تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

ولما انصرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وقعة أحد إلى المدينة ، سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء ، ولم يسمع من دار عمّه حمزة ، فقال عليه‌السلام : ( لكن حمزة لا بواكي له ) فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميّت ولا يبكوه حتى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه ، فهم إلى اليوم على ذلك (١).

ج ـ يجوز الوقف على النائحة لأنه فعل سائغ فلا مانع من الوقف عليه وقال الصادق عليه‌السلام : « قال لي الباقر عليه‌السلام : أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى » (٢) وقصد عليه‌السلام بذلك عدم انقطاع ذكره والتسليم عليه.

د ـ كره الشافعي المأتم ـ وهو الاجتماع ـ لما فيه من تجديد الحزن (٣) ، وكذلك قال : يكره المبيت في المقبرة لما فيه من الوحشة (٤).

هـ ـ يجوز شق الثوب في موت الأب ، والأخ لأن الهادي عليه‌السلام لما قبض شق العسكري عليه‌السلام قميصه من خلف وقدّام (٥).

مسألة ٢٦٣ : كل ما يفعل من القرب ويجعل ثوابه للميت فإنه يصله نفعه‌ ، أما الدعاء والاستغفار ، والصدقة ، وأداء الواجبات التي تدخلها النيابة فإجماع ، قال الله تعالى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ) (٦)( وَاسْتَغْفِرْ

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٦ ـ ٥٥٣.

(٢) الكافي ٥ : ١١٧ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ـ ١٠٢٥.

(٣) الام ١ : ٢٧٩ ، المجموع ٥ : ٣٠٦.

(٤) المجموع ٥ : ٣١٢ ، السراج الوهاج : ١١٤.

(٥) الفقيه ١ : ١١١ ـ ٥١١.

(٦) الحشر : ١٠.

١٢١

لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (١).

وقال رجل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أمي ماتت أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال : ( نعم ) (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « يدخل على الميت في قبره الصلاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة ، والبر ، والدعاء ، ويكتب أجره للذي يفعله وللميت » (٣).

وأما ما عداها فإنه عندنا كذلك ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات ) (٥).

وقال عليه‌السلام لعمرو بن العاص : ( لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه ، أو تصدقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك ) (٦).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره ، ونفع الله به الميت » (٧) ، ولأنه عمل برّ وطاعة ، فوصل نفعه وثوابه إليه كالواجبات.

وقال الشافعي : ما عدا الواجبات ، والصدقة ، والدعاء ، والاستغفار لا‌

__________________

(١) محمد : ١٩.

(٢) مسند احمد ٥ : ٢٨٥ ، مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٣٨٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١١٨ ـ ٢٨٨٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٦٢.

(٣) الفقيه ١ : ١١٧ ـ ٥٥٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤١٩.

(٥) تفسير القرطبي ١٥ : ٣ ، المغني ٢ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤١٨.

(٦) سنن أبي داود ٣ : ١١٨ ـ ٢٨٨٣.

(٧) الفقيه ١ : ١١٧ ـ ٥٥٦.

١٢٢

يفعل عن الميت ، ولا يصل ثوابه إليه (١) لقوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) (٢) وقوله عليه‌السلام : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له ) (٣).

والآية مخصوصة بما وافقنا عليه ، والمختلف في معناه فيحمل عليه ، ولا حجة في الخبر لدلالته على انقطاع عمله ، وهذا ليس من عمله ، ومخصوص بمحل الوفاق فيحمل عليه محل الخلاف للمشاركة في المعنى.

مسألة ٢٦٤ : يستحب تعزية أهل الميت‌ بإجماع العلماء لقوله عليه‌السلام : ( من عزى مصابا فله مثل أجره ) (٤) ومن طريق الخاصة قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها ) (٥) وقال عليه‌السلام : ( التعزية تورث الجنّة ) (٦) والمراد منها تسلية أهل المصيبة ، وقضاء حقوقهم ، والتقرب إليهم ، وإطفاء نار الحزن عنهم ، وتسليتهم بمن سبق من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، وتذكيرهم الثواب على الصبر ، واللحاق بالميت.

