تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٢٧

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

مات في هذا العام ، وولد سنة ثلاثمائة ، ويعرف بابن اليسع الأنطاكي.

قرأ أيضا على إبراهيم بن عبد الرزّاق مقرئ الشام ، وعلى بن أحمد بن حمد بن عبد الأعلى ، وغيرهم.

وقرأ عليه أبو العلاء محمد بن على الواسطي أيضا ، وأكبر شيخ له الحسين بن إبراهيم بن أبى عجرم الأنطاكي تلميذ أحمد بن جبير.

وقد ذكر ثابت ابن بندار أنّه قرأ على عليّ بن طلحة البصري عن قراءته على موسى بن جرير الرّقّى ، وهذا بعيد جدّا باعتبار مولده ، فإنّه ضعيف لا يوثق به.

عبد الله بن محمد بن عبد الله (١) بن إبراهيم البغدادي الشاهد ، أبو القاسم بن الثلّاج.

أصله من حلوان (٢) ، ولد سنة سبع وثلاثمائة ، وحدّث عن أبى القاسم البغوي ، وأبى بكر بن أبى داود ، ويحيى بن صاعد ، ومن بعدهم ، فأكثر.

روى عنه : أبو عبد الله الصّيمري ، وأبو العلاء محمد بن على الواسطي ، وأبو القاسم التنوخي ، وآخرون.

قال التنوخي : قال لنا : ما باع أحد من أسلافى الثّلج ، وإنّما كان جدّى مترفا يجمع لنفسه في كلّ سنة ثلجا كثيرا ، فمرّ بعض الخلفاء بحلوان ، فطلب ثلجا ، فلم يوجد إلّا عند جدّى ، فأهدى إليه منه ، فوقع منه بموقع ، فقال : اطلبوا عبد الله الثّلّاج ، فغلب عليه هذا النّسب وعرف به.

وقال عبيد الله الأزهري : كان ابن الثّلّاج يضع الحديث على سليمان الملطي وغيره.

قلت : وكذا تكلّم فيه الدار قطنى وغيره. توفّى فجأة في ربيع الأوّل.

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٠ / ١٣٥ ـ ١٣٨ رقم ٥٢٧٧ ، المنتظم ٧ / ١٩٢ ، ١٩٣ رقم ٣٠٩ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٢١ ، العبر ٣ / ٣٤ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٤٩٧ رقم ٤٥٧٥ ، لسان الميزان ٣ / ٣٥٠ ، ٣٥١ رقم ١٤٢٠ ، الوافي بالوفيات ١٧ / ٤٩٧ رقم ٤٢٥ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٢ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٤٦١ رقم ٣٣٣.

(٢) حلوان : بالضم ثم السكون. وهي : حلوان العراق في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد. (معجم البلدان ٢ / ٢٩٠).

١٤١

قال الدار قطنى : لا يشتغل به ، يضع الأحاديث والأسانيد.

عبد العزيز بن حكم بن أحمد (١) بن الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الملقّب بالداخل ، أبو الأصبغ الأموي المرواني القرطبي.

سمع : عبد الله بن يونس ، وقاسم بن أصبغ ، وجماعة. وكان أديبا شاعرا نحويّا.

ولد سنة عشرة وثلاثمائة ، وتوفّى في المحرّم ، وحدّث.

عبد السلام بن السّمح بن نابل (٢) ، أبو سليمان الهوارى.

سمع أبا سعيد بن الأعرابي ، وأبا جعفر بن النّحّاس النّحوىّ وطائفة ، وتفقّه بمصر للشافعي ، وكان زاهدا صالحا سكن الأندلس.

أكثر عنه ابن الفرضىّ وقال : توفّى في صفر ، وله أربع وثمانون سنة.

عبد الرحمن بن أحمد بن النّعمان ، أبو القاسم النّيسابورى الصّفّار.

عن مكّي بن عبدان ، وعبد الله بن الشرفى ، وعدّة.

وعنه : الحاكم.

عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين بن عبديل ، أبو نصر الشّيبانيّ الهمذانيّ الأنماطي.

روى عن الكبار الحسن بن على بن أبى الحنّاء ، وأحمد بن محمد بن أوس ، ومحمد بن عبد الله بلبل ، وإبراهيم بن محمد بن يعقوب ، وإبراهيم بن عمروس ، وعبد الرحمن بن أبى حاتم الحافظ ، وأبى بكر بن مجاهد المقرئ ، [و] أبى نصر محمد بن حمدويه المروزي ، وطائفة.

روى عنه : حمد الزّجّاج ، وجعفر الأبهري ، وابن مندة الحافظ ، وآخرون.

__________________

(١) تاريخ علماء الأندلس ١ / ٢٧٩ رقم ٨٣٦.

(٢) تاريخ علماء الأندلس ١ / ٢٨٧ ، ٢٨٨ رقم ٨٥٧.

١٤٢

قال شيرويه : هو صدوق ، ثقة ، فقيه ، أديب ، يحسن هذا الشأن ، يعنى الحديث.

توفّى لسبع بقين من ذي القعدة ، وصلّى عليه ابن لال.

عبد الواحد بن محمد بن عبد الله ، أبو الوفاء النّيسابورى البزّاز.

سمع أبا حامد بن الشرفى ، ومكّي بن عبدان ، وحدّث بانتفاء أبى جعفر المفيد العزائمى.

توفّى في صفر.

عبد القاهر بن حبّان بن عبد القاهر ، أبو عبد الله. توفّى في جمادى الأولى.

عبيد الله (١) بن محمد بن خلف بن سهل بن أبى غالب ، أبو القاسم المصري البزّاز (٢).

سمع : محمد بن محمد الباهلي ، [و] ابن هاشم الطّبرانى ، وعلى بن أحمد علّان ، وأبا عبيد بن حربويه القاضي ، وعبد الله بن محمد بن جعفر القزويني ، وأحمد بن مروان الدّينورى.

روى عنه : ابن أبي الفتح المصري ، وأبو عمر أحمد بن محمد الطّلمنكيّ ، وعبد الملك بن مسكين الزّجّاج ، وآخرون.

قال الطّلمنكيّ : سمعته يقول : أقمت على هذه الدّار أبنى فيها عشر سنين ، وفيها مائة وأربعون ألف قطعة رخام ، وأنفقت عليها نحو عشرة آلاف دينار ، وأخذ منّى كافور الإخشيدي سبعة وثمانين ألف دينار ، ولم يخلّف لي أبى إلّا اثنى عشر ألف دينار ، ولكن رزقت من التجارة ، ربحت في أربعة أيّام في عسل أربعة آلاف دينار.

