كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

المقصد الخامس في :

الإمامة

٣٦١

الإمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلا للغرض.

أقول : في هذا المقصد مسائل الأولى : في أن نصب الإمام واجب على الله تعالى.

اختلف الناس هنا فذهب الأصم من المعتزلة وجماعة من الخوارج إلى نفي وجوب نصب الإمام وذهب الباقون إلى الوجوب لكن اختلفوا فالجبائيان وأصحاب الحديث والأشعرية قالوا إنه واجب سمعا لا عقلا. وقال أبو الحسين البصري والبغداديون والإمامية إنه واجب عقلا ثم اختلفوا فقالت الإمامية إن نصبه واجب على الله تعالى. وقال أبو الحسين والبغداديون إنه واجب على العقلاء. واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وجوب نصب الإمام على الله تعالى بأن الإمام لطف واللطف واجب أما الصغرى فمعلومة للعقلاء إذ العلم الضروري حاصل بأن العقلاء متى كان لهم رئيس يمنعهم عن التغالب والتهاوش ويصدهم عن المعاصي ويعدهم على فعل الطاعات ويبعثهم على التناصف والتعادل كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد وهذا أمر ضروري لا يشك فيه العاقل وأما الكبرى فقد تقدم بيانها.

قال : والمفاسد معلومة الانتفاء وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ووجوده لطف وتصرفه آخر وعدمه منا.

أقول : هذه اعتراضات على دليل أصحابنا مع الإشارة إلى الجواب عنها : الأول قال المخالف : كون الإمامة قد اشتملت على وجه اللطف لا يكفي في وجوبها على الله تعالى بخلاف المعرفة التي كفى وجه الوجوب فيه علينا لانتفاء المفاسد في ظننا أما في حقه تعالى

٣٦٢

فلا يكفي وجه الوجوب ما لم يعلم انتفاء المفاسد ولا يكفي الظن بانتفائها فلم لا يجوز اشتمال الإمامة على مفسدة لا نعلمها فلا تكون واجبة على الله تعالى (والجواب) أن المفاسد معلومة الانتفاء عن الإمامة لأن المفاسد محصورة معلومة يجب علينا اجتنابها أجمع وإنما يجب علينا اجتنابها إذا علمناها لأن التكليف بغير المعلوم محال وتلك الوجوه منتفية عن الإمامة فيبقى وجه اللطف خاليا عن المفسدة فيجب عليه تعالى ، ولأن المفسدة لو كانت لازمة للإمامة لم تنفك عنها والتالي باطل قطعا ولقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وإن كانت مفارقة جاز انفكاكها عنها فيجب على تقدير الانفكاك

الثاني قالوا الإمامة إنما تجب لو انحصر اللطف فيها فلم لا يجوز أن يكون هناك لطف آخر يقوم مقام الإمامة فلا تتعين الإمامة للطفية فلا يجب على التعيين (والجواب) أن انحصار اللطف الذي ذكرناه في الإمامة معلوم للعقلاء ولهذا يلتجئ العقلاء في كل زمان وكل صقع إلى نصب الرؤساء دفعا للمفاسد الناشئة من الاختلاف.

الثالث قالوا الإمام إنما يكون لطفا إذا كان متصرفا بالأمر والنهي وأنتم لا تقولون بذلك فما تعتقدونه لطفا لا تقولون بوجوبه وما تقولون بوجوبه ليس بلطف (والجواب) أن وجود الإمام نفسه لطف لوجوه : أحدها أنه يحفظ الشرائع ويحرسها عن الزيادة والنقصان. وثانيها أن اعتقاد المكلفين لوجود الإمام وتجويز إنفاذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عن الفساد ولقربهم إلى الصلاح وهذا معلوم بالضرورة. وثالثها أن تصرفه لا شك أنه لطف ولا يتم إلا بوجوده فيكون وجوده نفسه لطفا وتصرفه لطفا آخر.

والتحقيق أن نقول لطف الإمامة يتم بأمور (منها) ما يجب على الله تعالى وهو خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه وهذا قد فعله الله تعالى. (ومنها) ما يجب على الإمام وهو تحمله للإمامة وقبوله لها وهذا قد فعله الإمام (ومنها) ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله وهذا لم تفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام.

٣٦٣

المسألة الثانية

في أن الإمام يجب أن يكون معصوما

قال : وامتناع التسلسل يوجب عصمته ولأنه حافظ للشرع ولوجوب الإنكار عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة ويفوت الغرض من نصبه ولانحطاط درجته عن أقل العوام.

