مختصر البصائر

الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلي

مختصر البصائر

المؤلف:

الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلي


المحقق: مشتاق المظفّر
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-280-8
الصفحات: ٥٨٤

أنت يا سيدي من بعـدهم ، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : « الترتر (١) حمران ».

ثمّ قال : « يا حمران مد المطمر (٢) بينك وبين العالم » قلت : يا سيدي وما المطمر؟ قال : « أنتم تسمّونه خيط البناء ، فمن خالفك على هذا الأمر فزنديق » فقال حمران : وإن كان علويّاً فاطميّاً؟ فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : « وإن كان محمّديّاً علويّاً فاطميّاً » (٣).

[ ٣٧٤ / ٢٠ ] وبإسنادي إلى محمّد بن علي بن بابويه رحمه‌الله ، عن أبيه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن ابن سنان ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سدير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يقرّ به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ».

فقال : « إنّ في الملائكة مقرّبين وغير مقرّبين ، ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين ، ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين ، فعرض أمركم هذا على الملائكة فلـم يقرّ به إلاّ المقـرّبون ، وعـرض على الأنبياء فلم يقرّ به إلاّ المـرسلون ، وعرض على المؤمنين فلم يقرّ به إلاّ الممتحنون » قال : ثمّ قال لي : « مر في حديثك » (٤).

[ ٣٧٥ / ٢١ ] وبإسنادي عن محمّد بن يعقوب ، ( عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن

__________________

١ ـ التُرُّ : خيط يمدّ على البناء. الصحاح ٢ : ٦٠٠ ـ ترر.

٢ ـ المِطمَر : الزيج الذي يكون مع البنائين ، الصحاح ٢ : ٧٢٦ ـ طمر. ومراد قول الإمام عليه‌السلام لحمران أن لا يجعل بينه وبين إمامه واسطة ، وأن يميّز بين الحق والباطل.

٣ ـ معاني الأخبار : ٢١٢ / ١ ـ باب معنى الترتر والمطمر ، وعنه في البحار ٦٩ : ٣ / ٤.

٤ ـ معاني الأخبار : ٤٠٧ / ٨٣ ، وعنه في البحار ٢ : ١٨٤ / ٧.

٣٤١

محمّد بن عيسى ) (١) ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن المسيّب (٢) ، قال : سألت علي بن الحسين عليهما‌السلام ابن كم كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم (٣) أسلم؟ فقال : « أو كان كافراً؟ قط ، إنّما كان لعليّ حيث بعث الله عزّ وجلّ رسوله صلوات الله عليه وآله عشر سنين ، ولم يكن يومئذ كافراً ، ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسبق الناس كلّهم إلى الإيمان بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الصلاة بثلاث سنين.

وكانت أوّل صلاة صلاّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر ركعتين ، وكذلك فرضها الله تعالى على من أسلم بمكّة ركعتين ركعتين ( في الخمس صلوات ) (٤).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّيها بمكّة ركعتين ، ثمّ يصلّيها علي عليه‌السلام معه بمكّة ركعتين ، مدّة عشر سنين حتى هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة.

__________________

١ ـ ما بين القوسين لم يرد في نسختي « س ، ض » والمصدر. وقد أورده المجلسي في البحار عن الكافي ولم يورده في مرآة العقول.

٢ ـ سعيد بن المسيّب : ابن حزن بن أبي وهب القرشي المدني ، أبو محمّد المخزومي ، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكان سيد التابعين من الطراز الأول ، جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع ، ويروى عنه أنّه قال : حججت أربعين حجة ، وقال : ما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة ، لمحافظته على الصف الأول ، مات رحمه‌الله وله من العمر أربع وثمانين سنة. عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام.

انظر وفيات الأعيان ٢ : ٣٧٥ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٧٥ ، طبقات ابن سعد ٥ : ١١٩ ، رجال البرقي : ٨ ، رجال الطوسي : ٩٠ / ١.

٣ ـ في نسخة « س » : حين.

٤ ـ ما بين القوسين لم يرد في المصدر والبحار.

٣٤٢

وخلّف عليّاً عليه‌السلام في اُمور لم يكن يقوم بها أحد غيره ، وكان خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكّة في أول يوم من ربيع الأول ، وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث ، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول مع زوال الشمس ، ونزل بقبا (١) فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين.

