كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

وتساوي طرفي وجوده وعدمه إنما يكون في العقل والمرجح لطرف الوجود يكون موجودا في الخارج وأما في العدم فلا يكون إلا عقليا وعدم العلة ليس بنفي محض وهو يكفي في الترجيح العقلي ولامتيازه عن عدم المعلول في العقل يجوز أن يعلل هذا العدم بذلك العدم في العقل.

المسألة الرابعة والأربعون

في أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر

قال : والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر لوجود علته.

أقول : ذهب جمهور الحكماء والمتأخرين من المتكلمين إلى أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر وبالجملة كل من قال بأن الإمكان علة تامة في احتياج الأثر إلى المؤثر حكم بأن الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر والدليل عليه أن علة الحاجة إنما هي الإمكان وهو لازم للماهية ضروري اللزوم فهي أبدا محتاجة إلى المؤثر لأن وجود العلة يستلزم وجود المعلول.

قال : والمؤثر يفيد البقاء بعد الإحداث.

أقول : لما حكم باحتياج الممكن الباقي إلى المؤثر شرع في تحقيق الحال فيه وأن الصادر عن المؤثر ما هو حال البقاء وذلك لأن الشبهة دخلت على القائلين باستغناء الباقي عن المؤثر بسبب أن المؤثر لا تأثير له حال البقاء لأنه إما أن يؤثر في الوجود الذي كان حاصلا وهو محال لأن تحصيل الحاصل محال ، أو في أمر جديد فيكون المؤثر مؤثرا في الجديد لا في الباقي.

والتحقيق أن قولهم المؤثر حال البقاء إما أن يكون له في الأثر تأثير أو لا يشتمل على غلط فإن المؤثر في البقاء لا يكون له أثر البقاء حال البقاء وتحصيل الحاصل إنما لزم منه. والحق أن المؤثر يفيد البقاء بعد الإحداث وتأثيره بعد الإحداث في أمر جديد هو البقاء فإنه غير الإحداث فهو مؤثر في أمر جديد صار به باقيا لا في الذي كان باقيا.

٨١

قال : فلهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب لو أمكن ولا يمكن استناده إلى المختار.

أقول : هذا نتيجة ما تقدم من أن الممكن الباقي إذا ثبت أنه محتاج إلى المؤثر ثبت جواز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب ، أما استناده إلى المختار فغير ممكن لأن المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد والاختيار والقصد إنما يتوجه في التحصيل إلى شيء معدوم لأن القصد إلى تحصيل الحاصل محال وكل معدوم تجدد فهو حادث.

المسألة الخامسة والأربعون

في نفي قديم ثان

قال : ولا قديم سوى الله تعالى لما يأتي :

أقول : قد خالف في هذا جماعة كثيرة أما الفلاسفة فظاهر لقولهم بقدم العالم.

وأما المسلمون فالأشاعرة أثبتوا ذاته تعالى وصفاته في الأزل كالقدرة والعلم والحياة والوجود والبقاء وغير ذلك من الصفات على ما يأتي.

وأبو هاشم أثبت أحوالا خمسا فإنه علل القادرية والعالمية والحيية والموجودية بحالة خامسة هي الإلهية.

وأما الحرنانيون فقد أثبتوا خمسة من القدماء اثنان حيان فاعلان هما الباري تعالى والنفس وواحد منفعل غير حي هو الهيولى واثنان لا حيان ولا فاعلان ولا منفعلان هما الدهر والخلاء أما قدمه تعالى فظاهر وأما النفس والهيولى فلاستحالة تركبهما عن المادة وكل حادث مركب وأما الزمان فلاستحالة التسلسل اللازم على تقدير عدمه وأما الخلاء فرفعه غير معقول واختار ابن زكريا الرازي الطبيب هذا المذهب وصنف كتابا موسوما بالقول في القدماء الخمسة وكل هذه المذاهب باطلة لأن كل ما سوى الله تعالى ممكن وكل ممكن حادث وسيأتي تقريرهما.

٨٢

المسألة السادسة والأربعون

في عدم وجوب المادة والمدة للحادث

قال : ولا يفتقر الحادث إلى المدة والمادة وإلا لزم التسلسل.

أقول : ذهبت الفلاسفة إلى أن كل حادث مسبوق بمادة ومدة لأن كل حادث ممكن وإمكانه سابق عليه وهو عرض لا بد له من محل وليس المعدوم لانتفائه فهو ثبوتي هو المادة ، ولأن كل حادث يسبقه عدمه سبقا لا يجامعه المتأخر فالسبق بالزمان يستدعي ثبوته وهذان الدليلان باطلان لأنه يلزم منهما التسلسل لأن المادة ممكنة فمحل إمكانها مغاير لها فيكون لها مادة أخرى على أنا قد بينا أن الإمكان عدمي لأنه لو كان ثبوتيا لكان ممكنا فيكون له إمكان ويلزم التسلسل والزمان يتقدم أجزاؤه بعضها على بعض هذا النوع من التقدم فيكون للزمان زمان هذا خلف.