أقول : ذهبت الإمامية والإسماعيلية إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوما وخالف فيه جميع الفرق والدليل على ذلك وجوه : الأول أن الإمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية أن المقتضي لوجوب نصب الإمام هو تجويز الخطإ على الرعية فلو كان هذا المقتضي ثابتا في حق الإمام وجب أن يكون له إمام آخر ويتسلسل أو ينتهي إلى إمام لا يجوز عليه الخطأ فيكون هو الإمام الأصلي. الثاني أن الإمام حافظ للشرع فيجب أن يكون معصوما أما المقدمة الأولى فلأن الحافظ للشرع ليس هو الكتاب لعدم إحاطته بجميع الأحكام التفصيلية ولا السنة لذلك أيضا ولا إجماع الأمة لأن كل واحد منهم على تقدير عدم المعصوم فيهم يجوز عليه الخطأ فالمجموع كذلك ولأن إجماعهم ليس لدلالة وإلا لاشتهرت ولا لأمارة إذ يمتنع اتفاق الناس في سائر البقاع على الأمارة الواحدة كما نعلم بالضرورة عدم اتفاقهم على أكل طعام معين في وقت واحد ، أو لا لهما فيكون باطلا ، ولا القياس لبطلان القول به على ما ظهر في أصول الفقه وعلى تقدير تسليمه فليس بحافظ للشرع بالإجماع ، ولا البراءة الأصلية لأنه لو وجب المصير إليها لما وجب بعثة الأنبياء وللإجماع على عدم حفظها للشرع فلم يبق إلا الإمام فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوق بما تعبدنا الله تعالى به وما كلفناه وذلك مناقض للغرض من التكليف وهو الانقياد إلى مراد الله تعالى. الثالث أنه لو وقع منه الخطأ لوجب الإنكار عليه وذلك يضاد أمر الطاعة له بقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). الرابع ، لو وقع منه المعصية لزم نقض الغرض من نصب الإمام والتالي باطل

٣٦٤

فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الغرض من إقامته انقياد الأمة له وامتثال أوامره واتباعه فيما يفعله فلو وقعت المعصية منه لم يجب شيء من ذلك وهو مناف لنصبه. الخامس أنه لو وقع منه المعصية لزم أن يكون أقل درجة من العوام لأن عقله أشد ومعرفته بالله تعالى وثوابه وعقابه أكثر فلو وقع منه المعصية كان أقل حالا من رعيته وكل ذلك باطل قطعا.

قال : ولا تنافي العصمة القدرة.

أقول : اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك وذهب آخرون إلى تمكنه منها أما الأولون فمنهم من قال إن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعصية ومنهم من قال إن العصمة هو القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية وهو قول أبي الحسين البصري وأما الآخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الألطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلى الإلجاء ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي وآخرون قالوا العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبها لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية وأسباب هذا اللطف أمور أربعة : أحدها أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل. الثاني أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات. الثالث تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي والإلهام من الله تعالى. الرابع مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوما والمصنف ـ رحمه‌الله ـ اختار المذهب الثاني وهو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية وإلا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ولبطل الثواب والعقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف وذلك باطل بالإجماع وبالنقل في قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ).

٣٦٥

المسألة الثالثة

في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من غيره

قال : وقبح تقديم المفضول معلوم ولا ترجيح في المساوي

أقول : الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته لأنه إما أن يكون مساويا لهم أو أنقص منهم أو أفضل والثالث هو المطلوب والأول محال لأنه مع التساوي يستحيل ترجيحه على غيره بالإمامة والثاني أيضا محال لأن المفضول يقبح عقلا تقديمه على الفاضل ويدل عليه أيضا قوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ويدخل تحت هذا الحكم كون الإمام أفضل في العلم والدين والكرم والشجاعة وجميع الفضائل النفسانية والبدنية.

المسألة الرابعة

في وجوب النص على الإمام

قال : والعصمة تقتضي النص وسيرته عليه‌السلام.

