تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

الوجدان مع السعة يرفع العجز.

وقال ابن الجنيد منّا : إن كان التيمم لعذر لا يمكن زواله في الوقت ـ كالمرض والجرح ـ جاز حال السعة ، وإن كان لعذر يمكن زواله ـ كعوز الماء وفقد الآلة أو الثمن ـ وجب التأخير إلى آخره (١) وهو المعتمد.

ب ـ إذا تيمم في آخر وقت الحاضرة وصلى ثم دخلت الثانية احتمل وجوب التأخير لوجود المقتضي وهو تجويز وجود الماء ، والعدم لأنه متيمم فصح أن يصلي.

ج ـ يتيمم للفائتة وإن لم يكن وقت فريضة ، وللنافلة بعد دخول وقتها دون الأوقات المنهي عنها إذا لم يكن لها سبب : ويدخل به في الفرائض عندنا ـ وسيأتي خلاف الجمهور ـ لقوله عليه‌السلام : ( الصعيد طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين ) (٢).

والأقرب جواز أن يتيمم لنافلة مبتدأة لعدم التوقيت ، وتعجيل الثواب مطلوب لإمكان فواته بالعجز.

د ـ إن سوغناه في أول الوقت فتيمم بعد الطلب وأخّر الصلاة إلى آخر الوقت أجزأه لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه ، فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر ، أو حدث ركب يجوز أن يكون معهم ماء احتاج إلى تجديد طلب ، وفي إعادة التيمم إشكال ، وأوجبه الشافعي (٣).

هـ ـ إذا شرطنا الضيق فالتعويل فيه على الأمارة لتعذر العلم ، فإن ظنه‌

__________________

(١) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠٦.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٩٠ ـ ٩١ ـ ٣٣٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ ـ ١٢٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٥٥ و ١٨٠ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٢ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٦ و ١٨٧ ـ ١ و ٣.

(٣) الام ١ : ٤٨ ، المجموع ٢ : ٢٥٩ ، فتح العزيز ٢ : ٣٣٧ ، المغني ١ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٥.

٢٠١

لأمارة فتيمم وصلّى ثم بان غلطه ظاهر كلام الشيخ الإعادة (١) لوقوعها قبل وقتها ، ويحتمل الصحة لأنها مأمور بها.

ونمنع كون الضيق شرطا بل ظنه وقد حصل ، ويؤيده قول الباقر والصادق عليهما‌السلام في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت : « ليس عليه إعادة ، إن رب الماء وربّ التراب واحد » (٢).

و ـ يتيمم لصلاة الخسوف بالخسوف ، ولصلاة الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء ، ولصلاة الميت بحضوره لها ، وللفائتة بذكرها ، والنوافل الرواتب لا يتأقت تيممها ، وفيه للشافعي وجهان (٣).

ز ـ لو تيمم لفائتة ضحوة ولم يؤدها حتى زالت الشمس فله أن يصلي الظهر ، وللشافعي وجهان (٤) ، وكذا لو تيمم لنافلة ضحوة جاز أن يؤدي به الظهر عند الزوال ، وللشافعي وجهان (٥).

__________________

(١) النهاية : ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٤ ـ ٥٦٢ و ١٩٥ ـ ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ـ ٥٥٢ و ٥٥٤.

(٣) المجموع ٢ : ٢٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٣.

(٤) المجموع ٢ : ٢٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٣.

(٥) المجموع ٢ : ٢٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٣.

٢٠٢

الفصل الرابع : في الأحكام.

مسألة ٣١٢ : يستباح بالتيمم الواحد ما زاد على الصلاة الواحدة‌ من الفرائض والنوافل أداء وقضاء ، ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم‌السلام ـ وبه قال الحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وداود ، والمزني ، وابن المنذر (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( يا أبا ذر الصعيد كافيك إلى عشر سنين ) (٢).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام وقد سئل يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها : « نعم ما لم يحدث أو يصب ماء » (٣).

ولأن الاستباحة إن بقيت جاز أن يصلي اخرى ، وإن لم يبق لم تصح النافلة ، ولأنها طهارة يجوز أن يجمع بها بين نوافل فجاز أن يجمع بها بين فرائض كالوضوء والمسح على الخفين.

وقال الشافعي : لا يجوز أن يجمع بين صلاتين فريضتين ، ورواه عن‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٣ ، شرح فتح القدير ١ : ١٢١ ، اللباب ١ : ٣٣ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٢ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٤ ، المجموع ٢ : ٢٩٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٩ ، المغني ١ : ٢٩٩ ، بداية المجتهد ١ : ٧٤ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٥ ، المحلى ٢ : ١٢٨.

(٢) مصنف عبد الرزاق ١ : ٢٣٧ ـ ٩١٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ـ ٥٦٥.

