تذكرة الفقهاء - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١

السلام أولى من فعل غيره ، أو لأنه قيل : قبض في أشرف البقاع فيدفن فيه (١) ، أو لما يقال من أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون (٢) أو ليتميز عن غيره.

فروع :

أ ـ يستحب أن يدفن في أشرف البقاع ، فإن كان بمكة ففي مقبرتها ، وكذا بالمدينة ، ومشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، وفي المقبرة التي يكثر فيها الصالحون ، والشهداء ، لتناله بركتهم ، وكذا في البقاع الشريفة ، لأن موسى عليه‌السلام لمّا حضرته الوفاة ، سأل الله عزّ وجلّ أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لو كنت ثمّ لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر ) (٣).

ب ـ جمع الأقارب في الدفن حسن لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دفن عثمان بن مظعون قال : ( أدفن إليه من مات من أهله ) (٤) ولأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليه (٥) ، وينبغي تقديم الأب ثم من يليه في السن والفضيلة إذا أمكن.

ج ـ ينبغي دفن الشهيد حيث قتل ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( ادفنوا القتلى في مصارعهم ) (٦).

__________________

(١) دلائل النبوة للبيهقي : ٧ ـ ٢٥٩ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٢٩٣ ، الخصائص الكبرى ٢ : ٢٧٨.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٢١ ذيل الحديث ١٦٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٣٨ ـ ١٠١٨ ، الموطأ ١ : ٢٣١ ـ ٢٧ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٢٩٢.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١١٣.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢١٢ ـ ٣٢٠٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٤١٢.

(٥) كذا ، والصحيح : عليهم.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٦ ، موارد الظمآن : ١٩٦ ـ ٧٧٤ و ٧٧٥ نحوه.

١٠١

د ـ لو طلب بعض الورثة الدفن في المسبلة والبعض في الملك ، دفن في المسبلة لأنه أقلّ ضررا على الورثة ، فإن تشاحا في الكفن قدم قول من يكفنه من ملكه لأن فيه منة يتضرر بها الوارث.

هـ ـ لو أوصى بأن يدفن في داره كان من الثلث ، وقال أحمد : يدفن في المسبلة لئلا يضر بالورثة (١).

و ـ قال الشيخ : يستحب أن يكون للإنسان مقبرة ملك ، يدفن فيه أهله وأقاربه (٢).

ز ـ لو تشاح اثنان في الدفن في المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق ورحاب المساجد ، فإن تساويا أقرع.

مسألة ٢٤٥ : يكره نقل الميت عن بلد موته‌ بإجماع العلماء ، لقوله عليه‌السلام : ( عجلوهم إلى مضاجعهم ) (٣) ويستحب نقله إلى أحد مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، لأن عمل الإمامية عليه من زمن الأئمة عليهم‌السلام إلى زماننا فكان إجماعا ، ولأنه موضع شريف فينبغي قصده.

أما لو دفن في غيره لم يجز نقله وإن كان إلى المشاهد ، لإطلاق تحريم النبش ، وسوّغه بعض علمائنا ، قال الشيخ : سمعناه مذاكرة (٤).

مسألة ٢٤٦ : يحرم نبش القبر‌ بالإجماع ، لأنه مثلة وهتك لحرمة الميت إلا في مواضع :

أ ـ إذا وقع في القبر ما له قيمة ، جاز نبشه لأخذه ، حفظا للمال عن‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٣٨٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٨.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٥٧ ، مجمع الزوائد ٣ : ٤٣ ، كنز العمال ٤ : ٤٢٨ ـ ١١٢٤٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٥ ـ ١٧١٧.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٧.

١٠٢

الضياع. وقيل : إن المغيرة بن شعبة طرح خاتمة في قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : خاتمي ، ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه (١).

فإن دفع أهل الميت القيمة إليه ففي وجوب أخذه وتحريم النبش إشكال ، ولا فرق بين أن تكون القيمة قليلة أو كثيرة ، نعم يكره في القليلة.

ب ـ لو دفن في أرض مغصوبة ، أو مشتركة بينه وبين غيره ولم يأذن الشريك فلمالكها قلعه ، لأنه عدوان فتجب إزالته.

ولو استعار للدفن جاز الرجوع قبله ويحرم بعده ، لأن نبش الميت محرم ، ولأن الدفن مؤبد الى أن يبلى الميت ثم تعود إلى مالكها.

وقال في المبسوط : إذا دفن الميت ثم بيعت الأرض جاز للمشتري نقل الميت عنها ، والأفضل أن يتركه ، لأنه لا دليل يمنع من ذلك (٢) فإن قصد في الأرض المغصوبة صح وإلا منع.

