تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

صلاة السفر تسقط في الثنائية دون الثلاثية.

ج ـ لو كان عليه منذورة ، ويومية ، ونسي فعل إحداهما ، فإن اتفقتا عددا صلّى ذلك العدد بنية مشتركة وإلاّ صلاهما معا.

د ـ لو ذكر في الأثناء التعيين عدل بنية الإطلاق إليه في الرباعية ، وبنيّة المعين إلى الفائتة إن خالفت ما دام العدول ممكنا.

هـ ـ لو فاتته معينة فاشتغل بقضائها فذكر سابقة عليها عدل بنيته ـ ما دام العدول ممكنا ـ واجبا ، ولو لم يمكن العدول أتم ما نواه أوّلا ، ثم قضى السابقة.

مسألة ٦٣ : لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة العدد‌ صلّى من تلك الصلوات الى أن يتغلب في ظنّه الوفاء ، لاشتغال الذمة بالفائت ، فلا تحصل البراءة قطعا إلاّ بذلك ، ولو كانت واحدة ولا يعرف العدد صلّى تلك الصلاة مكرّرا لها حتى يظن الوفاء.

ويحتمل هنا أمران : إلزامه بقضاء المشكوك فيه فإذا قال : أعلم أني تركت ظهرا في بعض أيام شهر وصليتها في البعض الآخر ، قيل له : كم المعلوم من صلاتك؟ فإذا قال : عشرة أيام كلّف بقضاء ظهر عشرين لعلمنا باشتغال ذمته بالفرض فلا يسقط إلاّ بيقين وإلزامه بقضاء المعلوم تركه ، فيقال : كم المعلوم من ترك الصلاة؟ فإذا قال : عشرة أيام وأشك في الزائد كلّف قضاء العشرة خاصة ، لأن الظاهر أن المسلم لا يفوّت الصلاة ، والأول أحوط ، وكلا الوجهين للشافعية (١).

ولو علم ترك صلاة واحدة من كلّ يوم ولا يعلم عددها ولا عينها صلّى اثنتين ، وثلاثا ، وأربعا ، مكررا حتى يظن الوفاء ، ولو علم أن الفائت الصلوات الخمس صلّى صلوات أيام حتى يظن الوفاء ، ولو فاتته صلوات سفر وحضر وجهل‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٧٢.

٣٦١

التعيين صلّى مع كل رباعية صلاة قصر ولو اتحدت إحداهما.

مسألة ٦٤ : يستحب قضاء النوافل الموقتة‌ عند علمائنا أجمع لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل عليه من صلواته النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته فكيف يصنع؟ : « يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته ، فيكون قد صلّى بقدر ما عليه » (١) ، ولأنها عبادة موقتة فاستحب قضاؤها كالفرائض ، وهو أحد أقوال الشافعي (٢). والثاني : لا يقضي ، وبه قال أبو حنيفة قياسا على الخسوف (٣). والأصل ممنوع لأنه عندنا واجب يجب قضاؤه على تفصيل يأتي ، والثالث : يقضي نوافل النهار نهارا ونوافل الليل ليلا (٤).

ولو تعذّر القضاء استحب له أن يتصدق عن كل صلاة ركعتين بمد ، فإن تعذّر فعن كل يوم لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل أنه لا يقدر على القضاء : « يتصدق بصدقة مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة » قلت : وكم الصلاة؟ قال : « مدّ لكلّ ركعتين من صلاة الليل ، وكلّ ركعتين من صلاة النهار » قلت : لا يقدر ، قال : « مدّ لكل أربع » قلت : لا يقدر ، قال : « مدّ لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل » (٥).

أما لو فاتت بمرض فإنه لا يتأكد القضاء وإن كان مستحبا لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله مرازم عليّ نوافل كثيرة كيف أصنع؟ قال : « اقضها » قلت : إنها كثيرة. قال : « اقضها » ، قلت : لا أحصيها ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٣ ـ ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ـ ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ ـ ٢٥ ، المحاسن : ٣١٥ ـ ٣٣.

(٢) المجموع ٤ : ٤١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦١.

(٣) المجموع ٤ : ٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦١ ، المغني ١ : ٧٩٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧٧.

(٤) المجموع ٤ : ٤٢ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ـ ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ـ ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ ـ ١٢ ـ ٢٥ ، المحاسن : ٣١٥ ـ ٣٣.

٣٦٢

قال : « توخّ » قلت : كنت مريضا لم أصلّ نافلة ، فقال : « ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس كالصحيح ، كلّ ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر فيه » (١).

مسألة ٦٥ : والقضاء كالفوائت في الهيئة والعدد‌ عند علمائنا أجمع ، فلو فاتته صلاة حضر قضاها تماما في السفر والحضر بغير خلاف بين العلماء إلاّ ما حكي عن المزني أنه قال : يقضي قصرا اعتبارا بحالة الفعل ، وقياسا على المريض فإنه يقضي من قعود وإن فاتته حال الصحة ، وكذا فاقد الماء يقضي متيمما (٢).