٢٠٣

علي عليه‌السلام ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعمرو بن العاص ، ومن التابعين النخعي ، وقتادة ، وربيعة ، وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وإسحاق (١).

لأن ابن عباس قال : من السنة أن لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى (٢).

ولأنها طهارة ضرورة فلا يجمع بها بين فريضتين من فرائض الأعيان كطهارة المستحاضة ، ولفظ السنة مشترك فلا حجة فيه ، والمستحاضة حدثها متجدد والتيمم لم يتعقبه حدث.

وقال أحمد : يجمع بين فوائت ولا يجمع بين صلاتين راتبتين فكأنه تيمم لوقت الفريضة ، وبه قال أبو ثور (٣).

فروع :

أ ـ يجوز أن يجمع بين فريضتين ، ومنذورتين ، وطوافين ، وبين فريضة وطواف عندنا ، خلافا للشافعي (٤).

ب ـ يجوز أن يجمع بين صلاتي الجمع بتيمم واحد ، وللشافعية وجهان : المنع لأنه يحتاج أن يطلب للثانية ويجدد التيمم وذلك يقطع‌

__________________

(١) الام ١ : ٤٧ ، المجموع ٢ : ٢٩٣ و ٢٩٤ ، مختصر المزني : ٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٩ ، السراج الوهاج : ٢٩ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٣ ، الأشباه والنظائر للسيوطي : ٤٣٠ ، المغني ١ : ٢٩٩ ، بداية المجتهد ١ : ٧٤ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٣ ، شرح فتح القدير ١ : ١٢١ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٤ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٢ ، التفسير الكبير ١١ : ١٧٤ ، المحلى ٢ : ١٢٩.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ١٨٥ ـ ٥.

(٣) المغني ١ : ٢٩٩ و ٣٠٠ ، التفسير الكبير ١١ : ١٧٤ ، المحلى ٢ : ١٢٩.

(٤) المجموع ٢ : ٢٩٣ و ٢٩٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٣ ، السراج الوهاج : ٢٩.

٢٠٤

الجمع ، كما إذا تنفل بينهما ، والجواز لأنهما فريضتان صلاهما بتيممين ، والتفريق ليس بصحيح لأنه من مصلحة الصلاة فلا يزيد على قدر الإقامة في العادة (١).

ج ـ لو نسي تعيين الفائتة كفاه تيمم واحد للثلاث أو الخمس عندنا ـ وهو ظاهر ـ وعند أكثر الشافعية ، لأن الفريضة واحدة والزائد وإن وجب فإنه تابع ، وعند بعضهم يفتقر إلى خمس تيممات لوجوب الجميع (٢).

ولو ترك فريضتين من خمس أجزأه تيمم واحد عندنا ، ولا يكفي عند الشافعي [ إلا ] (٣) تيممان ، لأنه لا بد أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد فربما كانت المتروكتان ، بل إما أن يصلي الخمس بخمس تيممات أو يصلي ثماني صلوات بتيممين ، فيصلي الفجر والظهرين والمغرب بتيمم ثم الظهرين والعشاءين بتيمم ، فإن كانت الصبح والعشاء فقد صلاهما بتيممين ، وإن كانت غيرهما فقد صلاهما في دفعتين بتيممين.

ولو ترك صلاتين من يومين ، فإن كانتا مختلفتين فهي كما لو تركهما من يوم واحد ، وإن كانتا متفقتين كصبحين أو ظهرين لم يؤدهما إلا بأن يؤدي عشر صلوات بتيممين خمسة بتيمم ، وخمسة بتيمم ، أو بعشر تيممات (٤) ، وعندنا يجزي تيمم واحد للجميع.

د ـ يجوز أن يجمع بين فريضة وما شاء من النوافل بتيمم واحد ، وهو‌

__________________

(١) المجموع ٢ : ٢٤٠ و ٢٥٢.

(٢) المجموع ٢ : ٢٩٦ ، فتح العزيز ٢ : ٣٤٥ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، السراج الوهاج : ٢٩ ، مغني المحتاج : ١٠٣ و ١٠٤.

(٣) الزيادة يقتضيها السياق.

(٤) المجموع ٢ : ٢٩٦ ـ ٢٩٨ ، فتح العزيز ٢ : ٣٤٥ ـ ٣٤٨ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، السراج الوهاج : ٢٩ و ٣٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٤.

٢٠٥

أصح قولي الشافعي (١) ، لأن النفل تبع للفرض واستباحة المتبوع تستلزم استباحة التابع ، وفي قول له : لا تصلى النافلة بتيمم أصلا (٢) لأنه أبيح للضرورة ولا ضرورة في النافلة ، وعلى الأول إن شاء قدم النوافل ، وإن شاء أخرها ، وله قول آخر : عدم تقديم النافلة لأن التابع لا يتقدم المتبوع (٣).

