كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

المقصد الأول في :

الأمور العامة

وفيه

فصول

٢١

الفصل الأول

في الوجود والعدم

وتحديدهما بالثابت العين والمنفي العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه ونقيضه

أو بغير ذلك يشتمل على دور ظاهر ...

أقول : في هذا الفصل مسائل مهمة جليلة هذه أولاها وهي أن الوجود والعدم لا يمكن تحديدهما واعلم أن جماعة من المتكلمين والحكماء حدوا الوجود والعدم أما المتكلمون فقالوا الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين ، والحكماء قالوا الموجود هو الذي يمكن أن يخبر عنه والمعدوم هو الذي لا يمكن أن يخبر عنه إلى غير ذلك من حدود فاسدة لا فائدة في ذكرها وهذه الحدود كلها باطلة لاشتمالها على الدور فإن الثابت مرادف للموجود والمنفي للمعدوم ولفظة الذي إنما يشار بها إلى متحقق ثابت فيؤخذ الوجود في حد نفسه.

قال : بل المراد تعريف اللفظ إذ لا شيء أعرف من الوجود.

أقول : لما أبطل تحديد الوجود والعدم أشار إلى وجه الاعتذار للقدماء من الحكماء والمتكلمين في تحديدهم له فقال إنهم أرادوا بذلك تعريف لفظ الوجود ومثل هذا التعريف سائغ في المعلومات الضرورية إذ هو بمنزلة تبديل لفظ بلفظ أوضح منه وإن لم تستفد منه صورة غير ما هو معلوم عند التحديد وإنما كان كذلك لأنه لا شيء أعرف من الوجود إذ لا معنى أعم منه.

قال : والاستدلال بتوقف التصديق بالتنافي عليه أو بتوقف الشيء على نفسه أو عدم تركيب الوجود مع فرضه ، أو إبطال الرسم باطل.

أقول : ذكر فخر الدين في إبطال تعريف الوجود وجهين والمصنف رحمه‌الله لم يرتض بهما

٢٢

ونحن نقررهما ونذكر ما يمكن أن يكون وجه الخلل فيهما.

الأول : أن التصديق بالتنافي بين الوجود والعدم بديهي إذ كل عاقل على الإطلاق يعلم بالضرورة أنه لا يمكن اجتماع وجوده وعدمه والتصديق متوقف على التصور وما يتوقف عليه البديهي أولى بأن يكون بديهيا فيكون تصور الوجود والعدم بديهيا.

الثاني : أن تعريف الوجود لا يجوز أن يكون بنفسه وإلا دار ، ولا بأجزائه لأن تلك الأجزاء إن كانت وجودات لزم تعريف الشيء بنفسه ، وإن لم تكن وجودات فعند اجتماعها إن لم يحصل أمر زائد كان الوجود محض ما ليس بوجود هذا خلف ، وإن حصل أمر زائد هو الوجود كان التركيب في قابل الوجود أو فاعله لا فيه ولا بالأمور الخارجة عنه لأن الخارجي إنما يصلح للتعريف لو كان مساويا للمعرف لأن الأعم لا يفيد التمييز الذي هو أقل مراتب التعريف والأخص أخفى وقد حذر في المنطق عن التعريف به لكن العلم بالمساواة يتوقف على العلم بالماهية فيلزم الدور.

وهذان الوجهان باطلان أما الأول فلأن التصديق البديهي لا يجب أن تكون تصوراته بديهية لما ثبت في المنطق من جواز توقف البديهي من التصديقات على التصور الكسبي ، سلمنا لكن جاز أن يكون التصور للمفردات ناقصا أي يكون معلوما باعتبار ما من الاعتبارات وذلك يكفي في باب التصديقات ويكون المراد من الحد حصول كمال التصور.

وأما الثاني فلأن ما ذكره في نفي تركيب الوجود عائد في كل ماهية مركبة على الإطلاق وهو باطل بالضرورة ، سلمنا لكن جاز التعريف بالخارجي وشرطه المساواة في نفس الأمر لا العلم بالمساواة فالناظر في اكتساب الماهية إذا عرض على ذهنه عوارضها فاستفاد من بعضها تصور تلك الماهية علم بعد ذلك أن ذلك العارض مساو لها ثم يفيد غيره تصورها بذكر ذلك العارض ولا دور في ذلك ، سلمنا لكن العلم بالمساواة لا يستلزم العلم بالماهية من كل وجه بل من بعض الوجوه على ما قدمناه ويكون الاكتساب لكمال التصور فلا دور حينئذ.

٢٣

المسألة الثانية

في أن الوجود مشترك

قال : وتردد الذهن حال الجزم بمطلق الوجود واتحاد مفهوم نقيضه وقبوله القسمة يعطي اشتراكه

أقول : لما فرغ من البحث عن ماهية الوجود شرع في البحث عن أحكامه فبدأ باشتراكه واستدل عليه بوجوه ثلاثة ذكرها الحكماء والمتكلمون.

