النّهاية - ج ٣

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٨٨

وقيل : هي مصدر بمعنى الغَرْف ، كالرّاغية والثّانية واللّاغية. ومنه قوله تعالى : «لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً» أي لغو.

وقال الخطّابي : يريد بالغَارِفَة التي تجزّ ناصيتها عند المصيبة.

(غرق) فيه «الحرق شهيد ، والغَرِق شهيد» الغَرِق بكسر الراء : الذي يموت بالغَرَق : وقيل : هو الذي غلبه الماء ولم يَغْرَقْ ، فإذا غَرِقَ فهو غَرِيق.

(ه) ومنه الحديث «يأتي على النّاس زمان لا ينجو [منه (١)] إلا من دعا دعاء الغَرِق» كأنّه أراد إلّا من أخلص الدّعاء ، لأنّ من أشفى على الهلاك أخلص في دعائه طلب النّجاة.

ومنه الحديث «اللهم إنّي أعوذ بك من الغَرَق والحرق» الغَرَق بفتح الراء : المصدر.

(س) وفيه «فلمّا رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم احمرّ وجهه واغْرَوْرَقَتْ عيناه» أي غَرِقَتَا بالدّموع ، وهو افعوعلت من الغَرَق.

(س) ومنه حديث وحشي «أنه مات غَرِقاً في الخمر» أي متناهيا في شربها والإكثار منه ، مستعار من الغَرِق.

ومنه حديث ابن عباس «فعمل بالمعاصي حتى أَغْرَقَ أعماله» ، أي أضاع أعماله الصّالحة بما ارتكب من المعاصي.

(س) وفي حديث عليّ «لقد أَغْرَقَ في النّزع» أي بالغ في الأمر وانتهى فيه. وأصله من نزع القوس ومدّها ، ثم استعير لمن بالع في كلّ شيء.

(س) وفي حديث ابن الأكوع «وأنا على رجلي فَأَغْتَرِقُها» يقال : اغْتَرَقَ الفرس الخيل إذا خالطها ثم سبقها. واغْتِرَاق النّفس : استيعابه في الزّفير.

ويروى بالعين المهملة ، وقد تقدّم.

__________________

(١) من الهروى. وفى اللسان : «فيه».

٣٦١

(س) وفي حديث عليّ وذكر مسجد الكوفة «في زاويته فارَ التَّنُّورُ ، وفيه هلك يغوث ويعوق وهو الغَارُوق» هو فاعول من الغَرَق ، لأنّ الغَرَق في زمان نوح عليه‌السلام كان منه.

وفي حديث أنس «وغُرَقاً فيه دبّاء» هكذا جاء في رواية ، والمعروف «مرقا». والغُرَق : المرق.

قال الجوهري «الغُرْقَة بالضم : مثل الشّربة من اللّبن وغيره ، والجمع غُرَق».

ومنه الحديث «فتكون أصول السّلق غُرْقَة» وفي رواية أخرى «فصارت غُرْقَة» وقد رواه بعضهم بالفاء : أي ممّا يغرف.

(غرقد) (ه) في حديث أشراط الساعة «إلّا الغَرْقَد ، فإنّه من شجر اليهود». وفي رواية «إلّا الغَرْقَدَة» (١) هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشّوك. والغَرْقَدَة : واحدته. ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة : «بقيع الغَرْقَد» ، لأنه كان فيه غَرْقَدٌ وقطع. وقد تكرر في الحديث.

(غرل) (ه) فيه «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غُرْلاً» الغُرْل : جمع الأَغْرَل ، وهو الأقلف. والغُرْلَة : القلفة.

(ه) ومنه حديث أبي بكر «لأن أحمل عليه غلاما ركب الخيل على غُرْلَتِه أحبّ إليّ من أن أحملك عليه» يريد ركبها في صغره واعتادها قبل أن يختن.

(س) ومنه حديث طلحة «كان يشور نفسه على غُرْلَتِه» أي يسعى ويخفّ وهو صبيّ.

وحديث الزّبرقان «أحبّ صبياننا إلينا الطّويل الغُرْلَة» إنّما أعجبه طولها لتمام خلقه. وقد تكرر في الحديث.

__________________

(١) وهى رواية الهروى. والزمخشرى فى الفائق ٢ / ٢١٩.

٣٦٢

(غرم) (ه) فيه «الزّعيم غَارِم» الزّعيم : الكفيل ، والغَارِم : الذي يلتزم ما ضمنه وتكفّل به ويؤدّيه. والغُرْم : أداء شيء لازم. وقد غَرِمَ يَغْرَمُ غُرْماً.

(ه) ومنه الحديث «الرّهن لمن رهنه ، له غنمه وعليه غُرْمُه» أي عليه أداء ما يفكّه به.

ومنه الحديث «لا تحلّ المسئلة إلّا لذي غُرْمٍ مفظع» أي حاجة لازمة من غَرَامَة مثقلة.

(س) ومنه الحديث في الثّمر المعلّق «فمن خرج بشيء منه فعليه غَرَامَة مثليه والعقوبة» قيل : هذا كان فى صدر الإسلام ، ثم نسخ ، فإنه لا واجب على متلف الشىء أكثر من مثله.

وقيل : هو على سبيل الوعيد لينتهى عنه.

(س) ومنه الحديث الآخر «في ضالّة الإبل المكتومة غَرَامَتُها ومثلها معها».

ومنه الحديث «أعوذ بك من المأثم والمَغْرَم» هو مصدر وضع موضع الاسم ، ويريد به مَغْرَم الذّنوب والمعاصي.

وقيل : المَغْرَم كالغُرْم ، وهو الدّين ، ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله ، أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه ، فأمّا دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه.

