مختصر البصائر

الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلي

مختصر البصائر

المؤلف:

الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلي


المحقق: مشتاق المظفّر
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-280-8
الصفحات: ٥٨٤

أبو أحمد محمّد بن زياد الأزدي ، قال : حدّثنا أبان الأحمر ، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام أنّه جاء إليه رجل فقال له : بأبي أنت واُمّي عظني موعظة ، فقال عليه‌السلام : « إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لماذا؟! وإن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا؟! وإن كان الحساب حقّاً فالجمع لماذا؟! وإن كان الخلف من الله عزّ وجلّ فالبخل لماذا؟! وإن كانت العقوبة من الله عزّوجل النّار فالمعصية لماذا؟! وإن كان الموت حقّاً فالفرح لماذا؟! وإن كان العرض على الله عزّ وجلّ حقّاً فالمكر لماذا؟! وإن كان الشيطان عدوّاً فالغفلة لماذا؟! وإن كان الممرّ على الصراط حقّاً فالعجب لماذا؟! وإن كان كلّ شيء بقضاء وقدر فالحزن لماذا؟! وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا؟! » (١).

[ ٤٠٣ / ٢٨ ] وبإسنادي إلى علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله ، قال : حدّثني موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد ، عن إسماعيل بن مسلم ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : « وجدت لأهل القدر أسماءً في كتاب الله عزّ وجلّ ( إنّ المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر * إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر ) (٢) فهم المجرمون » (٣).

__________________

الإمام الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام وفيمن لم يرو عنهم عليهم‌السلام.

واقتصر البرقي على الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام حيث ذكره في موضعين باسمين : محمّد بن أبي الصهبان ومحمّد بن عبدالجبار ، وكذلك الشيخ.

رجال الطوسي : ٤٠٧ / ٢٥ و ٤٢٣ / ١٧ و ٤٣٥ / ٥ و ٥١٢ / ١١٦ ، رجال البرقي : ٥٩ و ٦١.

١ ـ التوحيد : ٣٧٦ / ٢١ ، أمالي الصدوق : ٥٦ / ١٢ ، وأورده في الخصال بسند آخر : ٤٥٠ / ٥٥.

٢ ـ القمر ٥٤ : ٤٧ ـ ٤٩.

٣ ـ تفسير القمّي ٢ : ٣٤٢ ، وعنه في البحار ٥ : ١٧ / ٢٥ ، وتفسير البرهان ٥ : ٢٢٣ / ٤.

٣٦١

ومن كتاب غرر الحكم ودرر الكلم جمع عبدالواحد بن محمّد بن عبدالواحد الآمدي التميمي من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله :

[ ٤٠٤ / ٢٩ ] « القدر يغلب الحاذر » (١).

[ ٤٠٥ / ٣٠ ] « القدر يغلب الحذر » (٢).

[ ٤٠٦ / ٣١ ] « القدر ينسي الحفيظة » (٣).

[ ٤٠٧ / ٣٢ ] « الحسود غضبان على القدر » (٤).

[ ٤٠٨ / ٣٣ ] « الإتّكال على القضاء أروح » (٥).

[ ٤٠٩ / ٣٤ ] « العبد عبد وإن ساعده القدر » (٦).

[ ٤١٠ / ٣٥ ] « المقادير لا تدفع بالقوّة والمغالبة » (٧).

[ ٤١١ / ٣٦ ] « الرضا بقدر الله يهوّن عظيم الرزايا » (٨).

[ ٤١٢ / ٣٧ ] « الجزع لا يدفع القدر ، ولكن يحبط الأجر » (٩).

__________________

١ ـ غرر الحكم ١ : ٤٨ / ١٠٣١.

٢ ـ غرر الحكم ١ : ٥٠ / ١٠٦٨.

٣ ـ غرر الحكم ١ : ٤٧ / ٩٩٦ ، وفيه : القدرة ، بدل : القدر ، وفي نسخة « س » : المقدّر.

٤ ـ غرر الحكم ١ : ٦٢ / ١٣١٧.

٥ ـ غرر الحكم ١ : ٦٥ / ١٣٦٥.

٦ ـ غرر الحكم ١ : ٦٥ / ١٣٧٠.

٧ ـ لم أعثر عليه في الطبعة المعتمدة من الغرر وهي طبعة مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، بل وجدته في طبعة دار القارئ في ص ٦٥ / ١٤٨٤.

٨ ـ غرر الحكم ١ : ٧٧ / ١٥٨٥.

٩ ـ غرر الحكم ١ : ٩٦ / ١٨٩٨.

٣٦٢

[ ٤١٣ / ٣٨ ] « التوكّل : التبرّي من الحول والقوّة ، وانتظار ما يأتي به القدر » (١).

