تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

أتان (١) ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي بالناس بمنى الى غير جدار (٢).

ولأنه محل المشاعر ، والمناسك.

ح ـ وليست السترة شرطا ، ولا واجبة بالإجماع ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى نادي العباس فصلّى الى غير سترة (٣) ، وللأصل.

ط ـ سترة الإمام سترة لمن خلفه إجماعا ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى (٤).

ى ـ لو كانت السترة مغصوبة لم يأت بالمأمور به شرعا.

مسألة ٩٠ : الفريضة في المسجد أفضل‌ إجماعا لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واظب على ذلك وحثّ عليه (٥) ، وقال علي عليه‌السلام : « صلاة في البيت المقدس بألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم بمائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة بخمس وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة » (٦). ولأنه موضع العبادة ، وموضوع لها فكان فعلها فيه أولى ، وأمّا النافلة فإنها في المنزل أفضل ، خصوصا نافلة الليل ، لأن العبادة في السر أبلغ في الإخلاص ، وقال عليه‌السلام : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) وجاء رجال يصلّون بصلاته عليه‌السلام فخرج مغضبا ، وأمرهم أن يصلّوا النوافل‌

__________________

(١) الأتان بالفتح : الأنثى من الحمير. مجمع البحرين ٦ : ١٩٧ « أتن ».

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦١ ـ ٥٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٠ ـ ٧١٥ ، الموطأ ١ : ١٥٥ ـ ٣٨.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٩١ ـ ٧١٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٦٩ ـ ٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٨٨ ـ ٧٠٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٧ وانظر صحيح مسلم ١ : ٤٥٢ ـ ٦٥٣ و ٤٥٩ ـ ٦٤٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٨ ، ثواب الأعمال : ٥١ ـ ١ ، المحاسن : ٥٥ ـ ٨٤ و ٥٧ ـ ٨٩ ـ ٩١.

٤٢١

في بيوتهم (١).

البحث الثاني : في المساجد‌

مسألة ٩١ : يستحب اتخاذ المساجد‌ ، لقوله تعالى ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية ، وقال الصادق عليه‌السلام : « من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنّة » (٣).

ولا يجوز اتخاذها في المواضع المغصوبة ، ولا في الطرق المسلوكة المضرة بالمارة ، ولا بأس بوضعه على بئر الغائط إذا طم وانقطعت رائحته لزوال المانع ، ولقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن المكان يكون حشّا ، ثم ينظف ويجعل مسجدا قال : « يطرح عليه من التراب حتى يواريه فهو أطهر » (٤) ومنع أحمد من الصلاة على سطح الحش (٥).

ولو كانت الأرض نجسة فطيّنها بطين طاهر ، أو بسط عليها شيئا طاهرا صحّت الصلاة ـ وبه قال طاوس ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق (٦) ـ وعن أحمد روايتان ، للعموم (٧) ، واحتج أحمد بأنها مدفن النجاسة أشبهت المقبرة (٨) ، وهو ممنوع.

ولا يجوز تطيين المسجد بطين نجس ، ولا تطبيقه بطوابيق نجسة ، ولا‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٥٣٩ ـ ٧٨١ ، سنن النسائي ٣ : ١٩٨.

(٢) التوبة : ١٨.

(٣) المحاسن : ٥٥ ـ ٨٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٧ ، الإستبصار ١ : ٤٤١ ـ ١٧٠١.

(٥) المغني ١ : ٧٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٥.

(٦) المجموع ٣ : ١٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٠.

(٧) المغني ١ : ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٠.

(٨) المغني ١ : ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٠.

٤٢٢

بناؤه بلبن نجس أو آجر نجس للمنع من إدخال النجاسة إليها.

مسألة ٩٢ : يستحب اتخاذها جمّا ، ويكره أن تكون مشرفة‌ لأن عليا عليه‌السلام رأى مسجدا قد شرّف فقال : « كأنه بيعة » وقال : « إن المساجد تبنى جمّا » (١).

ويكره أن تكون مظلّلة ، قال الحلبي : سألته عن المساجد المظلّلة يكره القيام فيها؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضرّكم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٢).