أجابوا عن الأول : بأن الإمكان لفظ مشترك بين معنيين الأول ما يقابل الامتناع وهو صفة عقلية يوصف بها كل ما عدا الواجب والممتنع من المتصورات ولا يلزم من اتصاف الماهية بها كونها مادية ، والثاني الاستعداد وهو موجود معدود في نوع من أنواع جنس الكيف وإذا كان موجودا وعرضا وغير باق بعد الخروج إلى الفعل فيحتاج لا محالة قبل الخروج إلى محل وهو المادة.

وعن الثاني : أن القبلية والبعدية تلحقان الزمان لذاته فلا يفتقر إلى زمان آخر.

قلنا أما الأول فباطل لأن ذلك العرض حادث فيتوقف على استعداد له ويعود البحث في التسلسل ، وأما الثاني فكذلك لأن أجزاء الزمان لو كانت تتقدم بعضها على البعض لذاتها وتتأخر كذلك كانت أجزاء الزمان مختلفة بالحقيقة فكان الزمان مركبا من الآنات وهو عندكم باطل.

٨٣

المسألة السابعة والأربعون

في أن القديم لا يجوز عليه العدم

قال : والقديم لا يجوز عليه العدم لوجوبه بالذات أو لاستناده إليه.

أقول : القديم إن كان عدما جاز عليه العدم كعدم العالم وإن كان العدم لا يسمى قديما ، وإن كان وجودا استحال عدمه لأنه إما أن يكون واجب الوجود فيستحيل عدمه ، أو ممكن الوجود فمؤثره لا يجوز أن يكون مختارا لأن كل أثر لمختار حادث فيكون موجبا فإن كان واجبا استحال عدمه فاستحال عدم معلوله ، وإن كان ممكنا تسلسل.

قال :

٨٤

الفصل الثاني

في الماهية ولواحقها

وهي مشتقة عما هو وهو ما به يجاب عن السؤال بما هو وتطلق غالبا على الأمر المتعقل ، والذات والحقيقة عليها مع اعتبار الوجود ، والكل من ثواني المعقولات.

أقول : في هذا الفصل مباحث شريفة جليلة نحن نذكرها في مسائل : المسألة الأولى في الماهية والحقيقة والذات أما الماهية فهي لفظة مأخوذة عن ما هو وهو ما به يجاب عن السؤال بما هو فإنك إذا قلت ما هو الإنسان فقد سألت عن حقيقته وماهيته فإذا قلت حيوان ناطق كان هذا الجواب هو ماهية الإنسان وهذه اللفظة أعني الماهية إنما تطلق في الغالب من الاستعمال على الأمر المعقول وإذا لحظ مع ذلك الوجود قيل له حقيقة وذات والماهية والحقيقة والذات من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى فإن حقيقة الإنسان أعني الحيوان الناطق معروضة لكونها ماهية وذاتا وحقيقة وهذه عوارض لها.

قال : وحقيقة كل شيء واحدة مغايرة لما يعرض لها من الاعتبارات وإلا لم تصدق على ما ينافيها.

أقول : كل شيء له حقيقة هو بها ما هو فالإنسانية من حيث هي إنسانية حقيقة وهي مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات فإن الإنسانية من حيث هي إنسانية لا يدخل في مفهومها الوجود والعدم ولا الوحدة والكثرة ولا الكلية والجزئية ولا غير ذلك من الاعتبارات اللاحقة بها لأن الوحدة مثلا لو دخلت في مفهوم الإنسانية لم تصدق الإنسانية على ما ينافي الوحدة لكنها تصدق عليه لصدقها على الكثرة وكذلك القول في الكثرة

٨٥

وكذا الوجود والعدم والكلية والجزئية وغيرها فهي إذن مغايرة لهذه الاعتبارات وقابلة لها قبول المادة للصور المختلفة والأعراض المتضادة.

قال : وتكون الماهية مع كل عارض مقابلة لها مع ضده.

أقول : إذا أخذت الماهية مع قيد الوحدة مثلا صارت واحدة وإذا أخذت مع قيد الكثرة صارت كثيرة فالواحدية أمر مضموم إليها مغاير لها تصير بها الماهية واحدة وتقابل باعتبارها الماهية باعتبار القيد الآخر فإن الإنسان الواحد مقابل للإنسان الكثير باعتبار العارضين لا باعتبار الماهية نفسها.

قال : وهي من حيث هي ليست إلا هي ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب السلب لكل شيء قبل الحيثية لا بعدها.

أقول : الإنسانية من حيث هي هي ليست إلا الإنسانية وجميع ما يعرض لها من الاعتبارات مغاير لها كالوحدة والكثرة على ما تقدم إذا عرفت هذا فإذا سألنا عن الإنسان بطرفي النقيض فقيل مثلا هل الإنسان ألف أم ليس كان الجواب دائما بالسلب على أن يكون قبل من حيث لا بعد من حيث ، فنقول الإنسان ليس من حيث هو إنسان ألفا ولا نقول الإنسان من حيث هو إنسان ليس ألفا ولو قيل الإنسانية التي في زيد لا تغاير التي في عمرو من حيث هي إنسانية لم يلزم منه أن تقول فإذن تلك الوحدة بالعدد لأن قولنا من حيث هي إنسانية أسقط جميع الاعتبارات وقيد الوحدة زائد فيجب حذفه.

