كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

الفصل الثاني

في صفاته تعالى وفيه مسائل

المسألة الأولى :

في أنه تعالى قادر

قال : الثاني في صفاته ـ وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب.

أقول : لما فرغ من البحث عن الدلالة على وجود الصانع تعالى شرع في الاستدلال على صفاته تعالى وابتدأ بالقدرة والدليل على أنه تعالى قادر أنا قد بينا أن العالم حادث فالمؤثر فيه إن كان موجبا لزم حدوثه أو قدم ما فرضناه حادثا أعني العالم والتالي بقسميه باطل بيان الملازمة أن المؤثر الموجب يستحيل تخلف أثره عنه وذلك يستلزم إما قدم العالم وقد فرضناه حادثا أو حدوث المؤثر ويلزم التسلسل فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار.

قال : والواسطة غير معقولة.

أقول : لما فرغ من الاستدلال على مطلوبه شرع في أنواع من الاعتراضات للخصم مع وجه المخلص منها وتقرير هذا السؤال أن يقال دليلكم يدل على أن مؤثر العالم مختار وليس يدل على أن الواجب مختار بل جاز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته معلولا يؤثر في العالم على سبيل الاختيار وتقرير الجواب أن هذه الواسطة غير معقولة لأنا قد بينا حدوث العالم بجملته وأجزائه والمعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى وثبوت واسطة بين ذات الله تعالى وبين ما سواه غير معقول.

قال : ويمكن عروض الوجوب والإمكان للأثر باعتبارين.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن المؤثر إما أن يستجمع جميع جهات

٢٨١

المؤثرية أو لا فإن كان الأول كان وجود الأثر عنه واجبا وإلا لافتقر ترجيحه إلى مرجح زائد فلا تكون الجهات بأسرها موجودة هذا خلف ، أو لزم الترجيح من غير مرجح وهو باطل بالضرورة ، وإن لم يكن مستجمعا لجميع الجهات استحال صدور الأثر عنه وحينئذ لا يمكن تحقق القادر لأنه على تقدير حصول جميع الجهات يمتنع الترك ، وعلى تقدير انتفاء بعضها يمتنع الفعل فلا تتحقق المكنة من الطرفين.

وتقرير الجواب أن الأثر تعرض له نسبتا الوجوب والإمكان باعتبارين فلا يتحقق الموجب ولا يلزم الترجيح من غير مرجح وبيانه أن فرض استجماع المؤثر جميع ما لا بد منه في المؤثرية هو بأن يكون المؤثر المختار مأخوذا مع قدرته التي يستوي طرفا الوجود والعدم بالنسبة إليها ومع داعيه الذي يرجح أحد طرفيه وحينئذ يجب الفعل بعدهما نظرا إلى وجود الداعي والقدرة ولا تنافي بين هذا الوجوب وبين الإمكان نظرا إلى مجرد القدرة والاختيار وهذا كما إذا فرضنا وقوع الفعل من المختار فإنه يصير واجبا من جهة فرض الوقوع ولا ينافي الاختيار وبهذا التحقيق يندفع جميع المحاذير اللازمة لأكثر المتكلمين في قولهم القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجح.

قال : واجتماع القدرة على المستقبل مع العدم.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن نقول الأثر إما حاصل في الحال فواجب فلا يكون مقدورا ، أو معدوم فممتنع فلا قدرة.

وتقرير الجواب أن الأثر معدوم حال حصول القدرة ولا نقول إن القدرة حال عدم الأثر تفعل الوجود في تلك الحال بل في المستقبل فيمكن اجتماع القدرة على الوجود في المستقبل مع العدم في الحال. لا يقال الوجود في الاستقبال غير ممكن في الحال لأنه مشروط بالاستقبال الممتنع في الحال وإذا كان كذلك فلا قدرة عليه في الحال وعند حصول الاستقبال يعود الكلام ، لأنا نقول القدرة لا تتعلق بالوجود في الاستقبال في الحال بل في الاستقبال.

٢٨٢

قال : وانتفاء الفعل ليس فعل الضد.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن القادر لا يتعلق فعله بالعدم فلا يتعلق فعله بالوجود أما بيان المقدمة الأولى فلأن الفعل يستدعي الوجود والامتياز وهما ممتنعان في حق المعدوم ، وأما الثانية فلأنكم قلتم القادر هو الذي يمكنه الفعل والترك وإذا انتفى إمكان الترك انتفى إمكان الفعل. وتقرير الجواب أن القادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل وليس لا يفعل عبارة عن فعل الضد.

قال : وعمومية العلة تستلزم عمومية الصفة.