ج ـ لو كفن في ثياب مغصوبة ودفن ، نبش إن طلب مالكها عين ماله لأنها ملك الغير فلا تنتقل عنه.

وقال الشافعي : لا ينبش ويرجع إلى القيمة بخلاف غصب الأرض لتعذر تقويم المدفن وإمكان تقويم الثوب (٣).

د ـ لو دفن ولم يغسل ، قال الشيخ : لا ينبش (٤) ، وبه قال أبو‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٠٠ ، المغني ٢ : ٤١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٤٥.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٨.

(٣) المجموع ٥ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٥ : ٢٥٠.

(٤) الخلاف ١ : ٧٣٠ مسألة ٥٦٠.

١٠٣

حنيفة (١) ، وهو الوجه ، لأنه مثلة.

وقال الشافعي : ينبش ، ويغسل ، ويصلى عليه إذا لم يخف فساده في نفسه ـ وبه قال مالك ، وأحمد ، وأبو ثور ـ لأنه واجب فلا يسقط بذلك (٢) ، وهو وجه عندي ، وكذا لو دفن إلى غير القبلة.

هـ ـ لو دفن ولم يكفن فالوجه أنه لا ينبش ، لأن التكفين أغنى عنه الدفن ، إذ الستر قد حصل.

ولو دفن قبل الصلاة فالوجه أنه لا ينبش أيضا ، لاستدراكها بفعلها على القبر ، وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية ، وفي أخرى : ينبش لأنه دفن قبل واجب (٣) ونمنع العلية.

و ـ كل موضع منعنا فيه من النبش فإنما هو مع بقاء الميت ، أما لو بلى وصار رميما فإنه يجوز نبشه لدفن غيره فيه أو لمصلحة المالك المعير ، ولو شك رجع إلى أهل الخبرة ، ويختلف باختلاف الأهوية والترب ، فإن نبش فوجد فيه عظاما دفنها وحفر في غيره.

مسألة ٢٤٧ : تكره أشياء :

أ ـ دفن ميتين في قبر واحد إذا دفنا ابتداء ، أما لو دفن أحدهما ثم أريد نبشه ودفن آخر فيه ، قال في المبسوط : يكره (٤).

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٣ ، المجموع ٥ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٥ : ٢٥٠ ، المغني ٢ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠٩.

(٢) بلغة السالك ١ : ٢٠٣ ، المغني ٢ : ٤١٥ ، المجموع ٥ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٥ : ٢٥٠ ، الوجيز ١ : ٧٨.

(٣) المجموع ٥ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، المغني ٢ : ٤١٥.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٧.

١٠٤

والوجه : المنع لأنه صار حقا للأول فلم تجز مزاحمته بالثاني ، نعم لو كان في أزج (١) يتسع لجماعة جاز على كراهية.

ب ـ حمل ميتين على جنازة واحدة ، لأن الصفار كتب إلى العسكري عليه‌السلام أيجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلّة الناس؟ وإن كان الميت رجلا وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلّى عليهما؟ فوقّع عليه‌السلام « لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد » (٢).

ج ـ يكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة كنداوة الأرض ، لما فيه من إتلاف المال لغير غرض ، أما مع الضرورة فلثبوت الغرض ، ولما رواه محمد بن محمد قال : كتب علي بن بلال أنه ربما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية فنفرش القبر بالساج أو نطبق عليه فهل يجوز؟ فكتب « ذلك جائز » (٣).

د ـ يكره تجصيص القبور إجماعا ، لأن النبيّ عليه‌السلام نهى أن تجصص القبور (٤).

ومن طريق الخاصة قول الكاظم عليه‌السلام : « لا يصلح البناء عليه ، ولا الجلوس ، ولا تجصيصه ولا تطيينه » (٥).

هـ ـ يكره تطيينه بعد اندراسه ـ ولا بأس به ابتداء ، قاله الشيخ (٦) ، لأن‌

__________________

(١) أزج : بيت يبنى طولا ، تاج العروس ٢ : ٤ « أزج ».

(٢) التهذيب ١ : ٤٥٤ ـ ١٤٨٠.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٦ ـ ١٤٨٨.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٧ ـ ٩٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٨ ـ ١٥٦٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٨ ـ ١٠٥٢ ، سنن النسائي ٤ : ٨٨ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٧٠.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٧.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٨٧.

١٠٥

الكاظم عليه‌السلام لمّا رجع إلى المدينة ، مات ابنته بفيد ، فدفنها ، وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها (١) ـ لهذه الرواية (٢).

ورخص فيه الشافعي ، والحسن البصري ، وأحمد لأن ابن عمر كان يتعاهد قبر عاصم بن عمر (٣).

والكراهة أولى لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره ) (٤).