الأول أنا قد نجزم بوجود ماهية ونتردد في خصوصياتها مع بقاء الجزم بالوجود فإنا إذا شاهدنا أثرا حكمنا بوجود مؤثره فإذا اعتقدنا أنه ممكن ثم زال اعتقادنا بإمكانه وتجدد اعتقادنا بوجوبه لم يزل الحكم الأول فبقاء الاعتقاد بالوجود عند زوال اعتقاد الخصوصيات يدل على الاشتراك.

الثاني أن مفهوم السلب واحد لا تعدد فيه ولا امتياز فيكون مفهوم نقيضه الذي هو الوجود واحدا وإلا لم ينحصر التقسيم بين السلب والإيجاب.

الثالث أن مفهوم الوجود قابل للتقسيم بين الماهيات فيكون مشتركا بينها أما المقدمة الأولى فلأنا نقسمه إلى الواجب والممكن ، والجوهر والعرض ، والذهني والخارجي والعقل يقبل هذه القسمة ، وأما المقدمة الثانية فلأن القسمة عبارة عن ذكر جزئيات الكلي الصادق عليها بفصول متعاندة أو ما يشابه الفصول ولهذا لا يقبل العقل قسمة الحيوان إلى الإنسان والحجر لما لم يكن صادقا عليهما ويقبل قسمته إلى الإنسان والفرس.

المسألة الثالثة

في أن الوجود زائد على الماهيات

قال : فيغاير الماهية وإلا اتحدت الماهيات أو لم تنحصر أجزاؤها

أقول : هذه المسألة فرع على المسألة الأولى واعلم أن الناس اختلفوا في أن الوجود هل

٢٤

هو نفس الماهية أو زائد عليها فقال أبو الحسن الأشعري وأبو الحسين البصري وجماعة تبعوهما أن وجود كل ماهية نفس تلك الماهية.

وقال جماعة من المتكلمين والحكماء أن وجود كل ماهية مغاير لها إلا واجب الوجود تعالى فإن أكثر الحكماء قالوا إن وجوده نفس حقيقته وسيأتي تحقيق كلامهم فيه.

وقد استدل الحكماء على الزيادة بوجوه الأول : أن الوجود مشترك على ما تقدم فإما أن يكون نفس الماهية أو جزءا منها أو خارجا عنها والأول باطل وإلا لزم اتحاد الماهيات في خصوصياتها لما تبين من اشتراكه. والثاني باطل وإلا لم تنحصر أجزاء الماهية بل تكون كل ماهية على الإطلاق مركبة من أجزاء لا تتناهى واللازم باطل فالملزوم مثله بيان الشرطية أن الوجود إذا كان جزءا من كل ماهية فإنه يكون جزءا مشتركا بينها ويكون كمال الجزء المشترك فيكون جنسا فتفتقر كل ماهية إلى فصل يفصلها عما يساويها فيه لكن كل فصل فإنه يكون موجودا لاستحالة انفصال الموجودات بالأمور العدمية فيفتقر الفصل إلى فصل آخر هو جزء منه ويكون جزءا من الماهية لأن جزء الجزء جزء أيضا فإن كان موجودا افتقر إلى فصل آخر ويتسلسل فتكون للماهية أجزاء لا تتناهى

وأما استحالة التالي فلوجوه أحدها أن وجود ما لا يتناهى محال على ما يأتي.

الثاني : يلزم منه تركب واجب الوجود تعالى لأنه موجود فيكون ممكنا هذا خلف.

الثالث : يلزم منه انتفاء الحقائق أصلا لأنه يلزم منه تركب الماهيات البسيطة فلا يكون البسيط متحققا فلا يكون المركب متحققا وهذا كله ظاهر البطلان.

قال : ولانفكاكهما تعقلا.

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدال على زيادة الوجود وتقريره أنا قد نعقل الماهية ونشك في وجودها الذهني والخارجي والمعقول مغاير للمشكوك فيه ، وكذلك قد نعقل وجودا مطلقا ونجهل خصوصية الماهية فيكون مغايرا لها.

لا يقال : إنا قد نتشكك في ثبوت الوجود فيلزم أن يكون ثبوته زائدا عليه ويتسلسل.

لأنا نقول : التشكك ليس في ثبوت وجود للوجود بل في ثبوت الوجود نفسه للماهية

٢٥

وذلك هو المطلوب.

قال : وتحقق الإمكان الخاص.

أقول : هذا وجه ثالث يدل على الزيادة وتقريره أن ممكن الوجود متحقق بالضرورة والإمكان إنما يتحقق على تقدير الزيادة لأن الوجود لو كان نفس الماهية أو جزءها لم تعقل منفكة عنه فلا يجوز عليها العدم حينئذ وإلا لزم جواز اجتماع النقيضين وهو محال وانتفاء جواز العدم يستلزم الوجوب فينتفي الإمكان حينئذ للمنافاة بين الإمكان الخاص والوجوب الذاتي ، ولأن الإمكان نسبة بين الماهية والوجود والنسبة لا تتعقل إلا بين شيئين.

قال : وفائدة الحمل.

أقول : هذا وجه رابع يدل على المغايرة بين الماهية والوجود وتقريره أنا نحمل الوجود على الماهية فنقول ماهية موجودة فنستفيد منه فائدة معقولة لم تكن حاصلة لنا قبل الحمل وإنما تتحقق هذه الفائدة على تقدير المغايرة إذ لو كان الوجود نفس الماهية لكان قولنا ماهية موجودة بمنزلة قولنا ماهية ماهية أو موجودة موجودة والتالي باطل فالمقدم مثله.