__________________

(١) في الأصل «عبد» والتصويب من (العبر ٣ / ٣٥ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٢ ، حسن المحاضرة ١ / ١٥٧ سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٢٢ ، ٥٢٣ رقم ٣٨٤).

(٢) هكذا في الأصل وفي الشذرات ، وفي العبر «البزّار».

١٤٣

وقال الحبّال : توفّى لأربعة عشر ليلة (١) ، خلت من جمادى الأولى.

عبيد الله بن محمد بن حمدان (٢) ، الإمام الصالح القدوة ، أبو عبد الله بن بطّة العكبريّ الفقيه الحنبلي.

سمع أبا القاسم البغوي ، وابن صاعد ، وأبا ذرّ الباغنديّ ، وأبا بكر بن زياد ، وإسماعيل الورّاق ، والمحاملي ، ومحمد بن مخلد ، وأبا طالب أحمد بن نصر الحافظ ، ومحمد بن أحمد بن ثابت العكبريّ ، فسمع بدمشق على ابن أبى العقب ، وسمع بحمص أحمد بن عبيد ، وآخرين.

روى عنه : أبو نعيم الحافظ وأبو الفتح بن أبى الفوارس ، وأبو القاسم عبيد الله الأزهري ، وعبد العزيز الأزجي ، وأحمد بن محمد العتيقى ، وأبو محمد الجوهري ، وأبو إسحاق البرمكي ، وأبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي نزيل مصر ، وآخرون. وآخر من روى عنه بالإجازة ، أبو القاسم على بن أحمد بن البسري روى عنه كتاب «الإبانة الكبرى في السّنّة» تأليفه.

قال عبد الواحد بن على العكبريّ : لم أر في شيوخ الحديث ، ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطّة.

قال الخطيب : حدّثنى أبو حامد الدلوى (٣) قال : [لما] (٤) رجع ابن بطّة من الرحلة ، لازم بيته أربعين سنة ، لم ير يوما منها في سوق ، ولا رئي (٥) مفطرا إلّا في عيد ، وكان أمّارا بالمعروف ، لم يبلغه خبر أمر منكر إلّا غيّره.

__________________

(١) في الأصل «توفى لأربع عشرة خلت».

(٢) تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧١ ـ ٣٧٥ رقم ٥٥٣٦ ، المنتظم ٧ / ١٩٣ ـ ١٩٧ رقم ٣١٠ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٢١ ، ٣٢٢ ، طبقات الحنابلة ٢ / ١٤٤ ـ ١٥٣ رقم ٦٢٢ ، العبر ٣ / ٣٥ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٣٧ ، لسان الميزان ٤ / ١١٢ ـ ١١٥ رقم ٢٣١ ، اللباب ٢ / ١٤٦ ، معجم المؤلفين ٦ / ٢٤٥ ، تاريخ التراث العربيّ ٢ / ٢١٧ رقم ١٥ ، طبقات الفقهاء للشيرازى ١٧٣ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٥ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٢٩ ـ ٥٣٣ رقم ٣٨٩ ، إيضاح المكنون ١ / ٨ ، أعيان الشيعة ٦ / ٥٦.

(٣) تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧٢.

(٤) استدراك من تاريخ بغداد.

(٥) في الأصل «رأى» والتصويب من تاريخ بغداد.

١٤٤

وقال أبو محمد الجوهري : سمعت أخى الحسين يقول : رأيت النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام ، فقلت : يا رسول الله ، قد اختلفت عليّ المذاهب. فقال لي : «عليك بابن بطّة» ، فأصبحت ، ولبست ثيابي ، ثم أصعدت إلى عكبرا ، فدخلت على ابن بطّة في المسجد ، فلما رآني ، قال لي : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صدق رسول الله.

وقال العتيقى : توفّى ابن بطّة في المحرّم. قال : وكان مستجاب الدّعوة.

وقال ابن بطّة : ولدت في شوّال سنة أربع وثلاثمائة ، وكان لأبى ببغداد شركاء ، فقال أحدهم لأبى : ابعث بابنك إلى بغداد يسمع الحديث. قال : هو صغير. قال : أنا أحمله معى ، فحملني معه ، فجئت ، فإذا ابن منيع يقرأ عليه الحديث ، فقال لي بعضهم [سل] (١) الشيخ أن يخرج معجمه لنقرأ عليه ، فسألت ابنه ، فقال : إنّه يريد دراهم كثيرة ، فقلت : لأمّى طاق ملجم آخذه منها وأبيعه ، قال : ثم قرأنا عليه كتاب «المعجم» في نفر خاصّ ، في نحو عشرة أيام ، وذلك في آخر سنة خمس عشرة ، وأوّل سنة ستّ عشرة ، فاذكره.

وقد قال : ثنا إسحاق الطّالقانى سنة أربع وعشرين ومائتين ، قال المستملي : خذوا هذا قبل أن يولد كلّ محدّث على وجه الأرض ، اليوم سمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران يقول له : من ذكرت يا ثبت الإسلام.

قلت : وابن بطّة ضعيف من قبل حفظه ، فقد أخبرنا المسلّم بن علّان والمؤمّل البالسي كتابة أنّ أبا اليمن الكندي أخبرهم ، أنا أبو منصور القزّاز ، أنا أبو بكر الخطيب ، حدّثنى عبد الواحد بن على الأسدي ، قال لي أبو الفتح بن أبى الفوارس ، روى ابن بطّة ، عن البغوي عن مصعب بن عبد الله ، عن مالك ، عن الزّهرى ، عن أنس ، عن النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم» (٢).

__________________

(١) إضافة على الأصل.

(٢) رواه ابن ماجة وغيره. (الترغيب والترهيب للمنذرى ١ / ٧٤). عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وواضع العلم عند غير أهلة كمقلّد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب». ورواه ابن جميع الصيداوي ، من طريق=

١٤٥

قال الخطيب : هذا باطل ، والحمل فيه على ابن بطّة.

قلت : يعنى أنّه يحدّث عن البغوي ، وتفرّد به ابن بطّة ، فيجوز أن يكون غلط فيه ، وقفز من سند إلى متن آخر ، لقلّة إتقانه ، لا أنّه تعمّد وضعه.

