تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٢٧

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الطبقة التاسعة والثلاثون

حوادث سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

فيها قبضوا على الطائع لله في داره ، في تاسع عشر شعبان. وسببه أنّ أبا الحسن بن المعلّم كان من خواصّ بهاء الدولة ، فحبس ، فجاء بهاء الدولة وقد جلس الطائع لله في الرّواق متقلّدا سيفا ، فلما قرب بهاء الدولة قبّل الأرض وجلس على كرسي ، وتقدّم أصحاب بهاء الدولة فجذبوا الطائع بحمائل سيفه من سريره ، وتكاثر عليه الدّيلم ، فلفّوه في كساء ، وحمل في زبزب ، وأصعد إلى دار المملكة ، وشاش البلد ، وقدّر أكثر الجند أنّ القبض على بهاء الدولة. فوقعوا في النّهب وشلّح (١) من حضر من الأشراف والعدول ، وقبض على الرئيس علي بن عبد العزيز بن حاجب النّعمان في جماعة ، وصودروا ، واحتيط على الخزائن والخدم ، ورجع بهاء الدولة إلى داره (٢).

وظهر أمر القادر بالله ، وأنّه الخليفة ، ونودي له في الأسواق. وكتب

__________________

(١) في الأصل «سلخ» والتصويب عن «ذيل تجارب الأمم ـ الحاشية ٢٠٣».

(٢) راجع هذه الحوادث وما بعدها في : ذيل تجارب الأمم ٢٠١ ـ ٢٠٨ ، المنتظم ٧ / ١٥٦ ـ ١٦١ ، الكامل في التاريخ ٩ / ٧٩ ـ ٨٢ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، مرآة الجنان ٢ / ٤١٠ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ١٨٢ ، خلاصة الذهب المسبوك ٢٦٢ ، العبر ٣ / ١٥ ، ١٦ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ٤١٠ ، ٤١١ ، دول الإسلام ١ / ٢٣٢. وتاريخ الزمان ٧١ ، وتاريخ مختصر الدول ١٧٣ ، ونهاية الأرب ٢٣ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٢٧ ، ١٢٨ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٣٦ ، ومآثر الإنافة ١ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، والنجوم الزاهرة ٤ / ١٥٩ ، وتاريخ بغداد ١١ / ٧٩ ، والنبراس ١٢٤ ـ ١٢٧ ، والفخري ٢٩٠ ، والدّرة المضيّة ٢٢٨ ، ونكت الهميان ١٩٦ ، ١٩٧ ، وأخبار الدول ١٧٠ ، ١٧١.

٥

على الطائع كتابا بخلع نفسه ، وأنّه سلّم الأمر إلى القادر [بالله] ، وشهد عليه الأكابر والأشراف. ونفّذ إلى القادر المكتوب ، وحثّه على القدوم.

وشغب الدّيلم والتّرك يطالبون برسم البيعة ، وبرزوا إلى ظاهر بغداد ، وتردّدت الرّسل منهم إلى بهاء الدولة ، ومنعوا من الخطبة للقادر ، ثم أرضوهم ، فسكنوا ، وأقيمت الخطبة للقادر في الخطبة (١) الآتية ، وهي ثالث رمضان ، وحوّل من دار الخلافة جميع ما فيها ، حتى الخشب السّاج والرّخام ، ثم أبيحت للخاصّة والعامّة ، فقلعت أبوابها وشبابيكها.

وجهّز مهذّب الدولة عليّ بن نصر القادر بالله من البطائح وحمل إليه من الآلات والفرش ما أمكنه ، وأعطاه طيّارا كان عمله لنفسه ، [وشيّعه] فلما وصل إلى واسط اجتمع الجند وطالبوه بالبيعة ، وجرت لهم خطوب ، انتهت إلى أن وعدهم بإجرائهم مجرى البغداديين ، فرضوا ، وسار. وكان مقامه بالبطيحة منذ يوم حصل فيها إلى أن خرج عنها سنتين وأحد عشر شهرا ، وقيل سنتين وأربعة أشهر ، عند أميرها مهذّب الدولة.

