مختصر البصائر

الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلي

مختصر البصائر

المؤلف:

الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلي


المحقق: مشتاق المظفّر
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-280-8
الصفحات: ٥٨٤

فلمّا انصرف قال : « يا معتّب ترى هذا الموضع؟ » قلت : نعم ، قال : « بينا أبي عليه‌السلام قائم يصلّي في هذا المكان ؛ إذ دخل شيخ يمشي ، حسن السمت فجلس ، فبينا هو جالس إذ جاء رجل أدِم حسن الوجه والسمت ، فقال للشيخ : ما يُجلسك؟ ليس بهذا اُمرت ، فقاما وانصرفا وتواريا عنّي فلم أرَ شيئاً.

فقال لي أبي : يا بني هل رأيت الشيخ وصاحبه؟ قلت : نعم ، فمن الشيخ ومن صاحبه؟ قال : الشيخ ملك الموت ، والّذي جاء وأخرجه جبرئيل عليه‌السلام » (١).

[ ٣٤٨ / ٣٧ ] وروى جماعة ، عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه ، أخبرنا أبي ، أخبرنا سعد بن عبدالله ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، أخبرنا الحسين بن سعيد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن فضيل الرسّان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « أنّ رجلاً قال لعليّ عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما نطمئنّ به ، ممّا أنهى إليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم وقلتم : إنّي ساحر كذّاب وكاهن ، وهو من أحسن قولكم ، قالوا : ما منّا أحد إلاّ وهو يعلم أنّك ورثت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصار إليك علمه ، قال : علم العالم شديد ، لا يحتمله إلاّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأيّده بروح منه ».

ثمّ قال : « إذا أبيتم إلاّ أن اُريكم بعض عجائبي ، وما آتاني الله من العلم ، فاتّبعوا أثري إذا صلّيت العشاء الآخرة ، فلمّا صلاّها أخذ طريقه إلى ظهر الكوفة (٢) ، فاتّبعه سبعون رجلاً ـ كانوا في أنفسهم خيار الناس ـ من شيعته.

فقال لهم عليّ عليه‌السلام : إنّي لست اُريكم شيئاً حتى آخذ عليكم عهد الله وميثاقه ،

__________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٧٥٩ / ٧٣ ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : ٢٣٣ / ١ ، باختلاف يسير.

٢ ـ وهو النجف الأشرف حالياً.

٣٢١

أن لا تكفروا بي ، ولا ترموني بمعضلة ، فوالله ما اُريكم إلاّ ما علّمني رسول الله عليه‌السلام ، فأخذ عليهم العهد والميثاق ، أشدّ ما أخذ الله على رسله من عهد وميثاق.

ثمّ قال : حوّلوا وجوهكم عنّي حتى أدعو بما اُريد ، فسمعوه جميعاً يدعو بدعوات لا يعرفونها.

ثمّ قال : حوّلوا وجوهكم ، فحوّلوا فإذا هم بجنّات وأنهار ، وقصور من جانب ، وسعير تتلظّى من جانب ، حتى أنّهم ما شكّوا أنّهما الجنة والنار ، فقال أحسنهم قولاً : إنّ هذا لسحر عظيم ، ورجعوا كفاراً إلاّ رجلين.

فلمّا رجع مع الرجلين قال لهما : قد سمعتما مقالتهم ، وأخذي عليهم العهود والمواثيق ، ورجوعهم يكفّرونني.

أما والله إنّها لحجّتي عليهم غداً عند الله ، فإنّ الله تعالى يعلم أنّي لست بساحر ولا كاهن ، ولا يُعرف هذا لي ولا لآبائي ، ولكنّه علم الله وعلم رسوله ، أنهاه الله إلى رسوله ، وأنهاه رسوله إليّ ، وأنهيته إليكم ، فاذا رددتم عليّ ، رددتم على الله ، حتى إذا صار إلى باب مسجد الكوفة دعا بدعوات يسمعان ، فإذا حصى المسجد درّ وياقوت ، فقال لهما : ماذا تريان؟ قالا : هذا درّ وياقوت ، فقال : صدقتما ، لو أقسمت على ربّي فيما هو أعظم من ذلك لأبرّ قسمي ، فرجع أحدهما كافر ، وأمّا الآخر فثبت.

فقال عليه‌السلام : إن أخذت منه شيئاً ندمت ، وإن تركت ندمت ، فلم يدعه حرصه حتى أخذ درّة فصرّها في كمّه ، حتى إذا أصبح نظر إليها فإذا هي درّة بيضاء ، لم ينظر الناس إلى مثلها قط ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أخذت من ذلك الدرّ واحدة وهي معي ، قال : وما دعاك إلى ذلك؟ قال : أحببت أن أعلم أحقّ هو أم باطل!.