فروع :

أ ـ لا خلاف في استحباب التعزية قبل الدفن ، وأما بعده فهو قول أكثر‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٥١٩ ، المغني ٢ : ٤٢٨.

(٢) النجم : ٣٩.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٣٧٢.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٣٨٥ ـ ١٠٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥١١ ـ ١٦٠٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٥ ـ ١ ، ثواب الأعمال : ٢٣٥ ـ ٢.

(٦) ثواب الاعمال : ٢٣٥ ـ ١.

١٢٣

العلماء (١) لقوله عليه‌السلام : ( ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة ) (٢) وهو عام قبل الدفن وبعده ، ومن طريق الخاصة قول هشام بن الحكم : رأيت الكاظم عليه‌السلام يعزي قبل الدفن وبعده (٣).

وعزّى الصادق عليه‌السلام رجلا بابن له ، فقال : « الله خير لابنك منك ، وثواب الله خير لك منه » فبلغه جزعه بعد ذلك فعاد إليه فقال له : « قد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما لك به أسوة؟ » فقال : إنه كان مرهقا ، فقال : « إن أمامه ثلاث خصال : شهادة أن لا إله إلا الله ، ورحمة الله ، وشفاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولن يفوته واحدة منهن إن شاء الله » (٤) ، ولأن القصد التسلية ، والحزن يحصل بعد الدفن كما حصل قبله.

وقال الثوري : لا تستحب التعزية بعد الدفن ، لأنه خاتمة أمره (٥) ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون » (٦) وهو غير مناف لبقاء الحزن عند الأحياء بعد خاتمة أمر الميت ، وقول الصادق عليه‌السلام يشمل قبل وبعد.

__________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٢٥٢ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٥ ، السراج الوهاج : ١١٢ ، المغني ٢ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٥ ، المجموع ٥ : ٣٠٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥١١ ـ ١٦٠١ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٥٢٢ ـ ٨٠٩٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٥ ـ ٩ ، الفقيه ١ : ١١٠ ـ ٥٠٣ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١٦ ، الإستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٩.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٤ ـ ٧ ، الفقيه ١ : ١١٠ ـ ٥٠٨ ، التهذيب ١ : ٤٦٨ ـ ١٥٣٧ ، ثواب الأعمال : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ـ ٣.

(٥) المجموع ٥ : ٣٠٧ ، المغني ٢ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٠٣ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١١.

١٢٤

ب ـ قال الشيخ : التعزية بعد الدفن أفضل (١) ، وهو جيد لقول الصادق عليه‌السلام : « التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن » (٢) ولاشتغالهم بميتهم ، ولأنه بعد الدفن يكثر الجزع حيث هو وقت المفارقة لشخصه والانقلاب عنه.

ج ـ قال الشيخ : يجوز أن يتميز صاحب المصيبة عن غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها على الأب والأخ ، فأما غيرهما فلا يجوز على حال (٣). والوجه عندي استحباب الامتياز في الأب والأخ وغيرهما لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع رداءه في جنازة سعد بن معاذ وقال : ( رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي ) (٤).

ولما مات إسماعيل تقدم الصادق عليه‌السلام السرير بغير رداء ولا حذاء (٥).

وقال عليه‌السلام : « ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة » (٦).

د ـ قد منع من وضع الرداء في مصيبة غيره لئلاّ يشتبه بصاحبها ، وقال عليه‌السلام : ( ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره ) (٧).

هـ ـ يستحب تعزية جميع أهل المصيبة ، كبارهم وصغارهم ، ويخصّ من ضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها ، ولا فرق بين الرجل والمرأة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٢٩ مسألة ٥٥٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٤ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٧٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٩.

