النّهاية - ج ٣

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٨٨

(باب العين مع الفاء)

(عفث) (ه) في حديث الزّبير «أنه كان أخضع أشعر أَعْفَث» الأَعْفَث : الذي ينكشف فرجه كثيرا إذا جلس. وقيل : هو بالتّاء بنقطتين ، ورواه بعضهم في صفة عبد الله بن الزبير ، فقال : كان بخيلا أَعْفَث ، وفيه يقول أبو وجزة :

دع الأَعْفَث المهذار يهذي بشتمنا

فنحن بأنواع الشّتيمة أعلم

وروي عن ابن الزّبير أنه كان كلّما تحرّك بدت عورته ، فكان يلبس تحت إزاره التّبّان.

(عفر) (ه) فيه «إذا سجد جافى عضديه حتى يَرَى مَن خَلفَهُ عُفْرَةَ إبطيه» العُفْرَة : بياض ليس بالنّاصع ، ولكن كلون عَفَر الأرض ، وهو وجهها.

(ه) ومنه الحديث «كأني أنظر إلى عُفْرَتَيْ إبطَيْ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنه الحديث «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عَفْرَاء».

(ه) والحديث الآخر «أن امرأة شكت إليه قلّة نسل غنمها ، قال : ما ألوانها؟ قالت : سود ، فقال : عَفِّرِي ، أي اخلطيها بغنم عُفْرٍ ، واحدتها : عَفْرَاء.

(ه) ومنه حديث الضحيّة «لدم عَفْرَاء أحبّ إلى الله من دم سوداوين».

[ه] ومنه الحديث «ليس عُفْرُ الليالي كالدّآدئ» أي اللّيالي المقمرة كالسّود. وقيل : هو مثل.

(س) وفيه «أنه مرّ على أرض تسمّى عَفِرَة فسمّاها خَضِرَة» كذا رواه الخطّابي في شرح «السّنن». وقال : هو من العُفْرَة : لون الأرض. ويروى بالقاف والثاء والذال.

وفي قصيد كعب :

يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما

لحم من القوم مَعْفُورٌ خراديل

المَعْفُور : المترّب المُعَفَّرُ بالتّراب.

ومنه الحديث «العَافِر الوجه في الصلاة» أي المترّب.

٢٦١

ومنه حديث أبي جهل «هل يُعَفِّرُ محمّد وجهه بين أظهركم» يريد به سجوده على التّراب ، ولذلك قال في آخره : «لأطأنّ على رقبته أو لأُعَفِّرَنَ وجهه في التراب» يريد إذلاله ، لعنة الله عليه.

(ه) وفيه «أوّل دينكم نبوّة ورحمة ، ثمّ مُلْكٌ أَعْفَر» أي ملك يساس بالنّكر والدّهاء ، من قولهم للخبيث المنكر : عِفْرٌ. والعَفَارَة : الخبث والشّيطنة.

(ه) ومنه الحديث «إن الله تعالى يبغض العِفْرِيَّةَ النِّفْرِيَّة» هو الداهي الخبيث الشّرّير.

ومنه «العِفْرِيت» وقيل : هو الجَمُوع المَنُوع. وقيل : الظلوم.

وقال الجوهرى (١) في تفسير العِفْرِيَّة «المصحّح ، والنّفرية إتباع له» وكأنه أشبه ، لأنه قال في تمامه «الذي لا يرزأ في أهل ولا مال».

وقال الزمخشري : «العِفْر ، والعِفْرِيَّة ، والعِفْرِيت ، والعَفَارِيَّة : القويّ المتشيطن الذي يَعْفِرُ قِرنه. والياء في عِفْرِيَّة وعَفَارِيَّة للإلحاق بشرذمة وعذافرة ، والهاء فيهما للمبالغة. والتاء في عِفْرِيت للإلحاق بقنديل».

(س) وفي حديث عليّ «غشيهم يوم بدر ليثا عَفَرْنَى» العَفَرْنَى : الأسد الشديد ، والألف والنون للإلحاق بسفرجل.

وفي كتاب أبي موسى «غشيهم يوم بدر ليثا عِفْرِيّاً» أي قويّا داهيا. يقال أسد عِفْرٌ وعِفِرٌّ ، بوزن طِمِرّ : أي قويّ عظيم.

(ه) وفيه «أنه بعث معاذا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله من المَعَافِرِيِ» هي برود باليمن منسوبة إلى مَعَافِر ، وهي قبيلة باليمن ، والميم زائدة.

(ه) ومنه حديث ابن عمر «إنه دخل المسجد وعليه بردان مَعَافِرِيَّان» وقد تكرر ذكره في الحديث.

__________________

(١) حكاية عن أبي عبيدة.

٢٦٢

(ه) وفيه «أنّ رجلا جاءه فقال : ما لي عهد بأهلي منذ عَفَارِ النّخلِ».

(ه) وفي حديث هلال «ما قربت أهلي مذ عَفَّرْنَا النّخل» ويروى بالقاف ، وهو خطأ.

التَّعْفِير : أنهم كانوا إذا أبّروا النّخل تركوها أربعين يوما لا تسقى لئلا ينتفض حملها ثم تسقى ، ثم تترك إلى أن تعطش ثم تسقى. وقد عَفَّرَ القوم : إذا فعلوا ذلك ، وهو من تَعْفِير الوحشيّة ولدها ، وذلك أن تفطمه عند الرّضاع أيّاما ثم ترضعه ، تفعل ذلك مرارا ليعتاده.

(س) وفيه «أن اسم حمار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عُفَيْر» هو تصغير ترخيم لأَعْفَر ، من العُفْرَة : وهي الغبرة ولون التراب ، كما قالوا في تصغير أسود : سويد ، وتصغيره غير مرخّم : أُعَيْفِر ، كأُسَيود.

(س) وفي حديث سعد بن عبادة «أنه خرج على حماره يَعْفُور ليعوده» قيل : سمّي يَعْفُوراً للونه ، من العُفْرَة ، كما قيل في أخضر : يخضور. وقيل : سمّي به تشبيها في عدوه باليَعْفُور ، وهو الظّبي. وقيل : الخشف (١).