قال : إنّك إن رددتها إلى موضعها الذي أخذتها منه عوّضك الله منها الجنّة ، وإن أنت لم تردّها عوّضك الله منها النار ، فقام الرجل فردّها إلى موضعها الذي

٣٢٢

أخذها منه ، فحوّلها الله حصاة كما كانت ». قال بعض الناس : كان هذا ميثم التمار (١) ، وقال بعضهم : عمرو بن الحمق (٢) (٣).

__________________

١ ـ ميثم التمّار : هو ميثم بن يحيى التمار ، عدّه البرقي من أصحاب الإمام علي عليه‌السلام من شرطة الخميس ، وزاد الشيخ عليه الامامين الحسن والحسين عليهما‌السلام. وعدّه المفيد من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وكان ممّا علّمه الإمام علي عليه‌السلام علم المنايا حيث قال ذات يوم لابن عباس : كيف بك إذا رأيتني مصلوباً تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة. وقد حدث ذلك.

وقال الشيخ المظفر : اتفقت الروايات أنّ يوم قتله كان قبل قدوم الإمام الحسين عليه‌السلام إلى كربلاء بعشرة أيام ، وكان قدومه عليه‌السلام في الثاني من محرم الحرام.

رجال البرقي : ٤ ، رجال الطوسي : ٥٨ / ٦ و ٧٠ / ٣ و ٧٩ / ١ ، رجال الكشي : ٨٠ / ١٣٦ ، ميثم التمار للمظفر : ٧٤.

٢ ـ عمرو بن الحمق : هو الخزاعي ، عربي ، عدّه البرقي من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن شرطة الخميس ، وزاد الشيخ عليه الإمام الحسن عليه‌السلام.

وقال ابن حجر : له صحبة شهد مع علي عليه السلام حروبه ، وقال ابن شهرآشوب جعله أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل وصفين على الكمين. وعدّه الشيخ المفيد من أصفياء الإمام علي عليه السلام.

وقال الأميني : ولما قُتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، بعث معاوية في طلب أنصاره ، فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق ، فراغ منه ، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد ، فحبسها في سجن دمشق سنتين ، ثم إنّ عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو في بعض الجزيرة فقتله ، وبعث برأسه إلى معاوية ، قتل رحمه الله بالحرة سنة خمسين أو إحدى وخمسين.

انظر رجال الطوسي : ٤٧ / ٦ و ٦٩ / ٢ ، رجال البرقي : ٤ ، الاختصاص : ٣ ، المناقب ٣ : ١٨١ و ١٩٧ ، أعيان الشيعة ٨ : ٣٧٦ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٢٢ / ٣٧.

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٦٢ / ٧٩.

٣٢٣

[ ٣٤٩ / ٣٨ ] وعن قُتيبة بن الجهم ، قال : لمّا دخل عليّ عليه‌السلام إلى بلاد صفّين نزل بقرية يقال لها : صندوداء (١) فعبر عنها ، وعرّس (٢) بنا في أرض بلقع (٣) ، فقال له مالك بن الحارث الأشتر : نزلت على غير ماء! فقال عليه‌السلام : « إنّ الله تعالى يسقينا في هذا الموضع ماءً أصفى من الياقوت وأبرد من الثلج » فتعجّبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فوقف على أرض ، فقال : « يا مالك احتفر أنت وأصحابك » فاحتفرنا فاذا نحن بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة تبرق كاللجين (٤) ، فلم نستطع أن نزيلها.

فقال علي عليه‌السلام : « اللّهم إنّي أسألك أن تمدّني بحسن المعونة » وتكلّم بكلام حسبناه سريانياً ، ثمّ أخذها فرمى بها ، فظهر لنا ماء عذب ، فشربنا منه ، وسقينا دوابّنا ، ثم ردّ الصخرة عليه ، وأمرنا أن نحثوا عليها التراب.

فلمّا سرنا غير بعيد ، قال عليه‌السلام : « من يعرف منكم موضع العين؟ » قلنا كلّنا نعرف ، فرجعنا فخفي علينا أشدّ خفاء ، فإذا نحن بصومعة راهب ، فدنونا منها ومنه ، فقلنا : هل عندك ماء؟ فسقانا ماءً مرّاً جشباً (٥) ، فقلنا له : لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا من عين هاهنا ، قال : صاحبكم نبيّ؟ قلنا : وصيّ نبيّ ، فانطلق معنا

__________________

١ ـ صندوداء : قرية كانت في غربي الفرات فوق الأنبار ، خربت ، وبها مشهد لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام. مراصد الاطلاع ٢ : ٨٥٣.

٢ ـ عرّس : التعريس : نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة ثم يرتحلون. الصحاح ٣ : ٩٤٨ ـ عرس.