(٤) الفقيه ١ : ١١١ ـ ٥١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٤ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ١١٢ ـ ٥٢٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢١ ـ ٦ ، علل الشرائع : ٣٠٧ الباب ٢٥٤ الحديث ١.

(٧) الفقيه ١ : ١١١ ـ ٥١٠ ، علل الشرائع : ٣٠٧ الباب ٢٥٤ الحديث ٢.

١٢٥

لقوله عليه‌السلام : ( من عزى ثكلى كسي بردا في الجنّة ) (١).

نعم يكره تعزية الرجل المرأة الشابة الأجنبية حذر الفتنة.

و ـ الأقرب جواز تعزية أهل الذمة ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد في رواية (٢) ـ لأنه كالعيادة ، وقد عاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلاما من اليهود مرض ، فقعد عند رأسه فقال له : ( أسلم ) فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال : أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ) (٣). وفي أخرى : المنع (٤) لقوله عليه‌السلام : ( لا تبدءوهم بالسلام ) (٥) وهذا في معناه.

ز ـ يقول في تعزية الكافر بالكافر : أخلف الله عليك ولا نقص عددك ، ويقصد كثرة العدد لزيادة الجزية ، وفي تعزية المسلم بالكافر : أعظم الله أجرك ، وأخلف عليك ، وفي تعزية الكافر بالمسلم : أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ، وغفر لميتك.

ح ـ ليس في التعزية شي‌ء موظف ، واستحب بعض الجمهور (٦) ما رواه الصادق عليه‌السلام عن الباقر عليه‌السلام عن زين العابدين عليه‌السلام قال : « لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب » (٧).

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ـ ١٠٧٦.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٢٥٢ ، المغني ٢ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١١٨ ، سنن أبي داود ٣ : ١٨٥ ـ ٣٠٩٥ ، مسند أحمد ٣ : ٢٢٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٧.

(٥) مسند أحمد ٢ : ٣٤٦.

(٦) المغني ٢ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٧.

(٧) ترتيب مسند الشافعي ١ : ٢١٦ ـ ٦٠٠.

١٢٦

وعزى الصادق عليه‌السلام قوما قد أصيبوا بمصيبة فقال : « جبر الله وهنكم ، وأحسن عزاءكم ، ورحم متوفاكم » ثم انصرف (١).

ط ـ يكفي في التعزية أن يراه صاحب المصيبة ، قال الصادق عليه‌السلام : « كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة » (٢).

ي ـ قال في المبسوط : يكره الجلوس للتعزية يومين ، أو ثلاثة إجماعا (٣) ، وأنكره ابن إدريس لأنه تزاور فيستحب (٤).

يا ـ الأقرب أنه لا حدّ للتعزية ، لعدم التوقيت ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، وفي الآخر : حدها ثلاثة أيام إلا أن يكون المعزي أو المعزى غائبا (٥).

مسألة ٢٦٥ : يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم‌ إجماعا إعانة لهم ، وجبرا لقلوبهم ، فإنهم ربما اشتغلوا بمصابهم ، وبالواردين عليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم ، ولما جاء نعي جعفر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم ) (٦).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « لما قتل جعفر بن أبي طالب ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساءها ، وأن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام ، فجرت بذلك‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٠ ـ ٥٠٦.

(٢) الفقيه ١ : ١١٠ ـ ٥٠٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٩.

(٤) السرائر : ٣٤.

(٥) المجموع ٥ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٥ : ٢٥٢ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٥ ـ ١٠٦ ، السراج الوهاج : ١١٢.

(٦) سنن أبي داود ٣ : ١٩٥ ـ ٣١٣٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٢٣ ـ ٩٩٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٧٩ ـ ١١ و ٨٧ ـ ٨.

١٢٧

السنة » (١).

وكره أحمد أن يصنع أهل الميت طعاما للناس لأنه فعل أهل الجاهلية (٢) ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية ، والسنة البعث إليهم بالطعام » (٣).