قال : والحاجة إلى الاستدلال.

أقول : هذا وجه خامس يدل على أن الوجود ليس هو نفس الماهية ولا جزء منها وتقريره أنا نفتقر في نسبة الوجود إلى الماهية إلى الدليل في كثير من الماهيات ولو كان الوجود نفس الماهية أو جزءها لم نحتج إلى الدليل لافتقار الدليل إلى المغايرة بين الموضوع والمحمول ، والتشكك في النسب الممتنع تحققه في الذاتي.

قال : وانتفاء التناقض.

أقول : هذا وجه سادس يدل على الزيادة وتقريره أنا قد نسلب الوجود عن الماهية فنقول : ماهية معدومة ولو كان الوجود نفس الماهية لزم التناقض ولو كان جزءا منها لزم

٢٦

التناقض أيضا لأن تحقق الماهية يستدعي تحقق أجزائها التي من جملتها الوجود فيستحيل سلبه عنها وإلا لزم اجتماع النقيضين فتحقق انتفاء التناقض يدل على الزيادة.

قال : وتركب الواجب.

أقول : هذا وجه سابع وهو أن تركب الواجب منتف وإنما يتحقق لو كان الوجود زائدا على الماهية لأنه يستحيل أن يكون نفس الماهية لما تقدم فلو كان جزءا منها لزم أن يكون الواجب مركبا وهو محال.

قال : وقيامه بالماهية من حيث هي.

أقول : هذا جواب عن استدلال الخصم على أن الوجود نفس الماهية وتقرير استدلالهم أنه لو كان زائدا على الماهية لكان صفة قائمة بها لاستحالة أن يكون جوهرا قائما بنفسه مستغنيا عن الماهية واستحالة قيام الصفة بغير موصوفها وإذا كان كذلك فإما أن يقوم بالماهية حال وجودها أو حال عدمها والقسمان باطلان أما الأول فلأن الوجود الذي هو شرط في قيام هذا الوجود بالماهية إما أن يكون هو هذا الوجود فيلزم اشتراط الشيء بنفسه ، أو يكون مغايرا له فيلزم قيام الوجودات المتعددة بالماهية الواحدة ، ولأنا ننقل البحث إلى الوجود الذي هو شرط.

وأما الثاني : فلأنه يلزم قيام الصفة الوجودية بالمحل المعدوم وهو باطل وإذا بطل القسمان انتفت الزيادة.

وتقرير الجواب أن نقول الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار كونها معدومة أو موجودة فالحصر ممنوع.

قال : فزيادته في التصور.

أقول : هذا نتيجة ما تقدم وهو أن قيام الوجود بالماهية من حيث هي هي إنما يعقل في الذهن والتصور لا في الوجود الخارجي لاستحالة تحقق ماهية من الماهيات في الأعيان

٢٧

منفكة عن الوجود فكيف تتحقق الزيادة في الخارج والقيام بالماهية فيه بل وجود الماهية زائد عليها في نفس الأمر والتصور لا في الأعيان وليس قيام الوجود بالماهية كقيام السواد بالمحل

المسألة الرابعة

في انقسام الوجود إلى الذهني والخارجي

قال : وهو ينقسم إلى الذهني والخارجي وإلا بطلت الحقيقة.

أقول : اختلف العقلاء هاهنا فجماعة منهم نفوا الوجود الذهني وحصروا الوجود في الخارجي والمحققون منهم أثبتوه وقسموا الوجود إليه وإلى الخارجي قسمة معنوية.

واستدل المصنف رحمة الله عليه بأن القضية الحقيقة صادقة قطعا لأنا نحكم بالأحكام الإيجابية على موضوعات معدومة في الأعيان وتحقق الصفة يستدعي تحقق الموصوف وإذ ليس ثابتا في الأعيان فهو متحقق في الأذهان.

واعلم أن القضية تطلق على الحقيقة وهي التي يؤخذ موضوعها من حيث هو هو لا باعتبار الوجود الخارجي بل باعتبار ما صدق عليه الموضوع بالفعل.

وتطلق على الخارجية وهي التي يؤخذ موضوعها باعتبار الخارج وهو مذهب سخيف قد أبطل في المنطق فتحقق الحقيقية يدل على الثبوت الذهني كما ذكرناه.

قال : والموجود في الذهن إنما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم.

أقول : هذا جواب عن استدلال من نفي الوجود الذهني وتقرير استدلالهم أنه لو حلت الماهية في الأذهان لزم أن يكون الذهن حارا باردا أسود أبيض فيلزم مع اتصاف الذهن بهذه الأشياء المنفية عنه اجتماع الضدين.

والجواب أن الحاصل في الذهن ليس هو ماهية الحرارة والسواد بل صورتها ومثالها المخالفة للماهية في لوازمها وأحكامها فالحرارة الخارجية تستلزم السخونة وصورتها لا تستلزمها والتضاد إنما هو بين الماهيات لا بين صورها وأمثلتها.