قال الخطيب : وأنا العتيقى ، نا ابن بطّة ، والبغوي ، نا مصعب ، نا مالك بن هشام بن عروة ، قد ذكر حديث «قبض العلم (١)». قال الخطيب : وهو باطل بهذا الإسناد.

قلت : والكلام في هذا ، كالكلام في الّذي قبله ، لعلّه دخل على ابن بطّة حديث في حديث.

وقال الخطيب : حدّثنى عبد الواحد بن على ، قال : قال لي الحسن بن شهاب : سألت ابن بطّة : أسمعت من البغوي حديث عليّ بن الجعد؟ فقال : لا. قال عبد الواحد : وكنت قد رأيت في كتب ابن بطّة نسخة بحديث عليّ بن الجعد قد حكّها ، وكتب بخطّه سماعه فيها ، فذكرت ذلك للحسن بن شهاب ، فعجب منه. قال عبد الواحد : وروى ابن بطّة ، عن النّجّاد ، عن أحمد بن عبد الجبّار العطاردي ، فأنكر عليه عليّ بن ينال ، وأساء القول فيه ، حتى همّت العامّة بأن تنال [منه] (٢) ، فاختفى. وكان ابن بطّة قد خرّج تلك الأحاديث في تصانيفه فتتبّعها وضرب على أكثرها.

__________________

= يحيى بن صالح الوحاظى ، عن محمد بن عبد الملك ، عن نافع ، عن ابن عمر. (معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي ـ بتحقيقنا ـ ص ١٧٧ رقم ١٢٥ وبلفظ : «طلب العلم واجب على كل مسلم» من طريق بقيّة بن الوليد ، عن جرير بن حازم ، عن الزبير بن الخرّيت ، عن أنس بن مالك. ـ ص ٣٥٩ رقم ٣٤٥ ـ طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٩٨٥ و ١٩٨٧) ورواه البيهقي في الشعب وابن الجوزي في العلل ١ / ٦٢ ، والقاضي القضاعي في مسندة ١ / ١٣٥ رقم ١٢٠ ، وللحديث شواهد كثيرة. انظر : فيض القدير ٤ / ٢٦٧.

(١) حديث قبض العلم روى من طرق وبألفاظ مختلفة ، فيها «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبضه بقبض العلماء ، فإذا لم يبق عالما اتّخذ الناس رؤساء جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا». أخرجه الشيخان ، والإمام أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، عن عمرو بن العاص. أخرجه الترمذي في العلم ، باب ما جاء في ذهاب العلم (٢٦٥٤) ، والبخاري في العلم ، باب كيف يقبض العلم ، وفي الاعتصام باب ما يذكر من ذم الرأى وتكلّف القياس ١ / ١٧٤ و ١٧٥ ، ومسلم في العلم ، باب رفع العلم وقبضه (٢٦٧٣) ، والطبراني في المعجم الصغير ١ / ١٦٥ ، وابن جميع الصيداوي ٢٠٠ رقم ١٥٦.

(٢) إضافة على الأصل.

١٤٦

قال الخطيب : وحدّثنى التنوخي قال : أراد (١) أبى أن يخرجني إلى عكبرا. وسمع من ابن بطة «معجم البغوي» ، فجاءه أبو عبد الله بن بكير ، فقال : لا تفعل ، فإنّ ابن بطّة لم يسمعه.

قال الخطيب : وحدّثنى أحمد بن الحسن بن خيرون قال : رأيت كتاب ابن بطّة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره ، وقد حكّ اسم صاحبها ، وكتب اسمه عليها.

قلت : وقد قال ابن الجوزي (٢) : قرأت بخطّ أبى القاسم بن الفرّاء أخى القاضي أبى يعلى قال : قابلت أصل بن بطّة بالمعجم ، ورأيت سماعه في كل جزء ، إلّا أنّى لم أر الجزء الثالث أصلا.

قال الخطيب : قال لي الأزهري ، ابن بطّة ضعيف ، وعندي عنه «معجم البغوي» ولا أخرج عنه في الصحيح شيئا.

قلت : فكيف كان؟ قال : لم أر به أصلا؟ وإنّما وقع إلينا نسخة طريّة بخطّ ابن شهاب ، فنسخنا منها ، فقرأنا عليه. شاهدت عند حمزة بن محمد بن طاهر الدّقّاق نسخة بالغريب (٣) لمحمد بن عزيز ، وعليها سماع ابن السّوسنجردى (٤) عن ابن بطّة ، عن ابن عزيز ، فسألت حمزة ، فأنكر أن يكون ابن بطّة سمع الكتاب ، وقال : ادّعى سماعه.

قال الخطيب : وروى ابن بطّة كتب ابن قتيبة ، عن ابن أبى مريم الدّينورى ، وابن أبى مريم هذا لا نعرفه أخذ من أهل العلم ، ولا روى عنه سوى ابن بطّة ، وروى ابن بطّة في «الإبانة» فقال : ثنا إسماعيل الصّفّار ، ثنا

__________________

(١) تكرر في الأصل «أراد أبى قال».

(٢) المنتظم ٧ / ١٩٦.

(٣) أي غريب القرآن. (تاريخ بغداد ٣٧٤).

(٤) هو : أبو الحسين أحمد بن عبد الله بن الحضر بن مسرور العدل المتوفى سنة ٤٠٢ ه‍. والسّوسنجردى : بضم السين وسكون الواو وفتح السين الثانية وسكون النون وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها دال مهملة ، نسبة إلى قرية بنواحي بغداد يقال لها سوسنجرد. (اللباب ٢ / ١٥٤).

١٤٧

ابن عرفة ، نا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّم الله موسى ، يوم كلّمه ، وعليه جبّة صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكيّ ، فقال : من ذا العبراني الّذي يكلّمنى من الشجرة؟ قال : أنا الله». تفرّد به ابن بطّة ، وبهذه الزّيادة في آخره ، وهو في جزء ابن عرفة بدونهما.

وقال الخطيب : ثنا الحسن بن شهاب ، ثنا ابن بطّة ، ثنا حفص بن عمر ، بأردبيل ، ثنا رجاء بن مرجّا بسمرقند ، ثنا يحيى الوحاظى ، قال ابن بطّة : وحدّثنى أحمد بن عبيد الصّفّار بحمص ، ثنا أبى ، ثنا محمد بن عوف الحمصي ، ثنا مروان بن محمد قالا : ثنا سليمان بن بلال ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم الإدام (١) الخلّ» (٢).