هـ ـ إذا صلى الفريضة بتيمم جاز أن يطوف فرضا ، وعند الشافعي لا بدّ من تيمم جديد (٤) ، وجوّز أن يصلي ركعتي الطواف بتيمم الطواف لأنهما إما سنة أو تابعة للطواف إذ ليست مقصودة بذاتها (٥).

و ـ يجوز أن يصلي بتيمم واحد منذورتين ، ومكتوبة ومنذورة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، لأن المنذور يسلك به مسلك أقل ما يتقرب به إلى الله تعالى فصار كالنافلة ، وفي الآخر : لا يصح لأن النذر يسلك به مسلك واجبات الشرع (٦).

ز ـ ليس من شرط الصلاة على الجنائز الطهارة عندنا ـ خلافا للجمهور وقد سبق ـ نعم يستحب ، ويجوز التيمم لها مع وجود الماء.

ولو فقد الماء فاستحباب التيمم أولى ، فلو صلى بتيمم مكتوبة جاز أن يصلي على جنازة به ، وهو أحد قولي الشافعي ، لأنها ليست من فرائض الأعيان فألحقت بالنوافل في الحكم ، وفي الآخر : لا بد من تيمم لها مقصود‌

__________________

(١) الام ١ : ٤٧ ، المجموع ٢ : ٢٢٤ ، السراج الوهاج : ٢٩ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٢ ، المحلى ٢ : ١٢٩.

(٢) المجموع ٢ : ٢٢٤.

(٣) المجموع ٢ : ٢٢٤.

(٤) المجموع ٢ : ٢٩٣ ، مغني المحتاج : ١٠٣.

(٥) المجموع ٢ : ٢٩٤ ، الوجيز ١ : ٢٢.

(٦) المجموع ٢ : ٢٩٣ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٣.

٢٠٦

لوجوبها (١).

ويجوز أن يصلي على جنازتين على التوالي بغير تيمم ، وبتيمم واحد ، وللشافعي وجهان ، أحدهما : المنع لأنهما فرضان ، فحينئذ لا يجوز أن يصلّي على جنازتين دفعة لأن فعله يتضمن إسقاط فرضين (٢).

ح ـ لو تيمم لصلاة النفل استباح به الفرض ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ وأصح وجهي الشافعي المنع (٤).

ولا خلاف أنه إذا تيمم للنفل استباح مس المصحف ، وقراءة القرآن إن كان تيممه عن جنابة.

ولو تيمم المحدث لمس المصحف ، أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصده ، وفي استباحة صلاة النفل أو الفرض للشافعي وجهان (٥).

مسألة ٣١٣ : ينقض التيمم كل ما ينقض الطهارة المائية‌ى ويزيد وجود الماء مع التمكن من استعماله ، فلو تيمم ثم وجد الماء انتقض تيممه فإذا عدمه وجب عليه استينافه ، وإن كان باقيا وجب عليه الغسل أو الوضوء ولا يصلي بذلك التيمم ، وهو قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، والشعبي أنهما قالا : لا يلزمه استعمال الماء لأنه وجد المبدل بعد الفراغ من البدل فكان بمنزلة من وجد العتق بعد الصوم (٦).

__________________

(١) المجموع ٢ : ٣٠٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ٢٢.

(٢) المجموع ٢ : ٣٠٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٩.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٧ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٢ ، المجموع ٢ : ٢٢٢ ، المغني ١ : ٢٨٧.

(٤) المجموع ٢ : ٢٢٢ و ٢٢٤ و ٢٤٢ ، السراج الوهاج : ٢٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٦ ، مغني المحتاج ١ : ٩٨ ، الوجيز ١ : ٢١ ، المغني ١ : ٢٨٧ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٧.

(٥) المجموع ٢ : ٢٢٣.

(٦) المجموع ٢ : ٣٠٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٠ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٤ ، التفسير الكبير ١١ : ١٧٤ ، المحلى ٢ : ١٢٣ ، نيل الأوطار ١ : ٣٣٦.

٢٠٧

وهو خطأ لقوله عليه‌السلام لأبي ذر : ( الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج ، فإذا وجده فليمسه بشرته ) (١) والأمر للوجوب ، ولأن المقصود بالطهارة الصلاة بها ولم يشرع في المقصود فأشبه إذا وجد الأصل قبل أن يشرع في البدل بخلاف الكفارة.

فروع :

أ ـ ظن وجود الماء لا يبطل التيمم ، وكذا شكه عملا بالاستصحاب ، وقال الشافعي : يبطل (٢) لأنه يجب عليه الطلب حينئذ فيبطل تيممه ، لأن التيمم إنما يكون بعد الطلب وإعواز الماء وهو يمنع الابتداء دون الاستدامة.

فلو رأى سرابا ولا يدري هل هو ماء أم لا ، أو رأى إنسانا من بعد وتوهم أن معه ماء لم يبطل تيممه عندنا ، خلافا للشافعي (٣).