ومنه حديث أشراط الساعة «والزكاة مَغْرَماً» أي يرى ربّ المال أنّ إخراج زكاته غَرَامَة يَغْرَمُها.

(س) ومنه حديث معاذ «ضربهم الله بذلّ مُغْرَم» أي لازم دائم. يقال : فلان مُغْرَم بكذا أي لازم له ومولع به.

وفي حديث جابر «فاشتدّ عليه بعض غُرَّامِه في التّقاضي» الغُرَّام : جمع غَرِيم كالغُرَمَاء ، وهم أصحاب الدّين ، وهو جمعٌ غريبٌ. وقد تكرر ذكرها في الحديث مفردا ومجموعا وتصريفا.

٣٦٣

(غرنق) (ه) فيه «تلك الغَرَانِيق العلى» الغَرَانِيق هاهنا : الأصنام ، وهي في الأصل الذكور من طير الماء ، واحدها : غُرْنُوق وغُرْنَيْق ، سمّي به لبياضه. وقيل : هو الكركيّ.

والغُرْنُوق أيضا : الشّاب النّاعم الأبيض. وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من الله وتشفع لهم ، فشبّهت بالطيور التي تعلو في السّماء وترتفع.

(ه) ومنه حديث عليّ «فكأنّي أنظر إلى غُرْنُوق من قريش يتشحّط في دمه» أي شابّ ناعم.

ومنه حديث ابن عباس «لمّا أتى بجنازته الوادي أقبل طائر غُرْنُوق أبيض كأنه قبطيّة حتى دخل في نعشه ، قال الرّاوي : فرمقته فلم أره خرج حتى دفن».

(غرن) فيه ذكر «غُرَان» هو بضم الغين وتخفيف الراء : واد قريب من من الحديبية نزل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسيره ، فأمّا «غراب» بالباء فجبل بالمدينة على طريق الشام.

(غرا) (س) في حديث الفرع «لا تذبحها وهي صغيرة لم يصلب لحمها فيلصق بعضها ببعض كالغِرَاء» الغِرَاء بالمدّ والقصر : هو الذي يلصق به الأشياء ويتّخذ من أطراف الجلود والسمك.

ومنه الحديث «فرّعوا إن شئتم ولكن لا تذبحوه غَرَاةً حتى يكبر» الغَرَاة بالفتح والقصر : القطعة من الغِرَا ، وهي لغة في الغِرَاء.

(س) ومنه الحديث «لبّدت رأسي بغسل أو بغِرَاء».

وحديث عمرو بن سلمة الجرميّ «فكأنما يَغْرَى في صدري» أي يلصق به. يقال : غَرِيَ هذا الحديث في صدري بالكسر يَغْرَى بالفتح ، كأنه ألصق بالغِرَاء.

(س) وفي حديث خالد بن عبد الله :

* لا غَرْوَ إلّا أكلة بهمطة *

٣٦٤

الغَرْو : العجب. وغَرَوْتُ : أي عجبت ، ولا غَرْوَ : أي ليس بعجب. والهمط : الأخذ بخرق وظلم.

ومنه حديث جابر «فلمّا رأوه أُغْرُوا بي تلك الساعة» أى لّجوا في مطالبتي وألّحوا.

(باب الغين مع الزاى)

(غزر) (س) فيه «من منح منيحة لبن بكيئة كانت أو غَزِيرَة» أي كثيرة اللّبن. وأَغْزَرَ القوم : إذا كثرت ألبان مواشيهم.

ومنه حديث أبي ذرّ «هل يثبت لكم العدوّ حلب شاة؟ ، قالوا : نعم وأربع شياه غُزُرٍ» هي جمع غَزِيرَة : أي كثيرة اللّبن. هكذا جاء في رواية. والمشهور المعروف بالعين المهملة والزّايين ، جمع عزوز ، وقد تقدم.

[ه] وفيه عن بعض التابعين «الجانب المُسْتَغْزِر يثاب من هبته» المُسْتَغْزِر : الذي يطلب أكثر ممّا يعطي ، وهي المُغَازَرَة : أي إذا أهدى لك الغريب شيئا يطلب أكثر منه فأعطه في مقابلة هديّته.

(غزز) في حديث علي «إنّ الملكين يجلسان على ناجذي الرجل يكتبان خيره وشرّه ، ويستمدّان من غُزَّيْهِ» الغُزَّانِ بالضم : الشّدقان ، واحدهما : غُزٌّ.

وفي حديث الأحنف «شربة من ماء الغَزِيز» هو بضم الغين وفتح الزاي الأولى : ماء قرب اليمامة.

(غزل) (س) في كتابه لقوم من اليهود «عليكم كذا وكذا وربع المِغْزَل» أي ربع ما غَزَلَ نساؤكم ، وهو بالكسر الآلة ، وبالفتح : موضع الغَزْل ، وبالضم : ما يجعل فيه الغَزْل. وقيل : هذا حكم خصّ به هؤلاء.

(غزا) فيه «قال يوم فتح مكة : لا تُغْزَى قريش بعدها» أي لا تكفر حتى تُغْزَى على الكفر. ونظيره وقوله «ولا يقتل قرشيّ صبرا بعد اليوم» أي لا يرتدّ فيقتل صبرا على ردّته.

٣٦٥

(س) ومنه الحديث الآخر «لا تُغْزَى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة» يعنى مكة : أي لا تعود دار كفر تُغْزَى عليه. ويجوز أن يراد أنّ الكفّار لا يَغْزُونَها أبدا ، فإنّ المسلمين قد غَزَوْها مرّات.