أقول : يريد بيان أنه تعالى قادر على كل مقدور وهو مذهب الأشاعرة وخالف أكثر الناس في ذلك فإن الفلاسفة قالوا إنه تعالى قادر على شيء واحد لأن الواحد لا يتعدد أثره وقد تقدم بطلان مقالتهم.

والمجوس ذهبوا إلى أن الخير من الله تعالى والشر من الشيطان لأن الله تعالى خير محض وفاعل الشر شرير.

والثنوية ذهبوا إلى أن الخير من النور والشر من الظلمة.

والنظام قال : إن الله تعالى لا يقدر على القبيح لأنه يدل على الجهل أو الحاجة.

وذهب البلخي إلى أن الله لا يقدر على مثل مقدور العبد لأنه إما طاعة أو سفه.

وذهب الجبائيان إلى أنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد وإلا لزم اجتماع الوجود والعدم على تقدير أن يريد الله إحداثه والعبد عدمه.

وهذه المقالات كلها باطلة لأن المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور إنما هو الإمكان إذ مع الوجوب والامتناع لا تعلق والإمكان ثابت في الجميع فثبت الحكم وهو صحة التعلق وإلى هذا أشار المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله عمومية العلة أي الإمكان تستلزم عمومية الصفة أعني القدرة على كل مقدور.

والجواب عن شبهة المجوس أن المراد من الخير والشرير إن كان من فعلهما فلم لا يجوز

٢٨٣

إسنادهما إلى شيء واحد. وأيضا الخير والشر ليسا ذاتيين للشيء فجاز أن يكون الشيء خيرا بالقياس إلى شيء وشرا بالقياس إلى آخر وحينئذ يصح إسنادهما إلى ذات واحدة.

وعن شبهة النظام أن الإحالة حصلت بالنظر إلى الداعي فلا تنافي الإمكان الذاتي المقتضي لصحة تعلق القادر.

وعن شبهة البلخي أن الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي.

وعن شبهة الجبائيين أن العدم إنما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى إيجاده.

المسألة الثانية

في أنه تعالى عالم

قال : والأحكام والتجرد واستناد كل شيء إليه دلائل العلم.

أقول : لما فرغ من بيان كونه تعالى قادرا وكيفية قدرته شرع في بيان كونه تعالى عالما وكيفية علمه واستدل على كونه تعالى عالما بوجوه ثلاثة الأول منها للمتكلمين والأخيران للحكماء (الوجه الأول) أنه تعالى فعل الأفعال المحكمة وكل من كان كذلك فهو عالم (أما المقدمة الأولى) فحسية لأن العالم إما فلكي أو عنصري وآثار الحكمة والإتقان فيهما ظاهرة مشاهدة (وأما الثانية) فضرورية لأن الضرورة قاضية بأن غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرة بعد أخرى (الوجه الثاني) أنه تعالى مجرد وكل مجرد عالم بذاته وبغيره أما الصغرى فإنها وإن كانت ظاهرة لكن بيانها يأتي فيما بعد عند الاستدلال على كونه تعالى ليس بجسم ولا جسماني وأما الكبرى فلأن كل مجرد فإن ذاته حاصلة لذاته لا لغيره وكل مجرد حصل له مجرد فإنه عاقل لذلك المجرد لأنا لا نعني بالتعقل إلا الحصول فإذن كل مجرد فإنه عاقل لذاته.

وأما إن كل مجرد عالم بغيره فلأن كل مجرد أمكن أن يكون معقولا وحده وكل ما يمكن أن يكون معقولا وحده أمكن أن يكون معقولا مع غيره وكل مجرد يعقل مع غيره فإنه عاقل لذلك الغير أما ثبوت المعقولية لكل مجرد فظاهر لأن المانع من التعقل إنما هو المادة لا

٢٨٤

غير. وأما صحة التقارن في المعقولية فلأن كل معقول فإنه لا ينفك عن الأمور العامة ، وأما وجوب العاقلية حينئذ فلأن إمكان مقارنة المجرد للغير لا يتوقف على الحضور في العقل لأنه نوع من المقارنة فيتوقف إمكان الشيء على ثبوته فعلا وهو باطل وإمكان المقارنة هو إمكان التعقل وفي هذا الوجه أبحاث مذكورة في كتبنا العقلية.

(الوجه الثالث) أن كل موجود سواه ممكن على ما يأتي في باب الوحدانية وكل ممكن فإنه مستند إلى الواجب إما ابتداء أو بوسائط على ما تقدم وقد سلف أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول والله تعالى عالم بذاته على ما تقدم فهو عالم بغيره.

قال : والأخير عام.