المسألة الثانية

في أقسام الكلي

قال : وقد تؤخذ الماهية محذوفا عنها ما عداها بحيث لو انضم إليها شيء لكان زائدا ولا تكون مقولة على ذلك المجموع وهو الماهية بشرط لا شيء ولا توجد إلا في الأذهان.

٨٦

أقول : الماهية كالحيوان مثلا قد تؤخذ محذوفا عنها جميع ما عداها بحيث لو انضم إليها شيء لكان ذلك الشيء زائدا على تلك الماهية ولا تكون الماهية صادقة على ذلك المجموع وهو الماهية بشرط لا شيء وهذا لا يوجد إلا في الأذهان لا في الخارج لأن كل موجود في الخارج مشخص وكل مشخص فليس بمتجرد عن الاعتبارات.

قال : وقد تؤخذ لا بشرط شيء وهو كلي طبيعي موجود في الخارج وهو جزء من الأشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه ومما يضاف إليه.

أقول : هذا اعتبار آخر للماهية معقول وهو أن تؤخذ الماهية من حيث هي هي لا باعتبار التجرد ولا باعتبار عدمه كما يؤخذ الحيوان من حيث هو هو لا باعتبار تجرده عن الاعتبارات بل مع تجويز أن يقارنه غيره مما يدخل في حقيقته وهذا هو الحيوان لا بشرط شيء وهو الكلي الطبيعي لأنه نفس طبائع الأشياء وحقائقها وهذا الكلي موجود في الخارج فإن الحيوان المقيد موجود في الخارج وكل موجود في الخارج فإن أجزاءه موجودة في الخارج فالحيوان من حيث هو هو الذي هو جزء من هذا الحيوان موجود وهذا الحيوان جزء من الأشخاص الموجودة وهو صادق على المجموع المركب منه ومن قيد الخصوصية المضاف إليه.

قال : والكلية العارضة للماهية يقال لها كلي منطقي وللمركب منهما عقلي وهما ذهنيان فهذه اعتبارات ثلاثة ينبغي تحصيلها في كل ماهية معقولة.

أقول : هذان اعتباران آخران للكلي (أحدهما) الكلية العارضة لها وهو الكلي المنطقي لأن المنطقي يبحث عنه (والثاني) العقلي وهو المركب من الماهية ومن الكلية العارضة لها فإن هذا اعتبار آخر مغاير للأولين وهذان الكليان عقليان لا وجود لهما في الخارج أما المنطقي فلأنه لا يتحقق إلا عارضا لغيره إذ الكلية من ثواني المعقولات ليست متأصلة في الوجود إذ ليس في الخارج شيء هو كلي مجرد فالكلية إذا عارضة لغيرها وكل معروض للكلي من حيث هو معروض له فهو ذهني إذ كل موجود في الخارج شخصي وكل

٨٧

شخصي فليس بكلي فالكلي ذهني وكذا الكلي العقلي لهذا فهذه اعتبارات ثلاثة في كل معقول ينبغي تحصيلها (أحدها) الكلي الطبيعي وهو نفس الماهية (والثاني) الكلي المنطقي وهو العارض لها (والثالث) العقلي وهو المركب منهما.

المسألة الثالثة

في انقسام الماهية إلى البسيط والمركب

قال : والماهية منها بسيط وهو ما لا جزء له ، ومنها مركب وهو ما له جزء وهما موجودان ضرورة.

أقول : الماهية إما أن يكون لها جزء تتقوم منه ومن غيره ، وإما أن لا تكون كذلك والأول هو المركب كالإنسان المتقوم من الحيوان والنطق والثاني هو البسيط كالجوهر الذي لا جزء له وهذان القسمان موجودان بالضرورة فإنا نعلم بالضرورة وجود المركبات كالجسم والإنسان والفرس وغيرها من الحقائق المركبة ووجود المركب يستلزم وجود أجزائه فالبسائط موجودة بالضرورة.

قال : ووصفاهما اعتباريان متنافيان وقد يتضايفان فيتعاكسان في العموم والخصوص مع اعتبارهما بما مضى.

أقول : يعني أن وصف البساطة والتركيب اعتباريان عقليان عارضان لغيرهما من الماهيات إذ لا موجود هو بسيط أو مركب محض فالبساطة والتركيب لا يعقلان إلا عارضان فهما من ثواني المعقولات ولو كانا موجودين لزم التسلسل إذا عرفت هذا فإنهما متنافيان إذ لا يصدق على شيء أنه بسيط ومركب وإلا لزم اجتماع النقيضين فيه وهو محال.

