تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

تجب ثانيا ، وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة وجعل الأولى نافلة.

وعن سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والشعبي : التي صلّى معهم المكتوبة (١) لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا جئت الى الصلاة فوجدت الناس فصلّ معهم ، وإن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ) (٢) ولا تصريح فيه فيجب أن يحمل معناه على ما في الأحاديث الباقية سواء.

إذا عرفت هذا فإنه ينوي بالثانية النفل لا الفرض ، ويجوز أن ينويها ظهرا معادة ولا تجب الإعادة بلا خلاف لأنها نافلة ، وقال عليه‌السلام : ( لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) (٣) معناه واجبتان ، وعن أحمد رواية أنها تجب مع إمام الحي (٤) لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بها (٥) ، والأمر للاستحباب ، فعلى هذا إن قصد الإعادة فلم يدرك إلا ركعتين جاز أن يسلّم معهم لأنها نافلة ، ويستحب أن يتمها لأنه قصد أربعا.

وقال أحمد : يجب (٦) لقوله عليه‌السلام : ( وما فاتكم فأتموا ) (٧) وهو‌

__________________

(١) المغني ١ : ٧٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٨.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ـ ٥٧٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٢.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٥٨ ـ ٥٧٩ ، مسند أحمد ٢ : ٤١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٣.

(٤) المغني ١ : ٧٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ـ ٥٧٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٢.

(٦) المغني ١ : ٧٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٨.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ و ٢ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ و ٤٢١ ـ ٦٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ ـ ٣٢٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ـ ٥٧٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ ـ ٧٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٧ و ٢٣٩ و ٤٥٢ و ٤٦٠ و ٤٧٢ و ٥٢٩.

٣٤١

للاستحباب ، أو في غير الإعادة.

مسألة ٥٠ : ركعتا الطواف الواجب واجبتان ، وركعتا المستحب مستحبتان‌ ، ولهما سبب فيجوز أن يصليهما في أوقات النهي. وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى الركعتين الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والقاسم بن محمد ، وعروة. وبه قال عطاء ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور (١) ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلّى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ) (٢) ومنع من ذلك أبو حنيفة ، ومالك واحتجا بعموم أحاديث النهي (٣) ، وهو مخصوص بما لا سبب له ، ولأن ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع.

مسألة ٥١ : ويصلّى على الجنائز في جميع الأوقات‌ ، قال ابن المنذر : أجمع المسلمون على الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح (٤). وأما باقي الأوقات الثلاثة فعندنا يجوز ـ وبه قال الشافعي ، ومالك (٥) ـ لأنها صلاة فرض ذات سبب ، ولأنها تباح بعد الصبح والعصر فأبيحت في الباقي كالفرائض.

__________________

(١) المجموع ٨ : ٥٧ و ٤ : ١٧٠ ، المغني ١ : ٧٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٨٠ ـ ١٨٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٨ ـ ١٢٥٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢٠ ـ ٨٦٨ ، سنن النسائي ١ : ٢٨٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٧٠ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٤ ـ ٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦١.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٧٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٦.

(٤) المجموع ٤ : ١٧١ و ١٧٢ ، المغني ١ : ٧٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٥.

(٥) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح الباري ٢ : ٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٧٨٥ الشرح الكبير ١ : ٨٣٥.

٣٤٢

وقال أبو حنيفة : لا يجوز (١) ـ وعن أحمد روايتان (٢) ـ للنهي (٣) ولأنها صلاة من غير الخمس ، فلم يجز فعلها كالنوافل المطلقة.

والنهي مخصوص بالنوافل المطلقة. والفرق ظاهر ، لأنها ذات سبب.

مسألة ٥٢ : قضاء السنن في سائر أوقات النهي جائز على ما تقدم‌ ، وكذا فعل غيرها من الصلوات التي لها سبب ، كتحية المسجد ، وإعادة صلاة الكسوف ، وسجود التلاوة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ) (٥).

وقال في الكسوف : ( فإذا رأيتموها فصلوا ) (٦) وهذا خاص فيقدم على العام ، ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ما ثبت جوازه ، ولأنها عندنا واجبة فأشبهت الفرائض.

وقال أصحاب الرأي ، وأحمد : لا يجوز لأن النهي للتحريم ، والأمر للندب وترك المحرم أولى من فعل المندوب (٧).

والأولى ممنوعة ، وليس بعام ، وثبت تخصيصه.

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٢ ، اللباب ١ : ٨٨ ، فتح الباري ٢ : ٤٧.

(٢) المغني ١ : ٧٨٥ و ٧٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٥.

(٣) انظر على سبيل المثال سنن أبي داود ٣ : ٢٠٨ ـ ٣١٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٨ ـ ٨٣١.