وفيه «ما من غَازِيَة تخفق وتصاب إلّا تمّ أجرهم» الغَازِيَة : تأنيث الغَازِي ، وهي هاهنا صفة لجماعة غَازِيَة. وأخفق الغَازِي : إذا لم يغنم ولم يظفر. وقد غَزَا يَغْزُو غَزْواً فهو غَازٍ. والغَزْوَة : المرّة من الغَزْو : والاسم الغَزَاة. وجمع الغَازِي : غُزَاة وغُزًّى وغَزِيٌ وغُزَّاءٌ ، كقضاة ، وسبّق ، وحجيج ، وفسّاق. وأَغْزَيْتُ فلانا : إذا جهّزته للغَزْو. والمَغْزَى والمَغْزَاة : موضع الغَزْو ، وقد يكون الغَزْو نفسه.

ومنه الحديث «كان إذا استقبل مَغْزًى».

والمُغْزِيَة : المرأة التي غَزَا زوجها وبقيت وحدها في البيت.

(ه) ومنه حديث عمر «لا يزال أحدهم كاسرا وساده عند مُغْزِيَة».

(باب الغين مع السين)

(غسق) (ه) فيه «لو أنّ دلوا من غَسَّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدّنيا» الغَسَّاق بالتخفيف والتشديد : ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم. وقيل : ما يسيل من دموعهم. وقيل : هو الزّمهرير.

(ه) وفي حديث عائشة «قال لها ونظر إلى القمر : تعوّذي بالله من هذا فإنه» يقال : غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقاً فهو غَاسِق إذا أظلم ، وأَغْسَقَ مثله. وإنما سمّاه غَاسِقا ، لأنه إذا خسف أو أخذ في المغيب أظلم.

ومنه الحديث «فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما أَغْسَقَ» أي دخل في الغَسَق ، وهي ظلمة الليل.

ومنه حديث أبي بكر «إنّه أمر عامر بن فهيرة وهما في الغار أن يروّح عليهما غنمه مُغْسِقاً».

٣٦٦

(ه) ومنه حديث عمر «لا تفطروا حتى يُغْسِقَ الليل على الظّراب» أي حتى يغشى الليل بظلمته الجبال الصّغار.

(ه) وحديث الرّبيع بن خثيم «كان يقول لمؤذّنه في يوم غيم : أَغْسِقْ أَغْسِقْ» أي أخّر المغرب حتى يظلم الليل.

(غسل) (س ه) في حديث الجمعة «من غَسَّلَ واغْتَسَلَ ، وبكّر وابتكر» ذهب كثير من الناس أن «غَسَّلَ» أراد به المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة ، لأنّ ذلك يجمع غضّ الطرف في الطّريق.

يقال : غَسَّلَ الرجل امرأته ـ بالتّشديد والتّخفيف ـ (١) إذا جامعها. وقد روي مخفّفا.

وقيل : أراد غَسَّلَ غيره واغْتَسَلَ هو ، لأنّه إذا جامع زوجته أحوجها إلى الغُسْل.

وقيل : أراد بِغَسَّلَ غَسْلَ أعضائه للوضوء ، ثم يَغْتَسِلُ للجمعة.

وقيل : هما بمعنى واحد وكرّره للتأكيد.

(ه س) وفيه «أنه قال فيما حكى عن ربّه : وأنزل عليك كتابا لا يَغْسِله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان» أراد أنه لا يمحى أبدا ، بل هو محفوظ في صدور الّذين أوتوا العلم ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ). وكانت الكتب المنزّلة لا تجمع حفظا ، وإنّما يعتمد في حفظها على الصّحف ، بخلاف القرآن فإنّ حفّاظه أضعاف مضاعفة لصحفه.

وقوله «تقرؤه نائما ويقظان» أي تجمعه حفظا في حالتي النّوم واليقظة.

وقيل : أراد تقرؤه في يسر وسهولة.

[ه] وفي حديث الدعاء «واغْسِلْنِي بماء الثّلج والبرد» أي طهّرني من الذنوب. وذكر هذه الأشياء مبالغة في التّطهير.

(س) وفيه «وضعت (٢) له غُسْلَه من الجنابة» الغُسْل بالضم : الماء الذي يُغْتَسَل به ،

__________________

(١) فى الهروي : «وقال أبو بكر : معنى «غسّل» بالتشديد : اغتسل بعد الجماع ثم اغتسل للجمعة ، فكرر بهذا المعنى».

(٢) فى ا : «وصفت».

٣٦٧

كالأكل لما يؤكل ، وهو الاسم أيضا من غَسَلْتُه ، والغَسْل بالفتح : المصدر ، وبالكسر : ما يُغْسَل به من خطميّ وغيره.

وفيه «من غَسَّلَ الميّت فليَغْتَسِل» قال الخطّابي : لا أعلم أحدا من الفقهاء يوجب الاغْتِسَال من غُسْلِ الميّت ولا الوضوء من حمله ، ويشبه أن يكون الأمر فيه على الاستحباب.

قلت : الغُسْل من غسْل الميّت مسنون ، وبه يقول الفقهاء. قال الشافعي : وأحبّ الغُسْل من غُسْل الميّت ، ولو صحّ الحديث قلت به.

وفي حديث العين «إذا اسْتَغْسَلْتُم فاغْسِلُوا» أي إذا طلب من أصابته العين أن يَغْتَسِلَ من أصابه بعينه فليجبه.