(عفس) (ه) في حديث حنظلة الأسدي «فإذا رجعنا عَافَسْنَا الأزواج والضّيعة» المُعَافَسَة : المعالجة والممارسة والملاعبة.

ومنه حديث عليّ «كنت أُعَافِسُ وأمارس».

[ه] وحديثه الآخر «يمنع من العِفَاس خوف الموت ، وذكر البعث والحساب».

(عفص) (ه) في حديث اللّقطة «احفظ (٢) عِفَاصَها ووكاءها» العِفَاص : الوعاء الذي تكون فيه النّفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك ، من العَفْص : وهو الثّني والعطف. وبه سمّي الجلد الذي يجعل على رأس القارورة : عِفَاصاً ، وكذلك غلافها. وقد تكرر في الحديث.

__________________

(١) الخشف : ولد الغزال ، يطلق على الذكر والأنثى. (المصباح المنير).

(٢) رواية الهروى : «اعرف عفاصها».

٢٦٣

(عفط) في حديث عليّ «ولكانت دنياكم هذه أهون عليّ من عَفْطَة عنز» أي ضرطة عنز.

(عفف) فيه «من يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله» الاسْتِعْفَاف : طلب العِفَاف والتَّعَفُّف ، وهو الكفّ عن الحرام والسّؤال من الناس : أي من طلب العِفَّة وتكلّفها أعطاه الله إيّاها. وقيل الاسْتِعْفَاف : الصّبر والنّزاهة عن الشيء ، يقال : عَفَ يَعِفُ عِفَّة فهو عَفِيف.

ومنه الحديث «اللهم إني أسألك العِفَّة والغنى».

والحديث الآخر «فإنّهم ـ ما علمت ـ أَعِفَّةٌ صُبُر» جمع عَفِيف. وقد تكرر في الحديث.

(س) وفي حديث المغيرة «لا تحرّم العُفَّة» هي بقيّة اللّبن في الضرع بعد أن يحلب أكثر ما فيه ، وكذلك العُفَافَة ، فاستعارها للمرأة ، وهم يقولون : العَيْفَة.

(عفق) (ه) في حديث لقمان «خذي منّي أخي ذا العِفَاق» يقال : عَفَقَ يَعْفِقُ عَفْقاً وعِفَاقاً إذا ذهب ذهابا سريعا. والعَفْق أيضا : العطف ، وكثرة الضّراب.

(عفل) في حديث ابن عباس «أربع لا يجزن في البيع ولا النّكاح : المجنونة ، والمجذومة ، والبرصاء ، والعَفْلَاء» العَفَل ـ بالتحريك ـ : هنة تخرج في فرج المرأة وحياء النّاقة شبيهة بالأدرة التي للرجال في الخصية. والمرأة عَفْلَاء. والتَّعْفِيل : إصلاح ذلك.

(س) ومنه حديث مكحول «في امرأة بها عَفَلٌ».

(س) وفي حديث عمير بن أفصى «كبش حوليٌ أَعْفَلُ» أي كثير شحم الخصية من السّمن ، وهو العَفْل بإسكان الفاء.

قال الجوهري : «العَفْل : مجسّ الشّاة بين رجليها إذا أردت أن تعرف سمنها من هزالها».

(عفن) في قصة أيوب عليه‌السلام «عَفِنَ من القيح والدّم جوفي» أي فسد من احتباسهما فيه.

٢٦٤

(عفا) في أسماء الله تعالى «العَفُوّ» هو فعول ، من العَفْو وهو التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه ، وأصله المحو والطّمس ، وهو من أبنية المبالغة. يقال : عَفَا يَعْفُو عَفْواً ، فهو عَافٍ وعَفُوّ.

وفي حديث الزكاة «قد عَفَوْتُ عن الخيل والرّقيق فأدّوا زكاة أموالكم» أي تركت لكم أخذ زكاتها وتجاوزت عنه ، ومنه قولهم : عَفَتِ الريح الأثر ، إذا طمسته ومحته.

(س) ومنه حديث أم سلمة «قالت لعثمان : لا تُعَفِ سبيلا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحبها» أي لا تطمسها.

(ه) ومنه حديث أبي بكر «سلوا الله العَفْو والعَافِيَة والمُعَافَاة» فالعَفْو : محو الذّنوب ، والعَافِيَة : أن تسلم من الأسقام والبلايا ، وهي الصحة وضدّ المرض ، ونظيرها الثّاغية والرّاغية ، بمعنى الثّغاء والرّغاء. والمُعَافَاة : هي أن يُعَافِيَك الله من الناس ويُعَافِيَهُم منك : أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ، ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم. وقيل : هي مفاعلة من العَفْو ، وهو أن يَعْفُوَ عن الناس ويَعْفُوَ هم عنه.

ومنه الحديث «تَعَافَوُا الحدودَ فيما بينكم» أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ ، فإنّي متى علمتها أقمتها.

(ه) وفي حديث ابن عباس ، وسئل عمّا في أموال أهل الذّمة فقال : «العَفْو» أي عُفِيَ لهم عمّا فيها من الصّدقة وعن العشر في غلّاتهم.

وفي حديث ابن الزّبير «أمر الله نبيّه أن يأخذ العَفْوَ من أخلاق الناس» هو السّهل المتيسّر : أي أمره أن يحتمل أخلاقهم ويقبل منها ما سهل وتيسّر ، ولا يستقصي عليهم.

ومنه حديثه الآخر «أنه قال للنّابغة : أمّا صفو أموالنا فلآل الزّبير ، وأما عَفْوُه فإنّ تيما وأسدا تشغله عنك» قال الحربي : العَفْو : أجلّ المال وأطيبه.

وقال الجوهرى : «عَفْو المال : ما يفضل عن النّفقة» وكلاهما جائز في اللّغة ، والثاني أشبه بهذا الحديث.

٢٦٥

(ه) وفيه «أنه أمر بإِعْفَاء اللّحى» هو أن يوفّر شعرها ولا يقصّ كالشّوارب ، من عَفَا الشيء إذا كثر وزاد. يقال : أَعْفَيْتُه وعَفَّيْتُه.

