المخصّص - ج ١

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٧٢

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال أبو الحسن على بن اسمعيل النحوى اللغوى الاندلسى المعروف بابن سيده

الحمدُ للهِ المُمِيتِ ذى العِزَّةِ والمَلَكوتِ مُلْهِمِ الاذهانِ الى الاستدلالِ على قِدَمِه ومُعْلِمِها أنّ وُجودَه لم يَكُ واقعاً بعد عَدَمِه ثُمَّ مُعْجِزِها بعظيمِ قُدْرتهِ على ما مَنَحها من لَطيفِ الفِكْره ودقيقِ النظرِ والعِبْره عن تَحْدِيدِ ذاتهِ وإدراكِ مَحْمولانِه وصِفاتِه نَحْمَدُه على ما ألْهَمَنا اليه وفَطَرَ أنْفُسَنا عليه من الاقرارِ بأُلوهيتهِ والاعترافِ بِرُبُوبِيَّتِه ونسألهُ تَخْليصَ أنفُسِنا حتى يُلحِقَنا بعالَمِهِ الافْضلِ لَدَيْه وبِجِوَارِه الازْلَفِ الَيْه ثم الصلاةُ على عبدِه المُصْطَفَى ورسولهِ المُقْتفَى سِراجِنا النَيّرِ الثاقِب ونبيِّنا الخاتمِ العاقبِ محمد خِيرةِ هذا العالَم وسيدِ جميعِ وَلَدِ آدم والسلامُ عليه وعلى آلهِ الطَّيِّبينَ المُنْتَخَبِين صَلَّى اللهُ عليه وعليهم أجمعين (أما بعد) فانَّ اللهَ عزوجل لما كرّمَ هذا النوعَ المَوْسُومَ بالانْسان وشَرَّفَه بما آتاهُ من فَضيلةِ النُّطقِ على سائرِ أصنافِ الحَيَوان وجعَل له رَسْمًا يُمَيِّزه وفَصْلا يُبَيِّنُه على جميعِ الأنواعِ فَيَحُوزُه أَحْوَجَهُ الى الكَشْفِ عما يتَصَوَّرُ فى النُّفوسِ من المعَانى القائمةِ فيها المُدْرَكةِ بالفِكرِة ففَتَقَ الأَلْسِنةَ بضُرُوبِ من اللفظِ المحسوسِ لِيَكونَ

٢

رَسْمًا لِما تُصُوِّرَ وهَجَسَ من ذلك فى النُّفوس فعَلِمْنا بذلك أنَّ اللُّغَةَ اضْطِرارِيَّةٌ وان كانتْ موضوعاتُ ألفاظِها اخْتِياريةً فانَّ الواضعَ الأوّلَ المُسَمّىِ للَاقَلِّ جُزْأً وللأكثرِ كُلًّا ولِلَّوْنِ الذى يُفَرِّقُ شُعاعَ البَصَرِ فيَبُثُّه ويَنْشُرُه بَياضًا وللذِى يَقْبِضُه فَيَضُمُّه ويَحْصُره سَوادا لو قَلَبَ هذه التسميةَ فسَمَّى الجُزْءَ كُلًّا والكلَّ جزأً والبياضَ سَوادًا والسوادَ بياضًا لم يُخِلَّ بموضُوع ولا أَوْحَشَ أسماعَنا مِنْ مَسْمُوع ونحنُ مع ذلك لا نَجِدُ بُدًّا من تسميةِ جميعِ الاشياء لِتُحْتازَ بأسمائِها ويَنْمازَ بعضُها من بعضٍ باجْراسِها وأَصْدائِها كما تَبايَنَتْ أَوّلَ وَهْلةٍ بطِباعِها وتَخالفتْ قبلَ ذلك بصُوَرِها وأوضاعِها ونِعِمَّا ما سدَّدَتِ الحُكماءُ اليه فى ذلك من دَقيقِ الحِكْمةِ ولَطيفِ النَّظَرِ والصَّنعةِ لما حَرِصُوا عليه مِنَ الايضاح وأَغَذُّوا اليهِ من ايثارِ الابانةِ والافْصاح

فأَمَّا اللفظةُ التى تَدُلُّ على كَمّيَّتَيْنِ مُخْتلِفَتَيْنِ مُنْفَصِلَتين أو مُتَّصِلَتينِ كالبَشَرِ الذى يَقَعُ على العَددِ القليل والكثير والجَلَلِ الذى يَقَعُ على العظيم والصغيرِ واللفظةُ التى تَدُلُّ على كَيْفِيَّتينِ مُتَضادَّتينِ كالنَّهَلِ الواقعِ على العَطَشِ والرِّىِّ واللفظةُ الدالةُ على كيفيات مختلفةٍ كالجَوْنِ الواقِع على السوادِ والبياضِ والحُمْرةِ وكالسُّدْفةِ المَقُولةِ على الظُّلمةِ والنُّورِ وما بينهما من الاختِلاطِ فسآتِى على جميعِها مُسْتَقْصًى فى فصلِ الاضْدادِ من هذا الكتابِ مُثْبِتًا له غَيْرَ جاحِد ومُضطَرًّا الى الاقْرارِ به على كُلِّ نافٍ مُعانِد ومُبَرِّئًا للحُكماءِ المُتواطِئِينَ على اللغةِ أو المُلْهَمِينَ اليها مِنَ التَّفْرِيط ومُنَزِّهًا لهم عن رَأْىِ مَنْ وَسَمَهُم فى ذلك بالذَّهابِ الى الالْباسِ والتَّخْلِيط

وكذلك أقولُ على الاسماء المُترادفةِ التى لا يَتَكَثَّرُ بها نَوْع ولا يَحْدُثُ عن كَثْرتِها طَبْع كقولنا فى الحجارةِ حَجَرٌ وَصفاةٌ ونَقَلةٌ وفى الطويلِ طَوِيلٌ وسَلِبٌ وشَرْحَبٌ وعلى الاسماء المُشْتَركةِ التى تَقَعُ على عِدَّةِ أنواع كالعَيْن المَقُولةِ على حاسَّةِ البصرِ وعلى نَفْسِ الشىءِ وعلى الرَّبِيئَةِ وعلى جَوْهَرِ الذَّهبِ وعلى يَنْبُوعِ الماءِ وعلى المَطرِ الدائمِ وعلى حُرِّ المَتاعِ وعلى حَقِيقةِ القِبْلةِ وغيرِ ذلك من الانواعِ المَقُولةِ عليها هذِه اللفظةُ ومِثْلُ هذا الاسمِ مُشْتَرَكٌ كَثِيرٌ وكُلُّ ذلك سَتَراهُ واضِحًا أَمْرُه مُبَيَّنًا عُذْرُه فى موضِعِه ان شاء الله

