كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

باعتبار استعمال العقل لها وهي التي تركب بعض الصور مع بعض كما تركب صورة جذع عليه رأس إنسان ، وتركب بعض المعاني مع بعض وتركب بعض الصور مع بعض المعاني. ويدل على مغايرتها لما تقدم صدور هذا الفعل عنها دون غيرها من القوى لامتناع صدور أكثر من فعل واحد عن قوة واحدة.

قال :

٢٠١

الفصل الخامس

في الأعراض

وتنحصر في تسعة.

أقول : لما فرغ من البحث عن الجواهر انتقل إلى البحث عن الأعراض وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى

في أن الأعراض منحصرة في تسعة

هذا رأي أكثر الأوائل فإنهم قسموا الموجود إلى واجب وممكن والواجب هو الله تعالى لا غير والممكن إما غني عن الموضوع وهو الجوهر أو محتاج إليه وهو العرض (وأقسامه تسعة) : الكم والكيف والأين والوضع والملك والإضافة وأن يفعل وأن ينفعل والمتى والمتكلمون حصروه في أحد وعشرين هي الكون واللون والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والتأليف والاعتماد والحياة والقدرة والاعتقاد والظن والنظر والإرادة والكراهة والشهوة والنفرة والألم واللذة وأثبت بعضهم أعراضا أخر يأتي البحث عنها وهذه الأعراض مندرجة تحت تلك لأن الكون هو الأين أو ما يقاربه وباقي الأعراض التي ذكروها مندرجة تحت الكيف فلأجل هذا بحث المصنف ـ رحمه‌الله ـ عن الأعراض التسعة لدخول هذه تحتها ومع ذلك فالأوائل لم يوجد لهم دليل على حصر الأعراض في التسعة وبعضهم جعل أجناس الممكنات منحصرة في أربعة الجوهر والكم والكيف والنسبة وبالجملة فالحصر لم يقم عليه برهان.

٢٠٢

المسألة الثانية

في قسمة الكم

قال : الأول الكم فمتصله القار جسم وسطح وخط وغيره الزمان ومنفصله العدد.

أقول : الكم إما متصل أو منفصل ونعني بالمتصل ما يوجد فيه جزء مشترك يكون نهاية لأحد القسمين وبداية للآخر كالجسم إذا نصف فإن موضع التنصيف حد مشترك بين النصفين هو نهاية لأحدهما وبداية للآخر والمنفصل ما لا يكون كذلك كالأربعة المنقسمة إلى اثنين واثنين فإنه ليس بينهما حد مشترك وكذا الثلاثة ولا يتوهم أن الوسط نهاية لأحد القسمين وبداية للآخر لأنه إن عد فيهما صارت الثلاثة أربعة وإن أسقط منها صارت اثنين ولا أولوية لأحدهما دون الآخر.

إذا عرفت هذا فنقول المتصل إما قار الذات وهو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالجسم ، أو غير قار الذات وهو الذي لا يكون كذلك كالزمان فإنه لا يمكن أن يكون أحد الزمانين مجامعا للآخر والقار الذات إما أن ينقسم في جهة واحدة وهو الخط ، أو في جهتين وهو السطح أو في ثلاث جهات وهو الجسم التعليمي. وغير قار الذات هو الزمان لا غير. والمنفصل هو العدد خاصة لأن تقومه من الوحدات التي إذا جردت عن معروضاتها كانت أجزاء العدد لا غير.

المسألة الثالثة

في خواصه

قال : ويشملها قبول المساواة وعدمها والقسمة وإمكان وجود العاد.

أقول : ذكر للكم ثلاث خواص : الأولى قبول المساواة وعدمها عدم الملكة فإن أحد الشيئين إنما يساوي غيره أو يفارقه باعتبار مقداره لا باعتبار ذاته فإن كل الجسم وبعضه

٢٠٣

متساويان في الطبيعة ومتفاوتان في المقدار.

الثانية قبول القسمة وذلك لأن الماهية إنما يعرض لها الانقسام والاثنينية بواسطة المقدار وهذا الانقسام قد يعنى به كون الشيء بحيث يوجد فيه شيء غير شيء وهذا المعنى يلحق المقدار لذاته ، والثاني قبول الافتراق وهو من توابع المادة عندهم على ما سلف البحث فيه ومرادهم هنا الأول.

الثالثة إمكان وجود العاد وذلك لأن المنقسم إنما ينقسم إلى آحاد هي أجزاؤه فتلك الآحاد عادة له ولما كان الانقسام قد يكون بالفعل كما في الكم المنفصل وقد يكون بالقوة كما في المتصل كان اللازم لمطلق الكم هو إمكان وجود واحد عاد لا الوجود بالفعل.

قال : وهو ذاتي وعرضي

أقول : الكم منه ما هو بالذات كالأقسام التي عددناها له ، ومنه ما هو بالعرض وهو معروضها كالجسم الطبيعي أو عارضها كالسواد الحال في السطح فإنه متقدر بقدره فكميته عرضية لا ذاتية ، أو ما يجامعه في المحل أو ما يتعلق بما يعرض له كقولنا قوة متناهية أو غير متناهية بسبب تناهي المقوي عليه في العدة أو المدة أو الشدة وعدم تناهيه.

