ، وربما تعذر يبسه ولبسه رطبا. ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص ولها مولود يبول كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في اليوم مرّة » (٤).

ولأنّ تكرار بول الصبي يجري مجرى دم القرح أو السلس الذي لا يمنع استصحاب الثوب في الصلاة.

__________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٧٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٢ ـ ٧٣٠ و ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨٠.

(٣) يستفاد ذلك مما ذكره في النهاية : ٥٢ والمبسوط ١ : ٩٠ فلاحظ.

(٤) الفقيه ١ : ٤١ ـ ١٦١ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ ـ ٧١٩.

٤٩٣

فروع :

أ ـ المراد باليوم هنا الليل والنهار لدخولهما تحته ، وفي حديث عن الكاظم عليه‌السلام وقد سأله عبد الرحيم القصير عن خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل فقال : « يتوضأ وينضح ثوبه في النهار مرة واحدة » (١). والراوي ضعيف ، والوجه وجوب تكرار الغسل فإن تعسّر فلا بأس بالرواية دفعا للمشقة.

ب ـ في المربية للصبية إشكال ينشأ من عدم التنصيص على العلة فيقتصر على مورد النص ، خصوصا مع غلظ نجاسة بولها ، ومن الاشتراك في المشقة.

ج ـ الظاهر مشاركة المربي للصبي للمربية إذ لا مدخل للأنوثة هنا.

د ـ لو نجس بعذرته فإشكال منشؤه ما تقدم ، ولو نجس بغير البول والعذرة ـ كدمه ـ فالوجه عدم الإلحاق.

ه ـ تتخير في وقت غسله والأفضل أن تؤخره الى أن تجتمع الصلوات الأربع عدا الصبح فيه ، وفي وجوبه إشكال ينشأ من الإطلاق ، ومن أولوية طهارة أربع على طهارة واحدة.

و ـ لو كان لها ثوب طاهر لم يجز لها الصلاة في النجس ، وإن غسلته مرة ، ولو كان لها ثوبان لم تكتف بالمرّة أيضا لزوال المشقة مع التعدد.

مسألة ١٣٢ : النجاسات المغلّظة يعفى عنها في مواضع أربعة :

الأول : ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، خلافا للجمهور.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٤٣ ـ ١٦٨ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ ـ ١٠٥١ و ٤٢٤ ـ ١٣٤٩.

٤٩٤

الثاني : محل الاستنجاء من الغائط خاصة بعد الاستجمار ، لأنه طاهر عندنا ـ وبه قال أحمد ـ (١) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الروث والرمّة (٢) : ( انهما لا يطهران ) (٣) مفهومه أنّ غيرهما يطهر.

الثالث : أسفل الخف والحذاء والقدم إذا أصابته نجاسة فدلكها بالأرض حتى زالت عينها طهرت عندنا ، وبه قال الأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في إحدى الروايات (٤).

وقال الشافعي : لا يطهّرها إلاّ الماء كسائر النجاسات. وهو رواية عن أحمد (٥) ، وفي ثالثة : يجب غسل البول والغائط خاصة (٦).

ولا فرق بين الدلك حال يبوسة النجاسة أو رطوبتها مع زوال الرطوبة.

الرابع : إذا جبر عظمه بعظم نجس كعظم الكلب ، والخنزير ، والكافر ، فإن تمكن من نزعه من غير ضرر وجب لئلا يصلّي مع النجاسة ، وإن تعذر لخوف ضرر لم يجب قلعه ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد (٧) ـ لأنه حرج فيكون منفيا ، ولأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فيكون معفوا عنها.

وقال بعض الشافعية : يجب قلعه وإن أدى الى التلف ، لجواز قتل الممتنع من صلاته فكذا هذا ، لأنّه منع صحة صلاته بالعظم النجس (٨) ، وهو‌

__________________

(١) المغني ١ : ٧٦٤ ، المحرر في الفقه ١ : ٧.

(٢) الرمّة : العظام البالية. لسان العرب ١٢ : ٢٥٢.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٥٦ ـ ٩ ، وانظر : المغني ١ : ٧٦٥.