[ ٤١٤ / ٣٩ ] « الاُمور بالتقدير وليست بالتدبير » (٢).

[ ٤١٥ / ٤٠ ] « إنّ من شغل نفسه بالمفروض عليه عن المضمون له ، ورضي بالمقدور عليه وله ، كان أكثر الناس سلامة في عافية ، وربحاً في غبطة ، وغنيمة في مسرّة » (٣).

[ ٤١٦ / ٤١ ] « إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور » (٤).

[ ٤١٧ / ٤٢ ] « وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور » (٥).

[ ٤١٨ / ٤٣ ] « إن عقدت إيمانك فارض بالمقضي عليك ولك ، ولا ترج أحداً إلاّ الله ، وانتظر ما أتاك به القدر » (٦).

[ ٤١٩ / ٤٤ ] « إنّكم إن رضيتم بالقضاء ، طابت عيشتكم ، وفزتم بالغناء » (٧).

[ ٤٢٠ / ٤٥ ] « إنّكم إن صبرتم على البلاء ، وشكرتم في الرخاء ، ورضيتم بالقضاء كان لكم من الله الرضا » (٨).

__________________

١ ـ غرر الحكم ١ : ٩٩ / ١٩٣٨.

٢ ـ غرر الحكم ١ : ١٠١ / ١٩٦٩ ، وفيه : الامور بالتقدير لا بالتدبير.

٣ ـ غرر الحكم ١ : ٢٣٩ / ٢٧٩.

٤ ـ غرر الحكم ١ : ٢٤٩ / ٥ ، وفيه : القلم. بدل : القدر.

٥ ـ غرر الحكم ١ : ٢٤٩ / ٦.

٦ ـ غرر الحكم ١ : ٢٥٠ / ١٨.

٧ ـ غرر الحكم ١ : ٢٦٤ / ٢٥.

٨ ـ غرر الحكم ١ : ٢٦٤ / ٢٦.

٣٦٣

[ ٤٢١ / ٤٦ ] « آفة المجد عوائق القضاء » (١).

[ ٤٢٢ / ٤٧ ] « إذا ضلّت المقادير بطلت التدابير » (٢).

[ ٤٢٣ / ٤٨ ] « إذا كان القدر لا يُردّ فالاحتراس باطل » (٣).

[ ٤٢٤ / ٤٩ ] « الرضا بالقضاء يستدلّ على اليقين » (٤).

[ ٤٢٥ / ٥٠ ] « تحرز رضا الله برضاك بقدره » (٥).

[ ٤٢٦ / ٥١ ] « تذلّ الاُمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير » (٦).

[ ٤٢٧ / ٥٢ ] « جعل الله لكلّ شيء قدراً ولكلّ قدر أجلاً » (٧).

[ ٤٢٨ / ٥٣ ] « حدّ العقل النظر في العواقب والرضا بما يجري بـه القضـاء » (٨).

__________________

١ ـ غرر الحكم ١ : ٢٧٢ / ١١.

٢ ـ غرر الحكم ١ : ٢٧٨ / ٦٤ ، وفيه : حلّت. بدل : ضلّت.

٣ ـ غرر الحكم ١ : ٢٨٠ / ٩٧.

٤ ـ غرر الحكم ١ : ٢٩٥ / ١٠٦ ، وفيه : حسن اليقين. بدل : اليقين.

٥ ـ غرر الحكم ١ : ٣١٢ / ٤٢. وفيه : تحرّ. بدل : تحرز.

٦ ـ غرر الحكم ١ : ٣١٣ / ٥٥.

٧ ـ غرر الحكم ١ : ٣٣٤ / ٦٢.

٨ ـ غرر الحكم ١ : ٣٤٤ / ٣٥.

٣٦٤

أحاديث

الإرادة وأنّها من صفات الأفعال

[ ٤٢٩ / ١ ] وبالإسناد المتقدّم ذكره عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان (١) ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : لم يزل الله مريداً؟ فقال : « إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه ، بل لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد » (٢).

[ ٤٣٠ / ٢ ] وبالإسناد عن الصدوق رحمه‌الله قال : حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، عن بكير (٣) بن أعين ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : عِلم الله

__________________

١ ـ في التوحيد : عن الحسين بن أبان ، وما في المتن هو الصحيح.

وقد ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام قائلاً : أدركه ولم نعلم أنّه روى عنه. وعدّه أيضاً فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام ، قائلاً : روى عن الحسين بن سعيد كتبه كلّها. رجال الطوسي : ٤٣٠ / ٨ و ٤٦٩ / ٤٤.

