النّهاية - ج ٣

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٨٨

الدّيات ، ثم حثّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإفادة منه بقوله : «اسنن اليوم وغَيِّرْ غدا» يريد إن لم تقتصّ منه غَيَّرْتَ سنّتك ، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيّج المخاطب ويحثّه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه.

ومنه حديث ابن مسعود «قال لعمر في رجل قتل امرأة ولها أولياء فعفا بعضهم ، وأراد عمر أن يقيد لمن لم يعف ، فقال له : لو غَيَّرْتَ بالدّية كان في ذلك وفاء لهذا الذي لم يعف ، وكنت قد أتممت للعافي عفوه. فقال عمر : كنيف مُلِئَ علما».

(ه) وفيه «أنه كره تَغْيِير الشّيب» يعنى نتفه ، فإن تَغْيِير لونه قد أمر به في غير حديث.

وفي حديث أمّ سلمة «إنّ لي بنتا وأنا غَيُور» هو فعول ، من الغَيْرَة وهي الحميّة والأنفة. يقال : رجل غَيُور وامرأة غَيُور بلا هاء ، لأن فعولا يشترك فيه الذّكر والأنثى.

وفي رواية «إنّي امرأة غَيْرَى» وهي فعلى من الغَيْرَة. يقال : غِرْتُ على أهلي أَغَار غَيْرَة ، فأنا غَائِر وغَيُور للمبالغة. وقد تكرر في الحديث كثيرا على اختلاف تصرّفه.

(ه) وفي حديث الاستسقاء «من يكفر الله يلق الغِيَر» أي تَغَيُّر الحال وانتقالها عن الصلاح إلى الفساد. والغِيَر : الاسم ، من قولك : غَيَّرْت الشيء فتَغَيَّرَ.

(غيض) فيه «يد الله ملأى لا يَغِيضُها شيء» أي لا ينقصها. يقال : غَاضَ الماء يَغِيضُ ، وغِضْتُه أنا وأَغَضْتُه أَغِيضُه وأُغِيضُه.

(ه) ومنه الحديث «إذا كان الشّتاء قَيْظاً وغَاضَت الكرام غَيْضاً» أي فنوا وبادوا. وغَاضَ الماء إذا غار.

(ه) ومنه حديث سطيح «وغَاضَت بحيرة ساوة» أي غار ماؤها وذهب.

[ه] وحديث خزيمة في ذكر السّنة «وغَاضَت لها الدّرّة» أي نقص اللّبن.

وحديث عائشة تصف أباها «وغَاضَ نبغ (١) الرّدّة» أي أذهب ما نبغ منها وظهر.

__________________

(١) فى الأصل واللسان : «نبع» بالعين المهملة. وكتبناه بالمعجمة من ا ، ومما يأتى فى مادة (نبغ).

٤٠١

ومنه حديث عثمان بن أبي العاص «لدرهم ينفقه أحدكم من جهده خير من عشرة آلاف ينفقها أحدنا غَيْضاً من فيض» أي قليل أحدكم من فقره خير من كثيرنا مع غنانا.

(س) وفي حديث عمر «لا تنزلوا المسلمين الغِيَاضَ فتضيّعوهم» الغِيَاض : جمع غَيْضَة ، وهي الشجر الملتفّ ، لأنهم إذا نزلوها تفرّقوا فيها فتمكّن منهم العدوّ.

(غيظ) فيه «أَغْيَظُ الأسماء عند الله رجل تسمّى ملك الأملاك» هذا من مجاز الكلام معدول عن ظاهره ، فإنّ الغَيْظ صفة تغيّر في المخلوق عند احتداده ، يتحرّك لها ، والله يتعالى عن ذلك الوصف ، وإنما هو كناية عن عقوبته للمتسمّى بهذا الاسم : أي أنه أشدّ أصحاب هذه الأسماء عقوبة عند الله.

وقد جاء في بعض روايات مسلم (١) «أَغْيَظُ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه وأَغْيَظُه رجل تسمّى بملك الأملاك».

قال بعضهم : لا وجه لتكرار لفظتي «أَغْيَظ» في الحديث ، ولعلّه «أغنظ» بالنون ، من الغنظ ، وهو شدّة الكرب.

وفي حديث أمّ زرع «وغَيْظ جارتها» لأنّها ترى من حسنها ما يَغِيظُها ويهيج حسدها.

(غيق) فيه ذكر «غَيْقَة» بفتح الغين وسكون الياء ، وهو موضع بين مكة والمدينة من بلاد غفار. وقيل : هو ماء لبني ثعلبة.

(غيل) [ه] فيه «لقد هممت أن أنهى عن الغِيلَة» الغِيلَة بالكسر : الاسم من الغَيْل بالفتح ، وهو أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضع (٢) ، وكذلك إذا حملت وهي مرضع.

وقيل : يقال فيه الغِيلَة والغَيْلَة بمعنى.

__________________

(١) أخرجه مسلم فى (باب تحريم التسمّى بملك الأملاك ، من كتاب الآداب) ولفظه : «أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه رجل كان يسمّى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله».

(٢) عبارة السيوطى فى الدر : «وهى ترضع».

٤٠٢

وقيل : الكسر للاسم ، والفتح للمرّة.

وقيل : لا يصح الفتح إلّا مع حذف الهاء. وقد أَغَالَ الرجل وأَغْيَلَ. والولد مُغَال ومُغْيَل. واللبن الذي يشربه الولد يقال له : الغَيْل أيضا.

(ه) وفيه «ما سُقِيَ بالغَيْل ففيه العشر» الغَيْل بالفتح : ما جرى من المياه في الأنهار والسّواقي.