المسألة الرابعة

في أحكامه

قال : ويعرض ثاني القسمين فيهما لأولهما

أقول : قد بينا أن الكم إما متصل وإما منفصل ، وأيضا إما ذاتي أو عرضي والثاني من القسمين في القسمين معا يعرض للأول منهما فإن الجسم التعليمي يعرض له الانقسام فيحصل له التعدد فيصير معدودا قد عرض له النوع الثاني من الكم وهو المنفصل ، وكذا الزمان يقسم إلى الساعات والشهور والأيام والأعوام فيحصل له التعدد ، وأيضا الزمان متصل بذاته ويعرض له التقدير بالمسافة أيضا كما يقال زمان حركة فرسخ فظهر معنى

٢٠٤

قوله ويعرض ثاني القسمين فيهما لأولهما.

قال : وفي حصول المنافي وعدم الشرط دلالة على انتفاء الضدية.

أقول : يريد أن الكم لا تضاد فيه والدليل عليه وجهان : أحدهما أن المنافي للضدية حاصل فلا تكون الضدية موجودة ، بيانه أن أنواع الكم المنفصل يتقوم بعضها ببعض فأحد النوعين إما مقوم لصاحبه أو متقوم به ويستحيل تقوم أحد الضدين بالآخر. وأما المتصل فلأن أحد النوعين إما قابل للآخر كالسطح للخط والجسم للسطح أو مقبول له كالعكس والضد لا يكون قابلا لضده ولا مقبولا له فحصول التقويم والقابلية المنافيان للضدية يقتضي انتفاء الضدية.

الثاني أن الشرط في التضاد مفقود في الكم فلا تضاد فيه. بيانه أن للتضاد شرطين أحدهما اتحاد الموضوع ، الثاني أن يكون بينهما غاية التباعد وهما منتفيان هنا أما عدم اتحاد الموضوع في العدد فلأنه ليس لشيء من العددين موضوع قريب مشترك ، وكذا المتصل فإن الجسم الطبيعي معروض للتعليمي وللسطح بواسطة التعليمي وكذا للخط بواسطة السطح ، وأما عدم كونهما في غاية التباعد فلأنه لا مقدار يوجد إلا ويمكن أن يفرض ما هو أكبر منه أو أصغر فلا غاية في التباعد وكذا العدد.

قال : ويوصف بالزيادة والكثرة ومقابليهما دون الشدة ومقابلها.

أقول : الكم بأنواعه يوصف بأن بعضا منه زائد على بعض آخر فإن الستة أزيد من الثلاثة وكذا الخط الذي طوله عشرة أزيد من الذي طوله خمسة فيصدق عليه وصف الزيادة ومقابلها أعني النقصان لأن الزائد إنما يعقل بالقياس إلى الناقص. وكذا يوصف بالكثرة والقلة ويمتنع اتصافه بالشدة والضعف وبيانه ظاهر فإنه لا يعقل أن خطا أشد من خط آخر في الخطية ، ولا ثلاثة أشد من ثلاثة أخرى في الثلاثية. والفرق بين الكثرة والشدة ظاهر ، وكذا بين الزيادة والشدة فإن الكثرة والزيادة إنما تتحققان بالنسبة إلى أصل موجود لا يتغير فصله بسبب الزيادة ولا حقيقته بخلاف الشدة.

٢٠٥

قال : وأنواع متصله قد تكون تعليمية

أقول : الأنواع الثلاثة للكم المتصل القار الذات قد تؤخذ باعتبار ما فتسمى تعليمية ، وقد تؤخذ باعتبار آخر ، مثلا إذا أخذ المقدار باعتبار ذاته لا من حيث اقترانه بالمواد وأعراضها من الألوان وغيرها كان ذلك مقدارا تعليميا كالسطح التعليمي والخط التعليمي والجسم التعليمي وكذا النقطة وإنما سميت هذه الأنواع تعليمية لأن علم التعاليم إنما يبحث عنها مجردة عن المواد وتوابعها.

قال : وإن كانت تختلف بنوع ما من الاعتبار

أقول : الظاهر من هذا الكلام أن كون الجسم تعليميا يفارق كون السطح والخط كذلك وبيانه أن الجسم يمكن أن يؤخذ لا بشرط غيره ، أو بشرط لا غيره وأما السطح والخط فلا يمكن أخذهما إلا بالاعتبار الأول فلهذا اختلفت الأنواع بنوع ما من الاعتبار.

قال : وتخلف الجوهرية عما يقال في جواب ما هو في كل واحد يعطي عرضيته.