كان من عادتهم أنّ الإنسان إذا أصابته عين من أحد جاء إلى العائن بقدح فيه ماء فيدخل كفّه فيه ، فيتمضمض ثم يمجّه في القدح ، ثم يَغْسِل وجهه فيه ، ثم يدخل يده اليسرى فيصبّ على يده اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصبّ على يده اليسرى ، ثم يدخل يده اليسرى فيصبّ على مرفقه الأيمن ، ثم يدخل يده اليمنى فيصبّ على مرفقه الأيسر ، ثم يدخل يده اليسرى فيصبّ على قدمه اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصبّ على قدمه اليسرى ، ثم يدخل يده اليسرى فيصبّ على ركبته اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح بالأرض ، ثم يصبّ ذلك الماء المستعمل على رأس المصاب بالعين من خلفه صبّة واحدة فيبرأ بإذن الله تعالى.

وفي حديث علي وفاطمة «شرابه الحميم والغِسْلِين» هو ما انْغَسَلَ من لحوم أهل النار وصديدهم ، والياء والنّون زائدتان.

٣٦٨

(باب الغين مع الشين)

(غشش) (ه) فيه «من غَشَّنَا فليس منّا» الغِشُ : ضدّ النّصح ، من الغَشَش ، وهو المشرب الكدر.

وقوله : «ليس منّا» أي ليس من أخلاقنا ولا على سنتنا. وقد تكرر في الحديث.

(ه) وفي حديث أم زرع «ولا تملأ بيتنا تَغْشِيشاً» هكذا جاء في رواية ، وهو من الغِشّ. وقيل : هو النّميمة. والرواية بالعين المهملة. وقد تقدّم.

(غشمر) (ه) في حديث جبر بن حبيب «قال : قاتله الله لقد تَغَشْمَرَها» أي أخذها بجفاء وعنف.

(غشا) في حديث المسعى «فإنّ الناس غَشُوه» أي ازدحموا عليه وكثروا. يقال : غَشِيَه يَغْشَاه غِشْيَاناً إذا جاءه ، وغَشَّاه تَغْشِيَة إذا غطّاه ، وغَشِيَ الشيء إذا لابسه. وغَشِيَ المرأة إذا جامعها. وغُشِيَ عليه فهو مَغْشِيٌ عليه إذا أغمي عليه. واسْتَغْشَى بثوبه وتَغَشَّى : أي تغطّى. والجميع قد جاء في الحديث على اختلاف ألفاظه.

فمنها قوله «وهو مُتَغَشٍ بثوبه».

وقوله «وتُغَشِّى أنامله» أي تسترها.

ومنها قوله «غَشِيَتْهُم الرّحمة ، وغَشِيَها ألوان» أي تعلوها.

ومنها قوله «فلا يَغْشَنا في مساجدنا».

وقوله «فإن غَشِيَنا من ذلك شيء» هو من القصد إلى الشيء والمباشرة.

ومنها قوله «ما لم يَغْشَ الكبائر».

(س) ومنه حديث سعد «فلما دخل عليه وجده في غَاشِيَة» الغَاشِيَة : الدّاهية من خير أو شرّ أو مكروه. ومنه قيل للقيامة «الغَاشِيَة» وأراد في غَشْيَة من غَشَيَات الموت.

٣٦٩

ويجوز أن يريد بالغَاشِيَة القوم الحضور عنده الذين يَغْشَوْنَه للخدمة والزّيارة : أي جماعة غَاشِيَة ، أو ما يَتَغَشَّاه من كرب الوجع الذي به : أي يغطّيه فظنّ أن قد مات.

(باب الغين مع الصاد)

(غصب) قد تكرر في الحديث ذكر «الغَصْب» وهو أخذ مال الغير ظلما وعدوانا. يقال : غَصَبَه يَغْصِبُه غَصْباً ، فهو غَاصِب ومَغْصُوب.

ومنه الحديث «أنه غَصَبَها نفسها» أراد أنّه واقعها كرها ، فاستعاره للجماع.

(غصص) في قوله تعالى (لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) قيل : إنّه من بين المشروبات لا يَغَصُ به شاربه. يقال : غَصَصْتُ بالماء أَغَصُ غَصَصاً فأنا غَاصٌ وغَصَّان إذا شرقت به ، أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه.

(غصن) قد تكرر في الحديث ذكر «الغُصْن والأَغْصَان» وهي أطراف الشّجر مادامت فيها ثابتة ، وتجمع على غُصُون أيضا.

(باب الغين مع الضاد)

(غضب) قد تكرر ذكر «الغَضَب» في الحديث من الله تعالى ومن الناس ، فأما غَضَب الله فهو إنكاره على من عصاه ، وسخطه عليه ، وإعراضه عنه ، ومعاقبته له. وأما من المخلوقين فمنه محمود ومذموم ، فالمحمود ما كان في جانب الدّين والحق ، والمذموم ما كان في خلافه.

(غضر) في حديث ابن زمل «الدنيا وغَضَارَة عيشها» أي طيبها ولذّتها. يقال : إنهم لفي غَضَارَة من العيش : أي في خصب وخير.

(غضرف) في صفته عليه الصلاة والسلام «أعرفه بخاتم النّبوّة أسفل من غُضْرُوف كتفه» غُضْرُوف الكتف : رأس لوحه.

٣٧٠

(غضض) (ه) فيه «كان إذا فرح غَضَ طرفه» أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه. وإنما كان يفعل ذلك ليكون أبعد من الأشر والمرح.

ومنه حديث أم سلمة «حماديات النّساء غَضُ الأطراف» في قول القتيبيّ (١).

ومنه قصيد كعب :

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلّا أغنّ غَضِيض الطّرف مكحول

هو فعيل بمعنى مفعول. وذلك إنما يكون من الحياء والخفر.

وحديث العطاس «كان إذا عطس غَضَ صوته» أي خفضه ولم يرفعه بصيحة.