٢٨

المسألة الخامسة

في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني

قال : وليس الوجود معنى به تحصل الماهية في العين بل الحصول

أقول : قد ذهب قوم غير محققين إلى أن الوجود معنى قائم بالماهية يقتضي حصول الماهية في الأعيان وهذا مذهب سخيف يشهد العقل ببطلانه لأن قيام ذلك المعنى بالماهية في الأعيان يستدعي تحقق الماهية في الخارج فلو كان حصولها في الخارج مستندا إلى ذلك المعنى لزم الدور المحال بل الوجود هو نفس تحقق الماهية في الأعيان ، ليس ما به تكون الماهية في الأعيان.

المسألة السادسة

في أن الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد

قال : ولا تزايد فيه ولا اشتداد

أقول : ذهب قوم إلى أن الوجود قابل للزيادة والنقصان وفيه نظر لأن الزيادة إن كانت وجودا لزم اجتماع المثلين وإلا لزم اجتماع النقيضين وأما نفي الاشتداد فهو مذهب أكثر المحققين قال بعضهم لأنه بعد الاشتداد إن لم يحدث شيء آخر لم يكن الاشتداد اشتدادا بل هو باق كما كان وإن حدث فالحادث إن كان غير الحاصل فليس اشتدادا للموجود الواحد بل يرجع إلى أنه حدث شيء آخر معه وإلا فلا اشتداد وكذا البحث في جانب النقصان وهذا الدليل ينفي قبول الأعراض كلها للاشتداد والضعف.

المسألة السابعة

في أن الوجود خير والعدم شر

قال : وهو خير محض.

أقول : إذا تأملنا كل ما يقال له خير وجدناه وجودا وإذا تأملنا ما يقال له شر وجدناه

٢٩

عدما ألا ترى القتل فإن العقلاء حكموا بكونه شرا وإذا تأملناه وجدنا شريته باعتبار ما يتضمن من العدم فإنه ليس شرا من حيث قدرة القادر عليه فإن القدرة كمال الإنسان ، ولا من حيث إن الآلة قاطعة فإنها أيضا كمال لها ، ولا من حيث حركة أعضاء القاتل ، ولا من حيث قبول العضو المنقطع للتقطيع بل من حيث هو إزالة كمال الحياة عن الشخص فليس الشر إلا هذا العدم وباقي القيود الوجودية خيرات فحكموا بأن الوجود خير محض والعدم شر محض ولهذا كان واجب الوجود تعالى أبلغ في الخيرية والكمال من كل موجود لبراءته عن القوة والاستعداد وتفاوت غيره من الوجودات فيه باعتبار القرب من العدم والبعد عنه.

المسألة الثامنة

في أن الوجود لا ضد له

قال : ولا ضد له.

أقول : الضد ذات وجودية تقابل ذاتا أخرى في الوجود ، ولما استحال أن يكون الوجود ذاتا وأن يكون له وجود آخر استحال أن يكون ضدا لغيره ، ولأنه عارض لجميع المعقولات لأن كل معقول إما خارجي فيعرض له الوجود الخارجي أو ذهني فيعرض له الذهني ولا شيء من أحد الضدين بعارض لصاحبه ، ومقابلته للعدم ليس تقابل الضدين على ما يأتي تحقيقه في نفي المعدوم بل تقابل السلب والإيجاب إن أخذا مطلقين وإلا تقابل العدم والملكة.

المسألة التاسعة

في أنه لا مثل للوجود

قال : ولا مثل.

أقول : المثلان ذاتان وجوديتان يسد كل واحد منهما مسد صاحبه ويكون المعقول منهما

٣٠

شيئا واحدا بحيث إذا سبق أحدهما إلى الذهن ثم لحقه الآخر لم يكتسب العقل من الحاصل ثانيا غير ما اكتسبه أولا والوجود ليس بذات فلا يماثل شيئا آخر وأيضا فليس هاهنا معقول يساويه في التعقل على معنى ما ذكرناه إذ كل معقول مغاير لمعقول الوجود.

لا يقال : إن كليه وجزئيه متساويان في التعقل فكان له مثل وهو الجزئي.

لأنا نقول : إنهما ليسا بمتساويين في المعقولية وإن كان أحد جزئي الجزئي هو الكلي لكن الاتحاد ليس تماثلا وأيضا فإنه عارض لكل المعقولات على ما قررناه أولا ولا شيء من المثلين بعارض لصاحبه.

المسألة العاشرة

في أنه مخالف لغيره من المعقولات وعدم منافاته لها

قال : فتحققت مخالفته للمعقولات.

أقول : لما انتفت نسبة التضاد والتماثل بينه وبين غيره من المعقولات وجبت المخالفة بينهما إذ القسمة حاصرة في كل معقولين بين التماثل والاختلاف وقد انتفى التماثل فوجب الاختلاف ولهذا جعله نتيجة لما سبق.

قال : ولا ينافيها :

أقول : المتنافيان لا يمكن اجتماعهما وقد بينا أن كل معقول على الإطلاق فإنه يمكن عروض مطلق الوجود له واجتماعه معه وصدقه عليه فكيف ينافيه.