(٤) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح الباري ٢ : ٤٧ ، المغني ١ : ٧٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤١.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٧٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٩٥ ـ ٧٠ ، سنن الترمذي ٢ : ١٢٩ ـ ٣١٦ ، سنن النسائي ٢ : ٥٣ ، الموطأ ١ : ١٦٢ ـ ٥٧ ، المعجم الصغير ١ : ١٣٧.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٤٢ و ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٣٠ ـ ٩١٤ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٩ ـ ١١٨٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٦١ ، سنن النسائي ٣ : ١٢٦ و ١٢٧ و ١٣١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٩ ، مسند أحمد ٢ : ١٠٩ و ٤ : ١٢٢.

(٧) المغني ١ : ٧٩٤ و ٧٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٠ و ٨٤١.

٣٤٣

فروع :

أ ـ لو نذر صلاة تحية المسجد في أحد الأوقات فإن كان له غرض في الدخول سوى الصلاة صحّ ولزم ، وإن لم يكن له غرض سواها فهو كما لو نذر النافلة في هذه الأوقات ، وللشافعي وجهان : المنع لأنه قصد التنفل ، والجواز لوجود السبب وهو الدخول (١).

ب ـ إذا فاته شي‌ء من النوافل فقضاه بعد العصر هل يكون ذلك سببا في فعل مثلها في هذا الوقت؟ الوجه المنع عملا بعموم النهي (٢) ، وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : الجواز (٣) لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى بعد العصر ركعتين ثم داوم عليهما (٤) ، والفرق ظاهر لأنه عليه‌السلام كان ملتزما للمداومة على أفعاله.

ج ـ يجوز قضاء سنّة الفجر بعد الفجر ـ وبه قال عطاء ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد ـ وهو مروي عن ابن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وسعيد بن المسيب ، والنخعي (٥) لأن قيس بن فهد صلاّهما بعد صلاة الفجر ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما هاتان الركعتان؟ ) قلت : لم أكن صليت ركعتي الفجر (٦) ، وسكوته عليه‌السلام يدل على الجواز.

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٣ : ١١٠ و ١١١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٦٦ ـ ٨٢٥ و ٨٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٤٩ و ١٢٥٠.

(٣) المجموع ٤ : ١٧١ ، فتح العزيز ٣ : ١٣١ ـ ١٣٤.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٥٧٢ ـ ٨٣٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٣ ـ ٢٤ ـ ١٢٧٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٨٧ ، المغني ١ : ٧٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤١ ، معالم السنن للخطابي ٢ : ٧٨.

(٦) سنن الترمذي ٢ : ٢٨٥ ـ ٤٢٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٢ ـ ١٢٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٦٥ ـ ١١٥٤.

٣٤٤

وقال مالك : لا يجوز (١) لعموم النهي (٢).

د ـ ركعتا الإحرام يجوز فعلهما في هذه الأوقات ، وكذا الاستخارة لأن لهما أسبابا ، وقال الشافعي بالمنع ، لأن سببها يتأخر عنها ، فأشبهت ما لا سبب له (٣).

هـ ـ سجود الشكر في هذه الأوقات ليس بمكروه ، لأن كعب بن مالك لما بشر بأن الله تاب عليه وعلى صاحبيه سجد للشكر بعد صلاة الصبح ، ولم ينكره عليه‌السلام (٤).

و ـ الصلوات التي لها أسباب إذا قصد تأخيرها في هذه الأوقات كانت كالمبتدأة لقوله عليه‌السلام : ( لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ) (٥).

ز ـ يكره التنفل بعد الفجر قبل الفريضة لما روي عنه عليه‌السلام : ( لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتا الفجر ) (٦).

ح ـ سجود التلاوة يجوز في كل الأوقات لأنه ليس صلاة ، ولأن له سببا وبه قال الشافعي (٧) ومنعه مالك ، وأبو حنيفة لأنه أشبه جزء الصلاة (٨).

__________________

(١) المنتقى للباجي ١ : ٢٢٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٢٤ ـ ١٢٧٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣.

(٣) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٣ : ١٠٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١.

(٤) صحيح مسلم ٤ : ٢١٢١ ـ ٢٧٦٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧٠ و ٤٦٠.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٧ ـ ٨٢٨ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٧ ، الموطأ ١ : ٢٢٠ ـ ٤٧ ، مسند أحمد ٢ : ٣٣ و ٦٣.

(٦) سنن الدار قطني ١ : ٢٤٦ ـ ٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦٥ و ٤٦٦.

(٧) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٣ : ١١٠ ، فتح الباري ٢ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١.

(٨) المنتقى للباجي ١ : ٣٦٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٢ ، اللباب ١ : ٨٩ ، فتح الباري ٢ : ٤٧.

٣٤٥

ط ـ لا بأس بصلاة الاستسقاء في هذه الأوقات لوجود الحاجة الداعية إليها في الوقت ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : الكراهة لأن غرضها الدعاء والسؤال وهو لا يفوت بالتأخير (١).