قال الخطيب : حدّثنى أبو القاسم عبد الواحد الأسدي ، حدّثنى الحسن بن شهاب ، [أنّ] (٣) ابن بطّة كتب عنه أبو الحسن بن الفرات كتاب «السّنن» كرجاء بن مرجّا ، حدّثه به عن حفص بن عمر الأردبيلي ، عن رجاء ، فأنكر ذلك القرطبي ، وزعم أنّ حفصا ليس عنده عن رجاء ، وأنّه يصغر عن ذلك ، فكتبوا إلى أردبيل (٤) ، وكان ولد حفص بن عمر حيّا يستجيزونه ، فعاد جوابهم أنّ أباه لم ير رجاء قطّ ، وأنّ مولده بعد موت (٥) رجاء بسنين. قال عبد

__________________

(١) في الأصل «أدم».

(٢) رواه مسلم رقم ٢٠٥٢ ، والترمذي ١٨٨٩ و ١٩٠٠ وأخرجه الإمام أحمد في المسند ٣ / ٣٠١ و ٣٠٤ و ٣٥٣ و ٥٦٤ و ٣٧١ و ٣٨٩ و ٣٩٠ و ٤٠٠ والطبراني في المعجم الكبير ٢ / ١٩٩ رقم ١٧٤٩ والذهبي في سير أعلام النبلاء ٩ / ١٦٧ ، ١٦٨ ، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (مخطوطة ليدن) ص ٢٢ ، وللحديث رواية عن جابر بن عبد الله ، أخرجها مسلم. (انظر : البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف ٢ / ٢٤٥) وتاريخ بغداد ١ / ٣٤٠ رقم ٢٥٤ ، ومسند الشهاب ٢ / ٢٦١ رقم ١٣١٩.

(٣) إضافة على الأصل.

(٤) في الأصل «إلى ابن أردبيل».

(٥) في الأصل «موته ت».

١٤٨

الواحد : فتتبّع ابن بطّة النّسخ التي كتبت عنه ، وجعلها عن ابن الرّاجيان ، عن الفتح بن شخرف (١) ، عن رجاء.

قلت : رحم الله ابن بطّة ، فيدوّن ما يضعف المحدّث. وقد توفّي في المحرّم.

عبيد الله بن محمد بن جرو (٢) ، أبو القاسم الأسدي الموصلي النّحوىّ العروضىّ المعتزلي.

أخذ العربية عن أبى على الدّارميّ ، وأبى سعيد السّيرافيّ ، وكان من الأذكياء الفصحاء الشعراء. له كتاب «الموضّح في العروض» جوّد تصنيفه ، وكتاب «الأخذ في علوم القرآن» ، وله كتاب «الفصح في القوافي».

وكان يلثغ بالراء غينا ، فقال له أبو على شيخه : ضع ذبابة القلم تحت لسانك ، ففعل ، فلفظ بها.

على بن عبد العزيز بن مردك (٣) بن أحمد ، أبو الحسن البرذعي البزّاز ، نزيل بغداد.

حدّث عن : عبد الرحمن بن أبى حاتم ، ونصر بن منصور الأردبيلي ، ومحمد بن أحمد بن يعقوب بن شبّه.

روى له : العتيقى ، وعبد العزيز الأزجي ، وأبو محمد الجوهري ، وأبو طالب العشاري ، وجماعة.

قال الخطيب : كان ثقة. قال أبو عبد الله الصّيمريّ : ترك الدنيا عن مقدرة ، واشتغل بالعبادة ولزم المسجد ، وكان أحد (٤) الباعة الكبار ببغداد.

__________________

(١) في الأصل «سخرف» والتصحيح من تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧٣.

(٢) في الأصل «جزء» وهو تصحيف ، والتصويب من (معجم الأدباء ١٢ / ٦٢ ـ ٦٨ ، بغية الوعاة ٢ / ١٢٧ ، ١٢٨ رقم ١٦١٣ ، طبقات المفسّرين للسيوطي ٢٢ ، لسان الميزان ٤ / ١١٥ ، ١١٦ رقم ٢٣٣ ، كشف الظنون ١٧٧٤ و ١٩٠٤ ، إيضاح المكنون ١ / ٣٠٢ ، هدية العارفين ١ / ٦٤٥ ، ٦٤٦ ، روضات الجنات ٤٦٥ ، معجم المؤلفين ٦ / ٢٤٤).

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٣٠ ، ٣١ ، رقم ٦٣٩٧ ، المنتظم ٧ / ١٩٧ رقم ٣١١ ، العبر ٣ / ٣٥ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٤.

(٤) تكرّرت عبارة «وكان أحد».

١٤٩

توفّى في المحرّم.

على بن محمد بن أحمد بن شوكر (١) البغدادي العدل. سمع البغوي ، ويحيى بن صاعد.

وعنه : أبو محمد الخلّال ، وأبو القاسم التنوخي ، وكان ثقة.

توفّى في المحرّم.

على بن محمد بن عبد الله بن مفلح (...) (٢).

وأبو عبد الله بن باكويه ، وجماعة.

عليّ الملك فخر الدولة (٣) ، أبو الحسن بن ركن الدولة بن بويه صاحب الرّيّ ونواحيها.

ترجمته في الحوادث ، وقد توفّى في شعبان.

عمر بن إبراهيم الإمام (٤) ، أبو حفص العكبريّ شيخ الحنابلة. كان قيّما بأصول الفقه وفروعه ، صنّف «شرح الخرقى» وكتابا في الخلاف بين مالك ، وأحمد ، وسمع أبا بكر النّجّار ، وأبا عمر بن السّمّاك (٥) ، وجماعة.

وعنه أبو (٦) بكر عبد العزيز ، وابن (٧) بطّة ، وكان يعرف في زمانه بابن المسلّم.

توفّى في جمادى الآخرة ، رحمه‌الله.

__________________

(١) في الأصل «سوار» والتصويب من (المنتظم ٧ / ١٩٧ رقم ٣١٢).

(٢) نقص في الأصل.

(٣) العبر ٣ / ٣٥ ، ٣٦ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٣١ ، ١٣٢ ، دول الإسلام ١ / ٢٣٥ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٩٧ ، ١٩٨ ، المنتظم ٧ / ١٩٧ ، ١٩٨ ، رقم ٣١٣ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٢٠ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ١٨٤ ، ذيل تجارب الأمم ٢٩٦.