لا يقال : العدم أمر معقول وقد قضى العقل بمنافاته له فكيف يصح قوله على الإطلاق أنه لا ينافيها؟

لأنا نقول : نمنع أولا كون العدم المطلق معقولا والعدم الخاص له حظ من الوجود ولهذا افتقر إلى موضوع خاص كافتقار الملكة إليه ، سلمنا لكن نمنع استحالة عروض الوجود المطلق للعدم المعقول فإن العدم المعقول ثابت في الذهن فيكون داخلا تحت مطلق الثابت

٣١

فيصدق عليه مطلق الثابت ومنافاته للوجود المطلق لا باعتبار صدق مطلق الثبوت عليه بل من حيث أخذ مقابلا له ولا امتناع في عروض أحد المتقابلين للآخر إذا أخذا لا باعتبار التقابل كالكلية والجزئية فإنهما قد يصدق أحدهما على الآخر باعتبار مغاير لا باعتبار تقابلهما وهذا فيه دقة.

المسألة الحادية عشرة

في تلازم الشيئية والوجود

قال : ويساوق الشيئية فلا تتحقق بدونه والمنازع مكابر مقتضى عقله.

أقول : اختلف الناس في هذا المقام فالمحققون كافة من الحكماء والمتكلمين اتفقوا على مساوقة الوجود الشيئية وتلازمهما حتى أن كل شيء على الإطلاق فهو موجود على الإطلاق وكل ما ليس بموجود فهو منتف وليس بشيء وبالجملة لم يثبتوا للمعدوم ذاتا متحققة فالمعدوم الخارجي لا ذات له في الخارج والذهني لا ذات له ذهنا.

وقال جماعة من المتكلمين أن للمعدوم الخارجي ذاتا ثابتة في الأعيان متحققة في نفسها ليست ذهنية لا غير ، وهؤلاء يكابرون في الضرورة فإن العقل قاض بأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم فإن الثبوت هو الوجود.

قال : وكيف تتحقق بدونه مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف.

أقول : لما استبعد مقالة هؤلاء القوم ونسبهم إلى الجهل شرع في الاستدلال على بطلان قولهم واعلم أن هؤلاء يذهبون إلى أن القدرة لا تأثير لها في الذوات أنفسها لأنها ثابتة في العدم مستغنية عن المؤثر في جعلها ذواتا ، ولا في الوجود لأنه عندهم حال والحال غير مقدورة وقد ثبت في نفس الأمر أن اتصاف الماهية بالصفة غير ثابت في الأعيان بل هو أمر اعتباري وإلا لزم التسلسل لأن ذلك الاتصاف لو كان ثابتا لكان مشاركا لغيره من الموجودات في الثبوت وممتازا عنها بخصوصية وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز فيكون اتصاف ذلك الاتصاف بالثبوت أمرا زائدا عليه ويلزم التسلسل.

٣٢

إذا ثبت هذا فاعلم أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ تسلم مذهبهم وما ثبت في نفس الأمر وألزمهم المحال ، وتقريره أن الماهيات لو كانت ثابتة في العدم لاستغنت الممكنات في وجودها عن المؤثر فانتفت القدرة أصلا ورأسا والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن القدرة حينئذ لا تأثير لها في الذوات ولا في الوجود على مذهبهم ولا في اتصاف الماهية بالوجود على ما ثبت في نفس الأمر وذلك يستلزم نفي التأثير أصلا وأما بطلان التالي فبالاتفاق والبرهان دل عليه على ما يأتي فلهذا استبعد المصنف ـ رحمه‌الله ـ هذه المقالة مع إثبات القدرة المؤثرة والقول بكون الاتصاف أمرا ذهنيا وأنه منتف في الخارج.

قال : وانحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد.

أقول : هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم وتقريره أن مذهبهم أن كل ماهية نوعية فإنه يثبت من أشخاصها في العدم ما لا يتناهى كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق فألزمهم المصنف المحال وهو القول بعدم انحصار الموجودات لأن تلك الماهيات ثابتة وهي غير محصورة في عدد متناه والثبوت هو الوجود لانتفاء تعقل أمر زائد على الكون في الأعيان فلزمهم القول بوجود ما لا يتناهى من الماهيات وهو عندهم باطل فإن جعلوا الوجود أمرا مغايرا للكون في الأعيان كان نزاعا في عبارة وقولا بإثبات ما لا يعقل مع أنا نكتفي في إبانة محالية قولهم بالثبوت الذي هو الكون في الأعيان وهم يسلمونه لنا والبراهين الدالة على استحالة ما لا يتناهى كما تدل على استحالته في الوجود تدل على استحالته في الثبوت إذ دلالتها إنما هي على انحصار الكائن في الأعيان وقول المصنف ـ رحمه‌الله ـ «وانحصار الموجود» عطف على الانتفاء أي وكيف تتحقق الشيئية بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف ومع انحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد هكذا ينبغي أن يفهم كلامه هاهنا.

قال : ولو اقتضى التمييز الثبوت عينا لزم منه محالات.

أقول : لما أبطل مذهب المثبتين شرع في إبطال حججهم ولهم حجتان رديتان ذكرهما

٣٣

المصنف وأبطلهما (أما الحجة الأولى) فتقريرها أن كل معدوم متميز وكل متميز ثابت فكل معدوم ثابت.