مسألة ٥٣ : لا يكره التنفل يوم الجمعة بركعتين نصف النهار‌ ـ وبه قال الشافعي ، والحسن ، وطاوس ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، وإسحاق (٢) ـ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة (٣) ، ولأن الناس في هذا الوقت ينتظرون الجمعة ، ويشق عليهم مراعاة الشمس ، وفي ذلك قطع للنوافل ، ويحتاجون الى الاشتغال بالصلاة عن النوم أيضا.

وقال مالك : أكرهه إذا علمت انتصاف النهار ، وإذا كنت في موضع لا أعلم ولا أستطيع أن أنظر فإني أراه واسعا (٤) ، وأباحه عطاء في الشتاء دون الصيف ( لأن شدة الحر من فيح جهنم ) (٥) وذلك الوقت حين تسجر جهنم (٦) ، ومنع منه مطلقا في يوم الجمعة أبو حنيفة ، وأحمد (٧) لعموم‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٣ : ١١٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١.

(٢) المجموع ٤ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٣ : ١١٧ ، فتح الباري ٢ : ٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١ ، المغني ١ : ٧٩٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٢.

(٣) كنز العمال ٧ : ٤١٨ ـ ١٩٥٩٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦٤.

(٤) المغني ١ : ٧٩٦.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ ـ ٦١٥ و ٦١٦ ، سنن أبي داود ١ : ١١٠ ـ ٤٠١ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢٩٥ ـ ١٥٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٧ ، الموطأ ١ : ١٥ ـ ٢٧ و ٢٨ ، مسند أحمد ٣ : ٥٣ ، المحرر في الحديث ١ : ١٦٠ ـ ١٦٣ ، المعجم الصغير ١ : ١٣٧ ، السنن المأثورة : ١٩٢ ـ ١٢٢ ، متن عمدة الاحكام : ٦٠ ـ ١٤٢ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٤٨٠ ـ ١٣٠٩.

(٦) المغني ١ : ٧٩٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٢.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥١ ، المغني ١ : ٧٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٢ ، المجموع ٤ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٣ : ١١٨.

٣٤٦

النهي (١).

فروع :

أ ـ جواز الصلاة هل يختص بهذا الوقت؟ للشافعية قولان : هذا أحدهما (٢) لعموم النهي (٣) ، إلاّ فيما ورد فيه الاستثناء ، والثاني : أنه يستثنى جميع يوم الجمعة (٤) لأنه روي أن جهنم تسجر في الأوقات الثلاثة في سائر الأيام إلاّ يوم الجمعة (٥).

ب ـ الأقرب عموم الاستثناء لكل أحد لإطلاق الخبر ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : عدم العموم ، لأن الاستثناء لأحد معنيين : الأول : أن عند اجتماع الناس تشق مراقبة الشمس ، والتمييز بين حالة الاستواء وغيره ، والثاني : أن الناس يبكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون الى طرده فلا يستثنى القاعد في بيته ، وعلى المعنى الأول يستثنى جميع الحاضرين ، وعلى الثاني يستثنى من بكر ويغلبه النعاس (٦).

ج ـ إن علّلنا بغلبة النعاس ، أو مشقة المراقبة ، وعدم العلم بدخول الوقت جاز أن يتنفل بأكثر من ركعتين ، وإلاّ اقتصرنا على المنقول.

مسألة ٥٤ : ولا فرق بين مكة وغيرها من البلاد في المنع من التطوع‌ في‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٥٣ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، الموطأ ١ : ٢١٩ ـ ٤٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٥٤.

(٢) المجموع ٤ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٣ : ١١٨ و ١١٩.

(٣) كنز العمال ٧ : ٤١٨ ـ ١٩٥٩٥ و ١٩٥٩٦ و ١٩٥٩٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦٤.

(٤) المجموع ٤ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٣ : ١١٨ و ١٢٣.

(٥) كنز العمال ٧ : ٤١٨ ـ ١٩٥٩٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦٤.

(٦) المجموع ٤ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٣ : ١١٩ ـ ١٢٣.

٣٤٧

أوقات النهي ـ وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد (١) ـ لعموم النهي (٢) ، ولأنه معنى يمنع من التنفل فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض.

وقال الشافعي : لا يكره التنفل بمكة في شي‌ء من الأوقات الخمسة (٣) لقوله عليه‌السلام : ( لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ) (٤) وهو مختص بركعتي الطواف ، وفي اختصاص المسجد بجواز التنفل عند الشافعي وجهان : أحدهما ذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر هذا البيت شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ) (٥) والثاني : جواز التنفل في جميع بيوت مكة (٦) لعموم قوله عليه‌السلام : ( إلا بمكة ) (٧).