أقول : الوجه الأخير من الأدلة الثلاثة الدالة على كونه تعالى عالما يدل على عمومية علمه بكل معلوم وتقريره أن كل موجود سواه ممكن وكل ممكن مستند إليه فيكون عالما به سواء كان جزئيا أو كليا وسواء كان موجودا قائما بذاته أو عرضا قائما بغيره وسواء كان موجودا في الأعيان أو متعقلا في الأذهان لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا فيستند إليه ، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن أو ممتنع فلا يعزب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات وهذا برهان شريف قاطع.

قال : والتغاير اعتباري.

أقول : لما فرغ من الاستدلال على كونه تعالى عالما بكل معلوم شرع في الجواب عن الاعتراضات الواردة عن المخالفين وابتدأ باعتراض من نفى علمه تعالى بذاته ولم يذكر الاعتراض صريحا بل أجاب عنه وحذفه للعلم به وتقرير الاعتراض أن نقول العلم إضافة بين العالم والمعلوم أو مستلزم للإضافة وعلى كلا التقديرين فلا بد من المغايرة بين العالم والمعلوم ولا مغايرة في علمه بذاته.

والجواب أن المغايرة قد تكون بالذات وقد تكون بنوع من الاعتبار وهاهنا ذاته تعالى من حيث إنها عالمة مغايرة لها من حيث إنها معلومة وذلك كاف في تعلق العلم.

٢٨٥

قال : ولا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده لأن نسبة الحصول إليه أشد من نسبة الصور المعقولة لنا.

أقول : هذا جواب عن اعتراض آخر أورده من نفى علم الله تعالى بالماهيات المغايرة له وتقرير الاعتراض أن العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم فلو كان الله تعالى عالما بغيره من الماهيات لزم حصول صور تلك المعلومات في ذاته تعالى وذلك يستلزم تكثره تعالى ، وكونه قابلا وفاعلا ومحلا لآثاره ، وأنه تعالى لا يوجد شيئا مما يباين ذاته بل بتوسط الأمور الحالة فيه وكل ذلك باطل.

وتقرير الجواب أن العلم لا يستدعي صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى لأن العلم هو الحصول عند المجرد على ما تقدم ولا ريب في أن الأشياء كلها حاصلة له لأنه مؤثرها وموجدها وحصول الأثر للمؤثر أشد من حصول المقبول لقابله مع أن الثاني لا يستدعي حصول صورة مغايرة لذات الحاصل فإنا إذا عقلنا ذواتنا لم نفتقر إلى صورة مغايرة لذواتنا ثم إذا أدركنا شيئا ما بصورة تحصل في أذهاننا فإنا ندرك تلك الصورة الحاصلة في الذهن بذاتها لا باعتبار صورة أخرى وإلا لزم تضاعف الصور مع أن تلك الصورة حاصلة لذاتنا لا بانفرادها بل بمشاركة من المعقولات فحصول العلم بالموجودات لواجب الوجود الذي تحصل له الأشياء من ذاته بانفراده من غير افتقار إلى صور لها أولى ، ولما كانت ذاته سببا لكل موجود وعلمه بذاته علة لعلمه بآثاره وكانت ذاته وعلمه بذاته العلتان ، متغايرتين بالاعتبار متحدتين بالذات فكذا معلوله والعلم به متحدان بالذات متغايران بنوع من الاعتبار وهذا بحث شريف أشار إليه صاحب التحصيل وبسطه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في شرح الإشارات وبهذا التحقيق يندفع جميع المحالات لأنها لزمت باعتبار حصول صور في ذاته تعالى عن ذلك.

قال : وتغير الإضافات ممكن.

أقول : هذا جواب عن اعتراض الحكماء القائلين بنفي علمه تعالى بالجزئيات الزمانية

٢٨٦

وتقرير الاعتراض أن العلم يجب تغيره عند تغير المعلوم وإلا لانتفت المطابقة لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغير علمه تعالى والتغير في علم الله تعالى محال.

وتقرير الجواب أن التغير هنا إنما هو في الإضافات لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية كالقدرة التي تتغير نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن لم تتغير في نفسها وتغير الإضافات جائز لأنها أمور اعتبارية لا تحقق لها في الخارج.

قال : ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين.

أقول : هذا جواب عن احتجاج من نفى علمه تعالى بالمتجددات قبل وجودها وتقرير كلامهم أن العلم لو تعلق بالمتجدد قبل تجدده لزم وجوبه وإلا لجاز أن لا يوجد فينقلب علمه تعالى جهلا وهو محال.