ويكره اتخاذ المحاريب فيها ، لأن عليا عليه‌السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول : « كأنها مذابح اليهود » (٣).

وينبغي وضع الميضاة على أبوابها لا داخلها لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( جنّبوا مساجدكم صبيانكم ، ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم ) (٤).

وينبغي وضع المنارة مع حائطها لا في وسطها ، ولا ترفع عليه ، لأن عليا عليه‌السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال : « لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد » (٥) ، ولئلاّ يشرف المؤذن على الجيران.

مسألة ٩٣ : والإتيان إلى المساجد مستحب‌ ، مندوب إليه ، مرغّب فيه ، إذ القصد بالعمارة إيقاع العبادة فيها ، واجتماع الناس في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧٠٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٧ ، علل الشرائع : ٣٢٠ باب ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧٠٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٦ ، علل الشرائع : ٣٢٠ باب ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٢. وانظر سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ ـ ٧٥٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٠.

٤٢٣

الصلوات ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدلّه على الهدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء » (١) وقال الصادق عليه‌السلام : « من مشى الى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلاّ سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة » (٢).

ويشتد الاستحباب في المساجد المعظّمة كمسجد الكوفة ، وقال الصادق عليه‌السلام : « يا هارون بن خارجة كم بينك وبين مسجد الكوفة ، يكون ميلا؟ » قلت : لا ، قال : « أفتصلّي فيه الصلوات كلّها؟ » قلت : لا فقال : « أمّا أنا لو كنت حاضرا بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة ، وتدري ما فضل ذلك الموضع؟ ما من عبد صالح ، ولا نبي إلاّ وقد صلّى في مسجدكم ، حتى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أسرى الله به ، قال له جبرئيل عليه‌السلام : أتدري أين أنت يا رسول الله الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان ، قال : فاستأذن لي ربي عزّ وجلّ حتى آتيه فأصلّي فيه ركعتين فاستأذن له ، وأنّ ميمنته لروضة من رياض الجنة ، وأن وسطه لروضة من رياض الجنّة ، وأن مؤخره لروضة من رياض الجنّة ، وأن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة ، وأن النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة ، وأن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة ، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا » (٣).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٨ ـ ٦٨١ ، ثواب الأعمال : ٤٦ ـ ١ ، الخصال : ٤٠٩ ـ ١٠ ، أمالي الطوسي ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٨ ـ ١٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٦ ، ثواب الأعمال : ٤٦ ـ ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٠ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٨ ، أمالي الصدوق : ٣١٥ ـ ٤ ، المحاسن : ٥٦ ـ ٨٦ ، كامل الزيارات : ٢٨ ـ ٦ ، أمالي الطوسي ٢ : ٤٣.

٤٢٤

وجاء علي بن الحسين عليهما‌السلام إلى مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلّى فيه ركعتين ثم عاد حتى ركب راحلته وأخذ الطريق (١). وقال الصادق عليه‌السلام : « جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو في مسجد الكوفة فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليه‌السلام ، فقال : جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلّم عليك وأودعك ، فقال له : فأي شي‌ء أردت بذلك؟ فقال : الفضل جعلت فداك ، قال : فبع راحلتك ، وكل زادك ، وصلّ في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة ، والبركة منه على اثني عشر ميلا ، يمينه يمن ، ويساره مكر ، وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن ، وعين من ماء شراب للمؤمنين ، وعين من ماء طهر للمؤمنين ، منه سارت سفينة نوح عليه‌السلام ، وكان فيه نسر ، ويغوث ، ويعوق ، صلّى فيه سبعون نبيا ، وسبعون وصيّا أنا أحدهم ، وقال بيده على صدره : ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه الله وفرج عنه كربته » (٢).

وكذا يستحب قصد مسجد السهلة ، قال الصادق عليه‌السلام وذكر مسجد السهلة ، فقال : « أما أنه منزل صاحبنا إذا قام بأهله » (٣) وقال الصادق عليه‌السلام : « بالكوفة مسجد يقال له : مسجد السهلة ، لو أن عمّي زيد أتاه فصلّى فيه واستجار الله لأجار له الله عشرين سنة ، فيه مناخ الراكب بيت إدريس النبيّ عليه‌السلام ، وما أتاه مكروب قط فصلّى ما بين العشاءين فدعا الله عزّ وجلّ إلاّ فرج الله كربته » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٢ ـ ٥٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ ـ ٦٨٩ ، كامل الزيارات : ٣٢ ـ ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٦٩٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٩٥ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٦٩٣.