٢ ـ التوحيد : ١٤٦ / ١٥ ، وعنه في البحار ٤ : ١٤٤ / ١٦.

٣ ـ في نسختي « س و ض » والمختصر المطبوع : بكر ، وما أثبتناه من المصدر.

٣٦٥

ومشيئته هما مختلفان أم متّفقان؟ قال : « العلم ليس هو المشيئة ، ألا ترى أنّك تقول سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ ، وإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله سابق للمشيئة » (١).

[ ٤٣١ / ٣ ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق رحمه‌الله ، قال : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة من الله تعالى ومن الخلق؟ قال : فقال : « الإرادة من المخلوق الضمير ، وما يبدو له بعد ذلك من الفعل. وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ، لأنّه لا يروّي (٢) ولا يهمّ ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفيّة عنه تعالى ، وهي من صفات الخلق.

فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك ، يقول له : كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك ، كما أنّه بلا كيف » (٣).

[ ٤٣٢ / ٤ ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق محمّد بن علي رحمه‌الله ، عن أبيه ، قال : حدّثني سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،

__________________

وهو بكير بن أعين بن سنسن الشيباني الكوفي ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السلام. مات رحمه الله في حياة أبي عبدالله عليه السلام.

انظر رجال البرقي : ١٤ و ١٦ ، رجال الطوسي : ١٠٩ / ١٧ و ١٥٧ / ٤٣.

١ ـ التوحيد : ١٤٦ / ١٦ ، وعنه في البحار ٤ : ١٤٤ / ١٥.

٢ ـ روّيت في الأمر : إذا نظرت فيه وفكّرت. الصحاح ٦ : ٢٣٦٤ ـ روى.

٣ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١١٩ / ١١ ، التوحيد : ١٤٧ / ١٧ ، وعنهما في البحار ٤ : ١٣٧ / ٤.

٣٦٦

عن ابن اُذينة ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « المشيئة محدَثة » (١).

[ ٤٣٣ / ٥ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي رحمه‌الله ، عن أبيه ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « خلق الله المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة » (٢).

[ ٤٣٤ / ٦ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي ، عن علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن بردة (٣) ، قال : حدّثني العبّاس بن عمرو الفقمي (٤) ، عن أبي القاسم إبراهيم بن محمّد العلوي ، عن فتح بن يزيد الجرجاني قال : لقيته عليه‌السلام (٥) على الطريق ـ عند منصرفي من مكّة إلى خراسان ـ وهو سائر إلى العراق ، فسمعته يقول : « من اتّقى الله يُتّقى ، ومن أطاع الله يُطاع ».

فتلطّفت (٦) في الوصول إليه ، فوصلت وسلّمت ، فردّ علي السلام ، ثمّ قال : « يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فقَمِنٌ (٧) أن يسلّط

__________________

١ ـ التوحيد : ١٤٧ / ١٨ ، وعنه في البحار ٤ : ١٤٤ / ١٤.

٢ ـ التوحيد : ١٤٧ / ١٩ ، وعنه في البحار ٤ : ١٤٥ / ٢٠.

٣ ـ في نسخة « س » : الحسين بن الحسن بن برد.

٤ ـ في نسختي « س و ض » : العبّاس بن عمر الثقفي ، وفي المصدر : الفقيمي. بدل الفقمي.

٥ ـ يعني الإمام علي بن موسى الرضا عليه أفضل الصلاة والسلام.

٦ ـ اللطف : بالضم التوفيق. القاموس المحيط ٣ : ١٩٥ ـ لطف.

٧ ـ في نسخة « س » : فقمين ، وكلاهما في معنىً واحد.

وهو : حريّ أو جدير أو خليق. لسان العرب ٣ : ٣٤٧ ـ قمن.

٣٦٧

عليه سخط المخلوق ، وأنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ».

فسأله عن مسائل في التوحيد فأجابه عليه‌السلام فكان فيما سأله عليه‌السلام أن قال : وغير الخالق الجليل خالق؟

قال : « إنّ الله تبارك وتعالى يقول ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) (١) فقد أخبر أنّ في عباده خالقين ، منهم : عيسى بن مريم عليهما‌السلام خلق من الطين كهيئة الطير باذن الله فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار ».

قلت : إنّ عيسى عليه‌السلام خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوّته ، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوّة موسى عليه‌السلام ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك؟ إنّ هذا لهو العجب!

فقال : « ويحك يا فتح ، إنّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء. أو ما رأيت أنّه نهى آدم عليه‌السلام وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله.

وأمر إبراهيم عليه‌السلام بذبح ابنه عليه‌السلام ، وشاء أن لا يذبحه ، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم عليه‌السلام مشيئة الله عزّ وجلّ » (٢).