(٤) طبقات الحنابلة ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٦ رقم ٦٢٧ ، معجم المؤلفين ٧ / ٢٧١.

(٥) في الأصل «السّمال».

(٦) في الأصل «بأبي».

(٧) في الأصل «بابن».

١٥٠

عمّار بن محمد بن مخلد (١) بن جبير ، أبو ذرّ التميمي البغدادي ، نزيل بخارى.

حدّث بدمشق وبغداد وخراسان وبخارى عن يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن عمرو الحضرميّ ، والمحاملي ، وأخيه القاسم بن عقدة ، ومحمد بن يوسف الهروي ، وأبى سعيد بن الأعرابي ، وعبد الكريم بن النّسائى.

وعنه : الحاكم ، وأبو سهل أحمد بن على الأبيوردي ، وعبد الواحد بن محمد اللّحياني ، وآخر من حدّث عنه عبد الواحد بن عبد الرحمن الزّبيرى.

ذكره المستغفري في «تاريخ نسف» ، وقال : روى عن ابن صاعد مجلسا واحدا ، وسمع محمد بن محمود بن عنبر ، وعبد المؤمن بن خلف ، وحجّ تسعا وعشرين حجّة. ثم قال : أنا أبو ذرّ ، ثنا الحضرميّ ، فذكر حديثا.

قال الحافظ ابن عساكر : أنبأ محمود بن أبى القاسم المستملي ، أنبأ الزّبير ، ثنا أبو ذرّ عمّار ، فذكر حديثا.

قال غنجار : توفّى ببخارى في حادي عشر صفر.

وقال أبو بكر بن السّمعانيّ : هو ثقة.

قلت : مات الزّبيرى بعده بمائة وثمان سنين.

قاسم بن حمداد (٢) بن ذي النّون العتيقى (٣) ، أبو بكر القرطبي.

سمع قاسم بن أصبغ وغيره ، وكان أديبا لغويّا. كتبوا عنه شيئا من الأدب ، وداخل الدولة.

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٢ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ رقم ٦٧٠٤ ، العبر ٣ / ٣٦ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٤.

(٢) تاريخ علماء الأندلس ١ / ٣٦٩ ، ٣٧٠ رقم ١٠٧٨ ، جذوة المقتبس ٣٣٢ رقم ٧٧٢ ، بغية الملتمس ٤٤٩ رقم ١٣٠١ ، وفي الأصل «حمدان» وهو تحريف.

(٣) في الأصل «العتيقى».

١٥١

محمد بن أحمد بن إسماعيل (١) بن عنبس (٢) ، الإمام أبو الحسين بن سمعون البغدادي الواعظ.

سمع أبا بكر بن أبى داود ، ومحمد بن مخلد العطّار بن البختري ، وبدمشق أحمد بن سليمان بن زبّان ، ومحمد بن أبى حذيفة وجماعة ، وأملى عنهم.

روى عنه : أبو عبد الرحمن السّلمى ، وعلى بن طلحة المقرئ ، والحسن بن محمد الخلّال ، وأبو طالب العشاري ، وأبو الحسين بن الأبنوسي وخديجة بنت محمد الشّاهجانيّة الواعظة ، وأبو بكر أحمد بن محمد بن حمّدوه ، الحنبلي ، وآخرون.

قال السّلمى : هو من مشايخ البغداديين ، له لسان عال في هذه العلوم لا ينتمى إلى أستاذ ، وهو لسان الوقت والمرجوع [إليه] في آداب المعاملات ، ويرجع إلى فنون من العلم.

وقال الخطيب : كان أوحد دهره وفرد عصره في الكلام ، على علم الخواطر والإشارات ، ولسان الوعظ ، دوّن الناس حكمه وجمعوا كلامه ، وكان بعض شيوخنا إذا حدّثنا عنه قال : حدّثنا الشيخ الجليل المنطق بالحكمة.

قلت : ولد سنة ثلاثمائة. وسمعون ، هو : إسماعيل جدّه.

أنبئونا عن القاسم بن على ، أنّ نصر الله الفقيه أخبرهم : أنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم ، أنا عبيد الله بن عبد الواحد الزعفرانيّ ، حدّثنى أبو محمد السّنّي صاحب أبى الحسين بن سمعون قال : كان ابن سمعون في أوّل أمره

__________________

(١) تاريخ بغداد ١ / ٢٧٤ ـ ٢٧٧ رقم ١١٦ ، المنتظم ٧ / ١٩٨ ـ ٢٠٠ رقم ٣١٤ ، مرآة الجنان ٢ / ٤٣٢ ـ ٤٣٥ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٢٣ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٣٧ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٩٨ ، العبر ٣ / ٣٦ ، ٣٧ ، الوافي بالوفيات ٢ / ٥١ ، ٥٢ رقم ٣٣٦ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ رقم ٦٣١ ، تبيين كذب المفترى ٢٠٠ ، صفة الصفوة ٢ / ٢٦٦ ، طبقات الحنابلة ٢ / ١٥٥ ـ ١٦٢ رقم ٦٢٤ ، الشريشى ١ / ٣٢٢ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٤ ، الإكمال ٤ / ٣٦٢ ، اللباب ٢ / ١٤٠ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٠٥ ـ ٥١١ رقم ٣٧٦.

(٢) في الأصل «عبيس».

١٥٢

ينسخ بالأجرة ، وينفق على نفسه وأمّه ، فقال لها يوما : أحبّ أن أحجّ ، قالت : وكيف يمكنك؟ فغلب عليها النّوم ، فنامت وانتبهت بعد ساعة ، وقالت : يا ولدى حجّ ، رأيت النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم يقول : «دعيه يحجّ فإنّ الخير له في حجّه» ففرح وباع دفاتره ، ودفع إليها من ثمنها ، وخرج مع الوفد ، فأخذت العرب الوفد ، قال : فبقيت عريانا ، ووجدت مع رجل عباءة ، فقلت : هبها لي أشتريها ، فأعطانيها ، قال : فجعلت إذا غلبني الجوع ووجدت قوما من الحاجّ يأكلون ، وقفت انظر إليهم ، فيدفعون إليّ كسرة فأقتنع بها ، وأحرمت في العباءة ، ورجعت إلى بغداد ، وكان الخليفة قد حرم جارية وأراد إخراجها من الدار ، قال أبو محمد السّنّي : فقال الخليفة : أطلبوا رجلا مستورا يصلح ، فقال بعضهم : قد جاء ابن سمعون من الحجّ ، فاستصوب الخليفة قوله ، فزوّجه بها ، فكان ابن سمعون يجلس على الكرسيّ فيعظ ويقول : خرجت حاجّا ، ويشرح حاله ، وها أنا اليوم عليّ من الثياب ما ترون.