أقول : ذهبت الإمامية خاصة إلى أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه وقالت العباسية إن الطريق إلى تعيين الإمام النص أو الميراث وقالت الزيدية تعيين الإمام بالنص أو الدعوة إلى نفسه وقال باقي المسلمين الطريق إنما هو النص أو اختيار أهل الحل والعقد. والدليل على ما ذهبنا إليه وجهان : الأول أنا قد بينا أنه يجب أن يكون الإمام معصوما والعصمة أمر خفي لا يعلمها إلا الله تعالى فيجب أن يكون نصبه من قبله تعالى لأنه العالم بالشرط دون غيره. الثاني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أشفق على الناس من الوالد على ولده حتى أنه عليه‌السلام أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده كما أرشدهم في قضاء الحاجة إلى أمور كثيرة مندوبة وغيرها من الوقائع وكان

٣٦٦

عليه‌السلام إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين ومن هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال أمته وعدم إرشادهم في أجل الأشياء وأسناها وأعظمها قدرا وأكثرها فائدة وأشدهم حاجة إليها وهو المتولي لأمورهم بعده فوجب من سيرته عليه‌السلام نصب إمام بعده والنص عليه وتعريفهم إياه وهذا برهان لمي.

المسألة الخامسة في أن الإمام بعد النبي عليه‌السلام

بلا فصل علي بن أبي طالب عليه‌السلام

قال : وهما مختصان بعلي عليه‌السلام.

أقول : العصمة والنص مختصان بعلي عليه‌السلام إذ الأمة بين قائلين أحدهما لم يشترطهما والثاني المشترطون وقد بينا بطلان قول الأولين فانحصر الحق في قول الفريق الثاني وكل من اشترطهما قال إن الإمام هو علي عليه‌السلام.

قال : والنص الجلي في قوله سلموا عليه بإمرة المؤمنين وأنت الخليفة من بعدي وغيرهما.

أقول : هذا دليل ثان على أن الإمام هو علي عليه‌السلام وهو النص الجلي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواضع تواترت بها الإمامية ونقلها غيرهم نقلا شائعا ذائعا (منها) لما نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا طالب أن يصنع له طعاما وجمع بني عبد المطلب فقال لهم أيكم يوازرني ويعينني فيكون أخي وخليفتي ووصيي من بعدي فقال علي عليه‌السلام أنا أبايعك وأوازرك فقال عليه‌السلام هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ووارثي فاسمعوا له وأطيعوا. وبقوله صلوات الله عليه : (أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني) (ومنها) لما آخى بين الصحابة ولم يتخلف سوى علي عليه‌السلام فقال يا رسول الله آخيت بين الصحابة دوني فقال له عليه‌السلام ألم ترض أن تكون أخي وخليفتي من

٣٦٧

بعدي وآخى بينه وبينه (ومنها) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدم إلى الصحابة بأن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين وقال له أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقال فيه هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة والنصوص في ذلك كثيرة أكثر من أن تحصى ذكرها المخالف والمؤالف إلى أن بلغ مجموعها التواتر.

قال : ولقوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية وإنما اجتمعت الأوصاف في علي عليه‌السلام.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) والاستدلال بهذه الآية يتوقف على مقدمات : إحداها أن لفظة إنما للحصر ويدل عليه المنقول والمعقول أما المنقول فلإجماع أهل العربية عليه. وأما المعقول فلأن لفظة إن للإثبات وما للنفي قبل التركيب فيكون كذلك بعد التركيب عملا بالاستصحاب وللإجماع على هذه الدلالة ولا يصح تواردهما على معنى واحد ولا صرف الإثبات إلى غير المذكور والنفي إلى المذكور للإجماع فبقي العكس وهو صرف الإثبات إلى المذكور والنفي إلى غيره وهو معنى الحصر. الثانية أن الولي يفيد الأولى بالتصرف والدليل عليه نقل أهل اللغة واستعمالهم كقولهم السلطان ولي من لا ولي له وكقولهم ولي الدم وولي الميت ، وكقوله عليه‌السلام أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. الثالثة أن المراد بذلك بعض المؤمنين لأنه تعالى وصفهم بوصف مختص ببعضهم ولأنه لو لا ذلك لزم اتحاد الولي والمتولي. وإذ قد تمهدت هذه المقدمات فنقول : المراد بهذه الآية هو علي عليه‌السلام للإجماع الحاصل على أن من خصص بها بعض المؤمنين قال إنه علي عليه‌السلام فصرفها إلى غيره خرق الإجماع. ولأنه عليه‌السلام إما كل المراد أو بعضه للإجماع وقد بينا عدم العمومية فيكون هو كل المراد ولأن المفسرين اتفقوا على أن المراد بهذه الآية علي عليه‌السلام لأنه لما تصدق بخاتمه حالة ركوعه نزلت هذه الآية فيه ولا خلاف في ذلك.