[ ٤٣٥ / ٧ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه رحمه‌الله ، قال : حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ،

__________________

١ ـ المؤمنون ٢٣ : ١٤.

٢ ـ التوحيد : ٦٠ / ١٨ ، وعنه في البحار ٤ : ٢٩٠ / ٢١.

٣٦٨

عن معلّى بن محمّد ، قال : سئل العالم عليه‌السلام كيف علم الله؟ قال : « عَلِمَ وشاء ، وأراد وقدّر ، وقضى وأبدا ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدّر ، وقدّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء.

فالعلم متقدّم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء ، فلله تبارك تعالى البداء فيما عَلِم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ، فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً وقياماً ، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المعقولات (١) ، وذوات الأجسام المدركات بالحواسّ من ذي لون وريح ، ووزن وكيل ، ومادبّ ودرج ، من إنس وجنّ ، وطير وسباع ، وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ.

فلله تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، وبالعلم عَلِمَ الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها وحدودها ، وبالتقدير قدّر أقواتها ، وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان (٢) للناس أماكنها ودلّهم عليها ، وبالإمضاء شرح عِلَلها وأبان أمرها ، وذلك تقدير العزيز العليم » (٣).

__________________

١ ـ في المصدر : المفعولات.

٢ ـ في نسخة « س » أنار.

٣ ـ التوحيد : ٣٣٤ / ٩ ، وأورده الكليني في الكافي ١ : ١٤٨ / ١٦.

٣٦٩

[٤٣٦ / ٨ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : قال الرضا عليه‌السلام : « المشيئة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يزل مريداً وشائياً فليس بموحّد » (١).

[ ٤٣٧ / ٩ ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه رحمه‌الله ، قال : حدّثنا أبو محمّد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه ، قال : أخبرنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن علي بن صدقة القمّي ، قال : حدّثنا أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الأنصاري الكجي ، قال : حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي يقول : اجتمع سليمان المروزي ـ متكلّم خراسان ـ بمولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام عند المأمون ، فقال سليمان : يا سيدي أسألك؟ قال الرضا عليه‌السلام : « سل عمّا بدالك » قال : ما تقول فيمن جعل الإرادة إسماً وصفة ، مثل حيّ وسميع وبصير وقدير؟

قال الرضا عليه‌السلام : « إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنّه شاء وأراد ، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنّه سميع بصير ، فهذا دليل على أنّها ليست مثل سميع ولا بصير ولا قدير ».

قال سليمان : فإنّه لم يزل مريداً ، قال عليه‌السلام : « يا سليمان فإرادته غيره؟ » قال : نعم ، قال عليه‌السلام : « فقد أثبتّ معه شيئاً غيره لم يزل » قال : سليمان : ما أثبتّ ، قال الرضا عليه‌السلام : « أهي محدثة؟ » قال سليمان : لا ، ما هي محدثة ، فصاح به المأمون فقال : يا سليمان مثله يعايا أو يكابر عليك بالإنصاف ، أما ترى من حولك من أهل النظر ، ثمّ

__________________

١ ـ التوحيد : ٣٣٧ / ٥ ، وعنه في البحار ٤ : ١٤٥ / ١٨ و ٥٧ : ٣٧ / ١٢.

٣٧٠

قال : كلّمه يا أبا الحسن فإنّه متكلّم خراسان.

فأعاد عليه‌السلام عليه المسألة فقال : « هي محدثة يا سليمان؟ فإنّ الشيء إذا لم يكن أزليّاً كان محدثاً ، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً » قال سليمان : إنّ إرادته منه كما أنّ سمعه منه وبصره منه وعلمه منه ، قال الرضا عليه‌السلام : « فإرادته نفسه؟ » قال : لا ، قال عليه‌السلام : « فليس المريد مثل السميع والبصير » قال سليمان : إنّما أراد نفسه كما أسمع نفسه وأبصر نفسه ( وعلم نفسه ) (١) ، فقال الرضا عليه‌السلام : « ما معنى إرادة نفسه ، أراد أن يكون شيئاً ، أو أراد أن يكون حيّاً ، أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً؟ » قال سليمان : نعم ، قال الرضا عليه‌السلام : « أفبإرادته كان ذلك؟ » قال سليمان : لا ، قال الرضا عليه‌السلام : « فليس لقولك أراد أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً معنىً إذا لم يكن ذلك بإرادته » قال سليمان : بلى ، قد كان ذلك بإرادته ، فضحك المأمون ومن حوله ، وضحك الرضا عليه‌السلام ثمّ قال لهم : « ارفقوا بمتكلّم خراسان ، يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغيّر عنها ، وهذا ممّا لا يوصف الله عزّ وجلّ به » فانقطع.