ومنه حديث القصاص «لا أَعْفَى من قتل بعد أخذ الدية» هذا دعاء عليه : أي لا كثر ماله ولا استغنى.

(ه) ومنه الحديث «إذا دخل صفر وعَفَا الوبر» أي كثر وبر الإبل.

وفي رواية أخرى «وعَفَا الأثر» هو بمعنى درس وامّحى.

(ه) ومنه حديث مصعب بن عمير «إنه غلام عَافٍ» أي وافي اللّحم كثيره.

وفي حديث عمر «إن عاملنا ليس بالشعث ولا العَافِي».

وفيه «إنّ المنافق إذا مرض ثم أُعْفِيَ كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه ، فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه» أُعْفِيَ المريض بمعنى عُوفِيَ.

(ه) وفيه «أنه أقطع من أرض المدينة ما كان عَفَاءً (١)» أي ما ليس فيه لأحد أثر ، وهو من عَفَا الشيء إذا درس ولم يبق له أثر. يقال : عَفَتِ الدارُ عَفَاءً ، أو ما ليس لأحد فيه ملك ، من عَفَا الشيء يَعْفُو إذا صفا وخلص.

[ه] ومنه الحديث «ويرعون عَفَاءَها (٢)».

ومنه حديث صفوان بن محرز «إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه من الماء فعلى الدنيا العَفَاء» أي الدّروس وذهاب الأثر. وقيل : العَفَاء التّراب.

(ه) وفيه «ما أكلت العَافِيَة منها فهو له صدقة» وفي رواية «العَوَافِي» العَافِيَة والعَافِي : كلّ طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر ، وجمعها : العَوَافِي ، وقد تقع العَافِيَة على الجماعة. يقال : عَفَوْتُه واعْتَفَيْتُه : أي أتيته أطلب معروفه. وقد تكرر ذكر «العَوَافِي» في الحديث بهذا المعنى.

__________________

(١) فى الأصل ، واللسان : «عفا» وأثبتنا ما فى ا ، والهروى ، والفائق ٢ / ١٦٦ ، ٣ / ٩٤.

(٢) زاد الهروى : «والعفا ، مقصور ...».

٢٦٦

ومنها الحديث في ذكر المدينة «ويتركها أهلها على أحسن ما كانت مذلّلة للعَوَافِي».

(ه) وفي حديث أبي ذرّ «أنه ترك أتانين وعِفْواً» العِفْو بالكسر والضم والفتح : الجحش ، والأنثى عفوة.

(باب العين مع القاف)

(عقب) (ه) فيه «من عَقَّبَ في صلاة (١) فهو في صلاة» أي أقام في مصلّاه بعد ما يفرغ من الصلاة. يقال : صلّى القوم وعَقَّبَ فلان.

ومنه الحديث «والتَّعْقِيب في المساجد بانتظار الصّلاة بعد الصلاة».

ومنه الحديث «ما كانت صلاة الخوف إلّا سجدتين ، إلّا أنها كانت عُقَباً» أي تصلّى طائفة بعد طائفة ، فهم يَتَعَاقَبُونَها تَعَاقُبَ الغزاة.

(ه) ومنه الحديث «وأنّ كلّ غازية غزت يَعْقِبُ بعضها بعضا» أي يكون الغزو بينهم نوبا ، فإذا خرجت طائفة ثم عادت لم تكلّف أن تعود ثانية حتى تَعْقُبَها أخرى غيرها.

(ه س) ومنه حديث عمر «أنه كان يُعَقِّبُ الجيوش في كلّ عام».

(ه) وحديث أنس «أنه سئل عن التَّعْقِيب في رمضان فأمرهم أن يصلّوا في البيوت» التَّعْقِيب : هو أن تعمل عملا ثم تعود فيه ، وأراد به هاهنا : صلاة النّافلة بعد التّراويح ، فكره أن يصلّوا في المسجد ، وأحبّ أن يكون ذلك في البيوت.

(ه) وفي حديث الدعاء «مُعَقِّبَات لا يخيب قائلهن : ثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وأربع وثلاثون تكبيرة» سمّيت مُعَقِّبَات لأنّها عادت مرّة بعد مرّة ، أو لأنّها تقال عَقِيب الصّلاة (٢). والمُعَقِّب من كلّ شيء : ما جاء عَقِيب ما قبله.

__________________

(١) فى الأصل : «في الصلاة» وأثبتنا ما في ا ، واللسان ، والدر النثير ، والهروى. والرواية فى اللسان : «من عقّب فى صلاة فهو فى الصلاة».

(٢) زاد الهروى : «وقال شمر : أراد تسبيحات تخلف بأعقاب الناس».

٢٦٧

(س) ومنه الحديث «فكان الناضح يَعْتَقِبُه منّا الخمسة» أي يَتَعَاقَبُونَه في الرّكوب واحدا بعد واحد. يقال : دارت عُقْبَة فلان : أي جاءت نوبته ووقت ركوبه.

ومنه حديث أبي هريرة «كان هو وامرأته وخادمه يَعْتَقِبُون الليل أثلاثا» أي يتناوبونه في القيام إلى الصّلاة.

(ه) ومنه حديث شريح «أنه أبطل النّفح إلّا أن تضرب فتُعَاقِبَ» أي أبطل نفح الدّابة برجلها إلا أن تتبع ذلك رمحا.

وفي أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «العَاقِب» هو آخر الأنبياء ، والعَاقِب والعَقُوب : الذي يخلف من كان قبله في الخير.

(س) وفي حديث نصارى نجران «جاء السيّد والعَاقِب» هما من رؤسائهم وأصحاب مراتبهم. والعَاقِب يتلو السّيّد.

(ه) وفي حديث عمر «أنه سافر في عَقِب رمضان» أي في آخره وقد بقيت منه بقيّة. يقال : جاء على عَقِب الشهر وفي عَقِبِه إذا جاء وقد بقيت منه أيام إلى العشرة (١). وجاء في عُقْبِ الشّهر وعلى عُقْبِه إذا جاء بعد تمامه.

وفيه «لا تردّهم (٢) على أَعْقَابِهم» أي إلى حالتهم الأولى من ترك الهجرة.