ولو سمع إنسانا يقول : معي ماء وكان كاذبا ، أو قال : معي ماء أودعنيه فلان والمالك غائب لم يبطل تيممه ، خلافا له لوجوب فرض الطلب عنده عقيب ( معي ماء ) قبل أن يذكر ( الوديعة ) (٤) ، ولو قال : أودعني فلان جرة ماء لم يبطل تيممه لعدم وجوب الطلب حينئذ.

ب ـ لو طلع عليه راكب بماء فامتنع أن يعطيه ، أو وجد ماء فحيل بينه وبينه لم تجب الإعادة ، خلافا له (٥) ، ولو طلع عليه راكب ولم يعلم أن معه ماء فسأله فلم يكن معه شي‌ء أعاد التيمم عنده (٦).

__________________

(١) سنن الترمذي ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ ـ ١٢٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٥٥ و ١٨٠ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٧ ـ ٤.

(٢) المجموع ٢ : ٢٥٩ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٧ ، المغني ١ : ٣٠٥.

(٣) المجموع ٢ : ٢٥٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٠١ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٧.

(٤) المجموع ٢ : ٢٦٠.

(٥) الام ١ : ٤٨.

(٦) المجموع ٢ : ٢٥٩.

٢٠٨

ج ـ لو قارن ظن وجود الماء مانع من استعماله كعطش أو مرض أو عدم آلة لم ينتقض تيممه إجماعا لجواز التيمم ابتداء مع هذا المانع فلا يرفع دوامه.

د ـ لا ينتقض التيمم بخروج الوقت ، وهو قول العلماء لقوله عليه‌السلام : ( الصعيد كافيك إلى عشر سنين ) (١).

وقال أحمد : ينتقض بخروج الوقت لأنها طهارة ضرورية فتتقيد بالوقت كالمستحاضة (٢) ، والفرق تجدد حدث المستحاضة.

هـ ـ نقل عن أحمد : أن التيمم يبطل بنزع عمامة ، أو خف يجوز له المسح عليه لأنه مبطل للوضوء (٣) وخالف فيه باقي الجمهور (٤) ، والأصل ممنوع ، ولأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه ، فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء ، والوضوء يبطل بنزع ما هو ممسوح عليه فيه.

و ـ الردة لا تبطل التيمم كالمائية ، وقد سلف البحث فيه (٥).

مسألة ٣١٤ : لو وجد الماء في أثناء الصلاة ، لعلمائنا أربعة أقوال : أحدها : يمضي مطلقا ولو تلبس بتكبيرة الإحرام ، اختاره الشيخان ، والمرتضى (٦) ، وعليه أعمل ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو ثور ،

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق ١ : ٢٣٧ ـ ٩١٢.

(٢) المغني ١ : ٢٩٩ و ٣٠٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٩٩ ، كشاف القناع ١ : ١٧٧.

(٣) المغني ١ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٣ ، كشاف القناع ١ : ١٧٨ ، المجموع ٢ : ٣٣٢.

(٤) المجموع ٢ : ٣٣٢ ، المغني ١ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٣.

(٥) تقدّم في المسألة ٢٩ المطلب الثامن.

(٦) المقنعة : ٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٣٣ ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١١٠.

٢٠٩

وداود ، وأحمد في رواية (١) ـ لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٢) ولقوله عليه‌السلام : ( فلا ينصرف أحدكم من الصلاة حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة؟ : « يمضي في الصلاة » (٤).

ولأنه بدل من الماء وقد تحقق متصلا بالمقصود فيسقط اعتبار المبدل ، كما لا عبرة بوجود الطول بعد نكاح الأمة ، ولأنه وجد المبدل بعد التلبس بالمقصود فلم يلزمه الخروج ، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصوم.

الثاني : يرجع ما لم يركع ، وهو قول الشيخ والمرتضى (٥) ، لقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة : « فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين » (٦). وهو محمول على الشروع في الصلاة وأطلق عليها اسم الركوع إطلاقا لاسم الجزء على الكل ، وأراد أولا بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها من الأذان ، وغيره.

__________________

(١) المجموع ٢ : ٣١١ و ٣١٨ ، الوجيز ١ : ٢٢ ، بداية المجتهد ١ : ٧٣ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٥ ، المغني ١ : ٣٠٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٠ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٤ ، المحلى ٢ : ١٢٦ ، نيل الأوطار ١ : ٣٣٦ ، التفسير الكبير ١١ : ١٧٤.

(٢) محمد : ٣٣.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٤٦ ، سنن النسائي ١ : ٩٨ ـ ٩٩ ، سنن أبي داود ١ : ٤٥ ـ ١٧٦ و ١٧٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧١ ـ ٥١٤ ، مسند أحمد ٢ : ٣٣٠ و ٤١٤.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٣ ـ ٥٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٦٦ ـ ٥٧٥.