قال هلال بن المحسّن : وجدت الكتاب الّذي كتبه القادر بالله :

«من عبد الله أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين ، إلى بهاء الدولة وضياء الملّة أبي نصر [ابن] عضد الدولة ، مولى أمير المؤمنين ، نحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو ، ونسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله ، أمّا بعد ، أطال الله بقاءك ، وأدام عزّك وتأييدك ، وأحسن إمتاع أمير المؤمنين بك ، فإنّ كتابي الوارد في صحبة الحسن بن محمد ، رعاه الله ، عرض على أمير المؤمنين تاليا لما تقدّمه ، وشافعا ما سبقه ، ومتضمّنا مثل ما حواه الكتاب قبله ، من إجماع المسلمين ، قبلك بمشهد منك ، على خلع العاصي المتلقّب بالطائع عن الإمامة ، ونزعه عن الخلافة ، لبوائقه المستمرّة ، وسوء نيّته المدخولة ، وإشهاده على نفسه بعجزه ، ونكوله وإبرائه الكافّة من بيعته ، وانشراح صدور الناس لبيعة أمير المؤمنين ، ووقف أمير المؤمنين على ذلك

__________________

(١) في الأصل «بهذا المآثر» والتصويب من (المنتظم ٧ / ١٥٩).

٦

كلّه ، ووجدك ، أدام الله تأييدك ، قد انفردت بهذه المأثرة (١) واستحققت بها من الله جليل الأثرة ، ومن أمير المؤمنين سنّي المنزلة ، وعليّ المرتبة».

وفيه : «فقد أصبحت سيف أمير المؤمنين المبير لأعدائه ، والحاظي دون غيرك بجميل رأيه ، والمستبدّ بحماية حوزته ورعاية رعيّته ، والسّفارة بينه وبين ودائع الله عنده في بريّته ، وقد برزت راية أمير المؤمنين عن الصّليق (٢) موضع متوجّهه نحو سريره الّذي حرسته ، ومستقرّ عزّه الّذي شيّدته ، ودار مملكته التي أنت عمادها».

إلى أن قال : «فواصل حضرة أمير المؤمنين بالإنهاء والمطالعة ، إن شاء الله ، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب لثلاثة بقين (٣) من شعبان» (٤).

واسم القادر : أحمد بن إسحاق بن المقتدر أبو العباس ، وأمّه تمنى (٥) مولاة عبد الواحد بن المقتدر. ولد سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة ، وكان حسن الطّريقة ، كثير المعروف ، فيه دين وخير ، فوصل إلى جبّل (٦) في عاشر رمضان ، وجلس من الغد جلوسا عامّا ، وهنّئ ، وأنشد بين يديه الشعراء ، فمن ذلك قول الرّضيّ الشريف (٧) :

شرف الخلافة يا بنى العبّاس

اليوم جدّده أبو العبّاس

ذا الطّود (٨) بقّاه الزّمان ذخيرة

من ذلك الجبل العظيم الراسي

 __________________

(١) كذا في الأصل. وفي حاشية ذيل تجارب الأمم ٢٠٣ «الجمعة».

(٢) الصّليق : مواضع كانت في بطيحة واسط بينها وبين بغداد. (معجم البلدان ٣ / ٤٢٢).

(٣) في الأصل «لثالثة تبقى» والتصويب من (المنتظم ٧ / ١٦٠).

(٤) راجع نص الكتاب كاملا في (المنتظم).

(٥) هكذا في الأصل ، وفي ذيل تجارب الأمم (حاشية ٢٠٤) والمنتظم ٧ / ١٦٠ ، وابن الأثير (٩ / ٣٠ طبعة بولاق) حيث قال : «وأمّه أمّ ولد اسمها دمنة ، وقيل : تمنى» ، وفي تاريخ بغداد «يمنى» بالياء.