وقد اختلفوا فى اللغةِ أَمُتَواطَأٌ عليها أم مُلْهَمٌ اليها وهذا مَوْضِعٌ يَحْتاجُ الى فَضْلِ تَأَمُّلٍ غَيْرَ أنّ أكثَر أهلِ النظرِ على أنّ أصلَ اللغةِ انما هو تَواضُعٌ واصطلاحٌ لا وَحْىٌ ولا تَوْقِيفٌ إلَّا أنّ

٣

أبا علىٍّ الحَسنَ بنَ أحمدَ بنِ عبدِ الغَفَّارِ بِن سُليمانَ الفارسىَّ النحوىَّ قال هى من عند اللهِ واحْتَجَّ بقولِه سبحانه (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وهذا ليس باحْتجاجٍ قاطعٍ وذلك أنه قد يجوزُ أن يكونَ تأويلُه أَقْدَرَ آدمَ على أنْ واضَعَ عليها وهذا المعنى من عندِ اللهِ سبحانه لا مَحالةَ فاذا كان ذلك مُحْتَملاً غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ سَقَطَ الاستدلالُ به وعلى أنه قد فُسِّرَ هذا بأَنْ قِيل ان اللهَ عزوجل علَّم آدمَ أسماءَ جَميعِ المخلوقاتِ بجميعِ اللغاتِ العربية والفارسيةِ والسُّريانيةِ والعِبْرانيَّةِ والرُّوميةِ وغيرِ ذلك من سائِر اللغاتِ فكانَ آدمُ صلى الله عليه ووَلَدُه يتكلمون بها ثم انّ وَلَدَه تَفَرّقُوا فى الدنيا وعَلِقَ كُلُّ واحدٍ منهم بِلُغةٍ من تلك اللغاتِ فَغَلَبَتْ عليه واضْمَحَلَّ عنه ما سِواها لبُعْدِهم بها واذا كانَ الخَبَرُ الصحيحُ قد وَرَدَ بهذا فقد وجبَ تَلَقِّيهِ باعْتِقادِه والانْطِواءِ على القولِ به.

فان قيلَ فاللغةُ فيها أسماءٌ وأفعالٌ وحروفٌ وليس بَجُوزُ أن يكونَ المُعَلَّمُ من ذلك الاسماءَ دُونَ هذينِ النوعينِ الباقِيَيْنِ فكيف خَصَّ الاسماءَ وحدَها قيل اعْتَمدَ ذلك من حَيْثُ كانت الاسماءُ أقوى الانواعِ الثلاثةِ ألَا تَرَى أنه لا بُدَّ لكلِّ كلامٍ مُفِيدٍ من الاسمِ وقد تَسْتَغْنِى الجملةُ المُستقِلَّةُ عن كلِّ واحدٍ من الفعلِ والحرفِ فلما كانت الأسماءُ من القُوّةِ والأَوّلِيَّةِ فى النفسِ والرُّتْبةِ بحيثُ لا خَفاءَ به جاز أن تَكْتَفِىَ بها مما هُوَ تالٍ لها ومَحْمُولٌ فى الاحتياجِ اليه عليها وهذا كقولِ المَخْزُومِىِ

اللهُ يَعْلَمُ ما تَرَكْتُ قِتالَهُمْ

حتَّى عَلَوْا فَرسِى بأَشْقَرَ مُزْبِدِ

أى واذا كان اللهُ يعلمه فلا أُبالى بغَيْرِه أذَكَرْتُه واسْتَشْهَدْتُه أم لم أذْكُرْه ولم أسْتَشْهِدْ به ولا نُريدُ بذلك أنّ هذا أَمْرٌ خفىٌّ فلا يَعْلَمُه الا اللهُ عزَّ وجَلَّ وَحْدَه بل انما نُحِيلُ فيه على أمرٍ واضِحٍ وحال مشهورةٍ حينئذٍ مُتَعالَمةٍ وانما الغَرَضُ فى مثْلِ هذا عُمومُ معرفةِ الناسِ لِفُشُوِّهِ وكَثْرةِ جَريانِهِ على أَلْسِنَتِهم

وأما الذينَ قالوا ان اللغةَ لا تكُونُ وَحْياً فانهم ذَهَبُوا الى أنّ أصلَ اللغةِ لا بُدَّ فيهِ من المُواضَعةِ وذلك أنه كانَ يَجْتَمِعُ حكِيمانِ أو ثلاثةٌ فصاعِداً يُريدُونَ أن يُبَيِّنُوا الاشْياءَ المَعْلُوماتِ فيَضَعُوا لِكلّ واحدٍ منها سِمةً ولَفْظًا اذا ذُكِرَ عُرِفَ به ما مُسَمَّاهُ لِيَمْتازَ به مِن غيرِه ولِيُغْنَى بذكرِه عن إحْضارِه واظهارِه الى مَرْآةِ العَيْنِ فيكونَ ذلك أسهلَ من احْضارِه لبلوغ الغَرضِ فى إبانةِ حالهِ بل قد نَحْتاجُ فى كثيرٍ من الاحوالِ الى ذِكْرِ ما لا يُمْكِنُ احْضارُه ولا إدْناؤُه كالفانِى وحالِ

٤

اجتماعِ الضّدَّينِ على المَحَلِّ الواحدِ فكأنهم جاؤا الى واحدٍ من بَنِى آدمَ فَأَوْمَؤُا اليهِ فقالوا انسانٌ فأىَّ وَقْتٍ سُمِعَ هذا اللفظُ عُلِمَ أَنَّ المرادَ به هذا النوعُ من الجنسِ المخلوقِ