وهو غلط فإن الأربع قد استقرت في ذمته فلا تسقط بركعتين ، والمريض عاجز والقصر رخصة فاعتبر سبب الرخصة عند وجوبها.

ولو فاتته صلاة سفر قضاها قصرا سفرا إجماعا ، وحضرا عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك ، والثوري والشافعي في الجديد ، وأصحاب الرأي ـ لأنه إنما يقضي ما فاته ولم يفته إلا ركعتان (٣).

وقال الأوزاعي ، وداود ، والشافعي في الآخر ، والمزني ، وأحمد : يقضيها في الحضر تماما ، لأنّ القصر رخصة من رخص السفر فتبطل بزواله ، ولأنّها وجبت عليه في الحضر (٤) لقوله عليه‌السلام : ( فليصلّها إذا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥١ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٣١٦ ـ ١٤٣٤ ، التهذيب ٢ : ١٢ ـ ٢٦ ، علل الشرائع : ٣٦٢ باب ٨٢ ـ ٢ والذي في المصادر أنه لم يسأل مرازم إلا ما في الشطر الأخير من الحديث ، وأمّا صدر الحديث فقد سأله إسماعيل بن جابر. فلاحظ.

(٢) المجموع ٤ : ٣٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٨ ، الميزان ١ : ١٨٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.

(٣) المجموع ٤ : ٣٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٣ ، الميزان ١ : ١٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٨٣ ، المدونة الكبرى ١ : ١١٩ ، المغني ٢ : ١٢٧ ، اللباب ١ : ١٠٩.

(٤) مختصر المزني : ٢٥ ، المجموع ٤ : ٣٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٣ ، الميزان ١ : ١٨٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨ ، المغني ٢ : ١٢٧ ، مسائل أحمد : ٧٥.

٣٦٣

ذكرها ) (١).

والرخصة إنما تبطل فيما وجب في الحضر ، والحديث لا دلالة فيه لقوله عليه‌السلام : ( كما فاتته ) (٢).

فروع :

أ ـ لو نسيها في سفر فذكرها فيه قضاها مقصورة إجماعا ، وكذا إن ذكرها في سفر آخر إذا لم يذكرها في الحضر ، ولو ذكرها في الحضر فكذلك عندنا ، وعند الأكثر (٣) ، وقال الشافعي : يلزمه تامة لأنه ذكرها تامة فثبتت في ذمته (٤). والأصل ممنوع.

ب ـ يجب الإتيان بالجهر والإخفات كالأصل ، لقوله عليه‌السلام : ( فليقضها كما فاتت ) (٥) وكذا يستحب لها الأذان والإقامة كما يستحبان للأصل ، فإن كثر أذّن لأول ورده ، وأقام للبواقي ، ولو لم يستحب لها الأذان لم يستحب في القضاء كعصر الجمعة وعرفة.

ج ـ لا يستحب الإتيان بالنافلة التابعة لها إذ التنفل مشروط ببراءة الذمة من الصلاة الواجبة فإنه لا يجوز لمن عليه صلاة فريضة أن يأتي بالنافلة قضاء ولا أداء ، نعم يستحب بعد الفراغ من قضاء الفرائض الاشتغال بقضاء النافلة الفائتة.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٥٤ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٥ ـ ١٧٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٨٦ ـ ١٤ ، كنز العمال ٧ : ٥٣٧ ـ ٢٠١٤٣.

(٢) عوالي اللئالي ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٣) المجموع ٤ : ٣٦٧ ، المغني ٢ : ١٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٢.

(٤) المجموع ٤ : ٣٦٧ ، مختصر المزني : ٢٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨ ، الميزان ١ : ١٨٣ ، المغني ٢ : ١٢٧.

(٥) عوالي اللئالي ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

٣٦٤

د ـ لا تجوز المساواة في كيفية قضاء صلاة الخوف بل في الكمية وإن كانت في الحضر إن استوعب الخوف الوقت وإلاّ تمام‌.

البحث السادس : في الجمع.

مسألة ٦٦ : قد بيّنا فيما سلف أن لكل من الظهر والعصر وقتين : مختص ومشترك ، فالمختص بالظهر من زوال الشمس إلى قدر أدائها ، وبالعصر قدر أدائها في آخر الوقت ، والمشترك ما بينهما ، وللمغرب والعشاء وقتين فالمختص بالمغرب قدر أدائها بعد الغروب ، وبالعشاء قدر أدائها عند الانتصاف ، والمشترك ما بينهما فلا يتحقق معنى الجمع عندنا ، أما القائلون باختصاص كلّ من الظهر والعصر بوقت ، وكذا المغرب والعشاء فإنّه يتحقق هذا المعنى عندهم.

وقد ذهب الى الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر ابن عباس ، وابن عمر ، ومعاذ بن جبل ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو موسى الأشعري ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (١) لأن ابن عباس روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال ، وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر ، وكذا في المغرب والعشاء (٢).