و ـ يكره البناء على القبر إجماعا لما تقدم من رواية الكاظم عليه‌السلام (٥). ونهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه ، وأن يقعد عليه وأن يكتب عليه (٦) ، ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة للميت إليه.

ز ـ يكره تجديد القبور لقول علي عليه‌السلام : « من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام » (٧).

واختلف علماؤنا ، فقال محمد بن الحسن الصفار : بالجيم اي يجدد بناءها أو تطيينها ، وحكي أنه لم يكره رمّها ، وقال البرقي : بالجيم والثاء أي يجعل القبر جدثا دفعة اخرى ، وقال سعد بن عبد الله : أنها بالحاء وعنى التسنيم (٨) ، وقال المفيد : إنها بالخاء المعجمة وعنى شقها من خددت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٢ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠١ ، الإستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٨.

(٢) أي الرواية السابقة عن الإمام الكاظم عليه‌السلام : « لا يصلح البناء عليه .. ».

(٣) المجموع ٥ : ٢٩٨ ، فتح العزيز ٥ : ٢٢٧ ، التلخيص الحبير ٥ : ٢٢٦ ، المغني ٢ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٩٢.

(٤) فردوس الأخبار للديلمي ٥ : ٩٨ ـ ٧٥٨٧.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٧.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٧ ـ ٩٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٨ ـ ١٥٦٢ ـ ١٥٦٤ ، سنن النسائي ٤ : ٨٧ و ٨٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٨ ـ ١٠٥٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٤ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٧٠.

(٧) الفقيه ١ : ١٢٠ ـ ٥٧٩ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ ـ ١٤٩٧ ، المحاسن : ٦١٢ ـ ٣٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٢٠ ـ ١٢١ ذيل الحديث ٥٧٩ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ ذيل الحديث ١٤٩٧.

١٠٦

الأرض أي شققتها (١).

ح ـ يكره أن يجلس على القبر ، أو يتكئ عليه ، أو يمشى عليه ، ذهب إليه علماؤنا ـ وهو قول أكثر أهل العلم (٢) ـ لأن النبيّ عليه‌السلام نهى عن الجلوس على القبر (٣) وقال عليه‌السلام : ( لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الكاظم عليه‌السلام : « ولا الجلوس » (٥) ولأن فيه نوع استهانة.

وقال مالك : إن جلس للغائط كره وإلا فلا (٦).

ط ـ التغوط بين القبور لما فيه من تأذي المترحمين ، ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق ) (٧).

ي ـ يكره المقام عندها لما فيه من ترك الرضا بقضائه تعالى ، أو للاشتغال عن المصالح الأخروية والدنيوية ، أو لعدم الاتعاظ.

يا ـ يكره أن تتخذ مساجد لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لعن الله‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٠ ذيل الحديث ١٤٩٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣١٢ ، المغني ٢ : ٣٨٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٢٠.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٨ ـ ٩٧٢ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٧ ـ ٣٢٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٧ ـ ١٠٥٠ ، سنن النسائي ٢ : ٦٧ ، و ٤ : ٨٧.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٩ ـ ١٥٦٧.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ ـ ١٥٠٣ ، الإستبصار ١ : ٢١٧ ـ ٧٦٧.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٢٤٤ ، المغني ٢ : ٣٨٢.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٩ ـ ١٥٦٧.

١٠٧

اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) (١) ولمشابهته تعظيم الأصنام ، ومنع أحمد من الإسراج عندها (٢).

مسألة ٢٤٨ : يجوز الدفن ليلا‌ ، وهو قول عامة أهل العلم ، لأن ابن مسعود روى أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزاة تبوك ـ وهو في قبر ذي النجادين ـ قال لأبي بكر ، وعمر : ( أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده ) ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة : ( اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه ) (٣) وكان ذلك ليلا ، ودفن علي عليه‌السلام ، وفاطمة عليها‌السلام ، وأبو بكر وعثمان ، وعائشة ليلا (٤) ، ولأنه أحد الزمانين فجاز الدفن فيه كالنهار.

وقال الحسن البصري : إنه مكروه ـ وهو رواية عن أحمد (٥) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زجر أن يقبر الرجل بالليل إلى أن يضطر إنسان إلى ذلك (٦) ، وهو يعطي المرجوحية ، لأن النهار أسهل على مشيعي الجنازة ، وأكثر للمصلين ، وأمكن لاتباع السنة في دفنه والحادة.

مسألة ٢٤٩ : إذا دفن جماعة في قبر ، فالأفضل تقديم الأفضل إلى القبلة‌ ى ، ولو كان رجلا وصبيا ، فالرجل إلى القبلة لأفضلية تلك الجهة.

وينبغي أن يجعل بين كل اثنين حاجزا ليكون كالمنفرد ، ولو خدّد لهم‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١١١ ، سنن النسائي ٤ : ٩٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٠.