(٤) المغني ١ : ٧٦٥ ، المحرر في الفقه ١ : ٧.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٤٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٦ ، المغني ١ : ٧٦٥ ، المحرر في الفقه ١ : ٧.

(٦) المغني ١ : ٧٦٥.

(٧) المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، السراج الوهاج : ٥٤ ، المغني ١ : ٧٦٦.

(٨) المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٧ ، الوجيز ١ : ٤٦.

٤٩٥

خطأ ، لأنّ النجاسة يعفى عنها مطلقا في مواضع ، وللضرورة مطلقا ، ولا يعفى عن الصلاة مطلقا.

وقال أبو حنيفة : لا يجب قلعه مطلقا وإن لم يلحقه ضرر ولا ألم (١) ، لأنّه صار باطنا ، كما لو شرب خمرا أو أكل ميتة. والفرق مع تسليم الأصل أنه أوصل نجاسة إلى معدنها ، ويتعذر في العادة إخراجها ، وفي صورة النزاع أوصلها الى غير معدنها فأشبه ما إذا وصل شعره بشعر غيره.

فروع :

أ ـ لو جبر عظمه بعظم طاهر العين في الحياة جاز ، لأنّ الموت لا ينجس عظمه ولا شعره.

ولو جبره بعظم آدمي فإشكال ينشأ من وجوب دفنه ، ومن طهارته ، ورواية الحسين بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سنّ ميت مكانه قال : « لا بأس » (٢).

ب ـ لو مات المجبور عظمه بالعظم النجس لم ينزع ، لسقوط التكليف عنه ، وبه قال الشافعي (٣). وقال أبو إسحاق من أصحابه : نزعه أولى ، لئلا يلقى الله تعالى بمعصية (٤) (٥). وهو خطأ لعدم زوالها بنزعه.

ج ـ التدليس بوصل شعر المرأة بشعر غيرها حرام عندنا ، ولو وصلت‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، الوجيز ١ : ٤٦.

(٢) مكارم الأخلاق : ٩٥.

(٣) الام ١ : ٥٤ ، المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، الوجيز ١ : ٤٧.

(٤) في نسخة ( ش ) : بغضبه.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، المجموع ٣ : ١٣٨ وفيهما نسب هذا القول الى أبي العباس.

٤٩٦

بشعر غير الآدمي جاز ، وكرهه الشافعي للخالية من زوج ومولى ، للغش (١) ، وكرهه أحمد مطلقا (٢). ولا بأس بالقرامل ـ وبه قال أحمد ، وسعيد بن جبير (٣) وهي ما تواصل بالذوائب.

د ـ لو سقطت سنه جاز أن يردها ـ وبه قال أحمد (٤) لأنها طاهرة ، ولما تقدم من الحديث (٥) على إشكال سبق. ومنعه الشافعي (٦) لقوله عليه‌السلام : ( ما أبين من حي فهو ميت ) (٧) والمراد ما تحله الحياة.

ولو لم تسقط جاز ربطها إجماعا ـ ولو بالذهب ـ لأنّه موضع حاجة ، وجوّز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعرفجة بن أسعد لمّا أصيب أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفا من فضّة فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب (٨).

هـ ـ لو شرب خمرا أو أكل ميتة لغير ضرورة فالأقرب وجوب قيئه ، لحرمة الاغتذاء به ، وهو ظاهر قول الشافعي (٩). وقال بعض أصحابه : لا يجب ، لأنّ المعدة معدن النجاسات (١٠).

و ـ لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب عليه إخراج ذلك الدم مع عدم‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢.

(٢) المغني ١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٣٧.

(٣) المغني ١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٣٧.

(٤) كشاف القناع ١ : ٢٩٣.

(٥) مكارم الأخلاق : ٩٥.

(٦) الام ١ : ٥٤ ، المجموع ٣ : ١٣٩.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٧٣ ـ ٣٢١٧ ، سنن أبي داود ٣ : ١١١ ـ ٢٨٥٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٨ ـ ١٤٨٠ ، مسند أحمد ٥ : ٢١٨ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٢٣٩ ، كنز العمال ٦ : ٢٦٦ ـ ١٥٦٣١.