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥١ ، المغني ١ : ٧٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٢ ، المجموع ٤ : ١٨٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٦٦ و ٥٦٩ ـ ٨٢٥ و ٨٣١ ، صحيح البخاري ١ : ١٥٢ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ و ٢٧٧ ، الموطأ ١ : ٢١٩ ـ ٤٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٦ و ٣٩٧ ـ ١٢٥٠ و ١٢٥٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٥٤.

(٣) المجموع ٤ : ١٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ١٢٥ ، المغني ١ : ٧٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥١.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٨٠ ـ ١٨٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٨ ـ ١٢٥٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢٠ ـ ٨٦٨ ، سنن النسائي ١ : ٢٨٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٧٠ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٤ ـ ٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦١.

(٥) سنن البيهقي ٢ : ٤٦١ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٥ ـ ٨.

(٦) المجموع ٤ : ١٧٩ و ١٨٠ ، فتح العزيز ٣ : ١٢٧.

(٧) كنز العمال ٧ : ٤٢٢ ـ ١٩٦١٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٤ و ٤٢٥ ـ ٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦١. وتمام الحديث : ( لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلاّ بمكة إلا بمكة إلا بمكة ).

٣٤٨

البحث الخامس : في القضاء‌

وسببه فوات الصلاة الواجبة ، أو النافلة على المكلّف.

مسألة ٥٥ : إذا فاتت الصلاة الواجبة اليومية وجب قضاؤها‌ بإجماع العلماء لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) (١) فإن ذلك وقتها ، لا وقت لها غيره ، ولأن الصوم يجب قضاؤه بنص القرآن (٢) ، والصلاة آكد من الصوم فهي أولى بوجوب القضاء.

وإنما يجب القضاء تبعا لوجوب الأداء ، فلا يجب على الصبي والمجنون القضاء إجماعا ، وكذا الكافر لقوله عليه‌السلام : ( الإسلام يجب ما قبله ) (٣) وإن كان الأداء واجبا عليه إلاّ أنه سقط عنه القضاء دفعا للمشقة والحرج ، وترغيبا له في الإسلام ، ويجب على النائم ، والسكران ، والمرتد ، ويستحب للمغمى عليه.

وفي الوجوب على فاقد الطهر لعلمائنا قولان : الوجوب قاله الشيخ ، والمرتضى (٤) ـ وبه قال الليث بن سعد ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، والشافعي ،

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٥٤ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧١ ـ ٦٨٠ و ٤٧٧ ـ ٦٨٤ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ ـ ١٧٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٣ و ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٧ ـ ٦٩٦ و ٦٩٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، مسند احمد ٣ : ١٠٠ و ٢٨٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٥٦.

(٢) إشارة الى الآية ١٨٤ و ١٨٥ من سورة البقرة.

(٣) مسند احمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥ ، جامع الصغير ١ : ٤٧٤ ـ ٣٠٦٤ ، عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٥ ، طبقات ابن سعد ٧ : ٤٩٧.

(٤) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٢٣٥.

٣٤٩

وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي (١) ـ لأنّ الصلاة لا تسقط بفوات شرط كالسترة.

والعدم ، قاله المفيد (٢) وبه قال مالك ، وداود (٣).

وهو المعتمد ، لأنها صلاة لا تجب في وقتها فلا تجب بعد خروجه ، ولأن القضاء إنما يجب بأمر مجدد ولم يوجد.

مسألة ٥٦ : ووقت الفائتة حين الذكر‌ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن رجل صلى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلها ، أو نام عنها؟ : « يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه ، فهذه أحق بوقتها » (٥).

مسألة ٥٧ : والأقوى عندي أن هذا الوجوب موسّع لا مضيق‌ ، فله مع الذكر التأخير الى أن يغلب على الظن الموت فيتضيق الفعل ، كالواجبات‌

__________________

(١) الام ١ : ٥١ ، المجموع ٢ : ٢٧٨ و ٢٨٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٢ ، المغني ١ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٦ و ٢٨٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٠ و ٥٤ ، المحلى ٢ : ١٣٩ ، نيل الأوطار ١ : ٣٣٨.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٣٥.

(٣) المنتقى للباجي ١ : ١١٦ ، المجموع ٢ : ٢٨٠ ، المغني ١ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٧ ، نيل الأوطار ١ : ٣٣٨.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ٢١٩ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٣ ـ ١ ، المحرر في الحديث ١ : ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٣ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ ، الإستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦.

٣٥٠

التي مدتها العمر ، لأن وقت الأداء فات ، ولا اختصاص لوقت بالقضاء دون غيره وإلاّ لزم أن يكون قاضيا للقضاء لو فات ذلك الوقت وهو خلاف الإجماع.

نعم يستحب المبادرة إليه للأمر بالمسارعة إلى فعل الخير (١) ، وللخلاص من الخلاف وليس واجبا ، لما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل في بعض أسفاره بالليل في واد فغلبهم النوم وما انتبهوا إلاّ بعد طلوع الشمس فارتحلوا ولم يقضوا الصلاة في ذلك الموضع بل في آخر (٢).