(٦) جبّل : بفتح الجيم وتشديد الباء وضمّها ، ولام. بليدة بين النعمانية وواسط في الجانب الشرقي. (معجم البلدان ٢ / ١٠٣).

(٧) كذا في الأصل ، والمشهور : الشريف الرّضي ، وهو أبو الحسن محمد بن الظاهر ذي المناقب المتصل نسبه بعلي بن أبي طالب والمعروف بالموسوي. صاحب ديوان الشعر.

انظر عنه : يتيمة الدهر ٣ / ١١٦ ، وفيات الأعيان ٤ / ٤١٤ ـ ٤٢٠.

(٨) هكذا في الأصل ، وفي ديوان الرضيّ (طبعة بيروت ١ / ٤١٧) وذيل تجارب الأمم ٢٠٧ ، وفي اليتيمة ٣ / ١٢١ «الطول».

٧

وحمل إلى القادر بعض الآلات المأخوذة من الطائع ، واستكتب [له] أبو الفضل محمد بن أحمد عارض الدّيلم ، وجعل استداره (١) عبد الواحد بن الحسين الشيرازي :

وفي شوّال عقد مجلس عظيم ، وحلف القادر وبهاء الدولة كلّ منهما لصاحبه بالوفاء ، وقلّده القادر ما وراء بابه ، ممّا تقام فيه الدّعوة.

وكان القادر أبيض ، حسن الجسم ، كثّ اللّحية ، طويلها ، يخضب.

وصفه الخطيب البغدادي (٢) بهذا ، وقال : كان من الدّيانة والسيادة وإدامة التهجّد ، وكثرة الصّدقات ، على صفة اشتهرت عنه ، وقد صنّف كتابا في الأصول ، ذكر فيه فضائل الصحابة وإكفار (٣) المعتزلة ، والقائلين بخلق القرآن.

وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني (٤) أنّ القادر كان يلبس زي العوامّ ، ويقصد الأماكن المعروفة بالخير والبركة ، كقبر معروف (٥) وغيره ، وطلب من ابن القزويني الزّاهد أن ينفذ له من طعامه الّذي يأكله ، فأنفذ إليه باذنجان مقلوّا بخلّ وباقلاء ودبس وخبز بيتيّ ، [وشدّه] في ميزر ، فأكل منه ، وفرّق الباقي ، وبعث إلى ابن القزويني مائتي دينار ، فقبلها. ثم بعد أيام طلب منه طعاما ، فأنفذ إليه طبقا جديدا ، وفيها زبادي فيها فراريج وفالوذج ، ودجاجة مشويّة وفالوذجة ، فتعجّب الخليفة ، وأرسل يكلّمه في ذلك ، فقال : ما تكلّفت ، لما وسّع عليّ وسّعت على نفسي ، فتعجّب من عقله ودينه. ولم

__________________

(١) استدار : كلمة مركّبة من «أستاذ» و «دار» وهي فارسية بمعنى معلّم وأستاذ الصناعة ورئيسها ، والمقصود هنا رئيس الدار العائدة للخليفة. (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة ١٠).

(٢) تاريخ بغداد ٤ / ٣٧ ، ٣٨.

(٣) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ بغداد. أما في (المنتظم ٧ / ١٦١) : «أفكار».

(٤) هو صاحب كتاب «تكملة تاريخ الطبري» والنصّ الّذي ينقله الحافظ الذهبي عنه في الجزء الّذي لم ينشر من كتابه ويعتبر مفقودا حتى الآن.

(٥) هو معروف الكرخي أبو محفوظ ، الصالح المشهور المتوفى سنة ٢٠٠ ه‍. ترجمته في :

طبقات الصوفية ٨٣. صفة الصفوة ٢ / ١٧٩ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٨١ ، تاريخ بغداد ١٣ / ١٩٩ ، حلية الأولياء ٨ / ٣٦٠ ، الرسالة القشيرية ١ / ٦٠ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٣١ رقم ٧٢٩ ، العبر ١ / ٣٣٥ ، شذرات الذهب ١ / ٣٣٥.