٣٦٨

قال : ولحديث الغدير المتواتر.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في غدير خم وقد رجع من حجة الوداع معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقد نقل المسلمون كافة هذا الحديث نقلا متواترا لكنهم اختلفوا في دلالته على الإمامة ووجه الاستدلال به أن لفظة مولى تفيد الأولى لأن مقدمة الحديث تدل عليه ولأن عرف اللغة يقتضيه وكذا الاستعمال لقوله تعالى (النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) أي أولى بهم وقول الأخطل (فأصبحت مولاها من الناس كلهم) وقولهم مولى العبد أي الأولى بتدبيره والتصرف فيه ولأنها مشتركة بين معان غير مرادة هنا إلا الأولى ولأنه إما كل المراد أو بعضه ولا يجوز خروجه عن الإرادة لأنه حقيقة فيه ولم يثبت إرادة غيره.

قال : ولحديث المنزلة المتواتر.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وتواتر المسلمون بنقل هذا الحديث لكنهم اختلفوا في دلالته على الإمامة وتقرير الاستدلال به أن عليا عليه‌السلام له جميع منازل هارون من موسى بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن الوحدة منفية هنا للاستثناء المشروط بالكثرة وغير العموم ليس بمراد للاستثناء المخرج ما لولاه لوجب دخوله كالعدد والأصل عدم الاشتراك ولانتفاء القائل بالكثرة من دون العموم ولعدم فهم المراد من خطاب الحكيم لولاه ومن جملة منازله الخلافة بعده لو عاش لثبوتها له في حياته.

قال : ولاستخلافه على المدينة فيعم للإجماع.

أقول : هذا دليل آخر على إمامته عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٦٩

استخلفه على المدينة وأرجف المنافقون بأمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج إلى النبي وقال يا رسول الله إن المنافقين زعموا أنك خلفتني استثقالا وتحرزا مني فقال عليه‌السلام : (كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وإذا كان خليفته على المدينة في تلك الحال ولم يعزله قبل موته ولا بعده استمرت ولايته عليها فلا يكون غيره خليفة عليها وإذا انتفت خلافة غيره عليها انتفت خلافته على غيرها للإجماع فثبت الخلافة له عليه‌السلام (لا يقال) قد استخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة على المدينة وعلى غيرها ومع ذلك فليسوا أئمة عندكم لأنا نقول إن بعضهم عزله عليه‌السلام والباقون لم يقل أحد بإمامتهم.

قال : ولقوله عليه‌السلام أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال وهذا نص صريح على الولاية والخلافة على ما تقدم.

قال : ولأنه أفضل وإمامة المفضول قبيحة عقلا.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أنه أفضل من غيره على ما يأتي فيكون هو الإمام لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلا وللسمع على ما تقدم.

قال : ولظهور المعجزة على يده كقلع باب خيبر ومخاطبة الثعبان ورفع الصخرة العظيمة عن القليب ومحاربة الجن ورد الشمس وغير ذلك وادعى الإمامة فيكون صادقا.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وتقريره أنه قد ظهر على يده معجزات كثيرة وادعى الإمامة له دون غيره فيكون صادقا أما المقدمة الأولى فلما تواتر عنه أنه فتح باب خيبر وعجز عن إعادته سبعون رجلا من أشد الناس قوة وخاطبه الثعبان على منبر

٣٧٠

الكوفة فسئل عنه فقال إنه من حكام الجن أشكل عليه مسألة أجبته عنها.

ولما توجه إلى صفين أصابهم عطش عظيم فأمرهم فحفروا بئرا قريبا من دير فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن قلعها فنزل عليه‌السلام فاقتلعها ودحا بها مسافة بعيدة فظهر الماء فشربوا ثم أعادها فنزل صاحب الدير وأسلم فسئل عن ذلك فقال بني هذا الدير على قالع هذه الصخرة ومضى من قبلي ولم يدركوه واستشهد معه عليه‌السلام في الشام. وحارب الجن وقتل منهم جماعة كثيرة لما أرادوا وقوع الضرر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث سار إلى بني المصطلق وردت له الشمس مرتين وغير ذلك من الوقائع المشهورة الدالة على صدق فاعلها. وأما المقدمة الثانية فظاهرة منقولة بالتواتر إذ لا يشك أحد في أنه عليه‌السلام ادعى الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : ولسبق كفر غيره فلا يصلح للإمامة فتعين هو عليه‌السلام.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو أن غيره ممن ادعى لهم الإمامة كالعباس وأبي بكر كانا كافرين قبل ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والمراد بالعهد هنا عهد الإمامة لأنه جواب دعاء إبراهيم عليه‌السلام.