ثمّ قال الرضا عليه‌السلام : « يا سليمان أسألك عن مسألة » قال : سل جعلت فداك ، قال : « أخبرني عنك وعن أصحابك ، تكلّمون الناس ( بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون ولا تعرفون؟ » قال : بل بما نفقه وبما نعلم ) (٢) ، قال الرضا عليه‌السلام : « فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة ، وأنّ المريد قبل الإرادة ، وأنّ الفاعل قبل المفعول ، وهذا يبطل قولكم : إنّ الإرادة والمريد شيء واحد » قال : جعلت فداك : ليس ذاك

__________________

١ ـ لم يرد في نسخة « س ».

٢ ـ في التوحيد : بما يفقهون ويعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون؟ قال : بل بما يفقهون ويعرفون. وما في العيون والبحار عنه مطابق لما في المتن.

٣٧١

منه على ما يعرف الناس ، ولا على ما يفقهون ، قال عليه‌السلام : « فأراكم ادّعيتم علم ذلك بلا معرفة ، وقلتم : إنّ الإرادة كالسميع والبصير ، إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل » فلم يحر جواباً.

ثمّ قال الرضا عليه‌السلام : « يا سليمان هل يعلم الله عزّ وجلّ جميع ما في الجنّة والنار؟ » قال سليمان : نعم ، قال عليه‌السلام : « أفيكون ما علم الله عزّ وجلّ أنّه يكون من ذلك؟ » قال : نعم ، قال عليه‌السلام : « فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء إلاّ كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟ » قال سليمان : بل يزيدهم ، قال عليه‌السلام : « فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون » قال : جعلت فداك فالمزيد لا غاية له.

قال عليه‌السلام : « فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك ، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما ، لم يعلم بما يكون فيهما قبل أن يكون ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً » قال سليمان : إنّما قلت : لا يعلمه لأنّه لا غاية لهذا ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ وصفهما بالخلود ، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.

قال الرضا عليه‌السلام « ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم ؛ لأنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثمّ لا يقطعه عنهم ، ولذلك قال الله عزّ وجلّ في كتابه ( كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) (١) وقال عزّ وجلّ لأهل الجنّة ( عطاءً غير مجذوذ ) (٢) وقال عزّ وجلّ ( وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (٣) فهو جلّ وعزّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة.

__________________

١ ـ النساء ٤ : ٥٦.

٢ ـ هود ١١ : ١٠٨.

٣ ـ الواقعة ٥٦ : ٣٢ ـ ٣٣.

٣٧٢

أرأيت ما أكل أهل الجنّة وما شربوا أليس الله يخلف مكانه؟ » قال : بلى ، قال عليه‌السلام : « أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه » قال سليمان : لا ، قال عليه‌السلام : « فكذلك كلّ ما يكون فيهما إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم » ، قال سليمان : بل يقطعه عنهم ولا يزيدهم ، قال الرضا عليه‌السلام : « إذاً يبيد ما فيها ، وهذا يا سليمان إبطال الخلود ، وخلاف ما في الكتاب ، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد ) (١) ويقول عزّ وجلّ ( عطاءً غير مجذوذ ) (٢) ويقول عزّ وجلّ ( ما هم منها بمخرجين ) (٣) ويقول عزّ وجلّ ( خالدين فيها أبداً ) (٤) ويقول عزّ وجلّ ( وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (٥) » فلم يحر جواباً.

ثمّ قال الرضا عليه‌السلام : « يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل؟ » قال : بل هي فعل ، قال عليه‌السلام : « فهي محدثة ، لأنّ الفعل كلّه محدَث؟ » قال : ليست بفعل ، قال عليه‌السلام : « فمعه غيره لم يزل؟ » قال سليمان : الإرادة هي الإنشاء ، قال عليه‌السلام : « يا سليمان هذا الذي ادّعيتموه (٦) على ضرار (٧) وأصحابه من قولهم : إنّ كلّ ما خلق الله

__________________

١ ـ ق ٥٠ : ٣٥.

٢ ـ هود ١١ : ١٠٨.

٣ ـ الحجر ١٥ : ٤٨.

٤ ـ وردت في موارد كثيرة كسورة النساء آية ٥٧ و ١٦٩ وغيرها.

٥ ـ الواقعة ٥٦ : ٣٢ ـ ٣٣.

٦ ـ في نسختي « س و ض » : عبتموه.

٧ ـ ضرار : هو ابن عمرو القاضي ، إليه تنسب الفرقة الضرارية ، وهي تعدّ من فرق الجبرية ، وقد ظهر في أيام واصل بن عطاء.