أقول : يريد أن يبين أن هذه الأنواع بأسرها أعراض واستدل بطريقين أحدهما عام في الجميع والثاني مختص بكل واحد واحد أما العام فتقريره أن معنى الجوهرية في حد كل واحد من السطح والخط والجسم التعليمي والزمان والعدد غير داخل في جواب ما هو إذا سئل عن حقيقته فيكون خارجا عن الحقيقة فيكون كل واحد من هذه عرضا.

قال : والتبدل مع بقاء الحقيقة وافتقار التناهي إلى برهان وثبوت الكرة الحقيقية والافتقار إلى عرض والتقوم به ، يعطي عرضية الجسم التعليمي والسطح والخط والزمان والعدد.

أقول : هذا هو الوجه الدال على عرضية كل واحد واحد بخصوصيته أما الجسم التعليمي فإنه عرض لأن الجسم قد يتبدل في كل واحد من أبعاده والحقيقة باقية فإن الشمعة تقبل الأشكال المختلفة مع بقاء حقيقتها فزوال كل واحد من الأبعاد وبقاء

٢٠٦

الجسمية يدل على عرضية الأبعاد أعني الجسم التعليمي.

وأما السطح فإنه عرض لأن ثبوته للجسم إنما هو بواسطة التناهي العارض للجسم لافتقاره إلى برهان يدل عليه مع أن أجزاء الحقيقة لا تثبت بالبرهان وإذا كان التناهي عارضا كان ما يثبت بواسطته أولى بالعرضية.

وأما الخط فإنه عرض لأنه غير واجب الثبوت للجسم وما كان كذلك كان عرضا ، وبيان عدم وجوبه أنه إنما يثبت للسطح بواسطة تناهيه والسطح قد لا يفرض فيه النهاية كما في الكرة الحقيقية الساكنة فإنه لا خط فيها بالفعل.

وأما الزمان فإنه يفتقر إلى الحركة لأنه مقدارها والمقدار مفتقر إلى المتقدر والحركة عرض والمفتقر إلى العرض أولى بالعرضية فالزمان عرض.

وأما العدد فلأنه متقوم بالآحاد على ما تقدم والآحاد عرض فالعدد كذلك.

قال : وليست الأطراف أعداما وإن اتصفت بها مع نوع من الإضافة.

أقول : ذهب جماعة من المتكلمين إلى أن السطح الذي هو طرف الجسم والخط الذي هو طرف السطح والنقطة التي هي طرف الخط أعدام صرفة لا تحقق لها في الخارج وإلا لانقسمت لانقسام محلها ، ولأن الطرف عبارة عن نهاية الشيء التي هي عبارة عن فنائه وعدمه ، ولأن السطحين إذا التقيا عند تلاقي الأجسام إن كان بالأسر لزم التداخل وإلا فالانقسام. وكذا الخط والنقطة.

وهذه الوجوه لا تخلو من دخل أما الأول فإنما يلزم ذلك في الأعراض السارية أما غيرها فلا

وأما الثاني فلأن النهاية ليست عدما محضا ولا فناء صرفا لأن العدم لا يشار إليه والأطراف يشار إليها بل هاهنا أمور ثلاثة.

أحدها السطح وهو مقدار ذو طول وعرض قابل للإشارة موجود.

والثاني فناء الجسم بمعنى انقطاعه في جهة معينة من جهات الامتداد وليس بعدم صرف بل هو عدم أحد أبعاد الجسم وهو ثخنه.

٢٠٧

والثالث إضافة تعرض تارة للسطح فيقال سطح مضاف إلى ذي السطح ، وتارة للفناء فيقال نهاية لجسم ذي نهاية والإضافة عارضة لهما متأخرة عنهما ، وقد يؤخذ السطح عاريا عن هذه الإضافة فيكون موضوعا لعلم الهندسة. وكذا البحث في الخط والنقطة.

وأما الثالث فإن الجسمين إذا التقيا عدم السطحان وصارا جسما واحدا إن اتصلا وإن تماسا فالسطحان باقيان.

قال : والجنس معروض التناهي وعدمه.

أقول : يريد بالجنس الكم من حيث هو هو فإنه جنس لنوعي المتصل والمنفصل وهو الذي يلحقه لذاته التناهي وعدم التناهي عدم الملكة لا العدم المطلق فإن العدم المطلق قد يصدق على الشيء الذي سلب عنه ما باعتباره يصدق أنه متناه كالمجردات. وإنما يلحقان أعني التناهي وعدمه العدم الخاص ما عدا الكم بواسطة الكم فيقال للجسم إنه متناه أو غير متناه باعتبار مقداره ويقال للقوة ذلك باعتبار عدد الآثار وامتداد زمانها وقصره ويقال للبعد والزمان والعدد إنها متناهية أو غير متناهية لا باعتبار لحوق طبيعة بها بل لذاتها.

قال : وهما اعتباريان.

أقول : يريد به أن التناهي وعدمه من الأمور الاعتبارية لا العينية فإنه ليس في الخارج ماهية يقال لها إنها تناه أو عدم تناه بل إنما يعقلان عارضين لغيرهما في الذهن.

قال : الثاني الكيف ويرسم بقيود عدمية تخصه جملتها بالاجتماع.