وقال الحسن البصري ، وابن سيرين ، والنخعي ، ومكحول ،

__________________

(١) الام ١ : ٧٧ ، المجموع ٤ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، الميزان ١ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨ ، المدونة الكبرى ١ : ١١٦ ـ ١١٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٧٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٥٢ ، القوانين الفقهية : ٨١ ، المغني ٢ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٦ ، مسائل أحمد : ٧٥.

(٢) سنن البيهقي ٣ : ١٦٣.

٣٦٥

وأصحاب الرأي : لا يجوز الجمع ، لأن المواقيت قد ثبتت بالتواتر فلا يجوز تركها بخبر الواحد (١).

مسألة ٦٧ : ويتخير في الجمع‌ بين تقديم الثانية إلى الاولى وبين تأخير الاولى إلى الثانية إلاّ أنّ الأولى فعل ما هو أرفق به ، فإن كان وقت الزوال في المنزل ، ويريد أن يرتحل ، قدّم العصر الى الظهر حتى لا يحتاج الى أن ينزل في الطريق ، وإن كان وقت الزوال في الطريق ويريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر ، لحديث ابن عباس (٢) ، فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولى التقديم ، فإذا أراد تقديم الثانية إلى الأولى جاز مطلقا عندنا ، واشترط الشافعي أمورا أربعة :

أ ـ وجود السفر من أول الصلاتين الى آخرهما ، حتى لو أقام في أثناء الظهر ، أو بعد الفراغ عنها قبل الشروع في العصر لم يجز أن يصلي العصر (٣) ، وإن نوى الإقامة بعد التلبس بالعصر لم تحتسب له عن الفرض ، وهل تبطل أو تنقلب نفلا؟ قولان لأنّ الجمع أبيح بعلة السفر فيعتبر بقاء العلة إلى وقت الفراغ عن موجبها.

ولو نوى الإقامة بعد الفراغ من الصلاتين قبل دخول وقت العصر ، أو وصل الى مقصده احتسبت العصر له عندنا ، وللشافعي وجهان : هذا أحدهما لأنّ الفعل وقع صحيحا فلا يبطل حكمه ، والثاني : العدم (٤) ، لأنّ التقديم سوغ رخصة ، فإذا زالت الشرائط قبل الوجوب لم يقع فرضا ، كما لو عجّل‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧١ ، الميزان ١ : ١٨٣ ، المغني ٢ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٧١ ، القوانين الفقهية : ٨١.

(٢) سنن البيهقي ٣ : ١٦٣.

(٣) المجموع ٤ : ٣٧٦ ، فتح الوهاب ١ : ٧٢.

(٤) المجموع ٤ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، الوجيز : ٦٠ ـ ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٨.

٣٦٦

زكاة ماله ثم هلك المال.

ب ـ نية الجمع ، وليست شرطا عندنا ـ وبه قال المزني (١) ـ وقال الشافعي : أنّها معتبرة للاحتساب بالعصر ، فلو صلّى الظهر وأراد أن يصلّي العصر عقيب الظهر من غير أن يكون قد نوى الجمع لم يجز ، وله قولان في وقت النية : أحدهما عند افتتاح أول الصلاة ، والثاني في أثناء الأولى قبل السلام ، فلو شرع في الظهر فسارت السفينة في الأثناء فنوى الجمع صحت على الثاني لوجود علّة الجمع وهي السفر والنية في وقتها ، وعلى الأول لا يجوز لأن علة الجمع ونيته لم تكن في الابتداء (٢).

ج ـ الترتيب بأن يصلّي الظهر أولا ـ وهو وفاق ـ لأن وقت العصر لم يدخل بعد وإنما جوز فعلها تبعا فلا يتقدم المتبوع (٣).

د ـ الموالاة بينهما ليست شرطا عندنا ، فلو تنفل بينهما جاز ـ وبه قال أبو سعيد من الشافعية (٤) ـ لأنّ كل واحدة منهما منفردة عن الأخرى ، ولهذا جاز أن يأتم في الثانية بغير إمام الاولى.

وقال الشافعي : الموالاة شرط لأنّ هذه رخصة جمع ، وإنما سمي جمعا بالمقارنة أو المتابعة ، والمقارنة ممتنعة ، فتتعين المتابعة ، وشرط عدم الفصل الطويل فيجوز أن يتكلم بكلمة وكلمتين وأن يقيم للثانية ، فإن أطال‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٧٤ ، مختصر المزني : ٢٥ ـ ٢٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١١.

(٢) المجموع ٤ : ٣٧٤ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨.

(٣) المجموع ٤ : ٣٧٤ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨.

(٤) المجموع ٤ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٢.

٣٦٧

الفصل بأكثر من الإقامة لم يجز له فعل الثانية إلاّ في وقتها (١).