وفيه «إنّ مما ينبت الرّبيع ما يقتل أو يَغِيلُ» أي يهلك ، من الاغْتِيَال ، وأصله الواو. يقال : غَالَه يَغُولُه. وهكذا روي بالياء ، والياء والواو متقاربتان.

(س) ومنه حديث عمر «أنّ صبيّا قتل بصنعاء غِيلَة فقتل به عمر سبعة» أي في خفية واغْتِيَال. وهو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد. والغِيلَة : فعلة من الاغْتِيَال.

ومنه حديث الدعاء «وأعوذ بك أن أُغْتَال من تحتى» أي أدهى من حيث لا أشعر ، يريد به الخسف.

وفي حديث قس «أسد غِيلٍ» الغِيلُ بالكسر : شجر ملتفّ يستتر فيه كالأجمة.

ومنه قصيد كعب :

ببطن عثّر غيل دونه غِيل

(غيم) (ه) فيه «أنه كان يتعوّذ من الغَيْمَة والعيمة» الغَيْمَة : شدّة العطش.

(غين) (ه) فيه «إنه لَيُغَانُ على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم سبعين مرّة» الغَيْن : الغيم. وغِينَتِ السماء تُغَانُ : إذا أطبق عليها الغيم. وقيل : الغَيْن : شجر ملتفّ.

أراد ما يغشاه من السّهو الذي لا يخلو منه البشر ، لأنّ قلبه أبدا كان مشغولا بالله تعالى ، فإن عرض له وقتا ما عارض بشريٌّ يشغله من أمور الأمّة والملّة ومصالحهما عدّ ذلك ذنبا وتقصيرا ، فيفزع إلى الاستغفار.

(غيا) (ه) فيه «تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غَيَايَتَان» الغَيَاية : كل شيء أظلّ الإنسان فوق رأسه كالسّحابة وغيرها.

٤٠٣

ومنه حديث هلال رمضان «فإن حالت دونه غَيَايَة» أي سحابة أو قترة.

(س) ومنه حديث أم زرع «زوجي غَيَايَاءُ ، طباقاء» هكذا جاء في رواية (١) : أي كأنه في غَيَايَة أبدا ، وظلمة لا يهتدى إلى مسلك ينفذ فيه. ويجوز أن تكون قد وصفته بثقل الرّوح ، وأنه كالظّلّ المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه.

(ه) وفي حديث أشراط الساعة «فيسيرون إليهم في ثمانين غَايَة» الغَايَة والرّاية سواء.

ومن رواه بالباء الموحدة أراد به الأجمة ، فشبّه كثرة رماح العسكر بها.

(س) وفيه «أنه سابق بين الخيل فجعل غَايَة المضمّرة كذا» غَايَة كلّ شيء : مداه ومنتهاه.

__________________

(١) انظر ص ٣٣٤ من هذا الجزء.

٤٠٤

حرف الفاء

(باب الفاء مع الهمزة)

(فأد) (ه) فيه «أنه عاد سعدا وقال : إنك رجل مَفْؤُود» المَفْؤُود : الذي أصيب فُؤَادُه بوجع. يقال : فُئِدَ الرجل فهو مَفْؤُودٌ ، وفَأَدْتُه إذا أصبتَ فُؤَادَه.

ومنه حديث عطاء «قيل له : رجل مَفْؤُود ينفث دما ، أحدث هو؟ قال : لا». أي يوجعه فُؤَاده فيتقيّأ دما. والفُؤَاد : القلب. وقيل : وسطه. وقيل : الفُؤَاد : غشاء القلب ، والقلب حبّته ، وسويداؤه ، وجمعه : أَفْئِدَة.

ومنه الحديث «أتاكم أهل اليمن ، هم أرقّ أَفْئِدَةً وألين قلوبا».

(فأر) (س) فيه «خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم ، منها الفَأْرَة» الفَأْرَة معروفة ، وهي مهموزة. وقد يترك همزها تخفيفا.

وفيه ذكر «جبال فَارَانَ» هو اسم عبرانيّ لجبال مكّة ، له ذكر في أعلام النّبوّة ، وألفه الأولى ليست همزة.

(فأس) (س) فيه «فجعل إحدى يديه في فَأْس رأسه» هو طرف مؤخّره المشرف على القفا ، وجمعه : أَفْؤُس ثم فُؤُوس.

ومنه الحديث «فلقد رأيت الفُؤُوس في أصولها وإنها لنخل عمّ» هي جمع الفَأْس الذي يشقّ به الحطب وغيره. وهو مهموز ، وقد يخفّف.

(فأل) (ه) فيه «أنه كان يَتَفَاءَلُ ولا يتطيّر» الفَأْل مهموز فيما يسرّ ويسوء ، والطّيرة لا تكون إلا فيما يسوء ، وربما استعملت فيما يسرّ. يقال : تَفَاءَلْتُ بكذا وتَفَأَّلْتُ على التخفيف والقلب. وقد أولع الناس بترك همزة تخفيفا.

وإنّما أحبّ الفَأْل ، لأنّ الناس إذا أمّلوا فائدة الله تعالى ، ورجوا عائدته عند كلّ سبب ضعيف

٤٠٥

أو قويّ فهم على خير ، ولو غلطوا في جهة الرجاء فإنّ الرّجاء لهم خير. وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشّرّ.

وأمّا الطّيرة فإنّ فيها سوء الظّنّ بالله وتوقّع البلاء.

ومعنى التَّفَاؤُل مثل أن يكون رجل مريض فيَتَفَاءَلُ بما يسمع من كلام ، فيسمع آخر يقول : يا سالم ، أو يكون طالب ضالّة فيسمع آخر يقول : يا واجد ، فيقع في ظنّه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالّته.