ومنه الحديث «ما زالوا مرتدّين على أَعْقَابِهم» أي راجعين إلى الكفر ، كأنّهم رجعوا إلى ورائهم.

(ه) وفيه «أنه نهى عن عَقِب الشيطان في الصلاة» وفي رواية «عن عُقْبَةِ الشيطان» هو أن يضع أليتيه على عَقِبَيْه بين السّجدتين ، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء.

وقيل : هو أن يترك عَقِبَيْه غير مغسولين في الوضوء.

__________________

(١) عبارة الهروى : «وقد بقيت منه بقية».

(٢) فى الأصل : «لا تردّوهم» والمثبت من ا واللسان.

٢٦٨

(ه) ومنه الحديث «ويل للعَقِب من النّار» وفي رواية «للأَعْقَاب» وخصّ العَقِب بالعذاب لأنه العضو الذي لم يغسل.

وقيل : أراد صاحب العَقِب ، فحذف المضاف. وإنما قال ذلك ، لأنهم كانوا لا يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء. ويقال فيه : عَقِبٌ وعَقْب.

(ه) وفيه «أن نعله كانت مُعَقَّبَة مخصّرة» المُعَقَّبَة : التي لها عَقِب.

(س) وفيه «أنه بعث أمّ سليم لتنظر له امرأة فقال : انظري إلى عَقِبَيْها أو عُرْقُوبَيْها» قيل : لأنه إذا اسودّ عَقِبَاها اسودّ (١) سائر جسدها.

وفيه «أنه كان اسم رايته عليه‌السلام العُقَاب» وهي العلم الضخم.

وفي حديث الضّيافة «فإن لم يقروه فله أن يُعْقِبَهم بمثل قراه» أي يأخذ منهم عوضا عمّا حرموه من القرى. وهذا في المضطرّ الذي لا يجد طعاما ويخاف على نفسه التّلف. يقال : عَقَّبَهُم مشدّدا ومخفّفا ، وأَعْقَبَهُم إذا أخذ منهم عُقْبَى وعُقْبَةً ، وهو أن يأخذ منهم بدلا عمّا فاته.

ومنه الحديث «سأعطيك منها عُقْبَى» أي بدلا من الإبقاء والإطلاق.

(س) وفيه «من مشى عن دابّته عُقْبَةً فله كذا» أي شوطا.

[ه] وفي حديث الحارث بن بدر «كنت مرة نشبة فأنا اليوم عُقْبَةٌ» أي كنت إذا نشبت بإنسان وعلقت به لقي منّي شرّا فقد أَعْقَبْتُ اليوم منه ضعفا.

(س) وفيه «ما من جرعة أحمد عُقْبَاناً» أي عَاقِبَة.

وفيه «أنه مضغ عَقَبا وهو صائم» هو بفتح القاف : العصب.

(ه) وفي حديث النّخعيّ «المُعْتَقِب ضامن لما اعْتَقَبَ» الاعْتِقَاب : الحبس والمنع ، مثل أن يبيع شيئا ثم يمنعه من المشتري حتى يتلف عنده فإنه يضمنه.

(عقبل) في حديث عليّ «ثم قرن بسعتها عَقَابِيل فاقتها» العَقَابِيل : بقايا المرض وغيره ، واحدها عُقْبُول.

__________________

(١) فى ا «استوى».

٢٦٩

(عقد) [ه] فيه «من عَقَدَ لحيته فإن محمّدا برىء منه» قيل : هو معالجتها حتى تَتَعَقَّد وتتجعّد.

وقيل : كانوا يَعْقِدُونها في الحروب ، فأمرهم بإرسالها ، كانوا يفعلون ذلك تكبّرا وعجبا.

وفيه «من عَقَدَ الجزية في عنقه فقد برئ مما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» عَقْدُ الجزية : كناية (١) عن تقريرها على نفسه ، كما تُعْقَد الذمّة للكتابىّ عليها.

وفي حديث الدعاء «لك من قلوبنا عُقْدَة النّدم» يريد عَقْدَ العزم على النّدامة ، وهو تحقيق التوبة.

ومنه الحديث «لآمرنّ براحلتي ترحل ، ثم لا أحلّ لها عُقْدَة حتى أقدم المدينة» أي لا أحلّ عزمي حتى أقدمها. وقيل : أراد لا أنزل فأعقلها حتى أحتاج إلى حلّ عقالها.

وفيه «أنّ رجلا كان يبايع وفي عُقْدَته ضعف» أي في رأيه ونظره في مصالح نفسه.

(ه) وفي حديث عمر «هلك أهل العَقْد (٢) وربّ الكعبة» يعنى أصحاب الولايات على الأمصار ، من عَقْد الألوية للأمراء.

(ه) ومنه حديث أبيّ : «هلك أهل العُقْدَة وربّ الكعبة» يريد البيعة المَعْقُودَة للولاة.

وفي حديث ابن عباس في قوله تعالى «والذين عَاقَدَتْ (٣) أيمانكم» المُعَاقَدَة : المعاهدة والميثاق. والأيمان : جمع يمين : القسم أو اليد.

وفي حديث الدعاء «أسألك بمَعَاقِد العزّ من عرشك» أي بالخصال التي استحقّ بها

__________________

(١) فى الأصل : «عبارة» وأثبتنا ما فى ا ، واللسان.

(٢) ضبطت فى الأصل واللسان «العقد» بضم العين وفتح القاف. وأثبتنا ضبط ا والهروى.

(٣) الآية ٣٣ من سورة النساء. و«عاقدت» قراءة نافع ، انظر تفسير القرطبى ٥ / ١٦٥ ، ١٦٧.

٢٧٠

العرش العزّ ، أو بمواضع انْعِقَادِها منه. وحقيقة معناه : بعزّ عرشك. وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللّفظ من الدّعاء (١).

وفيه «فعدلت عن الطريق فإذا بعُقْدَة من شجر» العُقْدَة من الأرض : البقعة الكثيرة الشجر.

وفيه «الخيل معقود في نواصيها الخير» أي ملازم لها كأنه مَعْقُودٌ فيها.