(٢) المغني ٢ : ٣٨٣.

(٣) أسد الغابة ٣ : ١٢٣ ، مجمع الزوائد ٣ : ٤٣ نقلا عن الطبراني في الأوسط ، المغني ٢ : ٤١٧ نقلا عن الخلال في جامعه.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١١٣ ، مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٣٤٦.

(٥) المغني ٢ : ٤١٧ ، المجموع ٥ : ٣٠٢.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٧ ـ ١٥٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٦٩.

١٠٨

أخدود (١) وجعل رأس كل واحد عند رجلي الآخر جاز وإن كان اللحد أفضل.

مسألة ٢٥٠ : لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم وأطفالهم‌ من مرتد وكافر حربي وذمي بإجماع العلماء لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم.

ولو ماتت ذميّة وهي حامل من مسلم ، قال علماؤنا : تدفن في مقبرة المسلمين لحرمة ولدها ، لأن له حرمة أجنة المسلمين ، لأنه لو سقط لم تدفن إلا في مقابرهم فلا تسقط حرمته في جوف امه ، ولقول الرضا عليه‌السلام : « يدفن معها » (٢) ، وبه قال عمر بن الخطاب (٣).

وقال الشافعي ، وأحمد : يدفن بين مقبرة المسلمين وأهل الذمة (٤).

إذا عرفت هذا فإنه يستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر ، ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن ، وهو وفاق.

مسألة ٢٥١ : لو مات في سفينة في البحر‌ ولم يقدر على الشط ، غسل ، وكفن ، وصلّي عليه وثقل ليرسب في الماء ، أو جعل في خابية وشد رأسها وألقي في البحر ، لأن المقصود من دفنه ستره وهو يحصل بذلك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى في البحر » (٥) وفي رواية عنه عليه‌السلام : « يوضع في خابية ويوكى (٦) رأسها ويطرح في الماء » (٧).

__________________

(١) أخدود : حفرة تحفرها في الأرض مستطيلة. لسان العرب ٣ : ١٦٠.

(٢) التهذيب ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ـ ٩٨٠.

(٣) المجموع ٥ : ٢٨٥ ، المغني ٢ : ٤٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٥٨.

(٤) المجموع ٥ : ٢٨٥ ، المغني ٢ : ٤٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٤ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ ـ ٩٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ـ ٧٥٩.

(٦) الوكاء : كلّ سير أو خيط يشدّ به فم الوعاء وغيره. ويوكى رأسها : أي : يشدّ بسير أو خيط.

لسان العرب ١٥ : ٤٠٥.

(٧) الفقيه ١ : ٩٦ ـ ٤٤٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ـ ٩٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ـ ٧٦٢.

١٠٩

وقال الشافعي : يجعل بين لوحين ويربطان عليه ويلقى في البحر ليلقيه البحر بالساحل ، فربما وقع إلى قوم فدفنوه خير من أن تأكله الحيتان (١) قال المزني : قصد بذلك إذا كان حول البحر مسلمون ، فإن كانوا مشركين فإنه يثقل حتى يصل إلى قرار الماء (٢) ، وقال عطاء ، وأحمد : يثقل ويطرح في البحر بكل حال ، وعن أحمد : أنه يتربص به توقعا للمكنة من دفنه (٣).

مسألة ٢٥٢ : لو مات في بئر ، فإن أمكن إخراجه وجب‌ ، تحصيلا للتغسيل وغيره. ولو تعذر إلا بالتمثيل به لم يجز ، وطمت وكانت قبره ، لقول الصادق عليه‌السلام : « وتجعل قبرا » (٤).

ولو اضطرّ أهل البئر إلى استعمالها وخافوا التلف جاز إخراجه بالكلاليب وإن تقطع ، إذا لم يمكن إلا بذلك ، وكذا لو كان طمها يضرّ بالمارة ، سواء أفضى إلى المثلة أو لا ، لما فيه من الجمع بين الحقوق من نفع المارة وغسل الميت وحفظه من المثلة ببقائه ، لأنه ربما تقطع ونتن.

مسألة ٢٥٣ : ويدفن الشهيد بثيابه‌ ، أصابها الدم أو لا ـ وعليه إجماع العلماء ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( ادفنوهم بثيابهم ) (٥) وفي السروال عندنا قولان ، أقواهما : وجوب دفنه لأنه من الثياب.

ولا يجب تكفينه إلا أن يجرد من ثيابه ، ولو لم يجرد وجب دفنه بها عند علمائنا أجمع.

__________________

(١) الام ١ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، المجموع ٥ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٨٤.

(٢) المجموع ٥ : ٢٨٦.