وانْ أرادُوا تسميةَ جُزءٍ منه أشاروا الى ذلك الجُزْءِ فقالوا عينٌ أنفٌ فمٌ ونحو ذلك من أجزائهِ التى تَتَحَلَّلُ جُمْلَتُه اليها وَتَتَرَكَّبُ عنها فَمتَى سُمِعَتِ اللفظةُ من هذه كُلّها عُلِمَ معناها وصارتْ له كالسِّمةِ المُمَيِّزةِ للموسوم والرَّسْمِ المُحْتازِ لما تحتَه من المَرْسومِ وكالْحَدّ المُمَيِّزِ لما تحتهُ من المَحْدُودِ وان كانتْ تلك الابانةُ طَبِيعيَّةً وهذه تَوَاضُعِيَّةٌ غيرُ طَبِيعيَّةٍ ثُمَّ هَلُمَّ جَرَّا فيما سِوَى ذلك من الاسْماءِ والأفعالِ والحروفِ ثم لَكَ من بعدِ ذلك أن تَنْقُلَ هذه المُواضَعةَ الى غيرِها فتقولَ الذى اسْمُهُ انسانٌ فَلْيُجْعَلْ (مرد) والذى اسْمُه رأسٌ أو دِماغٌ فَلْيُجْعَلْ (سر) وكذلك لو بُدِئَتِ اللغةُ الفارسيةُ فَوَقَعتِ المُواضَعةُ عليها جاز أن تُنْقَلَ وتَتَوَلَّدَ منها عِدَّةُ لُغاتِ من الرُّومِيَّةِ أو الزِّنْجِيَّةِ وغيرهما وعلى هذا ما نُشاهِدُ الآنَ مِنَ اخْتراعات الصُّنَّاعِ لآلاتِ صَنائعِهم من الاسماءِ كالنَّجارِ والصائغِ والحائكِ والمَلَّاحِ قالوا ولكن لُا بدَّ لأَوَّلِها أن يكونَ مُتَواضَعُها بالمُشَاهَدةِ والايماءِ قالوا والقديمُ سبحانَه لُا يَجُوزُ أن يُوصَفَ بأن يُواضِعَ أحدًا من عِبادِهِ لانَّ المُواضَعةَ بالاشارةِ والايماءِ وذلك انما يكون بالجارحةِ المحدودةِ كأنهم يَذْهَبُونَ الى أنه لا جارحةَ له

وجميعُ ما ذكرتُه من هذا الفَصْلِ انما هو نَقْلٌ عن هؤلاءِ قالوا ولكنه قد يجوزُ أن يَنْقُلَ اللهُ تعالى اللُّغَةَ التى قَدْ وَقَعَ التَّواضُعُ من عبادِه عليها بأن يقولَ الذى كنتم تُعَبِّرُونَ عنه بكذا عَبِّرُوا عنه بكذا وجَوازُ هذا منه تعالَى كجوازِه من عبادِه وعلى ذلك أيضا اخْتَلَفَتْ أقلامُ ذَوى اللُّغاتِ كما اخْتَلَفتْ أَنْفُسُ الاصواتِ المُترتّبةِ على مذاهبهم فى المُواضَعاتِ واختلفتِ الاشكالُ المرسومةُ على حَدّ اختلاف الاصوات الموضوعةِ

وقد يَتَهَيَّأُ لنا أن نقولَ لمن نَفَى المُواضَعةَ عن القديمِ لعبادِه واحْتَجَّ على ذلك بأنَّ المُواضَعةَ لا بُدَّ فيها من الايماءِ والايماءُ انما هو بالجارحةِ وهو سبحانه عنده على رأيه سبحانه لا جارحةَ لَهُ ما تُنْكِرُ أن يُصِحَّ المُواضَعةَ سبحانه وان لم يكن ذا جارحةٍ بأن يُحْدِثَ فى جسمٍ من الاجسامِ خَشَبةٍ أو غيرِها من الجواهرِ إِقْبالاً على شخصٍ من الاشخاصِ وتَحْرِيكًا لها نَحْوَهُ ويُسْمِعَ فى تَحَرُّكِ ذلكَ الجوهرِ الى ذلك الشخصِ صَوْتًا يَضَعُه اسْمًاله ويُعِيدَ حركةَ ذلك الجوهرِ نحوَ ذلك الشخصِ دَفَعاتٍ مع أنه عَزَّ اسمُه قادِرٌ أن يُقْنِعَ فى تعريفِه ذلك بالمَرَّةِ الواحدةِ فيَقُومَ ذلك الجوهرُ فى ذلك الايماءِ

٥

والاشارةِ مَقامَ جارحةِ ابنِ آدمَ فى الاشارةِ بها للمُواضَعةِ وكما أنّ الانسانَ أيضا قد يَجُوزُ اذا أرادَ المُواضَعةَ أن يُشِيرَ بغيرِ جُزْءٍ من جِسْمِه بل بجوهرٍ آخَرَ كالقَضِيبِ ونحوِه الى المُرادِ الُمتواضَعِ عليه فيُقِيمَه فى ذلك مَقامَ يَدِه وسائِر جَوارحِه المُشارِ بها كالحاجبِ والعينِ لو أرادَ الايماءَ بهما نحوَ الشىءِ وقد عُورِضَ أحدُهم بهذا القول فوقَع عليه التَّبْكِيتُ ولم يُحِرْ جوابًا ولم يَزِدْ على الاعتراف لِخَصْمهِ شيأً وهُوَ على ما تَراه الآنَ لازمٌ لمن قال بامْتِناعِ مُواضَعةِ القَديمِ وقد يَنْبَغِى للمُتَأَمِّل المُنْصفِ والدَّقيقِ النَّظَرِ غيرِ المُتَعَسِّفِ ولا الْبَرِمِ المُتَعَجْرِفِ فيما بعدُ أن لا يَقْتادَ لمُمَوَّهِ البراهينِ وأن لا يَقْنَع بِما دونَ أعْلَى طَبقةٍ من طَبقاتِ اليَقِينِ وأن يَقِفَ بحيثُ وَقَفَ به الادْرَاكُ فوَجَبَ عليهِ عِنْد ذلك الامْساكُ وانْ كانَ قد أَفْضَى به النظرُ الى الشَّكائِكِ الجَدَلِيَّةِ أنه ناقِصٌ عن منزلةِ الحَقِيقةِ لانّ الشكائِكَ الجَدَلِيَّةَ لا يُقْنَعُ بها أو يَجْلُوَ لَيْلَها تَباشِيرُ صُبْحِ البُرهانِ وقد أَدَمْتُ التّنقيرَ والبحثَ مع ذلك عن هذا الموضِع فوجدتُ الدواعَى والخَوالِجَ قَوِيَّةَ التَّجاذُبِ لى مُخْتَلِفةَ جِهاتِ التَّغَوُّلِ على فِكْرِى وذلك لانّا اذا تأمَّلنا حالَ هذه اللغةِ الشريفةِ الكريمةِ اللطيفةِ وَجَدْنا فيها من الحِكْمةِ والدِّقَّة والارْهَافِ والرِّقة ما يَملِكُ علينا جانبَ الفِكْرِ حتى يَطْمَحَ بنا أمامَ غَلْوة السِّحْرِ فمنْه ما نَبَّه عليه الاوائلُ من النحويين وحَذاه على أَمْثِلَتِهم المُتأخرون فعَرَفْنا بتَبَيُّنهِ وانْقِيادِه وبُعْدِ مَرامِيهِ وآمادِه صِحَّةَ ما وُفِّقُوا لتَقْديمهِ منه ولُطْفِ ما أُسْعِدُوا به وفُرِقَ لهمْ عنه وانْضافَ الى ذلك واردُ الأخبارِ المأثُورةِ بانَّها من عندِ اللهِ تَبارك وتعالَى فقَوِىَ فى أنْفُسنا اعتقادُ كونِها تَوْقيفاً من اللهِ تعالى وأنها وحىٌ