(س) وفي حديث ابن عمرو «ألم أكن أعلم السّباع هاهنا كثيرا؟ قيل : نعم ، ولكنّها عُقِدَتْ ، فهي تخالط البهائم ولا تهيجها» أي عولجت بالأخذ والطّلسمات كما تعالج الرّوم الهوامّ ذوات السّموم ، يعنى عُقِدَتْ ومنعت أن تضرّ البهائم.

وفي حديث أبي موسى «أنه كسا في كفّارة اليمين ثوبين ظهرانيّا ومُعَقَّدا» المُعَقَّد : ضرب من برود هجر.

(عقر) (ه) فيه «إنّي لَبِعُقْرِ حوضي أذود الناس لأهل اليمن» عُقْر الحوض بالضم : موضع الشاربة منه : أي أطردهم لأجل أن يرد أهل اليمن.

[ه] وفيه «ما غزي قوم في عُقْر دارهم إلا ذلّوا» عُقْر الدار بالضم والفتح : أصلها.

ومنه الحديث «عُقْر دار الإسلام الشّام» أي أصله وموضعه ، كأنه أشار به إلى وقت الفتن : أي يكون الشام يومئذ آمنا منها ، وأهل الإسلام به أسلم.

(ه) وفيه «لا عَقْرَ في الإسلام» كانوا يَعْقِرُون الإبلَ على قبور الموتى : أي ينحرونها ويقولون : إنّ صاحب القبر كان يَعْقِرُ للأضياف أيام حياته فتكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته. وأصل العَقْر : ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم.

ومنه الحديث «لا تَعْقِرَنَ شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة» وإنما نهى عنه لأنه مثلة وتعذيب للحيوان.

ومنه حديث ابن الأكوع «فما زلت أرميهم وأَعْقِرُ بهم» أي أقتل مركوبهم. يقال : عَقَرْتُ به : إذا قتلت مركوبه وجعلته راجلا.

__________________

(١) قال السيوطى فى الدر النثير : «وحديثه موضوع».

٢٧١

[ه] ومنه الحديث «فعَقَرَ حنظلة الراهب بأبي سفيان بن حرب (١)» أي عَرْقَبَ دابّته ، ثم اتّسع في العَقْر حتى استعمل في القتل والهلاك.

(س) ومنه الحديث «أنه قال لمسيلمة الكذاب : ولئن أدبرت ليَعْقِرَنَّك الله» أي ليهلكنّك. وقيل : أصله من عَقْرِ النّخل ، وهو أن تقطع رؤوسها فتيبس.

ومنه حديث أم زرع «وعَقْرُ جارتها» أي هلاكها من الحسد والغيظ.

(ه) وفي حديث ابن عباس «لا تأكلوا من تَعَاقُرِ الأعراب فإني لا آمن أن يكون ممّا (أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ)» هو عَقْرُهُم الإبل ، كان يتبارى الرجلان في الجود والسّخاء فيَعْقِرُ هذا إبلا ويَعْقِرُ هذا إبلا حتى يعجّز أحدهما الآخر ، وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرا ، ولا يقصدون به وجه الله ، فشبّهه بما ذبح لغير الله.

(س) وفيه «إنّ خديجة لمّا تزوّجت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كست أباها حلّة وخلّقته ، ونحرت جزورا ، فقال : ما هذا الحبير ، وهذا العبير ، وهذا العَقِير؟» أي الجزور المنحور. يقال : جمل عَقِيرٌ ، وناقة عَقِيرٌ.

قيل : كانوا إذا أرادوا نحر البعير عَقَرُوه : أي قطعوا إحدى قوائمه ثم نحروه. وقيل : يفعل ذلك به كيلا يشرد عند النحر.

وفيه «إنه مرّ بحمار عَقِير» أي أصابه عَقْر ولم يمت بعد.

(ه) ومنه حديث صفيّة «لمّا قيل له : إنّها حائض ، فقال : عَقْرَى حَلْقَى» أي عَقَرَها اللهُ وأصابها بعَقْر في جسدها. وظاهره الدّعاء عليها ، وليس بدعاء في الحقيقة ، وهو في مذهبهم معروف.

قال أبو عبيد : الصّواب «عَقْراً حَلْقاً» ، بالتنوين ، لأنهما مصدرا : عَقَرَ وحَلَقَ.

وقال سيبويه : عَقَّرْتُه إذا قلت له : عَقْراً ، وهو من باب سقيا ، ورعيا ، وجدعا.

قال الزمخشري : «هما صفتان للمرأة المشئومة : أي أنها تَعْقِرُ قومها وتحلقهم : أي تستأصلهم

__________________

(١) فى الهروى : «بأبي سفيان بن الحارث».

٢٧٢

من شؤمها عليهم. ومحلّهما الرفع على الخبرية : أي هي عَقْرَى وحلقى. ويحتمل أن يكونا مصدرين على فعلى بمعنى العَقْر والحلق ، كالشّكوى للشكو».

وقيل : الألف للتأنيث ، مثلها في غضبى وسكرى.

(س) ومنه حديث عمر «إنّ رجلا أثنى عنده على رجل في وجهه ، فقال : عَقَرْتَ الرجل عَقَرَك الله».

(ه) وفيه «أنه أقطع حصين بن مشمّت ناحية كذا ، واشترط عليه أن لا يَعْقِرَ مرعاها» أي لا يقطع شجرها.

(س) وفي حديث عمر «فما هو إلّا أن سمعت كلام أبي بكر فعَقِرْتُ وأنا قائم حتى وقعت إلى الأرض» العَقَر بفتحتين : أن تسلم الرجل قوائمه من الخوف. وقيل : هو أن يفجأه الرّوع فيدهش ولا يستطيع أن يتقدّم أو يتأخر.

(س) ومنه حديث العباس «أنه عَقِرَ في مجلسه حين أخبر أن محمّدا قتل».

وحديث ابن عباس «فلما رأوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سقطت أذقانهم على صدورهم وعَقِرُوا في مجالسهم».

وفيه «لا تزوّجنّ عَاقِراً فإني مكاثر بكم» العَاقِر : المرأة التي لا تحمل.