٣ ـ بلقع : الأرض القفر التي لا شيء بها. الصحاح ٣ : ١١٨٨ ـ بلقع.

٤ ـ اللجين : الفضة ، جاء مصغّراً كالثريا. الصحاح ٦ : ٢١٩٣ ـ لجن.

٥ ـ الجشب : الغليظ. القاموس المحيط ١ : ٤٦ ـ جشب.

٣٢٤

إلى عليّ عليه‌السلام ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « أنت شمعون؟ » قال : نعم ، هذا اسم سمّتني به اُمّي ، ما اطّلع عليه أحد إلاّ الله.

ثمّ قال : ما اسم هذه العين؟ قال عليه‌السلام : « عين راحوما من الجنّة ، شرب منها ثلاثمائة نبي وثلاثمائة وصي ، وأنا خير الوصيّين شربت منها » قال الراهب : هكذا وجدت في جميع الكتب ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ محمّد.

ثمّ قال علي عليه‌السلام : « والله لو أنّ رجلاً منّا قام على جسر ثمّ عرضت عليه هذه الاُمّة لحدّثهم بأسمائهم وأنسابهم (١) » (٢).

[ ٣٥٠ / ٣٩ ] وعن أحمد وعبدالله ابني محمّد بن عيسى ، عن أبيهما ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله بن مسكان ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى ( وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) (٣) : « كشط الله لإبراهيم السماوات حتى نظر إلى ما فوق العرش ، ثمّ كشطت له الأرض حتى رأى ما تحت تخومها وما فوق الهواء ، وفعل بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك ، وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك » (٤).

[ ٣٥١ / ٤٠ ] وقال له أبو بصير : هل رأى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ملكوت السماوات

__________________

١ ـ في نسختي « س و ض » : وأبنائهم.

٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٦٤ / ٨٠ ، وأورده باختلاف الصدوق في الأمالي : ٢٥٠ / ١٤ ، وابن حمزة الطوسي في ثاقب المناقب : ٢٥٨ / ٤ ، وباختصار ابن شهرآشوب في المناقب ٢ : ٣٢٦.

٣ ـ الأنعام ٦ : ٧٥.

٤ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٦٦ / ٨١ ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : ١٠٧ / ٢.

٣٢٥

والأرض كما رأى ذلك إبراهيم؟ قال : « نعم وصاحبكم والأئمّة من بعده » (١).

[ ٣٥٢ / ٤١ ] وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى ( وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) (٢) : « كشطت له السماوات السبع حتى نظر إلى السماء السابعة وما فيها ، والأرضون السبع حتى نظر إليهن وما فيهنّ ، وفعل بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما فعل بإبراهيم عليه‌السلام ، وإنّي لأرى صاحبكم قد فعل به مثل ذلك » (٣).

[ ٣٥٣ / ٤٢ ] محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وأحمد وعبدالله ابني محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن ضريس الكناسي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ـ وعنده اُناس من أصحابه وهم حوله ـ : « إنّي لأعجب من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ، ويصفون بأنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة الله تعالى ، ثم يكسرون (٤) حجّتهم ، ويخصمون أنفسهم لضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ، ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهـان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ الله تعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم ما فيه قوام دينهم؟! ».

فقال له حمران : يابن رسول الله أرأيت ما كان من قيام أمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن والحسين عليهما‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما اُصيبوا به من قبل

__________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٦٧ / ٨٢ ، وفيه : وسأله أبو بصير ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : ١٠٧ / ٤ ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام.

٢ ـ الأنعام ٦ : ٧٥.

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٦٧ / ٨٣ ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : ١٠٨ / ٦ ، والعيّاشي في تفسيره ١ : ٣٦٣ / ٣٤.

٤ ـ في المختصر المطبوع : ينكرون.

٣٢٦

الطواغيت ، والظفر بهم حتى قتلوا وغُلبوا؟.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « ولو أنّهم يا حمران حين نزل بهم ما نزل من ذلك ، سألوا الله أن يرفع عنهم ذلك ، وألحّوا عليه في إزالة تلك الطواغيت (١) عنهم ، ( إذاً لأجابهم ، ودفع ذلك عنهم ، وكأن يكون انقضاء مدّة الطواغيت ) (٢) وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم ، انقطع فتبدّد ، وما كان الذي أصابهم لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوه فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله تعالى أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب » (٣).

[ ٣٥٤ / ٤٣ ] ومن كتاب ابن البطريق (٤) : روى علي بن الحسين (٥) ، قال : حدّثنا هارون بن موسى ، قال : حدّثني محمّد بن همام (٦) ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن عمر بن علي العبدي ، عن داود بن كثير الرقّي ، عن يونس بن ظبيان ، قال :

__________________

١ ـ في الخرائج والبصائر : ملك الطواغيت.