ثمّ لم يزل مقيماً ينتظر علياً عليه‌السلام ، يصلّي الخمس صلوات ركعتين ركعتين ، وكان نازلاً على عمرو بن عوف (٢) ، فأقام عندهم بضعة عشر يوماً ، يقولون له : أتقيم عندنا فنتّخذ لك منزلاً ومسجداً؟ فيقول : لا ، إنّي أنتظر علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد أمرته أن يلحقني ، فلست مستوطناً منزلاً حتى يقدم عليّ عليه‌السلام ، وما أسرعه إن شاء الله ، فقدم علي عليه‌السلام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت (٣) عمرو بن عوف فنزل معه.

ثمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قدم علي عليه‌السلام تحوّل عن قبا إلى بني سالم بن عوف ـ وعلي عليه‌السلام معه ـ يوم الجمعة مع طلوع الشمس ، فخطّ لهم مسجداً ونصب قبلته ، فصلّى بهم الجمعة ركعتين وخطب خطبتين.

ثمّ راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها ، وعلي عليه‌السلام معه لا يفارقه ، يمشي بمشيته ، وليس يمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببطن من بطون الأنصار إلاّ قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم ، فيقول لهم : خلّوا سبيل الناقة فإنّها مأمورة ، فانطلقت به ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واضع لها زمامها حتى انتهت إلى هذا الموضع الذي ترى ـ

__________________

١ ـ قُبا : وأصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار ، وهي ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة ، وهناك مسجد التقوى عامر ، قدّامه رصيف وفضاء حسن وآبار ومياه عذبة. معجم البلدان ٤ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.

٢ ـ في نسخة : بني عمرو بن عوف. حاشية نسخة « س ».

٣ ـ في نسختي « س و ض » : بني. بدل : بيت.

٣٤٣

وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يصلّي عنده بالجنائز ـ فوقفت عنده وبركت ، ووضعت جرانها على الأرض.

فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقبل أبو أيّوب (١) مبادراً حتى احتمل رحله فأدخله منزله ، ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام معه حتى بنى له مسجداً ، وبنيت له مساكنه ومسكن علي عليه‌السلام ، فتحوّلا إلى منازلهما ».

فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين عليه‌السلام : جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه؟ فقال له : « إنّ أبا بكر لمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم علي عليه‌السلام ، قال له أبو بكر : انهض بنا إلى المدينة فانّ القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون (٢) إقبالك إليهم ، فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً ، فما أظنّه يقدم عليك إلى شهر.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلاّ ما أسرعه ، ولست أريم (٣) حتى يقدم ابن عـمّي

__________________

١ ـ أبو أيوب : هو خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي ، صحابي شهد العقبة وبدراً واُحداً والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبين مصعب بن عمير ، وقال الكشي : وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

عدّه البرقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكره في آخر كتابه في عداد المنكرين على أبي بكر ، وعدّه الطوسي من أصحاب رسول الله والإمام علي بن أبي طالب صلّى الله عليهما وآلهما. توفي في غزاة القسطنطينية سنة خمسين ، وقيل : إحدى وقيل اثنتين وخمسين.

اُنظر الاصابة ١ : ٤٠٥ / ٢١٦٣ ، واُسد الغابة ٢ : ٨٠ ، رجال البرقي : ٢ و ٦٣ ، ورجال الطوسي ١٨ / ٢ ٤٠ / ١ ، ورجال الكشي : ٣٨ / ٧٨.

٢ ـ ريث : أبطأ ، وما أراثك علينا؟ أي ما أبطأ بك عنّا. الصحاح ١ : ٢٨٤ ـ ريث.

٣ ـ في نسخة « س » : بناهض.

٣٤٤

وأخي في الله عزّوجـلّ ، وأحبّ أهل بيـتي إليّ ، فقد وقاني بنفسه من المشركين.

قال : فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأزّ ، وداخله من ذلك حسد لعلي عليه‌السلام ، فكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ عليه‌السلام ، وأول خلاف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانطلق حتى دخل المدينة ، وتخلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقبا ينتظر علياً عليه‌السلام ».

قال : فقلت لعلي بن الحسين عليهما‌السلام : فمتى زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام من علي عليه‌السلام؟ فقال : « بالمدينة بعد الهجرة بسنة ، وكان لها يومئذ تسع سنين.

قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : ولم يولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها‌السلام ، وقد كانت خديجة رضي الله عنها ماتت قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب رحمه‌الله بعد موت خديجة رحمها الله بسنة.