(س) وفيه «أنه مرّ بأرض تسمّى عَقِرَة فسّماها خَضِرَة» كأنه كره لها اسم العَقْر ، لأنّ العَاقِر المرأة التي لا تحمل. [وشجرة عَاقِرَة لا تحمل](١) فسمّاها خضرة تفاؤلا بها. ويجوز أن يكون من قولهم : نخلة عَقِرَة إذا قطع رأسها فيبست.

[ه] وفيه «فأعطاهم عُقْرَها» العُقْر ـ بالضم ـ : ما تعطاه المرأة على وطء الشّبهة. وأصله أنّ واطئ البكر يَعْقِرُها إذا افتضّها ، فسمّي ما تعطاه للعَقْر عُقْرا ، ثم صار عامّا لها وللثّيّب.

__________________

(١) ساقط من ا. وفى اللسان : «وشجرة عاقر ..».

٢٧٣

(ه) ومنه حديث الشّعبي «ليس على زان عُقْر» أي مهر ، وهو للمغتصبة من الإماء كالمهر للحرّة.

(ه) وفيه «لا يدخل الجنة مُعَاقِر خمر» هو الذي يدمن شربها. قيل : هو مأخوذ من عُقْر الحوض ، لأن الواردة تلازمه.

(س) ومنه الحديث «لا تُعَاقِرُوا» أي لا تدمنوا شرب الخمر.

(س) وفي حديث قسّ ، ذكر «العُقَار» هو بالضم من أسماء الخمر.

[ه] وفيه «من باع دارا أو عَقَاراً» العَقَار بالفتح : الضّيعة والنّخل والأرض ونحو ذلك.

(ه) ومنه الحديث «فردّ عليهم ذراريّهم وعَقَار بيوتهم» أراد أرضهم. وقيل : متاع بيوتهم وأدواته وأوانيه. وقيل : متاعه الذي لا يبتذل إلّا في الأعياد. وعَقَار كل شيء : خياره.

(س) وفيه «خير المال العُقْر» هو بالضم : أصل كلّ شيء. وقيل : هو بالفتح. وقيل : أراد أصل مال له نماء.

[ه] وفي حديث أم سلمة «أنها قالت لعائشة رضي‌الله‌عنها : سكّن الله عُقَيْرَاكِ فلا تصحريها» أي أسكنك بيتك وسترك فيه فلا تبرزيه (١). وهو اسم مصغّر مشتقّ من عُقْرِ الدّار.

قال القتيبي : لم أسمع بعُقَيْرَى إلا في هذا الحديث.

قال الزمخشري : «كأنها تصغير العَقْرَى على فعلى ، من عَقِرَ إذا بقي مكانه لا يتقدّم ولا يتأخّر ، فزعا ، أو أسفا أو خجلا. وأصله من عَقَرْتُ به إذا أطلت حبسه ، كأنك عَقَرْتَ راحلته فبقي لا يقدر على البراح. وأرادت به نفسها : أي سكنى نفسك التي حقّها أن تلزم مكانها (٢) ولا تبرز

__________________

(١) فى الهروى : «قالت ذلك عند خروجها إلى البصرة».

(٢) مكان هذا فى الفائق ١ / ٥٨٥ : «ولا تبرح بيتها واعملى بقوله تعالى : «وَقَرْنَ ..» الآية.

٢٧٤

إلى الصّحراء من قوله تعالى «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى».

(ه) وفيه «خمس يقتلن في الحلّ والحرم ، وعدّ منها الكلب العَقُور»وهو كل سبع يَعْقِرُ : أي يجرح ويقتل ويفترس ، كالأسد ، والنّمر ، والذّئب. سمّاها كلبا لاشتراكها في السّبعيّة. والعَقُور : من أبنية المبالغة.

(س) ومنه حديث عمرو بن العاص «أنه رفع عَقِيرَتَه يتغنّى» أي صوته. قيل : أصله أنّ رجلا قطعت رجله فكان يرفع المقطوعة على الصّحيحة ويصيح من شدة وجعها بأعلى صوته ، فقيل لكلّ رافع صوته : رفع عَقِيرَتَه. والعَقِيرَة : فعيلة بمعنى مفعولة.

(س) وفي حديث كعب «إنّ الشمس والقمر نوران عَقِيرَان في النّار» قيل : لمّا وصفهما الله تعالى بالسّباحة في قوله : «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» ثم أخبر أنه يجعلهما في النار يعذّب بهما أهلها بحيث لا يبرحانها صارا كأنهما زمنان عَقِيرَان ، حكى ذلك أبو موسى وهو كما تراه.

(عقص) (ه) في صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن انفرقت عَقِيصَته فرق وإلا تركها» العَقِيصَة : الشعر المَعْقُوص ، وهو نحو من المضفور. وأصل العَقْص : اللّيّ. وإدخال أطراف الشّعر في أصوله.

هكذا جاء في رواية. والمشهور «عقيقته» لأنه لم يكن يعقص شعره. والمعنى إن انفرقت من ذات نفسها وإلّا تركها على حالها ولم يفرقها.

ومنه حديث ضمام «إن صدق ذو العَقِيصَتَيْن ليدخلنّ الجنة» العَقِيصَتَين : تثنية العَقِيصَة.

(ه) ومنه حديث عمر «من لبّد أو عَقَّصَ فعليه الحلق» يعنى في الحجّ. وإنّما جعل عليه الحلق لأنّ هذه الأشياء تقي الشّعر من الشّعث ، فلمّا أراد حفظ شعره وصونه ألزمه حلقه بالكلّية ، مبالغة في عقوبته.

ومنه حديث ابن عباس «الذى يصلّى ورأسه مَعْقُوص كالذي يصلّي وهو مكتوف» أراد أنه إذا كان شعره منشورا سقط على الأرض عند السّجود فيعطى صاحبه ثواب السّجود به ،

٢٧٥

وإذا كان مَعْقُوصاً صار في معنى ما لم يسجد ، وشبّهه بالمكتوف ، وهو المشدود اليدين ، لأنّهما لا يقعان على الأرض في السّجود.

ومنه حديث حاطب «فأخرجت الكتاب من عِقَاصِها» أي ضفائرها ، جمع عَقِيصَة أو عِقْصَة. وقيل : هو الخيط الذي تُعْقَصُ به أطراف الذّوائب ، والأوّل الوجه.