قال : ولقوله تعالى (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أمر تعالى بالكون مع الصادقين أي المعلوم منهم الصدق ولا يتحقق ذلك إلا في حق المعصوم إذ غيره لا يعلم صدقه ولا معصوم غير علي عليه‌السلام بالإجماع.

قال : ولقوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

٣٧١

أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أمر بالاتباع والطاعة لأولي الأمر والمراد منه المعصوم إذ غيره لا أولوية له تقضي وجوب طاعته ولا معصوم غير علي عليه‌السلام بالإجماع.

المسألة السادسة

في الأدلة الدالة على عدم إمامة غير علي عليه‌السلام

قال : ولأن الجماعة غير علي عليه‌السلام غير صالح للإمامة لظلمهم بتقدم كفرهم.

أقول : هذه أدلة تدل على أن غير علي عليه‌السلام لا يصلح للإمامة : الأول أن أبا بكر وعمر وعثمان قبل ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا كفرة فلا ينالوا عهد الإمامة للآية وقد تقدمت.

قال : وخالف أبو بكر كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخبر رواه هو.

أقول : هذا دليل آخر على عدم صلاحية أبي بكر للإمامة وتقريره أنه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يورث فاطمة عليها‌السلام واستند إلى خبر رواه هو عن النبي في قوله :» نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة«وعموم الكتاب يدل على خلاف ذلك. وأيضا قوله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقوله في قصة زكريا (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ينافي هذا الخبر وقالت له فاطمة عليها‌السلام أترث أباك ولا إرث أبي لقد جئت شيئا فريا. ومع ذلك فهو خبر واحد لم نعرف أحدا من الصحابة وافقه على نقله فكيف يعارض الكتاب المتواتر وكيف بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحكم لغير ورثته وأخفاه عن ورثته ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أهله لم يمسك أمير المؤمنين عليه‌السلام سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبغلته وعمامته ونازع العباس عليا عليه‌السلام بعد موت فاطمة عليها‌السلام ولو كان هذا

٣٧٢

الحديث معروفا عندهم لم يجز لهم ذلك وروي أن فاطمة عليها‌السلام قالت يا أبا بكر أنت ورثت رسول الله أم ورثه أهله قال بل ورثه أهله فقالت ما بال سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إن الله إذا أطعم نبيا طعمة كانت لولي الأمر بعده وذلك يدل على أنه لا أصل لهذا الخبر.

قال : ومنع فاطمة عليها‌السلام فدكا مع ادعاء النحلة لها وشهد علي عليه‌السلام وأم أيمن وصدق الأزواج في ادعاء الحجرة لهن ولهذا ردها عمر بن عبد العزيز.

أقول : هذا دليل آخر على الطعن في أبي بكر وعدم صلاحيته للإمامة وهو أنه أظهر التعصب على أمير المؤمنين عليه‌السلام وعلى فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنها ادعت فدكا وذكرت أن النبي عليه‌السلام أنحلها إياها فلم يصدقها في قولها مع أنها معصومة ومع علمه بأنها من أهل الجنة واستشهدت عليا عليه‌السلام وأم أيمن فقال رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة وصدق أزواج النبي عليه‌السلام في ادعاء أن الحجرة لهن ولم يجعل الحجرة صدقة ولما عرف عمر بن عبد العزيز كون فاطمة عليها‌السلام مظلومة رد على أولادها فدكا ومع ذلك فإن فاطمة عليها‌السلام كان ينبغي لأبي بكر إنحالها فدكا ابتداء لو لم تدعه أو يعطيها إياها بالميراث.

قال : وأوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر فدفنت ليلا.

أقول : هذا وجه آخر يدل على الطعن في أبي بكر وهو أن فاطمة عليها‌السلام لما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر غيظا عليه ومنعا له عن ثواب الصلاة عليها فدفنت ليلا ولم يعلم أبو بكر بذلك وأخفى قبرها لئلا يصلي على القبر ولم يعلم بقبرها إلى الآن.

قال : ولقوله أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم.