(٥) النهاية : ٤٨ ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١١٠.

(٦) الكافي ٣ : ٦٣ ـ ٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٠ ـ ٥٨٠.

٢١٠

الثالث : قال سلاّر : ما لم يقرأ (١) ، لأنه قد أتى بأكثر الأركان وهي النيّة والتكبير ، والقراءة عند من يجعلها ركنا.

الرابع : قال ابن الجنيد : ما لم يركع في الثانية لأنه فعل معظم الصلاة (٢).

وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد في رواية : تبطل صلاته مطلقا ـ إلا أن أبا حنيفة يقول : لا تبطل بذلك صلاة الجنازة ، والعيدين ، ولا برؤية سؤر الحمار والبغل ـ لأن زوال العذر في أثناء الصلاة يبطلها كانقطاع دم الاستحاضة (٣). وهو ممنوع.

والفرق أنه جوّز لها الصلاة مع حدث لم تأت عنه بطهارة ، للضرورة.

وقال الأوزاعي : تصير نفلا (٤) ، لحجة أبي حنيفة وقد أبطلناها.

فروع :

أ ـ الأقرب عندي استحباب العدول إلى النفل مع سعة الوقت ـ وهو أحد قولي الشافعية ـ لأنا سوّغنا له العدول إلى النافلة لتدارك فضيلة الأذان ، والجماعة وهذا أولى ، ويحتمل المنع لأنها فريضة صحيحة فلا ينصرف عنها وهو الثاني لهم (٥).

ب ـ لو رأى الماء في الصلاة ثم فقده قبل فراغه قال الشيخ : ينتقض‌

__________________

(١) المراسم : ٥٤.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر ١١٠ ولم يذكر ( الثانية ).

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٧ ـ ٥٩ ، المغني ١ : ٣٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ١ : ٢١١ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ : ٣٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٧٣.

(٤) حلية العلماء ١ : ٢١١.

(٥) المجموع ٢ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٢ : ٣٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٢.

٢١١

تيممه في حق الصلوات المستأنفة (١) ـ وبه قال الشافعي في حق النوافل (٢) ـ لأن الماء لم يمنع من فعل صلاة وهو فيها بالتيمم ، ومنع من افتتاح صلاة أخرى ، كما يمنع من الافتتاح لو وجده قبلها ، ويحتمل عدم النقض لعدم الشرط وهو التمكن من الاستعمال إذ الشرع منع منه. ويمكن الجواب : بأن المنع الشرعي لا يرفع القدرة ، لأنها صفة حقيقية ، والحكم معلق عليها.

ج ـ لو رعف في أثناء صلاته ثم وجد الماء لزمه أن ينصرف ويغسل الدم ويتوضأ ، وإن لم يجد من الماء إلا ما يغسل الدم عنه غسله ولا يستأنف التيمم ، وقال الشافعي : يستأنف (٣) لأنه بالطلب بطل تيممه.

د ـ لو رأى في أثناء النافلة احتمل النقض في المستأنفة ، والعدم كالفريضة للأمر بالإتمام.

مسألة ٣١٥ : لو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد‌ ـ وهو قول عامة العلماء ـ سواء كان في الوقت إن سوّغناه مع السعة أو لا لأنه امتثل فيخرج عن العهدة.

ولأن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرا له ذلك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للذي لم يعد : ( أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للذي أعاد : ( لك الأجر مرتين ) (٤).

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٣٣.

(٢) فتح العزيز ٢ : ٣٣٩.

(٣) الام ١ : ٤٨ ، المجموع ٢ : ٣١٨.

(٤) سنن أبي داود ١ : ٩٣ ـ ٣٣٨ ، سنن النسائي ١ : ٢١٣ ، سنن الدارمي ١ : ١٩٠ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ـ ١ ، مستدرك الحاكم ١ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

٢١٢

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام وقد سئل فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت : « تمت صلاته ولا إعادة عليه » (١).

وقال طاوس : يعيد ما صلى بالتيمم ، لأنه بدل فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل كالحاكم إذا حكم بالقياس ثم وجد النص بخلافه (٢). وهو خطأ لأن النص موجود وقت حكمه بالقياس وأخطأ في طلبه فكان بمنزلة ناسي الماء في رحله.

فروع :

أ ـ لو وجد الماء في الوقت بعد الصلاة إن سوّغناه مع السعة لم يعد على ما تقدم ، وبه قال الفقهاء الأربعة (٣) ، لما تقدم من الأحاديث.

وقال عطاء ، والزهري ، وربيعة : يعيد (٤) تحصيلا لمصلحة الصلاة بالطهارة ، وقد بيّنا حصولها بفعل البدل.