ومنه الحديث «قيل : يا رسول الله : ما الفَأْل؟ فقال : الكلمة الصّالحة».

وقد جاءت الطّيرة بمعنى الجنس ، والفَأْل بمعنى النّوع.

ومنه الحديث «أصدق الطّيرة الفَأْل» وقد تكرر ذكره في الحديث.

(فأم) (س) فيه يكون الرجل على الفِئَام من الناس» الفِئَام مهموز : الجماعة الكثيرة. وقد تكررت في الحديث.

(فأي) (ه) في حديث ابن عمر وجماعته «لّما رجعوا من سريّتهم قال لهم : أنا فِئَتُكُم (١)» الفِئَة : الفرقة والجماعة من الناس في الأصل ، والطّائفة التي تقسيم وراء الجيش ، فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليهم ، وهو من فَأَيْتُ رأسه وفَأَوْتُه إذا شققته. وجمع الفِئَة : فِئَات وفِئُون. وقد تكرر في الحديث.

(باب الفاء مع التاء)

(فتت) في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر «أمثلي يُفْتَاتُ عليه في أمر بناته؟» أي يفعل في شأنهنّ شيء بغير أمره. وليس هذا موضعه ، لأنه من الفوت ، وسنوضّحه في بابه.

(فتح) في أسماء الله تعالى «الْفَتَّاحُ» هو الذي يَفْتَحُ أبواب الرزق والرّحمة لعباده.

__________________

(١) الذى فى الهروى : «وفى الحديث فقلنا : نحن الفرّارون يا رسول الله. فقال : بل أنتم العكّارون ، وأنا فئتكم» أراد قول الله تعالى «أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ» يمهّد بذلك عذرهم».

٤٠٦

وقيل : معناه الحاكم بينهم. يقال : فَتَحَ الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما. والفَاتِح : الحاكم. والفَتَّاح : من أبنية المبالغة.

وفيه «أوتيت مَفَاتِيح الكلم» وفي رواية «مَفَاتِح الكلم» هما جمع مِفْتَاح ومِفْتَح ، وهما في الأصل : كلّ ما يتوصّل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذّر الوصول إليها ، فأخبر أنه أوتي مَفَاتِيح الكلم ، وهو ما يسّر الله له من البلاغة والفصاحة والوصول إلى غوامض المعاني ، وبدائع الحكم ، ومحاسن العبارات والألفاظ التي أغلقت على غيره وتعذّرت. ومن كان في يده مَفَاتِيح شيء مخزون سهل عليه الوصول إليه.

ومنه الحديث «أوتيت مَفَاتِيح خزائن الأرض» أراد ما سهّل الله له ولأمّته من افْتِتَاح البلاد المتعذّرات ، واستخراج الكنوز الممتنعات.

(ه) وفيه «أنه كان يَسْتَفْتِحُ بصعاليك المهاجرين» أي يستنصر بهم.

ومنه قوله تعالى (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ).

ومنه حديث الحديبية «أهو فَتْح؟» أي نصر.

(ه) وفيه «ما سقي بالفَتْح ففيه العُشْر» وفي رواية «ما سقي فَتْحاً» الفَتْح : الماء الذي يجري في الأنهار على وجه الأرض.

(س) وفي حديث الصلاة «لا يُفْتَح على الإمام» أراد به إذا أرتج عليه في القراءة وهو في الصلاة لا يَفْتَح له المأموم ما أرتج عليه : أي لا يلقّنه. ويقال : أراد بالإمام السّلطان ، وبالفَتْح الحكم : أي إذا حكم بشيء فلا يحكم بخلافه.

ومنه حديث ابن عباس «ما كنت أدري ما قوله عزوجل (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا) حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أُفَاتِحْك» أي أحاكمك.

(س) ومنه الحديث «لا تُفَاتِحُوا أهل القدر» أي لا تحاكموهم. وقيل : لا تبدأوهم بالمجادلة والمناظرة.

٤٠٧

(ه) وفي حديث أبي الدّرداء «ومن يأت بابا مغلقا يجد إلى جنبه بابا فُتُحاً» أي واسعا ، ولم يرد المَفْتُوح ، وأراد بالباب الفُتُح الطّلب إلى الله تعالى والمسألة.

(س) ومنه حديث أبي ذرّ «قدر حلب شاة فَتُوح» أي واسعة الإحليل.

(فتخ) (ه) وفيه «كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه وفَتَخَ أصابع رجليه» أي نصبها وغمز موضع المفاصل منها ، وثناها إلى باطن الرّجل. وأصل الفَتْخ : اللّين. ومنه قيل للعقاب : فَتْخَاء ، لأنّها إذا انحطّت كسرت جناحيها.

(ه) فيه «أنّ امرأة أتته وفي يدها فُتُخٌ كثيرة» وفي رواية «فُتُوخٌ» هكذا روي ، وإنما هو «فَتَخ» (١) بفتحتين ، جمع فَتْخَة ، وهي خواتيم كبار تلبس في الأيدي ، وربما وضعت في أصابع الأرجل. وقيل : هي خواتيم لا فصوص لها ، وتجمع أيضا على : فَتَخَات وفِتَاخ.

ومنه حديث عائشة «في قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) قالت : القُلْب والفَتَخَة» وقد تكرّر ذكرها في الحديث مفردا ومجموعا.