٨

يزل (١) يواصله (٢) بالعطاء.

وفي ذي الحجّة ، يوم عيد الغدير (٣) جرت [فتنة] (٤) من الرافضة وأهل باب البصرة ، واستظهر أهل باب البصرة ، وحرقوا أعلام السلطان ، فقتل يومئذ جماعة اتّهموا بفعل ذلك ، وصلبوا ، فقامت الهيبة ، وارتدع المفسد (٥).

وفيها حجّ بالنّاس من العراق أبو الحسين محمد بن الحسين بن يحيى ، وكان أمير مكّة الحسن بن جعفر أبو الفتوح العلويّ ، فاتّفق أنّ أبا القاسم بن المغربي حصّل عند حسّان بن المفرّج بن الجرّاح الطائي ، فحمله على مباينة صاحب مصر ، وقال : لا مغمز في نسب أبي الفتوح ، والصّواب أن ينصّبه إماما ، فوافقه ، فمضى ابن المغربيّ إلى مكّة ، فأطمعه صاحب مكّة في الخلافة ، وسهّل عليه الأمر ، فأصغى إلى قوله ، وبايعه شيوخ الحسنيّين ، وحسّن أبو القاسم بن المغربيّ أخذ ما على الكعبة من فضّة وضربه دراهم.

واتّفق موت رجل بجدّة معه أموال عظيمة وودائع ، فأوصى منها بمائة ألف دينار لأبي الفتوح صاحب مكّة ليصون بها تركته والودائع ، فاستولى على ذلك كلّه ، فخطب لنفسه ، وتسمّى بالراشد بالله ، وسار لاحقا بآل الجرّاح

__________________

(١) في الأصل «نزل».

(٢) في الأصل «مواصله» والتصويب من (المنتظم ٧ / ١٦٢). وراجع النص في : ذيل تجارب الأمم ، حاشية الصفحات ٢٠٣ ـ ٢٠٥.

(٣) قال المقريزي : إن عيد الغدير لم يكن عيدا مشروعا ولا عمله أحد من سلف الأمّة* وأول ما عرف بالإسلام في العراق أيام معزّ الدولة عليّ بن بويه سنة ٣٥٢ فاتّخذه الشيعة من بعده عيدا لهم استنادا إلى

حديث رواه البراء بن عازب ، رضي‌الله‌عنه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في سفر عند غدير خمّ : «إذا صلّى عليه‌السلام ، ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب ، كرّم الله وجهه ، وقال : «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ قالوا : بلى. قال : «ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه»؟ قالوا : بلى قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه». قال البراء : فلقيه عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة. انظر : (الخطط ١ / ٣٨٨).

(٤) إضافة على الأصل من (المنتظم).

(٥) المنتظم ٧ / ١٦٣ ، ١٦٤ ، الكامل في التاريخ ٩ / ٩١.

٩

الطائي ، فلما قرب من الرملة ، تلقّته العرب ، وقبّلوا الأرض ، وسلّموا عليه بالخلافة ، وكان متقلّدا سيفا زعم أنه «ذو الفقار» وفي يده قضيب ، وذكر أنّه قضيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحوله جماعة من بني عمّه ، وبين يديه ألف عبد أسود ، فنزل الرملة ، ونادى بإقامة العدل ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، فانزعج صاحب مصر ، وكتب إلى حسّان الطائي ملطّفا ، وبذل له أموالا جزيلة ، وكتب إلى ابن عمّ أبي الفتوح ، فولّاه الحرمين ، وأنفذ له ولشيوخ بني حسن أموالا ، فقيل إنه بعث إلى حسّان بخمسين ألف دينار مع والده حسّان ، وأهدى له جارية جهّزها بمال عظيم ، فأذعن بالطاعة ، وعرف أبو الفتوح الحال ، فضعف وركب إلى حسّان المفرّج الطائي مستجيرا به ، فأجاره ، وكتب فيه إلى العزيز ، فردّه إلى مكّة (١).