أقول : لما فرغ من البحث عن الكم شرع في البحث عن الكيف وهو الثاني من الأعراض التسعة وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في رسمه اعلم أن الأجناس العالية لا يمكن تحديدها لبساطتها بل ترسم

٢٠٨

بأمور أعرف منها عند العقل. والرسم إنما يتألف من خواص الشيء وعوارضه ولما كانت العوارض قد تكون عامة وقد تكون خاصة والعام لا يفيد التميز الذي هو أقل مراتب التعريف لم تصلح العوارض العامة للتعريف إلا إذا اختصت بالاجتماع بالماهية المرسومة كما يقال في تعريف الخفاش إنه الطائر الولود ولما لم يوجد لهذا الجنس خاصة تفيد تصوره توصلوا إلى تعريفه بعوارض عدمية كل واحد منها أعم منه لكنها باجتماعها خاصة به فقالوا في تعريفه إنه هيئة قارة لا يتوقف تصورها على تصور غيرها ولا تقتضي القسمة واللاقسمة في محلها اقتضاء أوليا.

فقولنا هيئة يشمل جميع الأعراض التسعة ويخرج عنها الجوهر.

وقولنا قارة يخرج عنه الحركة وما ليس بقار من الأعراض.

وقولنا لا يتوقف تصورها على تصور غيرها يخرج عنه الأعراض النسبية.

وقولنا ولا تقتضي القسمة واللاقسمة في محلها يخرج عنه الكم والوحدة والنقطة.

وقولنا اقتضاء أوليا ليدخل في المحدود العلم بالأشياء التي لا تنقسم فإنه يقتضي اللاقسمة مع أنه من الكيف لأن اقتضاءه لذلك ليس أوليا بل لوحدة المعلوم.

المسألة الثانية

في أقسامه

قال : وأقسامه أربعة.

أقول : الكيف له أنواع أربعة : أحدها الكيفيات المحسوسة كالسواد والحرارة ، الثاني الكيفيات المختصة بذوات الأنفس كالعلوم والإرادات والظنون ، الثالث الكيفيات الاستعدادية كالصلابة واللين ، الرابع الكيفيات المختصة بالكميات كالزوجية والانحناء والاستقامة وغيرها.

٢٠٩

المسألة الثالثة

في البحث عن المحسوسات

قال : فالمحسوسات إما انفعاليات أو انفعالات.

أقول : الكيفيات المحسوسة إن كانت راسخة عسرة الزوال سميت انفعاليات لانفعال الحواس عنها أولا ، وإن كانت غير راسخة بل سريعة الزوال سميت انفعالات وهي وإن لم تكن في أنفسها انفعالات لكنها لقصر مدتها وسرعة زوالها منعت اسم جنسها واقتصر في تسميتها على الانفعالات.

المسألة الرابعة

في مغايرة الكيفيات للأشكال والأمزجة

قال : وهي مغايرة للأشكال لاختلافهما في الحمل.

أقول : ذهب قوم من القدماء إلى أن هذه الكيفيات نفس الأشكال قالوا لأن الأجسام تنتهي في التحليل إلى أجزاء صغار تقبل القسمة الوهمية لا الانفكاكية وتلك الأجزاء مختلفة في الأشكال فالتي تحيط بها أربعة مثلثات تكون مفرقة لاتصال العضو فيحس منها بالحرارة ، والتي تحيط بها ستة مربعات تكون غليظة غير نافذة فيحس منها بالبرد ، والذي يقطع العضو إلى أجزاء صغار ويكون شديد النفوذ هو المحرق الحريف والملاقي لذلك التقطيع هو الحلو ، والذي ينفصل منه شعاع مفرق للبصر هو الأبيض ، والذي ينفصل منه شعاع قابض للبصر هو السواد ويحصل من اختلاطهما باقي أنواع الألوان.

والمحققون أبطلوا هذه المقالة بأن الأشكال والألوان مختلفة في المحمولات فيحمل على أحدهما بالإيجاب ما يحمل على الآخر بالسلب فيلزم تغايرهما بالضرورة. وبيانه أن الأشكال ملموسة وغير متضادة والألوان متضادة غير ملموسة. وأيضا الأشكال مبصرة

٢١٠

والحرارة والبرودة ليستا كذلك.

قال : والمزاج لعمومها.

أقول : ذهب آخرون من الأوائل إلى أن الكيفيات هي الأمزجة وهو خطأ لأن المزاج كيفية متوسطة بين الحار والبارد يحصل من تفاعلهما والحرارة والبرودة من الكيفيات الملموسة فيكون المزاج منها فاللون والطعم مما ليس بملموس يكون مغايرا للمزاج وإن كان تابعا له لكن التابع مغاير للمتبوع.

المسألة الخامسة

في البحث عن الملموسات

قال : فمنها أوائل الملموسات وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والبواقي منتسبة إليها.