(٣) الشرح الكبير ٢ : ٣٨٤.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٩ ـ ١٣٢٤ و ٤٦٥ ـ ١٥٢٢.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٥ ـ ١٥١٥ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٥ ـ ٣١٣٤ ، مسند أحمد ١ : ٢٤٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤.

١١٠

ولا يجوز نزع شي‌ء من ثيابه عنه ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ للخبر (٢).

وخيّر الشافعي ، وأحمد بين نزع ثيابه فيكفن ، وبين دفنه بها (٣) ، لأنّ صفية أرسلت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثوبين ليكفن فيهما حمزة ، فكفّنه في أحدهما ، وكفن في الآخر رجلا آخر (٤) ، فدلّ على أن الخيار للولي.

ويحمل على أنه زاده على ثيابه ، ونحن نجوّزه ونمنع النزع ، ويؤيده قول الباقر عليه‌السلام : « دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمزة في ثيابه التي أصيب فيها ، وزاده بردا فقصر عن رجليه ، فدعا بإذخر فطرحه عليه وصلّى عليه سبعين تكبيرة » (٥).

أو أنه قد جرّده المشركون فكفّن لذلك ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّن حمزة لأنه كان جرد » (٦).

مسألة ٢٥٤ : ولا يدفن معه الفرو ، والقلنسوة‌ ، قاله المفيد (٧). وقال في المبسوط : يدفن معه جميع ما عليه إلا الخفين (٨) ، وفي الخلاف : تنزع عنه الجلود (٩).

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ٩٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٢٤ ، المغني ٢ : ٤٠٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٥ ـ ١٥١٥ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٥ ـ ٣١٣٤ ، مسند احمد ١ : ٢٤٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤ نقلا بالمعنى.

(٣) المجموع ٥ : ٢٦٣ ، المغني ٢ : ٤٠٠.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٤٠١ ، مسند أحمد ١ : ١٦٥.

(٥) الكافي ٣ : ٢١١ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ ـ ٩٧٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢١٠ ـ ٢١١ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٩٧ ـ ٤٤٧ ، التهذيب ١ : ٣٣١ ـ ٩٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢١٤ ـ ٧٥٥.

(٧) المقنعة : ١٢.

(٨) المبسوط ١ : ١٨١.

(٩) الخلاف ١ : ٧١٠ مسألة ٥١٤.

١١١

والأقرب نزع الجلود والحديد عنه ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد (١) ـ لأن النبيّ عليه‌السلام أمر في قتلى أحد بأن ينزع عنهم الجلود والحديد ، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم (٢).

وقال مالك : لا ينزع عنه فرو ، ولا خف ، ولا محشو (٣) ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( ادفنوهم بثيابهم ) (٤) وهو ممنوع فإن العرف ظاهر في إطلاق الثوب على المنسوج.

تذنيب : الخف لا يدفن معه ولا الفرو ، فإن أصابهما الدم دفنا معه عند بعض علمائنا (٥) ، وبه رواية ضعيفة السند (٦) ، ومنع منه آخرون (٧).

مسألة ٢٥٥ : إذا مات ولد الحامل‌ أدخلت القابلة ، أو من يقوم مقامها ، أو الزوج ، أو غيره عند التعذر يده في فرجها وقطع الصبي وأخرجه قطعة قطعة لأن حفظ حياة الأم أولى من حفظ بنية الميت.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها ، قال : لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه إذا لم يتفق له (٨) النساء » (٩).

__________________

(١) المجموع ٥ : ٢٦٧ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٢٤ ، المغني ٢ : ٤٠٠ ، الجامع الصغير للشيباني : ١١٩.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٥ ـ ١٥١٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٤٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٨٣ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، المغني ٢ : ٤٠٠.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٥ ـ ١٥١٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٤٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤ نقلا بالمعنى.

(٥) منهم ابن إدريس في السرائر : ٣٣ وابن حمزة في الوسيلة : ٦٣ وسلار في المراسم : ٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢١١ ـ ٢١٢ ـ ٤.

(٧) منهم الطوسي في المبسوط ١ : ١٨١ ، والنهاية : ٤٠ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٥٥ والمحقق في المعتبر : ٨٤.

(٨) في المصدر : إذا لم ترفق به.

(٩) التهذيب ١ : ٣٤٤ ـ ١٠٠٨.

١١٢

ولو ماتت الام دونه ، قال علماؤنا : يشق بطنها من الجانب الأيسر واخرج الولد وخيط الموضع ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حيّ فجاز ، كما لو خرج بعضه حيّا ولم يمكن خروج باقية إلاّ بشق ، ولقول الكاظم عليه‌السلام : « يشق عن الولد » (٢) والخياطة لحرمة الميتة ، وبه رواية موقوفة عن ابن أذينة (٣).