وفيها استولى بزال (٢) على دمشق وهزم متولّيها منيرا وفرّق جمعه.

وفيها أقبل باسيل (٣) طاغية الرّوم في جيوشه ، فأخذ حمص ونهبها ، وسار

__________________

(١) الخبر في المنتظم ٧ / ١٦٤ ، ١٦٥.

(٢) يكنى أبا اليمن. (أمراء دمشق ١٨ ، معجم الأدباء ٦ / ٢٥٠) وقيل «نزّال» بالنون (ذيل تاريخ دمشق ٣٤ ، ذيل تجارب الأمم ٣ / ٢٠٩ ، والكامل في التاريخ ٩ / ٥٨ و ٨٥ ، ٨٦ ، تاريخ ابن خلدون ٤ / ١١٢ ، ١١٣ ، الدّرة المضيّة ٢٢٢ و ٢٣٠ ، مرآة الزمان ـ ج ١١ ق ٢ / ٣١ ، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) ٤٢ / ٩٥). وانظر أخباره مفصّلة في كتابنا ، تاريخ طرابلس ١ / ٢٧٧ وما بعدها.

(٣) هو الإمبراطور البيزنطي «باسيل الثاني» وقد ورد في الأصل «صبيل» وهو خطأ* كما أن حملة «باسيل» إلى حمص وشيزر وطرابلس لم تكن في هذه السنة ، بل كانت في سنة ٣٨٥ ه‍.

راجع عنها : ذيل تاريخ دمشق ٤٣ ، تاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكي بتحقيقنا ، زبدة الحلب لابن العديم ١ / ٢٠٠ ، ذيل تجارب الأمم ٣ / ٢٢٠ ، اتعاظ الحنفا ١ / ٢٨٥ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٢١ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١١٩ وتاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ عبر العصور ـ للدكتور عمر عبد السلام تدمري ـ ج ١ / ٢٨٣ ، وللإمبراطور باسيل الثاني حملة ثانية إلى بلاد الشام سنة ٣٨٩ ه‍.

١٠

إلى شيزر (١) ونهبها ، ثم نازل طرابلس (٢) مدّة ، ثم رجع إلى بلاده.

* * *

__________________

(١) في الأصل «شيزر» ، وهو بتقديم الزاي على الراء. قلعة قرب المعرّة.

(٢) يقول خادم العلم ومحقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : إنّ منازلة ملك الروم «باسيل «لمدينة طرابلس الشام لم تكن في هذه السنة كما يقول المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ بل تأخّرت إلى سنة ٣٨٥ ه‍ / ٩٩٥ م. وقد فصّلت ذلك في كتابي : تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ ج ١ / ٢٨٣ وما بعدها. (الطبعة الثانية ١٩٨٤) وحشدت مصادر هذه الحادثة في تحقيقي لكتاب (تاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكي ـ طبعة جرّوس برسّ ـ طرابلس ١٩٨٨).

١١

[حوادث]

سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها أنّ أبا الحسن علي بن محمد بن المعلّم الكوكبي كان قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلّها ، فمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النّوح يوم عاشوراء ، ومن تعليق المسوح ، كان كذلك يعمل من نحو ثلاثين سنة ، ووقّع أيضا بإسقاط من قبل من الشهود بعد وفاة القاضي أبي محمد بن معروف ، وأن لا يقبل في الشّهادة إلّا من كان ارتضاه ابن معروف ، وذلك أنه لما توفّي كثر قبول الشهود بالشفاعات ، حتى بلغت عدّة الشهود ثلاثمائة وثلاثة أنفس ، ثم إنّه فيما بعد ، وقّع بقبولهم في السنة (١).