أقول : لما كانت الكيفيات الملموسة أظهر عند الطبيعة لعمومها بالنسبة إلى كل حيوان قدم البحث عنها. واعلم أن الكيفيات الملموسة إما فعلية ، أو انفعالية ، أو ما ينسب إليهما ، فالفعلية كيفيتان هما الحرارة والبرودة ، والمنفعلة اثنتان هما الرطوبة واليبوسة ، ونعني بالفعلية ما تفعل الصورة بواسطتها في المادة ، وبالمنفعلة ما تنفعل المادة باعتبارها. وإنما كانت الأوليان فعليتين والأخريان منفعلتين وإن كانت المادة تنفعل باعتبارهما لأن الأوليين تفعلان في الأخريين دون العكس وأما باقي الكيفيات الملموسة كاللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلة والثقل والخفة فإنها تابعة لهذه الأربعة.

قال : فالحرارة جامعة للمتشاكلات ، مفرقة للمختلفات ، والبرودة بالعكس.

أقول : الحرارة من شأنها إحداث الخفة والميل الصاعد ويحصل بسبب ذلك الحركة

٢١١

فإذا وردت الحرارة على المركب وسخنته طلب الألطف الصعود قبل غيره لسرعة انفعاله فاقتضى ذلك تفريق أجزاء المركب المختلفة فإذا صعد الألطف جامع مشاكله فمن هاهنا قيل إنها تقتضي جمع المتشاكلات وتفريق المختلفات ، وأما البرودة فإنها بالعكس من ذلك.

قال : وهما متضادتان.

أقول : الحرارة والبرودة كيفيتان وجوديتان بينهما غاية التباعد فهما متضادان ولم يخالف في هذا الحكم أحد من المحققين وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن البرودة عدم الحرارة عما من شأنه أن يكون حارا فيكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة وهو خطأ لأنا ندرك من الجسم البارد كيفية زائدة على الجسمية المطلقة والعدم غير مدرك فالبرودة صفة وجودية.

قال : وتطلق الحرارة على معان أخر مخالفة للكيفية في الحقيقة.

أقول : لفظة الحرارة تطلق على معان أحدها الكيفية المحسوسة من حرارة النار ، والثاني الحرارة المناسبة للحياة وهي شرط فيها وتسمى الحرارة الغريزية وهي مخالفة لتلك في الحقيقة لأن تلك مضادة للحياة والثانية شرط فيها ، والثالث حرارة الكواكب النيرة وهي مخالفة لما تقدم.

قال : والرطوبة كيفية تقتضي سهولة التشكل ، واليبوسة بالعكس :

أقول : الرطوبة فسرها الشيخ بأنها كيفية تقتضي سهولة التشكل والاتصال والتفرق والجمهور يطلقون الرطوبة على البلة لا غير فالهواء ليس برطب عندهم وعند الشيخ أنه رطب وجعل البلة هي الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم كما أن الانتفاع هو الرطوبة الغريبة النافذة إلى باطنه والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل واليبوسة مقابلة للرطوبة.

٢١٢

قال : وهما مغايرتان للين والصلابة.

أقول : اللين والصلابة من الكيفيات الاستعدادية فاللين كيفية يكون الجسم بها مستعدا للانغمار ، ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينفصل عن موضوعه ولا يمتد كثيرا ولا يتفرق بسهولة وإنما يكون قبوله للغمر من الرطوبة وتماسكه من اليبوسة والصلابة كيفية تقتضي مقابل ذلك.

قال : والثقل كيفية تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إن كان مطلقا ، والخفة بالعكس ، ويقالان بالإضافة باعتبارين.

أقول : لما كان الثقل والخفة من الكيفيات المحسوسة صادرتين عن الحرارة والبرودة بحث عنهما. واعلم أن كل واحد منهما يقال بمعنيين : حقيقي وإضافي ، فالثقل الحقيقي كيفية تقتضي حركة الجسم إلى أسفل بحيث ينطبق مركزه على مركز العالم إذا لم يعقه عائق ، والخفة بالعكس وهي كيفية تقتضي حركة الجسم إلى فوق بحيث يطفو على العناصر وينطبق سطحه على سطح الفلك إن لم يعقه عائق.

وأما الإضافي فإنه يقال بمعنيين في كل واحد منهما فالخفيف بالإضافة يقال بمعنيين : أحدهما الذي في طباعه أن يتحرك في أكثر المسافة الممتدة بين المركز والمحيط حركة إلى المحيط وقد يعرض له أن يتحرك عن المحيط ولا تتضاد هاتان الحركتان ، والثاني الذي إذا قيس إلى النار نفسها كانت النار سابقة له إلى المحيط فهو عند المحيط ثقيل وخفيف بالإضافة.

قال : والميل طبيعي وقسري ونفساني.

أقول : الميل هو الذي يسميه المتكلمون اعتمادا وينقسم بانقسام معلوله أعني الحركة إلى طبيعي كميل الحجر المسكن في الهواء ، والزق في الماء ، وإلى قسري كميل الحجر إلى فوق عند قسره على الصعود ، وإلى نفساني كميل الحيوان إلى الحركة حال اندفاعه الإرادي

٢١٣

قال : وهو العلة القريبة للحركة وباعتباره يصدر عن الثابت متغير.

