تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

وروي عن ابن عباس في مسافر صلّى الظهر قبل الزوال يجزيه ، ونحوه قال الحسن ، والشعبي (١).

وعن مالك فيمن صلّى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلا أو ناسيا : يعيد ما كان في الوقت فإذا ذهب الوقت قبل علمه أو ذكره فلا شي‌ء عليه (٢).

مسألة ٧٦ : لا يجوز التعويل في دخول الوقت على الظن مع القدرة على العلم‌ ، لقضاء العقل بقبح سلوك طريق لا يؤمن معه الضرر مع التمكن من سلوك ما يتيقن معه الأمن ، فإن تعذّر العلم اكتفى بالظن المبني على الاجتهاد لوجود التكليف بالفعل ، وتعذر العلم بوقته ، فإن ظن دخول الوقت صلى ، فإن استمر على ظنه ، أو ظهرت صحته أجزأ ، وإن انكشف فساده قبل دخول الوقت استأنف بعد الوقت.

وإن دخل الوقت وهو متلبس ولو قبل التسليم أجزأ على الأقوى ـ واختاره الشيخ في المبسوط (٣) ـ لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا صلّيت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (٤).

وقال المرتضى ، وابن الجنيد : يعيد على كل حال ، لأنه أدى غير المأمور به فلا يجزي عن المأمور به (٥) ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « من صلى في غير وقت فلا صلاة له » (٦).

والجواب : المنع من كون المأتي به غير مأمور به ، ومن دخول صورة‌

__________________

(١) المغني ١ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٠.

(٢) المغني ١ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٧٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٦ ـ ١١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ ـ ٦٦٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥ ـ ١١٠.

(٥) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٥٠ ، وحكاه المحقق في المعتبر : ١٤٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ـ ٥٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤٤ ـ ٨٦٨.

٣٨١

النزاع تحت العموم لأنّا نقول : إنّه وقت الصلاة.

وللشيخ قول آخر في النهاية ضعيف ، وهو : أن من دخل قبل الوقت في الصلاة عامدا ، أو ناسيا ، فإن دخل ولم يفرغ منها فقد أجزأته (١).

فروع :

أ ـ لو شك في الوقت لم تجز الصلاة حتى يتيقن ، أو يظن دخوله إن لم يتمكن من العلم لأصالة البقاء فيكون الدخول مرجوحا.

ب ـ لو فقد العلم بالدخول والظن كالأعمى والمحبوس في موضع مظلم يجوز له التقليد ، لتعذر علم الوقت وظنّه ، وهو أحد وجهي الشافعي (٢) ، وحكى أبو حامد عنه المنع لأن من كان من أهل الاجتهاد في شي‌ء لا يجوز له التقليد فيه كالعالم لا يقلد في الحوادث (٣) ، ولو تمكن من الاجتهاد بعمل راتب له ، أو درس مثلا عمل عليه ولم يجز له التقليد.

ج ـ لو أخبره العدل بدخول الوقت عن علم ولا طريق سواه بنى عليه ، ولو كان له طريق لم يعول على قوله لأن الظن بدل عن العلم فيشترط عدم الطريق إليه كالمبدل.

د ـ لو سمع الأذان من ثقة عارف جاز أن يقلده في موضع جوازه لقوله عليه‌السلام : ( المؤذن مؤتمن ) (٤) ، ولا يجوز التعويل على أصوات الديكة. وقالت الشافعية : يجوز إذا عرف أن عادتها الصياح بعد الوقت (٥).

__________________

(١) النهاية : ٦٢.

(٢) المجموع ٣ : ٧٢ ، فتح العزيز ٣ : ٥٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٧.

(٣) فتح العزيز ٣ : ٥٩ ، المجموع ٣ : ٧٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢١ وانظر سنن أبي داود ١ : ١٤٣ ـ ٥١٧ ، سنن الترمذي ١ : ٤٠٢ ـ ٢٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٢ ، مسند الطيالسي : ٣١٦ ـ ٢٤٠٤.

(٥) المجموع ٣ : ٧٤ ، فتح العزيز ٣ : ٥٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٧.

٣٨٢

هـ ـ التعويل على المؤذن الثقة إنما هو للأعمى غير المتمكن من الاجتهاد ، أو البصير كذلك.

وقال بعض الشافعية : يجوز تقليد المؤذن مطلقا لأن الأذان بمنزلة الإخبار بالوقت فيجب قبوله (١) ، وقال بعضهم : يجوز في الصحو دون الغيم لأنه في الصحو إنما يؤذن عن مشاهدة وعلم ، وفي الغيم عن اجتهاد فيقلد في الأول دون الثاني (٢).