مسألة ٢٦٦ : يستحب للرجال زيارة مقابر المؤمنين‌ إجماعا لأن النبيّ عليه‌السلام قال : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنها تذكركم الموت ) (٤). ومن طريق الخاصة قول الرضا عليه‌السلام : « من أتى قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده ، وقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن الفزع الأكبر » (٥).

ووقف الباقر عليه‌السلام على قبر رجل من الشيعة ثم قال : « اللهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك ، وألحقه بمن كان يتولاه » ثم قرأ إنا أنزلناه سبع مرات (٦). وسأل جراح الصادق عليه‌السلام كيف التسليم على أهل القبور؟ قال : « تقول : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، رحم الله المتقدمين منا والمتأخرين (٧) ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » (٨).

__________________

(١) المحاسن : ٤١٩ ـ ١٩١.

(٢) المغني ٢ : ٤١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٣ ، كشاف القناع ٢ : ١٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ١١٦ ـ ٥٤٨.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٢ ـ ٩٧٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٨ ـ ٣٢٣٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٧٠ ـ ١٠٥٤ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٧٥.

(٥) الكافي ٣ : ٢٢٩ ـ ٩ ، التهذيب ٦ : ١٠٤ ـ ١٨٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢٩ ـ ٦ ، التهذيب ٦ : ١٠٥ ـ ١٨٣.

(٧) في « ش » والكافي : رحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين.

(٨) الفقيه ١ : ١١٤ ـ ٥٣٣ ، والكافي ٣ : ٢٢٩ ـ ٨.

١٢٨

فروع :

أ ـ لا يكره للنساء ذلك لأن الصادق عليه‌السلام قال : « إن فاطمة عليها‌السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت ، فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له » (١).

ب ـ لا يستحب خلع النعال لانتفاء الكراهة بالأصل ، ولأن الحسن ، وابن سيرين كانا يمشيان بين القبور في نعالهما (٢).

وكرهه أحمد (٣) ، لأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإلقائهما (٤) ، ويحمل على من فعل ذلك للخيلاء.

ج ـ لو احتيج إلى النعلين لم يكره المشي فيهما إجماعا.

د ـ نزع الخفين ليس بمستحب إجماعا لأن في نزعهما مشقة ، وهل يتعدى إلى الشمشك (٥)؟ إشكال.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٤ ـ ٥٣٧ ، التهذيب ١ : ٤٦٥ ـ ١٥٢٣.

(٢) المغني ٢ : ٤٢٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٢٣ ، كشاف القناع ٢ : ١٤١ ، المجموع ٥ : ٣١٢.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ٨٠.

(٥) الشمشك بضم الشين وكسر الميم. قيل : إنّه المشاية البغدادية. مجمع البحرين ٥ : ٢٧٧ « شمشك ».

١٢٩
١٣٠

الفصل السادس : في غسل مس الأموات.

مسألة ٢٦٧ : الميت نجس وإن كان آدميّا‌ عند علمائنا أجمع ، ويطهر بالغسل ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أحد الوجهين (١) ـ لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (٢) وتحريم الأعيان يستلزم تحريم الانتفاع من جميع الوجوه ، ولأنه حيوان لا يحل أكله ، ذو نفس سائلة ، فينجس بالموت كسائر الحيوانات ، ولأنه لو بان منه عضو كان نجسا.

وروي أن زنجيا مات في زمزم ، فأمر عبد الله بن عباس أن ينزح جميع مائها ، وكان في خلافة ابن الزبير (٣) ولم ينكر ذلك أحد.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام ، وقد سئل عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت : « يغسل ما أصاب الثوب » (٤).

وللشافعي قول : إنه لا ينجس الآدمي (٥) ، لأن النبيّ عليه‌السلام قال :

__________________

(١) فتح العزيز ١ : ١٦٢ و ١٦٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧٠.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٣٣ ـ ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ ـ ٨١٢ ، الاستبصار ١ : ١٩٢ ـ ٦٧١.