ولا فرق بين أن يتعمّد تفويت الصلاة وأن لا يتعمد ، وقال الشافعي : إن تعمد لزمه القضاء على الفور ، ولا يجوز له التأخير لأنه عاص بتأخير الصلاة ، ولو وسعنا الأمر عليه في القضاء صارت المعصية سببا للتخفيف وهو غير جائز (٣) ، ونمنع ذلك.

مسألة ٥٨ : الحواضر تترتب‌ بلا خلاف بين العلماء فيجب أن يصلى الظهر سابقة على العصر ، والمغرب على العشاء لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٤) وقول الباقر ، والصادق عليهما‌السلام : « من نسي الظهر حتى دخل وقت العصر بدأ بالظهر ثم بالعصر ، ولو دخل في العصر ثم ذكر الظهر عدل بنيّته » (٥).

وكذا الفوائت يترتب بعضها على بعض فلو فاته صلاة يوم وجب أن يبدأ‌

__________________

(١) كما في الآية الكريمة (١٤٨) من سورة البقرة ، و (٤٨) من سورة المائدة.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٩٣ ـ ٩٤ ، مسند احمد ٤ : ٤٣٤ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٧٤.

(٣) المجموع ٣ : ٦٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦ ـ ٧٣ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٢ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٤ ، الإستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥٠.

٣٥١

في القضاء بصبحه قبل ظهره ثم بظهره قبل عصره ، وهكذا ، ولو فاته ظهر يوم ، وعصر سابق وجب أن يقدم في القضاء العصر على الظهر عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عمر ، والزهري ، والنخعي ، وربيعة ، ويحيى الأنصاري ، ومالك ، وأحمد ، والليث ، وأبو حنيفة ، وإسحاق (١) ، لقوله عليه‌السلام : ( من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته ) (٢) ولأن القضاء إنما هو الإتيان بعين الفائت في غير الوقت المضروب له ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاتته صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا (٣). فيجب اتباعه للتأسي ، ولقوله عليه‌السلام : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن (٥) فأذّن لها ، وأقم ، ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة » (٦).

وقال الشافعي : الأولى الترتيب ، فإن قضاها بغير ترتيب أجزأه وسقط عنه الفرض (٧) ، لأن كل صلاة مستقلة بنفسها منفردة بحكمها ، وإنما ترتبها لترتب أوقاتها فإذا فاتت الأوقات صارت دينا في ذمته ولا ترتيب فيما يقضي من الذمة وكقضاء رمضان.

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ١٨٣ و ١٨٤ ، القوانين الفقهية : ٧٢ ، مقدمات ابن رشد ١ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٣ ، المغني ١ : ٦٧٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٣٢ ، اللباب ١ : ٨٧.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ و ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٤١ ، مسند أحمد ٣ : ٢٥ و ٤ : ١٠٦.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ـ ١ و ٣٤٦ ـ ١٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، مسند أحمد ٥ : ٥٣ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٠٨ ـ ٣١٩.

(٥) كذا في الأصلين والمصادر ، والأصح : « أولاهن ».

(٦) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠.

(٧) المجموع ٣ : ٧٠ ، المغني ١ : ٦٧٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٨٤.

٣٥٢

والاستقلال لا يخرج الحقيقة عن لوازمها ، ومن جملة أوصافها اللازمة الترتيب ، ولهذا لو قدم المتأخرة في الوقت المشترك لم يصح فكذا بعد الفلوات ، وترتب الفوائت لمعنى فيها ، وترتيب أيام رمضان لتحصيل أيام الشهر لمعنى يختص بترتيب الأيام.

مسألة ٥٩ : ولا فرق بين كثرة الصلوات وقلتها‌ عند علمائنا في وجوب الترتيب ، فلو فاتته صلوات سنة فما زاد وجب فيها الترتيب ـ وبه قال أحمد (١) ـ لأنها صلوات واجبة تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها الترتيب كالخمس ، ولقوله عليه‌السلام : ( فليقضها كما فاتته ) (٢).

وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة للمشقة (٣). وهو ممنوع.

تذنيب : هذا الترتيب شرط عندنا ، فلو أخل به عمدا بطلت صلاته ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنه ترتيب واجب فكان شرطا كالركوع والسجود.

مسألة ٦٠ : تترتب الفائتة على الحاضرة استحبابا‌ ما لم يتضيق الحاضرة فيتعين فعلها سواء تعددت الفوائت أو اتحدت على الأقوى ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٦) وهو‌

__________________

(١) المغني ١ : ٦٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٤ ، المجموع ٣ : ٧٠.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ و ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٣٥ ، بداية المجتهد ١ : ١٨٣ ، اللباب ١ : ٨٧ ـ ٨٨ ، المجموع ٣ : ٧٠ ، المغني ١ : ٦٧٧.