فاذ قد بَيَّنا ما اللغةُ أمُتَواطَأٌ عليها أم مُوحىً بها ومُلْهَمٌ اليها فلْنَقُلْ على حَدِّها وهو عامٌّ لجميعِ اللغاتِ لان الحدَّ طبيعىٌّ ثم لنُردِفْ ذلك بالقول على اشتقاقِ الاسمِ الذى سَمَّتْهُ العربُ به وهو خاصٌّ بلسانِها لانّ الأسماءَ تَواطُئِيَّةٌ* أمَّا حَدُّها ونَبْدَأُ به لشَرفِ الحَدِّ على الرَّسْمِ فهو أنها أصواتٌ يُعَبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغْرَاضِهِمْ وهذا حدٌّ دائرٌ على مَحْدُودِه مُحِيطٌ به لَا يَلْحَقُه خَلَلٌ اذْ كُلَّ صَوْتٍ يُعَبَّرُ به عن المعنَى المُتَصَوَّرِ فى النفسِ لغةٌ وكلُّ لُغةٍ فهى صوتٌ يُعَبَّرُ به عن المعنى المُتَصَوَّرِ فى النفسِ وأماوَزْنُها وتَصْرِيفُها وما تَحَلَّلُ اليه من الحُروفِ وتَتَرَكَّبُ عنه فهى فُعْلَةٌ متركبةٌ من ل غ وه

واليها تَنْحَلُّ لانّ التَّحَلُّلَ انما هو الى مِثْلِ ما يَقَعُ عليه التَرَكُّبُ يقال لَغَوْتُ أى تكلمتُ وأصلُها لُغْوةٌ ونظيرها قُلَةٌ وكُرَةٌ وثُبَةٌ كلُّها لامُها واوٌ لقولهم قَلَوْتُ بالقُلَةِ وكَرَوْتُ بالكُرَةِ ولانّ الثُّبةَ

٦

كأَنَّها من مقلوبِ ثابَ يَثُوبُ والجمعُ لُغاتٌ ولُغُونَ ككُراتٍ وكُرِبنَ يجمعونها بالواو والنون اشعارا بالِعوَضِ من المحذوفِ مع الدِّلالةِ على التغيير وربما كَسَرُوا أوائلَ مثلِ هذا وقالوا لَغِىَ يَلْغَى واللَّغْوُ الباطلُ من قوله تعالى (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)

فلما رأيتُ اللغةَ على ما أَرَيْتُكَ من الحاجةِ اليها لمكان التَّعبيرِ عما نَتَصَوَّرُهُ وتَشْتَمِلُ عليه أنْفُسُنا وخَواطِرُنا أَحببتُ أن اجَرِّدَ فيها كتابا يَجْمَعُ ما تَنَشَّرَ من أجزئِها شَعاعاً وتَنَثَّرَ مِنْ أَشْلائِها حتى قاربَ العَدَمَ ضَياعاً ولا سِيَّما هذه اللغةُ المكُرَّمَةُ الرفيعه المُحْكَمةُ البَديعه ذاتُ المعانِى الحَكيمةِ المُرْهَفةِ والالفاظِ اللَّدْنةِ القَوِيمةِ المُتَّفِقةِ مع كونِ بعضِها مادَّةَ كتابِ اللهِ تعالى الذى هو سَيّدُ الكلامِ (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)

وتَأمَّلتُ ما ألَّفَهُ القدماءُ فى هذه اللسانِ المُعْرَبةِ الفصيحه وصَنَّفُوه لتَقْييدِ هذه اللغةِ المُتشَعِّبةِ الفَسِيحه فوَجَدْتُهم قد أَوْرَثُونا بذلك فيها عُلوما نَفِيسةً جَمَّه وافْتَقَرُوا لنا منها قُلُباً خَسِيفةً غَيْرَ ذَمَّه الَّا أنّىِ وَجَدْتُ ذلك نَشَراً غَيْرَ مُلْتَئِم ونَثْراً ليس بمُنْتَظِم اذ كانَ لا كِتابَ نَعْلمُه الَّا وفيهِ من الفائدةِ ما ليس فى صاحبِهِ ثم انِّى لم أَرَ لَهُمْ فيها كتابا مشتملا على جُلّهِا فَضْلاً عن كُلِّها مع أنِّى رأيتُ جميعَ مَنْ مَدَّ الى تأليفِها يداً وأَعْمَلَ فى تَوْطِئَتِها وتَصْنيفِها منهم ذِهْناً وحَلَداً قد حُرِمُوا الارْتيِاضَ بِصناعةِ الاعْراب ولَم يَرْفَعِ الزَمَنُ عنهم ما اسْدِلَ عليهم مِنْ كَثيفِ ذلك الحجاب حتى كأنهم مَوَاتٌ لم يُمَدَّ بحَيوانِيَّه أو حيوانٌ لم يُحَدَّ بانْسانِيه فانا نَجِدُهُم لا يُبَيِّنُونَ ما انْقَلَبَتْ فيهِ الالِفُ عن الياءِ مما انقلبتِ الواوُ فيه عن الياءِ ولا يَحُدُّون المَوْضِعَ الذى انْقِلابُ الالفِ فيه عن الياءِ أَكْثَرُ من انقلابِها عن الواوِ مع عكسِ ذلك ولا يُمَيِزّونَ مما يَخْرُجُ على هَيْئَة المقلوبِ ما هو منه مَقْلُوبٌ وما هُوَ من ذلك لغتانِ وذلك كجَذَبَ وجَبَذَ وَيِئسَ وأَيِسَ ورَأَى ورَاءَ ونَحْوِه مما سَتراه فى موضعِه مُفَصَّلاً مُحَلَّلاً مُحْتَجًّا عليه وكذلك لا يُنَبِّهونَ على ما يَسْمَعُونَه غَيْرَ مهموز مما أصلُه الهمزُ على ما ينبغى أن يُعْتَقَدَ منه تَخْفِيفاً قِياسِيًّا وما يُعْتَقَدُ منه بَدَلَا سمَاعِيًّا ولا يَفْرِقُونَ بين القَلْبِ والابِدْالِ ولا بَيْنَ ما هو جَمْعُ بكسَّرُ عليه الواحدُ وبين ما هو اسمٌ للجَمْعِ وربما استشهدوا على كلمةٍ من اللغةِ بِبيتٍ ليس فيه شئٌ من تلكَ الكلمةِ كقول أبى عُبَيْدٍ النَّبِيثةُ ما أَخْرَجْتَهُ من تُرابِ البئر واستشهاده على ذلك بقولِ صَخْرِ الغَىِ * لِصَخْرِ الْغَىِّ ما ذا تَسْتَبِيثُ* وانَّما النَبِيثةُ كلمةٌ صحيحةٌ مُؤتَلِفَةٌ من ن ب ث وتَسْتَبِيثُ كلمةٌ معتلَّةٌ مؤتِلفةٌ من ب وث أو ب ى ث يقال بُثْتُ الشئَ بَوثْاً وبِثْتُهُ وأَبَثْتُه اذا