٤٢٥

وقال الباقر عليه‌السلام : « بالكوفة مساجد ملعونة ، ومساجد مباركة ، فأما المباركة فمسجد غنى ، والله إن قبلته لقاسطة ، وإن طينته لطيبة ، ولقد وضعه رجل مؤمن ، ولا تذهب الدنيا حتى تنفجر عنده عينان ، وتكون عليه جنتان ، وأهله ملعونون ، وهو مسلوب منهم. ومسجد بني ظفر ـ وهو مسجد السهلة ـ ومسجد الحمراء ، ومسجد جعفي ، وليس هو مسجدهم اليوم ، قال : درس ، وأما المساجد الملعونة : فمسجد ثقيف ، ومسجد الأشعث ، ومسجد جرير ومسجد سماك ، ومسجد الحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة » (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : « جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسين عليه‌السلام : مسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد شبث بن ربعي » (٢).

ويكره للنساء الإتيان إلى المساجد لما فيه من التبرج المنهي عنه ، قال الصادق عليه‌السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت » (٣) ويكره تمكين الصبيان والمجانين من الدخول إليها لعدم انفكاكهم من النجاسة ، ولما تقدم في الحديث (٤).

مسألة ٩٤ : ويستحب للداخل أن يقدم رجله اليمنى دخولا ، واليسرى خروجا‌ لأن اليمنى أشرف. ويتعاهد نعله عند الدخول تنزيها لها عن الأقذار ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم ) ونهى أن ينتعل الرجل وهو قائم (٥) وخلع نعله يوما فخلع الصحابة فقال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٩ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٥ ، الخصال : ٣٠٠ ـ ٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩٠ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ـ ٦٩٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٢ وانظر سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ ـ ٧٥٠ ، وتقدم في المسألة ٩٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ـ ٧٠٩ وكنز العمال ٧ : ٦٦٣ ـ ٢٠٧٩٩ ( نقلا عن الطبراني في الكبير )

٤٢٦

( إن أخي جبرئيل أخبرني أنها قذرة ) (١).

ويستحب الطهارة ، والدعاء دخولا ، وخروجا ، قال الباقر عليه‌السلام : « إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلاّ طاهرا ، وإذا دخلته فاستقبل القبلة ، ثم ادع الله واسأله ، وسمّ حين تدخله ، واحمد الله وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢) قال سماعة : إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله ، والسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلاة ملائكته على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك. وإذا خرجت فقل مثل ذلك (٣).

ويستحب تلاوة القرآن في المساجد ، والمداومة عليه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كان القرآن حديثه ، والمسجد بيته ، بنى الله له بيتا في الجنّة ) (٤).

وينبغي لمن أكل شيئا من المؤذيات ـ كالثوم ، والبصل ـ تجنّب المساجد لئلاّ يؤذي غيره برائحته ، قال علي عليه‌السلام : « من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد » (٥).

مسألة ٩٥ : يستحب كنس المساجد‌ لما فيه من التنظيف ، وتعظيم مشاعر العبادات ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كنس المسجد يوم‌

__________________

وسنن الترمذي ٤ : ٢٤٣ ـ ١٧٧٦.

(١) سنن أبي داود ١ : ١٧٥ ـ ٦٥٠ ، سنن الدارمي ١ : ٣٢٠ ، مسند أحمد ٣ : ٩٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٨.

٤٢٧

الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذر في العين غفر الله له ) (١).

ويستحب الإسراج فيها ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة ، وحملة العرش يستغفران له ما دام في المسجد ضوء من ذلك ) (٢).

ويكره إنشاد الشعر فيها ، وتعريف الضوال ، وإقامة الحدود ، ورفع الصوت ، والبيع ، والشراء ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا : فضّ الله فاك إنما نصبت المساجد للقرآن ) (٣) وقال الصادق عليه‌السلام : « جنّبوا مساجدكم البيع ، والشراء ، والمجانين ، والصبيان ، والأحكام ، والضالة ، والحدود ، ورفع الصوت » (٤).