أما المقدمة الأولى فيدل عليها أمور ثلاثة أحدها أن المعدوم معلوم والمعلوم متميز.

الثاني : أن المعدوم مراد فإنا نريد اللذات ونكره الآلام فلا بد وأن يتميز المراد عن المكروه.

الثالث : أن المعدوم مقدور وكل مقدور متميز فإنا نميز بين الحركة يمنة ويسرة وبين الحركة إلى السماء ونحكم بقدرتنا على إحدى الحركتين دون الأخرى فلولا تميز كل واحدة منهما عن الأخرى لاستحال هذا الحكم.

وأما (المقدمة الثانية) فلأن التميز صفة ثابتة للمتميز وثبوت الصفة يستدعي ثبوت الموصوف لأنه فرع عليه.

والجواب : أن التميز لا يستدعي الثبوت عينا وإلا لزم منه محالات أحدها أن المعلوم قد يكون مستحيل الوجود لذاته كشريك الباري تعالى واجتماع الضدين وغيرهما ويتميز أحدهما عن الآخر فلو اقتضى التميز الثبوت العيني لزم ثبوت المستحيلات مع أنهم وافقونا على انتفاء المستحيل.

الثاني : أن المعلوم قد يكون مركبا ووجودا وليس بثابت في العدم اتفاقا.

الثالث : أن المقدورية لو استدعت الثبوت لانتفت إذ لا قدرة على الثابت وكذا المرادية.

قال : والإمكان اعتباري يعرض لما وافقونا على انتفائه.

أقول : هذه الحجة الثانية لهم على ثبوت المعدوم وهو أنهم قالوا إن المعدوم ممكن وإمكانه ليس أمرا عدميا وإلا لم يبق فرق بين نفي الإمكان وبين الإمكان المنفي فيكون أمرا ثبوتيا وليس جوهرا قائما بذاته فلا بد له من محل ثبوتي هو الممكن لاستحالة قيام الصفة بغير موصوفها فيكون الممكن العدمي ثابتا وهو المطلوب.

وأجاب المصنف عنه بأن الإمكان أمر اعتباري ليس شيئا خارجيا وإلا لزم التسلسل

٣٤

وأن يكون الثبوتي حالا في محل عدمي وهو باطل قطعا وأيضا فإن الإمكان يعرض للممكنات العدمية كالمركبات وهم وافقونا على انتفائها خارجا فيبطل قولهم كل ممكن ثابت.

المسألة الثانية عشرة

في نفي الحال

قال : وهو يرادف الثبوت ، والعدم النفي ، فلا واسطة.

أقول : ذهب أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة والقاضي والجويني من الأشاعرة إلى أن هاهنا واسطة بين الموجود والمعدوم وهي ثابتة وسموها الحال وحدوها بأنها صفة لموجود لا توصف بالوجود والعدم فيكون الثابت أعم من الموجود والمعدوم أعم من المنفي.

وهذا المذهب باطل بالضرورة فإن العقل قاض بأنه لا واسطة بين الوجود والعدم ، وأن الثبوت والوجود مترادفان ، وكذا العدم والنفي مترادفان ولا شيء أظهر عند العقل من هذه القضية فلا يجوز الاستدلال عليها.

قال : والوجود لا ترد عليه القسمة والكلي ثابت ذهنا ويجوز قيام العرض بالعرض.

أقول : لما أبطل مذهبهم أشار إلى بطلان ما احتجوا به وهو وجهان الأول قالوا قد تبين أن الوجود زائد على الماهية فإما أن يكون موجودا أو معدوما ، أو لا موجودا ولا معدوما والأولان باطلان أما الأول فلأنه يلزم التسلسل وأما الثاني فلأنه يلزم منه اتصاف الشيء بنقيضه فبقي الثالث.

والجواب : أن الوجود غير قابل لهذه القسمة لاستحالة انقسام الشيء إلى نفسه وإلى غيره فكما لا يقال السواد إما أن يكون سوادا أو بياضا كذلك لا يقال الوجود إما أن يكون موجودا أو لا يكون ولأن المنقسم إلى الشيئين أعم منهما ويستحيل أن يكون الشيء أعم من نفسه.

الوجه الثاني : أن اللونية أمر ثابت مشترك بين السواد والبياض فيكون كل واحد من السواد والبياض ممتازا عن الآخر بأمر زائد على ما به الاشتراك ثم الوجهان إن كانا

٣٥

موجودين لزم قيام العرض بالعرض وإن كانا معدومين لزم أن يكون السواد أمرا عدميا وكذلك البياض وهو باطل بالضرورة فثبتت الواسطة.

والجواب من وجهين الأول أن الكلي ثابت في الذهن فلا ترد عليه هذه القسمة.

الثاني : أن العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي. وأيضا فإن قيام الجنس بالفصل ليس هو قيام عرض بعرض.

قال : ونوقضوا بالحال نفسها.