(٥) المجموع ١ : ١٣٢ ، فتح العزيز ١ : ١٦٢.

١٣١

( لا تنجسوا موتاكم ، فإن المؤمن ليس بنجس حيا ولا ميتا ) (١) ولأنه يطهر بالغسل فلا يكون نجس العين.

والحديث محمول على أنه ليس بنجس نجاسة لا تقبل التطهير ، ونمنع الملازمة فإن النجاسات العينية تختلف ، فالكافر يطهر بالإسلام ، والخمر يطهر بالانقلاب.

فروع :

أ ـ نجاسة الميت نجاسة عينية لأنها تتعدى إلى ما يلاقيها ، على ما تضمنه حديث الصادق عليه‌السلام (٢) وتطهر بالغسل بإجماع علماء الإسلام.

ب ـ لو وقع الثوب على الميت بعد غسله لم يجب غسله لطهارته حينئذ ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن كان الميت غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، فإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٣).

ج ـ لو وقعت يد الميت بعد برده وقبل غسله في مائع نجس ذلك المائع ، فإن وقع ذلك المائع في آخر نجس الآخر ، خلافا لابن إدريس ، فإنه قال : الثاني لم يلاق الميت ، وحمله على ما لاقاه قياس ، ولأن لمغسّل الميت دخول المسجد واستيطانه ، ولأن المستعمل في الكبرى طاهر (٤).

وليس بجيد إذ لا قياس هنا ، بل لأن ملاقي يد الميت نجس ، والمائع إذا لاقى نجسا تأثر به ، ونمنع جواز الاستيطان ، وطهارة المستعمل في الكبرى مع حصول نجاسة في المحل ، ولا مس الميت بيده تنجس يده نجاسة عينية ، فإن اغتسل قبل غسل يده نجس الماء بملاقاة يده التي لاقى بها‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ٧٠ ـ ١ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٨٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ ـ ٨١٢ ، الإستبصار ١ : ١٩٢ ـ ٦٧١.

(٣) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ ـ ٨١١.

(٤) السرائر : ٣٢.

١٣٢

الميت ، ولو غسل يده ثم اغتسل لم ينجس الماء لأن اغتساله هنا طهارة حكميّة ، وإنما الإشكال لو لاقاه يابسين ، أو لاقى ميتا من غير الناس.

د ـ الميت إنما يطهر بالغسل إذا وقع على الوجه المشروع ، أما لو رماه في ماء كثير ـ ولم يكتف بالقراح ـ لم يطهر.

وكذا لا يطهر غير الآدمي بالغسل ، أما الكافر فالأقرب إلحاقه بغير الآدمي في عدم الطهارة بالغسل ، للنهي عن تغسيله (١) والنهي في العبادة يقتضي الفساد.

مسألة ٢٦٨ : يجب الغسل على من غسل ميتا‌ عند أكثر علمائنا (٢) ـ وهو القول القديم للشافعي ، وهو منقول عن علي عليه‌السلام ، وأبي هريرة (٣) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( من غسل ميتا فليغتسل ، ومن مسه فليتوضأ ) (٤).

ولما مات أبو طالب ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام بغسله ، فلما غسله ، ودفنه رجع إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره فقال : ( اذهب واغتسل ) (٥).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « من غسل ميتا فليغتسل » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ ـ ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ ـ ٤٣٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ـ ٩٨٢.

(٢) منهم : المفيد في المقنعة : ٦ ، والصدوق في الفقيه ١ : ٨٧ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٣٥ ، والمبسوط ١ : ١٧٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٢ ، والمحقق في المعتبر : ٩٦.

(٣) المجموع ٥ : ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٠١ ـ ٣١٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٧٠ ـ ١٤٦٣ ، سنن البيهقي ١ : ٣٠٠ ـ ٣٠٤.

(٥) سنن البيهقي ١ : ٣٠٥.

(٦) الكافي ٣ : ١٦٠ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ـ ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٩٩ ـ ٣٢١.