ويكره إخراج الحصى منها فإن أخرج أعيد ، قال الباقر عليه‌السلام : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها ، أو في مسجد آخر فإنها تسبح » (٥).

ويكره البصاق فإن فعل غطّاه بالتراب ، قال علي عليه‌السلام : « البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه » (٦).

ويكره قتل القمل فإن فعل غطاه بالتراب ، ويكره الطهارة فيها من البول‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٣ ، ثواب الأعمال : ٥١ ـ ١ ، أمالي الصدوق : ٤٠٥ ـ ١٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ـ ٧٣٣ ، ثواب الاعمال : ٤٩ ـ ١ ، المحاسن : ٥٧ ـ ٨٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٢ ، علل الشرائع : ٣١٩ ، باب ٦ ، الخصال : ٤١٠ ـ ١٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١١ ، علل الشرائع : ٣٢٠ الباب ٩ الحديث ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ ـ ١٧٠٤.

٤٢٨

والغائط لأن الصادق عليه‌السلام كرهه منهما (١).

ويكره النوم فيها ، لأن الشحام سأل الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٢) قال : « سكر النوم » (٣) وتشتد الكراهة في المسجدين ، لأن زرارة سأل الباقر عليه‌السلام ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ في المسجدين مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمسجد الحرام » (٤) وليس بمحرم ، لأن معاوية بن وهب سأل الصادق عليه‌السلام عن النوم في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « نعم أين ينام الناس!؟ » (٥).

ويكره سائر الصناعات في المساجد ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن سلّ السيف ، وعن بري النبل في المسجد وقال : إنما بني لغير ذلك (٦).

ويحرم تصوير المساجد ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن الصلاة في المساجد المصورة ، فقال : « أكره ذلك ، ولكن لا يضركم ذلك اليوم ، ولو قد قام العدل رأيتم كيف يصنع ذلك » (٧).

وكذا يحرم زخرفتها ونقشها بالذهب ، لأن ذلك لم يفعل في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٩.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧١ ـ ١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٠ ـ ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ـ ٧٢٤.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٦ ، وعن الامام الباقر عليه‌السلام في الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٦.

٤٢٩

مسألة ٩٦ : ويحرم نقضها‌ ، لقوله تعالى ( وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ ) (١) وكذا استعمال آلتها واتخاذها في ملك أو طريق ، ويجوز هدم ما استهدم لإعادته لما فيه من العمارة ، وللأمن على الداخل ، ولو تعذرت إعادته جاز استعمال آلته في غيره من المساجد لاشتراكها في كونها موضعا للعبادة ، وكذا لو فضل من أحد المساجد عن قدر الحاجة ، ومن أخذ شيئا من آلة المسجد وجب أن يرده إليه أو إلى غيره من المساجد.

ولو نذر شيئا لعمارة مسجد اختص به ما لم يفضل عنه إذا كان بحيث ينتابه الناس ، ولو فضل منه شي‌ء جاز صرفه إلى عمارة غيره من المساجد.

وإذا انهدم المسجد وخرب ما حوله لم يعد ملكا ، لخروجه عن الملك الى الله تعالى فلا يعود الى الملك (٢).

ويجوز نقض البيع والكنائس واستعمال آلتها في المساجد إذا اندرس أهلها أو كانت في دار حرب ، لأن عيصا سأل الصادق عليه‌السلام عن البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ قال : « نعم » (٣).

وأن تبنى مساجد ، ولا يجوز اتخاذهما في ملك ، ولا استعمال آلتهما في الأملاك ، ولو كان لها أهل ذمّة يؤدّون الجزية ، ويلتزمون بشرائط الذمة لم يجز التعرض لها على حال.

مسألة ٩٧ : من كان له في داره مسجد قد جعله للصلاة جاز له تغييره‌ ،

__________________

(١) البقرة : ١١٤.

(٢) في نسخة ( م ) : المالك.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ ـ ٧٣٢.