وفيها شغبت الجند ، وخرجوا بالخيم إلى باب الشمّاسة ، وراسلوا بهاء الدولة يشتكون من أبي الحسن بن المعلّم ، وتعديد ما يعاملهم به ، وطالبوه بتسليمه إليهم. وكان ابن المعلّم قد استولى على الأمور ، فالمقرّب من قرّبه والمبعد من بعّده ، فثقل على الأمراء أمره ، ولم يراعهم هو ، فأجابهم السلطان ، ووعدهم ، فأعادوا الرسالة بأنّهم لا يرضون إلّا بتسليمه إليهم ، فأعاد الجواب بأنّه يبعده عن مملكته ، فأبوا ذلك ، إلى أن قال له الرسول : إنّه لأمر شديد ، فاختر بقاءه أو بقاء دولتك ، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه ، وأخرجوا صلته ، فصمّم الجند أنّهم لا يرجعون إلّا بتسليمه ، فتدمّم (٢) من ذلك ، وركب إليهم ، فلم يقم أحد منهم إليه ولا خدمه ، وقد

__________________

(١) المنتظم ٧ / ١٦٨.

(٢) كذا في الأصل. ولعلّه أراد «فتغمّم».

١٢

أقاموا على المطالبة به ، وترك الرجوع (إلّا بعد تسليمه) (١) إلى أبي حرب خال بهاء الدولة ، فسقي السّمّ ، فلم يعمل فيه ، فخنق بحبل (٢).

وفي رجب ، سلّم الطائع لله المخلوع إلى القادر بالله ، فأنزله في حجرة ووكّل به من يحفظه ، وأحسن صيانته ومراعاة أموره ، فكان المخلوع يطالب من زيادة الخدمة بمثل ما كان يطالب به أيام خلافته ، وأنّه حمل إليه طيب من بعض العطّارين ، فقال : أمن هذا يتطيّب أبو العبّاس؟ قالوا : نعم. فقال : قولوا له في الفلاني من الدار كندوج (٣) فيه طيب مما كنت استعمله فأنفذ لي بعضه ، وقدّمت إليه بعض اللّيالي شمعة قد أوقدت (٤) ، فأنكر ذلك ، فحملوا إليه غيرها ، وأقام على هذا إلى أن توفّي (٥).

وفيها ولد أبو الفضل محمد بن القادر بالله ، وهو الّذي جعل وليّ العهد ، ولقّب «الغالب بالله» (٦).

واشتدّ في الوقت القحط ببغداد (٧).

__________________

(١) ما بين القوسين تكرّر في الأصل.

(٢) المنتظم ٧ / ١٦٨ ، ١٦٩.

(٣) كندوج : بالفارسية صندوق أو مخزن ، أصله «كندو» وعرّب بإضافة الجيم. (انظر : نهاية الأرب ٣ / ٢١٠ بالحاشية رقم (١).

(٤) في الأصل «أوقد».

(٥) انظر عن الطائع لله العباسي ووفاته في :

تاريخ بغداد ١١ / ٧٩ ، وذيل تاريخ دمشق ١١ ، والكامل في التاريخ ٩ / ٩٣ ، وتاريخ العظيمي ٣١٣ ، وتاريخ الزمان ٧١ ، والمنتظم ٧ / ٦٦ ، ٦٨ و ٢٢٤ ، وتاريخ الفارقيّ ٦٣ ، وذيل تجارب الأمم ٢٤٥ ، والإنباء في تاريخ الخلفاء ١٧٩ ـ ١٨٢ ، وتاريخ مختصر الدول ١٧٣ ، ونهاية الأرب ٢٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٢٧ ، ١٢٨ ، والعبر ٣ / ٥٥ ، ٥٦ ، وسير أعلام النبلاء ١٥ / ١١٨ ـ ١٢٧ ، رقم ٦٢ ، ودول الإسلام ١ / ٢٣٢ ، وخلاصة الذهب المسبوك ٢٥٨ ـ ٢٦١ ، والنبراس ١٢٤ ـ ١٢٧ ، ونكت الهميان ١٩٦ ، ١٩٧ ، والدرّة المضيّة ٢٢٨ ، وتاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكي (بتحقيقنا) ، والفخري في الآداب السلطانية ، ومرآة الجنان ٣ / ٤١٠ ، والبداية والنهاية ١١ / ٣١١ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٣٦ ، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة ١ / ٣١ ـ ٣١٨ ، وتاريخ الخلفاء ٤٠٥ ـ ٤١١ ، وشذرات الذهب ٣ / ١٤٣ ، وأخبار الدول وآثار الأول للقرماني ١٧٠ ، ١٧١ ، وتاريخ الأزمنة ٧٩.