ولو جمع بين الظهر والعصر فلمّا فرغ ذكر أنه ترك سجدتين من الظهر بطلتا ، أما الظهر فلعدم السجود ، وأما العصر فلأنه لم يقدّم عليها الظهر ، ولو أراد أن يجمع بينهما جاز.

وإن علم أنهما من العصر صحت الظهر ، وليس له الجمع عنده لحصول الفصل بين الصلاتين.

وإن جهل من أيهما هما أخذ بأسوإ الأحوال ، ففي الصلاة يجعل تركها من الظهر حتى يلزمه إعادة الصلاتين ، وفي الجمع من العصر حتى لا يجوز الجمع.

وأما إذا أراد تأخير الظهر الى وقت العصر فإنه يجوز عندنا مطلقا ، وشرط الشافعي أمرين :

أ ـ نية الجمع ، فلو أخّر ولم ينو الجمع عصى عنده وصارت الصلاة فائتة.

ب ـ بقاء السفر الى وقت الجمع والفراغ منهما ، فلو أخّر الظهر ثم نوى الإقامة قبل أن يصلّيها صارت فائتة ولا يكون لها حكم الأداء (٢).

ويعتبر عندنا تقديم الظهر على العصر ـ وهو أحد وجهي الشافعي (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إلاّ أن هذه قبل هذه ) (٤).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٦ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٣ ، السراج الوهاج : ٨٢.

(٢) المجموع ٤ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٨ ، السراج الوهاج : ٨٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٢.

(٣) المجموع ٤ : ٣٧٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٣.

(٤) الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام انظر الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٥.

٣٦٨

وأصح الوجهين عنده : جواز تقديم العصر على الظهر (١) لأن وقت الظهر قد دخل وفات ، وهذا الزمان صالح للظهر لأنه لو فوّت الظهر بغير نيّة الجمع عصى ، ويجوز له فعلها في وقت العصر قبل العصر وبعدها ويجمع ويفرق ، فإذا أخّرها بوجه هو معذور فيه كان أولى ، ونحن عندنا أن الوقت مشترك الى أن يبقى للغروب قدر أداء العصر.

مسألة ٦٨ : يجوز للحاج الجمع بين الظهرين بعرفة ، وبين العشاءين بالمزدلفة‌ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب يوم عرفة حين زالت الشمس ثم صلّى الظهر والعصر معا ، وصلّى المغرب والعشاء جمعا بمزدلفة (٢).

وأجمع الناس عليه واختلفوا في علة الجمع ، فعندنا اشتراك الوقتين ، وأما الجمهور فقال الأكثر : علّة الجمع السفر (٣) ، وقال آخرون : النسك حتى يتصل وقوفه بعرفة فلا تقطعه الصلاة عن الاشتغال بالدعاء ، وفي المغرب والعشاء يتعجل حصوله بمزدلفة فإن المبيت بها من المناسك (٤).

وجوّز الشافعي الجمع بين الظهرين للجماعة وللمنفرد ، وبين العشاءين لهما (٥).

ومنع أبو حنيفة من الجمع بين الظهرين للمنفرد بعرفة ، وجوّز الجمع بين العشاءين له بمزدلفة (٦).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٧٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٥ ، صحيح البخاري ٢ : ٢٠١ و ٢٠٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٣٧ ـ ١٢٨٨.

(٣) المجموع ٤ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٢ ، عمدة القارئ ١٠ : ١١.

(٤) المجموع ٤ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٢ ، عمدة القارئ ١٠ : ١١.

(٥) المجموع ٨ : ٩٢ ، المبسوط للسرخسي ٤ : ١٥.

(٦) المبسوط للسرخسي ٤ : ١٥ ـ ١٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٣.

٣٦٩

والمقيم بعرفة ومزدلفة يباح له الجمع إن علّل بالنسك وإن علّل بالسفر فلا.

ولو أراد المسافر الجمع بين الظهرين في وقت العصر وبين العشاءين في وقت المغرب جاز إن علّل بالسفر ، وإن علّل بالنسك لم يجز لأنه يفوت الغرض المطلوب وهو اتصال الدعاء في الموقف وتعجيل الحصول بمزدلفة.

مسألة ٦٩ : يجوز الجمع بين الظهرين ، وكذا بين العشاءين‌ في السفر الطويل والقصير ، وهو ظاهر عندنا.

وللشافعي في السفر القصير قولان : ففي القديم : الجواز ـ وبه قال مالك ـ لأن أهل مكة يجمعون وهو سفر قصير (١). والثاني : المنع ـ وبه قال أحمد ـ لأنها رخصة ثبتت لدفع المشقة فاختصت بما يجب فيه القصر كالقصر (٢).

ونمنع الأولى ، ومنع أبو حنيفة من الجمع في السفر مطلقا (٣).

ولا يجوز الجمع بين العصر والمغرب ، ولا بين العشاء والصبح إجماعا ـ لعدم التشريك في الوقت ، وهو يعطي ما ذهبنا نحن إليه ، والصلاة في أول الوقت أفضل من الجمع لأن في الجمع إخلاء وقت العبادة عنها.