٧

اسْتَخْرَجْتَه الى غيرِ ذلك من قوانينِ التصريفِ التى جَفتْ أذهانُهم عن رِقَّتِها وغَلُظَتْ أفْهامُهم عن لُطْفِها ودِقَّتِها

فاشْرَأَبَّتْ نَفْسِى عند ذلك الى أَنْ أجْمَع كتاباً مُشْتَمِلاً على جميع ما سَقَطَ الَىَّ من اللغةِ الَّا ما لا بالَ بهِ وأَنْ أَضَعَ على كُلِّ كلمةٍ قابلةٍ للنظرِ تَعْليلَها وأُحْكِمَ فى ذلك تَفْرِيعَها وتأصِيلَها وان لم تكنِ الكلمةُ قابلةَ لذلك وَضَعْتُها على ما وَضَعُوه وتَرَكْتُها على ما وَدَعُوه تَحْبِيراً أُقَيِّنُه وأُرْهِفُه وتَعْبِيراً أُتْقِنُه وأُزَخْرِفُه ثم لم تَزلِ الايامُ بى عن هذا الامَلِ قاطِعه ولى دُونَهُ زابِنةً مُدافِعَه وذلك بما يَسْتَغْرِقُ زَمنِى من جَواهِدِ الاشْغال ويَاْطُرُ مَتْنَ قُوَّتِى من لَواهِدِ الاعْباءِ والاثْقال مع ما كنتُ الاحِظُه من مَوْتِ الهِمَم وقِلَّةِ المُغْلِينَ ثَمَناً بنَفائِسِ الحِكَم وتَوَلّىِ دَوْلة إعمالِ اللفظِ والقَلَمِ فى طاعةِ اللهِ وسبيلِ المَجْد والنَّفْعِ بالمالِ والجاهِ لاقتناءِ المَجْد واجْتِلَابِ الحمد حتى نَفَذَ ما لَوىَ من عِنانِى الَيْه وعَوَى من لسانِى وجَنانِى عَلَيْه وهُو المُتَقَبَّلُ المُطَاع والُمتَقَيَّلُ غيرُ المُضَاع أَمْرُ المُوَفَّقِ مولانا الملكِ الاعْظَم والهُمَامِ الاكْرم تاجِ المَآثِر وسِراجِ المعارفِ مُحْيىِ مَيْتِ الفَضْل ومُقِيمِ مُنْآدِ السِّياسة بِالعَدْل مُعِيدِ دَوائرِ الكرَمِ بايراقِها بَعْدَ ذَيّهِا ومُطْلِع نُجومِ الفَهْمِ باقامةِ الهِمَمِ على حِينِ إخْفاقِها فالآفاقُ بِثَنائِهِ عَبِقَهْ والالْسِنةُ بصِفَةِ عَلائهِ عَلِقَه والبِلادُ بميْسورِ نِعَمهِ وآلائِهِ لَثِقَه قد مَلَأَ الخافِقَيْنِ ذِكْرُه أَرَجا وعَمَّ قُلوبَ الثَّقَلَيْنِ حُبُّه لَهَجَا أفئدتُهم بِودِادِه مَعْقُوده وأَيْدِيهم فيه الى اللهِ تعالى بالقبولِ ممْدُودَهْ وحُقَّ له ذلك مِنْهُمْ بما أوْسَعَ العِبادَ مِن فَضْلهِ وأفاضَ على البلادِ من حُسْنِ سِيرتهِ وعَدْلِه فالكُلُّ مُسْتَقِرٌّ فى وارِفِ ظِلِاله ومُسْتَمرٌّ مُسْتَدِرٌّ لِأَهالِيلِ واكِفِ سِجَالهِ أَوْطأَهُمْ من التُّرابِ ما كانَ أَقَضّ وأساغَهم من الشَّرابِ ما كانَ أَغَصَّ وأجْرَضْ فعَادَ الَّلبَبُ رَخِيَّا ولانَ لَهُمْ مِنْ أَخادِعِ الزَّمنِ ما كانَ أَبِيًّا حِينَ ألْحفَهُم ظِلَالَ كَرمِهِ الْوافِيه وأَسْبَغَ عليهم أذيالَ نِعَمهِ الضَّافِيه

أطالَ اللهُ مُدَّةَ بقائِه وَحَفِظَ عليهم دَوْلَةَ عِزِّه وعَلَائِه وحَمَى حَوْزةَ الاسلامِ بسَلامةِ ذاتِه وحِفْظِ حَياتِه وتَبْكِيتِ عُداتِه وإمضاءِ شَباتِه وجَعَلَ المُناوِينَ له مِنْ حُسَّادِه ومُعانِديهِ وأضدادِه حَصائدَ قَلَمِهِ وحُسامِه وأَغْراضَ أَسِنَّتِه وسِهامِه وأدامَ ثَباتَ الدَّوْلةِ السَّعِيدةِ والمِلَّةِ الحَميدةِ ببقاءِ أيامِه

وكانَ الذى دَعاهُ أَنْمَى اللهُ سَعْدَه وأعْلَى جَدَّه وأَعَزَّ نَصْرَه وأحْيا فى الصالحاتِ ذِكْرَه