أقول : الميل هو العلة القريبة للحركة وباعتبار تحققه يصدر عن الثابت شيء متغير وذلك لأن الطبيعة أمر ثابت وكذا القوة القسرية والنفسانية فيستحيل صدور الحركة المتغيرة عنها فلا بد من أمر يشتد ويضعف بسبب مصادمات الموانع الخارجية والداخلية هو الميل يصدر عن الطبيعة ويقتضي الحركة فيحصل باشتداده سرعة الحركة وشدتها وبضعفه ضد ذلك.

قال : ومختلفه متضاد

أقول : يشير إلى عدم إمكان اجتماع ميلين مختلفين وذلك لأن الميل يقتضي الحركة إلى جهة والصرف عن أخرى فلو اجتمع في الجسم ميلان لاقتضى حركته وتوجهه إلى جهتين مختلفتين وذلك غير معقول ، نعم كما يجوز أن يجتمع في جسم واحد حركتان مختلفتان إحداهما بالذات والأخرى بالعرض كذلك يجوز اجتماع ميل ذاتي وعرضي كحجر يحمله إنسان متحرك فإن الثقل موجود فيه وهو ميله الذاتي حال خرق الهواء به وهو ميله العرضي الذي هو للإنسان ذاتي فإذا تجدد على ذي ميل طبيعي ميل قسري تقاوم السببان أعني الطبيعة والقاسر وحدث ميل القاهر منهما فإن كان القاسر غالبا أخذت الطبيعة والموانع الخارجية في إفنائه قليلا ثم تقوى الطبيعة ويأخذ الميل القسري في النقص والطبيعة في الزيادة إلى أن يتعادلا فيبقى الجسم عديم الميل ثم تأخذ الطبيعة في الازدياد على التعادل فتوجد ميلا مشوبا بآثار الضعف ثم يشتد الميل ويزداد الضعف فلا يمكن اجتماع ميلين طبيعي وقسري على حد الصرافة بل يكون الجسم أبدا ذا حال متوسط بين الميل القسري الشديد والطبيعي الشديد.

قال : ولو لا ثبوته لتساوي ذو العائق وعادمه

أقول : هذا إشارة إلى الدليل على وجود الميل الطبيعي في كل جسم قابل للحركة

٢١٤

القسرية وتقريره أن المتحرك إذا كان خاليا عن المعاوقة وقطع بميله القسري مسافة ما فإنه يقطعها في زمان فإذا فرضناه ممنوا بالمعاوقة قطعها في زمان أطول فإذا فرضناه مع معاوقة أقل من الأولى على نسبة الزمانين قطعها في زمان مساو لزمان عديم المعاوقة وذلك محال قطعا لامتناع تساوي زماني عديم المعاوقة وواجدها.

قال : وعند آخرين هو جنس بحسب عدد الجهات ومتماثل ومختلف باعتبارها.

أقول : لما فرغ من البحث عن الميل وأحكامه على رأي الأوائل شرع في البحث عنه على رأي المتكلمين وهو جنس على رأيهم تحته ستة أنواع بحسب عدد الجهات الست ثم قالوا : إن منه ما هو متماثل وهو كل ما اختص بجهة واحدة لأن تساوي المعلول يستلزم تساوي العلة ، ومنه مختلف وهو ما تعددت جهاته ، واختلف أبو علي وأبو هاشم في مختلفه فقال أبو هاشم إنه غير متضاد لاجتماع الميلين في الحجر الصاعد قسرا وفي الحلقة التي يتجاذبها اثنان ، وقال أبو علي إنه متضاد.

قال : ومنه الثقل وآخرون منهم جعلوه مغايرا.

أقول : من أجناس الاعتماد عند أبي هاشم الثقل وهو الاعتماد اللازم الموجب للحركة سفلا ، وقال أبو علي إن الثقل راجع إلى تزايد أجزاء الجسم فجعله مغايرا لجنس الاعتماد وهو خطأ لأن تزايد الأجزاء الحقيقية حاصل في الخفيف ولا ثقل له.

قال : ومنه لازم ومفارق.

أقول : ذهب المتكلمون إلى أن الاعتماد منه ما هو لازم وهو الاعتماد نحو الفوق والسفل ، ومنه ما هو مفارق وهو المختلف وهو المقتضي للحركة إلى إحدى الجهات الأربع وإنما كان مفارقا لعدم وجوب وقوف الجسم في إحداها أو ذهابه عنها بخلاف الجهتين.