(٨) سنن النسائي ٨ : ١٦٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٢ و ٥ : ٢٣.

(٩) المجموع ٣ : ١٣٩.

(١٠) المجموع ٣ : ١٣٩.

٤٩٧

الضرر ، وإعادة كلّ صلاة صلاّها مع ذلك الدم.

ز ـ لو خاط جرحه بخيط نجس فكالعظم النجس ، ولو كان مغصوبا فإن تعذّر النزع لضرر أو خوف تلف الخيط وجبت القيمة.

مسألة ١٣٣ : لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم‌ كالنعل السندي (١) ، والشمشك قاله الشيخان (٢) ، ومستند ذلك فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والصحابة ، والتابعين. وقال في المبسوط : يكره الصلاة في الشمشك ، والنعل السندي (٣).

أما ما له ساق كالخف والجرموق فلا بأس بالصلاة فيه إجماعا ـ والجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف ـ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الخفاف التي تباع في السوق فقال : « اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه » (٤).

وقال إبراهيم بن مهزيار : وسألته عن الصلاة في جرموق وأتيته بجرموق بعثت به إليه فقال : « يصلّى فيه » (٥).

وتستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام.

__________________

(١) نعل سندية : منسوبة إلى بلاد السند أو الى السندية قرية معروفة من قرى بغداد. مجمع البحرين ٣ : ٧١ « سند ».

(٢) المقنعة : ٢٥ ، النهاية : ٩٨.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٨٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ ـ ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٤ ـ ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٣.

٤٩٨

قال محمد بن إسماعيل : رأيته يصلّي في نعليه لم يخلعهما وأحسبه قال : ركعتي الطواف (١).

وقال معاوية بن عمّار : رأيت الصادق عليه‌السلام يصلي في نعليه غير مرّة ولم أره ينزعهما قط (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا صليت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة فإنه يقال : ذلك من السنة » (٣).

مسألة ١٣٤ : لا يجوز أن يصلّي الرجل وعليه لثام يمنعه من القراءة أو سماعها‌ ، وكذا النقاب للمرأة إن منعها شيئا من ذلك لما فيه من ترك واجب.

ولو لم يمنع شيئا من الواجبات كره ، ولم يحرم ، لقول الباقر عليه‌السلام وقد سأله محمد بن مسلم يصلّي الرجل وهو متلثم : « أمّا على الأرض فلا ، وأمّا على الدابة فلا بأس » (٤).

وسأل سماعة الصادق عليه‌السلام عن الرجل يصلّي ويقرأ بأم القرآن وهو متلثم فقال : « لا بأس » (٥). وهو محمول على ما إذا لم يمنع شيئا من الواجبات.

وكذا قول أحدهما عليهما‌السلام : « لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٨ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٧٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٧.

٤٩٩

وثوبه على فيه » (١) لما رواه الحلبي قال : سألت الصادق عليه‌السلام هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة » (٢).

وسأله سماعة عن الرجل يصلّي فيتلو القرآن وهو متلثم ، فقال : « لا بأس به ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل » قال : وسألته عن المرأة تصلّي متنقبة قال : « إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » (٣).

البحث الثالث : فيما يكره فيه الصلاة‌

وهي أشياء :

أ ـ يكره الثياب السود ما عدا العمامة والخف ، لقول النبي عليه‌السلام : ( البسوا ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم ) (٤) وأمره عليه‌السلام بهذا اللون يدل على اختصاصه بالفضيلة فيكون أشد الألوان معاندة له وهو السواد مكروها.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « يكره السواد إلاّ في ثلاث. العمامة ، والخف ، والكساء » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥١٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ١٥ ، الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥١٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٠ ـ ٩٠٤.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٣١٩ ـ ٩٩٤ ، سنن أبي داود ٤ : ٨ ـ ٣٨٧٨ و ٥١ ـ ٤٠٦١ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٨.

(٥) الكافي ٦ : ٤٤٩ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ ـ ٨٣٥.

٥٠٠