٢ ـ في المختصر المطبوع : لكان ذلك. بدل ما بين القوسين.

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٧٠ / ٨٧ ، وأورده باختلاف الكليني في الكافي ١ : ٢٦١ / ٤ ، والصفّار في بصائر الدرجات : ١٢٤ / ٣.

٤ ـ وهو أبو الحسين الشيخ شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الحلي ، من أفاضل علماء الامامية في زمانه ، ومن مصنفاته : العمدة والمناقب والخصائص وتصفح الصحيحين في تحليل المتعتين ، واتفاق صحاح الأثر ، والرد على أهل النظر ، ونهج العلوم ، وعيون الأخبار ، ورجال الشيعة. مات رحمه‌الله سنة ستمائة للهجرة. انظر الثقات العيون في سادس القرون : ٣٣٧ ، والكنى والألقاب : ٢١٧.

٥ ـ في نسخة « س و ض و ق » : علي بن الحسن.

٦ ـ في نسخة « س و ض و ق » : محمّد بن هشام.

٣٢٧

دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، فقلت : يابن رسول الله إنّي دخلت على مالك (١) وعنده جماعة يتكلّمون في الله ، فسمعت بعضهم يقول : إنّ لله تبارك وتعالى وجهاً كالوجوه ، وبعضهم يقول : له يدان ، واحتجّوا بقول الله سبحانه وتعالى ( بيديّ استكبرت أم كنت من العالين ) (٢) وبعضهم يقول : هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة ، فما عندك في هذا يابن رسول الله؟.

قال : وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال : « اللهم عفوك عفوك ».

ثمّ قال : « يا يونس من زعم أنّ له وجهاً كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أنّ لله جوارح كجوارج المخلوقين فهو كافر بالله ، فلا تقبلوا شهادته ، ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون بصفة المخـلوقين ، وجه الله أنبـياؤه وأولياؤه.

وقوله تعالى ( خلقت بيديّ ) (٣) فاليد القدرة ، وقوله تعالى ( هو الذي أيّدك بنصره ) (٤) فمن زعم أنّ الله في شيء ، أو على شيء ، أو يخلو منه شيء ، أو يشغل به شيء ، فقد وصفه بصفة المخلوقين ، والله خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ، ولا يشبّه بالناس ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك الله ربّنا لا إله غيره ، فمن أراد الله وأحبّه ووصفه بهذه الصفة فهو من الموحّدين ، ومن وصفه بغير هذه الصفة فالله بري منه ونحن براء منه ».

ثمّ قال عليه‌السلام : « إنّما اُولوا الألباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حبّ

__________________

١ ـ الظاهر هو مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب الأربعة.

٢ و ٣ـ سورة ص ٣٨ : ٧٥.

٤ ـ الانفال ٨ : ٦٢.

٣٢٨

الله ، فإنّ حبّ الله إذا ورثه القلب استضاء وأسرع إليه اللطف ، فإذا نزل منزلة اللطف صار في أهل الفوائد تكلّم بالحكمة ، فإذا تكلّم بالحكمة صار صاحب فطنة ، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة ، فاذا عمل بها في القدرة عرف الأطباق السبعة ، فاذا بلغ إلى هذه المنزلة صار يتقلّب فكره بلطف وحكمة وبيان ، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه ، فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى ، فعاين ربّه في قلبه ، وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء ، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء ، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون ، إنّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب ، وإنّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة.

فمن أخذ بهذه الصفة إمّا أن يُسفل أو يُرفع ، وأكثرهم يُسفل ولا يرفع ، إذ لم يرع حقّ الله ، ولم يعمل بما اُمر به ، فهذه منزلة من لم يعرفه حق معرفته ، ولم يحبّه حقّ محبّته ، فلا تغرّنّك صلاتهم ، وصيامهم ، ورواياتهم ، وكلامهم ، وعلومهم ، فإنّهم حمر مستنفرة » (١).

ثمّ قال : « يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت ، فإنّا ورثناه ، واُوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب ».

فقلت : يابن رسول الله فكلّ من كان من أهل البيت ورث ما ورث ولد عليّ وفاطمة عليهما‌السلام؟ فقال : « ما ورثه إلاّ الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم » قلت : سمّهم لي يابن رسول الله.

قال : « أوّلهم علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعده علي بن الحسين ، وبعده محمّد بن علي ، وبعده أنا ، وبعدي موسى ولدي ، وبعد موسى علي ابنه ،

__________________

١ ـ حمر مستنفرة : أي عير مذعورة نافرة. انظر الصحاح ٢ : ٦٣٦ ـ حمر و ٨٣٣ ـ نفر.

٣٢٩

وبعد علي محمّد ، وبعد محمّد علي ، وبعد علي الحسن ، وبعد الحسن الحجّة ، اصطفانا الله وطهّرنا ، واُوتينا ما لم يؤت أحداً من العالمين » (١).