١٣٣

وحكي عن أبي حنيفة ، والمزني : أنه ليس بمشروع (١). وقال السيد المرتضى (٢) وابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، والفقهاء : مالك ، وأصحاب الرأي ، وأحمد ، وإسحاق ، والشافعي في القول الثاني : إنه مستحب للأصل (٣). والاحتياط يعارضه.

مسألة ٢٦٩ : لو مس ميتا من الناس بعد برده‌ بالموت وقبل تطهيره بالغسل وجب عليه الغسل عند أكثر علمائنا (٤) ـ خلافا للسيد المرتضى (٥) ، والجمهور كافة ـ لما تقدم (٦) ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل قلت : فإن مسّه.؟

قال : « فليغتسل » (٧).

وقال المرتضى : إنه مستحب للأصل (٨) ، وقال أحمد : يجب الوضوء (٩) لقوله عليه‌السلام : ( من غسل ميتا فليغتسل ، ومن مسه فليتوضأ ) (١٠).

فروع :

أ ـ يجب الوضوء أيضا بالمس عملا بعموم قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا ) (١١)

__________________

(١) المجموع ٥ : ١٨٥.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٩٦.

(٣) المجموع ٥ : ١٨٥ و ١٨٦ و ٢ : ٢٠٣ ، بلغة السالك ١ : ١٩٥ ، المغني ١ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٣ ، البحر الرائق ١ : ٦٦.

(٤) منهم الصدوق في الفقيه ١ : ٨٧ ، والشيخ الطوسي في النهاية ٣٥ والمبسوط ١ : ١٧٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٣.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ٩٦.

(٦) تقدم في المسألة ٢٦٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٦٠ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ـ ٢٨٣.

(٨) حكاه المحقق في المعتبر : ٩٦.

(٩) الشرح الكبير ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ١٨٦.

(١٠) سنن أبي داود ٣ : ٢٠١ ـ ٣١٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٧٠ ـ ١٤٦٣ ، سنن البيهقي : ١ : ٣٠٠ ـ ٣٠٤.

(١١) سورة المائدة : ٦.

١٣٤

ولقولهم عليهم‌السلام : « كل غسل لا بدّ معه من الوضوء إلا الجنابة » (١) فلو اغتسل ولم يتوضأ وصلّى بطلت.

ب ـ لو مسه قبل برده لم يجب عليه غسل لقول الصادق عليه‌السلام قال : « إذا مسه وهو سخن فلا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل » (٢) والأقرب : وجوب غسل يده لأنه لاقى نجاسة ، إذ الميت نجس عندنا.

ج ـ لو مس ميتا من غير الناس وجب عليه غسل ما مسه به ، وحكم الثوب حكم البدن ، والأقوى عندي هنا اشتراط الرطوبة.

د ـ لو كمل غسل الرأس فمسه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل.

هـ ـ لا فرق بين كون الميت مسلما أو كافرا لامتناع التطهير في حقه ، ولا يمنع ذلك صدق القبلية.

مسألة ٢٧٠ : ويجب الغسل بمس قطعة فيها عظم أبينت من آدمي‌ ، حي أو ميت ـ خلافا للجمهور ـ لأنه ميت.

وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسه إنسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (٣).

فلو كانت القطعة خالية من عظم ، أو كانت من غير الناس وجب غسل اليد خاصة ، ولا يجب الغسل ، والأقرب عدم وجوب الغسل بمس نفس العظم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ ـ ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ـ ٤٢٨.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٩ ـ ١٣٦٧.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٢ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ ـ ١٣٦٩ ، الإستبصار ١ : ١٠٠ ـ ٣٢٥.

١٣٥

مسألة ٢٧١ : كيفيّة هذا الغسل مثل كيفية غسل الحيض‌ بمعنى افتقاره إلى الوضوء ، إما قبله أو بعده ، للصلاة ، أو غيرها مما يشترط فيه الطهارة لا وجوبا في نفسه لقول الصادق عليه‌السلام : « كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة » (١) خلافا للمرتضى (٢) لقوله عليه‌السلام : « وأي وضوء أكبر من الغسل » (٣) والأحوط ما قلناه.