مسألة ٧٠ : يجوز الجمع بين الظهرين في المطر ، وكذا بين العشاءين‌.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٩ ، أقرب المسالك : ٢٨ ، الشرح الصغير ١ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٧.

(٢) المجموع ٤ : ٣٧٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، المغني ٢ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٧.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٩ ، المجموع ٤ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧١.

٣٧٠

وهو قول فقهاء المدينة السبعة : سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وسليمان بن يسار ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (١) لأن عبد الله بن عمر روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر (٢).

وقال أصحاب الرأي ، والمزني : لا يجوز لأن المواقيت ثبتت بالتواتر (٣).

وقال مالك ، وأحمد : إنما يجوز بين العشاءين لمشقة الظلمة ولا يجوز بين الظهرين (٤). وينتقض بالليلة المقمرة.

فروع :

أ ـ يجوز تقديم العصر الى الظهر لأجل المطر ، وكذا تأخير الظهر الى العصر عندنا ، وهو القديم للشافعي ـ وبه قال أحمد ـ لأن كلّ عذر أباح تقديم العصر الى الظهر أباح تأخير الظهر الى العصر كالسفر ، وفي الجديد : لا يجوز لأدائه الى أن يجمع مع زوال العذر (٥). ويمنع بطلان اللازم عندنا.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٨٤ ، مختصر المزني : ٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٩ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٥٢ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٣ ، المغني ٢ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٨.

(٢) انظر المغني ٢ : ١١٨ والشرح الكبير ٢ : ١١٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٩ ، المجموع ٤ : ٣٨١ و ٣٨٤ ، المغني ٢ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٨.

(٤) المنتقى للباجي ١ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٧٣ ، المغني ٢ : ١١٧ ـ ١١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٣٨٤.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٤٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٢ ، المجموع ٤ : ٣٨٠.

٣٧١

ب ـ يجوز الجمع لمنفرد في بيته ، أو في المسجد ، أو من كان بينه وبين المسجد ظل يمنع وصول المطر إليه ، وهو أحد قولي الشافعي (١) لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع في المطر (٢) وليس بين حجرته وبين مسجده شي‌ء ، ولأن العذر إذا تعلقت به الرخصة استوى فيه وجود المشقة وعدمها كالسفر ، وفي الآخر : لا يجوز ، لأنّ الرخصة للمشقة وقد انتفت.

ج ـ الوحل بغير مطر يبيح الجمع ـ وبه قال مالك ، وأحمد (٣) ـ للمشقة فجرى مجرى المطر ، ولهذا جاز معه ترك الجمعة.

وقال الشافعي : لا يجوز لأن أذى المطر أكثر من أذى الوحل ، فإن الزلق والبلل يحصلان بالمطر دون الوحل (٤).

د ـ لو نزل ثلج جاز الجمع ، وشرط الشافعي نزوله ذائبا كالمطر ، ولو لم يذب لم يجز إلا أن يكون كبارا (٥).

هـ ـ لو افتتح الظهر ولا مطر ، ثم مطرت لم يجز الجمع عند الشافعي لأنه يحتاج الى وجود العذر المبيح في جمع الصلاتين كالسفر ، ونحن لمّا لم نشترط العذر سقط هذا عنّا.

قال : ولو افتتح الصلاة مع المطر ثم انقطع قبل الشروع في الثانية‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٨١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٩.

(٢) انظر سنن أبي داود ٢ : ٦ ـ ١٢١٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ١٢٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ١٧٣ ، المغني ٢ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٣٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨١.

(٤) المجموع ٤ : ٣٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨١ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٩ ، المغني ٢ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٩.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٤٧٩.

٣٧٢

فإنه لا يجمع إلاّ أن ينقطع في الاولى ثم يعود فيها فإنه يجوز (١).

و ـ يجوز الجمع للريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ـ وبه قال عمر ابن عبد العزيز (٢) ـ لأنّه يجوز عندنا الجمع مطلقا ، وللحنابلة وجهان (٣).

مسألة ٧١ : يجوز الجمع حالة المرض والخوف وشبه ذلك‌ ـ وبه قال عطاء ، ومالك ، وإسحاق ، وأحمد (٤) ـ لأن الجمع عندنا مطلقا جائز ، ولأن ابن عباس قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر (٥) ، وفي رواية : من غير خوف ولا سفر (٦) ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر سهلة بنت سهيل ، وحمنة بنت جحش لمّا كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر (٧).

وقال الشافعي ، وأصحاب الرأي : لا يجوز لأن أخبار التوقيت ثابتة فلا تترك بأمر محتمل (٨) ، وقد بيّنا نحن اشتراك الوقت.

مسألة ٧٢ : ويجوز الجمع عندنا من غير عذر‌ سفر ، أو مطر ، أو‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

(٢) المغني ٢ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩.

(٣) المغني ٢ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٩.