وقال أحمد : يدخل القوابل أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه ولا يشق بطنها ، مسلمة كانت أو ذمية ، ولو لم توجد نساء تركت امه حتى يتيقن موته ثم تدفن ـ ونحوه قال مالك ، وإسحاق ـ لأنه لا يعيش عادة فلا تهتك حرمة الميتة لأجله (٤) وهو ضعيف لاشتماله على إتلاف الحي.

فروع :

أ ـ لو شك في حياته فالأولى الصبر حتى يتيقن الحياة أو الموت ، ويرجع في ذلك إلى قول العارف.

ب ـ لو بلع الحي جوهرة أو مالا لغيره ومات ، قال الشيخ في الخلاف : ليس لنا نصّ فيه ، والأولى أنه لا يشق جوفه لقوله عليه‌السلام : ( حرمة المسلم ميتا كحرمته حيّا ) (٥) ، ولا يشق جوف الحي فكذا الميت (٦).

وقال الشافعي : يشق ويرد إلى صاحبه لما فيه من دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه ، وعن الميت بإبراء ذمته ، وعن الورثة بحفظ التركة‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٠١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٠٤.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٤ ـ ١٠٠٧.

(٤) المغني ٢ : ٤١٣ ـ ٤١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، فتح العلي المالك ١ : ١٥٨.

(٥) التهذيب ١ : ٤١٩ ـ ١٣٢٤ و ٤٦٥ ـ ١٥٢٢.

(٦) الخلاف ١ : ٧٣٠ مسألة ٥٥٩.

١١٣

لهم (١) ، وهو الوجه عندي ، ولأحمد وجهان (٢).

ج ـ لو كان المال له لم يشق عند الشيخ (٣) ، وهو أحد وجهي الشافعي لأنه ماله استهلكه في حياته فلم يثبت للورثة فيه حق ، والآخر : يشق لأنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة (٤).

د ـ لو أذن المالك له في الابتلاع صار كماله.

هـ ـ تؤخذ قيمة ذلك من تركة الميت عند الشيخ (٥) لأنه حال بينه وبين صاحبه ، ولو لم يأخذ عوضا له ، ولم يترك الميت مالا ، وتطاولت المدة ، وبلي الميت جاز نبشه وإخراج ذلك المال لعدم التمثيل حينئذ فينتفي المانع من حفظ المال ، وكذا لو كان له فالأقرب جواز ذلك للوارث.

و ـ لو كان في اذن الميت حلقة ، أو في يده خاتم أخذ ، فإن كان يصعب توصل إلى إخراجه ببردة أو كسره للنهي عن تضييع المال.

ز ـ لو أخذ السيل الميت ، أو أكله سبع كان الكفن ملكا للورثة ، لأنه مال متروك فيرثه الوارث ، فإن كان قد تطوع به غيره عاد إليه إن شاء ، وإن تركه للورثة كان عطية مستأنفة ، لأن التطوع مشروط ببقائه كفنا فيزول لزوال شرطه.

مسألة ٢٥٦ : إذا خرج من الميت نجاسة بعد التكفين لاقت كفنه ، غسلت‌ ما لم يطرح في القبر ، فإن طرح قرضت ، قاله ابن بابويه في الرسالة (٦) ،

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ٥ : ٢٥٠.

(٢) المغني ٢ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠٧.

(٣) الخلاف ١ : ٧٣٠ مسألة ٥٥٩.

(٤) المجموع ٥ : ٣٠١ ، فتح العزيز ٥ : ٢٥٠.

(٥) الخلاف ١ : ٧٣٠ مسألة ٥٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٩٠.

١١٤

وأوجب الشيخ القرض وأطلق (١) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي‌ء بعد الغسل فأصاب العمامة ، أو الكفن قرض بالمقراض » (٢) وتفصيل ابن بابويه جيد ، لأن في القرض إتلاف مال لغير غرض ، وعدم تحسين الكفن لغير حاجة ، فيقتصر على محل الوفاق وهو القرض بعد الوضع (٣).

مسألة ٢٥٧ : قال الشيخ : إذا أنزل الميت القبر استحب أن يغطّى القبر بثوب‌ (٤) ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ سواء كان الميت رجلا أو امرأة ، لأن النبيّ عليه‌السلام لمّا دفن سعد بن معاذ ، ستر قبره بثوب (٦) ، ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « وقد مدّ على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبيّ عليه‌السلام شاهد فلم ينكر ذلك » (٧) ولأنه يحتاج إلى حل عقد كفنه وتسويته فربما حصل ما ينبغي ستره.