٨

الى الامْرِ بِجَمْعِ هذا الكتابِ أنه لما نَظَرَ الحُكماءِ وتَعَقَّبَ تَعَقُّبَ العُلَماءِ رَأَى العِلْمَ أعْلَى طبقاتِ الفَضائلِ النَّفْسانيَّه وقَبُولَ تَعَلُّمِهِ جُزْأً من أجزاءِ حَدِّ الانْسانيَّه ووَجَدَهُ أَنْفَسَ عِلْقٍ نُوفِسَ فيه فَنَبَثَ عن ذَخائِره ونَهِمَ على مَحاسِنه فهذا ما نَتَج له لُطْفُ حِسِّه وشَرَفُ نَفْسِه وصَفاءُ جَوْهَرِ طَبْعِه واعْتِدالُ كَيْفيةِ وَضْعِه ثم قَرَنَ الى ما أَبْدَتْ اليه النَّفْسُ اعْتِبارَ ما رُوِىَ له من حديثِ الرسولِ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونُمِىَ اليهِ من آحادِ عُلَماءِ أصحابِه رضى الله عنهم كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ العلْمَ يَشْفَعُ لِصاحِبِه يوم القيامة وقولِ علىٍّ رضى الله عنه قِيمةُ كُلِّ امْرِئٍ ما يُحْسِنُ فلما ثَلَجَتْ نَفْسُه بتَيَقُّنِ ذلك وشَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لقَبولهِ لم تَزَلِ العنايةُ بالعِلْم قَصْدَه ومُجالَسَةُ المَهَرة مِنْ حَمَلتِه وَكُدَه حتَّى فاق كلَّ بارعٍ فُلَقَه وناطقٍ قُولَه فأخْرجَ العِلْمَ من الفساد الى الكون ومن العدم الى الوجود كما فعل ذلك فى غيره من أجزاء الفضائل التى أعْلَقَتْ به القلوبَ وأصْبَتْ اليه النفوسَ كالكرم والعدل والعفو والتجاوز وحسن السياسة والرِّفْق والرَّحْمة وإيساع الصَّفْح وبَثِّ الفَضْل والاعراض عن الجهل ثم إنه أيَّده اللهُ لَمَّا تَصَفَّحَ هذا اللسانَ العربىَّ رأى العلم به مُعِيناً على جميع العلوم عامَّة وعلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه خاصَّة فأراد حَصْرَ ما حَكَتْ منه ثِقاتُ الأئمةِ عن فُصَحاء العرب وتأمَّلَ ما صَنَّفَتْه فى ذلك أعيانُ رُواتِهم ومشاهيرُ ثِقاتِهم فَجَلَتْ له دِقَّةُ نظِره عن مثلِ ما جَلَتْ لى مِنْ إغفالهم لِما ذَكرتُ وهو أنهم لم يَضَعُوا فى ذلك كتابا جامعا ولا أبانوا موضوعاتِ الاشياء بحقائقها ولا تَحَرَّزُوا من سُوءِ العبارة وإبانةِ الشئ بنفسه وتفسيرهِ بما هو أغربُ منه فهامت به هِمَّتُه الى تجميع ذلك وقَرَعَ له ظُنْبُوبَ فِكْرِه فما ضاق بذلك ذِراعا ولا نَبَا عنه طِباعا لكنه تأمَّلَ فوَجَدَ غيرَ واحدٍ من مُقَلَّدِى فَضْلهِ ومُطَوَّقىِ طَوْلِه مُبْزِياً بذلك مُقِيتاً عليه وكُلًّا عَجَمَ فوَجَدنى أعْتَقَ تِلك القِدَاحِ جَوْهرا وأشرفَها عُنْصُرا وأَصْلَبَها مَكْسِرا وأوْفَرَها قِسْما وأعلاها عند الاجالةِ اسما فأَهَّلَنِى لذلك واسْتَعْمَلنى فيه وأَمَرنى باللزومِ له والمُثافَنَةِ عليه بعد أن هَدَانى سَواءَ السبيلِ الى عِلْمِ كيفيةِ التأليف وأرانى كيف تُوضَعُ قوانينُ التصريف وعَرَّفَنِى كيف التَّخَلُّصُ الى اليقين عند تَخَالُجِ الأمرِ لِمَا يَعْتَرِضُ من الظنون من تَعَاضُدٍ وتَعَانُدٍ وعَقَدَ عَلَىَّ فى ذلك إيجازَ القولِ وتسهيلَه وتقريبَه من الأفهام بغاية ما يُمْكِن فَدَعا مِنِّى الى كلِّ ذلك سميعاً وأمَرَ به مُطِيعا وحُقَّ لِمَنْ تَسَرْبَلَ مِنْ نعمتِه ما تَسَرْبَلْت واشْتَملَ منها بما اشتملْت أن

٩

يَبْذُلَ الوُسْعَ فى الطاعه ويتكلَّف فى ذلك أقْصَى الطَّاقه ... (١)

وأنا واصفٌ لفضائل هذا الكتاب ومُعَدِّد لمحاسنه ومُنَبِّهٌ على ما أَوْدَعْتُه من جسيم الفائدة ومُبَيِّنٌ ما بان به من سائر كُتُب اللغة حتى صار له كالفَصْل الذى تتباين به الأنواع مِنْ تحتِ الجنس وذاكرٌ ما راعيتُ فيه من ركوب أساليب التحرّى وحفظِ نظام الصدق وإينار الحق ومُبَيِّنٌ قبلَ ذلك لِمَ وضعتُه على عير التجنيس بأنى لَمَّا وضعتُ كتابى الموسومَ بالمُحْكَمِ مُجَنَّسا لِادُلَّ الباحث على مَظِنَّة الكلمة المطلوبة أردتُ أن أَعْدِلَ به كتابا أضَعُهُ مُبَوَّباً حين رأيتُ ذلك أجْدَى على الفصيح المِدْرَه والبليغِ المُفَوَّه والخَطيبِ المِصْقَع والشاعرِ المُجيدِ المِدْقَع فانه اذا كانت للمسمى أسماءٌ كثيرة وللموصوف أوصاف عديدة تَنَقَّى الخطيبُ والشاعرُ منها ما شاءا واتَّسَعا فيما يحتاجان اليه من سَجْع أو قافية على مثال ما نجده نحن فى الجواهر المحسوسة كالبساتين تَجْمَعُ أنواع الرياحين فاذا دَخَلَها الانسانُ أهْوَتْ يدُه الى ما اسْتَحْسَنَتْه حاسَّتا نَظَرِه وشَمِّه

فأمّا فضائلُ هذا الكتاب مِنْ قِبَلِ كيفيةِ وَضْعِه فمنها تقديمُ الأعم فالأعم على الأخص فالأخص والاتيانُ بالكُلّيِات قبل الجزئيات والابتداءُ بالجواهر والتَّقْفيَةُ بالأعراض على ما يَسْتَحِقُّه من التقديم والتأخير وتقديمُنا كَمْ على كَيْف وشِدَّةُ المُحَافظة على التقييد والتحليل مثال ذلك ما وَصَفْتُه فى صَدْر هذا الكتاب حين شَرَعْتُ فى القول على خَلْقِ الانسان فبدأتُ بتَنَقُّلِه وتكوّنه شيأفشيأ ثم أردفتُ بكُلّيِة جَوْهره ثم بطوائفه وهى الجواهر التى تَأْتَلفُ منها كليتُه ثم ما يَلْحَقُه من العِظَمِ والصِّغَر ثم الكيفياتِ كالألوان الى ما يَتْبَعُها من الأعراض والخصالِ الحميدة والذميمة