أقول : هذا وجه آخر في الطعن على أبي بكر وهو أنه قال يوم السقيفة أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، وهذا الإخبار إن كان حقا لم يصلح للإمامة

٣٧٣

لاعترافه بعدم الصلاحية مع وجود علي عليه‌السلام وإن لم يكن حقا فعدم صلاحيته للإمامة حينئذ أظهر.

قال : ولقوله إن له شيطانا يعتريه

أقول : هذا دليل آخر على عدم صلاحيته للإمامة وهو ما روي عنه أنه قال مختارا : وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن لي شيطانا عند غضبي يعتريني ، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لئلا أوثر في إشعاركم وإبشاركم. وهذا يدل على اعتراض الشيطان له في كثير من الأحكام ومثل هذا لا يصلح للإمامة.

قال : ولقول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

أقول : هذا دليل آخر يدل على الطعن فيه لأن عمر كان إماما عندهم وقال في حقه كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فبين عمر أن بيعته كانت خطأ على غير الصواب وأن مثلها مما يجب فيه المقاتلة وهذا من أعظم ما يكون من الذم والتخطئة.

قال : وشك عند موته في استحقاقه للإمامة

أقول : هذا وجه آخر يدل على عدم إمامة أبي بكر وهو أنه قال لما حضرته الوفاة ليتني كنت سألت رسول الله هل للأنصار في هذا الأمر حق؟ وقال أيضا ليتني كنت في ظل بني ساعدة ضربت يدي على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير وهذا كله يدل على تشككه في استحقاقه للإمامة واضطراب أمره فيها وإنه كان يرى أن غيره أولى بها منه.

قال : وخالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاستخلاف عندهم وفي تولية من عزله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : هذا طعن آخر في أبي بكر وهو أنه خالف الرسول عليه‌السلام في الاستخلاف

٣٧٤

عندهم لأنهم زعموا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحدا فباستخلافه يكون مخالفا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم ومخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجب الطعن. وأيضا فإنه خالف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في استخلاف من عزله النبي عليه‌السلام لأنه استخلف عمر بن الخطاب وقد كان النبي لم يوله عملا سوى أنه بعثه في خيبر فرجع منهزما وولاه أمر الصدقات فشكاه العباس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعزله وأنكرت الصحابة على أبي بكر ذلك حتى قال له طلحة : وليت علينا فظا غليظا.

قال : وفي التخلف عن جيش أسامة مع علمهم بقصد البعد وولى أسامة عليهم فهو أفضل وعلي عليه‌السلام لم يول عليه أحدا وهو أفضل من أسامة.

أقول : هذا دليل آخر على الطعن في أبي بكر وهو أنه خالف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أمره هو وعمر بن الخطاب وعثمان في تنفيذ جيش أسامة لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه حالا بعد حال نفذوا جيش أسامة وكان الثلاثة في جيشه وفي جملة من يجب عليه النفوذ معه فلم يفعلوا ذلك مع أنهم عرفوا قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن غرضه بالتنفيذ من المدينة بعد الثلاثة عنها بحيث لا يتوثبوا على الإمامة بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولهذا جعل الثلاثة في الجيش ولم يجعل عليا عليه‌السلام معه وجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة أمير الجيش وكان فيه أبو بكر وعمر وعثمان فهو أفضل منهم وعلي عليه‌السلام أفضل من أسامة ولم يول عليه أحدا فيكون هو عليه‌السلام أفضل الناس كافة.

قال : ولم يتول عملا في زمانه وأعطاه سورة براءة فنزل جبرئيل فأمره برده وأخذ السورة منه وأن لا يقرأها إلا هو أو أحد من أهل بيته فبعث بها عليا عليه‌السلام.

أقول : هذا طعن آخر على أبي بكر وهو أنه لم يوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عملا في حياته أصلا سوى أنه أعطاه سورة براءة وأمره بالحج بالناس فلما مضى بعض الطريق نزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي وأمره برده وأخذ السورة منه وأن لا يقرأها إلا هو

٣٧٥

عليه‌السلام أو أحد من أهل بيته فبعث بها عليا عليه‌السلام وولاه الحج بالناس وهذا يدل على أن أبا بكر لم يكن أهلا لإمارة الحج فكيف يكون أهلا للإمامة بعده ولأن من لا يؤمن على أداء سورة في حياته عليه‌السلام كيف يؤمن على الإمامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال : ولم يكن عارفا بالأحكام حتى قطع يسار سارق وأحرق بالنار ولم يعرف الكلالة ولا ميراث الجدة واضطرب في أحكامه ولم يحد خالدا ولا اقتص منه.