(٤) المنتقى للباجي ١ : ٢٥٢ و ٢٥٤ ، المغني ٢ : ١٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٧.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٤٩١ ـ ٥٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٦ ـ ١٢١١ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٠.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٤٨٩ ـ ٧٠٥ ، الموطأ ١ : ١٤٤ ـ ٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٦ ـ ١٢١٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٠.

(٧) سنن الترمذي ١ : ٢٢٥ ذيل الحديث ١٢٨ ، سنن أبي داود ١ : ٧٦ ـ ٢٨٧.

(٨) المجموع ٤ : ٣٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٩ ، المغني ٢ : ١٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٧.

٣٧٣

خوف ، أو مرض ، أو غير ذلك ـ وبه قال ابن المنذر ، وابن سيرين (١) ـ لأن ابن عباس قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر ، قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : ولم تراه فعل ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته (٢) ، وعن ابن عباس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء من غير خوف ، ولا مطر (٣).

ومنع باقي الجمهور من ذلك ، لأنّ أخبار التوقيت معلومة (٤) ، ونحن نقول به فإن الاشتراك بين الوقتين معلوم.

البحث السابع : في الأحكام.

مسألة ٧٣ : الصلاة عندنا تجب بأول جزء من الوقت وجوبا موسعا‌ ، وتستقر بإمكان الأداء ، فلا يجب القضاء لو قصر عن ذلك ـ وبه قال الشافعي ، وإسحاق (٥) ـ وقال أحمد : يستقر الوجوب بإدراك جزء (٦).

فإذا دخل عليه وقت الصلاة وجب عليه عندنا بأول الوقت للمختار وللمعذور بأول جزء أدركه بعد زوال عذره ، فإذا زال المانع من التكليف كالحيض والجنون في أثناء الوقت ، أو في آخره وجبت الصلاة عليه ـ وبه قال‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٨٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٧.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٩٠ ـ ٧٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٦ ـ ١٢١١ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٩١ ـ ٥٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٦ ـ ١٢١٠.

(٤) المجموع ٤ : ٣٨٤ ، المغني ٢ : ١٢٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٧٣.

(٥) المجموع ٣ : ٤٧ ، المغني ١ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨١.

(٦) المغني ١ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨١.

٣٧٤

الشافعي (١) ـ لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٢) فالتقديم والتأخير تحكم ، ومن فعلها في أول الوقت فعلها بالأمر فكانت واجبة كما لو فعلها في آخره.

وقال أصحاب الرأي : تجب بآخر الوقت (٣) إلاّ أنّ أبا حنيفة ، وأبا يوسف ومحمدا يقولون : تجب إذا بقي من الوقت مقدار تكبيرة (٤). وزفر يقول : تجب إذا بقي من الوقت قدر الصلاة (٥). وقال الكرخي : إنما يعتبر قدر التكبيرة في حق المعذورين وأما غير المعذورين فتجب بقدر أربع ركعات (٦) كقول زفر عندهم أجمعين.

فإذا فعلها في أول الوقت فمنهم من يقول : تقع مراعاة إن بقي على صفة التكليف الى آخره تبيّنا الوجوب وإلاّ كانت نفلا ، ومنهم من يقول : تقع نفلا وتمنع وجوب الفرض (٧) وقال الكرخي : إذا فعلها وقعت واجبة لأن الصلاة تجب بآخر الوقت ، أو بالدخول فيها (٨).

احتجوا بأنها لو كانت واجبة لما جاز تركها.

ونمنع الملازمة فإن المخير يجوز تركه بشرط الإتيان ببدله.

تذنيب : قال شيخنا المفيد : إن أخرها ثم اخترم (٩) في الوقت قبل أدائها‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠ ، المغني ١ : ٤١٤ و ٤١٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨١.

(٢) الاسراء : ٧٨.

(٣) المجموع ٣ : ٤٧ ، فتح العزيز ٣ : ٤١.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٩٦ ، المجموع ٣ : ٤٧.

(٥) المجموع ٣ : ٤٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٦.

(٦) بدائع الصنائع ١ : ٩٦.

(٧) حلية العلماء ٢ : ٢٠.

(٨) حلية العلماء ٢ : ٢٠.

(٩) المخترم : الهالك مجمع البحرين ٦ : ٥٦ « خرم ».

٣٧٥

كان مضيعا لها ، وإن بقي حتى يؤديها في آخر الوقت ، أو فيما بين الأول والآخر عفي عن ذنبه (١). وقال في موضع آخر : إن أخّرها لغير عذر كان عاصيا ويسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت (٢).

وللشافعي وجهان فيما لو أخّرها لغير عذر ومات في أثناء الوقت : العصيان لأنه ترك ما وجب عليه ، وأصحهما عنده : المنع لأنه أبيح له التأخير (٣).

مسألة ٧٤ : تقديم الصلاة أفضل إلاّ في مواضع :

أ ـ المغرب للمفيض من عرفة يستحب له تأخيرها إلى مزدلفة وإن صار الى ربع الليل.