__________________

١ ـ لم أعثر عليه في كتابي ابن البطريق العمدة وخصائص الوحي المبين ، بل وجدته في كفاية الأثر للخزّاز : ٢٥٥ ، وعنه في البحار ٣ : ٢٨٧ / ٢ ـ إلى قوله : نحن منه براء ، والبحار ٣٦ : ٤٠٣ / ١٥ ، كاملاً ، وبزيادة في ذيله من المصدر : ثمّ قلت : يابن رسول الله إنّ عبدالله بن سعد دخل عليك بالأمس فسألك عمّا سألتك ، فأجبته بخلاف هذا ، فقال : يا يونس كلّ امرئ وما يحتمله ، ولكلّ وقت حديثه ، وإنّك لأهل لما سألت ، فاكتمه إلاّ عن أهله والسلام.

ونقله الحر العاملي في الوسائل ٢٨ : ٣٤٦ / ٢٦ ـ إلى قوله : كجوارح المخلوقين فهو كافر ، وفي الفصول المهمة في اُصول الأئمة ١ : ٢٤٤ / ٢٣٥ ـ إلى قوله : اليد القدرة.

٣٣٠

ومن كتاب محمّد بن الحسن الصفّار الموسوم بـ « بصائر الدرجات »

باب

في أئمّة آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين

وأنّ حديثهم صعب مستصعب

[ ٣٥٥ / ١ ] رويت (١)) بإسنادي عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن المنخّل ، عن جابر ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « قال رسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان.

فما ورد عليكم من حديث آل محمّد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزّت منه قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله تعالى ، وإلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى العالم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإنّما الهالك أن يُحدَّث أحدكم بشيء لا يحتمله فيقول : والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر » (٢).

__________________

١ ـ من هنا سقط من نسخة « ق » إلى حديث ٣٩٤.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٠ / ١ ، وعنه في البحار ٢ : ١٨٩ / ٢١.

٣٣١

[ ٣٥٦ / ٢ ] وبإسنادي عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن أحمد (١) ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، قال : حدّثنا الحسن بن حمّاد الطائي ، عن سعد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو مؤمن ممتحن ، أو مدينة حصينة ، فإذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا كان الرجل (٢) أجرى من ليث ، وأمضى من سنان ، يطأ عدوّنا برجليه ، ويضربه بكفّيه ، وذلك عند نزول رحمة الله ، وفرجه على العباد » (٣).

[ ٣٥٧ / ٣ ] محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسين (٤) ، عن محمّد بن الهيثم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ثلاث : نبيّ مرسل ، أو ملك مقرّب ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ».

ثمّ قال : « يا أبا حمزة ألا ترى أنّه اختار لأمرنا من الملائكة : المقرّبين ، ومن النبيّين : المرسلين ، ومن المؤمنين : الممتحنين » (٥).

[ ٣٥٨ / ٤ ] محمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي ، عن ابن سنان أو غيره يرفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ صدور منيرة ، وقلوب سليمة ، وأخلاق حسنة.

إنّ الله تعالى أخذ من شيعتنا الميثاق ، كما أخذ على بني آدم ، حيث يقول

__________________

١ ـ في البصائر : أحمد بن جعفر ، وعنه في البحار : أحمد بن محمّد.

٢ ـ في البصائر زيادة : من شيعتنا.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٤ / ١٧ ، وعنه في البحار ٢ : ١٨٩ / ٢٢.

٤ ـ في البصائر : أحمد بن الحسين.

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٥ / ١٩ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٠ / ٢٣.

٣٣٢

عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى ) (١) فمن وفى لنا وفى الله له بالجنّة ، ومن أبغضنا ولم يؤدِّ حقّنا ففي النار خالداً مخلّداً » (٢).

[ ٣٥٩ / ٥ ] محمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله بن حمّاد ، عن صباح المزنيّ (٣) ، عن الحارث بن حصيرة ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : « إنّ حديثنا صعب مستصعب ، خشن مخشوش ، فانبذوا إلى الناس نبذاً ، فمن عرف فزيدوه ، ومن أنكر فأمسكوا ، لا يحتمله إلاّ ثلاث : ملك مقرّب ، أونبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان » (٤).

[ ٣٦٠ / ٦ ] محمّد بن الحسن ، قال : حدّثني سلمة ، عن محمّد بن المثنّى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن عبدالعزيز ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « حديثنا صعب مستصعب ، ذكوان مقنّع ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل أو مؤمن ممتحن ».

قال : ثم قال عليه‌السلام : « ما من أحد أفضل من المؤمن الممتحن » (٥).

[ ٣٦١ / ٧ ] محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن منصور بن

__________________

١ ـ الأعراف ٧ : ١٧٢.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٥ / ٢٠ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٠ / ٢٤.