وفي حديث ابن عباس «لو غَضَ الناس في الوصيّة من الثّلث» أي لو نقصوا وحطّوا.

(س) وفيه «من سرّه أن يقرأ القرآن غَضّاً كما أنزل فليسمعه من ابن أمّ عبد» الغَضّ : الطّريّ الذي لم يتغيّر ، أراد طريقه في القراءة وهيأته فيها.

وقيل : أراد بالآيات التي سمعها منه من أوّل سورة النّساء إلى قوله «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً».

ومنه حديث عليّ «هل ينتظر أهل غَضَاضَة (٢) الشّباب» أي نضارته وطراوته.

(س) وفي حديث ابن عبد العزيز «أنّ رجلا قال : إن تزوّجت فلانة حتى آكل الغَضِيض فهي طالق» الغَضِيض : الطّريّ ، والمراد به الطّلع. وقيل : الثّمر أوّل ما يخرج.

(غضغض) (ه) فيه «لمّا مات عبد الرحمن بن عوف قال عمرو بن العاص : هنيئا لك خرجت من الدنيا ببطنتك لم تَتَغَضْغَضْ منها بشيء (٣)» يقال : غَضْغَضْتُه فتَغَضْغَضَ : أي نقصته فنقص ، يريد أنه لم يتلبّس بولاية وعمل ينقص أجره الذي وجب له. وقد تقدّم في الباء.

__________________

(١) انظر ص ١٢٠ من هذا الجزء.

(٢) رويت : «بضاضة» وسبقت.

(٣) كذا فى الأصل والهروى. وفى ا ، واللسان : «لم يتغضغض منها شىء» وكأنهما روايتان ، انظر ص ١٣٧ من الجزء الأول.

٣٧١

(غضف) في الحديث «أنه قدم خيبر بأصحابه وهم مسغبون والثمرة مُغْضِفَة».

(ه) ومنه حديث عمر «وذكر أبواب الرّبا قال : ومنها الثمرة تباع وهي مُغْضِفَة» أي قاربت الإدراك ولمّا تدرك.

وقيل : هي المتدلّية من شجرها مسترخية ، وكلّ مسترخ أَغْضَفَ. أراد أنها تباع ولم يبد صلاحها.

(غضن) في حديث سطيح :

وكاشف الكربة في الوجه الغَضِن

هو الوجه الذي فيه تكسّر وتجعّد ، من شدة الهمّ والكرب الذي نزل به.

(باب الغين مع الطاء)

(غطرس) في حديث عمر «لولا التّغطرس ما غسلت يدي» التَّغَطْرُس : الكبر.

(غطرف) (ه) في حديث سطيح :

أصمّ أم يسمع غِطْرِيف اليمن

الغِطْرِيف : السّيّد (١) ، وجمعه الغَطَارِيف. وقد تكرر في الحديث.

(غطط) (س) فيه «أنّه نام حتى سمع غَطِيطه» الغَطِيط : الصّوت الذي يخرج مع نفس النائم ، وهو ترديده حيث لا يجد مساغا. وقد غَطَّ يَغِطُّ غَطّاً وغَطِيطاً.

(س) ومنه حديث نزول الوحي «فإذا هو محمرّ الوجه يَغِطُّ».

(س) و[في (٢)] حديث جابر «وإنّ برمتنا لتَغِطُّ» أي تغلي ويسمع غَطِيطُها.

ومنه الحديث «والله ما يَغِطُّ لنا بعير» غَطَّ البعير : إذا هدر في الشّقشقة ، فإن لم يكن في الشّقشقة فهو هدير.

__________________

(١) قال الهروى : والغطريف فى غير هذا : البازى الذى أخذ من وكره صغيرا.

(٢) من ا واللسان.

٣٧٢

(س) وفي حديث ابتداء الوحي «فأخذني جبريل فغَطَّنِي» الغَطّ : العصر الشديد والكبس ، ومنه الغَطُّ في الماء : الغوص.

قيل : إنما غَطَّه ليختبره هل يقول من تلقاء نفسه شيئا.

(س) ومنه حديث زيد بن الخطاب وعاصم بن عمر «أنهما كانا يَتَغَاطَّان في الماء وعمر ينظر» أي يتغامسان فيه ، يَغُطُّ كلّ واحد منهما صاحبه.

(غطف) (ه) في حديث أمّ معبد «وفي أشفاره غَطَفٌ» هو أن يطول شعر الأجفان ثم ينعطف ، ويروى بالعين المهملة ، وقد تقدّم (١).

(غطا) (س) فيه «أنه نهى أن يُغَطِّيَ الرجل فاه في الصلاة» من عادة العرب التّلثّم بالعمائم على الأفواه فنهوا عن ذلك في الصّلاة ، فإن عرض له التّثاؤب جاز له أن يُغَطِّيَه بثوبه أو يده ، لحديث ورد فيه.

(باب الغين مع الفاء)

(غفر) في أسماء الله تعالى «الْغَفَّار والْغَفُورُ» وهما من أبنية المبالغة ، ومعناهما السّاتر لذنوب عباده وعيوبهم ، المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. وأصل الغَفْر : التّغطية. يقال : غَفَرَ الله لك غَفْراً وغُفْرَاناً ومَغْفِرَة. والمَغْفِرَة : إلباس الله تعالى العفو للمذنبين.

وفيه «كان إذا خرج من الخلاء قال : غُفْرَانَك» الغُفْرَان مصدر ، وهو منصوب بإضمار أطلب ، وفي تخصيصه بذلك قولان :

أحدهما : التّوبة من تقصيره في شكر النّعمة التي أنعم بها عليه من إطعامه وهضمه وتسهيل مخرجه فلجأ إلى الاسْتِغْفَار من التّقصير.