والجواب إن أردتم بوجوب ما علمه تعالى أنه واجب الصدور عن العلم فهو باطل لأنه تعالى يعلم ذاته ويعلم المعدومات وإن أردتم وجوب المطابقة لعلمه فهو صحيح لكن ذلك وجوب لاحق لا سابق فلا ينافي الإمكان الذاتي وإلى هذا أشار بقوله ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين.

المسألة الثالثة

في أنه تعالى حي

قال : وكل قادر عالم حي بالضرورة.

أقول : اتفق الناس على أنه تعالى حي واختلفوا في تفسيره فقال قوم إنه عبارة عن كونه تعالى لا يستحيل أن يقدر ويعلم. وقال آخرون إنه من كان على صفة لأجله عليها يجب أن يعلم ويقدر. والتحقيق أن صفاته تعالى إن قلنا بزيادتها على ذاته فالحياة صفة ثبوتية زائدة على الذات وإلا فالمرجع بها إلى صفة سلبية وهو الحق وقد بينا أنه تعالى قادر

٢٨٧

عالم فيكون بالضرورة حيا لأن ثبوت الصفة فرع عدم استحالتها.

المسألة الرابعة

في أنه تعالى مريد

قال : وتخصيص بعض الممكنات بالإيجاد في وقت يدل على إرادته تعالى.

أقول : اتفق المسلمون على أنه تعالى مريد لكنهم اختلفوا في معناه فأبو الحسين جعله نفس الداعي على معنى أن علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة الداعية إلى الإيجاد هو المخصص والإرادة وقال النجار إنه سلبي وهو كونه تعالى غير مغلوب ولا مستكره وعن الكعبي أنه راجع إلى أنه عالم بأفعال نفسه وآمر بأفعال غيره وذهبت الأشعرية والجبائيان إلى أنه صفة زائدة على العلم.

والدليل على ثبوت الصفة مطلقا أن الله تعالى أوجد بعض الممكنات دون بعض مع تساوي نسبتها إلى القدرة فلا بد من مخصص غير القدرة التي شأنها الإيجاد مع تساوي نسبتها إلى الجميع ، وغير العلم التابع للمعلوم وذلك المخصص هو الإرادة. وأيضا بعض الممكنات يخصص بالإيجاد في وقت دون ما قبله وبعده مع التساوي فلا بد من مرجح غير القدرة والعلم.

قال : وليست زائدة على الداعي وإلا لزم التسلسل أو تعدد القدماء.

أقول : اختلف الناس هنا فذهبت الأشعرية إلى إثبات أمر زائد على ذاته قديم هو الإرادة والمعتزلة اختلفوا فقال أبو الحسين إنها نفس الداعي وهو الذي اختاره المصنف وقال أبو علي وأبو هاشم إن إرادته حادثة لا في محل وقالت الكرامية إن إرادته حادثة في ذاته والدليل على ما اختاره المصنف أن إرادته لو كانت قديمة لزم تعدد القدماء والتالي باطل فالمقدم مثله ولو كانت حادثة إما في ذاته أو لا في محل لزم التسلسل لأن حدوث الإرادة في وقت دون آخر يستلزم ثبوت إرادة مخصصة والكلام فيها كالكلام هنا.

٢٨٨

المسألة الخامسة

في أنه تعالى سميع بصير

قال : والنقل دل على اتصافه بالإدراك والعقل على استحالة الآلات.

أقول : اتفق المسلمون كافة على أنه تعالى مدرك واختلفوا في معناه فالذي ذهب إليه أبو الحسين أن معناه علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات وأثبت الأشعرية وجماعة من المعتزلة صفة زائدة على العلم.

والدليل على ثبوت كونه تعالى سميعا بصيرا السمع فإن القرآن قد دل عليه وإجماع المسلمين على ذلك إذا عرفت هذا فنقول السمع والبصر في حقنا إنما يكون بآلات جسمانية وكذا غيرهما من الإدراكات وهذا الشرط ممتنع في حقه تعالى بالعقل فإما أن يرجع بالسمع والبصر إلى ما ذهب إليه أبو الحسين وإما إلى صفة زائدة غير مفتقرة إلى الآلات في حقه تعالى.

المسألة السادسة

في أنه تعالى متكلم

قال : وعمومية قدرته تدل على ثبوت الكلام والنفساني غير معقول.