٣ ـ صباح المزني : هو صباح بن يحيى أبو محمّد المزني ، كوفي ثقة ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام. انظر رجال النجاشي : ٢٠١ / ٥٣٧ ، رجال البرقي : ٣٧ ، رجال الطوسي : ٢١٩ / ١٩.

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢١ / ٥ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٢ / ٣٥.

٥ ـ لم أعثر له على مصدر.

٣٣٣

يونس ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال « حديثنا صعب مستصعب ، ذكوان أجرد (١) مقنّع » قال : قلت : فسّر لي جعلت فداك؟ قال : « ذكوان : ذكيّ أبداً » قال ، قلت : أجرد ، قال : « أبداً » قلت : مقنّع ، قال : « مستور » (٢).

[ ٣٦٢ / ٨ ] عمران بن موسى ، عن محمّد بن علي وغيره عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « ( ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين عليهما‌السلام ) (٣) فقال : والله لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهما فما ظنّك بسائر الخلق.

إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبي مرسل ، أو ملك مقرّب ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ، قال : وإنّما صار سلمان من العلماء ؛ لأنّه امرؤ منّا أهل البيت ، فلذلك ( نسبته إلى العلماء ) (٤) » (٥).

[ ٣٦٣ / ٩ ] محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن إسماعيل بن مهران (٦) ،

__________________

١ ـ في نسختي « س و ض » : أمرد ، وكلاهما يعطيان معنىً واحداً. فالأجرد للفضاء : لا نبات فيه ، وللرجل : لا شعر عليه ، وللفرس : إذا رقّت شعرته وقصرت. وكذلك للأمرد. انظر الصحاح ٢ : ٤٥٥ و ٥٣٨ ـ جرد ومرد.

ولعلّ المراد من قوله عليه‌السلام أجرد أو أمرد ، أي أحاديثنا واضحة بيّنة لا غبار عليها ولا شكّ فيها ، فهي رقيقة يستقبلها كلّ قلب سليم.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٢ / ٨ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩١ / ٣٢ ، بسند الحديث المتقدّم.

٣ ـ في نسختي « س و ض » : ذكر علي عليه‌السلام التقية في يوم عيد. بدل ما بين القوسين.

٤ ـ في نسختي « س و ض » : يشبه العلماء.

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٥ / ٢١ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٠ / ٢٥ ، وأورده الكليني في الكافي ١ : ٤٠١ / ٢.

٦ ـ في نسخة « ض » والبصائر : إسماعيل بن مهزيار ، ولم يرد له ذكر في كتب التراجم.

٣٣٤

عن عثمان بن جبلة (١) ، عن أبي الصامت ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : « حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ، ذكي ، وعر ، لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن ممتحن » قلت : فمن يحتمله جعلت فداك؟ قال « من شئنا (٢) يا ابا الصامت ».

قال أبو الصامت : فظننت أنّ لله عباداً أفضل من هؤلاء الثلاثة (٣).

يقول حسن بن سليمان : لعلّه عليه‌السلام أراد بقوله : « من شئنا » هم صلوات الله عليهم ، لأنّ علمهم الذي استودعهم الله سبحانه منه ما لا يصل إلى غيرهم بل خصّهم الله تعالى به.

كما روي عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ الله سبحانه وتعالى جعل اسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، فأعطى آدم عليه‌السلام خمسة وعشرين حرفاً ، وأعطى نوحاً عليه‌السلام منها خمسة عشر حرفاً ، وأعطى إبراهيم عليه‌السلام منها ثمانية أحرف ، وأعطى موسى عليه‌السلام منها أربعة أحرف ، وأعطى عيسى عليه‌السلام منها حرفين ، فكان يحيي بها الموتى ، ويبرىء الأكمه والأبرص ، وأعطى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنين وسبعين حرفاً ، واحتـجب بحرف لئلاّ يعلم أحد ما في نفسه ، ويعلم ما في أنفس العباد » (٤).

وما روي من أنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله « يا محمّد لا تكتم عليّاً شيئاً ممّا بيني وبينك ، فإنّه ليس بيني وبينك وبينه سرّ » (٥) فهذا فضل لم يؤته سواهم.

__________________

١ ـ في نسخة « س » والمختصر المطبوع : عثمان بن جميلة ، ولم يذكر في كتب التراجم.

٢ ـ في نسخة : شيعتنا. حاشية نسخة « س ».

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٢ / ١٠ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٢ / ٣٤.

٤ ـ أورده الصفّار في بصائر الدرجات : ٢٠٨ / ٣ ، والكليني بلفظ آخر في الكافي ١ : ٢٣٠ / ٢.

٥ ـ تقدّم مفصّلاً في ص ٢٠٠ حديث ١٨٥ من هذا الكتاب.