فلمّا فقدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئم المقام بمكة ، ودخله حزن شديد ، وأشفق على نفسه من كفار قريش ، فشكا إلى جبرئيل عليه‌السلام ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه : اخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة ، فليس لك اليوم بمكّة ناصر ، وانصب للمشركين حرباً ، فعند ذلك توجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ».

قلت له : متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال : « بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الاسلام ، وكتب الله على المسلمين الجهاد ، زاد رسول الله في الصلاة سبع ركعات ، في الظهر ركعتين ، وفي العصر ركعتين ، وفي المغرب ركعة ، وفي العشاء الآخرة ركعتين ، وأقرّ الفجر على ما فرضت بمكة لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ، وتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ، فكان ملائكة

__________________

ورام يريم : إذا برح وزال من مكانه. النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٩٠ ـ ريم.

٣٤٥

الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الفجر ، فلذلك قال الله عزّ وجلّ ( وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً ) (١) يشهده المسلمون ، وتشهده ملائكة النهار وملائكة الليل » (٢).

__________________

١ ـ الاسراء ١٧ : ٧٨.

٢ ـ الكافي ٨ : ٣٣٨ / ٥٣٦ ، وعنه في البحار ١٩ : ١١٥ / ٢.

٣٤٦

أحاديث

القضاء والقدر

[ ٣٧٦ / ١ ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ، قال : أخبرنا أحمد بن هارون القاضي (١) وجعفر بن محمّد بن مسرور ، قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطّة ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عن أبيه عليه‌السلام أنّ رجلاً قام إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له يا أمير المؤمنين بما عرفت ربّك؟ فقال عليه‌السلام : بفسخ العزم ، ونقض الهمم ، لمّا أن هممت حال بيني وبين همّي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، فعلمت أنّ المدبّر غيري » (٢). والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

[ ٣٧٧ / ٢ ] وبالإسناد عنه قال : حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني (٣) ،

__________________

١ ـ في الخصال : الفامي. وقد عدّه الشيخ الطوسي فيمن لم يرو عنهم عليهم‌السلام. رجال الطوسي : ٤٤٨ / ٥٩.

٢ ـ الخصال : ٣٣ / ١ ، وأورده أيضاً بسند آخر في التوحيد : ٢٨٨ / ٦ ، وعنهما في البحار ٣ : ٤٢ / ١٧.

٣ ـ إبراهيم بن عمر اليماني : الصنعاني شيخ من أصحابنا ثقة ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله

٣٤٧

عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ الله عزّ وجلّ خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه ، وأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلاّ بإذن الله تعالى » (١).

[ ٣٧٨ / ٣ ] وبالإسناد عنه قال : حدّثني أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن (٢) ، عن حفص بن قرط (٣) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من زعم أنّ الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أنّ الخير والشرّ بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه ، ومن زعم أنّ المعاصي بغير قوّة الله فقد كذب على الله ، ومن

__________________

عليهما‌السلام عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما‌السلام قائلاً : له اصول رواها عنه حماد ابن عيسى ، وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الباقر والكاظم عليهما‌السلام.

انظر رجال النجاشي : ٢٠ / ٢٦ ، رجال البرقي : ١١ و ٤٧ ، رجال الطوسي : ١٠٣ / ٧ و ١٤٥ / ٥٨.

١ ـ التوحيد : ١٥٩ / ١ ، وبسند آخر في ص ٣٤٩ / ٨ ، وأورده الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٣٣٠ / ٢٦٨ ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام.

٢ ـ يونس بن عبدالرحمن : مولى علي بن يقطين بن موسى ، أبو محمّد ، كان وجهاً في أصحابنا ، عظيم المنزلة ، ولد في أيام هشام بن عبدالملك ، ورأى جعفر بن محمّد عليه‌السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، روى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما‌السلام ، وكان الإمام الرضا عليه‌السلام يشير إليه في العلم والفتيا. عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الكاظم والرضا عليهما‌السلام.

انظر رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٨ ، رجال البرقي : ٤٩ و ٥٤ ، رجال الطوسي : ٣٦٤ / ١١ و ٣٩٤ / ٢.

٣ ـ في نسختي « س و ض » : جعفر بن قرط.

٣٤٨

كذب على الله أدخله الله النار » (١).

قوله عليه‌السلام : « ومن زعم أنّ الخير والشرّ بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه ».