أقول : ذهب المسلمون كافة إلى أنه تعالى متكلم واختلفوا في معناه فعند المعتزلة أنه تعالى أوجد حروفا وأصواتا في أجسام جمادية دالة على المراد وقالت الأشاعرة أنه متكلم بمعنى أنه قام بذاته معنى غير العلم والإرادة وغيرهما من الصفات تدل عليها العبارات وهو الكلام النفساني وهو عندهم معنى واحد ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا غير ذلك من أساليب الكلام والمصنف ـ رحمه‌الله ـ حينئذ استدل على ثبوت الكلام بالمعنى الأول بما تقدم من كونه تعالى قادرا على كل مقدور لا شك في إمكان خلق أصوات في أجسام تدل

٢٨٩

على المراد وقد اتفقت المعتزلة والأشاعرة على إمكان هذا لكن الأشاعرة أثبتوا معنى آخر والمعتزلة نفوا هذا المعنى لأنه غير معقول إذ لا يعقل ثبوت معنى غير العلم ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار وهو قديم والتصديق موقوف على التصور.

قال : وانتفاء القبح عنه تعالى يدل على صدقه.

أقول : لما أثبت كونه تعالى متكلما وبين معناه شرع في بيان كونه تعالى صادقا ، وقد اتفق المسلمون عليه لكن لا يتمشى على أصول الأشاعرة أما المعتزلة فهذا المطلب عندهم ظاهر الثبوت لأن الكذب قبيح بالضرورة ، والله تعالى منزه عن القبائح لأنه تعالى حكيم على ما يأتي فلا يصدر الكذب عنه تعالى.

المسألة السابعة

في أنه تعالى باق

قال : ووجوب الوجود يدل على سرمديته ونفي الزائد.

أقول : اتفق المثبتون للصانع تعالى على أنه باق أبدا واختلفوا فذهب الأشعري إلى أنه باق ببقاء يقوم به وذهب آخرون إلى أنه باق لذاته وهو الحق الذي اختاره المصنف والدليل على أنه باق ما تقدم من بيان وجوب وجوده لذاته وواجب الوجود لذاته يستحيل عليه العدم وإلا لكان ممكنا. والاعتراض الذي يورد هنا وهو أنه يجوز أن يكون واجبا لذاته في وقت وممتنعا في وقت آخر يدل على سوء فهم مورده لأن ماهيته حينئذ بالنظر إليها مجردة عن الوقتين تكون قابلة لصفتي الوجود والعدم ولا نعني بالممكن سوى ذلك (واعلم) أن هذا الدليل كما يدل على وجوب البقاء يدل على انتفاء المعنى الذي أثبته أبو الحسن الأشعري لأن وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن الغير فلو كان باقيا بالبقاء كان محتاجا إليه فيكون ممكنا هذا خلف.

٢٩٠

المسألة الثامنة

في أنه تعالى واحد

قال : والشريك

أقول : هذا عطف على الزائد أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفي الشريك (واعلم) أن أكثر العقلاء اتفقوا على أنه تعالى واحد والدليل على ذلك العقل والنقل إما العقل فما تقدم من وجوب وجوده تعالى فإنه يدل على وحدته لأنه لو كان هناك واجب وجود آخر لتشاركا في مفهوم كون كل واحد منهما واجب الوجود فإما أن يتميزا أو لا والثاني يستلزم المطلوب وهو انتفاء الشركة والأول يستلزم التركيب وهو باطل وإلا لكان كل واحد منهما ممكنا وقد فرضناه واجبا هذا خلف وأما النقل فظاهر.

المسألة التاسعة

في أنه تعالى مخالف لغيره من الماهيات

قال : والمثل.

أقول : هذا عطف على الزائد أيضا أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفي الشريك ونفي المثل وهذا مذهب أكثر العقلاء وخالف فيه أبو هاشم فإنه جعل ذاته مساوية لغيرها من الذوات وإنما تخالفها بحالة توجب أحوالا أربعة وهي الحيية والعالمية والقادرية والموجودية وتلك الحالة هي صفة إلهية وهذا المذهب لا شك في بطلانه فإن الأشياء المتساوية تتشارك في لوازمها فلو كانت الذوات متساوية جاز انقلاب القديم محدثا وبالعكس وذلك باطل بالضرورة.

٢٩١

المسألة العاشرة

في أنه تعالى غير مركب

قال : والتركيب بمعانيه.

أقول : هذا عطف على الزائد بمعنى أن وجوب الوجود يقتضي نفي التركيب أيضا والدليل على ذلك أن كل مركب فإنه مفتقر إلى أجزائه لتأخره وتعليله بها وكل جزء من المركب فإنه مغاير له وكل مفتقر إلى الغير ممكن فلو كان الواجب تعالى مركبا كان ممكنا هذا خلف فوجوب الوجود يقتضي نفي التركيب.

واعلم أن التركيب قد يكون عقليا وهو التركيب من الجنس والفصل ، وقد يكون خارجيا كتركيب الجسم من المادة والصورة وتركيب المقادير من غيرها والجميع منفي عن الواجب تعالى لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء فلا جنس له ولا فصل له ولا غيرهما من الأجزاء العقلية والحسية.