٣٣٥

ومن ذلك ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « يا علي ما عرف الله إلاّ أنا وأنت ، وما عرفني إلاّ الله وأنت ، وما عرفك إلاّ الله وأنا » (١).

فقد صحّ أنّهم خزّان العلم وعيبته ، وصاحب الدرجة العليا يطيق حمل الدنيا ، وصاحب الدنيا لا يطيق حمل العليا. كما مرّ في حديث أبي ذرّ وسلمان ، إذا كان أبو ذرّ في التاسعة من درجات الإيمان ، وسلمان في العاشرة ، فوضح ما ادّعيناه والله أعلم.

[ ٣٦٤ / ١٠ ] محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن منصور ، عن مخلّد بن حمزة بن نصر ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كنت معه جالساً ، فرأيت أنّ أبا جعفر قد نام ، فرفع رأسه وهو يقول : « يا أبا الربيع حديث تمضغه الشيعة بألسنتها لا تدري ما كنهه » قلت : ما هو جعلني الله فداك؟ قال : « قول أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢) : إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

يا أبا الربيع : ألا ترى أنّه قد يكون ملك ولا يكون مقرّباً ، ولا يحتمله إلاّ مقرّب ، وقد يكون نبي وليس بمرسل ، ولا يحتمله إلاّ مرسل ، وقد يكون مؤمن وليس بممتحن ، ولا يحتمله إلاّ مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان » (٣).

[ ٣٦٥ / ١١ ] سلمة بن الخطّاب ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه ، عن أبي

__________________

١ ـ أورده البرسي في مشارق أنوار اليقين : ١١٢ ، والاسترآبادي في تأويل الآيات ١ : ١٣٩ / ١١٨ و ٢٢١ / ذيل حديث ١٥.

٢ ـ في نسخة « س » : علي بن الحسين عليه‌السلام.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٦ / ١ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٧ / ٤٩.

٣٣٦

بصير (١) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « خالطوا الناس بما يعرفون ، ودعوهم ممّا ينكرون ، ولا تحمّلوا على أنفسكم وعلينا. إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان » (٢).

[ ٣٦٦ / ١٢ ] محمّد بن عبدالجبار ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن محمّد بن الهيثم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ، يقول : « إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ثلاثة : ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ».

ثمّ قال لي : « يا أبا حمزة ألست تعلم أنّ في الملائكة مقرّبين وغير مقرّبين ، وفي النبيين مرسلين وغير مرسلين ، وفي المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين؟ » قال : قلت : بلى ، قال : « ألا ترى إلى صعوبة (٣) أمرنا ، إنّ الله اختار له من الملائكة : المقرّبين ، ومن النبيين : المرسلين ، ومن المؤمنين : الممتحنين » (٤).

[ ٣٦٧ / ١٣ ] محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن جابر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ أمرنا سرّ في سرّ ، وسرّ مستسر ، وسرّ لا يفيده إلاّ سرّ ، وسرّ على سرّ ، وسرّ مقنّع بسرّ » (٥).

[ ٣٦٨ / ١٤ ] محمّد بن أحمد ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، قال : حدّثني

__________________

١ ـ في البصائر والخصال والخرائج زيادة : ومحمّد بن مسلم.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٦ / ٢ ، وأورده الصدوق في الخصال : ٦٢٤ / ضمن حديث الاربعمائة ، والراوندي في الخرائج والجرائح ٢ : ٧٩٤ / ٣.

٣ ـ في البصائر : صفة.

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢٨ / ٩ ، وعنه في البحار ٢ : ١٩٦ / ٤٨.

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٨ / ١ ، وعنه في البحار ٢ : ٧١ / ٣١.

٣٣٧

أحمد بن محمّد ، عن أبي اليسر ، قال : حدّثني زيد بن المعدلّ ، عن أبان بن عثمان (١) ، قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : « إنّ أمرنا هذا مستور مقنّع بالميثاق ، من هتكه أذلّه الله » (٢).

[ ٣٦٩ / ١٥ ] وروي عن ابن محبوب ، عن مرازم قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : « إنّ أمرنا هو الحق ، وحقّ الحقّ ، وهو الظاهر ، وباطن الظاهر ، وباطن الباطن ، وهو السرّ ، وسرّ المستسر ، وسرّ مقنّع بسرّ » (٣).

[ ٣٧٠ / ١٦ ] عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن علي بن أسباط ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قرأت عليه آية الخمس (٤) ، فقال : « ما كان لله فهو لرسوله ، وما كان لرسوله فهو لنا ».

ثمّ قال : « والله لقد يسّر الله على المؤمنين رزقهم بخمسة دراهم ، جعلوا لربّهم واحداً ، وأكلوا أربعة حلالاً ».