والثّاني : أنه اسْتَغْفَرَ من تركه ذكر الله تعالى مدّة لبثه على الخلاء ، فإنه كان لا يترك ذكر الله بلسانه أو قلبه إلّا عند قضاء الحاجة ، فكأنه رأى ذلك تقصيرا فتداركه بالاسْتِغْفَار.

__________________

(١) ويروى «وطف» وسيجىء.

٣٧٣

وفيه «غِفَارُ غَفَرَ الله لها» يحتمل أن يكون دعاء لها بالمَغْفِرَة ، أو إخبارا أن الله قد غَفَرَ لها.

ومنه حديث عمرو بن دينار «قلت لعروة : كم لبث رسول الله بمكة؟ قال : عشرا ، قلت : فابن عباس يقول بضع عشرة ، قال فغَفَّرَه» : أي قال غَفَرَ الله له.

(ه) وفي حديث عمر ، لمّا حصّب المسجد «قال : هو أَغْفَرُ للنّخامة» أي أستر لها.

وفي حديث الحديبية «والمغيرة بن شعبة عليه المِغْفَرُ» هو ما يلبسه الدّارع على رأسه من الزّرد ونحوه. وقد تكرر في الحديث.

[ه] وفيه «أن قادما قدم عليه من مكّة فقال : كيف تركت الحزورة؟ فقال : جادها المطر فأَغْفَرَتْ بطحاؤها» أي أنّ المطر نزل عليها حتى صار (١) كالغَفَر من النّبات. والغَفَر : الزّئبر على الثّوب.

وقيل : أراد أن رمثها (٢) قد أَغْفَرَت : أي أخرجت مَغَافِيرَها. والمَغَافِير : شيء ينضحه شجر العرفط حلو كالنّاطف ، وهذا أشبه. ألا ترى أنه وصف شجرها فقال : «وأبرم سلمها ، وأعذق إذخرها».

(ه) ومنه حديث عائشة وحفصة «قالت له سودة : أكلت مَغَافِيرَ» واحدها مُغْفُور ، بالضّم ، وله ريح كريهة منكرة. ويقال أيضا «المَغَائِير» بالثّاء المثلثة ، وهذا البناء قليل في العربيّة لم يرد منه إلّا مُغْفُور ، ومُنْخُور للمُنْخُر ، ومُغْرُود لضرب من الكمأة ، ومُعْلُوق (٣) واحد المعاليق.

وفي حديث عليّ «إذا رأى أحدكم لأخيه غَفِيرَة في أهل أو مال فلا يكوننّ له فتنة» الغَفِيرَة : الكثرة والزيادة ، من قولهم للجمع الكثير : الجمّ الغَفِير.

__________________

(١) فى الأصل : «صارت» والمثبت من ا ، واللسان ، والهروى. وعبارته : «حتى صارت عليها».

(٢) الرّمث : شجر.

(٣) لم يذكر الهروى هذا البناء. والمعاليق : ضرب من النخل.

(قاموس ـ علق).

٣٧٤

وفي حديث أبي ذرّ «قلت : يا رسول الله كم الرّسل؟ قال : ثلاثمائة وخمسة عشر جمّ الغَفِير» أي جماعة كثيرة. وقد تقدّم في حرف الجيم مبسوطا مستقصى.

(غفق) (ه) في حديث سلمة «قال : مرّ بي عمر وأنا قاعد في السّوق ، فقال : هكذا يا سلمة عن الطّريق ، وغَفَقَنِي بالدّرّة ، فلما كان في العام المقبل لقيني فأدخلني بيته فأخرج كيسا فيه ستّمائة درهم فقال : خذها واعلم أنها من الغَفْقَة التي غَفَقْتُك عاما أوّل (١)» الغَفْق : الضرب بالسّوط والدّرّة والعصا. والغَفْقَة : المرّة منه. وقد جاء «عفقة» بالعين المهملة.

(غفل) [ه] فيه «أن نقادة الأسلميّ (٢) قال : يا رسول الله ، إني رجل مُغْفِلٌ فأين أسم؟» أي صاحب إبل أَغْفَالٍ لا سمات عليها.

ومنه الحديث «وكان أوس بن عبد الله [الأسلميّ](٣) مُغْفِلاً» وهو من الغَفْلَة ، كأنها قد أهملت وأُغْفِلَت.

ومنه حديث طهفة «ولنا نعم همل أَغْفَالٌ» أي لا سمات عليها.

وقيل الأَغْفَال هاهنا : التي لا ألبان لها ، واحدها : غُفْل.

وقيل : الغُفْل «الذي لا يرجى خيره ولا شرّه.

ومنه كتابه لأكيدر «إنّ لنا الضّاحية وكذا وكذا والمَعامِيَ وأَغْفَال الأرض» أي المجهولة التي ليس فيها أثر تعرف به.

وفيه «من اتّبع الصّيد غَفَلَ» أي يشتغل به قلبه. ويستولي عليه حتى يصير فيه غَفْلَة.

وفي حديث أبي موسى «لعلّنا أَغْفَلْنا رسول الله يمينه» أي جعلناه غَافِلاً عن يمينه بسبب سؤالنا.

__________________

(١) فى اللسان : «عام أوّل».

(٢) فى الهروى : «نقادة الأسدىّ». وقال ابن حجر : «نقاده ـ بالقاف ـ الأسدى ويقال الأسلمى» الإصابة ٦ / ٢٥٣.

(٣) من ا.

٣٧٥

وقيل : سألناه في وقت شغله ، ولم ننتظر فراغه. يقال : تَغَفَّلْتُه واسْتَغْفَلْتُه : أي تحيّنت غَفْلَته.