٣٧٣

عزّ وجلّ في سماء أو أرض ، أو بحر أو برّ ، من كلب أو خنزير ، أو قرد أو انسان أو دابّة ، إرادة الله تعالى ، وأنّ إرادة الله تعالى تحيى وتموت ، وتذهب وتأكل وتشرب ، وتنكح وتلد ، وتظلم وتفعل الفواحش ، وتكفر وتشرك ، فيبرأ منها ويعاديها وهذا حدّها » قال سليمان : إنّها كالسمع والبصر والعلم.

قال الرضا عليه‌السلام : « قد رجعت إلى هذا ثانية ، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع؟ » قال سليمان : لا ، قال الرضا عليه‌السلام : « فكيف نفيتموه ، فمرّة قلتم : لم يرد ومرّة قلتم : أراد وليست بمفعول له » قال سليمان : إنّما ذلك كقولنا : مرّة علم ، ومرّة لم يعلم.

قال الرضا عليه‌السلام : « ليس ذلك سواء ، لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ؛ لأنّ الشيء إذا لم يرد لم تكن إرادة ، وقد يكون العلم

__________________

وقال الذهبي : جَلِدٌ ، له مقالات خبيثة ، وقال المروزي : قال أحمد بن حنبل : شهدت على ضرار بالزندقة عند سعيد بن عبدالرحمن القاضي فأمر بضرب عنقه.

وقال صاحب الملل والنحل : والمعتزلة وإن جوّزوا الامامة في غير القرشي ، إلاّ أنّهم لايجوّزون تقديم النبطي على القرشي كما قاله ضرار.

وقال الذهبي أيضاً : فمن نحلته قال : يمكن أن يكون جميع الاُمة في الباطن كفّاراً ، لجواز ذلك على كلّ فرد منهم.

وقال ابن حزم : كان ضرار ينكر عذاب القبر.

انظر الضعفاء الكبير للعقيلي ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٥ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٥٤٤ / ١٧٥ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٨ / ٣٩٥٣ ، الملل والنحل ١ : ٩٠ ، الفرق بين الفرق : ٢١٣ / ١١٨ ، وانظر معتقداته في التبصير في الدين : ١٠٥ ، وشرح الاصول الخمسة : ٣٦٣ ، والانتصار : ٢٩ و ١٣٣ ـ ١٣٤ و ١٣٦.

٣٧٤

ثابتاً ، وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر ، فقد يكون الإنسان بصيراً ، وإن لم يكن المبصر ، ويكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم ».

قال سليمان : إنّما هي مصنوعة ، قال عليه‌السلام : « فهي محدثة ليست كالسمع والبصر ؛ لأنّ السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة » قال سليمان : إنّها صفة من صفاته لم تزل ، قال عليه‌السلام : « فينبغي أن يكون الانسان لم يزل ؛ لأنّ صفته لم تزل » قال سليمان : لا ، لأنّه لم يفعلها.

قال الرضا عليه‌السلام : « يا خراساني ما أكثر غلطك ، أفليس بإرادته وقوله تكون الأشياء؟ » قال سليمان : لا ، قال عليه‌السلام : « فاذا لم تكن بارادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك؟! تعالى الله عن ذلك » فلم يحر جواباً.

ثمّ قال الرضا عليه‌السلام : « ألا تخبرني عن قول الله عزّ وجلّ ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُترَفيها ففسقوا فيها ) (١) يعني بذلك أنّه يحدث إرادة؟ » قال له : نعم ، قال عليه‌السلام : « فإذا أحدث إرادة كان قولك إنّ الإرادة هي هو أو شيء منه باطلاً ؛ لأنّه لا يكون أن يحدِث نفسه ، ولا يتغيّر عن حاله تعالى الله عن ذلك » قال سليمان : إنّه إذا لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة ، قال عليه‌السلام : « فما عنى به؟ » قال : عنى به فعل الشيء.

قال الرضا عليه‌السلام : « ويلك كم تردّد هذه المسألة ، وقد أخبرتك أنّ الإرادة محدثة ؛ لأنّ فعل الشيء محدث » قال : فليس لها معنى ، قال الرضا عليه‌السلام : « قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له ، وإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم : إنّ الله لم يزل مريداً » قال سليمان : إنّما عنيت أنّها فعل من الله لم يزل ، قال عليه‌السلام : « ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً وحديثاً وقديماً في حالة

__________________

١ ـ الإسراء ١٧ : ١٦.

٣٧٥

واحدة » فلم يحر جواباً.