وقال المفيد في أحكام النساء (٨) ، وابن الجنيد : لا يغطى قبر الرجل ، ويغطى قبر المرأة (٩) ـ وبه قال أحمد (١٠) ـ لأن عليا عليه‌السلام مر بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب ، فجذبه وقال : « إنما يصنع هذا‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٨١.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٦ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ـ ١٤٥٧.

(٣) اي بعد الوضع في القبر.

(٤) الخلاف ١ : ٧٢٨ مسألة ٥٥٢.

(٥) الأم ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٥ : ٢٩٥ ، فتح العزيز ٥ : ٢٠٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٢٠.

(٦) سنن البيهقي ٤ : ٥٤.

(٧) التهذيب ١ : ٤٦٤ ـ ١٥١٩.

(٨) النسخة التي بأيدينا من أحكام النساء خالية من هذا الحكم وذكر العلامة في المختلف : ١٢١ ما لفظه : وقد يوجد في بعض نسخ احكام النساء .. فلاحظ.

(٩) حكى المصنف أيضا قولهما في المختلف : ١٢١.

(١٠) المغني ٢ : ٣٧٧ ، كشاف القناع ٢ : ١٣٢ ، المجموع ٥ : ٢٩٥.

١١٥

بالنساء » (١) وهو حكاية حال ، وهل يكره ستر قبر الرجل؟ قال أحمد : نعم ، ومنعه أصحاب الرأي وأبو ثور (٢).

مسألة ٢٥٨ : لا يمنع أهل الميت من رؤيته وتقبيله بعد تكفينه‌ لأن جابرا لما قتل أبوه جعل يكشف الثوب عن وجهه ويبكي والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينهاه (٣) ، وقالت عائشة : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل (٤) ، ومن طريق الخاصة ما روي عن الصادق عليه‌السلام إنه كشف عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبل جبهته (٥).

مسألة ٢٥٩ : المقتول الذي يجب تغسيله ، يجب أن يغسل الدم عنه‌ ويبدأ بيديه ودبره ، وتربط جراحاته بالقطن والخيوط ، وإذا وضع عليه القطن عصبه ، وكذا موضع الرأس والرقبة ، ويجعل له من القطن شيئا كثيرا ، ويذر عليه الحنوط ، وإن استطاع أن يعصبه فعل ، وإن كان الرأس قد بان من الجسد غسل الرأس إذا غسل اليدين وسفله ثم الجسد ، ويوضع القطن فوق الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل في الكفن ، وإذا دفن تناول الرأس والجسد وأدخله اللحد ، ووجهه القبلة ، روى ذلك العلاء بن سيابة عن الصادق عليه‌السلام (٦).

مسألة ٢٦٠ : إذا اجتمع أموات بدئ بمن يخشى فساده‌ ، فإن لم يكن ، قال‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٥٤.

(٢) المغني ٢ : ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٨٠ ، كشاف القناع ٢ : ١٣١ ، الكفاية ٢ : ١٠٠ ، بدائع الصنائع : ٣٢٠.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩١ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٧.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٠١ ـ ٣١٦٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٨ ـ ١٤٥١ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٧.

(٥) كمال الدين ١ : ٧١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٤٨ ـ ١٤٤٩.

١١٦

في المبسوط : الأولى تقديم الأب ، ثم الابن وابن الابن ، ثم الجد ، ولو كان أخوان في درجة قدم الأكبر ، فإن تساويا أقرع ، وتقدم أسن الزوجتين ويقرع لو تساوتا (١) ويجوز أن يخيّر الولي في التقديم.

مسألة ٢٦١ : يستحب للمصاب الاستعانة بالله والصبر‌ ، واستنجاز ما وعده الله تعالى عليّا عليه‌السلام في قوله ( وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (٢) (٣). وقال الباقر عليه‌السلام : « ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته ويصبر حين تفجؤه المصيبة إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلا الكبائر التي أوجب الله عزّ وجلّ عليها النار ، وكلما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمد الله عزّ وجلّ غفر الله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير إلا الكبائر من الذنوب » (٤).

وليتحفظ من التكلم بشي‌ء يحبط أجره ، ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة فإن الله عدل لا يجور.

ولا يدعو على نفسه لنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك (٥) وقال عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب : ( لا تدعين بذل ، ولا ثكل ، ولا حرب ، وما قلت فيه فقد صدقت ) (٦).

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٧٦.

(٢) البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٧.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٢٠.

(٤) الفقيه ١ : ١١١ ـ ٥١٥ ، ثواب الأعمال : ٢٣٤.

(٥) صحيح مسلم ٤ : ٢٠٦٤ ـ ٢٦٨١ ، سنن أبي داود ٣ : ١٨٨ ـ ٣١٠٨ ، سنن النسائي ٤ : ٣ ـ ٤.

(٦) الفقيه ١ : ١١٢ ـ ٥٢١.