(فتر) (ه) فيه «أنه نهى عن كلّ مسكر ومُفْتِر» المُفْتِر : الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فُتُور ، وهو ضعف وانكسار. يقال : أَفْتَرَ الرجل فهو مُفْتِر : إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه. فإما أن يكون أَفْتَرَه بمعنى فَتَرَه : أي جعله فَاتِراً ، وإمّا أن يكون أَفْتَرَ الشّراب إذا فَتَرَ شاربه ، كأقطف الرجل إذا قطفت دابّته.

وفي حديث ابن مسعود «أنه مرض فبكى فقال : إنّما أبكي لأنه أصابني على حال فَتْرَة ولم يصبني في حال اجتهاد» أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات. والفَتْرَة في غير هذا : ما بين الرّسولين من رسل الله تعالى من الزّمان الذي انقطعت فيه الرّسالة.

ومنه «فَتْرَة ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام».

(فتق) (ه) فيه «يسأل الرجل في الجائحة أو الفَتْق» أي الحرب تكون بين القوم وتقع فيها الجراحات والدّماء ، وأصله الشّق والفتح ، وقد يراد بالفَتْق نقض العهد.

__________________

(١) وهى رواية الهروى.

٤٠٨

ومنه حديث عروة بن مسعود «اذهب فقد كان فَتْقٌ نحو جرش».

(ه) ومنه حديث مسيره إلى بدر «خرج حتى أَفْتَق بين الصّدمتين» أي خرج من مضيق الوادي إلى المتّسع. يقال : أَفْتَقَ السّحاب إذا انفرج.

(ه س) وفي صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان في خاصرتيه انْفِتَاق» أي اتّساع ، وهو محمود في الرّجال ، مذموم في النساء.

(س) وفي حديث عائشة «فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تَفَتَّقَتْ» أي انتفخت خواصرها واتّسعت من كثرة ما رعت ، فسمّي عام الفَتْق : أي عام الخصب.

(ه) وفي حديث زيد بن ثابت «قال : في الفَتَق الدّية» الفَتَق بالتحريك : انْفِتَاق المثانة.

وقيل : انْفِتَاق الصّفاق إلى داخل في مراقّ البطن.

وقيل : هو أن ينقطع اللّحم المشتمل على الأنثيين.

وقال الفرّاء : أَفْتَقَ الحيّ إذا أصاب إبلهم الفَتَق ، وذلك إذا انْفَتَقَت خواصرها سمنا فتموت لذلك ، وربّما سلمت. وقد فَتِقَتْ فَتَقاً. قال رؤبة :

لم ترج رسلا بعد أعوام الفَتَق

وفيه ذكر «فُتُق» بضمتين : موضع في طريق تبالة ، سلكه قطبة بن عامر لمّا وجّهه رسول الله ليغير على خثعم سنة تسع.

(فتك) فيه «الإيمان قَيَّدَ الفَتْك» الفَتْك : أن يأتي الرّجل صاحبه وهو غارّ غافل فيشدّ عليه فيقتله ، والغِيلَة : أن يخدعه ثمّ يقتله في موضع خفيّ. وقد تكرر ذكر «الفَتْك» في الحديث.

(فتل) فيه : ما يكون في شقّ النّواة. وقيل : ما يُفْتَل بين الأصبعين من الوسخ.

٤٠٩

وفي حديث الزبير وعائشة «فلم يزل يَفْتِلُ في الذّروة والغارب حتى أجابته» هو مثل في المخادعة ، وقد تقدّم في الذال والغين.

ومنه حديث حييّ بن أخطب «لم يزل يَفْتِل في الذّروة والغارب».

وفي حديث عثمان «ألست ترعى مَعْوَتَها وفَتْلَتَها؟» الفَتْلَة : واحد الفَتْل ، وهو ما كان مَفْتُولا من ورق الشجر ، كورق الطّرفاء والأثل ونحوهما.

وقيل : الفَتْلَة : حمل السّمر والعرفط. وقيل (١) نور العضاه إذا انعقد. وقد أَفْتَلَتْ إِفْتَالاً : إذا أخرجت الفَتْلَة.

(فتن) (ه) في حديث قيلة «المسلم أخو المسلم يتعاونان على الفَتَّان» يروى بضم الفاء وفتحها ، فالضم جمع فَاتِن : أي يعاون أحدهما الآخر على الّذين يضلّون الناس عن الحقّ ويَفْتِنُونَهم ، وبالفتح هو الشّيطان ، لأنه يفتن الناس عن الدّين. وفَتَّان : من أبنية المبالغة في الفِتْنَة.

ومنه الحديث «أفَتَّان أنت يا معاذ!».

وفي حديث الكسوف «وإنّكم تُفْتَنُون في القبور» يريد مسألة منكر ونكير ، من الفِتْنَة : الامتحان والاختبار.

وقد كثرت استعاذته من فِتْنَة القبر ، وفِتْنَة الدّجّال ، وفِتْنَة المحيا والممات ، وغير ذلك.

ومنه الحديث «فبي تُفْتَنُون ، وعنّي تسألون» أي تمتحنون بي في قبوركم ويتعرّف إيمانكم بنبوّتي.

ومنه حديث الحسن «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» قال : «فَتَنُوهم بالنار» : أي امتحنوهم وعذّبوهم.

ومنه الحديث «المؤمن خلق مُفْتَناً» أي ممتحنا ، يمتحنه الله بالذّنب ثم يتوب ، ثم يعود ثم يتوب. يقال : فَتَنْتُه أَفْتِنُه فَتْناً وفُتُوناً إذا امتحنته. ويقال فيها : أَفْتَنْتُه أيضا. وهو قليل.

__________________

(١) فى الأصل : «وهو نور العضاه» وأثبتنا ما فى ا ، واللسان.