أقول : اعلم أن نفاة الأحوال قالوا وجدنا ملخص أدلة مثبتي الحال يرجع إلى أن هاهنا حقائق تشترك في بعض ذاتياتها وتختلف في البعض الآخر وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز ثم قالوا وذلك ليس بموجود ولا معدوم فوجب القول بالحال وهذا ينتقض عليهم بالحال نفسها فإن الأحوال عندهم متعددة متكثرة فلها جهتا اشتراك هي مطلق الحالية ، وامتياز هي خصوصيات تلك الأحوال وجهة الاشتراك مغايرة لجهة الامتياز فيلزم أن تكون للحال حال أخرى ويتسلسل.

قال : والعذر بعدم قبول التماثل والاختلاف والتزام التسلسل باطل.

أقول : اعتذر المثبتون عن إلزام النفاة بوجهين : الأول أن الحال لا توصف بالتماثل والاختلاف ، الثاني القول بالتزام التسلسل.

والعذران باطلان أما الأول فلأن كل معقول إذا نسب إلى معقول آخر فإما أن يتحدا في المعقولية ويكون المتصور من أحدهما هو المتصور من الآخر وإنما يتميزان بعوارض لاحقة لهما وهما المثلان ، أو لا يكون كذلك وهما المختلفان فلا يتصور نفيهما.

وأما الثاني فلأنه يبطل الاستدلال بوجود الصانع تعالى وبراهين إبطال التسلسل آتية هاهنا.

أجاب بعض المتأخرين بأن المختلفين إذا اشتركا في أمر ثبوتي لزم ثبوت أمرين بهما

٣٦

يقع الاختلاف والتماثل ، أما إذا اتحدا في أمر سلبي فلا يلزم ذلك والأحوال وإن اشتركت في الحالية كالسوادية والبياضية إلا أن ذلك المشترك أمر سلبي فلا يلزم التسلسل وهو غير مرضي عندهم لأن الأحوال عندهم ثابتة.

المسألة الثالثة عشرة

في التفريع على القول بثبوت المعدوم والأحوال

قال : فبطل ما فرعوا عليهما من تحقق الذوات الغير المتناهية في العدم وانتفاء تأثير المؤثر فيها وتباينها واختلافهم في إثبات صفة الجنس وما يتبعها في الوجود ومغايرة التحيز للجوهرية وإثبات صفة المعدوم بكونه معدوما وإمكان وصفه بالجسمية ووقوع الشك في إثبات الصانع بعد اتصافه بالقدرة والعلم والحياة.

أقول : لما أبطل مذاهب القائلين بثبوت المعدوم والحال أبطل ما فرعوا عليهما وقد ذكر من فروع إثبات الذوات في العدم أحكاما اختلفوا في بعضها.

الأول : اتفقوا على أن تلك الذوات غير متناهية في العدم فلكل نوع عدد غير متناه ، وأن تلك الأعداد متباينة بأشخاصها.

الثاني : أن الفاعل لا تأثير له في جعل الجوهر جوهرا والعرض عرضا وإنما تأثير الفاعل في جعل تلك الذوات موجودة لأن تلك الذوات ثابتة في العدم لم تزل والمؤثر إنما يؤثر على طريقة الإحداث وقد صار إلى هذا الحكم جماعة من الحكماء قالوا لأن كل ما بالفاعل ينتفي بانتفاء الفاعل فلو كان الجوهر جوهرا بالفاعل لانتفى بانتفائه لكن انتفاء الجوهر عن ذاته يستلزم التناقض.

الحكم الثالث : اتفقوا على انتفاء التباين في الذوات بل جعلوا الذوات كلها متساوية في كونها ذواتا وإنما تختلف بصفات عارضة لها.

وهذا المذهب باطل لأن الصفات إن كانت لازمة كان اختلافها دليلا على اختلاف الملزومات وإلا جاز أن ينقلب السواد جوهرا وبالعكس وذلك باطل بالضرورة.

٣٧

الرابع : اختلفوا في صفات الأجناس هل هي ثابتة في العدم أم لا والمراد بصفات الأجناس ما يقع بها الاختلاف والتماثل كصفة الجوهرية في الجوهر والسوادية في السواد إلى غير ذلك من الصفات فذهب ابن عياش إلى عراء تلك الماهيات عن الصفات في العدم وأما الجبائيان وعبد الجبار وابن متويه فإنهم قالوا صفات الجوهر إما أن تكون عائدة إلى الجملة كالحيية وما يشترط بها وإما أن تكون عائدة إلى الأفراد وهي أربعة إحداها : الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم وهي الجوهرية.

والثانية : الوجود وهي الصفة الحاصلة بالفاعل.

والثالثة : التحيز وهي الصفة التابعة للحدوث الصادرة عن صفة الجوهرية بشرط الوجود.

والرابعة : الحصول في الحيز وهي الصفة المعللة بالمعنى وليس له صفة زائدة على هذه الأربع فليس له بكونه أسود أو أبيض صفات. وأما الأعراض فلا صفات لها عائدة إلى الجملة بل لها ثلاث صفات راجعة إلى الأفراد إحداها : الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم وهي صفة الجنس. الثانية : الصفة الصادرة عنها بشرط الوجود. الثالثة : صفة الوجود.