(٤) المغني ١ : ٦٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٤ ، المجموع ٣ : ٧٠.

(٥) الام ١ : ٧٨ ، المجموع ٣ : ٧٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٨٤.

(٦) الاسراء : ٧٨.

٣٥٣

عام ، وقول الصادق عليه‌السلام : « إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ، ثم المغرب ، ثم العشاء قبل طلوع الشمس » (١). ولأن الأصل عدم الترتيب ، ولأنه يفضي الى فوات مصلحة مطلوبة للشارع لا يمكن استدراكها فلا يكون مشروعا لأنه يفضي الى المنع من الصلاة في أوّل وقتها وهو أمر مطلوب للشارع ، ولأن الترتيب يفضي الى عدمه ، أو المنع من أداء الحاضرة في وقتها المضيق ، والقسمان باطلان.

بيان الملازمة أنّه إما أن يقضي الفوائت عند تضييق الحاضرة فيلزم الأمر الثاني ، أو يشتغل بالحاضرة فلا يثبت الترتيب ، وأكثر علمائنا (٢) ، والجمهور على وجوب الترتيب إلاّ فيما زاد عن يوم عند أبي حنيفة (٣) ، لقوله عليه‌السلام : ( من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها ) (٤) ولا يقتضي التخصيص واعلم أن جماعة من علمائنا (٥) ضيّقوا الأمر في ذلك ، وشدّدوا على المكلّف غاية التشديد ، حتى حرّم السيد المرتضى (٦) وآخرون الاشتغال بغير الصلاة الفائتة إلاّ قدر الأمر الضروري في النوم ، والأكل ، والشرب ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ـ ١٠٥٤.

(٢) منهم : السيد المرتضى في رسائله ٣ : ٣٦٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : ١٥٠ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٢٦ ، وابن زهرة في الغنية : ٥٠٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٤١ و ٥٩.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٤ ، اللباب ١ : ٨٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٣٤ ، المجموع ٣ : ٧٠ ، المغني ١ : ٦٧٦.

(٤) المحرر في الحديث ١ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٣ ـ ١ ، سنن البيهقي ٢ : ٢١٩.

(٥) منهم : أبو الصلاح في الكافي : ١٥٠ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٢٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٩.

(٦) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٦٥.

٣٥٤

والمعاش ، ومنعوا من الشبع ، واكتساب أكثر من قوت يومه له ولمن تجب نفقته ، وأن يتحقق الإنسان آخر الوقت بحيث لا يتسع لأكثر من الواجب في الحاضرة ، وذلك كله مكابرة ، لمنافاته قوله عليه‌السلام : ( بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ) (١).

فروع :

أ ـ لو ضاق وقت الحاضرة تعينت ، ولا يجوز الاشتغال بالفائتة لئلاّ تفوت الحاضرة عند علمائنا أجمع ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، والأوزاعي ، والشافعي ، والثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وأحمد في رواية (٢) ، وفي اخرى : أنه يجب عليه الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة ، وبه قال عطاء ، والزهري ، والليث ، ومالك.

ولا فرق بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها ، لأن الترتيب واجب (٣) ، وهو ممنوع.

ب ـ الترتيب إنما يجب مع الذكر فلو صلى الحاضرة ناسيا ثم ذكر بعد الفراغ الفائتة لم يعد ، أمّا عندنا فظاهر لأنّا لا نوجب الترتيب ، وأمّا عند القائلين بوجوبه فلأنه مشروط بالذكر عند علمائنا ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان ) (٤).

__________________

(١) الجامع الصغير ١ : ٤٨٦ ـ ٣١٥٠ ، مسند أحمد ٥ : ٢٦٦.

(٢) الام ١ : ٧٨ ، المجموع ٣ : ٧٠ ، اللباب ١ : ٨٧ ، المغني ١ : ٦٧٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٥ ، مسائل أحمد : ٤٩.

(٣) المغني ١ : ٦٧٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٥ ، بداية المجتهد ١ : ١٨٣ ، القوانين الفقهية : ٧٢.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٨٤ ( وفيه وضع ) ، وانظر المغني ١ : ٦٧٨ ، والشرح الكبير ١ : ٤٨٩.

٣٥٥

وقال مالك ، وزفر : يجب الترتيب مع النسيان أيضا (١) للحديث (٢).

وهو ممنوع ، ويلزم منه الحرج فإنه لا ينفك من نسيان صلاة ، فإذا ذكرها بعد مدة طويلة وجب قضاء الجميع.