و ـ لو صلى المحبوس أو الأعمى من غير اجتهاد ولا تقليد أعادا الصلاة وإن وافقا الوقت ، وبه قال الشافعي (٣).

ز ـ لو صلى قبل الوقت فقد بيّنا عدم صحتها ، وهل نقع نفلا؟ الوجه : المنع لأنه لم يقصده ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : تقع نفلا لئلاّ يضيع عمله (٤) ، وليس بجيد.

ح ـ معرفة الوقت واجبة لأن الامتثال إنما يحصل معها.

مسألة ٧٧ : لا فرق في المنع من التقديم على الوقت بين الفرائض ، والنوافل إلا في موضعين : أحدهما : نوافل الظهرين يوم الجمعة فإنه يجوز تقديمها على الزوال للحاجة الداعية ، وهي الشروع في الخطبة ، والاستماع لها ، ولأنّه زمان شريف فتساوت أجزاؤه في إيقاع النوافل على ما يأتي.

والثاني : صلاة الليل لشاب يمنعه من القيام بالليل رطوبة رأسه ، أو‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٧٤ ، فتح العزيز ٣ : ٥٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٧.

(٢) المجموع ٣ : ٧٤ ، فتح العزيز ٣ : ٥٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٧.

(٣) الام ١ : ٧٢ ، المجموع ٣ : ٧٢ ، فتح العزيز ٣ : ٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٧.

(٤) الوجيز ١ : ٤٠ ، فتح العزيز ٣ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨.

٣٨٣

مسافر يصدّه سيره عن التنفل ليلا فإنه يجوز لهما تقديم نافلة الليل بعد العشاء ، اختاره الشيخ (١) ( لأنهما معذوران فجاز لهما التقديم محافظة على السنن ) (٢).

ومنعه آخرون (٣) وهو الوجه عندي لأنّها عبادة موقتة فلا تفعل قبل وقتها كغيرها ( من العبادات ) (٤) ، ولأن معاوية بن وهب قال للصادق عليه‌السلام : رجل من مواليك يريد القيام لصلاة الليل فيغلبه النوم فربما قضى الشهر والشهرين. قال : « قرّة عين له » ولم يرخص له في أول الليل ، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » (٥).

فروع :

أ ـ قضاء صلاة الليل بالنهار أفضل من تقديمها في أوله.

ب ـ لو طلع الفجر وقد صلى أربعا من صلاة الليل أتمها ، وزاحم بها الفريضة ، لرواية محمد بن النعمان عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع » (٦).

أما نوافل الظهرين فإن خرج الوقت وقد صلى ركعة أتمها ، وزاحم بها الفرضين ، لقول الصادق عليه‌السلام : « فإن مضى قدمان قبل أن يصلي‌

__________________

(١) النهاية : ٦١.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في نسخة ( م ).

(٣) منهم ابن إدريس في السرائر : ٦٧.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في نسخة ( ش ).

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٧ ـ ٢٠ ، الفقيه ١ : ٣٠٢ ـ ١٣٨١ ، التهذيب ٢ : ١١٩ ـ ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ ـ ١٠١٥.

(٦) التهذيب ٢ : ١٢٥ ـ ٤٧٥ ، الإستبصار ١ : ٢٨٢ ـ ١٠٢٥.

٣٨٤

ركعة بدأ بالأولى » (١).

ونوافل المغرب إن خرج وقتها ولم يكملها ، صلّى العشاء وقضاها بعدها.

ج ـ لو نسي ركعتين من صلاة الليل وأوتر ثم ذكرهما ، قضاهما وأعاد الوتر.

مسألة ٧٨ : وقت الوتر بعد صلاة الليل‌ عند علمائنا لقوله عليه‌السلام : ( الوتر ركعة من آخر الليل ) (٢) وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوتر آخر الليل (٣).

وقال الجمهور : وقته ما بين العشاء وطلوع الفجر الثاني (٤) لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء الى طلوع الفجر ) (٥) ونحن نقول بموجبه ، فإنّ آخر وقت العشاء نصف الليل.

فروع :

أ ـ يجوز تقديمه على الانتصاف إذا قدم صلاة الليل للسفر ، أو تعذر الانتباه ، وقضاؤه من الغد أفضل.

ب ـ لا خلاف في أنّ تأخيره عن صلاة الليل أفضل إلاّ أن الشافعي قال : إن لم تكن له عادة بالتهجد فإنه يصلي الوتر عقيب العشاء ، وإن كان له عادة بذلك فالأولى أن يؤخر الوتر حتى يصلّي التهجد ، فإن أوتر في أول الليل‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥١٨ ـ ٧٥٢ ومسند أحمد ٢ : ٣٣ و ٥١.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥١٢ ـ ٧٤٥.