٢١٥

قال : ويفتقر إلى محل لا غير

أقول : لما كان الاعتماد عرضا وكان كل عرض مفتقرا إلى محل كان الاعتماد مفتقرا إلى المحل ولما امتنع حلول عرض في محلين كان الاعتماد كذلك فلأجل هذا قال إنه يفتقر إلى محل لا غير. وبعض المتكلمين لما طعن في كلية الحكمين افتقر إلى الاستدلال عليهما هنا واستدلوا على الأول بأن صفة ذاته وجوب مدافعة محله لصفة ذاته فلو انتفى المحل انتفت صفة الذات وذلك يقتضي نفي الذات ، وعلى الثاني بأنه يكون مساويا للتأليف لأن الافتقار إلى أزيد من محل واحد من خواص التأليف والاشتراك في أخص الصفات يستلزم الاشتراك في الذات.

قال : وهو مقدور لنا.

أقول : ذهب المتكلمون إلى أن الاعتماد مقدور لنا لأنه يقع بحسب دواعينا وينتفي بحسب صوارفنا فيكون صادرا عنا.

قال : وتتولد عنه أشياء بعضها لذاته من غير شرط ، وبعضها بشرط ، وبعضها لا لذاته.

أقول : قسم المتكلمون الاعتماد بالنسبة إلى ما يتولد عنه إلى أقسام ثلاثة : أحدها ما يتولد عنه لذاته من غير حاجة إلى شرط وإن كان قد يحتاج إليه أحيانا وهو الأكوان والاعتماد في محله وإن كان يولدهما في غير محله بشرط التماس. وإنما قلنا إنه يتولد عنه الأكوان لأن الجسم يختص بجهة دون أخرى حال حركته فلا بد من مخصص لتلك الجهة وهو الاعتماد. وقلنا إنه يولد الاعتماد لوجود الحركة القسرية شيئا بعد شيء فإن المتحرك يوجد فيه الاعتماد والاعتماد يولد الحركة الأولى والاعتماد معا ثم إذا تحرك ولد الاعتماد حركة أخرى واعتماد آخر.

وثانيها ما يتولد عنه بشرط ولا يصح بدونه وهو الأصوات فإنها تتولد عنه بشرط المصاكة لأن الصدى موجود في غير محل القدرة وما يتعدى محل القدرة لا يولده إلا

٢١٦

الاعتماد وإذا كان ما يتعدى محل القدرة يتولد عن الاعتماد فما يحل محلها أولى

وثالثها ما يتولد عنه لا بنفسه بل بتوسط وهو الألم والتأليف فإن الاعتماد يولد المجاورة والتفريق ، والمجاورة تولد التأليف ، والتفريق يولد الألم.

المسألة السادسة

في البحث عن المبصرات

قال : ومنها أوائل المبصرات وهي اللون والضوء

أقول : من الكيفيات المحسوسة المبصرات وقد نبه بقوله أوائل المبصرات على أن من المبصرات ما يتناوله الحس البصري أولا وبالذات وهو ما ذكره هنا من اللون والضوء ومنها ما يتناوله بواسطة كغيرهما من المرئيات فإن البصر إنما يدركها بواسطة هذين وهذا كما قال في الأول ومنها أوائل الملموسات فإن فيه تنبيها على أن هناك كيفيات تدرك باللمس بواسطة غيرها.

قال : ولكل منهما طرفان.

أقول : لكل واحد من اللون والضوء طرفان ففي اللون السواد والبياض وفي الضوء النور الخارق والظلمة وما عدا هذه فإنها متوسطة بين هذه كالحمرة والخضرة والصفرة والغيرة وغيرها من الألوان وكالظل وشبهه من الأضواء.

قال : وللأول حقيقة.

أقول : ذهب من لا مزيد تحصيل له إلى أن الألوان لا حقيقة لها فإن البياض المتخيل إنما يحصل من مخالطة الهواء للأجسام الشفافة المنقسمة إلى الأجزاء الصغار كما في زبد الماء والثلج ، والسواد المتخيل إنما يتخيل لعدم غور الجسم الضوء. والشيخ اضطرب كلامه في البياض فتارة جعله كيفية حقيقية وأخرى أنه غير حقيقية بل سبب حصوله ما ذكر.

٢١٧

والحق أنه كيفية حقيقية قائمة بالجسم في الخارج لأنه محسوس كما في بياض البيض المسلوق فإنه ليس لنفوذ الهواء فيه لزيادة ثقله بعد الطبخ وبالجملة فالأمور المحسوسة غنية عن البرهان.

قال : وطرفاه السواد والبياض المتضادان.

أقول : طرفا اللون هما السواد والبياض ، وقيدهما بالمتضادين لأن الضدين هما اللذان بينهما غاية التباعد فلأجل ذلك ذكر هذا القيد في الطرفين وهذا تنبيه على أن ما عداهما متوسط بينهما وليس نوعا قائما بانفراده كما ذهب إليه بعض الناس من أن الألوان الحقيقية خمسة السواد والبياض والحمرة والصفرة والخضرة ، ونبه بقوله المتضادان على امتناع اجتماعهما خلافا لبعض الناس حيث ذهب إلى أنهما يجتمعان كما في الغبرة وهو خطأ.

قال : ويتوقف على الثاني في الإدراك لا الوجود.