قال البرقاني : قلت له يوما : تدعو الناس إلى الزّهد وتلبس أحسن الثياب ، وتأكل أطيب الطعام ، فكيف هذا؟ فقال : كلّ ما يصلحك لله فافعله إذا صلح حالك مع الله.

قال الخلّال : قال لي ابن سمعون : ما اسمك؟ قلت : حسن. قال : أعطاك الله الاسم ، فسله الحسنى.

وجرت لابن سمعون حكاية في سنة بضع وستّين وثلاثمائة. رواها قاضى المارستان عن القضاعي بالإجازة ، قال : ثنا على بن نصر الصّباح ، ثنا أبو الثناء شكر العضدي ، قال : لما دخل عضد الدولة بغداد ، وقد هلك أهلها قتلا وخوفا وجوعا ، للفتن التي اتّصلت فيها بين الشيعة والسّنّة ، فقال : آفة هؤلاء القصّاص ، فنادى : لا يقصّ أحد في الجامع ولا الطّرف ولا يتوسّل بأحد من الصّحابة ، ومن أحبّ التوسّل قرأ القرآن ، فمن خالف فقد أباح دمه ، فوقع في الخبر أنّ ابن سمعون جلس على كرسيّه بجامع المنصور ، فأمرنى أن أطلبه ، فأحضر ، فدخل عليّ رجل له هيئة وعليه نور ، فلم أملك أن قمت

١٥٣

إليه ، وأجلسته إلى جنبي ، فجلس غير مكترث ، فقلت : إنّ هذا الملك جبّار عظيم ، وما أوثر لك مخالفة أمره ، وإنّي موصّلك إليه ، فقبّل الأرض وتلطّف له ، واستعن بالله عليه ، فقال : الخلق والأمر لله ، فمضيت به إلى حجرة ، وقد جلس فيها وحده ، فأوقفته ، ثم دخلت لأستأذن ، فإذا هو إلى جانبي قد حوّل وجهه إلى نحو دار فخر الدولة ، ثم استفتح وقرأ (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) (١) قال : ثم حوّل وجهه ، وقرأ (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (٢) فأتى بالعجب ، ففتح (٣) عين الملك ، وما رأيت ذلك [منه] قطّ ، وترك (٤) كمّه على وجهه ، فلما خرج أبو الحسين قال الملك : اذهب إليه بثلاثة آلاف درهم ، وعشرة أثواب من الخزانة ، فإن امتنع فقل له : فرّقها في أصحابك ، وإن قبلها ، فجئني برأسه ، ففعلت ، فقال : إن ثيابي هذه من نحو أربعين سنة ، ألبسها يوم خروجي إلى الناس ، وأطويها عند رجوعي ، وفيها متعة وبقيّة ما بقيت ، ونفقتي من أجرة دار خلّفها أبى ، فما أصنع بهذا؟ فقلت : فرّقها على أصحابك ، فقال ، ما في أصحابى فقير ، فعدت فأخبرته ، فقال : الحمد لله الّذي سلّمه منّا وسلّمنا منه.

وقال أبو سعيد النّقّاش : كان ابن سمعون يرجع إلى علم القرآن ، وعلم الظاهر ، متمسّكا بالكتاب والسّنّة ، لقيته وحضرت مجلسه ، سمعته يسأل عن قوله : «أنا جليس من ذكرني» ، قال ، أنا صائنه عن المعصية ، أنا معه حيث يذكرني ، أنا معينة.

وقال السّلمى : سمعت ابن سمعون ، وسئل عن التصوّف ، فقال : أمّا الاسم فترك الدنيا وأهلها ، وأمّا حقيقة التصوّف فنسيان الدنيا ونيسان أهلها ، وسمعته يقول : أحقّ النّاس يوم القيامة بالخسارة أهل الدّعاوى والإشارة.

وقال أبو النجيب الأموي : سألت أبا ذرّ : هل اتّهمت ابن سمعون بشيء؟ فقال : بلغني أنّه روى جزءا عن أبى بكر بن أبى داود ، كان عليه

__________________

(١) قرآن كريم ـ سورة هود ـ الآية ١٠٢.

(٢) سورة يونس ـ الآية ١٤.

(٣) في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٠٩ «فدمعت».

(٤) في البيتر : «شرك».

١٥٤

مكتوب : وأبو الحسين ابن سمعون ، وكان رجلا (١) آخر سواه ، لأنّه كان صبيّا ، ما كانوا يكنونه في ذلك الوقت ، وسماعه من غيره صحيح.

قال أبو ذرّ : وكان القاضي أبو بكر الأشعري وأبو حامد يقبّلان يد ابن سمعون إذا جاءاه ، وكان القاضي أبو بكر يقول : ربّما خفي عليّ من كلامه بعض الشيء لدقّته (٢).

وقال السّلمى : سمعته يقول في (واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) (٣) قال : مواعيد الأحبّة وإن اختلفت ، فإنّها تؤنس. كنّا صبيانا ندور على الشّطّ ونقول :

ماطليني وسوّفى

وعدينى ولا تفي

واتركيني مولّها

أو تجودى وتعطفي

قال الخطيب : ثنا محمد بن محمد الظاهري : سمعت ابن سمعون يذكر أنّه أتى بيت المقدس ومعه تمر ، فطالبته نفسه برطب ، فلامها ، فعمد إلى التمر وقت إفطاره فوجده رطبا ، فلم يأكل منه وتركه ، فلما كان ثانى ليلة وجده تمرا.

وقال الخطيب : سمعت أبا الفتح القوّاس يقول : لحقتني إضافة ، فأخذت قوسا وخفّين ، وعزمت على بيعهما ، فقلت : أحضر مجلس ابن سمعون ، ثم أبيعهما ، فحضرت ، فلما فرغ ناداني : يا أبا الفتح لا تبع الخفّين والقوس ، فإنّ الله سيأتيك برزق أو كما قال.