(٤) المجموع ٤ : ١٣ و ١٤ ، المغني ١ : ٨٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٢١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٠ ، أقرب المسالك : ٢٣.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٦٩ ـ ١١٦٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٦١ ـ ٤١٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٧٠.

٣٨٥

ثم قام للتهجد صلى مثنى مثنى ولا يعيد الوتر ، وعنه قول آخر : إن التعجيل مطلقا أفضل (١). وما ذهبنا نحن إليه أولى.

ج ـ لو اعتقد أنه صلى العشاء فأوتر ، ثم ذكر ، لم يعتد بالوتر عندنا ـ وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد (٢) ـ لأنه فعله قبل وقته وإن كان مخطئا ، كما لو ظن دخول الوقت فصلى قبله.

وقال أبو حنيفة : يعتد به ، لأنّ الوقت لهما وإنما بينهما ترتيب فإذا نسيه سقط بالنسيان كترتيب الفوائت (٣).

د ـ آخر وقت الوتر طلوع الفجر لأنه آخر صلاة الليل ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخر : يمتد وقته الى أن يشتغل بفريضة الصبح (٤).

مسألة ٧٩ : صلاة الصبح من صلوات النهار‌ لأن أول النهار طلوع الفجر الثاني عند عامة أهل العلم لأن الإجماع على أن الصوم إنما يجب بالنهار ، والنص دلّ على تحريم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر (٥).

وحكي عن الأعمش أنها من صلاة الليل ، وأن ما قبل طلوع الشمس من الليل يحل فيه الطعام والشراب (٦) لقوله تعالى‌ ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٢) المجموع ٤ : ١٣ ، فتح العزيز ٤ : ٢٣١ و ٢٣٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٧٢ ، المغني ١ : ٨٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧٤٦.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٤ : ٢٣٢ ، المغني ١ : ٨٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧٤٦.

(٤) المجموع ٤ : ١٤.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ). البقرة : ١٨٧.

(٦) المجموع ٣ : ٤٥.

٣٨٦

آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (١) وآية النهار الشمس ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( صلاة النهار عجماء ) (٢) ، وقول أمية بن أبي الصلت :

و الشمس تطلع كل آخر ليلة

حمراء يبصر لونها يتوقد (٣)

ولا دلالة في الآية ، لأن الآية قد تتأخر إذ لا دلالة فيها على حصر الآية فيها ، ويقال : الفجر صاحب الشمس ، والحديث نسبه الدار قطني إلى الفقهاء (٤) ويحتمل إرادة الأكثر.

وأما الشعر فحكى الخليل أنّ النهار هو الضياء الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس (٥) ، وسمي طلوع الشمس في آخر كل ليلة لمقارنتها (٦) لذلك.

مسألة ٨٠ : قال الشيخ في الخلاف : الصلاة الوسطى هي الظهر‌ (٧). وبه قالت عائشة ، وزيد بن ثابت ، وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه (٨) ـ لأنها وسط صلوات النهار وهي مشقة لكونها في شدة الحر ، ووقت القيلولة ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة فاشتد ذلك على‌

__________________

(١) الاسراء : ١٢.

(٢) عوالي اللئالي ١ : ٤٢١ ـ ٩٨ ونسبه الى الحسن البصري كل من الزمخشري في الفائق ٢ : ٣٩٥ والهروي في غريب الحديث ١ : ٢٨٢ وابن الأثير في النهاية ٣ : ١٨٧ « عجم ».

(٣) خزانة الأدب ١ : ٢٨٠.

(٤) حكاه النووي في المجموع ٣ : ٤٦ ، والزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة : ٦٦ والعجلوني في كشف الخفاء ٢ : ٣٦ ـ ١٦٠٩.

(٥) العين ٤ : ٤٤.

(٦) في نسخة ( ش ) : لمقاربتها.

(٧) الخلاف ١ : ٢٩٤ مسألة ٤٠.

(٨) أحكام القرآن للجصاص ١ : ٤٤٢ ، المغني ١ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٨ ، احكام القرآن لابن العربي ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٣ : ٦١.

٣٨٧

أصحابه فنزلت ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (١) (٢) وعن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر (٣).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) هي صلاة الظهر ، وهي أول صلاة صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر » (٤).

وقال السيد المرتضى : إنها العصر (٥) ، وحكاه ابن المنذر عن علي عليه‌السلام ، وأبي هريرة ، وأبي أيوب ، وأبي سعيد ، وهو قول أبي حنيفة ، وابن المنذر (٦) لأن عليا عليه‌السلام قال : « لمّا كان يوم الأحزاب صلّينا العصر بين المغرب والعشاء ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وأجوافهم نارا » (٧).