ومثله ما روي في الحديث عن حريم الحسين بن علي عليه‌السلام « شاء الله أن يراهنّ سبايا » (٢).

إعلم أنّ المشيئة قد تكون مشيئة حتم ، كمشيئة الله سبحانه وتعالى لخلقنا على الصفات الجارية في علمه السابق فهو يقع كما شاء ، وقد تكون مشيئته تخلية للعبد بينه وبين فعله ، كما يخلّي الله سبحانه بين العصاة وبين معاصيهم ، إذ لم يتفضّل عليهم ويعصمهم منها ، فمشيئته فيها عدم عصمته لهم ، وتركه إيّاهم وأنفسهم بعد ما بيّن لهم من أمره ونهيه ، فوافق علمه السابق في علمه لتمام حكمته ، وبلوغ ما جرى من علمه من الثواب للمطيع ، والعقاب للعاصي.

فمشيئته في الشرّ : التخلية من غير عصمة ، وإذا لم يشأ عصم ، كما خلّى بين آدم عليه‌السلام وأكل الشجرة التي نهاه الله تعالى عنها ، وكان أكله سبباً لخروج الذرّية ـ المأخوذة العهد والميثاق عليها ـ إلى هذه الدار على هذه الصفة ، على ما جرى في علمه سبحانه أنّه كائن ولا بدّ منه ، والأكل من الشجرة أصله وسببه ، فنهاه سبحانه عن الأكل منها ، وشاء أن يخلّي بينه وبينها ، ولا يعصمه في تلك الحال كما عصم

__________________

١ ـ التوحيد : ٣٥٩ / ٢ ، وعنه في البحار ٥ : ٥١ / ٨٥.

٢ ـ اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس : ١٢٨ ، وفيه : إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا ، وعنه في البحار ٤٤ : ٣٦٤. في مكالمة الإمام الحسين عليه‌السلام مع أخيه محمّد بن الحنفية رضوان الله عليه.

٣٤٩

يوسف عليه‌السلام لما علم منهما من وجه الحكمة ( لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ) (١).

[ ٣٧٩ / ٤ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن العباس بن معروف ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن ظريف بن ناصح ، عن أبي الحصين ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « سُئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الساعة ، فقال : عند إيمان بالنجوم ، وتكذيب بالقدر » (٢).

[ ٣٨٠ / ٥ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي ، قال : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدّثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن غير واحد ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام قالا : « إنّ الله عزّ وجلّ أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثمّ يعذّبهم عليها ، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون ».

قال : فسُئلا عليهما‌السلام هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : « نعم ، أوسع ممّا بين السماء والأرض » (٣).

[ ٣٨١ / ٦ ] وبالإسناد عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (٤) ،

__________________

١ ـ الأنبياء ٢١ : ٢٣.

٢ ـ الخصال : ٦٢ / ٨٧ ، وعنه في البحار ٦ : ٣١٣ / ١٩ ، و ٥٨ : ٢٢٥ / ٦.

٣ ـ التوحيد : ٣٦٠ / ٣ ، وعنه في البحار ٥٠ : ٥١ / ٨٢.

٤ ـ محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد : أبو جعفر شيخ القمّيين ، وفقيههم ، ومتقدّمهم ، ووجههم ، ويقال : إنّه نزيل قم وما كان أصله منها ، ثقة ثقة عين ، مسكون إليه. وهو شيخ الصدوق ، يروي عنه كثيراً في كتبه.

٣٥٠

قال : حدّثنا الحسن بن متيل ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ الله أكرم من أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون ، والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد » (١).

[ ٣٨٢ / ٧ ] وبالإسناد عنه ، عن علي بن عبدالله الورّاق ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن إسماعيل بن سهل ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمّد بن عجلان ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام فوّض الله تعالى الأمر إلى العباد؟ فقال : « الله أكرم من أن يفوّض إليهم » قلت : فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال : « ( الله أعدل ) (٢) من أن يجبر عبداً على فعل ثمّ يعذّبه عليه » (٣).

[ ٣٨٣ / ٨ ] وبالإسناد عنه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : ذكر عنده الجبر والتفويض ، فقال : « ألا اُعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ، ولا تخاصمون عليه أحداً إلاّ كسرتموه؟ » قلنا : إن رأيت ذلك ، فقال : « إنّ الله عزّ وجلّ لم يُطَع بإكراه ، ولم يُعصَ بغلبة ، ولم يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن ائتمر العباد بطاعته عزّ وجلّ لم يكن الله عنها صادّاً ، ولا

__________________

وقال الشيخ : جليل القدر عارف بالرجال ، موثوق به ، بصير بالفقه. وعدّه في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم‌السلام.