وقد يتضايفان أعني يؤخذ البسيط بالنسبة إلى مركب مخصوص فيكون بساطته باعتبار كونه جزءا من ذلك المركب لا أنه لا جزء له هو المركب المخصوص ويكون

٨٨

المركب مركبا باعتبار القياس إليه فيتحقق الإضافة بينهما وهذا كالحيوان فإنه بسيط بالنسبة إلى الإنسان على معنى أنه جزء منه فيكون أبسط منه وإذا أخذ باعتبار التضايف تعاكسا مع اعتبارهما الأول أعني الحقيقي عموما وخصوصا وذلك لأنهما بالمعنى الحقيقي متنافيان لأن البسيط لا يصدق عليه أنه مركب بذلك المعنى وإذا أخذا بالمعنى الإضافي جوزنا أن يكون البسيط مركبا لأن بساطته ليست باعتبار نفسه بل باعتبار كونه جزءا من غيره وإذا جاز كون البسيط بهذا المعنى مركبا كان أعم من البسيط بالمعنى الأول فيكون المركب بهذا المعنى أخص منه بالمعنى الأول فقد تعاكسا أعني البسيط والمركب في العموم والخصوص باختلاف الاعتبار.

قال : وكما تتحقق الحاجة في المركب فكذا في البسيط.

أقول : الحاجة تعرض للبسيط وللمركب معا فإن كل واحد منهما ممكن وكل ممكن على الإطلاق فإنه محتاج إلى السبب فالحاجة ثابتة في كل واحد منهما.

وقد منع بعض الناس احتياج البسيط إلى المؤثر لأن علة الحاجة إنما هي الإمكان وهو أمر نسبي إنما يعرض لمنتسبين فما لم تتحقق الاثنينية لم تتحقق الحاجة ولا اثنينية في البسيط فلا احتياج له.

والجواب : أن الإمكان أمر عقلي يعرض لمنتسبين عقليين هما الماهية والوجود وتتحقق باعتباره الحاجة لكل واحد منهما إلى المؤثر.

قال : وهما قد يقومان بأنفسهما وقد يفتقران إلى المحل.

أقول : كل واحد من البسيط والمركب قد يكون قائما بنفسه كالجوهر والحيوان ، وقد يكون مفتقرا إلى المحل كالكيف والسواد وهما ظاهران ، إذا عرفت هذا فالمركب من الأول لا بد وأن يكون أحد أجزائه قائما بنفسه والآخر قائما به والمركب من الثاني لا بد وأن يكون جميع أجزائه محتاجا إلى المحل إما إلى ما حل فيه المركب أو البعض إليه والباقي إلى ذلك البعض.

٨٩

قال : والمركب إنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج وهو علة الغنى عن السبب فباعتبار الذهن بين وباعتبار الخارج غني فتحصل خواص ثلاث واحدة متعاكسة واثنتان أعم.

أقول : المركب هو الذي تلتئم ماهيته عن عدة أمور فبالضرورة يكون تحققه متوقفا على تحقق تلك الأمور والمتوقف على الغير متأخر عنه فالمركب متأخر عن تلك الأمور فيتأخر عن كل واحد منها فكل واحد منها موصوف بالتقدم في طرف الوجود ثم إذا عدم أحدها لم تلتئم تلك الأمور فلا تحصل الماهية فيكون عدم أي جزء كان من تلك الأمور علة لعدم المركب والعلة متقدمة على المعلول فكل واحد من تلك الأمور موصوف بالتقدم في طرف العدم أيضا فقد ظهر أن جزء الحقيقة متقدم عليها في الوجود والعدم ثم إن الذهن مطابق للخارج فيجب أن يحكم بالتقدم في الوجود الذهني والعدم الذهني فقد تحقق أن المركب إنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج.

إذا عرفت هذا فنقول هذا التقدم الذي هو من خواص الجزء يستلزم استغناء الجزء عن السبب الجديد ، لسنا نقول إنه يكون مستغنيا عن مطلق السبب فإن فاعل الجزء هو فاعل الكل وذلك لأن المتقدم لا يعقل احتياجه إلى علة متأخرة عن المتأخر عنه بل ولا خارجة عن علة المركب فإن علة كل جزء داخلة في علة الكل فإذا اعتبر هذا التقدم بالنسبة إلى الذهن فهو البين وإذا اعتبر بالنسبة إلى الخارج فهو الغني عن السبب وهذه الخاصة أعم من الخاصة الأولى لأن الأولى هي الحصول الموصوف بالتقدم والثانية هي الحصول المطلق ولهذا قيل لا يلزم من كون الوصف بين الثبوت للشيء وكونه غنيا عن السبب الجديد كونه جزءا.

فقد حصل لكل ذاتي على الإطلاق خواص ثلاث : الأولى وجوب تقدمه في الوجودين والعدمين وهذه متعاكسة عليه. الثانية استغناؤه عن السبب الجديد. الثالثة امتناع رفعه عما هو ذاتي له وهاتان الخاصتان إضافيتان أعم منه لمشاركة بعض اللوازم له في ذلك.

٩٠

المسألة الرابعة

في أحكام الجزء

قال : ولا بد من حاجة ما لبعض الأجزاء إلى البعض ولا يمكن شمولها باعتبار واحد.

أقول : كل مركب على الإطلاق فإنه يتركب من جزءين فصاعدا ولا بد من أن يكون لأحد الأجزاء حاجة إلى جزء آخر مغاير له فإنه لو استغنى كل جزء عن باقي الأجزاء لم تحصل منها حقيقة واحدة كما لا يحصل من الإنسان الموضوع فوق الحجر مع الحجر حقيقة متحدة فلا بد لكل مركب على الإطلاق من حاجة لبعض أجزائه إلى بعض.