الخامس : ذهب أبو يعقوب الشحام وأبو عبد الله البصري وأبو إسحاق بن عياش إلى أن الجوهرية هي التحيز ثم قال الشحام والبصري إن الذات موصوفة بالتحيز كما توصف بالجوهرية ثم اختلفا فقال الشحام إن الجوهر حال عدمه حاصل في الحيز وقال البصري شرط الحصول في الحيز الوجود فهو حال العدم موصوف بالتحيز لا الحصول في الحيز وزعم ابن عياش أنه حال العدم غير موصوف بأحدهما ولا بغيرهما.

السادس : اتفق المثبتون إلا أبا عبد الله البصري على أن المعدوم لا صفة له بكونه معدوما والبصري أثبت له صفة بذلك.

السابع : اتفقوا إلا أبا الحسين الخياط على أن الذوات المعدومة لا توصف بكونه أجساما وجوزه الخياط.

الثامن : اتفقوا على أن من علم أن للعالم صانعا قادرا حكيما مرسلا للرسل قد يشك

٣٨

في أنه هل هو موجود أم لا ويحتاج في ذلك إلى دليل بناء منهم على جواز اتصاف المعدوم بالصفات المتغايرة والعقلاء كافة منعوا من ذلك وأوجبوا وجود الموصوف بالصفة الموجودة لأن ثبوت الشيء لغيره فرع على ثبوت ذلك الغير في نفسه.

قال : وقسمة الحال إلى المعلل وغيره وتعليل الاختلاف بها وغير ذلك مما لا فائدة بذكره.

أقول : لما ذكر تفاريع القول بثبوت المعدوم شرع في تفاريع القول بثبوت الحال وذكر منها فرعين الأول قسمة الحال إلى المعلل وغيره قالوا ثبوت الحال للشيء إما أن يكون معللا بموجود قائم بذلك الشيء كالعالمية المعللة بالعلم ، أو لا يكون كذلك كسوادية السواد فقسموا الحال إلى المعلل وغيره.

الثاني : اتفقوا على أن الذوات كلها متساوية في الماهية وإنما تختلف بأحوال تنضاف إليها.

واتفق أكثر العقلاء على بطلان هذا لوجوب استواء المتماثلين في اللوازم فيجوز على القديم الانقلاب إلى المحدث وبالعكس ، ولأن التخصيص لا بد له من مرجح وليس ذاتا وإلا تسلسل ، ولا صفة ذات وإلا تسلسل.

المسألة الرابعة عشرة

في الوجود المطلق والخاص

قال : ثم الوجود قد يؤخذ على الإطلاق فيقابله عدم مثله ، وقد يجتمعان لا باعتبار التقابل ويعقلان معا ، وقد يؤخذ مقيدا فيقابله مثله.

أقول : اعلم أن الوجود عبارة عن الكون في الأعيان ثم هذا الكون في الأعيان قد يؤخذ عارضا لماهية ما فيتخصص الوجود حينئذ ، وقد يؤخذ مجردا من غير التفات إلى ماهية خاصة فيكون وجودا مطلقا إذا عرفت هذا فالوجود العام يقابله عدم مطلق غير متخصص

٣٩

بماهية خاصة وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق قد يجتمعان على الصدق فإن المعدوم في الخارج الموجود في الذهن يصدق عليه أنه معدوم مطلقا وأنه موجود مطلقا نعم إذا نظر إلى وحدة الاعتبار امتنع اجتماعهما في الصدق على شيء واحد وإنما يجتمعان إذا أخذا لا باعتبار التقابل ولهذا كان المعدوم مطلقا متصورا للحكم عليه بالمقابلة للموجود المطلق وكل متصور ثابت في الذهن والثابت في الذهن أحد أقسام مطلق الثابت فيكون الثابت المطلق صادقا على المعدوم مطلقا لا باعتبار التقابل وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق أمران معقولان وإن كان قد نازع قوم في أن المعدوم مطلقا متصور.

وأما الوجود الخاص وهو وجود الملكات المتخصص باعتبار تخصصها فإنه يكون مقيدا كوجود الإنسان مثلا المقيد بقيد الإنسان وغيره من الماهيات فإنه يقابله عدم مثله خاص.

المسألة الخامسة عشرة

في أن عدم الملكة يفتقر إلى الموضوع

قال : ويفتقر إلى الموضوع كافتقار ملكته.

أقول : عدم الملكة ليس عدما مطلقا بل له حظ ما من الوجود ويفتقر إلى الموضوع كافتقار الملكة إليه فإنه عبارة عن عدم شيء عن شيء آخر مع إمكان اتصاف الموضوع بذلك الشيء كالعمى فإنه عدم البصر لا مطلقا ولكن عن شيء من شأنه أن يكون بصيرا فهو يفتقر إلى الموضوع الخاص المستعد للملكة كما تفتقر الملكة إليه ولهذا لما امتنع البصر على الحائط لعدم استعداده امتنع العمى عليه.

قال : ويؤخذ الموضوع شخصيا ونوعيا وجنسيا.

أقول : لما فسر عدم الملكة بأنه عدم شيء عن موضوع من شأنه أن يكون له وجب عليه أن يبين الموضوع وقد اختلف الناس في ذلك فذهب قوم إلى أن ذلك الموضوع موضوع

٤٠