قال الرضا عليه‌السلام : « لا بأس أتمم مسألتك » قال سليمان : قلت : إنّ الإرادة صفة من صفاته ، قال عليه‌السلام : « كم تردّد عليّ أنّها صفة من صفاته ، فصفته محدثة أو لم تزل؟ » قال سليمان : محدثة ، قال الرضا عليه‌السلام : « الله أكبر ، فالإرادة محدثة وإن كانت صفة من صفاته لم تزل » فلم يردّ شيئاً.

قال الرضا عليه‌السلام : « إنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً » قال سليمان : ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئاً ، قال الرضا عليه‌السلام : « وسوست يا سليمان ، فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله ، وهذه صفة من لا يدري ما فعل ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً » قال سليمان : يا سيدي قد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم ، قال المأمون : ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والترداد اقطع هذا وخذ في غيره إذ لست تقوى على غير هذا الردّ.

قال الرضا عليه‌السلام : « دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجّة ، تكلّم يا سليمان » قال : قد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم ، قال الرضا عليه‌السلام : « لا بأس أخبرني عن معنى هذه أمعنىً واحداً أو معان مختلفة؟ » قال سليمان : بل معنىً واحداً.

قال الرضا عليه‌السلام : « فمعنى الإرادات كلّها معنىً واحداً؟ » قال سليمان : نعم ، قال الرضا عليه‌السلام : « فإن كان معناها معنىً واحداً كانت إرادة القيام إرادة القعود ، وإرادة الحياة إرادة الموت ، وإذا كانت إرادته واحدة لم يتقدّم بعضها بعضاً ، ولم يخالف بعضها بعضاً ، وكان شيئاً واحداً » قال سليمان : إنّ معناها مختلف.

قال عليه‌السلام : « فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أم غيرها؟ » قال سليمان : بل هو الإرادة ، قال الرضا عليه‌السلام : « فالمريد عندكم مختلف إذا كان هو الإرادة؟ » قال : يا

٣٧٦

سيّدي ليس الإرادة المريد ، قال عليه‌السلام : « فالإرادة محدثة وإلاّ فمعه غيره ، إفهم وزد في مسألتك » قال سليمان : فإنّها اسم من أسمائه ، قال الرضا عليه‌السلام : « هل سمّى نفسه بذلك؟ » قال سليمان : لا ، لم يسمّ نفسه بذلك ، قال الرضا عليه‌السلام : « فليس لك أن تسمّيه بما لم يسمّ به نفسه » قال : قد وصف نفسه بأنّه مريد.

قال الرضا عليه‌السلام : « ليس صفته نفسه أنّه مريد إخباراً عن أنّه إرادة ، ولا إخباراً عن أنّ الارادة اسم من أسمائه » قال سليمان : لأنّ إرادته علمه.

قال الرضا عليه‌السلام : « يا جاهل فإذا علم الشيء فقد أراده؟ » قال سليمان : أجل قال عليه‌السلام : « فإذا لم يرده لم يعلمه؟ » قال سليمان : أجل ، قال عليه‌السلام : « من أين قلت ذاك ، وما الدليل على أنّ إرادته علمه؟ وقد يعلم ما لا يريده أبداً ، وذلك قوله عزّ وجلّ ( ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك ) (١) فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبداً » قال سليمان : إنّه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئاً.

قال الرضا عليه‌السلام : « هذا قول اليهود ، فكيف قال الله عزّ وجلّ ( ادعوني استجب لكم ) (٢) » قال سليمان : إنّما عنى بذلك أنّه قادر عليه.

قال عليه‌السلام : « أفيعد بما لا يفي به؟! فكيف قال عزّ وجلّ ( يزيد في الخلق ما يشاء ) (٣) وقال عزّ وجلّ ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب ) (٤) وقد فرغ من الأمر » فلم يحر جواباً.

__________________

١ ـ الإسراء ١٧ : ٨٦.

٢ ـ المؤمن ٤٠ : ٦٠.

٣ ـ فاطر ٣٥ : ١.

٤ ـ الرعد ١٣ : ٣٩.

٣٧٧

قال الرضا عليه‌السلام : « يا سليمان هل تعلم أنّ إنساناً يكون ولا يريد أن يخلق إنساناً أبداً ، وأنّ انساناً يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم؟ » قال سليمان : نعم.

قال الرضا عليه‌السلام : « فيعلم أنّه يكون ما يريد أن يكون ، أو يعلم أنّه يكون ما لا يريد أن يكون؟! » قال : يعلم أنّهما يكونان جميعاً.

قال الرضا عليه‌السلام : « إذاً يعلم أنّ إنساناً حيٌّ ميّت ، قائم قاعد ، أعمى بصير في حال واحد ، وهذا هو المحال ».

قال : جعلت فداك فإنّه يعلم أنّه يكون أحدهما دون الآخر.