على المصنفين فى اللغة قبلى لأنهم اذا أعْوَزَتْهم الترجمةُ لاذُوا بأن يقولوا باب نوادر وربما أدخلوا الشئ تحت ترجمة لاتُشاكِلُه وأبدلوا الحرف بحرف لا يُؤَاهِلُه وكتابُنا مِنْ كلِّ ذلك بِحَيْثُ الشَّمْسُ مِنَ العَيْب والنَّجْمُ مِنَ الهَرَمِ والشَّيْب ومن طَرِيفِ ما أوْدَعْتُه إياه بغاية الاستقصاء ونهاية الاستقراء وإجادة التعبير والتأنُّق فى محاسن التحبير والممدود (٢) والمقصور والتأنيث والتذكير وما يجىء من الاسماء والافعال على بناءين وثلاثة فصاعِداً وما يبدل من حروف الجر بعضها مكان بعض وما يصل من

ومن ذلك اضافة الجامد الى الجامد والمنصرف الى المنصرف والمشتق الى المشتق والمرتجل

__________________

(١) هنا بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة كما ترى

(٢) قوله (والممدود) هكذا في الأصل الذي بيدنا ولم يتقدم ما يصلح لعطف الممدود عليه فلعل في الكلام سقطا أو الواو من زيادة الناسخ فليرجع إلى الأصل الصحيح كتبه مصححه

١٠

الى المرتجل والمستعمل الى المستعمل والغريب الى الغريب والنادر الى النادر .... (١) ومن ذلك أن تكون اللفظة منقولة عن معنيين مختلفين فصاعدا فاذا قِيلَتْ على معنىً متقدّم نُبِّه على أن لها معنى باقيا يُؤْتَى به فيما يُسْتَقْبَل أو معنيين أو معانِىَ واذا قيلت على معنى متأخر عن ذلك المعنى نُبِّه على أن لها معنى آخر قد تقدّم أو معنيين أو معانى ..... (٢)

الانسان قد تَعْجِز طبيعتُه عن ادراك ما لا تَعْجِز

فى صحة الوضع وقوّة الطبع ولذلك ما رأينا المتأخرين

يَتَتَبَّعونَ أوضاعَ المتقدمين منهم ولا يُعْدِمُهُم

التصفح مكانا يبين لهم خلله فى بادئ الرأى

لما يَجْرُون اليه من الانصاف ويَحِيدُون عنه من

فيعاندون اناءهم بينهم وبين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم حتى اذا وَضَحَ لهم صِدْقُ ما بدى اليهم لِمَا أعملوه من الطاف التَّطَلُّب وبَذَلُوه من الوُسْعِ فى ضُروبِ التَّعَقُّب فارتَفَعَتِ الظُّنون وقَتَلَ الشكَّ اليقينُ ...

... من الواو الا على المعا ... لا لعلة غيرها ... (٣) ومن غريب ذلك اذا جئتُ باسم الفاعل على غير الفعل عَقَدتُه بالواو أوجئتُ به على الفعل عَقَدتُه بأو ... لأن ... مُؤْذِنة بأنَّ ما قبل ... (٤) والواو ليست بسبب الا أنى أجِىء باسم الفاعل اذا كان على الفعل لأن صيغة الفعل دليلةٌ على صيغة اسم الفاعل الذى بُنِى على الفعل وهذا مما لم يتَقَدَّمْنى اليه لُغَوِىٌّ ولا أشار الى الاشعار به نَحْوِىٌّ وإنما هو من مَقَاطِعِ القُدَماء المُتَفَلْسِفَةِ الحُكَماء وذلك مَقْطَعٌ اذا تَأَمَّلْتَهُ ظريف ومَنْزَعٌ اذا اهْتَبَلْتَ به لطيف وربما كان ... (٥) أبى حنيفة (٦) فى الأنواء والنبات وككتاب يعقوب فى النبات ...

وفى الآباء والأمهات والابناء والفروق والأصوات وككتب أبى حاتم فى الأزمنة وفى الحشرات وفى الطير وككتب الاصمعى فى السلاح وفى الابل وفى الخيل وككتاب أبى زيد فى الغرائز والجرائم ونحو ذلك من الكتب المؤلفة فى الالفاظ المفردة وكتابُنا هذا مُغْتَرِفٌ جميعَ هذه

__________________

(١) هنا بياض بالأصل

(٢) هنا بياض بالأصل

(٣) هنا بياض بالأصل

(٤) هنا بياض بالأصل

(٥) هنا بياض بالأصل

(٦) الكتب التى أخذ عنها

١١

الفنون كُلُّ فَنٍّ منها فيه مُسْتَوْعَبٌ تام مُحْتَوٍ لما انْتَهَى إلينا من الالفاظ المقولة عليه عام وكذلك أيضا أفردوا كتبا فى القوانين المركبة من هذه الالفاظ فلَحِقَهُمْ من التقصير والْاغفالِ ...

وحاش لله ..... (١) موجودة فى طباع جميع البشر من غابر وآت وحاضر وما الذى يَفْصِلُ بين المتقدّمِ والمتأخرِ من جنس أو صورة وانما نحن كُلُّنا أشخاصٌ يَجْمَعُنا نوعٌ واحدٌ لم يُؤْتَ فى إدراك الامور كبيرَ قوّة ولا جَسِيمَ مُنَّة فهو يخطئ أحيانا ويصيب أحيانا وإخطاؤه أكثرُ من إصابته وظَنُّه أغلبُ مِنْ يَقِينِه وعِلْمُهُ أنْقَصُ من جَهْلهِ ونسأل اللهَ إعاذتَنا من العُجْبِ بِما نُحْسِنه كما نسأله الاعاذةَ لنا من الادِّعاء لما لا نُحْسِن وبجميعِ هذا الذى ذَكَرْتُ لك انْفَصلَ هذا الكتابُ من جميع كتب اللغة وذلك أنك لا تَجِدُ من كتبهم القديمةِ ولا الحديثةِ كتابا رَكِبَ به أحدٌ هذه الأساليبَ من الترتيب والتهذيب فى التحليل والتركيب وإنما أنْبَأْتُ بِحُسْنهِ مِنْ قِبَلِ وَضْعِه لأنه بابٌ من العلم عظيم ونوع منه جسيم فينبغى أن يُعْنَى به ويُرْتاض فإِنَّ المهارةَ به والوقوفَ عليه كثيرُ الغَنَاءِ فى العلم بالتأليف كما أن إغفالَه والجهلَ به عظيمُ المَضَرَّة فى ذلك ولعلك أيُّها الباحثُ المُتَفَهِّم والناظرُ المتقدّم من جَهَابذة الالفاظ .....