وقال قبيصة بن ذويب : إنّها المغرب ، لأنها أوسط أعداد الصلوات ،

__________________

(١) البقرة : ٢٣٨.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١١٢ ـ ٤١١.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١١٢ ـ ٤١٠ ، الموطأ ١ : ١٣٨ ـ ٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧١ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٢٥ ـ ٦٠٠ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ ـ ٩٥٤ ، علل الشرائع : ٣٥٥ باب ٦٧ حديث ١ ، معاني الأخبار : ٣٣٢ ـ ٥.

(٥) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٧٥.

(٦) عمدة القارئ ١٨ : ١٢٤ ، المجموع ٣ : ٦١ ، فتح الباري ٨ : ١٥٨ ، إرشاد الساري ٧ : ٤٠ ، المغني ١ : ٤٢١.

(٧) سنن أبي داود ١ : ١١٢ ـ ٤٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٤ ـ ٦٨٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، مسند أحمد ١ : ٨١ ـ ٨٢ بتفاوت فيها.

٣٨٨

ووقتها ضيّق فنهي عن تأخيرها (١).

وقال الشافعي : صلاة الصبح ، وبه قال مالك ، وحكاه الشافعي في البويطي عن علي عليه‌السلام ، وعبد الله بن عباس ، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر أيضا (٢) لقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٣) عقيب الوسطى ، والقنوت مسنون في الصبح ، وهو ممنوع ، ولأن الفجر لا تجمع الى ما قبلها ولا الى ما بعدها فهي منفردة ، قبلها صلاة الليل ، وبعدها صلاة النهار.

مسألة ٨١ : قال الشيخ : يكره تسمية العشاء بالعتمة‌ (٤) ، ولعلّه استند في ذلك الى ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا تغلبنكم الأعراب عل اسم صلاتكم فإنها العشاء فإنهم يعتمون بالإبل ) (٥) فإنهم كانوا يؤخرون الحلب الى أن يعتم الليل ، ويسمون الحلبة العتمة ، وبه قال الشافعي (٦).

قال الشيخ : وكذا يكره تسمية الصبح بالفجر ، بل يسمى بما سماه الله تعالى في قوله ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (٧) (٨).

وقال الشافعي : يستحب أن تسمى بأحد اسمين إما الفجر ، أو الصبح‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦١ ، فتح الباري ٨ : ١٥٨ ، عمدة القارئ ١٨ : ١٢٤ ، أحكام القرآن للجصاص ١ : ٤٤٣.

(٢) المجموع ٣ : ٦٠ ، المغني ١ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٨ ، الموطأ ١ : ١٣٩ ـ ٢٨ ، احكام القرآن لابن العربي ١ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

(٣) البقرة ٢٣٨.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٧٥.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٤٤٥ ـ ٦٤٤ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٩٦ ـ ٤٩٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٠ ـ ٧٠٤ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٠ ، مسند أحمد ٢ : ١٠.

(٦) الام ١ : ٧٤ ، المجموع ٣ : ٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٩ ، السراج الوهاج : ٣٥.

(٧) الروم : ١٧.

(٨) المبسوط للطوسي ١ : ٧٥.

٣٨٩

لأن الله تعالى سماها فجرا ، وسماها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صبحا ، ولا يستحب أن تسمى الغداة (١) ، والأشبه انتفاء الكراهة ، وروى البخاري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إنّها المغرب ، والعرب يسمونها العشاء ) (٢).

مسألة ٨٢ : الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا‌ ، وتستقر بإمكان الأداء ، وهو اختيار أكثر علمائنا كالشيخ ، وابن أبي عقيل (٣) وبه قال الشافعي (٤) لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٥).

ولقول محمد بن مسلم قال : دخلت على الباقر عليه‌السلام وقد صليت الظهر والعصر ، فيقول : « صليت الظهر » فأقول : نعم والعصر ، فيقول : « ما صليت الظهر » فيقوم مسترسلا غير مستعجل ، فيغتسل أو يتوضأ ، ثم يصلي الظهر ، ثم يصلي العصر (٦).

ومن علمائنا من قال : تجب بأول الوقت وجوبا مضيّقا إلاّ أنّه متى لم يفعلها لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى (٧).

وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجب بآخر الوقت (٨). وقد مضى تفصيل مذاهبهم (٩).

__________________

(١) الام ١ : ٧٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠ ، المجموع ٣ : ٤٦.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٤٧.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٧٧ ، الخلاف ١ : ٢٧٦ ١٨ ، وحكى قول ابن أبي عقيل المحقق في المعتبر : ١٣٤.