مات رحمه‌الله سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.

انظر رجال النجاشي : ٣٨٣ / ١٠٤٢ ، فهرست الشيخ : ٢٣٧ / ٧٠٩ ، رجال الشيخ : ٤٩٥ / ٢٣.

١ ـ التوحيد : ٣٦٠ / ٤ ، وعنه في البحار ٥ : ٥٢ / ٨٧ ، وفيه : الناس. بدل : خلقه.

٢ ـ في نسخة « س » : تعالى الله. بدل ما بين القوسين.

٣ ـ التوحيد : ٣٦١ / ٦ ، وعنه في البحار ٥ : ٥١ / ٨٣.

٣٥١

منها مانعاً ، وإن ائتمروا بمعصية الله فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه.

ثم قال عليه‌السلام : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه » (١).

[ ٣٨٤ / ٩ ] وبالإسناد عنه ، عن أبيه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن عبدالله بن سليمان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إنّ القضاء والقدر خلقان من خلق الله ، والله يزيد في الخلق ما يشاء » (٢).

[ ٣٨٥ / ١٠ ] وبالإسناد عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن درست (٣) ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة (٤) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في القضاء والقدر؟ قال : « أقول : إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم

__________________

١ ـ التوحيد : ٣٦١ / ٧ ، وأورده أيضاً في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٤٤ / ٤٨ ، والمفيد في الاختصاص : ١٩٨ ، والطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٣٩٩ / ٣٠٥. من قوله عليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ لم يطع بإكراه.

٢ ـ التوحيد : ٣٦٤ / ١ ، وعنه في البحار ٥ : ١١١ / ٣٦.

٣ ـ درست : ابن أبي منصور محمّد الواسطي ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما‌السلام. عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الامام الصادق والكاظم عليهما‌السلام.

انظر رجال النجاشي : ١٦٢ / ٤٣٠ ، رجال البرقي : ٤٨ و ٤٩ ، رجال الطوسي : ١٩١ / ٣٦ و ٣٤٩ / ٣.

٤ ـ زرارة لم يرد في المصدر.

٣٥٢

عمّا عهد إليهم ، ولا يسألهم عمّا قضى عليهم » (١).

[ ٣٨٦ / ١١ ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه رحمه‌الله ، قال : حدّثني علي بن أحمد الرازي ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر الأسدي ، قال : حدّثني محمّد بن أبي القاسم ، قال : حدّثني إسحاق بن إبراهيم العطّار (٢) ، قال : حدّثني علي بن موسى البصري ، قال : حدّثني سليمان بن عيسى الشحري (٣) ، قال : حدّثنا اسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : « إنّ أرواح القدريّة تعرض على النار غدوّاً وعشيّاً حتى تقوم الساعة ، فإذا قامت الساعة عذّبوا مع أهل النار بأنواع العذاب ، فيقولون : يا ربّنا عذّبتنا خاصّة وتعذّبنا عامّة ، فيردّ عليهم ( ذوقوا مسّ سقر * إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر ) (٤) » (٥).

[ ٣٨٧ / ١٢ ] وبالإسناد إلى محمّد بن علي ، قال : حدّثني علي بن أحمد ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي بشر (٦) ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى الدامغاني ، قال : حدّثنا محمّد بن خالد البرقي ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عمّن حدّثه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « ما أنزل الله هذه الآيات إلاّ في القدرية ( إنّ المجرمين في ضَلال وسُعُر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر * إنّا كلّ

__________________

١ ـ التوحيد : ٣٦٥ / ٢ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٢ / ٣٨.

٢ ـ في نسختي « س و ض » : القطان.

٣ ـ في نسخة « س » : السنجري ، وفي المصدر : السجزي.

٤ ـ القمر ٥٤ : ٤٨ ـ ٤٩.

٥ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٢ / ١ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٧ / ٥٠.

٦ ـ في نسخة « س » : نصر.

٣٥٣

شيء خلقناه بقدر ) (١) » (٢).