٤١٠

وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم ، والكفر ، والقتال ، والإحراق ، والإزالة ، والصّرف عن الشيء.

وفي حديث عمر «أنه سمع رجلا يتعوّذ من الفِتَن ، فقال : أتسأل ربّك أن لا يرزقك أهلا ولا مالا؟» تأوّل قول الله تعالى (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ولم يرد فِتَنَ القتال والاختلاف.

(فتا) (ه) فيه «لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمّتي ، ولكن فَتَاي وفَتَاتِي» أي غلامي وجاريتي ، كأنه كره ذكر العبودية لغير الله تعالى.

(س) وفي حديث عمران بن حصين «جذعة أحبّ إليّ من هرمة ، الله أحقّ بالفَتَاء والكرم» الفَتَاء بالفتح والمدّ : المصدر من الفَتِيِ السّنّ. يقال : فَتِيٌ بيّن الفَتَاء : أي طريّ السّنّ. والكرم : الحسن.

(ه) وفيه «أنّ أربعة تَفَاتَوْا إليه عليه‌السلام» : أي تحاكموا ، من الفَتْوَى. يقال : أَفْتَاه في المسئلة يُفْتِيه إذا أجابه. والاسم : الفَتْوَى.

ومنه الحديث «الإثم ما حكّ في صدرك وإن أَفْتَاك الناس عنه وأَفْتَوْك» أي وإن جعلوا لك فيه رخصة وجوازا.

(ه) وفيه «أنّ امرأة سألت أمّ سلمة أن تريها الإناء الذي كان يتوضّأ منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخرجته ، فقالت المرأة : هذا مكّوك المُفْتِي» قال الأصمعيّ : المُفْتِى : مكيال هشام بن هبيرة. وأَفْتَى الرجل إذا شرب بالمُفْتِى (١) وهو قدح الشّطّار ، أرادت تشبيه الإناء بمكّوك هشام ، أو (٢) أرادت مكّوك صاحب المُفْتِى فحذفت المضاف ، أو مكّوك الشّارب ، وهو ما يكال به الخمر.

__________________

(١) الذى فى اللسان والقاموس : «والفتّى ، كسمىّ : قدح الشّطّار».

(٢) فى الأصل : «وأرادت» والمثبت من ا ، واللسان.

٤١١

وفي حديث البخاري :

الحرب أوّل ما تكون فُتَيَّة

هكذا جاء على التّصغير : أي شابّة. ورواه بعضهم «فَتِيَّة» بالفتح.

(باب الفاء مع الثاء)

(فثأ) في حديث زياد «لهو أحبّ إليَّ من رثيئة فُثِئَتْ بسلالة» أي خلطت به وكسرت حدّتها. والفَثْء : الكسر. يقال : فَثَأْتُه أَفْثَؤُه فَثْأ.

(فثر) (ه) في حديث أشراط الساعة «وتكون الأرض كفَاثُور الفضّة» الفَاثُور : الخوان. وقيل : هو طست أوجام من فضّة أو ذهب.

ومنه «قيل لقرص الشمس : فَاثُورُها».

ومنه حديث عليّ «كان بين يديه يوم عيد فَاثُورٌ عليه خبز السّمراء» : أي خوان.

(باب الفاء مع الجيم)

(فجأ) فيه ذكر «موت الفَجْأَة» في غير موضع. يقال : فَجِئَه الأمر ، وفَجَأَه فُجَاءَة بالضم والمدّ ، وفَاجَأَه مُفَاجَأَة إذا جاءه بغتة من غير تقدّم سبب ، وقيّده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مدّ على المرّة.

(فجج) في حديث الحج «وكلّ فِجَاج مكّة منحر» الفِجَاج : جمع فَجٍ ، وهو الطريق الواسع. وقد تكرر في الحديث واحدا ومجموعا.

ومنه الحديث «أنه قال لعمر : ما سلكت فَجّاً إلّا سلك الشيطان فَجّاً غيره!!».

وفَجُ الرّوحاء سلكه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ، عام الفتح والحج.

(ه) وفيه «أنه كان إذا بال تَفَاجَ حتى نأوي له» التَّفَاجّ : المبالغة في تفريج ما بين الرجلين ، وهو من الفَجّ : الطريق.

[ه] ومنه حديث أمّ معبد «فتَفَاجَّتْ عليه ودرّت واجترّت».

٤١٢

وحديث عبادة المازني «فركبت الفحل فتَفَاجَ للبول».

[ه] ومنه الحديث «حين سئل عن بني عامر فقال : جمل أزهر مُتَفَاجّ» أراد أنه مخصب في ماء وشجر ، فهو لا يزال يبول لكثرة أكله وشربه.

(فجر) (ه) في حديث أبي بكر رضي‌الله‌عنه «لأن يقدّم أحدكم فتضرب عنقه خير له من أن يخوض غمرات (١) الدنيا ، يا هادي الطّريق جرت ، إنّما هو الفَجْر أو البحر» يقول : إن انتظرت حتّى يضيء لك الفَجْر أبصرت قصدك ، وإن خبطت الظّلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه ، فضرب الفَجْر والبحر مثلا لغمرات الدنيا.

وروى «البجر» بالجيم. وقد تقدّم في حرف الباء.

ومنه الحديث «أعرّس إذا أَفْجَرْتُ ، وأرتحل إذا أسفرت» أي أنزل للنّوم والتّعريس إذا قربت من الفجر ، وأرتحل إذا أضاء.