(٤) المجموع ٣ : ٤٧ ، فتح العزيز ٣ : ٤١ ، الوجيز ١ : ٣٣.

(٥) الاسراء : ٧٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٥٢ ـ ٩٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٥٦ ـ ٩٢٠.

(٧) الشيخ المفيد في المقنعة : ١٤.

(٨) المجموع ٣ : ٤٧ ، فتح العزيز ٣ : ٤١.

(٩) تقدم في المسألة ٧٣.

٣٩٠

فروع :

أ ـ لو أخّر حتى مضى إمكان الأداء ومات لم يكن عاصيا ، ويقضي الولي لأن التقدير أنه موسع يجوز له تركه فلا يعاقب على فعل الجائز ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : يعصي كالحج (١) ، والفرق تضييق الحج عندنا ، وعنده : أن آخر وقت الصلاة معلوم ، فلم يكن في التأخير عذر ، وآخر زمان يؤدي فيه الحج غير معلوم فكان جواز التأخير بشرط السلامة.

ب ـ لو ظنّ التضييق عصى لو أخر إن استمر الظن ، وإن انكشف بطلانه فالوجه عدم العصيان.

ج ـ لو ظن الخروج صارت قضاء ، فإن كذب الظن فالأداء باق.

د ـ لو صلّى عند الاشتباه من غير اجتهاد لم يعتد بصلاته وإن وقعت في الوقت.

هـ ـ لو كان يقدر على درك اليقين بالصبر احتمل جواز المبادرة بالاجتهاد لأنّه لا يقدر على اليقين حالة الاشتباه ، وعدمه ، وللشافعي كالوجهين (٢).

خاتمة : تارك الصلاة الواجبة مستحلا يقتل إجماعا إن كان مسلما ولد على الفطرة من غير استتابة ، لأنه جحد ما هو معلوم من دين الإسلام ضرورة فيكون مرتدا ، ولو تاب لم يسقط عنه القتل ، وإن لم يكن مسلما لم يقتل إن كان من أهل الذمة.

ولو كان مسلما عن كفر فهو مرتد لا عن فطرة يستتاب ، فإن تاب قبلت توبته ، وإلاّ قتل.

ولو كان قريب العهد بالإسلام ، أو نشأ في بادية وزعم أنّه لا يعرف‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٥٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤١.

(٢) المجموع ٣ : ٧٣ ، الوجيز ١ : ٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٧ ، السراج الوهاج : ٣٥.

٣٩١

وجوبها عليه قبل منه ومنع من العود ، وعرّف الوجوب.

ولو كان غير مستحل لم يكن مرتدا بل يعزر على تركها ، فإن امتنع عزّر ثانيا ، فإن امتنع عزّر ثالثا ، فإن امتنع قتل في الرابعة ، وقال بعض علمائنا : قتل في الثالثة (١).

فروع :

أ ـ إذا ترك محرّما طولب بها الى أن يخرج الوقت ، فإذا خرج أنكر عليه وأمر بقضائها ، فإن لم يفعل عزر ، فإن انتهى وصلى برئت ذمته ، وإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات وعزّر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة ، ولا يقتل حتى يستتاب ، ويكفن ، ويصلّى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين ، وميراثه لورثته المسلمين.

ب ـ لو اعتذر عن الترك بالمرض أو الكسل لم يقبل عذره وطولب المريض بالصلاة على حسب حاله ومكنته قائما ، أو جالسا ، أو مضطجعا ، أو مستلقيا فإن الصلاة لا تسقط عنه بحال ، وإن كان لكسل الزم بها ولم يقبل منه فإن صلى وإلاّ عزّر ثلاثا ، ويقتل في الرابعة على ما قلناه لقولهم عليهم‌السلام : « أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة » (٢).

وقال مالك : لا يقتل حتى يحبس ثلاثا ويضيّق عليه فيها ، ويدعى في وقت كلّ صلاة إلى فعلها ، ويخوف بالقتل ، فإن صلّى وإلاّ قتل بالسيف ـ وبه قال حماد بن زيد ، ووكيع ، والشافعي (٣) ـ لقوله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ )

__________________

(١) قاله الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٨٩ ، المسألة ٤٦٥ ( صلاة الاستسقاء ) وابن إدريس في السرائر : ٤٦٧.