ثم المحتاج قد يكون هو الجزء الصوري لا غير كالهيئة الاجتماعية في العسكر والبلدة في البيوت والعشرية في العدد والمعجون عن اجتماع الأدوية.

وقد يكون هو الجزء المادي كالهيولى في الجسم ولا يمكن شمول الحاجة بأن يكون الجزء المادي محتاجا إلى الصوري والصوري محتاجا إلى المادي إذا أخذت الحاجة باعتبار واحد لأنه يلزم الدور المحال.

وقد تشمل الحاجة الجزءين معا لا باعتبار واحد كالمادة المحتاجة في وجودها إلى الصورة والصورة المحتاجة في تشخصها إلى المادة.

قال : وهي قد تتميز في الخارج وقد تتميز في الذهن.

أقول : أجزاء الماهية لا بد وأن تكون متمايزة ثم التمايز قد يكون خارجيا كامتياز النفس والبدن اللذين هما جزءا الإنسان ، وقد يكون ذهنيا كامتياز جنس السواد عن فصله فإنه لو كان خارجيا لم يخل إما أن يكون كل واحد منهما محسوسا أو لا ، والأول باطل ، لأنه إن ماثل السواد استحال جعله مقوما لعدم الأولوية ولزوم كون الشيء مقوما لنفسه ، وإن خالفه فإذا انضاف الفصل إلى الجنس فإما أن لا تحدث هيئة أخرى فيكون المحسوس هو اللونية المطلقة فالسوادية المحسوسة هي اللونية المطلقة هذا خلف ، أو تحدث

٩١

هيئة أخرى فلا يكون الإحساس بمحسوس واحد بل بمحسوسين هذا خلف والثاني باطل لأنه لم تحصل عند الاجتماع هيئة أخرى كان السواد غير محسوس وإن حدث كان الحادث هو السواد وهو معلول الجزءين وهو خارج عنهما فيكون التركيب في قابل السواد أو فاعله لا فيه هذا خلف.

قال : وإذا اعتبر عروض العموم ومضايفه فقد تتباين وقد تتداخل.

أقول : هذه القسمة باعتبار عروض العموم ومضايفه أعني الخصوص للأجزاء فإنا إذا اعتبرنا عروضهما للأجزاء حدثت هذه القسمة وذلك لأن أجزاء الماهية إما أن يكون بعضها أعم من البعض فتسمى المتداخلة أو لا تكون فتسمى المتباينة.

والمتداخلة قد يكون العام عاما مطلقا إما متقوما بالخاص وموصوفا به كالجنس ومضايفه الفصل ، أو صفة له كالموجود المقول على المقولات العشر ، أو مقوما للخاص كالنوع الأخير المقوم لخواصه المطلقة ، وقد يكون مضافا كالحيوان والأبيض.

والمتباينة ما يتركب عن الشيء وإحدى علله أو معلولاته أو غيرهما إما بعضها عدمي كالأول أو كلها وجودية حقيقية متشابهة كالآحاد في العدد ، أو مختلفة إما معقولة كالمادة والصورة والعفة والحكمة في العدالة ، أو محسوسة كاللون والشكل في الخلقة والسواد والبياض في البلقة ، أو بعضها إضافي كالسرير المعتبر في تحققه نوع نسبة ، أو كلها كذلك كالأقرب والأبعد فهذه أصناف المركبات.

قال : وقد تؤخذ مواد وقد تؤخذ محمولة.

أقول : أجزاء الماهية قد ينظر إليها باعتبار كونها مواد فتكون أجزاء حقيقية ولا تحمل على المركب حمل هو هو لاستحالة كون الكل هو الجزء ، وقد ينظر إليها باعتبار كونها محمولة صادقة على المركب.

مثاله الحيوان قد يؤخذ مع الناطق فيكون هو الإنسان نفسه ، وقد يؤخذ بشرط التجرد والخلو عن الناطق وهو الماهية بشرط لا شيء كما تقدم تحقيقه فيستحيل حمله على المجموع

٩٢

المركب منه ومن غيره وإذا أخذ من حيث هو هو مع قطع النظر عن القيدين كان محمولا.

قال : فتعرض لها الجنسية والفصلية.

أقول : إذا اعتبرنا حمل الجزء على الماهية حصلت الجنسية والفصلية لأن الجنس هو الجزء المشترك والفصل هو الجزء المميز والجزء المحمول يكون أحدهما قطعا فإذا أخذ الجزء محمولا حصلت الجنسية أعني مقولية ذلك الجزء على كثيرين أو الفصلية أعني تميز الجزئية فجزء الماهية إما جنس أو فصل والجنس هو الكلي المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو ، والفصل هو المقول على الشيء في جواب أي شيء هو في جوهره.

قال : وجعلاهما واحد.