[ ٣٨٨ / ١٣ ] وبالإسناد عن محمّد بن علي ، قال : حدّثني علي بن أحمد ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر ، قال : حدّثني مسلمة (٣) بن عبدالملك ، قال : حدّثني داود بن سليمان ، عن أبي الحسن علي بن موسى ، عن أبيه ، عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان من اُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة ، والقدرية » (٤).

[ ٣٨٩ / ١٤ ] وبالإسناد عن محمّد بن علي بن الحسين ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، قال : حدّثني سعد بن عبدالله ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : حدّثني أبي أنّه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « يُحشر المكذّبون بقدر الله من قبورهم ، قد مسخوا قردة وخنازير » (٥).

[ ٣٩٠ / ١٥ ] وبالإسناد عن محمّد بن علي بن الحسين ، قال : حدّثني محمّد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدّثني عبدالله بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة بن أعين ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « نزلت هذه الآية في القدرية ( ذوقوا

__________________

١ ـ القمر ٥٤ : ٤٧ ـ ٤٩.

٢ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٢ / ٢ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٨ / ٥١.

٣ ـ في نسخة « س » والمختصر المطبوع : سلمة.

٤ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٢ / ٣ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٨ / ٥٢.

٥ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٣ / ٤ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٨ / ٥٣.

٣٥٤

مسّ سقر * إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر ) (١) » (٢).

[ ٣٩١ / ١٦ ] وبالإسناد عن محمّد بن علي بن الحسين ، قال : حدّثني محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، قال : حدّثني الحسين بن يزيد النوفلي (٣) ، عن إسماعيل بن مسلم السكوني ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : « يجاء بأصحاب البِدَع يوم القيامة ، فترى القدرية من بينهم كالشامة البيضاء في الثور الأسود ، فيقول الله عزّ وجلّ : ما أردتم؟ فيقولون : أردنا وجهك ، فيقول : قد أقلتكم عثراتكم ، وغفرت لكم زلاّتكم إلاّ القدرية ، فإنّهم دخلوا في الشرك من حيث لا يعلمون » (٤).

[ ٣٩٢ / ١٧ ] وبهذا الإسناد عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنّه دخل عليه مجاهد مولى عبدالله بن العباس (٥) فقال : يا أمير المؤمنين ما تقول في كلام

__________________

١ ـ القمر ٥٤ : ٤٨ ـ ٤٩.

٢ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٣ / ٥ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٨ / ٥٤.

٣ ـ الحسين بن يزيد النوفلي : ابن محمّد بن عبدالملك نوفل النخع مولاهم ، كوفي أبو عبدالله ، كان شاعراً أديباً ، وسكن الري ومات بها. عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام.

انظر رجال النجاشي : ٢٨ / ٧٧ ، رجال البرقي : ٥٤ ، رجال الطوسي : ٣٧٣ / ٢٥.

٤ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٣ / ٦ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٩ / ٥٧.

٥ ـ عبدالله بن عباس : ابن عبدالمطلب الهاشمي القرشي المكي ، من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان محباً لعليّ عليه‌السلام ، وتلميذه ، وحاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه‌السلام أشهر من أن يخفى ، وذكره ابن داود في القسم الأول من رجاله قائلاً : وحاله أعظم من أن يشار إليه في

٣٥٥

القدرية (١)؟ ـ ومعه جماعة من الناس ـ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « معك أحد منهم ـ أو في البيت أحد منهم ـ؟ » قال : ما تصنع بهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : « استتيبهم وإلاّ ضربت أعناقهم » (٢).

[ ٣٩٣ / ١٨ ] ورويت باسنادي إلى الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه رحمه‌الله رفع الحديث إلى الصادق عليه‌السلام أنّه قال لزرارة حين سأله ، فقال : ما تقول في القضاء والقدر؟ قال : أقول « إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عمّا عهد إليهم ، ولم يسألهم عمّا قضى عليهم » (٣).

__________________

الفضل والجلالة ومحبة أمير المؤمنين وانقياده إلى قوله.

وقال الذهبي : حبر الاُمة ، وفقيه العصر ، وامام التفسير ، صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نحواً من ثلاثين شهراً ، ولد قبل الهجرة بسنتين ، وتوفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

وله مفاخرة مع معاوية وعمرو بن العاص وقد ألقمهما حجراً ، رواها الصدوق في الخصال وذكرها ابن خلكان في وفيات الأعيان.

عدّه البرقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزاد الشيخ عليه الإمام أمير المؤمنين والحسين عليهما‌السلام.