أقول : ذهب أبو علي ابن سينا إلى أن الضوء شرط وجود اللون فالأجسام الملونة حال الظلمة تعدم عنها ألوانها لأنا لا نراها في الظلمة فإما أن يكون لعدمها وهو المراد ، أو لحصول المانع وهو ما يقال من أن الظلمة كيفية قائمة بالمظلم مانعة من الإبصار وهو باطل وإلا لمنعت من هو بعيد عن النار عن مشاهدة القريب منها ليلا وليس كذلك وهو خطأ جدا لأنا نقول إنما لم تحصل الرؤية لعدم الشرط وهو الضوء لا لانتفاء المرئي في نفسه ، ونبه المصنف على ذلك بقوله ويتوقف أي اللون على الثاني أي الضوء في الإدراك لا الوجود.

قال : وهما متغايران حسا.

أقول : يريد أن اللون والضوء متغايران خلافا لقوم غير محققين ذهبوا إلى أن الضوء هو اللون قالوا إن الظهور المطلق هو الضوء ، والخفاء المطلق هو الظلمة ، والمتوسط بينهما هو الظل ، والحس يدل على المغايرة.

٢١٨

قال : قابلان للشدة والضعف ، المتباينان نوعا.

أقول : كل واحد من هذين أعني اللون والضوء قابل للشدة والضعف وهو ظاهر محسوس فإن البياض في الثلج أشد من البياض في العاج ، وضوء الشمس أشد من ضوء القمر ، إذا عرفت هذا فاعلم أن الشديد في كل نوع يخالف الضعيف منه بالنوع ، وذهب قوم إلى أن سبب الشدة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة بل باختلاط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضد فيحصل الضعف وإن لم يختلط حصلت الشدة وقد بينا خطأهم فيما تقدم.

قال : ولو كان الثاني جسما لحصل ضد المحسوس.

أقول : ذهب من لا تحصيل له إلى أن الضوء جسم وسبب غلطه ما يتوهم من كونه متحركا بحركة المضيء وإنما كان ذلك باطلا لأن الحس يحكم بافتقاره إلى موضوع يقوم به ولا يمكنه تجريده عن محل يقومه فلو كان جسما لحصل ضد هذا الحكم المحسوس وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحل فيه.

ويحتمل أن يكون قوله لحصل ضد المحسوس أن الضوء إذا أشرق على الجسم ظهر وكلما ازداد إشراقا ازداد ظهورا في الحس فلو كان جسما لكان ساترا لما يشرق عليه فكان يحصل ضد المحسوس أعني ضد الإشراق ويكون كلما ازداد إشراقه ازداد ستره لكن الحس يشهد بضد ذلك

أو نقول إن الحس يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء فإن الشمس إذا طلعت على وجه الأرض أشرقت دفعة واحدة ولو كان الضوء جسما افتقر إلى زمان يقطع فيه هذه المسافة الطويلة فكان يحصل ضد السرعة المحسوسة فهذه الاحتمالات كلها صالحة لتفسير قوله لحصل ضد المحسوس.

وأما سبب وهم أولئك من أنه متحرك فهو خطأ لأن الضوء يحدث عند المقابلة لا أنه يتحرك من الجسم المقابل إلى غيره.

٢١٩

قال : بل هو عرض قائم بالمحل معد لحصول مثله في المقابل.

أقول : لما أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحل إذ العرض لا يقوم بنفسه وإذا قام بالمحل حصل منه استعداد للجسم المقابل لمحله لتكيفه بمثل كيفيته كما في الأجسام النيرة الحاصل منها النور في المقابل وقد نبه بذلك على أن المضيء إنما يضيء ما يقابله.

قال : وهو ذاتي وعرضي ، أول وثان.

أقول : الضوء منه ذاتي ومنه عرضي وأيضا منه ما هو أول ومنه ما هو ثان فالذاتي يسمى ضوء بقول مطلق وأما العرضي وهو الحاصل من المضيء لذاته في غيره فإنه يسمى نورا والأول من الضوء ما حصل عن المضيء لذاته والثاني ما حصل عن المقابل له كالأرض قبل طلوع الشمس فإنها مضيئة لمقابلتها الهواء المضيء لمقابلة الشمس.

قال : والظلمة عدم ملكة.

أقول : الظلمة عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا ومثل هذا العدم المقيد بموضوع خاص يسمى عدم ملكة وليست الظلمة كيفية وجودية قائمة بالمظلم كما ذهب إليه من لا تحقيق له لأن المبصر لا يجد فرقا بين حالتيه عند فتح العين في الظلمة وبين تغميضها في عدم الإدراك فلو كانت كيفية وجودية لحصل الفرق. وفي هذا نظر فإنه يدل على انتفاء كونها كيفية وجودية مدركة لا على أنها وجودية مطلقا.

المسألة السابعة

في البحث عن المسموعات

قال : ومنها المسموعات وهي الأصوات الحاصلة من التموج المعلول للقرع والقلع.

أقول : من الكيفيات المحسوسة الأصوات وهي المدركة بالسمع. واعلم أن الصوت

٢٢٠