أقول : يعني به جعل الجنس والفصل ولم يكونا مذكورين صريحا بل أعاد الضمير إليهما لكونهما في حكم المصرح بهما وإنما كان جعلاهما واحدا لأن الفاعل لم يفعل حيوانا مطلقا ثم يميزه بانضمام الفصل إليه فإن المطلق لا وجود له بل جعل الحيوان هو بعينه جعل الناطق واعتبر هذا في اللونية فإنها لو كان لها وجود مستقل فهي هيئة إما في السواد فيوجد السواد لا بها هذا خلف ، أو في محله فالسواد عرضان لون وفصله لا واحد هذا خلف فجعله لونا هو بعينه جعله سوادا.

قال : والجنس هاهنا كالمادة وهو معلول والآخر صورة وهو علة.

أقول : الجنس إذا نسب مع فصله إلى المادة والصورة وجد الجنس أشبه بالمادة من الفصل والفصل أشبه بالصورة منه وهذا الجنس هو المعلول والفصل هو العلة وذلك لأن للفصل نسبة إلى الجنس المطلق وهي نسبة التقسيم ، وإلى النوع أعني الجنس المقيد بالفصل وهي التقويم ، وإلى حصة النوع من الجنس وهي نسبة العلية وذلك لأن الشيخ أبا علي ادعى أن الفصل علة لحصة النوع من الجنس لأنه قد تقدم أنه لا بد من احتياج بعض الأجزاء إلى البعض فالجزء المحتاج من النوع إن كان هو الجنس فهو المطلوب وإن كان هو

٩٣

الفصل كان الجنس مساويا للفصل ويلزم وجود الفصل أينما يوجد الجنس لأنه علة فلا يكون الجنس أعم هذا خلف.

قال : وما لا جنس له فلا فصل له.

أقول : الفصل هو الجزء المميز للشيء عما يشاركه في الجنس على ما تقدم فإذا لم يكن للشيء جنس لم يكن له فصل هذا هو التحقيق في هذا المقام.

وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الفصل هو المميز في الوجود وجوزوا تركيب الشيء من أمرين متساويين كالجنس العالي والفصل الأخير وكل من الأمرين ليس جنسا فيكون فصلا يتميز به المركب عما يشاركه في الوجود.

وهذا خطأ لأن الأشياء المختلفة لا تفتقر في تمايزها عما يشاركها في الوجود وغيره من العوارض إلى أمر مغاير لذواتها فإن كل واحد من الجزءين المتساويين كما يمتاز بنفسه عما يشاركه في الوجود كذلك المركب منهما ولو افتقر كل مشارك في الوجود أو في غيره من الأعراض إلى فصل لزم التسلسل ولم يكن جعل كل واحد منهما فصلا للمركب ولم يكن المركب فصلا لكل منهما لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الوجود.

قال : وكل فصل تام فهو واحد.

أقول : الفصل منه ما هو تام وهو كمال الجزء المميز ، ومنه غير تام. وهو المميز الذاتي مطلقا. والأول لا يكون إلا واحدا لأنه لو تعدد لزم امتياز المركب بكل واحد منهما فيستغني عن الآخر في التميز فلا يكون فصلا ، ولأن الفصل علة للحصة فيلزم تعدد العلل على المعلول الواحد وهو محال. أما الفصل الناقص وهو جزء الفصل فإنه يكون متعددا.

قال : ولا يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لماهية واحدة.

أقول : الجنس للماهية قد يكون واحدا كالجسم الذي له جنس واحد هو الجوهر ، وقد يكون كثيرا كالحيوان الذي له أجناس كثيرة لكن هذه الكثرة لا يمكن أن تكون في

٩٤

مرتبة واحدة بل يجب أن تكون مترتبة في العموم والخصوص فلا يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لنوع واحد لأن فصلهما إن كان واحدا كان جعل الجنسين جعلا واحدا وهو محال ، وإن تغاير لم يكن النوع الواحد نوعا واحدا بل نوعين هذا خلف.

قال : ولا تركيب عقلي إلا منهما.

أقول : التركيب قد يكون عقليا وقد يكون خارجيا كتركيب العشرة من الآحاد والتركيب العقلي لا يكون إلا من الجنس والفصل لأن الجزء إما أن يكون مختصا بالمركب أو مشتركا والأول هو الفصل القريب ، والثاني إما أن يكون تمام المشترك أو جزءا منه والأول هو الجنس ، والثاني إما أن يكون مساويا له أو أعم منه والأول يلزم منه كونه فصلا للجنس فيكون فصلا مطلقا وهو المطلوب. والثاني إما أن يكون تمام المشترك أو لا يكون والأول جنس والثاني فصل جنس وإلا لزم التسلسل وهو محال فقد ثبت أن كل جزء محمول إما أن يكون جنسا أو فصلا وهو المطلوب.

قال : ويجب تناهيهما.

أقول : الجنس والفصل قد يترتبان في العموم والخصوص كالحيوانية والجسمية وقد لا يترتبان والمترتبة يجب تناهيها في الطرفين فإنه لو لا تناهي الأجناس لم تتناه الفصول التي هي العلل فيلزم وجود علل ومعلولات لا نهاية لها وهو محال.

قال : وقد يكون منهما عقلي وطبيعي ومنطقي كجنسيهما.