المسألة الحادية عشرة

في أنه تعالى لا ضد له

قال : والضد.

أقول : هذا عطف على الزائد أيضا فإن وجوب الوجود يقتضي نفي الضد لأن الضد يقال بحسب المشهور على ما يتعاقب غيره من الذوات على المحل أو الموضوع مع التنافي بينهما وواجب الوجود يستحيل عليه الحلول فلا ضد له بهذا المعنى ، ويطلق أيضا على مساو في القوة ممانع وقد بينا أنه تعالى لا مثل له فلا مشارك له تعالى في القوة.

٢٩٢

المسألة الثانية عشرة

في أنه تعالى ليس بمتحيز

قال : والتحيز.

أقول : هذا عطف على الزائد أيضا فإن وجوب الوجود يقتضي نفي التحيز عنه تعالى وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء وخالف فيه المجسمة والدليل على ذلك أنه لو كان متحيزا لم ينفك عن الأكوان الحادثة وكل ما لا ينفك عن الحادث فهو حادث وقد سبق تقرير ذلك وكل حادث ممكن فلا يكون واجبا هذا خلف ويلزم من نفي التحيز نفي الجسمية.

المسألة الثالثة عشرة

في أنه تعالى ليس بحال في غيره

قال : والحلول.

أقول : هذا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود يقتضي كونه تعالى ليس حالا في غيره وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء وخالف فيه بعض النصارى القائلين بأنه حل في المسيح وبعض الصوفية القائلين بأنه حال في أبدان العارفين وهذا المذاهب لا شك في سخافته لأن المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية بشرط امتناع قيامه بذاته وهذا المعنى منتف في حقه تعالى لاستلزامه الحاجة المستلزمة للإمكان.

المسألة الرابعة عشرة

في نفي الاتحاد عنه تعالى

قال : والاتحاد.

أقول : هذا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود ينافي الاتحاد لأنا قد بينا أن وجوب

٢٩٣

الوجود يستلزم الوحدة فلو اتحد بغيره لكان ذلك الغير ممكنا فيكون الحكم الصادق على الممكن صادقا على المتحد به فيكون الواجب ممكنا وأيضا فلو اتحد بغيره لكانا بعد الاتحاد إما أن يكونا موجودين كما كانا فلا اتحاد وإن عدما أو عدم أحدهما فلا اتحاد أيضا ويلزم عدم الواجب فيكون ممكنا هذا خلف.

المسألة الخامسة عشرة

في نفي الجهة عنه تعالى

قال : والجهة.

أقول : هذا حكم من الأحكام اللازمة لوجوب الوجود وهو معطوف على الزائد وقد نازع فيه جميع المجسمة فإنهم ذهبوا إلى أنه تعالى جسم في جهة وأصحاب أبي عبد الله بن كرام اختلفوا فقال محمد بن الهيثم إنه تعالى في جهة فوق العرض لا نهاية لها والبعد بينه وبين العرش أيضا غير متناه وقال بعضهم البعد متناه وقال قوم منهم إنه تعالى على العرش كما تقوله المجسمة وهذه المذاهب كلها فاسدة لأن كل ذي جهة فهو مشار إليه ومحل للأكوان الحادثة فيكون حادثا فلا يكون واجبا.

المسألة السادسة عشرة

في أنه تعالى ليس محلا للحوادث

قال : وحلول الحوادث فيه.

أقول : وجوب الوجود ينافي حلول الحوادث في ذاته تعالى وهو معطوف على الزائد وقد خالف فيه الكرامية والدليل على الامتناع أن حدوث الحوادث فيه تعالى يدل على تغيره وانفعاله في ذاته وذلك ينافي الوجوب وأيضا فإن المقتضي للحادث إن كان ذاته كان أزليا وإن كان غيره كان الواجب مفتقرا إلى الغير وهو محال ولأنه إن كان صفة كمال

٢٩٤

استحال خلو الذات عنه وإن لم يكن استحال اتصاف الذات به.

المسألة السابعة عشرة

في أنه تعالى غني

قال : والحاجة.