(٢) أورده نصّا في المبسوط ١ : ١٢٩ و ٧ : ٢٨٤ ، والذي عثرنا عليه في المصادر التالية « .. يقتلون في الثالثة » انظر : الكافي ٧ : ١٩١ ـ ٢ ، الفقيه ٤ : ٥١ ـ ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٦٢ ـ ٢٢٨ و ٩٥ ـ ٩٦ ـ ٣٦٩ ، الاستبصار ٤ : ٢١٢ ـ ٧٩١.

(٣) الام ١ : ٢٥٥ ، المجموع ٣ : ١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٨ ، المغني ٢ : ٢٩٧.

٣٩٢

ـ إلى قوله : ـ ( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) (١) شرط في التخلية إقامة الصلاة فإذا لم يقم الصلاة بقي على وجوب القتل ، وقال عليه‌السلام : ( من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة ) (٢).

وقال الزهري : يضرب ، ويسجن ، ولا يقتل ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حق ) (٤) ولا حجة فيه لأنّ ترك العموم لدليل مخصص واجب ، وحكي عن بعضهم ترك التعرض له (٥) لأن الصلاة أمانة بينه وبين الله تعالى. وهو مدفوع بالإجماع.

ج ـ لا يسوغ قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة ولا بما زاد ما لم يتخلل التعزير ثلاثا لأنّ الأصل حفظ النفس ، وظاهر كلام الشافعي أنه يقتل بصلاة واحدة ـ وهو رواية عن أحمد (٦) ـ لأنه تارك للصلاة فيقتل كتارك الثلاث ، والفرق ظاهر.

د ـ الظاهر من قول علمائنا أنّه بعد التعزير ثلاثا عند ترك الفرائض الثلاث يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة ، وهو ظاهر مذهب الشافعي (٧) لشبهه بالمرتد ، وقال بعض الشافعية : يضرب حتى يصلّي أو يموت (٨).

__________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٣٩ ـ ٤٠٣٤ ، مسند أحمد ٥ : ٢٣٨.

(٣) المغني ٢ : ٢٩٧ ، القوانين الفقهية : ٥٠ ، مقدمات ابن رشد : ١٠٢.

(٤) سنن الترمذي ٤ : ٤٦٠ ـ ٢١٥٨.

(٥) الام ١ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٢٩٠.

(٦) المجموع ٣ : ١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٨ ، الانصاف ١ : ٤٠١ ، مقدمات ابن رشد : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٢٩٨.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ٥٨ ، المغني ٢ : ٢٩٧.

(٨) المجموع ٣ : ١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٨ ، السراج الوهاج : ١٠٢.

٣٩٣

هـ ـ يقتل حدّا ولا يكفر بذلك ـ وبه قال الشافعي ، ومالك (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( خمس كتبهن الله على عباده في اليوم والليلة فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة ) (٢).

وقال أحمد : يكفر بتركها ، وإسلامه أن يصلي ، ولو أتى بالشهادتين لم يحكم بإسلامه إلاّ بالصلاة ـ وبه قال الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، وأبو أيوب السجستاني ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وحماد بن زيد ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) (٤) وهو محمول على التارك مستحلا.

و ـ صلاة الكافر ليست إسلاما عندنا مطلقا ، لأنه عبارة عن الشهادتين.

وقال أبو حنيفة : إنّها إسلام في دار الحرب ودار الإسلام معا (٥) ، وقال الشافعي : أنّها إسلام في دار الحرب خاصة (٦) ، وسيأتي.

ز ـ قال في المبسوط : إذا امتنع من الصلاة حتى خرج وقتها وهو قادر أنكر عليه ، وأمر بأن يصلّيها قضاء ، فإن لم يفعل عزّر ، فإن انتهى وصلّى برئت ذمته ، وإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات وعزّر فيها ثلاث‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٦ ، السراج الوهاج : ١٠١ ، مغني المحتاج ١ : ٣٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٩٠ ، المغني ٢ : ٢٩٩ ، مقدمات ابن رشد : ١٠١ ، القوانين الفقهية : ٥٠.

(٢) الموطأ ١ : ١٢٣ ـ ١٤ ، سنن النسائي ١ : ٢٣٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٤٩ ـ ١٤٠١ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٢ ـ ١٤٢٠.

(٣) المغني ٢ : ٢٩٩ ، مقدمات ابن رشد : ١٠١ ، بداية المجتهد ١ : ٩٠ ، كشاف القناع ١ : ٢٢٨.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٢ ـ ١٠٧٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٥٣ ـ ٤ وانظر المغني ٢ : ٢٩٩.

(٥) بدائع الصنائع ٧ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٥٢.

(٦) المجموع ٤ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

٣٩٤

مرات قتل في الرابعة ، لما روي عنهم عليهم‌السلام : « إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة » (١) وهو يقتضي أنه لا يقتل حتى يترك أربع صلوات ويعزّر ثلاثا.