وقال الخطيب : حدّثنى شرف الوزراء أبو القاسم على بن الحسن ، قال : حدّثنى أبو طاهر محمد بن على بن العلّاف ، قال : حضرت أبا الحسين يوما وهو يعظ ، وأبو الفتح القوّاس إلى جنب الكرسي ، فنعس ، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة ، ثم استيقظ أبو الفتح ، ورفع رأسه ، فقال له أبو الحسين : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نومك؟ قال ، نعم. فقال : لذلك أمسكت خوفا من أن تنزعج.

__________________

(١) في الأصل «رجل».

(٢) تبيين كذب المفترى ٢٠١.

(٣) سورة الأعراف ـ الآية ١٤٢.

١٥٥

وقال الخطيب : حدّثنى رئيس الرؤساء الوزير : نا أبو على بن أبى موسى الهاشمي ، حكى لي مولى الطائع لله [أنّ الطائع] (١) أمره فأحضر ابن سمعون ، فرأيت الطائع غضبانا ، وكان ذا حدّة ، فأحضرت ابن سمعون ، فأذن له الطائع في الدخول ، فدخل وسلّم بالخلافة ، ثم أخذ في وعظه ، فقال : روى عن أمير المؤمنين عليّ رضى الله عنه ، ثم روى عن أمير المؤمنين وترضّى عنه ، ووعظ حتى بكى الطائع ، وسمع شهيقه ، وابتلّ منديل من دموعه ، فلما انصرف ، سألت عن سبب طلبه ، فقال : رفع إليّ أنّه ينتقص عليّا رضى الله عنه ، فأردت أقابله ، فلما حضر افتتح بذكر على والصلاة عليه ، وأعاد وأبدى في ذكره ، فعلمت أنّه وفّق ، ولعلمه كوشف بذلك.

قال العتيقى : توفّى ابن سمعون ، وكان ثقة مأمونا ، في نصف ذي القعدة.

قال الخطيب : ونقل سنة ستّ وعشرين وأربعمائة من داره ، ودفن بباب حرب ، ولم تكن أكفانه بليت فيما قيل.

محمد بن أحمد بن الفضل بن شهريار ، أبو بكر بن أخى على بن الفضل التاجر الأردستاني (٢).

روى عن : عبد الرحمن بن أبى حاتم.

وعنه : أبو نعيم.

محمد بن الحسين بن جعفر (٣) ، أبو الطيّب التيملي الكوفي النّخّاس. حدّث بالكوفة وبغداد عن عبد الله بن زيدان البجلي ، وعلى بن العبّاس المقانعي ، وجماعة.

__________________

(١) إضافة على الأصل.

(٢) الأردستاني : بفتح الألف وسكون الراء وفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وفي آخرها النون. نسبة إلى أردستان ، بلدة قريبة من أصفهان. وقيل بكسر الألف والدال ، (اللباب ١ / ٤١).

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ٢٤٥ رقم ٧١١ ، العبر ٣ / ٣٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦.

١٥٦

وعنه : عبيد الله الأزهري ، وأبو محمد الخلّال ، ومحمد بن على بن عبد الرحمن العلويّ ، ومحمد وأبو طاهر ابنا محمد بن عيسى الحذّاء الكوفي وجماعة.

وكان ثقة.

محمد بن عبد الله بن محمد (١) بن عبيد الله ، أبو الفضل الشّيبانيّ الكوفي نزيل بغداد.

حدّث عن : محمد بن جرير ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبى (٢) القاسم البغوي ، وخلق كثير من العراقيين والشاميين والمصريين.

روى عنه جماعة ، وانتخب عليه الدار قطنى ، ثم بان كذبه ، وسرقوا حديثه.

قال الخطيب : كان عند ذلك يضع الحديث للرافضة ، وعاش تسعين سنة.

قلت : وكان حافظا عارفا بالفنّ ، مصنّفا ، لكنّه لحقه الإدبار.

روى عنه تمّام الرّازى ، وأبو محمد الحسن بن محمد الخلّال ، وأبو العلاء الواسطي ، وأبو القاسم التنوخي ، وخلق.

قال الأزهري : كان يحفظ ، وكان كذّابا دجّالا.

قال حمزة السّهميّ : كان يضع الحديث ، كتبت عنه ، وله سمت ووقار.

قال العتيقى : توفّى في ربيع الآخر ، وكان كثير التخليط.

محمد بن الفضل بن محمد (٣) بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة ، أبو طاهر السّلمى ، نافعة الأئمة أبى بكر ، محدّث نيسابور ، وسمع جدّه ، ومحمد بن إسحاق السّرّاج ، وأحمد بن محمد الماسرجسي ، وأقرانهم.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٥ / ٤٦٦ ـ ٤٦٨ رقم ٣٠١٠ ، العبر ٣ / ٣٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦ ، لسان الميزان ٥ / ٢٣١ ، ٢٣٢ رقم ٨١١.

(٢) في الأصل «أبو».

(٣) العبر ٣ / ٣٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦ ، مرآة الجنان ٢ / ٤٣٥ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٩ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٤٩٠ ، ٤٩١ رقم ٣٦٠ ، لسان الميزان ٥ / ٣٤١ ، ٣٤٢.

١٥٧

قال الحاكم : عقدت له مجلس التحديث سنة ثمان وستّين ، ودخلت بيت كتب (١) جدّه ، وأخرجت له مائتين وخمسين جزا من سماعاته الصحيحة ، وانتقيت له عشرة أجزاء ، وقلت : دع الأصول عندي صيانة لها ، فأخذها وفرّقها على النّاس ، وذهبت ، ومدّ يده إلى كتب غيره ، ثم إنّه مرض ، وتغيّر بزوال عقله في سنة أربع وثمانين. ثم قصدته بعد ذلك للرواية ، فوجدته لا يعقل ، وتوفّى سنة سبع وثمانين ، في جمادى الأولى ، ودفن في دار جدّه.

روى عنه : الحاكم ، وأبو حفص بن مسرور ، وأبو سعد الكنجروذي وأبو المظفّر سعيد بن إبراهيم المقرئ ، وأبو بكر محمد بن الحسن بن على المقرئ ، وغيرهم من شيوخ زاهر السّحامى ، وما أعتقد أنهم سمعوا منه إلّا في صحّة عقله ، فإنّ من لا يعقل كيف يسمع عليه ، والله تعالى أعلم.