ثمّ قال : « هذا من حديثنا صعب مستصعب ، لا يعمل به ، ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للايمان » (٥).

__________________

١ ـ أبان بن عثمان : الأحمر البجلي ، مولاهم ، أصله كوفي ، كان يسكنها تارة واُخرى البصرة ، وقد أخذ عنه أهلها : أبو عبيدة معمّر بن المثنى وأبو عبدالله محمّد بن سلام ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى عليهما‌السلام ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام.

انظر رجال النجاشي : ١٣ / ٨ ، رجال البرقي : ٣٩ ، رجال الطوسي : ١٥٢ / ١٩١.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٨ / ٣ ، وعنه في البحار ٢ : ٧١ / ٣٢.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٩ / ٤ ، وعنه في البحار ٢ : ٧١ / ٣٣.

٤ ـ وهي ( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خُمُسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله ) الآية. الانفال ٨ : ٤١.

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٩ / ٥ ، وعنه في البحار ٩٦ : ١٩١ / ٧.

٣٣٨

[ ٣٧١ / ١٧ ] ورويت بإسنادي إلى محمّد بن علي بن بابويه رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيدالله (١) ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن بعض أهل المدائن ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام : روي لنا عن آبائكم عليهم‌السلام « أنّ حديثكم صعب مستصعب ، لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ».

قال : فجاء الجواب : « إنّما معناه أنّ الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه إلى ملك آخر مثله ، ولا يحتمله نبيّ حتى يخرج إلى نبيّ آخر مثله؟ ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن آخر مثله. إنّما معناه أنّه لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما في صدره حتى يخرجه إلى غيره » (٢).

[ ٣٧٢ / ١٨ ] محمّد بن علي بن بابويه ، قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن سفيان بن يعقوب بن الحارث بن إبراهيم الهمداني في منزله بالكوفة ، قال : حدّثنا أبو عبدالله جعفر بن أحمد بن يوسف الأزدي ، قال : حدّثنا علي بن بزرج الحنّاط (٣) ، قال : حدّثنا عمرو بن اليسع ، عن شعيب الحدّاد ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد

__________________

١ ـ في المعاني : الحسين بن عبدالله.

٢ ـ معاني الأخبار : ١٨٨ / ١ ، وعنه في البحار ٢ : ١٨٤ / ٦.

٣ ـ في المعاني : علي بن يزيد الحنّاط. وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام كما عدّه الشيخ في رجاله : ٢٤٤ / ٣٣٣ والظاهر أنّ ما في المتن والخصال والأمالي هو الصحيح.

وهو علي بن أبي صالح محمّد يلقّب بزرج ، ويكنّى أبا الحسن ، كوفي حنّاط. وعدّه الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم‌السلام قائلاً : علي بن بزرج يكنى أبا الحسن. انظر رجال النجاشي : ٢٥٧ / ٦٧٥ ، رجال الطوسي : ٤٨٠ / ٢٠.

٣٣٩

امتحن الله عزّ وجلّ قلبه للايمان ، أو مدينة حصينة » قال عمرو : فقلت لشعيب : يا أبا الحسن وأي شيء المدينة الحصينة؟ قال : فقال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عنها ، فقال لي « القلب المجتمع » (١).

حديث من غير الباب

[ ٣٧٣ / ١٩ ] وباسنادي المتصل للصدوق محمّد بن علي بن بابويه رحمه‌الله ، عن أبيه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن حمزة ومحمّد ابني حمران ، قالا : اجتمعنا عند أبي عبدالله عليه‌السلام في جماعة من أجلّة مواليه ، وفينا حمران بن أعين ، فخضنا في المناظرة ، وحمران ساكت ، فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : « ما لك لا تتكلّم يا حمران؟ » فقال : يا سيدي آليت على نفسي ألاّ أتكلّم في مجلس تكون أنت فيه.

فقال أبو عبدالله : « إنّي قد أذنت لك في الكلام فتكلّم » فقال حمران : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، خارج من الحدّين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه ، وأنّ الحقّ القول بين القولين لا جبر ولا تفويض ، وأنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.

وأشهد أنّ الجنّة حقّ ، وأنّ النار حقّ ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ.

وأشهد أنّ علياً حجّة الله على خلقه ، لا يسع الناس جهله ، وأنّ حسناً عليه‌السلام بعده ، وأنّ الحسين عليه‌السلام من بعده ، ثمّ علي بن الحسين عليه‌السلام ، ثم محمّد بن علي عليه‌السلام ، ثمّ

__________________

١ ـ معاني الأخبار : ١٨٩ / ١ ، أمالي الصدوق : ٥٢ / ٦ ، الخصال : ٢٠٧ / ٢٧ ، وعنهم في البحار ٢ : ١٨٣ / ١.

٣٤٠