وظاهر مذهب الشافعي أنه يستحق القتل بترك الواحدة فإذا ضاق وقتها يقال له : إن صلّيت قبل خروج الوقت وإلا قتلناك بعد خروج الوقت (٢).

واختلف أصحابه فقال بعضهم : إذا خرج وقتها المختص وجب القتل (٣) ، وقال القفال : لا يقتل حتى يخرج الوقت ، فتارك الظهر لا يقتل حتى تغرب الشمس (٤).

وهل يقتل في الحال؟ قولان : أحدهما : يمهل ثلاثة أيام رجاء لتوبته.

والثاني : يقتل معجلا (٥).

ح ـ إذا اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان ، أو بعدم المطهر قبل عذره إجماعا ، ويؤمر بالقضاء فإن صلّى فلا بحث ، وإن امتنع لم يقتل ، لأن القضاء ليس على الفور ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وله وجه أنّه يقتل ، لامتناعه عن الإبان بها مع التمكن منها (٦).

ط ـ لا فرق بين تارك الصلاة وتارك شرط مجمع عليه كالطهارة ، أو جزء منها كذلك كالركوع ، أما المختلف فيه كإزالة النجاسة ، وقراءة الفاتحة ، والطمأنينة فلا شي‌ء عليه ، ولو تركه معتقدا تحريمه لزمه إعادة الصلاة ، ولا يقتل بذلك لأنه مختلف فيه.

__________________

(١) لقد أشرنا إلى مصادر الحديث في فرع « ب ».

(٢) المجموع ٣ : ١٤ ، السراج الوهاج : ١٠١.

(٣) المجموع ٣ : ١٤ ـ ١٥ ، فتح العزيز ٥ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

(٤) المجموع ٣ : ١٥. لم ينص فيه على اسم القفال ، بل نسبه الى الأصحاب وهكذا في فتح العزيز ٥ : ٣٠٣ ـ ٣٠٥.

(٥) المجموع ٣ : ١٥ ، الام ١ : ٢٥٥ ، مختصر المزني : ٣٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٨.

(٦) حلية العلماء ٢ : ١١ ـ ١٢.

٣٩٥
٣٩٦

الفصل الثالث : في المكان

ومباحثه ثلاثة :

الأول : في ما يصلّى فيه‌

مسألة ٨٣ : تصح الصلاة في كلّ مكان مملوك ، أو في حكمه ، خال من نجاسة‌ بغير خلاف بين العلماء.

واختلف في المغصوب فذهب علماؤنا إلى بطلان الصلاة فيه اختيارا مع العلم بالغصبية ، وهو قول الجبّائيين ، والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين (١) ، لأنه فعل منهي عنه ، إذ القيام والقعود ، والركوع ، والسجود التي هي أجزاء الصلاة تصرّف في مال الغير بغير إذنه فيكون قبيحا ، والنهي يدل على الفساد في العبادات.

وقال أبو حنيفة ، ومالك : تصح ، وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، لأنّ النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلّى وهو يرى غريقا يمكن إنقاذه فلم ينقذه (٢). وليس بجيد ، إذ النهي وقع عن‌

__________________

(١) المغني ١ : ٧٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٣ ، كشاف القناع ١ : ٢٩٥ ، المجموع ٣ : ١٦٤ ، وحكى قول الجبّائيين المحقق في المعتبر : ١٥٦.

(٢) المجموع ٣ : ١٦٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧١ ، المغني ١ : ٧٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٣.

٣٩٧

هذه التصرفات التي هي أجزاء من حقيقة الصلاة فبطلت ، والصلاة حال الغرق مأمور بها ، وإنقاذ الغريق مأمور به لكنه آكد فافترقا ، على أنّا نمنع حكم الأصل.

فروع :

أ ـ لا فرق بين غصب رقبة الأرض بأخذها ، أو دعواه ملكيتها ، وبين غصب المنافع بادعاء الإجارة ظلما ، أو يضع يده عليها مدة ، أو يخرج روشنا ، أو ساباطا في موضع لا يحل له ، أو يغصب راحلة فيصلّي عليها ، أو سفينة ، أو لوحا فيجعله في سفينة ويصلّي عليه.

ب ـ لا فرق بين الجمعة وغيرها عند علمائنا لما تقدم. وقال أحمد : يصلّى الجمعة في موضع الغصب ، وكذا العيد ، والجنازة ، لأن الإمام إذا صلّى في موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الجمعة ، ولهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج ، والمبتدعة (١).