وفيه «إنّ التّجار يبعثون يوم القيامة فُجَّاراً إلّا من اتّقى الله» الفُجَّار : جمع فَاجِر ، وهو المنبعث في المعاصي والمحارم. وقد فَجَرَ يَفْجُرُ فُجُوراً. وقد تقدّم في حرف التاء معنى تسميتهم فُجَّاراً.

ومنه حديث ابن عباس «كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أَفْجَرِ الفُجُور» أي من أعظم الذنوب.

ومنه الحديث «أنّ أمة لآل رسول الله فَجَرَتْ» أي زنت.

ومنه حديث أبي بكر «إيّاكم والكذب فإنه مع الفُجُور ، وهما في النار» يريد الميل عن الصّدق وأعمال الخير.

وحديث عمر «استحمله أعرابيّ وقال : إن ناقتي قد نقبت ، فقال له : كذبت ولم يحمله ، فقال :

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسّها من نقب ولا دبر

فاغفر له اللهمّ إن كان فَجَرَ

__________________

(١) فى الأصل : «فى غمرات» وقد أسقطنا «فى» حيث سقطت من ا ، واللسان ، والهروى.

٤١٣

أي كذب ومال عن الصّدق.

[ه] ومنه حديثه الآخر «أنّ رجلا استأذنه في الجهاد فمنعه لضعف بدنه ، فقال له : إنّ أطلقتني وإلّا فَجَرْتُك» أي عصيتك وخالفتك ومضيت إلى الغزو.

(ه) ومنه ما جاء في دعاء الوتر «ونخلع ونترك من يَفْجُرُك» أي يعصيك ويخالفك.

ومنه حديث عاتكة (١) «يا لَفُجَرُ» هو معدول عن فَاجِر للمبالغة ، ولا يستعمل إلّا في النّداء غالبا.

(س) وفي حديث ابن الزبير «فَجَّرْتَ بنفسك» أي نسبتها إلى الفُجُور ، كما يقال : فسّقته وكفّرته.

(ه) وفيه «كنت يوم الفِجَار أنبّل على عمومتي» هو (٢) يوم حرب كانت بين قريش ومن معها من كنانة ، وبين قيس عيلان في الجاهلية. سمّيت فِجَاراً لأنها كانت في الأشهر الحرم.

(فجفج) (ه) في حديث عثمان «إن هذا الفَجْفَاج لا يدري أين الله عزوجل» هو المهذار المكثار من القول.

ويروى «البجباج» وهو بمعناه أو قريب منه.

(فجا) [ه] في حديث الحج «كان يسير العنق ، فإذا وجد فَجْوَة نصّ» الفَجْوَة : الموضع المتّسع بين الشّيئين.

(ه) ومنه حديث ابن مسعود «لا يصلّينّ أحدكم وبينه وبين القبلة فَجْوَة» أي لا يبعد من قبلته ولا سترته ، لئلا يمرّ بين يديه أحد. وقد تكرر ذكرها في الحديث.

__________________

(١) فى اللسان : «عائشة».

(٢) فى الأصل : «هى» وأثبتنا ما فى ا. قال الهروى : «هى ثلاثة أفجرة كانت بين قريش ... الخ» وفى الصحاح : «أربعة أفجرة».

٤١٤

(باب الفاء مع الحاء)

(فحج) فيه «أنّه بال قائما ففَحَّجَ رجليه» أي فرّقهما وباعد ما بينهما. والفَحَج : تباعد ما بين الفخذين.

(ه) ومنه الحديث في صفة الدّجال «أنه أعور أَفْحَج».

وحديث الذي يخرّب الكعبة «كأنّي به أسود أَفْحَج ، يقلعها حجرا حجرا».

(فحش) (ه) فيه «إنّ الله يبغض الفَاحِش المُتَفَحِّش» الفَاحِش : ذو الفُحْش في كلامه وفعاله. والمُتَفَحِّش : الذي يتكلّف ذلك ويتعمّده.

وقد تكرر ذكر «الفُحْش والفَاحِشَة والفَوَاحِش» في الحديث. وهو كلّ ما يشتدّ قبحه من الذنوب والمعاصي. وكثيرا ما ترد الفَاحِشَة بمعنى الزّنا. وكلّ خصلة قبيحة فهي فَاحِشَة ، من الأقوال والأفعال.

[ه] ومنه الحديث «قال لعائشة : لا تقولي ذلك فإن الله لا يحبّ الفُحْش ولا التَّفَاحُش» أراد بالفُحْش التّعدّي في القول والجواب ، لا الفُحْشَ الذي هو من قذع الكلام ورديئه. والتَّفَاحُش : تفاعل منه ، وقد يكون الفُحْش بمعنى الزيادة والكثرة.

(ه) ومنه حديث بعضهم ، وقد سئل عن دم البراغيث فقال «إن لم يكن فَاحِشاً فلا بأس».

(فحص) (س) في حديث زواجه بزينب ووليمتها «فُحِصَت الأرض أَفَاحِيصَ» أي حفرت. والأَفَاحِيص : جمع أُفْحُوص القطاة ، وهو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض ، كأنها تَفْحَصُ عنه التراب : أي تكشفه. والفَحْص : البحث والكشف.

(س) ومنه الحديث «من بني لله مسجدا ولو كمَفْحَص قطاة» المَفْحَص : مفعل ، من الفَحْص ، كالأُفْحُوص ، وجمعه : مَفَاحِص.