ب ـ يستحب تأخير العشاء حتى يسقط الشفق.

ج ـ المتنفل يؤخر الفرض ليصلي سبحته.

د ـ القاضي للفرائض يستحب له تأخير الأداء الى آخر الوقت عندنا ، وعند الأكثر يجب (٤).

هـ ـ الظهر في الحرّ لمن يصلّي جماعة يستحب الإبراد بها لقوله عليه‌السلام : ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ) (٥) ولو صلاّها في منزله ، أو في‌

__________________

(١) المقنعة : ١٤.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ١٣٤.

(٣) المجموع ٣ : ٥٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤١ ، الوجيز ١ : ٣٣.

(٤) منهم السيد المرتضى في جوابات المسائل الرسّية الأولى ( ضمن رسائله ) ٢ : ٣٦٤ ، وابن البراج في المهذّب ١ : ١٢٥ و ١٢٦ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٩ ـ ١٥٠ وابن زهرة في الغنية : ٥٠٠.

(٥) علل الشرائع : ٢٤٧ باب ١٨١ حديث ١ ، صحيح البخاري ١ : ١٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٣٠ ـ ٦١٥ ، سنن الترمذي ١ : ٢٩٥ ـ ١٥٧ ، سنن أبي داود ١ : ١١٠ ـ ٤٠١ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٧ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٤ ، الموطأ ١ : ١٥ ـ ٢٧ و ٢٨ ، مسند أحمد ٢: ٢٣٨ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٤٨٠ ـ ١٣٠٩ ، السنن المأثورة : ١٩٢ ـ ١٢٢.

٣٧٦

المواضع الباردة كان التعجيل أفضل ـ وهو أحد وجهي الشافعي ـ لزوال المقتضي للتأخير. وفي الآخر : الإبراد أفضل (١) للعموم (٢). وهو ممنوع.

و ـ المستحاضة ينبغي أن تؤخر الظهر لتجمع بينهما وبين العصر في أوله بغسل واحد.

ز ـ أصحاب الأعذار يستحب لهم التأخير لرجاء زوال عذرهم ، وعند بعض علمائنا يجب (٣) ، وأما ما عدا هذه المواضع فإن المستحب التقديم ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( الوقت الأول رضوان الله ، والآخر عفو الله ) (٥).

وقال أبو حنيفة : التأخير لصلاة الصبح أفضل إلاّ غداة مزدلفة ، والتأخير بالظهر أفضل في غير الشتاء ، والتأخير بالعصر أفضل إلاّ في يوم الغيم (٦).

فروع :

أ ـ الإبراد أفضل من التعجيل لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر به (٧) ، وهو أحد وجهي الشافعي. والثاني : التعجيل لكثرة الثواب بزيادة المشقة (٨).

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦٠ ، فتح العزيز ٣ : ٥٢ ، المغني ١ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٧.

(٢) علل الشرائع : ٢٤٧ باب ١٨١ حديث ١ ، صحيح البخاري ١ : ١٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٣٠ ـ ٦١٥ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٨ ، سنن الترمذي ١ : ٢٩٥ ـ ١٥٧ ، سنن أبي داود ١ : ١١٠ ـ ٤٠١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٧ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٤ ، الموطأ ١ : ١٥ ـ ٢٧ و ٢٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٨ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٤٨٠ ـ ١٣٠٩ ، السنن المأثورة : ١٩٢ ـ ١٢٢.

(٣) الخلاف ١ : ١٤٦ مسألة ٩٤.

(٤) المجموع ٣ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠.

(٥) سنن الترمذي ١ : ٣٢١ ـ ١٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٤٩ ـ ٢٠ و ٢١.

(٦) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٦ و ١٤٧ و ١٤٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٣٠ ـ ٦١٥ ، سنن أبي داود ١ : ١١٠ ـ ٤٠١ و ٤٠٢ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٧ ـ ٦٨١ ، الموطأ ١ : ١٥ ـ ٢٧ و ٢٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٨.

(٨) فتح العزيز ٣ : ٥١ ، المجموع ٣ : ٥٩.

٣٧٧

ب ـ الأقرب استحباب الإبراد بصلاة الجمعة لوجود المقتضي ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : العدم لاستحباب المباكرة (١) فيكون في التأخير تطويل الأمر على الناس ، وربما تأذوا في الانتظار بحرّ المسجد (٢).

ج ـ الأفضل في العشاء تعجيلها بعد غيبوبة الشفق ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ للعموم ، والآخر : يستحب التأخير ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء الى ثلث الليل ) (٤) وفي رواية : ( الى نصف الليل ) (٥) وما تمنّاه لأمته كان أفضل من غيره.

د ـ الأفضل في المغرب التعجيل بلا خلاف في غير حال العذر ، لأنّ جبرئيل عليه‌السلام صلاّها في اليومين في وقت واحد (٦) ، وهو يعطي ما قلناه.