وهو غلط ، لأن صلاة الإمام مع علمه باطلة فلا تفوت الجمعة بفعلها في غير الموضع ، ونمنع من جواز الصلاة خلف الخوارج ، والمبتدعة على ما يأتي.

ج ـ لا فرق بين الغاصب وغيره في بطلان الصلاة سواء أذن له الغاصب أو لا ، وتصح للمالك الصلاة فيه ، ولا أعلم فيها خلافا إلاّ من الزيدية ، فإنهم أبطلوا صلاته فيه للعموم. وهو خطأ.

د ـ لو أذن المالك اختص المأذون وإن كان الغاصب ، ولو أطلق الإذن‌

__________________

(١) المغني ١ : ٧٥٨ و ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٤ ، كشاف القناع ١ : ٢٩٦.

٣٩٨

انصرف الإطلاق عرفا الى غير الغاصب.

هـ ـ لو أذن له في الدخول الى داره والتصرف جاز له أن يصلّي ، لأنه من جملة التصرف ، وكذا لو علم بشاهد الحال.

و ـ تجوز الصلاة في البساتين ، والصحاري وإن لم يحصل الإذن ما لم يكره المالك ، لأن الإذن معلوم بالعادة ، ولو كانت مغصوبة لم تصح إلا مع صريح الإذن.

ز ـ جاهل الحكم غير معذور ، وفي الناسي إشكال ينشأ من التفريط ومن سقوط القلم عنه.

ح ـ لو أمره بعد الإذن بالخروج تشاغل به فإن ضاق الوقت خرج مصلّيا ، ولو صلّى من غير خروج لم يصح ، وكذا الغاصب.

ط ـ لو أمره بالكون فتلبس بالصلاة فأمره بالخروج مع الاتّساع احتمل الإتمام لمشروعية الدخول ، والقطع لأنه غير مأذون له في الصلاة صريحا وقد وجد المنع صريحا ، والخروج مصلّيا كما في حالة التضيق ( للمنع من قطع عبادة مشروعة فأشبهت المضيق ) (١) ، ولو أذن في الصلاة فالإتمام.

ى ـ لا فرق بين النوافل والفرائض في ذلك كله بخلاف الصوم الواجب في المكان المغصوب فإنه سائغ ، أما لو نذر قراءة القرآن فالوجه عدم الإجزاء في المكان المغصوب ، وكذا أداء الزكاة ، ويجزي أداء الدين ، والطهارة كالصلاة في المنع ، والمشتبه بالمغصوب كالمغصوب في الحكم.

مسألة ٨٤ : يشترط طهارة المكان من النجاسات المتعدية إليه مما لم يعف‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في نسخة ( م ).

٣٩٩

عنها إجماعا منّا ـ وبه قال أكثر العلماء (١) ـ لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) ، ولقوله عليه‌السلام : ( أكثر عذاب القبر من البول ) (٣) وروي عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وأبي مجلز عدم اشتراط الطهارة (٤) عملا بالأصل. وهو غلط.

أما ما لا يتعدى كالنجاسات اليابسة فلا يشترط طهارة المكان عنها إلاّ موضع جبهة السجود خاصة عند أكثر علمائنا (٥) ، وقد أجمع كل من اشترط الطهارة على اعتبار طهارة موضع الجبهة ، وهو حجة.

وأما عدم اشتراط غيرها فهو الأشهر عندنا للأصل ، ولأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) (٦).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الشاذكونة (٧) يصلّي عليها وقد أصابتها الجنابة : « لا بأس » (٨).

وقال أبو الصلاح منّا : يشترط طهارة مساقط أعضاء السجود (٩) كالجبهة.

ونمنع القياس.

__________________

(١) الشرح الكبير ١ : ٥٠٩.

(٢) المدثر : ٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ١٢٥ ـ ٣٤٨ ، مسند أحمد ٢ : ٣٢٦ و ٣٨٨.

(٤) انظر : الشرح الكبير ١ : ٥٠٩.

(٥) منهم : المفيد في المقنعة : ١٠ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٧ ، والمحقق في المختصر النافع : ٢٦‌

(٦) صحيح البخاري ١ : ٩١ ، سنن الترمذي ٢ : ١٣١ ـ ٣١٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٢ ـ ٤٨٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ ـ ٥٦٧ ، مسند أحمد ٥ : ١٤٥.

(٧) الشاذكونة : هي بفتح الذال ثياب غلاظ مضرّبة تعمل باليمن ، وقيل : انها حصير صغير يتخذ للافتراش. مجمع البحرين ٥ : ٢٧٣ « شذك ».

(٨) التهذيب ١ : ٢٧٤ ـ ٨٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٥٠٠.

(٩) الكافي في الفقه : ١٤٠.

٤٠٠