تذنيب : لو اغتسل ثم أحدث حدثا أصغر توضأ وضوءا واحدا ولا يعيد الغسل ، ولو قدم الوضوء (٤) أعاده واغتسل ، ولو أحدث في أثناء الغسل أتمه وتوضأ سواء تقدم الغسل أو تأخر.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٣ ـ ٤٠٣.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥ ذيل الحديث ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٩ ـ ٤٢٧ ، وفيها بدل أكبر : أطهر.

(٤) أي : لو توضّأ أوّلا ثم أحدث.

١٣٦

الفصل السابع : في الأغسال المسنونة.

وهي على الأشهر ثمانية وعشرون غسلا ، ستة عشر للوقت ، وسبعة للفعل ، وخمسة للمكان.

مسألة ٢٧٢ : ذهب أكثر علمائنا إلى أن غسل الجمعة مستحب‌ ليس بواجب (١) ـ وهو قول جمهور أهل العلم (٢) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ) (٣) وقوله عليه‌السلام : ( فبها ) معناه بالفريضة أخذ ، وقوله : ( ونعمت ) يعني الخلّة الفريضة.

ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن غسل الجمعة ، قال : « سنة في الحضر والسفر إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر (٤) » (٥).

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٦ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٤٠ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : ١٣٥ ، والمحقق في المعتبر : ٩٧.

(٢) المجموع ٢ : ٢٠١ و ٤ : ٥٣٥ ، المغني ٢ : ١٩٩ ، العدة شرح العمدة : ١٠٩ ، المهذب لأبي إسحاق ١ : ١٢٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٩.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٩٧ ـ ٣٥٤ ، سنن النسائي ٣ : ٩٤.

(٤) القرّ : البرد. الصحاح ٢ : ٧٨٩ « قرر ».

(٥) التهذيب ١ : ١١٢ ـ ٢٩٦ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ ـ ٣٣٤.

١٣٧

وقال الصدوق : إنه واجب (١) ـ وبه قال الحسن البصري ، وداود ، ومالك ، وأهل الظاهر (٢) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ) (٣).

وقال الرضا عليه‌السلام وقد سئل عن غسل الجمعة : « واجب على كل ذكر وأنثى من حر وعبد » (٤) وهو محمول على شدة الاستحباب عملا بالجمع بين الأحاديث وبأصالة البراءة.

فروع :

أ ـ استحباب غسل الجمعة مؤكد للرجال والنساء ، سفرا وحضرا ، وغسل مس الميت آكد ، أما إن قلنا بوجوبه ـ على ما اخترناه ـ فظاهر ، وإن قلنا : إنه سنة فكذلك لأن سببه وجد منه فهو بغسل الجنابة أشبه ، ولأن الخلاف في وجوبه أكثر من خلاف غسل الجمعة ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : غسل الجمعة (٥) لورود الأخبار بوجوبه (٦).

والفائدة تظهر فيما لو اجتمع اثنان على ماء مباح ، أحدهما من أهل الجمعة ، والآخر ليس من أهلها وقد مس ميتا.

ب ـ وهو مستحب لآتي الجمعة وغيره كالنساء ، والعبيد ، والمسافرين‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦١.

(٢) بداية المجتهد ١ : ١٦٤ ، القوانين الفقهية : ٣٢ ، المحلى ٢ : ٨ ، المجموع ٤ : ٥٣٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٨٩.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٠ ـ ٨٤٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤١ ـ ١ و ٤٢ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١١١ ـ ٢٩١ ، الاستبصار ١ : ١٠٣ ـ ٣٣٦.

(٥) المجموع ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ و ٥ : ١٨٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩٢.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٠ ـ ٨٤٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٨٩.