٤٣٠

وتبديله ، وتوسيعه ، وتضييقه حسب ما يكون أصلح له ، لأنه لم يجعله عاما وإنما قصد اختصاصه بنفسه وأهله ، ولأنّ أبا الجارود سأل الباقر عليه‌السلام عن المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت أن يتوسعوا بطائفة منه ، أو يحولونه الى غير مكانه قال : « لا بأس بذلك » (١).

وهل تلحقه أحكام المساجد من تحريم إدخال النجاسة إليه ، ومنع الجنب من استيطانه ، وغير ذلك؟ الأقرب المنع ، لنقص المعنى فيه ، ولا يخرج عن ملكه فيجوز له بيعه وشراؤه ما لم يجعله وقفا فلا يختص به حينئذ.

ولو بناه خارج داره في ملكه لم يزل ملكه عنه أيضا ، ولو نوى به أن يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه بالعقد والقبض ، أو بصلاة واحد فيه.

مسألة ٩٨ : لا يجوز دفن الميت في المساجد‌ ، لأنّه مناف لما وضعت له.

ويكره كشف العورة فيها ، لما فيه من الاستخفاف بالمساجد ، وكذا كشف السرة ، والركبة ، والفخذ ، وروى الباقر عليه‌السلام : « أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كشف السرة ، والفخذ ، والركبة في المسجد من العورة » (٢).

ويكره رمي الحصى فيه خذفا لما لا يؤمن معه من الأذى للغير ، وروى الباقر عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : « أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال : ما زالت تلعن حتى وقعت ، ثم قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط » ثم تلا عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٢.

٤٣١

( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) (١) قال : « هو الخذف » (٢).

ونهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رطانة (٣) الأعاجم في المساجد (٤) ، وقال عليه‌السلام : « الاتكاء في المسجد رهبانية العرب ، المؤمن مجلسه مسجده وصومعته بيته » (٥) وقال بعض أصحابنا للصادق عليه‌السلام : إني لأكره الصلاة في مساجدهم. فقال : « لا تكره فما من مسجد بني الاّ على قبر نبي أو وصي نبي قتل ، فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحب الله أن يذكر فيها ، فأدّ فيها الفريضة والنوافل ، واقض ما فاتك » (٦).

وفي كتاب ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن الوقوف على المساجد ، فقال : « لا يجوز لأن المجوس وقفوا على بيت النار » (٧) وهذه الرواية مرسلة وتحمل على الوقف على تزويقها وتصويرها.

مسألة ٩٩ : لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد مطلقا‌ سواء أذن له المسلم أو لا ، ولا يجوز للمسلم الإذن فيه ـ وبه قال مالك (٨) لقوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (٩) وغيره من المساجد‌

__________________

(١) العنكبوت : ٢٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ـ ٧٤١.

(٣) الرطانة : الكلام بالأعجمية. مجمع البحرين ٦ : ٢٥٥ « رطن ».

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٢ ـ ٧٣٩.

(٥) الكافي ٢ : ٤٨٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٣.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧٢٠.

(٨) تفسير القرطبي ٨ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩١٣ ، تفسير الآلوسي ١٠ : ٧٧ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٣٧ ، المحلى ٤ : ٢٤٣.

(٩) التوبة : ٢٨.

٤٣٢

مشارك له في كونه مسجدا ، ولقوله عليه‌السلام : ( جنّبوا مساجدكم النجاسة ) وقال تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١).

وقال الشافعي : لا يجوز له دخول المسجد الحرام بكلّ حال ، ويجوز له دخول غيره بإذن المسلمين (٢) لأن النبيّ عليه‌السلام أنزل المشركين في المسجد (٣) ، وربط ثمامة بن أثال الحنفي في سارية المسجد وهو كافر (٤).

ونمنع ذلك بعد التحريم.

وقال أحمد : لا يجوز له دخول الحرمين ، وفي سائر المساجد روايتان : المنع ، والجواز بالإذن (٥).

وقال أبو حنيفة : يجوز له دخول سائر المساجد ، والمسجد الحرام أيضا (٦) لقوله عليه‌السلام يوم الفتح : ( من دخل المسجد فهو آمن ) (٧) وهو خطاب للمشركين ، وأنه مسجد كسائر المساجد. والآية ناسخة لقول أبي حنيفة.