١١٧

ويحتسب ثواب الله ويحمده لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا قبض ولد المؤمن ـ والله أعلم بما قال العبد ـ فيسأل الملائكة قبضتم ولد فلان المؤمن؟ فيقولون : نعم ربنا ، فيقول : فما ذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك ربنا واسترجع ، فيقول عزّ وجلّ : ابنوا له بيتا في الجنة وسمّوه بيت الحمد ) (١).

مسألة ٢٦٢ : والبكاء جائز‌ إجماعا ، وليس بمكروه قبل خروج الروح ولا بعدها عندنا ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبّل عثمان بن مظعون وهو ميت ورفع رأسه وعيناه تهراقان (٣). ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جاءته وفاة جعفر ابن أبي طالب وزيد بن حارثة ، كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ، وقال : كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا » (٤).

وقال الشافعي : إنه مباح إلى أن تخرج الروح ، فإذا خرجت كره (٥) ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء إلى عبد الله بن ثابت يعوده ، فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه ، فاسترجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : ( غلبنا عليك يا أبا الربيع ) فصاح النسوة وبكين ، فجعل ابن عتيك يسكتهن ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية ) (٦) يعني إذا مات.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٢ ـ ٥٢٣.

(٢) الشرح الكبير ٢ : ٤٢٨ ، المحرر في الفقه ١ : ٢٠٧ ، المغني ٢ : ٤١٠.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٨ ـ ١٤٥٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١٤ ـ ٣١٥ ـ ٩٨٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٧ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٦١.

(٤) الفقيه ١ : ١١٣ ـ ٥٢٧.

(٥) الام ١ : ٢٧٩ ، المجموع ٥ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٨ ، المغني ٢ : ٤١٠.

(٦) سنن النسائي ٤ : ١٣.

١١٨

وهو محمول على رفع الصوت ، لأن النبيّ عليه‌السلام أخذ ابنه فوضعه في حجره فبكى ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أتبكي ، أولم تكن نهيت عن البكاء!؟ قال : ( لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ، ورنة شيطان ) (١) وهو يدل على أن النهي ليس عن مطلق البكاء بل موصوفا بهذه الصفات.

فروع :

أ ـ نقل عن عمر بن الخطاب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) (٢) وحمله قوم على ظاهره ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : وا جبلاه وا سيداه ، ونحو ذلك إلا وكّل الله به ملكين يلهزانه (٣) أهكذا كنت؟ ) (٤).

وأنكر ابن عباس ، وعائشة ذلك ، وقالت عائشة : والله ما قال النبيّ ذلك ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه ، وحسبكم القرآن ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٥) (٦) وقيل : من كان النوح سنته ، ولم ينه أهله عنه (٧) ، لقوله تعالى ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) (٨).

__________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٣٩٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٢٨ ـ ١٠٠٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤١ ـ ٩٢٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٧٣.

(٣) اللهز : الضرب بجمع اليد بالصدر. الصحاح ٣ : ٨٩٥ « لهز ».

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٠٣.

(٥) سورة الأنعام : ١٦٤.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤٢ ـ ٩٢٩.

(٧) المغني ٢ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣١.

(٨) التحريم : ٦.

١١٩

وأحسن ما بلغنا فيه أن الجاهلية كانوا ينوحون ويعدّدون أفعالهم التي هي قتل النفس والغارة على الأموال ، فأراد أنهم يعذبون بما كانوا يبكون به عليهم.

ولا بدّ من حمل هذا الحديث على البكاء الذي ليس بمشروع ، كالذي معه اللطم ، والخدش ، والقول السيّئ ، لما بينا من جوازه.

وقال الصادق عليه‌السلام : « إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته » (١).

ب ـ لا بأس بالنوح والندب بتعدد فضائله واعتماد الصدق ـ وهو قول أحمد (٢) لأن فاطمة عليها‌السلام كانت تنوح على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقولها : ( يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه ) (٣).

وجماعة من أصحاب الحديث من الجمهور حرّموه لأن النبيّ عليه‌السلام نهى عنه (٤) ويحمل على اقترانه بكذب ، والدعاء بالويل والثبور ، فقد روي : أن أهل البيت إذا دعوا بالويل والثبور وقف ملك الموت في عتبة الباب وقال : إن كانت صيحتكم عليّ فإني مأمور ، وإن كانت على ميتكم فإنه مقبور ، وإن كانت على ربكم فالويل لكم والثبور ، وإنّ لي فيكم عودات ثم عودات (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٥ ـ ١٥٢٤.

(٢) المغني ٢ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢٩.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٢ ـ ١٦٣٠.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٠٦.

(٥) المغني ٢ : ٤١١.

١٢٠