أقول : هذا طعن آخر في أبي بكر وهو أنه لم يكن عارفا بالأحكام فلا يجوز نصبه للإمامة أما المقدمة الثانية فقد مرت وأما الأولى فلأنه قطع سارقا من يساره وهو خلاف الشرع وأحرق الفجاءة السلمي بالنار وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك وقال لا يعذب بالنار إلا رب النار. وسئل عن الكلالة فلم يعرف ما يقول فيها ثم قال أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والحكم بالرأي باطل. وسألته جدة عن ميراثها فقال لا أجد لك شيئا في كتاب الله ولا سنة نبيه ارجعي حتى أسأل فأخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها السدس. واضطرب في كثير من الأحكام وكان يستفتي الصحابة فيها. وذلك يدل على قصور علمه وقلة معرفته. وقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وواقع امرأته ليلة قتله وضاجعها فلم يحده على الزنا ولا قتله بالقصاص وأشار عليه عمر بقتله وعزله فقال لا أغمد سيفا شهره الله على الكفار.

قال : ودفن في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نهى الله تعالى دخوله في حياته بغير إذن وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم ورد عليه الحسنان لما بويع وندم على كشف بيت فاطمة عليها‌السلام.

أقول : هذه مطاعن أخر في أبي بكر وهو أنه دفن في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٧٦

وقد نهى الله تعالى عن الدخول إليه بغير إذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حال حياته فكيف بعد موته وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم وأخرجوا عليا عليه‌السلام كرها وكان معه الزبير في البيت فكسروا سيفه وأخرجوه من الدار وضربت فاطمة عليها‌السلام فألقت جنينا اسمه محسن ولما بويع أبو بكر صعد المنبر فجاءه الحسنان عليهما‌السلام مع جماعة من بني هاشم وغيرهم وأنكروا عليه وقال له الحسن والحسين عليهما‌السلام هذا مقام جدنا لست له أهلا ولما حضرته الوفاة قال ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه وهذا يدل على خطئه في ذلك.

قال : وأمر عمر برجم امرأة حامل وأخرى مجنونة فنهاه علي عليه‌السلام فقال لو لا علي لهلك عمر.

أقول : هذا طعن على عمر يمتنع معه الإمامة له وهو أن عمر أتي إليه بامرأة قد زنت وهي حامل فأمر برجمها فقال له علي عليه‌السلام إن كان لك عليها سبيل فليس لك على حملها سبيل فأمسك وقال لو لا علي لهلك عمر. وأتي إليه بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال له علي عليه‌السلام إن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق فأمسك وقال لو لا علي لهلك عمر. ومن يخفى عليه هذه الأمور الظاهرة في الشريعة كيف يستحق الإمامة.

قال : وتشكك في موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تلا عليه أبو بكر : إنك ميت وإنهم ميتون فقال كأني لم أسمع هذه الآية.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر لم يكن حافظا للكتاب العزيز ولم يكن متدبرا لآياته فلا يستحق الإمامة وذلك أنه قال عند موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله ما مات محمد حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم فلما نبهه أبو بكر بقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وبقوله : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، قال كأني ما سمعت بهذه الآية وقد أيقنت بوفاته.

٣٧٧

قال : وقال كل أفقه من عمر حتى المخدرات لما منع من المغالاة في الصداق.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر قال يوما في خطبته من غالى في صداق ابنته جعلته في بيت المال فقالت له امرأة كيف تمنعنا ما أحله الله لنا في كتابه بقوله وآتيتم إحداهن قنطارا الآية فقال عمر كل أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت ومن يشتبه عليه مثل هذا الحكم الظاهر لا يصلح للإمامة.

قال : وأعطى أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقترض ومنع أهل البيت عليهم‌السلام من خمسهم.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر كان يعطي أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيت المال حتى كان يعطي عائشة وحفصة عشرة آلاف درهم كل سنة وأخذ من بيت المال ثمانين ألف درهم فأنكروا عليه ذلك فقال أخذته على جهة القرض ومنع أهل البيت عليهم‌السلام الخمس الذي أوجبه الله تعالى لهم في الكتاب العزيز.