أقول : وجوب الوجود ينافي الحاجة وهو معطوف على الزائد وهذا الحكم ظاهر فإن وجوب الوجود يستدعي الاستغناء عن الغير في كل شيء فهو ينافي الحاجة ولأنه لو افتقر إلى غيره لزم الدور لأن ذلك الغير محتاج إليه لإمكانه (لا يقال) الدور غير لازم لأن الواجب مستغن في ذاته وبعض صفاته عن ذلك الغير وبهذا الوجه يؤثر في ذلك الغير فإذا احتاج في جهة أخرى إلى ذلك الغير انتفى الدور (لأنا نقول) هذا بناء على أن صفاته تعالى زائدة على الذات وهو باطل لما سيأتي وأيضا فالدور لا يندفع لأن ذلك الممكن بالجهة التي يؤثر في الواجب تعالى صفة يكون محتاجا إليه وحينئذ يلزم الدور المحال ولأن افتقاره في ذاته يستلزم إمكانه وكذا في صفاته لأن ذاته موقوفة على وجود تلك الصفة أو عدمها المتوقفين على الغير فيكون متوقفا على الغير فيكون ممكنا وهذا برهان عول عليه الشيخ ابن سينا.

المسألة الثامنة عشرة

في استحالة الألم واللذة عليه تعالى

قال : والألم مطلقا واللذة المزاجية.

أقول : هذا أيضا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود يستلزم نفي اللذة والألم.

واعلم أن اللذة والألم قد يكونان من توابع المزاج فإن اللذة من توابع اعتدال المزاج والألم من توابع سوء المزاج وهذان المعنيان إنما يصحان في حق الأجسام وقد ثبت بوجوب الوجود أنه تعالى يستحيل أن يكون جسما فينتفيان عنه. وقد يعنى بالألم إدراك المنافي

٢٩٥

وباللذة إدراك الملائم فالألم بهذا المعنى منفي عنه لأن واجب الوجود لا منافي له وأما اللذة بهذا المعنى فقد اتفق الأوائل على ثبوتها لله تعالى لأنه مدرك لأكمل الموجودات أعني ذاته فيكون ملتذا به والمصنف ـ رحمه‌الله ـ كأنه قد ارتضى هذا القول وهو مذهب ابن نوبخت وغيره من المتكلمين إلا أن إطلاق الملتذ عليه يستدعي الإذن الشرعي.

المسألة التاسعة عشرة في نفي المعاني والأحوال والصفات

الزائدة في الأعيان

قال : والمعاني والأحوال والصفات الزائدة عينا.

أقول : ذهبت الأشاعرة إلى أن لله تعالى معاني قائمة بذاته هي القدرة والعلم وغيرهما من الصفات تقتضي القادرية والعالمية والحيية إلى غيرها من باقي الصفات. وأبو هاشم أثبت أحوالا غير معلومة لكن تعلم الذات عليها. وجماعة من المعتزلة أثبتوا لله تعالى صفات زائدة على الذات وهذه المذاهب كلها ضعيفة لأن وجوب الوجود يقتضي نفي هذه الأمور عنه لأنه تعالى يستحيل أن يتصف بصفة زائدة على ذاته سواء جعلناها معنى أو حالا أو صفة غيرهما لأن وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن كل شيء فلا يفتقر في كونه قادرا إلى صفة القدرة ولا في كونه عالما إلى صفة العلم ولا غير ذلك من المعاني والأحوال وإنما قيد الصفات بالزائدة عينا لأنه تعالى موصوف بصفات الكمال لكن تلك الصفات نفس الذات في الحقيقة وإن كانت مغايرة لها بالاعتبار.

المسألة العشرون

في أنه تعالى ليس بمرئي

قال : والرؤية.

أقول : وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضا (واعلم) أن أكثر العقلاء ذهبوا إلى

٢٩٦

امتناع رؤيته تعالى والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم ولو اعتقدوا تجرده لم تجز رؤيته عندهم والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده تصح رؤيته والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب وجوده يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه فينتفي الرؤية عنه بالضرورة لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هنا أو هناك ويكون مقابلا أو في حكم المقابل ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.

قال : وسؤال موسى لقومه.

أقول : لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن احتجاج الأشاعرة وقد احتجوا بوجوه أجاب المصنف عنها الأول أن موسى عليه‌السلام سأل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح منه السؤال.

والجواب أن السؤال كان من موسى عليه‌السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) ، وقوله(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا).

قال : والنظر لا يدل على الرؤية مع قبوله التأويل.

أقول : تقرير الوجه الثاني لهم أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر إليه فقال(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) والنظر المقرون بحرف إلى يفيد الرؤية لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة عنه فبقي المراد منه مجازه وهو الرؤية التي هي معلول النظر الحقيقي واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب المنع من إرادة هذا المجاز فإن النظر وإن اقترن به حرف إلى لا يفيد الرؤية ولهذا يقال نظرت إلى الهلال فلم أره وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره وهو أن يقال إن إلى واحد الآلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة. أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلى ثواب ربها (لا يقال) الانتظار سبب الغم والآية سيقت

٢٩٧

لبيان النعم (لأنا نقول) سياق الآية يدل على تقدم حال لأهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) بدليل قوله تعالى(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل لها فاقرة فلا يبقى للظن معنى وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سببا للغم بل سببا للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقينا في وقت فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت كما أن انتظار العقاب بعد الإنذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال : وتعليق الرؤية على استقرار الجبل المتحرك لا يدل على الإمكان.