* * *

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

(٢) المجموع ٢ : ١٧٤ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٣٧ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩١٣ و ٩١٤ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٠٥ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦ ، تفسير الآلوسي ١٠ : ٧٧.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤ و ٤٤٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٢٥ و ١٢٧ ، سنن النسائي ٢ : ٤٦ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤.

(٥) المغني ١٠ : ٦٠٥ ـ ٦٠٦ و ٦٠٧ و ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١ و ٦١٤.

(٦) المغني ١٠ : ٦٠٥ و ٦٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩١٤ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٠٥ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦.

(٧) سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ ـ ٣٠٢٢.

٤٣٣

البحث الثالث : فيما يسجد عليه‌

مسألة ١٠٠ : لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ، ولا من نباتها‌ كالجلود ، والصوف ، عند علمائنا أجمع ، لأن السجود عبادة شرعية فتقف كيفيتها على نص الشرع ، وقد وقع الإجماع على السجود على الأرض ، والنابت منها فيقتصر عليه ، ولقوله عليه‌السلام : ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله تعالى ، ثم يسجد ممكّنا جبهته من الأرض ) (١) وقال خباب : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّ الرمضاء في جباهنا وأنفنا فلم يشكنا (٢) ، ولو كان السجود على الفرش سائغا لما شكوا.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يصلّي على البساط من الشعر ، والطنافس (٣) : « لا يسجد عليه وإن قمت عليه وسجدت على الأرض فلا بأس ، وإن بسطت عليه الحصر وسجدت على الحصر فلا بأس » (٤) وقال هشام بن الحكم للصادق عليه‌السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه ، وعمّا لا يجوز ، قال : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض » (٥).

وأطبق الجمهور على الجواز لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه صلّى في نمرة (٦) ـ قال الشافعي : والنمرة تعمل من الصوف (٧) ـ ولأنّه بساط‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٢٧ ـ ٨٥٨ ، وانظر المعتبر : ١٥٨.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٣٣ ـ ٦١٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٥ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ١٠٨ و ١١٠ ، سنن البيهقي ٢ : ١٠٥.

(٣) الطنافس جمع ، والطنفيس : البساط الذي له خمل رقيق. مجمع البحرين ٤ : ٨٢ « طنفس ».

(٤) المعتبر : ١٥٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ باب ٤٢ الحديث ١.

(٦) الام ١ : ٩١.

(٧) الام ١ : ٩١.

٤٣٤

طاهر يجوز له الصلاة فيه فجازت عليه كالقطن.

والرواية ممنوعة ، ومحمولة على أنه عليه‌السلام كان يضع جبهته على ما يصح السجود عليه ، والأصل ممنوع.

فروع :

أ ـ لا بأس بالسجود على الفرش من الصوف وغيره حالة التقية للضرورة ، وسأل علي بن يقطين الكاظم عليه‌السلام عن السجود على المسح (١) والبساط ، فقال : « لا بأس في حال التقية » (٢) ولا يعيد للامتثال.

ب ـ لا يشترط ذلك إلا في الجبهة خاصة.

ج ـ لا يشترط وقوع الجبهة بأجمعها بل ما تتمكن به من الجبهة على الأرض ، وبعضهم قدّره بالدرهم.

مسألة ١٠١ : لا يجوز السجود على ما خرج باستحالته عن الأرض كالمعادن‌ كالعقيق ، والذهب والفضة ، والملح ، والقير اختيارا ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله ، ودوام على غيره (٣) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (٤) ولقول الصادق عليه‌السلام : « السجود لا يجوز إلاّ‌

__________________

(١) المسح ، بالكسر فالسكون : يعبّر عنه بالبلاس وهو كساء معروف. مجمع البحرين ٢ : ٤١٤ « مسح ».

(٢) الفقيه ١ : ١٧٦ ـ ٨٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٣٠ و ٣٠٧ ـ ١٢٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٤.

(٣) انظر على سبيل المثال : سنن أبي داود ١ : ٢٣٦ ـ ٨٩٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، مسند أحمد ٥ : ٥٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٠٨ ـ ٣١٩.