(س) ومنه حديث النّخعي «الخلع تطليقة بائنة ، وهو ما دون عِقَاص الرأس» يريد أن المختلعة إذا افتدت نفسها من زوجها بجميع ما تملك كان له أن يأخذ ما دون شعرها من جميع ملكها.

(ه) وفي حديث مانع الزكاة «فتطؤه بأظلافها ليس فيها عَقْصَاء ولا جلحاء» العَقْصَاء : الملتوية القرنين.

(ه س) وفي حديث ابن عباس «ليس [معاوية (١)] مثل الحصر العَقِص» يعنى ابن الزّبير. العَقِص : الألوى الصّعب الأخلاق ، تشبيها بالقرن الملتوى.

(عقعق) (س)في حديث النّخعيّ «يقتل المحرم القَعْقَع» هو طائر معروف ذو لونين أبيض وأسود ، طويل الذّنب. ويقال له : القَعْقَع أيضا ، وإنما أجاز قتله لأنه نوع من الغربان.

(عقف) في حديث القيامة «وعليه حسكة مفلطحة لها شوكة عَقِيفَة» أي ملويّة كالصّنّارة.

(ه) ومنه حديث القاسم بن محمد بن مخيمرة «لا أعلم رخّص فيها ـ يعنى العصرة ـ إلّا للشيخ المَعْقُوف» أي الذي قد انْعَقَفَ من شدّة الكبر فانحنى واعوجّ حتى صار كالعُقَّافَة ، وهي الصّولجان.

(عقق) [ه] فيه «أنه عَقَ عن الحسن والحسين» العَقِيقَة : الذبيحة التي تذبح عن المولود. وأصل العَقِ : الشّقّ والقطع. وقيل للذّبيحة عَقِيقَة ، لأنّها يشق حلقها.

__________________

(١) من الهروى ، وانظر ص ٣٩٦ من الجزء الأول.

٢٧٦

ومنه الحديث «الغلام مرتهن بعَقِيقَتِه» قيل : معناه أنّ أباه يحرم شفاعة ولده إذا لم يَعُقَ عنه. وقد تقدّم في حرف الراء مبسوطا.

ومنه الحديث «أنه سئل عن العَقِيقَة فقال : لا أحب العُقُوق» ليس فيه توهين لأمر العَقِيقَة ولا إسقاط لها ، وإنما كره الاسم ، وأحبّ أن تسمّى بأحسن منه ، كالنّسيكة والذبيحة ، جريا على عادته في تغيير الاسم القبيح.

وقد تكرر ذكر «العَقِ والعَقِيقَة» في الحديث. ويقال للشّعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمّه : عَقِيقَة ، لأنّها تحلق.

وجعل الزمخشريّ الشعر أصلا ، والشاة المذبوحة مشقّة منه.

(ه) ومنه الحديث في صفة شعره صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن انفرقت عَقِيقَتُه فرق» أي شعره ، سمي عَقِيقَة تشبيها بشعر المولود.

وفيه «أنه نهى عن عُقُوق الأمّهات» يقال : عَقَ والده يَعُقُّه عُقُوقاً فهو عَاقٌ إذا آذاه وعصاه وخرج عليه. وهو ضدّ البرّ به. وأصله من العَقِ : الشق والقطع ، وإنما خصّ الأمّهات وإن كان عُقُوق الآباء وغيرهم من ذوى الحقوق عظيما (١) ، فلعُقُوق الأمّهات مزيّة في القبح.

ومنه حديث الكبائر «وعدّ منها عُقُوق الوالدين» وقد تكرر ذكره في الحديث.

(ه) ومنه حديث أحد «إنّ أبا سفيان مرّ بحمزة قتيلا فقال له : ذق عُقَقُ» أراد ذق القتل يا عَاقَّ قومِهِ ، كما قتلت يوم بدر من قومك ، يعنى كفّار قريش.

وعُقَق : معدول عن عَاقّ ، للمبالغة ، كغدر ، من غادر ، وفسق ، من فاسق.

(س) وفي حديث أبي إدريس «مثلكم ومثل عائشة مثل العين في الرّأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يَعِقَّها إلّا بالذي هو خير لها» هو مستعار مستعار عُقُوق الوالدين.

__________________

(١) فى الأصل «سواء» وأثبتنا ما فى او اللسان. وفى اللسان : «... لأن لعقوق الأمهات مزيّة فى القبح».

٢٧٧

(ه) وفيه «من أطرق مسلما فعَقَّتْ له فرسه كان [له (١)] كأجر كذا» عَقَّتْ أي حملت ، والأجود : أَعَقَّتْ ، بالألف فهي عُقُوقٌ ، ولا يقال : مُعِقٌ ، كذا قال الهروي عن ابن السّكّيت.

وقال الزمخشري : «يقال : عَقَّتْ تَعَقُ عَقَقاً وعَقَاقاً ، فهي عُقُوقٌ ، وأَعَقَّت فهي مُعِقٌ».

ومنه قولهم في المثل «أعزّ من الأبلق العَقُوقُ» لأنّ العَقُوق الحامل ، والأبلق من صفات الذّكر.

(س) ومنه الحديث «أنه أتاه رجل معه فرس عَقُوق» أي حامل. وقيل : حائل ، على أنه من الأضداد. وقيل : هو من التّفاؤل ، كأنهم أرادوا أنها ستحمل إن شاء الله تعالى.

(س) وفيه «أيّكم يحبّ أن يغدو إلى بطحان والعَقِيق» هو واد من أودية المدينة مسيل للماء ، وهو الذي ورد ذكره في الحديث أنه واد مبارك.

(س) وفي حديث آخر «إن العَقِيق ميقات أهل العراق» وهو موضع قريب من ذات عرق ، قبلها بمرحلة أو مرحلتين. وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمّى العَقِيق. وكلّ موضع شققته من الأرض فهو عَقِيق ، والجمع : أَعِقَّة وعَقَائِق.