١٣٨

عند علمائنا ـ وبه قال أبو ثور ، والشافعي في أحد القولين (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ) (٢).

ومن طريق الخاصة قول الرضا عليه‌السلام : « إنه واجب على كل ذكر وأنثى من حر وعبد » (٣).

والثاني للشافعي : يستحب لآتي الجمعة خاصة (٤) لقوله عليه‌السلام : ( من جاء إلى الجمعة فليغتسل ) (٥) وهو يدل من حيث المفهوم ، فلا يعارض المنطوق.

ج ـ لو حضرت المرأة المسجد استحب لها ، أما عندنا فظاهر ، وأما عند الشافعي فللخبر (٦).

وقال أحمد : لا يستحب لأنها غير مخاطبة بالجمعة (٧) ، وينتقض بالعبد.

د ـ وقته من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال ، وكلّما قرب من الزوال كان أفضل ، قاله علماؤنا ـ وبه قال الشافعي (٨) ـ لأن النبيّ عليه‌السلام قال :

__________________

(١) المجموع ٢ : ٢٠١ و ٤ : ٥٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩٠ ، السراج الوهاج : ٨٨.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٠ ـ ٨٤٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤١ ـ ١ و ٤٢ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١١١ ـ ٢٩١ ، الاستبصار ١ : ١٠٣ ـ ٣٣٦.

(٤) المجموع ٢ : ٢٠١ و ٤ : ٥٣٣ ، السراج الوهاج : ٨٨ ، الوجيز ١ : ٦٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩٠.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢ و ٤ و ٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٧٩ ـ ٨٤٤ ، سنن النسائي ٣ : ٩٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٦ ـ ١٠٨٨ و ٣٤٩ ـ ١٠٩٨ ، سنن البيهقي ١ : ٢٩٧ ، مسند أحمد ١ : ١٥ و ٤٦.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٧٩ ـ ٨٤٤.

(٧) المغني ٢ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠١.

(٨) المجموع ٤ : ٥٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩١.

١٣٩

( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرّب بدنة ) (١).

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما‌السلام : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك للجنابة والجمعة » (٢).

ولأن القصد التنظيف للصلاة ، وإزالة الرائحة الكريهة من البدن للاجتماع فيستحب عنده وليس شرطا.

وقال مالك : لا يعتد بالغسل إلاّ أن يتصل به الرواح (٣) لقوله عليه‌السلام : ( من جاء إلى الجمعة فليغتسل ) (٤) وليس فيه دلالة.

هـ ـ لا يجوز إيقاعه قبل الفجر اختيارا ، فإن قدمه لم يجزئه إلا إذا يئس من الماء ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ للإجماع ، ولأن النبيّ عليه‌السلام أضاف الغسل إلى اليوم (٦). وقال الأوزاعي : يجوز قبل الفجر لأنه يوم عيد فجاز قبل الفجر كالعيدين (٧). ونمنع حكم الأصل ، والفرق أن وقت العيد طلوع الشمس ، فيضيق على الناس وقت الغسل من الفجر فيجوز قبله ، بخلاف الجمعة لأنها بعد الزوال.

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ ـ ٨٥٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٢ ـ ٤٩٩ ، الموطأ ١ : ١٠١ ـ ١ ، مسند أحمد ٢ : ٤٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤١ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ ـ ٢٧٩.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٤٥ ، المجموع ٤ : ٥٣٦ ، المغني ٢ : ٢٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٠ ، المحلى ٢ : ٢٢.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٢ و ٤ و ٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٧٩ ـ ٨٤٤ ، سنن النسائي ٣ : ٩٣ ، مسند أحمد ١ : ١٥ و ٤٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٦ ـ ١٠٨٨ و ٣٤٩ ـ ١٠٩٨ ، سنن البيهقي ١ : ٢٩٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦١.

(٥) المجموع ٤ : ٥٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩١.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨١ ـ ٨٤٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٦ ـ ١٠٨٩.

(٧) المغني ٢ : ٢٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥٣٦.

١٤٠