قال عليه‌السلام : « لا بأس ، فأيّهما يكون الذي أراد أن يكون ، أو الذي لم يرد أن يكون؟ » قال سليمان : الذي أراد أن يكون ، فضحك الرضا عليه‌السلام والمأمون وأصحاب المقالات.

قال الرضا عليه‌السلام : « غلطت وتركت قولك : أنّه يعلم أنّ إنساناً يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم ، وأنّه يخلق خلقاً ، وأنّه لا يريد أن يخلقهم ، وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون ، فإنّما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون » قال سليمان : فإنّما قولي : إنّ الإرادة ليست هو ولا غيره.

قال الرضا عليه‌السلام : « يا جاهل إذا قلت : ليست هو فقد جعلتها غيره ، وإذا قلت : ليست هي غيره ، فقد جعلتها هو » قال سليمان : فهو يعلم كيف يصنع الشيء؟ قال عليه‌السلام : « نعم » قال سليمان : فإنّ ذلك إثبات للشيء.

قال الرضا عليه‌السلام : « أحلت ، لأنّ الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ، ويحسن الخياطة وإن لم يخط ، ويحسن صنعة الشيء وإن لم يصنعه أبداً ».

ثمّ قال له : « يا سليمان هل تعلم أنّه واحد لا شيء معه؟ » قال : نعم ، قال عليه‌السلام : « أفيكون ذلك إثباتاً للشيء؟ » قال سليمان : ليس يعلم أنّه واحد لا شيء معه.

٣٧٨

قال الرضا عليه‌السلام : « أفتعلم أنت ذاك؟ » قال : نعم ، قال عليه‌السلام : « فأنت يا سليمان أعلم منه إذاً » قال سليمان : المسألة محال ، قال عليه‌السلام : « محال عندك ، أنّه واحد لا شيء معه ، وأنّه سميع بصير حكيم قادر؟ » قال : نعم ، قال الرضا عليه‌السلام : « فكيف أخبر الله عزّ وجلّ أنّه واحد حيٌّ ، سميع بصير ، عليم خبير ، وهو لا يعلم ذلك ، وهذا ردّ ما قال وتكذيبه ، تعالى الله عن ذلك ».

ثمّ قال له الرضا عليه‌السلام : « فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو؟ وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه؟ فإنّما هو متحيّر ، تعالى الله عن ذلك » قال سليمان : فإنّ الإرادة القدرة؟

قال الرضا عليه‌السلام : « وهو عزّ وجلّ يقدر على ما لا يريده أبداً ولا بدّ من ذلك ، لأنّه قال تبارك وتعالى ( ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك ) (١) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته » فانقطع سليمان ، فقال المأمون عند ذلك : يا سليمان هذا أعلم هاشمي ، ثمّ تفرّق القوم (٢).

[ ٤٣٨ / ١٠ ] وبإسنادي إلى محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبدالرحمن قال : قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : « يا يونس لا تقل بقول القدرية ، فإنّ القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنّة ، ولا بقول أهل النار ، ولا بقول إبليس ، فإنّ أهل الجنّة قالوا ( الحمد لله

__________________

١ ـ الاسراء ١٧ : ٨٦.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٧٩ / ١ ، التوحيد : ٤٤١ / ١ ، وأورده الطبرسي باختصار في الاحتجاج ٢ : ٣٦٥ / ٢٨٤.

٣٧٩

الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) (١) وقال أهل النار ( ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوماً ضالّين ) (٢) وقال إبليس ( ربّ بما أغويتني ) (٣) » فقلت : والله ما أقول بقولهم ، ولكنّي أقول : لا يكون إلاّ بما شاء الله عزّ وجلّ وأراد وقدّر وقضى.

قال : فقال عليه‌السلام : « يا يونس ليس هكذا ، لا يكون إلاّ ما شاء الله عزّ وجلّ ، وأراد وقدّر وقضى ، يا يونس تعلم ما المشيئة؟ » فقلت : لا ، فقال : « هي الذكر الأول ، فتعلم ما الإرادة؟ » قلت : لا ، قال : « هي العزيمة على ما يشاء » قال : فتعلم ما القدر؟ قلت : لا ، قال : « هو الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء » قال : ثمّ قال : « والقضاء هو الإبرام واقامة العين » قال : فاستأذنته أن اُقبّل رأسه ، وقلت : فتحت لي شيئاً كنت عنه في غفلة (٤).

__________________

١ ـ الأعراف ٧ : ٤٣.

٢ ـ المؤمنون ٢٣ : ١٠٦.

٣ ـ الحجر ١٥ : ٣٩.

٤ ـ الكافي ١ : ١٥٧ / ٤ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٦ / ٤٩.

٣٨٠