(عقل) قد تكرر في الحديث ذكر «العَقْل ، والعُقُول ، والعَاقِلَة» أما العَقْل : فهو الدّية ، وأصله : أنّ القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدّية من الإبل فعَقَلَها بفناء أولياء المقتول : أي شدّها في عُقُلِها ليسلمها إليهم ويقبضوها منه ، فسمّيت الدّية عَقْلاً بالمصدر. يقال : عَقَلَ البعير يَعْقِلُه عَقْلاً ، وجمعها عُقُول. وكان أصل الدّية الإبل ، ثم قوّمت بعد ذلك بالذّهب والفضّة والبقر والغنم وغيرها.

والعَاقِلَة : هي العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ ، وهي صفة جماعة عَاقِلَة ، وأصلها اسم ، فاعلة من العَقْل ، وهي من الصّفات الغالبة.

ومنه الحديث «الدّية على العَاقِلَة».

__________________

(١) من الهروى.

٢٧٨

والحديث الآخر «لا تَعْقِلُ العَاقِلَةُ عمدا ، ولا عبدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا» أي أنّ كلّ جناية عمد فإنها من مال الجاني خاصّة ، ولا يلزم العَاقِلَة منها شيء ، وكذلك ما اصطلحوا عليه من الجنايات في الخطأ. وكذلك إذا اعترف الجاني بالجناية من غير بيّنة تقوم عليه ، وإن ادّعى أنّها خطأ لا يقبل منه ولا تلزم بها العَاقِلَة. وأما العبد فهو أن يجني على حرّ فليس على عَاقِلَة مولاه شيء من جناية عبده ، وإنّما جنايته في رقبته ، وهو مذهب أبي حنيفة.

وقيل : هو أن يجني حرّ على عبد فليس على عَاقِلَة الجاني شيء ، إنّما جنايته في ماله خاصّة ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وهو موافق لكلام العرب ، إذ لو كان المعنى على الأوّل لكان الكلام «لا تَعْقِلُ العَاقِلَة على عبد» ولم يكن «لا تَعْقِلُ عبدا» واختاره الأصمعيّ وأبو عبيد.

(ه) ومنه الحديث «كتب بين قريش والأنصار كتابا فيه : المهاجرون من قريش على رباعتهم يَتَعَاقَلُون بينهم مَعَاقِلَهُم الأولى» أي يكونون على ما كانوا عليه من أخذ الدّيات وإعطائها. وهو تفاعل من العَقْل. والمَعَاقِل : الدّيات ، جمع مَعْقُلَة. يقال : بنو فلان على مَعَاقِلِهم التي كانوا عليها : أي مراتبهم وحالاتهم.

ومنه حديث عمر «إنّ رجلا أتاه فقال : إنّ ابن عمّي شجّ موضحة ، فقال : أمن أهل القرى أم من أهل البادية؟ قال : من أهل البادية ، فقال عمر : إنّا لا نَتَعَاقَلُ المُضَغَ بيننا» المُضَغُ : جمع مُضْغَة وهي : القطعة من اللّحم قدر ما يمضغ في الأصل ، فاستعارها للموضحة وأشباهها من الأطراف كالسّنّ والإصبع ، مما لم يبلغ ثلث الدّية ، فسماها مضغة (١) تصغيرا لها وتقليلا. ومعنى الحديث أنّ أهل القرى لا يَعْقِلُون عن أهل البادية ، ولا أهل البادية عن أهل القرى في مثل هذه الأشياء. والعَاقِلَة لا تحمل السّنّ والإصبع والموضحة وأشباه ذلك.

(ه) ومنه حديث ابن المسيّب «المرأة تُعَاقِلُ الرّجل إلى ثلث ديتها» يعنى أنّها تساويه فيما كان من أطرافها إلى ثلث الدّية ، فإذا تجاوزت الثلث ، وبلغ العَقْلُ نصف الدّية صارت دية المرأة على النّصف من دية الرجل.

ومنه حديث جرير «فاعتصم ناس منهم بالسّجود ، فأسرع فيهم القتل ، فبلغ ذلك النبيّ

__________________

(١) فى ا : «مضغا».

٢٧٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر لهم بنصف العَقْل» إنما أمر لهم بالنّصف بعد علمه بإسلامهم ، لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار ، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره ، فتسقط حصّة جنايته من الدّية.

(ه) وفي حديث أبي بكر «لو منعوني عِقَالاً ممّا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاتلتهم عليه» أراد بالعِقَال : الحبل الذي يَعْقِلُ به البعير الذي كان يؤخذ في الصّدقة ، لأنّ على صاحبها التّسليم. وإنّما يقع القبض بالرّباط.

وقيل : أراد ما يساوي عِقَالاً من حقوق الصّدقة.

وقيل : إذا أخذ المصدّق أعيان الإبل قيل : أخذ عِقَالاً ، وإذا أخذ أثمانها قيل : أخذ نقدا.

وقيل : أراد بالعِقَال صدقة العام. يقال : أخذ المصدّق عِقَال هذا العام : أي أخذ منهم صدقته. وبعث فلان على عِقَال بني فلان : إذا بعث على صدقاتهم. واختاره أبو عبيد ، وقال هو أشبه عندي بالمعنى.

وقال الخطّابي : إنما يضرب المثل في مثل هذا بالأقلّ لا بالأكثر ، وليس بسائر في لسانهم أنّ العِقَال صدقة عام ، وفي أكثر الروايات «لو منعوني عناقا» وفي أخرى «جديا».

قلت : قد جاء في الحديث ما يدل على القولين.

فمن الأوّل حديث عمر «أنّه كان يأخذ مع كلّ فريضة عِقَالاً ورواء ، فإذا جاءت إلى المدينة باعها ثم تصدّق بها».

وحديث محمد بن مسلمة «أنّه كان يعمل على الصّدقة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان يأمر الرجل إذا جاء بفريضتين أن يأتي بعِقَالَيْهِما وقِرَانَيْهِما».

ومن الثاني حديث عمر «أنّه أخّر الصّدقة عام الرّمادة ، فلمّا أحيا الناس بعث عامله فقال : اعْقِلْ عنهم عِقَالَيْن فاقسم فيهم عِقَالاً وأتني بالآخر» يريد صدقة عامين.

وفي حديث معاوية «أنه استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صدقات كلب ، فاعتدى عليهم ، فقال ابن العدّاء الكلبي :

٢٨٠