أقول : يعني أن من الأجناس ما هو عقلي وهو الحيوانية مع قيد الجنسية ، ومنها ما هو طبيعي وهو الحيوان من حيث هو هو لا باعتبار الجنسية ولا باعتبار عدمها ، ومنها ما هو منطقي وهي الجنسية العارضة للحيوانية وهذه الثلاثة أيضا قد تحصل في الفصل وذلك كما أن جنسيهما يعني جنس الجنس وجنس الفصل وهو الكلي من حيث هو كلي قد انقسم إلى هذه الثلاثة كذلك هذان أعني الجنس والفصل ينقسمان إليها.

٩٥

قال : ومنهما عوال وسوافل ومتوسطات.

أقول : الجنس قد يكون عاليا وهو الجنس الذي ليس فوقه جنس آخر كالجوهر ويسمى جنس الأجناس ، وقد يكون سافلا وهو الجنس الأخير الذي لا جنس تحته كالحيوان وقد يكون متوسطا وهو الذي فوقه جنس وتحته جنس كالجسم. والفصل أيضا قد يكون عاليا وهو فصل الجنس العالي وقد يكون سافلا وهو فصل النوع السافل وقد يكون متوسطا وهو فصل الجنس السافل والمتوسط.

قال : ومن الجنس ما هو مفرد وهو الذي لا جنس له وليس تحته جنس وهما إضافيان وقد يجتمعان مع التقابل.

أقول : من أقسام الجنس المفرد وهو الذي لا جنس فوقه ولا تحته ويذكر في مثاله العقل بشرط أن لا يكون الجوهر جنسا وأن يكون صدقه على أفراده صدق الجنس على أنواعه.

إذا عرفت هذا فالجنس والفصل إضافيان وكذا باقي المقولات الخمس أعني النوع والخاصة والعرض العام فإن الجنس ليس جنسا لكل شيء بل لنوعه ، وكذا الفصل وسائرها وقد يجتمع الجنس والفصل في شيء واحد مع تقابلهما لأن الجنس مشترك والفصل خاص وذلك كالإدراك الذي هو جنس للسمع والبصر وباقي الحواس وفصل للحيوان بل قد يجتمع الخمس في شيء واحد لا باعتبار واحد لتقابلها فإن الجنس لشيء يستحيل أن يكون فصلا لذلك الشيء أو نوعا له أو خاصة أو عرضا بالقياس إليه.

قال : ولا يمكن أخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل.

أقول : لا يمكن أن يؤخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل فيكون الجنس جنسا له كما هو جنس للنوع وإلا لم يكن فصلا لاحتياجه إلى فصل يفصله عن غيره فالوجه الذي به احتاج النوع إليه هو بعينه محتاج إلى آخر فليس الجنس جنسا للفصل بل عرضا عاما

٩٦

بالنسبة إليه وإنما هو جنس باعتبار النوع.

قال : وإذا نسبا إلى ما يضافان إليه كان الجنس أعم والفصل مساويا.

أقول : إذا نسبنا الجنس والفصل إلى ما يضافان إليه أعني النوع كان الجنس أعم من المضاف إليه أعني النوع لوجوب شركة الكثيرين المختلفين في الحقائق في الجنس دون النوع وأما الفصل فإنه يكون مساويا للنوع الذي يضاف الفصل إليه بأنه فصل ولا يجوز أن يكون أعم من النوع لاستحالة استفادة التميز من الأعم.

المسألة الخامسة

في التشخص

قال : والتشخص من الأمور الاعتبارية فإذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي وجد مشاركا لغيره من التشخصات فيه ولا يتسلسل بل ينقطع بانقطاع الاعتبار.

أقول : التشخص من ثواني المعقولات ومن الأمور الاعتبارية لا من العينية وإلا لزم التسلسل ثم إذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي كان مشاركا لغيره من التشخصات في التشخص ولا يتسلسل ذلك بل ينقطع بانقطاع الاعتبار.

وهذا كله جواب عن سؤال مقدر وهو أن التشخص ليس من الأمور العينية وإلا لزم التسلسل لأن أفراد التشخصات قد اشتركت في مطلق التشخص فيحتاج إلى تشخص آخر مغاير لما وقع به الاشتراك ، ولا يجوز أن يكون عدميا لإفادته الامتياز ولأنه يلزم أن تكون الماهية المتشخصة عدمية لعدم أحد جزأيها.

والجواب أنه أمر اعتباري عقلي ينقطع بانقطاع الاعتبار.

قال : أما ما به التشخص فقد يكون نفس الماهية فلا تكثر وقد يستند إلى المادة المتشخصة بالأعراض الخاصة الحالة فيها.

أقول : لما حقق أن التشخص من الأمور الاعتبارية لا العينية شرع في البحث عن علة

٩٧

التشخص واعلم أنه قد يكون نفس الماهية المتشخصة وقد يكون غيرها (أما الأول) فلا يمكن أن يتكثر نوعه في الخارج فلا يوجد منه البتة إلا شخص واحد لأن الماهية علة لذلك التشخص فلو وجدت مع غيره انفكت العلة عن المعلول هذا خلف.