[ه] وفي حديث أبي بكر «رأى رجلا يتوضّأ فقال : عليك بالمَغْفَلَة والمنشلة» المَغْفَلَة : العنفقة ، يريد الاحتياط في غسلها في الوضوء ، سمّيت مَغْفَلَة لأن كثيرا من الناس يَغْفُلُ عنها.

(غفا) (ه) فيه «فغَفَوْتُ غَفْوَة» أي نمت نومة خفيفة. يقال : أَغْفَى إِغْفَاءً وإِغْفَاءَةً إذا نام ، وقلّما يقال : غَفَا.

قال الأزهري : الّلغة الجيدة : أَغْفَيْتُ.

(باب الغين مع القاف)

(غقق) (ه) في حديث سلمان «إنّ الشمس لتقرب من رؤوس الخلق يوم القيامة حتى إن بطونهم تقول : غِقْ غِقْ» وفي رواية «حتى إنّ بطونهم تَغِقُ» أي تغلي. وغِقْ غِقْ : حكاية صوت الغليان. وتقول : سمعت غَقَ الماء وغَقِيقَه إذا جرى فخرج من ضيق (١) إلى سعة ، أو من سعة إلى ضيق (٢).

(باب الغين مع اللام)

(غلب) (س) فيه «أهل الجنّة الضّعفاء المُغَلَّبُون» المُغَلَّب : الذي يُغْلَب كثيرا. وشاعر مُغَلَّب : أي كثيرا ما يُغْلَب. والمُغَلَّب أيضا : الذي يحكم له بالغَلَبَة ، والمراد الأوّل.

وفي حديث ابن مسعود «ما اجتمع حلال وحرام إلّا غَلَبَ الحرام الحلال» أي إذا امتزج الحرام بالحلال وتعذّر تمييزهما كالماء والخمر ونحو ذلك صار الجميع حراما.

__________________

(١) فى الأصل : «مضيق». والمثبت من ا ، واللسان ، والقاموس.

(٢) فى الأصل : «مضيق». والمثبت من ا ، واللسان ، والقاموس.

٣٧٦

وفيه «إنّ رحمتي تَغْلِبُ غضبي» هو إشارة إلى سعة الرّحمة وشمولها الخلق كما يقال : غَلَبَ على فلان الكرم : أي هو أكثر خصاله ، وإلّا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادته للثّواب والعقاب ، وصفاته لا توصف بغَلَبَة إحداهما الأخرى ، وإنّما هو على سبيل المجاز للمبالغة.

وفي حديث ابن ذي يزن :

بيض مرازبة غُلْبٌ جحاجحة

هو جمع أَغْلَب ، وهو الغليظ العنق ، وهم يصفون أبدا السّادة بغلظ الرّقبة وطولها ، والأنثى غَلْبَاء.

ومنه قصيد كعب :

غَلْبَاء وَجْنَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ

(غلت) (ه) في حديث ابن مسعود «لا غَلَتَ في الإسلام» الغَلَت في الحساب كالغلط في الكلام. وقيل : هما لغتان.

وجعله الزمخشري عن ابن عباس (١).

ومنه حديث شريح «كان لا يجيز الغَلَت» هو أن يقول الرجل : اشتريت هذا الثّوب بمائة ، ثم يجده اشتراه بأقلّ من ذلك فيرجع إلى الحقّ ويترك الغَلَت.

(س) ومنه حديث النّخعيّ «لا يجوز التَّغَلُّت» هو تفعّل ، من الغَلَت.

(غلس) فيه «أنه كان يصلّي الصّبح بِغَلَس» الغَلَس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصّباح.

ومنه حديث الإفاضة «كنّا نُغَلِّسُ من جمع إلى منى» أي نسير إليها ذلك الوقت. وقد غَلَّسَ يُغَلِّسُ تَغْلِيساً. وقد تكرر ذكره في الحديث.

__________________

(١) إنما جعله الزمخشرى من حديث ابن مسعود. انظر الفائق ٢ / ٢٣٤.

٣٧٧

(غلط) (ه) فيه «أنه نهى عن الغُلُوطَات في المسائل» وفي رواية «الأُغْلُوطَات» قال الهروي : الغُلُوطَات (١) تركت منها الهمزة ، كما تقول : جاء الأحمر وجاء الحمر بطرح الهمزة ، وقد غَلِطَ من قال : إنها جمع غَلُوطَة.

وقال الخطّابي : يقال : مسئلة غَلُوط : إذا كان يُغْلَطُ فيها ، كما يقال : شاة حلوب ، وفرس ركوب ، فإذا جعلتها اسما زدت فيها الهاء فقلت : غَلُوطَة ، كما يقال : حلوبة وركوبة. وأراد المسائل التي يُغَالَط بها العلماء ليزلّوا فيها فيهيج بذلك شرّ وفتنة. وإنما نهى عنها لأنها غير نافعة في الدّين ، ولا تكاد تكون إلّا فيما لا يقع.

ومثله قول ابن مسعود : «أنذرتكم صعاب المنطق» يريد المسائل الدقيقة الغامضة.

فأمّا الأُغْلُوطَات فهي جمع أُغْلُوطَة ، أفعولة ، من الغَلَط ، كالأحدوثة والأعجوبة.

(غلظ) (ه) في حديث قتل الخطأ «ففيها الدّية مُغَلَّظَة» تَغْلِيظ الدّية : أن تكون ثلاثين حقّة ، وثلاثين جذعة وأربعين ، ما بين ثنيّة إلى بازل عامها كلّها خلفة : أي حامل.