ج ـ لو تلبس بالحاضرة ناسيا في الوقت المتسع ثم ذكر أن عليه سابقة عليها عدل بنيّته إلى السابقة ، كما لو دخل في العصر فذكر أنّه لم يصلّ الظهر فإنه يعدل بنيّته ولو قبل التسليم ، وكذا لو كان في العشاء فذكر أن عليه المغرب ، ولو لم يمكن العدول بأن ركع في الرابعة أتم صلاته ثم صلّى السابقة إن كان في الوقت المشترك ، أو دخل قبل الفراغ من الاولى ، ولو فرغ مما شرع فيه قبل دخول الوقت المشترك أعاد ما صلاّه بعد فعل السابقة ، وكذا لو كمل العصر ثم ذكر أن عليه الظهر ، أو كمل العشاء ثم ذكر أن عليه المغرب فإن كان ما فعله في الوقت المشترك ، أو دخل وهو فيه صحت وأتى بالسابق ، فإن الترتيب إنما يجب مع الذكر ، وإن كان في الوقت المختص بالسابقة أعاد بعد فعل السابقة.

مسألة ٦١ : لو دخل في الحاضرة وعليه فائتة نسيها ثم ذكر في الأثناء‌ فإن كان الوقت ضيقا لا يفضل عن الحاضرة أتمها إجماعا منّا ، وإن كان الوقت متسعا فإن أمكن العدول بالنيّة إلى الفائتة عدل استحبابا عندنا ، ووجوبا عند أكثر علمائنا (٣).

وقال أحمد : يتمها ، ويقضي الفائتة ، ثم يعيد الصلاة التي كان فيها‌

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٢٩ ، المغني ١ : ٦٧٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٩.

(٢) مسند أحمد ٤ : ١٠٦.

(٣) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم ( في رسائله ) ٣ : ٣٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٢٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٢٦ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : ١٥٠ ، وابن زهرة في الغنية : ٥٠٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٩.

٣٥٦

سواء كان إماما ، أو مأموما ، أو منفردا ـ وبه قال ابن عمر ، ومالك ، والليث ، وإسحاق في المأموم (١) وعن أحمد رواية اخرى أن هذا في المأموم ، وأما المنفرد فإنه يقطع الصلاة ويقضي الفائتة ، وبه قال النخعي ، والزهري ، وربيعة ، ويحيى الأنصاري في السفر دون غيره (٢).

وقال طاوس ، والحسن ، والشافعي ، وأبو ثور : يتم صلاته ، ويقضي الفائتة لا غير (٣) ـ كما قلناه نحن ـ لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٤) إلاّ أن الشافعي قال : يستحب له إذا تمم صلاته وأعاد الفائتة أن يعيد صلاة الوقت بعد قضاء الفائتة ، ولا تجب الإعادة (٥).

وقال أبو حنيفة : يجعل صلاته نفلا ركعتين ، ويقضي الفائتة ، ثم يصلي صلاة الوقت ، فلو تمم صلاته لم تحتسب له (٦).

فروع :

أ ـ لو تلبس بنافلة فذكر أن عليه فريضة أبطلها واستأنف الفريضة ، ولا يجزيه العدول لفوات الشرط وهو نيّة الفرض.

ب ـ لو ذكر فائتة وهناك قوم يصلّون فرض الوقت جماعة فالأولى أن يصلّي معهم بنية القضاء لأنا لا نشترط توافق الصلاتين مع اتحاد النظم.

وقال الشافعي : الاشتغال بقضاء الفائتة منفردا أولى من الفرض لأن‌

__________________

(١) المغني ١ : ٦٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٤ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٤ و ٣٥ ، المجموع ٣ : ٧٠ ، مسائل أحمد : ٤٨ و ٤٩ ، المدونة الكبرى ١ : ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) المغني ١ : ٦٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٤.

(٣) الام ١ : ٧٨ ، المغني ١ : ٦٧٧ ، المجموع ٣ : ٧٠.

(٤) محمد : ٣٣.

(٥) المجموع ٣ : ٧٠.

(٦) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٣٢.

٣٥٧

الترتيب في قضاء الصلوات مختلف فيه ، وفرض الوقت منفردا صحيح ، فلو أراد أن يصلي الفائتة مع الجماعة كان فعلها منفردا أولى لأن القضاء خلف الأداء مختلف فيه أيضا ، والخروج من الفرض على وجه مقطوع به أولى من فعله على وجه يكون مختلفا فيه بين العلماء (١).

ج ـ لو شرع في الفائتة على ظن السعة فظهر الضيق ، فالوجه العدول بالنيّة إلى الحاضرة ما دام العدول ممكنا ، فإن تعذّر قطعها وصلّى الحاضرة ثم اشتغل بالفائتة.

وقال الشافعي : يقطع الفائتة ويصلّي صلاة الوقت ثم يعيد الفائتة ، وله وجه : أنّه يتمها ولا يقطعها (٢).