أقول : هذا جواب عن الوجه الثالث للأشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسى عليه‌السلام على استقرار الجبل والاستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن والمعلق على الممكن ممكن. والجواب أنه تعالى علق الرؤية على الاستقرار لا مطلقا بل على استقرار الجبل حال حركته واستقرار الجبل حال الحركة محال فلا يدل على إمكان المعلق.

قال : واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.

أقول : هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود ، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدميا فلم يبق إلا الوجود فكل موجود تصح رؤيته والله تعالى موجود.

وهذا الدليل ضعيف جدا لوجوه : الأول المنع من رؤية الجسم بل المرئي هو اللون والضوء لا غير. الثاني لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض. الثالث لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي لأن جنس صحة الرؤية

٢٩٨

وهو الإمكان عدمي فلا يفتقر إلى العلة. الرابع لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية. الخامس لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود وعدم العلم لا يدل على العدم مع أنا نتبرع بذكر قسم آخر وهو الإمكان وجاز التعليل به وإن كان عدميا لأن صحة الرؤية عدمية. السادس لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية على أنا نمنع من كون الحدوث عدميا لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم. السابع لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الإمكان أو بشرط الحدوث والشروط يجوز أن تكون عدمية. الثامن المنع من كون الوجود مشتركا لأن وجود كل شيء نفس حقيقته ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركا لكن وجود الله تعالى مخالف لغيره من الوجودات لأنه نفس حقيقته ولا يلزم من كون بعض الماهيات علة لشيء كون ما يخالفه علة لذلك الشيء. التاسع المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى إما ذاته أو صفة من صفاته أو قبول الحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى فلا يلزم وجود الحكم فيه.

المسألة الحادية والعشرون

في باقي الصفات

قال : وعلى ثبوت الجود.

أقول : هذا عطف على قوله على سرمديته أي أن وجوب الوجود يدل على سرمديته وعلى ثبوت الجود واعلم أن الجود هو إفادة ما ينبغي للمستفيد من غير استعاضة منه والله تعالى قد أفاد الوجود الذي ينبغي للممكنات من غير أن يستعيض منها شيئا من صفة حقيقية أو إضافية فهو جواد وجماعة الأوائل نفوا الغرض عن الجواد وهو باطل وسيأتي بيانه في باب العدل.

٢٩٩

قال : والملك.

أقول : وجوب الوجود يدل على كونه تعالى ملكا لأنه غني عن الغير في ذاته وصفاته الحقيقية المطلقة والحقيقية المستلزمة للإضافة وكل شيء مفتقر إليه لأن كل ما عداه ممكن إنما يوجد بسببه وله ذات كل شيء لأنه مملوك له مفتقر إليه في تحقق ذاته فيكون ملكا لأن الملك هو المستجمع لهذه الصفات الثلاث.

قال : والتمام وفوقه.

أقول : وجوب الوجود يدل على كونه تعالى تاما وفوق التمام أما كونه تاما فلأنه واحد على ما سلف ، واجب من كل جهة يمتنع تغيره وانفعاله وتجدد شيء له فكل ما من شأنه أن يكون له فهو حاصل له بالفعل وأما كونه فوق التمام فلأن ما حصل لغيره من الكمالات فهو منه مستفاد.

قال : والحقية.

أقول : وجوب الوجود يدل على ثبوت الحقية له تعالى واعلم أن الحق يقال للثابت مطلقا والثابت دائما ويقال على حال القول والعقد بالنسبة إلى المقول والمعتقد إذا كان مطابقا وهو الصادق أيضا لكن باعتبار نسبة القول والعقد إليه والله تعالى واجب الثبوت والدوام غير قابل للعدم والبطلان فذاته أحق من كل حق وهو محقق كل حقيقة.

قال : والخيرية.

أقول : وجوب الوجود يدل على ثبوت وصف الخيرية لله تعالى لأن الخير عبارة عن الوجود والشر عبارة عن عدم كمال الشيء من حيث هو مستحق له وواجب الوجود يستحيل أن يعدم عنه شيء من الكمالات فلا يتطرق إليه الشر بوجه من الوجوه فهو خير محض.

٣٠٠