ب ـ لو أحدث في الجامع يوم الجمعة ومنعه الزحام عن الخروج للطهارة تيمم وصلى لعدم تمكنه من استعمال الماء ، وخوف فوت الجمعة ، ولا يعيد للامتثال. وقال الشيخ ، وابن الجنيد : يعيد (٥) لقول علي عليه‌السلام وقد سئل عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد لكثرة الناس : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٤ ـ ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ـ ٥٥٢.

(٢) المجموع ٢ : ٣٠٦ ، المغني ١ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٥.

(٣) المجموع ٢ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٠ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٤ ، المنتقى للباجي ١ : ١١١ ، التفسير الكبير ١١ : ١٧٤ ، نيل الأوطار ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٤) المجموع ٢ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٥ ، نيل الأوطار ١ : ٣٣٦ ، المحلى ٢ : ١٢٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٣١ ، وحكى قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر : ١١٠.

٢١٣

انصرف » (١) والراوي السكوني ، قال الصدوق : لا أعمل بما ينفرد به (٢).

ج ـ قد بيّنا أنه إذا وجد الماء في الصلاة لم ينصرف ، وقال أحمد : ينصرف ، وهل يستأنف؟ وجهان ، أصحهما : الاستئناف لفوات الشرط ، والثاني البناء كالذي سبقه الحدث (٣).

مسألة ٣١٦ : التيمم لا يرفع الحدث‌ بالإجماع ، ولأنه لو وجد الماء وجب عليه الطهور بحسب الحدث السابق ، فلو لا بقاؤه لكان الموجب وجود الماء لانتفاء وجود غيره ، ووجود الماء ليس حدثا وإلا لتساوى المحدث والمجنب ، وهو باطل فإن المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ.

وقيل : يرفع الحدث ، واختلف في النسبة فأسنده قوم إلى أبي حنيفة ، وآخرون إلى مالك (٤).

تذنيب : لو تيمم المجنب ثم أحدث ووجد ماء للوضوء تيمم بدلا من الغسل ـ وبه قال مالك ، والثوري (٥) ـ لأن التيمم لا يرفع الحدث فالجنابة باقية وقد زالت الاستباحة بالحدث فيجب التيمم للجنابة السابقة.

وقال السيد المرتضى في شرح الرسالة : يتوضأ بالماء (٦) ـ وبه قال أبو حنيفة (٧) ـ لأنه متمكن من الماء فلا يجوز التيمم ، ونمنع الاولى.

وكذا لو تيمم الجنب ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل لا من الحدث لبقاء الجنابة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٨١ ـ ٢٥٤.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ١١٠.

(٣) المغني ١ : ٣٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٦.

(٤) المنتقى للباجي ١ : ١١٥ ، المجموع ٢ : ٢٢١ ، المغني ١ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ١ : ١٨٤.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ٤٦ ـ ٤٧ ، ونسبه أيضا الى مالك والثوري في المعتبر : ١٠٩.

(٦) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠٩.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٤.

٢١٤

مسألة ٣١٧ : الجنب لو نسي الجنابة فتيمم‌ معتقدا أنه محدث ثم ذكر فالوجه الإجزاء إن سويناهما وإلا فلا على إشكال.

وقال في الخلاف : مقتضى المذهب المنع لاشتراط نية بدليّة الوضوء أو الغسل (١) ، وبه قال مالك ، وأحمد لأنهما عبادتان مختلفتان في النيّة فلا تسقط إحداهما بنيّة الأخرى (٢) وقال الشافعي بالإجزاء ، وبه رواية عن مالك ، لتساويهما (٣).

وكل حدثين تساوت طهارتهما سقط فرض إحداهما بنية الأخرى كالبول والغائط ، ولأنه لو ذكر الجنابة لم يكن عليه أكثر مما فعل إذ لا يلزمه أن ينوي بتيممه إلا استباحة الصلاة وقد فعل.

مسألة ٣١٨ : الجنب كالمحدث إذا لم يجد الماء يتيمم‌ ، وهو قول عامة العلماء ، لأن عمارا أجنب فتمعك في التراب ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنما يكفيك هكذا ) وضرب بيديه على الأرض ومسح وجهه وكفيه (٤).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام عن آبائه عن أبي ذر : « أنه أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال : فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحمل فاستترت به ، وبماء فاغتسلت أنا وهي ، ثم قال : يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » (٥).

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٤٠ ، مسألة ٨٧.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٤٨ ، المغني ١ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ١ : ٢٩٣ ، المجموع ٢ : ٢٢٥.

(٣) المجموع ٢ : ٢٢٥ ، المغني ١ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ١ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٩٢ و ٩٣ ، سنن النسائي ١ : ١٧٠ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٦ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٣ ـ ٣٣.

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ ـ ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ ـ ٥٦١.