ومنه الحديث «أنه أوصى أمراء جيش مؤتة : وستجدون آخرين ، للشيطان في رؤوسهم

٤١٥

مَفَاحِص فافلقوها بالسّيوف» أي إنّ الشيطان قد استوطن رؤوسهم فجعلها له مَفَاحِص ، كما تستوطن القطا مَفَاحِصَها ، وهو من الاستعارات اللّطيفة ، لأنّ من كلامهم إذا وصفوا إنسانا بشدة الغيّ والانهماك في الشّر قالوا : قد فرّخ الشيطان في رأسه وعشّش في قلبه ، فذهب بهذا القول ذلك المذهب.

[ه] ومنه حديث أبي بكر «وستجد قوما فَحَصُوا عن أوساط رؤوسهم الشّعر ، فاضرب ما فَحَصُوا عنه بالسّيف».

(س) ومنه حديث عمر «إنّ الدّجاجة لتَفْحَصُ في الرّماد» أي تبحثه وتتمرّغ فيه.

وفي حديث قسّ «ولا سمعت له فَحْصاً» أي وقع قدم وصوت مشى.

(ه) وفي حديث كعب «إنّ الله بارك في الشّام ، وخصّ بالتّقديس من فَحْص الأُرْدُنّ إلى رَفَح» الأُرْدُنّ : النّهر المعروف تحت طبريّة ، وفَحْصُه : ما بسط منه وكشف من نواحيه ، ورَفَح : قرية معروفة هناك.

(س) وفي حديث الشفاعة «فأنطلق حتى آتِيَ الفَحْصَ» أي قدّام العرش ، هكذا فسّر في الحديث ، ولعلّه من الفَحْص : البسط والكشف.

(فحل) (ه) فيه «أنّه دخل على رجل من الأنصار وفي ناحية البيت فَحْلٌ من تلك الفُحُول ، فأمر به فكنس ورشّ فصلّى عليه» الفَحْل هاهنا : حصير معمول من سعف فُحَّال النّخل ، وهو فَحْلُها وذكرها الذي تلقّح منه ، فسمّي الحصير فَحْلاً مجازا.

(ه) ومنه حديث عثمان «لا شفعة في بئر ولا فَحْلَ» أراد به فَحْلَ النّخلة ، لأنه لا ينقسم.

وقيل : لا يقال له إلا فُحَّال ، ويجمع الفَحْل على فُحُول ، والفُحَّال على فَحَاحِيل.

وإنّما لم تثبت (١) فيه الشّفعة ، لأنّ القوم كانت لهم نخيل في حائط فيتوارثونها ويقتسمونها ،

__________________

(١) فى ا «لم يثبت».

٤١٦

ولهم فَحْل يلقحون منه نخيلهم ، فإذا باع أحدهم نصيبه المقسوم من ذلك الحائط بحقوقه من الفُحَّال وغيره ، فلا شفعة للشّركاء في الفُحَّال ، لأنه لا تمكن قسمته (١).

وفي حديث الرّضاع ذكر «لبن الفَحْل» وسيرد في حرف اللام.

(ه) وفي حديث ابن عمر «أنه بعث رجلا يشتري له أضحيّة ، فقال : اشتره كبشا فَحِيلاً» الفَحِيل : المنجب في ضرابه. واختار الفَحْل على الخصيّ والنّعجة طلب نبله وعظمه (٢).

وقيل : الفَحِيل : الذي يشبه الفُحُولَة في عظم خلقه.

وفيه «لم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفَحْل؟». هكذا جاء في رواية ، يريد فَحْلَ الإبل إذا علا ناقة دونه أو فوقه في الكرم والنّجابة ، فإنهم يضربونه على ذلك ويمنعونه عنه.

(ه) وفي حديث عمر «لما قدم الشام تَفَحَّلَ له أمراء الشام» أي أنّهم تلقّوه متبذّلين غير متزيّنين ، متقشّفين ، مأخوذ من الفَحْل ضدّ الأنثى ، لأن التّزيّن والتّصنّع في الزّيّ من شأن الإناث.

وفيه ذكر «فِحْل» بكسر الفاء وسكون الحاء : موضع بالشّام كانت به وقعة للمسلمين مع الروم. ومنه يوم فِحْل.

وفيه ذكر «فَحْلَيْن» على التّثنية : موضع في جبل أحد.

(فحم) (ه) فيه «اكفتوا صبيانكم حتى تذهب فَحْمَة العشاء» هي إقباله وأوّل سواده. يقال للظّلمة التي بين صلاتي العشاء : الفَحْمَة ، وللظّلمة التي بين العتمة والغداة : العسعسة.

وفي حديث عائشة مع زينب بنت جحش «فلم ألبث أن أَفْحَمْتُها» أي أسكتّها.

__________________

(١) قال الهروى : «وهذا مذهب أهل المدينة رضى الله عنهم» ا ه. وانظر اللسان. ففيه بسط لما أجمل المصنف فى هذه المسألة.

(٢) فى الهروى واللسان : «وطلب نبله وعظمه».

٤١٧

(فحا) فيه «من أكل من فِحَا أرضنا لم يضرّه ماؤها» الفِحَا بالكسر والفتح : واحد الأَفْحَاء : توابل القدور. وقد فَحَيْتُ القدر : أي جعلت فيها التّوابل ، كالفلفل والكمّون ونحوهما ، وقيل : هو البصل.

[ه] ومنه حديث معاوية «قال لقوم قدموا عليه : كلوا من فِحَا أرضنا فقلّما أكل قوم من فِحَا أرض فضرّهم ماؤها».

(باب الفاء مع الخاء)

(فخخ) (ه) في حديث صلاة اللّيل «أنه (١) نام حتى سمع فَخِيخُه» أي غطيطه.

[ه] وفي حديث عليّ :

أفلح من كان له مزخّه

يزخّها ثم ينام الفَخَّه

أي ينام نومة يسمع فَخِيخُه فيها.