٤٣٥

على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض » (١) وهذا ليس أحدهما ، ولو لم يخرج بالاستحالة عن اسم الأرض جاز كالسبخة ، والرمل ، وأرض الجص ، والنورة على كراهية.

مسألة ١٠٢ : إنّما يجوز السجود على الأرض أو ما أنبتته الأرض بشرط أن لا يكون مأكولا في العادة ، ولا ملبوسا‌ ، فلو كان أحدهما لم يصح لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سجد على الخمرة (٢) ، وهي معمولة من سعف النخل ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس » (٣).

فروع :

أ ـ لا فرق بين القطن والكتان وبين غيرهما عند أكثر علمائنا (٤) لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يسجد على الثوب الكرسف ، ولا الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من الثمار ، ولا على شي‌ء من الرياش » (٥).

وقال المرتضى في المسائل الموصلية : إنّه مكروه لا محظور (٦) ، لأن ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن عليه‌السلام وأنا أصلّي على الطبري (٧).

وقد ألقيت شيئا فقال : « ما لك لا تسجد عليه؟! أليس هو من نبات‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ باب ٤٢ الحديث ١.

(٢) مسند أحمد ٦ : ١١١.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع ٣٤١ باب ٤٢ الحديث ١.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٩ ، وسلار في المراسم : ٦٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٢.

(٦) رسائل الشريف المرتضى ١ : ١٧٤.

(٧) الطبري : كتان منسوب الى طبرستان. مجمع البحرين ٣ : ٣٧٦.

٤٣٦

الأرض؟ » (١). وسأل داود الصرمي أبا الحسن الثالث عليه‌السلام هل يجوز السجود على القطن ، والكتان من غير تقية؟ قال : « جائز » (٢) ويحملان على التقية ، أو على غير الجبهة جمعا بين الأدلة.

ب ـ لو كان مأكولا لا بالعادة جاز السجود عليه ، ولو كان معتادا عند قوم دون آخرين عمّ التحريم.

ج ـ الحنطة ، والشعير يجوز السجود عليهما قبل الطحن ، لأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة ، وكذا البحث في الملبوس ، ويجوز السجود على ما لم تجر العادة بلبسه كالورق ، والليف وإن كان ملبوسا نادرا.

د ـ الكتان قبل غزله ونسجه ، الأقرب عدم جواز السجود عليه ، وعلى الغزل على إشكال ينشأ من أنه عين الملبوس والزيادة في الصفة ، ومن كونه حينئذ غير ملبوس ، أما الخرقة الصغيرة فإنه لا يجوز السجود عليها وإن صغرت جدا.

هـ ـ القنّب لا يجوز السجود عليه إن لبس عادة.

و ـ لو اتخذ ثوب من الملبوس عادة ، ومن غيره كغزل الكتان والليف ففي السجود عليه إشكال.

ز ـ يجوز السجود على القرطاس إن كان متخذا من النبات ، وإن كان من الإبريسم فالوجه المنع ، لأنه ليس بأرض ، ولا من نباتها ، وإطلاق علمائنا يحمل على الأول ، ولو كان مكتوبا كره لقول الصادق عليه‌السلام : « يكره‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٧ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٢٧ و ٣٠٨ ـ ١٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٣ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ٣٤٢ باب ٤٢ الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ـ ١٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٦.

٤٣٧

السجود على قرطاس فيه كتابة » (١) ولئلاّ يشغله نظره.

وفي زوال الكراهة عن الأعمى وشبهه إشكال ينشأ من الإطلاق من غير ذكر علّة ، ولو سلّمت لكن الاعتبار بالضابط وإن خلا عن الحكمة نادرا.

مسألة ١٠٣ : يشترط فيما يسجد عليه ـ بعد ما تقدّم ـ أمور :

أ ـ تمكن الجبهة منه ، فلا يجوز على الوحل لعدم تمكنه من الطمأنينة حالة السجود ، وهي واجبة.

ب ـ الطهارة فلا يجوز على النجس وإن لم تتعدّ نجاسته إليه ، وإنّما يشترط طهارة موضع الجبهة لا باقي المساقط إن لم تتعد إليه ، وقد تقدم.