(٦) المنتظم ٧ / ١٦٩.

(٧) المنتظم ٧ / ١٧٠.

١٣
١٤

[حوادث]

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

فيها أقبل الخان بغراخان الّذي يكتب عنه مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله ممالك التّرك وإلى قرب الصّين ، ليأخذ بخارى ، فحاربه نوح بن منصور (١) السّاماني ، فانهزم نوح ، وأخذ بخارى ، واستنجد نوح (٢) بنائبه أبي علي بن سمجور صاحب خراسان ، فخذله وعصى ، فمرض الخان ببخارى ، وراح ، فمات في الطريق.

وكان دينا. وولي (٣) بلاد التّرك بعده ايلخان ، وبرز نوح إلى مملكته (٤).

وفيها شغب الجند لتأخّر العطاء ، وقصدوا دار الوزير أبي نصر سابور ، فنهبوها ، وهرب من السّطوح ، ثم أعطوا العطاء (٥).

وفي ذي الحجّة تزوّج القادر بالله سكينة بنت بهاء الدولة على مائة ألف دينار ، فتوفّيت قبل الدخول بها (٦).

وفيه بلغ كرّ القمح ستّة آلاف درهم غياثية (٧) ، والكارة الدقيق مائتين

__________________

(١) في الأصل :» «منصور بن نوح» ، والتصويب من (الكامل في التاريخ ٩ / ٩٥).

(٢) في الأصل «بن نوح» ، وهو وهم.

(٣) في الأصل «رل».

(٤) الخبر مطوّلا في الكامل في التاريخ ٩ / ٩٥ و ٩٨ ـ ١٠٠.

(٥) الكامل في التاريخ ٩ / ١٠٠ ، المنتظم ٧ / ١٧٢.

(٦) الكامل في التاريخ ٩ / ١٠١ ، المنتظم ٧ / ١٧٢.

(٧) في الأصل «غياشية» ، والتصويب من (المنتظم ٧ / ١٧٢).

١٥

وستّين درهما (١).

وفيها ابتاع الوزير أبو نصر سابور بن أردشير دارا بالكرخ وعمّرها وسمّاها «دار العلم» ، ووقفها على العلماء ، ونقل إليها كتبا كثيرة (٢).

* * *

__________________

(١) المنتظم ٧ / ١٧٢ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٠١.

(٢) المنتظم ٧ / ١٧٢ ، الكامل ٩ / ١٠١.

١٦

[حوادث]

سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

فيها قوي أمر العيارين (١) ببغداد ، وشرع القتال بين الكرخ وأهل باب البصرة ، وظهر المعروف بعزيز من أهل باب البصرة واستفحل أمره ، والتزق به كثير من المؤذين ، وطرح النّار في المحالّ ، وطلب أهل الشّرط. ثم صالح الكرخ ، وقصد سوق البزّازين (٢) ، وطالب بضرائب الأمتعة حتى الأموال ، وكاشف السلطان وأصحابه ، وكان ينزل إلى السفن ويطالب بالضرائب ، فأمر السلطان بطلب العيّارين ، فهربوا عنه (٣).

وفي ذي الحجّة ورد الخبر برجوع الحاجّ من الطريق ، وكان السبب أنّهم لمّا حصّلوا بين زبالة (٤) والثعلبية (٥) اعترض الحاجّ الأصيفر الأعرابيّ ومنعهم الجواز إلّا برسمه ، وتردّد الأمر إلى أن ضاق الوقت ، فعادوا ، ولم يحجّ أيضا لأهل الشام ولا اليمن ، إنّما حجّ أهل مصر (٦).