وأما الثاني فلا بد له من مادة قابلة لا تكثر فيها وتلك المادة تتشخص بانضمام أعراض خاصة إليها تحل فيها مثل الكم المعين والكيف المعين والوضع المعين وباعتبار تشخص تلك المادة تتشخص هذه الماهية الحالة فيها.

قال : ولا يحصل التشخص بانضمام كلي عقلي إلى مثله.

أقول : إذا قيد الكلي العقلي بالكلي العقلي لا يحصل الجزئية فإنا إذا قلنا لزيد إنه إنسان ففيه شركة فإذا قلنا العالم الزاهد ابن فلان الذي تكلم يوم كذا في موضع كذا لم يزل احتمال الشركة فلا يكون جزئيا. وإنما قيد بالعقلي لأنه ليس في الخارج شركة ولا كلية.

قال : والتميز يغاير التشخص ويجوز امتياز كل من الشيئين بالآخر.

أقول : التشخص للشيء إنما هو في نفسه وامتيازه إنما هو له باعتبار القياس إلى ما يشاركه في معنى كلي بحيث لو لم يشاركه غيره لما احتاج إلى مميز زائد على حقيقته مع أنه متشخص فالتميز والتشخص متغايران ويجوز أن يمتاز كل واحد من الشيئين بصاحبه لا بامتيازه فلا دور.

قال : والشخص قد لا تعتبر مشاركته والكلي قد يكون إضافيا فيتميز والشخص المندرج تحت عام متميز.

أقول : لما ذكر أن التشخص والتميز متغايران انتفى العموم المطلق بينهما وذلك لأن كل واحد منهما يصدق بدون الآخر ويصدقان معا على شيء ثالث وكل شيئين هذا شأنهما فبينهما عموم من وجه أما صدق التشخص بدون التميز ففي الشخص الذي لا تعتبر مشاركته

٩٨

لغيره وإن كان لا بد له من المشاركة في نفس الأمر ولو في الأعراض العامة.

وأما صدق التميز بدون التشخص ففي الكلي إذا كان جزئيا إضافيا يندرج تحت كلي آخر فإنه يكون ممتازا عن غيره وليس بمتشخص.

وأما صدقهما على شيء واحد ففي الشخص المندرج تحت غيره إذا اعتبر اندراجه فإنه متشخص ومتميز.

المسألة السادسة

في البحث عن الوحدة والكثرة

قال : والتشخص يغاير الوحدة

أقول : الوحدة عبارة عن كون المعقول غير قابل للقسمة من حيث هو واحد. وهو مغاير للتشخص لأن الوحدة قد تصدق على الكلي غير المتشخص ، وعلى الكثرة نفسها من دون صدق التشخص عليهما.

قال : وهي تغاير الوجود لصدقه على الكثير من حيث هو كثير بخلاف الوحدة ، وتساوقه.

أقول : قد ظن قوم أن الوجود والوحدة عبارتان عن شيء واحد لصدقهما على جميع الأشياء وهو خطأ فإنه لا يلزم من الملازمة الاتحاد. ثم الدليل على تغايرهما أن الكثير من حيث إنه كثير يصدق عليه أنه موجود وليس بواحد فالموجود غير الواحد من الشكل الثالث.

نعم الوحدة تساوق الوجود وتلازمه فكل موجود فهو واحد والكثرة يصدق عليها الواحد لا من حيث هي كثرة على معنى أن الوحدة تصدق على العارض أعني الكثرة لا على ما عرضت له الكثرة وكذلك كل واحد فهو موجود أما في الأعيان أو في الأذهان فهما متلازمان.

٩٩

المسألة السابعة

في أن الوحدة غنية عن التعريف

قال : ولا يمكن تعريفها إلا باعتبار اللفظ.

أقول : الوحدة والكثرة من المتصورات البديهية فلا يحتاج في تصورهما إلى اكتساب فلا يمكن تعريفهما إلا باعتبار اللفظ بمعنى أن يبدل لفظ بلفظ آخر أوضح منه ، لا أنه تعريف معنوي.

قال : وهي والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كل منهما أعرف بالاقتسام.

أقول : الوحدة والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كل منهما أعرف من صاحبتها بالاقتسام فإن الوحدة أعرف عند العقل والكثرة أعرف عند الخيال لأن الخيال يدرك الكثرة أولا ثم العقل ينزع منها أمرا واحدا ، والعقل يدرك أعم الأمور أولا وهو الواحد ثم يأخذ بعد ذلك في التفصيل فقد ظهر أن الكثرة والوحدة مستويتان في كون كل واحدة منهما أعرف من صاحبتها لكن بالاقتسام فإن الكثرة أعرف عند الخيال والوحدة أعرف عند العقل فقد اقتسم العقل والخيال وصف الأعرفية لهما فإذا حاولنا تعريف الوحدة عند الخيال عرفناها بالكثرة وإذا حاولنا تعريف الكثرة عند العقل عرفناها بالوحدة.

المسألة الثامنة

في أن الوحدة ليست ثابتة في الأعيان

قال : وليست الوحدة أمرا عينيا بل هي من ثواني المعقولات وكذا الكثرة.

أقول : الوحدة إن كانت سلبية لم تكن سلب أي شيء كان بل سلب مقابلها أعني

١٠٠