٢١٥

وقال عمر ، وابن مسعود : لا يجوز له التيمم ، وقيل : رجعا عن ذلك (١) ، ورواه ابن المنذر عن النخعي (٢) لأنه تعالى ذكر التيمم في الأحداث دون الجنابة ، وهو غلط لأن قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (٣) راجع على الجميع.

مسألة ٣١٩ : الطهارة عندنا لا تتبعض‌ فلو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا تيمم وكفاه عن غسل الصحيح ، وهو أحد قولي الشافعي لأنه مريض غير قادر على الماء فوجب البدل ، وفي الآخر : يغسل الصحيح ويتيمم للجريح (٤).

لقول جابر : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر بذلك فقال : ( قتلوه قتلهم الله ألاّ سألوا إذا لم يعلموا ، فإنما شفاء العيّ السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده ) (٥).

وهو ممنوع لأن فيه الجمع بين المسح على الجبائر والتيمم ، والشافعي لا يقول به.

__________________

(١) المغني ١ : ٢٩٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١١ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٦٤ ، المحلى ٢ : ١٤٤ ، نيل الأوطار ١ : ٣٢٢.

(٢) نيل الأوطار ١ : ٣٢٢ ، المحلى ٢ : ١٤٤.

(٣) المائدة : ٦.

(٤) الام ١ : ٤٩ ، المجموع ٢ : ٢٨٧ و ٢٨٨ ، السراج الوهاج : ٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ٩٣ ، مختصر المزني : ٧ ، المغني ١ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٧ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٢ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٦.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٩٣ ـ ٣٣٦ ، سنن الدار قطني ١ : ١٩٠ ـ ٣.

٢١٦

وقال أبو حنيفة : إن كان أكثر بدنه صحيحا غسل الصحيح ولا يتيمم ، وإن كان أكثره جريحا تيمم ولا يغسل الصحيح لعدم وجوب الجمع بين البدل والمبدل كالصيام ، والإطعام (١).

فروع :

أ ـ لو تمكن من المسح بالماء على العضو الجريح ، أو على جبيرة وغسل الباقي وجب ولا يتيمم ـ خلافا للشافعي (٢) ـ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو غير ذلك من أعضاء الوضوء فيعصبها بالخرقة : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة » (٣).

ب ـ لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا فأجنب تيمّم.

وعند الشافعي يجمع بين غسل الصحيح والتيمم ، ويتخير إن شاء قدم التيمم ثم غسل الصحيح ، وإن شاء غسل الصحيح ثم تيمم للجريح إذ الترتيب في الجنابة عنده ساقط (٤).

وإن كان محدثا وكان القرح في الوجه ، فإن شاء بدأ بالتيمم ثم غسل الصحيح من وجهه ، وإن شاء غسل الصحيح من وجهه ثم تيمم لأن العضو الواحد لا ترتيب فيه ، نعم يجب تقديم التيمم على غسل اليدين ، وإن كان في عضو آخر غسل ما قبله ، وإن كان على وجهه قرح وعلى يديه آخر غسل الصحيح من وجهه ثم تيمم لموضع القرح ثم غسل‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٥١ ، المجموع ٢ : ٢٩٣ ، فتح العزيز ٢ : ٢٩٧ ، المغني ١ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٧ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢) المجموع ٢ : ٣٢٣ و ٣٢٧ ، المغني ١ : ٣١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٥.

(٤) المجموع ٢ : ٢٨٨ ، السراج الوهاج : ٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ٩٤ ، المغني ١ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٠.

٢١٧

الصحيح من يده ثم تيمم.

ج ـ لو غسل الصحيح وتيمم للجريح ثم برئ الجرح بطل حكم التيمم فيه ووجب غسله عنده (١).

د ـ لو كان على قرحه دم يخاف من غسله تيمم للحدث وصلى ولا يعيد ـ وبه قال أبو حنيفة ، والمزني (٢) ـ لأنه امتثل المأمور به فخرج عن العهدة.

وقال الشافعي : يعيد لأنه صلى بالنجاسة فإذا ترك الطهارة لعذر نادر غير متصل أعاد كالمحبوس في المصر (٣) ، ونمنع الأصل ، ويعارض بأن النجاسة إذا لم تمنع من فعل الصلاة لم تمنع من الاعتداد بها كنجاسة المستحاضة.

هـ ـ لو كان على موضع التيمم خرقة لقرح لا يخاف من نزعها وجب عليه نزعها ، ولو خاف من نزعها مسح بالتراب عليها وصلى ولا إعادة عليه للامتثال ، وقال الشافعي : يعيد لأن التيمم لا يجزي على حائل دون العضو (٤) ، وهو ممنوع.

و ـ إذا تيمم جاز أن يصلي ما شاء عندنا على ما تقدم ولو كان بعض أعضائه جريحا.