محمد بن يحيى (٢) البوزجاني (٣) ، أحد الكبار البارعين في معرفة الهندسة. له فيها تصانيف عجيبة. وبوزجان قرية من نيسابور.

محمد بن المسيّب بن رافع (٤) العقيلي الأمير أبو الذّواد. تغلّب على الموصل وأخذها سنة ثمانين وثلاثمائة ، وصاهر لولد عضد الدولة.

وتوفّى في سنة سبع وثمانين هذه ، وقام بعده أخوه حسام الدولة مقلّد بن المسيّب.

محمد بن هشام بن عباس (٥) ، أبو عبد الله القرطبي البزّاز. جمع الكثير من قاسم بن أصبغ ، وسمع من أبى عبد الملك ابن أبى دليم ، وأحمد بن رحيم.

__________________

(١) في الأصل «كتب بيت».

(٢) المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٣٣ ، ابن الوردي ١ / ٣١٥.

(٣) البوزجاني : بضم الباء الموحّدة وسكون الزاى بعد الواو وفتح الجيم وفي آخرها النون. نسبة إلى بوزجان ، بليدة بين هراة ونيسابور. (اللباب ١ / ١٨٥).

(٤) العبر ٣ / ٣٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٢٥ وقد ذكره الذهبي في وفيات السنة السابقة ٣٨٦ ه‍. ذيل تجارب الأمم ٣٠٠.

(٥) تاريخ علماء الأندلس ٢ / ١٠٠ رقم ١٣٧٥.

١٥٨

قال ابن الفرضيّ : كتبت عنه وكان صالحا ثقة. توفّى في رجب.

موسى بن عيسى بن طانجور (١) ، أبو القاسم السّرّاج. سمع محمد بن سليمان الباغندي ، وأبا بكر بن أبى داود ، ومحمد السّوانيطى.

روى عنه أبو الحسن العتيقى ، ومحمد بن أحمد بن حسنون النّرسى وعبيد الله بن الأزهري ، ووثّقه ، وكان مولده سنة خمس وتسعين ومائتين.

نوح بن منصور بن نوح (٢) بن عبد الملك بن نصر بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان ، أبو القاسم ، سلطان ما وراء النهر ، وابن سلاطينها.

توفّى في رجب ، وبقيت ولايته اثنتين وعشرين سنة ، وولى الأمر بعده ابنه أبو الحارث منصور بن نوح.

وذكره ابن الجوزي فقال : ملك خراسان وغزنة وما وراء النّهر ، ولى بعده ابنه فبقي سنة وتسعة أشهر ، ثم قبض عليه خواصّه ، وأجلسوا في الملك أخاه عبد الملك بن نوح ، فقصدهم محمود بن سبكتكين ، فالتقاهم وكسرهم ، فانهزموا منه إلى بخارى ، وانقرض ملك السّامانية.

منجوتكين التركي العزيزي (٣) مولى الملقّب بالعزيز بن المعزّ. ولىّ دمشق سنة إحدى وثمانين ، وبقي مدّة ، وفي سنة سبع هذه عزله الحاكم ، وأرسل عوضه سليمان بن جعفر بن فلاح ، فنزع منجوتكين الطّاعة ، وسار إلى

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ / ٦٤ ، ٦٥ رقم ٧٠٤٨ ، المنتظم ٧ / ٢٠١ رقم ٣١٨ ، العبر ٣ / ٣٧ ، ٣٨ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦.

(٢) المنتظم ٧ / ٢٠١ ، ٢٠٢ رقم ٣١٩ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٢٩ ، دول الإسلام ١ / ٢٣٥ ، العبر ٣ / ٣٨ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٩٨ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦ ، ١٢٧ ، الأنساب ٧ / ١٤ ، اللباب ٢ / ٩٤ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٣٣ ، تاريخ ابن خلدون ٤ / ٣٥٢ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥١٤ ، ٥١٥ رقم ٣٧٨ ، مآثر الإنافة ١ / ٣٢٩ ، تاريخ مختصر الدول ١٧٨.

(٣) في الأصل «بنجوتكين» وهو تصحيف. والتصحيح من : ذيل تاريخ دمشق ٤١ ، أمراء دمشق ٨٧ رقم ٢٦٣ ، الدرّة المضيّة ٢٣٢ ـ ٢٣٥ و ٢٣٧ و ٢٧١ ، اتعاظ الحنفا (راجع فهرس الأعلام) ، تاريخ الأنطاكي ١ / ١٧٩ ، ويقال له «بنجوتكين» وفي عيون الأخبار ٢٥٨ «أنخوتكين».

١٥٩

الرملة ، لحرب من يجيئه من مصر ، ثم كانت الوقعة يوم الجمعة من جمادى الأولى ، فاقتتلوا ، ثم انهزم منجوتكين ، ووصل دمشق في يومين ، وطلب من أهل البلد النّصرة ، فلم يجيبوه خوفا من الحصار والغلاء ، ونهبوا داره ، وهمّوا بالقبض عليه ، فانهزم إلى أذرعات (١) ، ولجأ إلى ابن الجرّاح الطائي ، فلم يمنعه ، وأسلمه إلى الأمير سليمان بن فحل ، فبعث إلى مصر ، فعفا عنه الحاكم.

أبو العلاء بن ماهان (٢) ، راوي «صحيح مسلم». هو : عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان البغدادي.

حدّث (٣) بمصر ، عن أبى بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الفقيه ، عن القلانسي صاحب مسلم (٤). وله فوت ثلاثة أجزاء من أجزاء الصحيح رواها عن الجلودىّ.

روى عنه : أبو بكر يحيى بن محمد الأشعري ، وأحمد بن الفتح بن الواسانى المعافري ، ومحمد بن يحيى الحذّاء الأندلسيون.

وقد كتب الدار قطنى إلى أهل مصر ليكتبوا عن ابن ماهان «كتاب مسلم» ووصفه بالثقة والتمييز.

قال الحبّال : توفّى في سنة سبع وثمانين.

__________________

(١) أذرعات : بالفتح ثم السكون ، وكسر الراء وعين مهملة وألف وتاء. بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمّان. (معجم البلدان ١ / ١٣٠).

(٢) العبر ٣ / ٣٩ ، ٤٠ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٨ ، ١٢٩ (وفي وفيات سنة ٣٨٨ ه‍.)

(٣) في الأصل «الكتاب» ، والتصحيح من سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٣٦.

(٤) في الأصل «صاحب مصر مسلم».

١٦٠