قال : وقضى في الجد مائة قضية وفضل في القسمة ومنع المتعتين :

أقول : هذه مطاعن أخر ، وهو أن عمر غير عارف بأحكام الشريعة فقضى في الجد بمائة قضية وروي تسعين قضية وهذا يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة. وأيضا فضل في القسمة والعطاء والواجب التسوية. وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأسف على فوات المتعة ولو لم تكن أفضل من غيرها من أنواع الحج لما فعل النبي عليه‌السلام ذلك وجماعة كانوا قد ولدوا من المتعة في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته ولو لم تكن سائغة لم يقع منهم ذلك

قال : وحكم في الشورى بضد الصواب.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم

٣٧٨

حيث لم يفوض الأمر إلى اختيار الناس وخالف أبا بكر حيث لم ينص على إمام بعده ثم إنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى وأظهر كراهية أن يتقلد أمر المسلمين ميتا كما تقلده حيا ثم تقلده وجعل الإمامة في ستة نفر ثم ناقض نفسه فجعلها في أربعة بعد الستة ثم في ثلاثة ثم في واحد فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف ثم قال :» إن اجتمع علي وعثمان فالأمر كما قالاه وإن صاروا ثلاثة ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن«لعلمه بعدم الاجتماع من علي وعثمان وعلمه بأن عبد الرحمن لا يعدل بها عن أخيه عثمان ابن عمه ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثلاثة أيام وأمر بقتل من خالف الأربعة منهم أو الذين فيهم عبد الرحمن وكيف يسوغ له قتل علي عليه‌السلام وعثمان وغيرهما وهما من أكابر المسلمين.

قال : وخرق كتاب فاطمة عليها‌السلام.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن فاطمة عليها‌السلام لما طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر رد أبو بكر عليها فدكا وكتب لها بذلك كتابا فخرجت والكتاب في يدها فلقيها عمر فسألها عن شأنها فقصت قصتها فأخذ منها الكتاب وخرقه فدعت عليه ودخل على أبي بكر وعاتبه على ذلك فاتفقا على منعها عن فدك.

قال : وولى عثمان من ظهر فسقه حتى أحدثوا في أمر المسلمين ما أحدثوا.

أقول : هذا طعن على عثمان وهو أنه ولى أمور المسلمين من ظهر منه الفسق والخيانة وقسم الولايات بين أقاربه وقد كان عمر حذره وقال له إذا وليت هذا الأمر فلا تسلط آل أبي معيط على رقاب المسلمين وصدق عمر فيه في قوله إنه كلف بأقاربه واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران. واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة فظهر منه ما أخرجه به أهل الكوفة عنها. وولى عبد الله بن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها وكاتب ابن أبي سرح أن يستمر على ولايته سرا بخلاف ما كتب إليه جهرا وأمره بقتل محمد بن أبي بكر وولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث

٣٧٩

قال : وآثر أهله بالأموال.

أقول : هذا طعن آخر على عثمان وهو أنه كان يؤثر أهل بيته وأقاربه بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين فإنه دفع إلى أربعة نفر من قريش أربعمائة ألف دينار حيث زوجهم ببناته ودفع إلى مروان ألف ألف درهم حين فتح إفريقية ومن قبله كان يعطي بقدر الاستحقاق ولا يتخطى الأجانب إلى الأقارب.

قال : وحمى لنفسه.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عثمان حمى الحمى لنفسه عن المسلمين ومنعهم عنه وذلك مناف للشرع لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الناس في الماء والكلاء والنار شرعا سواء.

قال : ووقع منه أشياء منكرة في حق الصحابة فضرب ابن مسعود حتى مات وأحرق مصحفه وضرب عمارا حتى أصابه فتق وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عثمان ارتكب من الصحابة ما لا يجوز وفعل بهم ما لا يحل فضرب ابن مسعود حتى مات عند إحراقه المصاحف وأحرق مصحفه وأنكر عليه قراءته وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أراد أن يقرأ القرآن غضا فليقرأ بقراءة ابن مسعود وكان ابن مسعود يطعن في عثمان ويكفره. وضرب عمار بن ياسر حتى صار به فتق وكان يطعن في عثمان وكان يقول قتلناه كافرا. واستحضر أبا ذر من الشام لهوى معاوية وضربه ونفاه إلى الربذة مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مقربا لهؤلاء الصحابة وشاكرا لهم.

قال : وأسقط القود عن ابن عمر والحد عن الوليد مع وجوبهما.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عثمان كان يترك الحدود ويعطلها ولا يقيمها لأجل

٣٨٠