د ـ لو فاته ظهر وعصر من يومين وجهل الترتيب فالأقرب ثبوت الترتيب فيصلي الظهر مرتين بينهما العصر ، أو بالعكس لأنه متمكن من أداء ما وجب عليه على هيئته فيتعين عليه ولا يمنع منه زيادة على الواجب ، كما لو نسي فريضة وجهل تعيينها ، ويحتمل سقوطه إذ التكليف به مع عدم العلم تكليف بما لا يطاق ، والأصل براءة الذمة من الزائد فيتخير حينئذ في الإتيان بأيتهما شاء أوّلا.

ولأحمد ثلاثة أوجه : الترتيب كما قلناه. وعدمه ، ويتحرّى كالقبلة عنده. وتقديم الظهر مطلقا ، لأن التحري فيما فيه أمارة ولا أمارة هنا فيرجع فيه الى ترتيب الشرع (٣).

وليس بجيد فإن الشارع لم يقدّم أيّ ظهر كان على أيّ عصر كان.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٧٠.

(٢) المجموع ٣ : ٧٠.

(٣) المغني ١ : ٦٨١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٧.

٣٥٨

ولو كان معهما مغرب من ثالث قضى الظهر ، ثم العصر ، ثم الظهر ، ثم المغرب ، ثم الظهر ، ثم العصر ، ثم الظهر ، وكذا الزائد ، ولو فاته مغربان من يومين نوى تقديم السابق منهما ، وكذا لو فاته أيام متعددة صلّى بنية تقديم السابق.

هـ ـ لو فاته صلوات سفر وحضر ، وجهل السابق فالوجه الاحتياط فيصلّي عدد الأيام ويصلّي مع كلّ رباعية صلاة قصر ، فلو فاته شهر صلّى شهرا لكن الرباعية يصليها مرتين تماما وتقصيرا وإن اتحدت إحداهما.

و ـ لا ترتيب بين الفوائت اليومية وغيرها من الواجبات ، ولا بين الواجبات أنفسها ، فلو فاته كسوف وخسوف بدأ بأيهما شاء مع احتمال تقديم السابق.

ز ـ لو تعددت المجبورات يترتب الاحتياط بترتبها ، وكذا الأجزاء المنسية كالسجدة والتشهد ، سواء اتحدت الصلاة أو تعددت.

ح ـ لا تنعقد النافلة لمن عليه فريضة فائتة لعموم قوله عليه‌السلام : ( لا صلاة لمن عليه صلاة ) (١).

ط ـ لا يعذر الجاهل بالترتيب في تركه كالركوع.

وقال زفر : يعذر لأنه يسقط بالنسيان فيسقط بالجهل ، كالطيب في الإحرام (٢).

مسألة ٦٢ : من فاتته فريضة من يوم ونسي تعيينها لعلمائنا قولان :

__________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر التي بأيدينا ، وذكره الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٢٧ ، وابنا قدامة في المغني ١ : ٦٨٠ ، والشرح الكبير ١ : ٤٨٥.

(٢) المغني ١ : ٦٨١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٧.

٣٥٩

أحدهما : وجوب خمس (١) ، وعليه أكثر الجمهور (٢) ، لأن التعيين شرط في صحة الصلاة الواجبة ولا يمكن إلاّ بإعادة الجميع.

والثاني : وجوب صبح ، ومغرب ، وأربع ينوي بها ما في ذمته إن ظهرا فظهرا ، وإن عصرا فعصرا ، وإن عشاء فعشاء (٣) ـ وهو الأشهر عندنا ـ لأنّ الثابت في الذمة فريضة واحدة ولا يجب سواها لكن لما اختلفت الصلوات وكانت الزيادة مبطلة ، وكذا النقصان ، أوجبنا المختلفة ، أما المتحدة فلا يجب تكثيرها عملا بأصالة البراءة ، والتعيين في النيّة يسقط لعدم العلم به ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « من نسي صلاة من صلاة يومه ، ولم يدر أيّ صلاة هي صلى ركعتين ، وثلاثا ، وأربعا » (٤).

فروع :

أ ـ لو كانت الصلاة المنسية من يوم سفر وجب عند الأكثر (٥) ثلاث وركعتان خاصة ، وعند الباقين تجب الخمس ـ وبه قال ابن إدريس. مع أنه أوجب الثلاث في الحضر (٦) ـ وليس بمعتمد.

ب ـ يسقط الجهر والإخفات في الرباعية دون الثنائية والثلاثية ، وفي‌

__________________

(١) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي : ١٥٠ ، وعلاء الدين علي بن أبي الفضل في إشارة السبق : ١٢٣ ، وابن زهرة في الغنية : ٥٠٠.

(٢) المجموع ٣ : ٧١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، المغني ١ : ٦٨١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٣٣.

(٣) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم ( ضمن رسائله ) ٣ : ٣٩ ، وسلاّر في المراسم : ٩١ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٢٦ ، والشيخ في النهاية : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٣٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٧ ـ ٧٧٤.

(٥) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ١٢٦.

(٦) السرائر : ٥٩.

٣٦٠