وقال الشافعي : إذا غسل السليم وتيمم للجراحة استباح فريضة واحدة وما شاء من النوافل ، فإن أراد أن يصلي فريضة أخرى أعاد التيمم لأجل الجراحة ، ويعيد الغسل في كل عضو يترتب على العضو المجروح ، وفي القدر‌

__________________

(١) المجموع ٢ : ٢٩٢ ، مغني المحتاج ١ : ٩٥ ، فتح العزيز ٢ : ٣٠٨.

(٢) مختصر المزني : ٧.

(٣) مختصر المزني : ٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٧.

(٤) المجموع ٢ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، مختصر المزني : ٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٧ ، السراج الوهاج : ٣٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤ ، المغني ١ : ٣١٣.

٢١٨

الصحيح من المجروح وما قبله قولان (١).

ز ـ إذا رفع الجبيرة بعد الاندمال أو قبله ليعيد الجبيرة عليه فإن كان محدثا تطهر ، وإن كان متطهرا فهو على طهارته عندنا.

وقال الشافعي : بطل طهره فيما تحت الجبيرة وفي المترتب عليه من الأعضاء ، وهل يلزمه استئناف الوضوء؟ قولان له.

ولو كانت الجبيرة على عضوين فرفع إحداهما لا يلزمه رفع الأخرى عنده ، بخلاف الماسح على الخف إذا نزع أحد الخفين فإنه يلزمه نزع الآخر لأن شرطه لبس الخفين دفعة (٢).

ح ـ لو رفع الجبيرة عن موضع الكسر فوجده مندملا ، فإن قلنا برفع الحدث فلا إعادة لما بعد الاندمال ، وإلا فالوجه الإعادة لكل ما صلاه بعد الاندمال دون المشكوك فيه.

واضطرب قول الشافعي ، والمشهور قولان : عدم الإعادة ، لأنه عليه‌السلام لم يأمر به عليا عليه‌السلام (٣) ، ووجوبها لأنه عارض نادر (٤).

ط ـ لو كان به جرح ولا جبيرة غسل جسده وترك الجرح لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الجرح كيف يصنع صاحبه قال : « يغسل ما حوله » (٥).

وقال الباقر عليه‌السلام : « لا يغسله إن خشي على نفسه » (٦) ولأن‌

__________________

(١) المجموع ٢ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، فتح العزيز ٢ : ٣٠٤ و ٣٠٦.

(٢) المجموع ٢ : ٣٣١ و ٣٣٢ ، فتح العزيز ٢ : ٣٠٨ ، مغني المحتاج ١ : ٩٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٢١٥ ـ ٦٥٧ ، سنن البيهقي ١ : ٢٢٨.

(٤) المجموع ٢ : ٢٩٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٥ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٣٩.

(٦) التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٩.

٢١٩

الضرورة أسقطت غسله ، وسقط التيمم لئلا يجمع بين البدل والمبدل.

وقال الشافعي : يغسل الصحيح ويتيمم للجرح (١) ، وعن أحمد : يمسح الجرح ويغسل ما فوقه (٢) وهو جيّد إن أمن الضرر مع المسح.

مسألة ٣٢٠ : لو نسي الماء في رحله فتيمم وصلى أعاد‌ ـ وهو أظهر قولي الشافعي ، وبه قال أحمد ، وأبو يوسف (٣) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « يتوضأ ويعيد » (٤) ولأنه فرّط في الطلب ، فإنه لو اجتهد حسب ما يلزمه لوجده ، ولأنها طهارة تجب مع الذكر فإذا نسيها لم تسقط عنه ، كما لو شك في الطهارة ثم صلّى ثم تيقن الحدث.

وحكى أبو ثور عن الشافعي عدم الإعادة ـ وبه قال أبو حنيفة (٥) ـ وبه قال السيد المرتضى (٦) ـ وعن مالك روايتان (٧) ـ لأنه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء لأن النسيان حال بينه وبين الماء فكان فرضه التيمم كما لو حال السبع ، والفرق التفريط في صورة النزاع.

وقال الشيخ : إن اجتهد وطلب لم يعد وإلا أعاد لأنه صلّى بتيمم‌

__________________

(١) المجموع ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٩ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٤ و ٢٩٢ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٧.

(٢) المغني ١ : ٢٩٤ و ٣١٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٧.

(٣) المجموع ٢ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، فتح العزيز ٢ : ٢٥٦ ، الميزان ١ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ٢٠ ، فتح الوهاب ١ : ٢٢ ، السراج الوهاج : ٢٦ ، المغني ١ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٣ ، اللباب ١ : ٣٥.

(٤) الكافي ٣ : ٦٥ ـ ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ ـ ٦١٦.

(٥) المجموع ٢ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٢ : ٢٥٧ ، الميزان ١ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ٢٠ ، اللباب ١ : ٣٥ ، المغني ١ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٦) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠١.

(٧) المدونة الكبرى ١ : ٤٣ ، المغني ١ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٤ ، الميزان ١ : ١٢٥.

٢٢٠