هـ ـ المشهور استحباب تعجيل العصر بكل حال ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال ابن مسعود ، وعمر ، وعائشة ، وأنس ، وابن المبارك ، وأهل المدينة ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق (٧) ـ لأن رافع بن خديج قال : كنا نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العصر ، ثم ننحر الجزور ،

__________________

(١) بكّر : أتى الصلاة في أول وقتها. وكلّ من أسرع إلى شي‌ء فقد بكّر إليه. النهاية لابن الأثير ١ : ١٤٨ « بكر ».

(٢) المجموع ٣ : ٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٣ ـ ٤٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢١.

(٣) المجموع ٣ : ٥٥ ـ ٥٦ ، فتح العزيز ٣ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٦ ، اللباب ١ : ٥٨.

(٤) سنن الترمذي ١ : ٣١٠ ـ ١٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٦ ـ ٦٩١ ، مسند أحمد ٤ : ١١٤.

(٥) مستدرك الحاكم ١ : ١٤٦ ، سنن الترمذي ١ : ٣١٠ ـ ١٦٧.

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٩.

(٧) المجموع ٣ : ٥٤ ، فتح العزيز ٣ : ٥٤ ، المغني ١ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧١.

٣٧٨

فتقسم عشرة أجزاء ، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس (١).

وقال أصحاب الرأي ، وأبو قلابة ، وابن شبرمة : الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار (٢) ، لأن رافع بن خديج قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بتأخير العصر (٣). ومنعه الترمذي (٤).

إذا ثبت هذا فالتعجيل المستحب هو أن تفعل بعد مضي أربعة أقدام بلا تأخير ، ولو قدمت على هذا جاز.

و ـ التغليس بالصبح أفضل ، لما فيه من المبادرة إلى فعل الواجب ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق (٥) ، وعن أحمد رواية أخرى : الاعتبار بالمأمومين ، فإن أسفروا فالأفضل الإسفار (٦).

وقال أصحاب الرأي : الأفضل الإسفار مطلقا (٧) لقوله عليه‌السلام : ( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ) (٨) والمراد به التأخير الى أن يتبين الفجر.

ز ـ ينبغي تأخير الظهر والمغرب في الغيم ليتيقن دخول الوقت ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٨٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٣٥ ـ ٦٢٥ ، مسند أحمد ٤ : ١٤١.

(٢) المغني ١ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧١.

(٣) مجمع الزوائد ١ : ٣٠٧.

(٤) سنن الترمذي ١ : ٣٠٠ ذيل الحديث ١٥٩.

(٥) المغني ١ : ٤٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٦ ، الام ١ : ٧٥ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٦ ، المحلى ٣ : ١٩٠.

(٦) المغني ١ : ٤٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٦.

(٧) بدائع الصنائع ١ : ١٢٤ ، المغني ١ : ٤٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٧.

(٨) سنن الترمذي ١ : ٢٨٩ ـ ١٥٤ ، سنن أبي داود ١ : ١١٥ ـ ٤٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢١ ـ ٦٧٢ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٢٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٥٧ ، مسند الطيالسي : ١٢٩ ـ ٩٥٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٣ ـ ١٤٨٩.

٣٧٩

ويستحب تعجيل العصر والعشاء حذرا من العوارض ، وبه قال أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وأحمد (١).

وعن ابن مسعود : تعجّل الظهر والعصر ، وتؤخّر المغرب (٢) ، وقال الحسن : تؤخر الظهر (٣) ، وقال الشافعي : يستحب تعجيل الظهر في غير الحرّ ، والمغرب في كل حال ، وقال : متى غلب على ظنه دخول الوقت باجتهاده استحب له التعجيل (٤) ، وما قلناه أحوط.

ح ـ لو أخّر ما يستحب تقديمه ، أو عكس لم يأثم إذا اقترن التأخير بالعزم ، فإن لم يعزم أثم ، ولو أخّرها بحيث لا يتسع الوقت لجميعها أثم وإن اقترن بالعزم ، لأن الركعة الأخيرة من جملة الصلاة فلا يجوز تأخيرها عن الوقت.

مسألة ٧٥ : لو صلّى قبل الوقت لم تجزئه صلاته‌ عمدا ، أو جهلا ، أو سهوا ، كلّ الصلاة ، وبعضها ، عند علمائنا أجمع ـ وهو قول الزهري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ـ لأن الخطاب بالصلاة توجّه الى المكلّف عند دخول وقتها فلا تبرأ الذمة بدونه (٥).

ولقول الصادق عليه‌السلام : « من صلى في غير وقت فلا صلاة له » (٦).

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٨ ، المغني ١ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٦٠.

(٢) المغني ١ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٧.

(٣) المغني ١ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٧.

(٤) المجموع ٣ : ٥٤ و ٥٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠ ، المغني ١ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٧ و ٤٦٨.

(٥) عمدة القارئ ٥ : ٥ ، المغني ١ : ٤٤٠ و ٤٤١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ـ ٥٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤٤ ـ ٨٦٨.

٣٨٠