توفي رحمه‌الله سنة ثمان وسبعين بالطائف وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وقد كفّ بصره ، فصلّى عليه ابن الحنفية.

انظر خلاصة الاقوال : ١٩٠ / ٥٨٦ ، رجال ابن داود : ١٢١ / ٨٨٠ ، رجال البرقي : ٢ ، رجال الطوسي : ٢٢ / ٦ و ٤٦ / ٣ و ٧٧ / ١٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٣١ / ٥١ ، وفيات الأعيان ٣ : ٦٢ / ٣٣٨.

١ ـ في المصدر : أهل القدر.

٢ ـ عقاب الأعمال : ٢٥٣ / ٧ ، وعنه في البحار ٥ : ١٢٠ / ٥٩.

٣ ـ تقدّم برقم حديث ٣٨٤.

٣٥٦

[ ٣٩٤ / ١٩ ]ورويت بطريق الصدوق أيضاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال للذي سأله عن القدر : « بحر عميق فلا تلجه » ثمّ سأله ثانية عن القدر ، فقال : « طريق مظلم فلا تسلكه » ثمّ سأله ثالثة عن القدر ، فقال : « سرّ الله فلا تتكلّفه » (١).

[ ٣٩٥ / ٢٠ ] وروى رحمه‌الله أيضاً عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال في القدر : « ألا إنّ القدر سرّ من سرّ الله ، وستر من ستر الله ، وحرز من حرز الله ، مرفوع في حجاب الله ، مطوي عن خلق الله ، مختوم بخاتم الله ، سابق في علم الله ، وضع الله العباد عن علمه ، ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم ، لأنّهم لا ينالونه بحقيقة الربانيّة ، ولا بقدرة الصمدانية ، ولا بعظمة النورانية ، ولا بعـزّة الوحدانية ، لأنّه بحر زاخر خالص لله عزّ وجلّ ، عمقه ما بين السماء والأرض ، عرضه ما بين المشرق والمغرب ، أسود كالليل الدامس ، كثير الحيات والحيتان ، يعلو مرّة ويسفل اُخرى ، في قعره شمس تضيء ، لا ينبغي أن يطّلع إليها إلاّ الله الواحد الفرد ، فمن تطلّع إليها فقد ضادّ الله في حكمه ، ونازعه في سلطانه ، وكشف عن سرّه وستره ، وباء بغضب من الله ، ومأواه جهنّم وبئس المصير » (٢).

[ ٣٩٦ / ٢١ ] وروي : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال عليه‌السلام : « أفرّ من قضاء الله تعالى إلى قدره » (٣).

__________________

١ ـ التوحيد : ٣٦٥ / صدر حديث ٣ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٠ / صدر حديث ٣٥ ، وأورده في اعتقاداته : ٣٤ ـ ضمن مصنّفات المفيد. ولم يرد الحديث في نسخة « س » والمختصر المطبوع.

٢ ـ التوحيد : ٣٨٣ / ٣٢ ، وأورده في اعتقاداته : ٣٤ ـ ضمن مصنّفات المفيد ، وعنه في البحار ٥ : ٩٧ / ٢٣.

٣ ـ التوحيد : ٣٦٩ / ٨ ، وأورده في اعتقاداته : ٣٥ ـ ضمن مصنّفات المفيد ، وعن التوحيد في

٣٥٧

[ ٣٩٧ / ٢٢ ] وبإسنادي إلى الصدوق محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن القاسم بن محمّد الاصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان بن عيينة (١) ، عن الزهري ، قال : قال رجل لعلي بن الحسين عليهما‌السلام : جعلني الله فداك أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟ فقال عليه‌السلام : « إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد ، فالروح بغير جسد لا تحسّ ، والجسد بغير روح صورة لا حراك لها ، فإذا اجتمعا قويا وصلحا ، كذلك العمل والقدر ، فلو لم يكن القدر واقعاً على العمل ، لم يعرف الخالق من المخلوق ، وكان القدر شيئاً لا يحسّ ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتمّ ، ولكنّهما باجتماعهما قويا ، ولله فيه العون لعباده الصالحين.

ثمّ قال عليه‌السلام : ألا إنّ من أجور الناس من رأى جوره عدلاً وعدل المهتدي جوراً ، ألا إنّ للعبد أربعة أعين : عينان يبصر بهما أمر آخرته ، وعينان يبصر بهما أمر دنياه ، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه ، فأبصر بهما العيب ، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه » ثمّ التفت إلى السائل عن القدر فقال : « هذا منه هذا منه » (٢).