(غلغل) في حديث المخنّث هيت «قال : إذا قامت تثنّت ، وإذا تكلّمت تغنّت ، فقال له : قد تَغَلْغَلْتَ يا عدوّ الله» الغَلْغَلَة : إدخال الشيء في الشيء حتى يلتبس به ويصير من جملته : أي بلغت بنظرك من محاسن هذه المرأة حيث لا يبلغ ناظر ، ولا يصل واصل ، ولا يصف واصف.

وفي حديث ابن ذى يزن :

مُغَلْغَلَة مغالقها تغالى

إلى صنعاء من فجّ عميق

المُغَلْغَلَة بفتح الغينين : الرّسالة المحمولة من بلد إلى بلد. وبكسر الغين الثانية : المسرعة ، من الغَلْغَلَة سرعة السّير.

__________________

(١) عبارة الهروى : «الأصل فيه الأغلوطات ، ثم تركت الهمزة».

٣٧٨

(غلف) في صفته عليه الصلاة والسلام «يفتح قلوبا غُلْفاً» أي مغشّاة مغطّاة ، واحدها : أَغْلَف. ومنه غِلَاف السّيف وغيره.

ومنه حديث حذيفة والخدريّ «القلوب أربعة : فقلب أَغْلَف» أي عليه غشاء عن سماع الحقّ وقبوله.

وفي حديث عائشة «كنت أُغَلِّفُ لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغالية» أي ألطخها به وأكثر. يقال : غَلَفَ بها لحيته غَلْفاً ، وغَلَّفَها تَغْلِيفاً. والغالية : ضرب مركّب من الطّيب.

(غلق) (ه) فيه «لا يَغْلَقُ الرّهن بما فيه» يقال : غَلِقَ الرّهن يَغْلَقُ غُلُوقاً. إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على تخليصه. والمعنى أنه لا يستحقّه المرتهن إذا لم يستفكّه صاحبه. وكان هذا من فعل الجاهلية ، أنّ الرّاهن إذا لم يؤدّ ما عليه في الوقت المعيّن ملك المرتهن الرّهن ، فأبطله الإسلام.

قال الأزهري : يقال غَلِقَ الباب ، وانْغَلَقَ واسْتَغْلَقَ ، إذا عسر فتحه. والغَلَق في الرهن : ضدّ الفكّ ، فإذا فكّ الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه. وقد أَغْلَقْتُ الرّهن فغَلِقَ : أي أوجبته فوجب للمرتهن.

[ه] ومنه قول حذيفة بن بدر لقيس بن زهير «حين جاءه فقال : ما غدا بك؟ قال : جئت لأواضعك الرّهان ، قال : بل غدوت لتُغْلِقَه» أي جئت لتضع الرّهن وتبطله. فقال : بل جئت لتوجبه وتؤكّده.

[ه] ومنه الحديث «ورجل ارتبط فرسا ليُغَالِقَ عليها» أي ليراهن. والمَغَالِق : سهام الميسر ، واحدها : مِغْلَق بالكسر ، كأنه كره الرّهان في الخيل إذا كان على رسم الجاهليّة.

(ه) ومنه الحديث «لا طلاق ولا عتاق في إِغْلَاق» أي في إكراه ، لأنّ المكره مُغْلَق

٣٧٩

عليه في أمره ومضيّق عليه في تصرّفه ، كما يُغْلَقُ الباب على الإنسان (١).

وفي حديث قتل أبي رافع «ثم علّق الأَغَالِيق على ودّ (٢)» هي المفاتيح ، واحدها : إِغْلِيق.

(ه) وفي حديث جابر «شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن أوثق (٣) نفسه ، وأَغْلَقَ ظهره» غَلِقَ ظهر البعير إذا دبر ، وأَغْلَقَه صاحبه إذا أثقل حمله حتى يدبر ، شبّه الذّنوب التي أثقلت ظهر الإنسان بذلك.

[ه] وفي كتاب عمر إلى أبي موسى «إيّاك والغَلَقَ والضّجر» الغَلَق بالتّحريك : ضيق الصّدر وقلّة الصّبر. ورجل غَلِق : سيّئ الخلق.

(غلل) قد تكرر ذكر «الغُلُول» في الحديث ، وهو الخيانة في المغنم والسّرقة من الغنيمة قبل القسمة. يقال : غَلَ في المغنم يَغُلُ غُلُولاً فهو غَالٌ. وكلّ من خان في شيء خفية فقد غَلَ. وسمّيت غُلُولاً لأن الأيدي فيها مَغْلُولَة : أي ممنوعة مجعول فيها غُلٌ ، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه. ويقال لها جامعة أيضا. وأحاديث الغُلُول في الغنيمة كثيرة.

(ه) ومنه حديث صلح الحديبية «لا إِغْلَال ولا إسلال» الإِغْلَال : الخيانة أو السّرقة الخفيّة ، والإسلام : من سلّ البعير وغيره في جوف الليل إذا انتزعه من بين الإبل ، وهي السّلّة.

وقيل : هو الغارة الظّاهرة ، يقال : غَلَ يَغُلُ وسلّ يسلّ ، فأمّا أَغَلَ وأسلّ فمعناه صار ذا غُلُول وسلّة. ويكون أيضا أن يعين غيره عليهما.

وقيل الإِغْلَال : لبس الدّروع. والإسلال : سلّ السّيوف.

__________________

(١) قال الهروي : «وقيل معناه : لا تغلق التطليقات في دفعة واحدة حتى لا يبقى منها شيء ، لكن يطلّق طلاق السنّة».

(٢) الودّ : الوتد.

(٣) فى الهروى «ويجوز : لمن أوبق نفسه : أى أهلكها».

٣٨٠