وفي حديث بلال :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بفَخٍ وحولي إذخر وجليل

فَخٌ : موضع عند مكّة. وقيل : واد دفن به عبد الله بن عمر ، وهو أيضا

ماء أقطعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عظيم بن الحارث المحاربيّ.

(فخذ) (ه) فيه «لمّا نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» بات يُفَخِّذُ عشيرته» أي يناديهم فَخِذاً فَخِذاً ، وهم أقرب العشيرة إليه. وقد تكرر ذكر «الفَخِذ» في الحديث.

وأوّل العشيرة الشّعب ، ثم القبيلة ، ثم الفصيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفَخِذ. كذا قال الجوهري.

(فخر) (س) فيه «أنا سيّد ولد آدم ولا فَخْر» الفَخْر : ادّعاء العظم والكبر والشّرف : أي لا أقوله تبجّحا ، ولكن شكرا لله وتحدّثا بنعمه.

__________________

(١) الضمير يعود على ابن عباس كما يستفاد من عبارة الهروى.

٤١٨

(س) وفيه «أنه خرج يتبرّز فأتبعه عمر بإداوة وفَخَّارَة» الفَخَّار : ضرب من الخزف معروف تعمل منه الجرار والكيزان وغيرهما.

(فخم) (ه) في صفته عليه الصلاة والسلام «كان فَخْماً مُفَخَّماً» أي عظيما معظّما في الصدور والعيون ، ولم تكن خلقته في جسمه الضّخامة.

وقيل : الفَخَامَة في وجهه : نبله وامتلاؤه مع الجمال والمهابة.

(باب الفاء مع الدال)

(فدح) (ه) فيه «وعلى المسلمين أن لا يتركوا في الإسلام مَفْدُوحاً في فداء أو عقل» المَفْدُوح : الذي فَدَحَه الدَّيْن : أي أثقله. وقد فَدَحَه يَفْدَحُه فَدْحاً فهو فَادِح.

ومنه حديث ابن ذي يزن «لكشفك الكرب الذي فَدَحَنا» أي أثقلنا.

(فدد) (ه) فيه «إنّ الجفاء والقسوة في الفَدَّادِين» الفَدَّادُون بالتشديد : الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ، واحدهم : فَدَّاد. يقال : فَدَّ الرجل يَفِدُّ فَدِيداً إذا اشتدّ صوته.

وقيل : هم المكثرون من الإبل.

وقيل : هم الجمّالون والبقّارون والحمّارون والرّعيان.

وقيل : إنما هو «الفَدَادِين» مخفّفا ، واحدها : فدّان ، مشدّد ، وهي البقر التي يحرث بها ، وأهلها أهل جفاء وغلظة.

ومنه الحديث «هلك الفَدَّادُون إلّا من أعطى في نجدتها ورسلها» أراد الكثيري الإبل ، كان إذا ملك أحدهم المئين من الإبل إلى الألف قيل له فَدَّاد. وهو في معنى النسب ، كسرّاج وعوّاج. وقد تكرر في الحديث.

[ه] ومن الأوّل حديث أبي هريرة «أنه رأى رجلين يسرعان إلى الصّلاة ، فقال : ما لكما تَفِدَّان فَدِيدَ الجمل!» يقال : فَدَّ الإنسان والجمل يَفِدُّ إذا علا صوته ، أراد أنهما كانا يعدوان فيسمع لعدوهما صوت.

٤١٩

وفيه «إنّ الأرض تقول للميت : ربما مشيت عليَ فَدَّاداً» قيل : أراد ذا أمل كثير وخيلاء وسعي دائم.

(فدر) (س) في حديث أمّ سلمة «أهديت لي فِدْرَة من لحم» أي قطعة. والفِدْرَة : القطعة من كل شيء ، وجمعها : فِدَر.

ومنه حديث جيش الخبط «فكنا نقتطع منه الفِدَر كالثّور» وقد تكرر في الحديث.

(ه) وفي حديث مجاهد «قال : في الفَادِر العظيم من الأروى بقرة» الفَادِر والفَدُور : المسنّ من الوعول ، وهو من فَدَرَ الفحل فُدُوراً إذا عجز عن الضراب ، يعنى في فديته بقرة.

(فدع) (ه) في حديث ابن عمر «أنه مضى إلى خيبر ففَدَعَه أهلها» الفَدَع بالتحريك : زيغ بين القدم وبين عظم الساق ، وكذلك في اليد ، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها. ورجل أَفْدَع بيّن الفَدَع.

[ه] وفي صفة ذي السّويقتين الذي يهدم الكعبة : «كأنّي به أُفَيْدِع أصيلع» أُفَيْدِع : تصغير أَفْدَع.

(فدغ) فيه «أنه دعا على عتيبة بن أبي لهب فضغمه الأسد ضغمة فَدَغَهُ» الفَدْغ : الشّدخ والشّق اليسير.

(ه) ومنه الحديث «إذا تَفْدَغُ قريش الرّأس».

(ه) ومنه الحديث في الذّبح بالحجر «إن لم يَفْدَغ الحلقوم فكل» لأنّ الذّبح بالحجر يشدخ الجلد ، وربّما لا يقطع الأوداج فيكون كالموقوذ.

ومنه حديث ابن سيرين «سئل عن الذّبيحة بالعود فقال : كلّ ما لم يَفْدَغْ» يريد ما قتل بحدّه فكله ، وما قتل بثقله فلا تأكله.

(فدفد) (ه) فيه «فلجأوا إلى فَدْفَدٍ فأحاطوا بهم» الفَدْفَد : الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع.

٤٢٠