[ ٣٩٨ / ٢٣ ] وبإسنادي إلى الصدوق محمّد بن علي رحمه‌الله ، عن أبيه ، قال : حدّثنا أحمد بن ادريس ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد ، عن يوسف بن الحارث ، عن محمّد بن

__________________

البحار ٥ : ١١٤ / ٤١ ، وعن الاعتقادات في ص ٩٧ / ٢٤.

١ ـ سفيان بن عيينة : ابن أبي عمران الهلالي ، مولاهم أبو محمّد الكوفي ، أقام بمكة ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام.

رجال النجاشي : ١٩٠ / ٥٠٦ ، رجال الطوسي : ٢١٢ / ١٦٣ ، رجال البرقي : ٤١.

٢ ـ التوحيد : ٣٦٦ / ٤ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٢ / ٣٩.

٣٥٨

عبدالرحمن العرزمي ، عن أبيه عبدالرحمن بإسناده رفعه إلى من قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « قدّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة » (١).

[ ٣٩٩ / ٢٤ ] وبإسنادي إلى الصدوق محمّد بن علي بن الحسين ، قال : حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عمر (٢) بن علي البصري ، قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن الحسن المثنّى ، قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن مهرويه القزويني ، قال : حدّثنا أبو أحمد الغازي ، قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، قال : حدّثنا أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثنا أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنا أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثنا أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثنا أبي الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : « الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض وفضائل ومعاصي.

فأمّا الفرائض : فبأمر الله ، وبرضاء الله ، وبقضاء الله وتقديره ، ومشيئته وعلمه.

وأمّا الفضائل : فليست بأمر الله عزّ وجلّ ، ولكن برضاء الله ، وبقضاء الله ، وبقدر الله ، وبمشيئته وبعلمه (٣).

وأمّا المعاصي : فليست بأمر الله عزّ وجلّ ، ولكن بقضاء الله ، وبقدر الله ، وبمشيئته وبعلمه ، ثمّ يعاقب عليها » (٤).

[ ٤٠٠ / ٢٥ ] وباسنادي إلى محمّد بن علي الصدوق رحمه‌الله ، قال : حدّثنا الحسين بن

__________________

١ ـ التوحيد : ٣٦٨ / ٧ ، وعنه في البحار ٥ : ١١٤ / ٤٣.

٢ ـ في التوحيد والخصال والعيون : عمرو ، وكلاهما لم يردا في نسختي « س و ض ».

وقد أشار محقق التوحيد في الهامش بأن في نسختي « ن وط » : عمر.

٣ ـ في نسختي « س و ض » : وبقضاء الله وبمشية الله ، وبعلم الله.

٤ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٤٢ / ٤٤ ، الخصال : ١٦٨ / ٢٢١ ، التوحيد : ٣٦٩ / ٩.

٣٥٩

إبراهيم بن أحمد المؤدّب ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « قال الله جلّ جلاله : من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري ».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « في كلّ قضاء الله عزّ وجلّ خِيَرَة (١) للمؤمن » (٢).

[ ٤٠١ / ٢٦ ] وعن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أمّا بعد فإنّ الإهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف (٣) ، وفيه تضييع الزاد ، والإقبال على الآخرة غير ناقص من المقدور ، وفيه إحراز المعاد » (٤).

[ ٤٠٢ / ٢٧ ] وبإسنادي إلى الصدوق محمّد بن علي رحمه‌الله قال : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي الصهبان (٥) ، قال : حدّثنا

__________________

١ ـ في نسختي « س و ض » : خير.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٤١ / ٤٢ ، التوحيد : ٣٧١ / ١١ ، وعنهما في البحار ٧١ : ١٣٨ / ٢٥.

٣ ـ الوظيفة من كلّ شيء : ما يقدّر له في كلّ يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب ، وجمعها الوظائف والوُظُف : لسان العرب ٩ : ٣٥٨ ـ وظف.

٤ ـ التوحيد : ٣٧٢ / ١٥ ، وعنه في نور البراهين ٢ : ٣٢٣ / ١٥.

٥ ـ في نسختي « س و ض » : محمّد الاصبهاني.

ومحمّد بن أبي الصهبان : واسم أبي الصهبان : عبدالجبار ، قمّي ثقة عدّه الشيخ من أصحاب

٣٦٠