__________________

(١) العيّار : لغويّا : الكثير التجوّل والطواف الّذي يتردّد بلا عمل ، يخلّي نفسه وهواها. والمعار بالكسر. الفرس الّذي يحيد عن الطريق براكبه. والعيّار : الكثير الذهاب والمجيء ، وهو الذكيّ كثير التطواف. يقال : عار الفرس يعير : ذهب كأنه منفلت ، يهيم على وجهه لا يثنيه شيء ، فهو عائر ، أي متردّد جوّال. (انظر مادّة : غير ، في المعاجم اللغوية).

(٢) في المنتظم «سوق التمّارين».

(٣) الخبر في المنتظم ٧ / ١٧٤.

(٤) زبالة : بضم أوّله. منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة. (معجم البلدان ٣ / ١٢٩).

(٥) في الأصل «التغلبية» وهو تصحيف. وما أثبتناه عن معجم البلدان ٢ / ٧٨ وهو يفتح أوله. من منازل طريق مكة من الكوفة.

(٦) الخبر في المنتظم ٧ / ١٧٤ وزاد : «أهل مصر والمغرب خاصّة». وانظر : الكامل في التاريخ ٩ / ١٠٥ ، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (بتحقيقنا) ج ٢ / ٣٥٥ ، والبداية والنهاية ١١ / ٣١٣ ، ومرآة الجنان ٣ / ٤١٨.

١٧

وفيها ولي نقابة العبّاسيين أبو الحسن محمد بن علي بن أبي تمام الزّينبي (١).

وفيها تزوّج مهذّب الدولة علي بن نصر ببنت بهاء الدولة ، وعقد للأمير أبي منصور بن بهاء الدولة على بنت مهذّب الدولة ، وعقد على (٢) كلّ صداق منهما مائة ألف دينار.

* * *

واتّفق ابن سمجور والي خراسان وفائق على حرب ابن نوح ، فكتب إلى الملك سبكتكين يستنجده ، فأقبل من غزنة (٣) ، فالتقى الجمعان ، فانهزم ابن سمجور وتمزّق جيشه ، واستعمل ابن نوح على خراسان محمود بن سبكتكين الّذي افتتح الهند (٤).

* * *

__________________

(١) المنتظم ٧ / ١٧٤ ، الكامل ٩ / ١٠٥.

(٢) في الأصل «وعقد للأمير» ، وما أثبتناه عن المنتظم ، والكامل.

(٣) غزنة : بفتح أوله ، وسكون ثانيه ، ثم نون. وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان. (معجم البلدان ٤ / ٢٠١).

(٤) الخبر مطوّلا في (الكامل في التاريخ ٩ / ١١٠٧ ـ ١٠٩). وتاريخ گزيده ، الملحق بتاريخ بخارى لأبي بكر النرشخي ـ ص ١٤٦ ـ طبعة دار المعارف بمصر.

١٨

[حوادث]

سنة خمس وثمانين وثلاثمائة

فيها نفّذ بدر بن حسنويه تسعة آلاف دينار ، لتدفع إلى الأصيفر عوضا عمّا كان يأخذ من الركب العراقي (١).

* * *

[حوادث]

سنة ستّ وثمانين وثلاثمائة

في المحرّم ادّعى أهل البصرة أنّهم كشفوا عن قبر عتيق ، فوجدوا فيه ميتا طريّا بثبابه وسيفه ، وأنّه الزّبير بن العوّام ، فأخرجوه وكفّنوه ودفنوه بالمربد ، وبنوا عليه ، وعمل له مسجد ، ونقلت إليه القناديل والبسط والقوّام والحفظة. قام بذلك الأمير أبو المسك (٢). فالله أعلم من ذاك الميت.

* * *

__________________

(١) المنتظم ٧ / ١٧٨.

(٢) المنتظم ٧ / ١٨٧.

١٩
٢٠