ج ـ أن لا يكون مشتبها بالنجس لوجوب الاحتراز عنه كوجوب الاحتراز عن النجس ، هذا إن كان الاشتباه في موضع محصور كالبيت ، ولو لم ينحصر جاز السجود كالصحاري.

د ـ الملك أو حكمه كالمباح ، والمأذون فيه.

هـ ـ أن لا يكون جزءا منه فلو سجد على كفه أو غيرها من بدنه لم يجز لأنا شرطنا كون المسجد أرضا أو ما ينبت منها ، ولو خاف الحر جاز للضرورة ، ولقول الباقر عليه‌السلام لما سئل أخاف الرمضاء ، قال : « اسجد على بعض ثوبك » قلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : « اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ـ ١٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٤٠ ، الإستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٤٩.

٤٣٨

مسألة ١٠٤ : ويحرم السجود على أشياء :

أ ـ الزجاج ، قاله في المبسوط ، لما فيه من الاستحالة ، وكذا منع من الرماد (١).

ب ـ الخمرة (٢) إن كانت معمولة بالسيور بحيث يعم موضع الجبهة لم يجز السجود عليها ، وإن كانت معمولة بالخيوط ، أو كان المجزي من الجبهة يقع على ما يصح السجود عليه جاز ، وفي رواية : كراهة السجود على شي‌ء ليس عليه سائر الجسد (٣) ، وفي طريقها غياث بن إبراهيم ، وأكثر الروايات على الجواز (٤) لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسجد على الخمرة (٥).

وعن أحدهما عليهما‌السلام قال : « كان أبي يصلّي على الخمرة ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد » (٦).

ج ـ القير ، والصهروج ، وفي رواية المعلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام الجواز (٧) ، وهي محمولة على الضرورة.

د ـ أن لا يكون حاملا له مثل كور العمامة وطرف الرداء ، قاله الشيخ‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٨٩.

(٢) الخمرة ، بالضم : سجّادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط. مجمع البحرين ٣ : ٢٩٢ « خمر ».

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٦١.

(٤) انظر على سبيل المثال : التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٤ و ١٢٣٥ ، قرب الاسناد : ٩٣ و ٩٥.

(٥) مسند أحمد ٦ : ١١١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٥٩.

(٧) الفقيه ١ : ١٧٥ ـ ٨٢٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٤ ، الإستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٥.

٤٣٩

في الخلاف (٨) ، وبه قال الشافعي (٩).

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : يجوز السجود على كور العمامة (١) ، وكان شريح يسجد على برنسه (٢) لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسجد على كور العمامة (٣) ، ولأن الجبهة عضو من أعضاء السجود فلا يجب كشفه كسائرها.

والتحقيق أن نقول : إن كان ما هو حامل له كالعمامة مما لا يجوز السجود عليه كالقطن ، والكتان ، والصوف ، والشعر ، فالحق قول الشيخ لا من حيث إنّه حامل كما قاله الشافعي ، بل لأنه لم يسجد على ما يصح السجود عليه ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رجلا يسجد وقد اعتمّ على جبهته فحسر عنها وقال : ( إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض ، قال : « لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض » (٥) والحديث الذي رووه عن سجود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على العمامة لم يثبته أكثرهم ، ويحمل على ما إذا أصاب بعض جبهته الأرض ، والمشقة ثابتة في كشف غيرها دونها.

__________________

(٨) الخلاف ١ : ٣٥٧ مسألة ١١٣.

(٩) المجموع ٣ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤٥٦ ، المغني ١ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٣.

(١) الشرح الصغير ١ : ١١٥ ، المغني ١ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٣ ، المجموع ٣ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤٥٧.

(٢) المغني ١ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٣.

(٣) مصنّف عبد الرزاق ١ : ٤٠٠ ـ ١٥٦٤ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٢٥.

(٤) الفردوس ١ : ٢٨١ ـ ١١٠٣ ، عوالي اللئالي ١ : ٣٣١ ـ ٨٤ ، كنز العمال ٧ : ٤٢٩ ـ ١٩٦٣٤ عن الطبراني في الكبير.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ـ ٣١٩.

٤٤٠