..... (٢) قَبْلَ تأمُّلِكَ ونَظَرِك فَقَوْلُك مُطَّرَحٌ وان كان ذلك بعد ذلك فَقُصارَانَا أن .... الى حَكَمٍ إن قال فَصَل وإن فَصَلَ عَدَل وإلى الله نَبْتَهِلُ أن يُعْفِيَنا من داء الحَسَدِ وما يَحْدُثُ عنه من أليم الكَمَد وإياه نسألُ أن لا يُشْعِرَنا نِقَمَه ولا يُبْطِرَنا نِعَمَه التى يَزِيدُ منها كُلَّ من شَكَر ويُغَيِّرُها على من كَفَر لا شريك له فأمَّا ما نَثَرْتُ عليه من الكُتُب فالمُصَنَّف وغَرِيبُ الحديث لابى عبيد وغيره وجميعُ كُتُب يعقوب كالاصلاح والالفاظ والفرق والاصوات والزِّبْرِج والمَكْنِى والمَبْنِى والمدّ والقصر ومعانى الشعر وكتابا ثعلب الفصيحُ والنوادر وكتابا أبى حنيفة فى الأنواء والنبات وغيرُ ذلك من كُتب الفرّاء والاصْمَعى وأبى زيد وأبى حاتم والمُبَرِّد وكُراع والنَّضر وابن الأعرابى واللِّحيانى وابن قتيية وما سقط الىّ من ذلك وأما من الكتب المُجنَّسة فالْجَمهَرة والعَيْنُ وهذا الكتابُ الموسوم بالبارع صنعة أبى على اسمعيل بن القاسم القالى اللغوى الوارد على

__________________

(١) هنا بياض بالأصل

(٢) هنا بياض بالأصل

١٢

بنى أميةَ باندَلُس ... وأضفتُ الى ذلك كتاب أبى بكر محمد بن القاسم الأنبارى الموسوم بالزاهر .... وحَلَّيتُه بما اشتمل عليه كتابُ سيبويه من اللغة المُعلَّلة الممثَّلة ....

... والنظر ... مما لم يرد به شئ من كتبهم ... اللغة وأضفت الى ذلك ما تَضَمَّنه من هذا الضرب كلُّ كتاب سَقَط الينا من كتب أبى على الفارسى النحوى كالايضاح والحجة والاغفال ومسائله المنسوبة الى ما حله من ... (١) كالحَلَبِيَّات والقصريات والبغداديات والشيرازيات وغيرها من المنسوبات وككتاب أبى سعيد السيرافى فى شرح الكتاب وكتب أبى الفتح عثمان بن جنى ما سقط الىّ منها وهى التمام والمُعرب والخصائص وسر الصناعة والمتعاقب وشرح شعر المتنبى وتفسير شعر الحماسة وككتب أبى الحسن على ابن اسمعيل الرمانى وهى الجامع فى تفسير القرآن والمبسوط فى كتاب سيبويه وشرح مُوجَز أبى بكر محمد بن السَّرِىّ مع أنى أودعته ما لم أُسْبَق اليه ولا غُلِب قِدْحى عليه من تعاريف المنطق وردّ الفروع الى الاصول وحمل الثوانى على الاوائل وكيفية اعتقاب الالفاظ الكثيرة على المعنى الواحد وقَصدتُ من الاشتقاق أقربَه الى الكلمة المشتقة وألْيَقَه بها وأدَلَّه عليها بقول بليغ شاف وشرح مُقْنِع كاف وقد وجدت فى ذلك اختلافا كثيرا فامَّا اقتصرتُ على أَصَحِّه عندى وإما ذكرت اختلافهم وأحضرتُ جميعَ ذلك من الشواهد ما لحقه فكرى واعلم أنه ... غاب عنى كثير منه فانه كثر على ... ليس مما تحيط به الأسوار أو تحصره القوانين فأدّعى ... بل لو كان من هذا ... لَمَا ادّعيتُ الاحاطة أيضا إذ ذاك ممتنع الا على الله عزوجل الذى (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) لكنى أَعْمَلْتُ فى ذلك الاجتهاد وسَلَوْتُ عن الراحة وأَلِفْتُ التعب فان كنتُ أصَبْتُ فذلك ما إليه قَصَدت وإيَّاه اعْتَمَدت وان تَكُنِ الأُخْرَى فقد قيل إن الذنب عن المُخْطِئ بعد التحرِّى موضوع ومن الانصاف الذى هو مُنْتَهَى كل ... ئله ومُقْتَنَى كلِّ هِمَّةٍ طائلة ان اعلم أنه ربما وقعت فى أثناء كتابى هذا كلمة متغيرة عن وضعها فان كان ذلك فانما هو موقوف على الْحَمَلة ومصروف الى النَّقَلة لأنى وان أَمْلَيْتُه بلسانى فما خَطَّتْهُ بَنانى وان أوْضَعْتُ فى مَجارِيه فِكْرى فما أَرْتَعْتُ فيه بَصَرى مع أنى لا أَتَبرَّأُ أن يكون ذلك من قِبَلى وأن يكون مَوْضِعاً قد أَلْوَى فيه بِثَباتى زَلَلى فان ذَوَاتِ الألْفاظ لا تؤخذ بالقياس ولا يُسْتَدَلُّ عليها بالعَقْلِ والاحساس انما هى نَغَمٌ تُقَيَّد وكَلِمٌ تُسْمَع فَتُقَلَّد هؤلاءِ أهلُ اللغة حَمَلَتُها وحُمَاتُها ونَقَلتُها

__________________

(١) بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة كما ترى

١٣

ورُواتها مُشافِهُو الفُصَحاء ومُفاوِهُو الصُّرَحاء المُغَبِّرون الى ... (١) أقدامَهُم المُكَسِّرون على ضبطها أقلامَهم ... الأصْمَعى والمُفَضَّل وأبى عبيدة والشَّيْبانى قد غَلِطوا بأشياء تَسَكَّعوا منها فى عَمْياء هذا ولا يَعْرِفون عِلْما سواها ولا يتحملون من العلوم شيأ ما خَلَاها فكيف بى مع تَأَخُّر أوانى وبُعْدِ مكانى ومصاحبتى للعجم وكونى من بلادى فى مثل الرَّجَم ... روض الهمم قافلا (٢) وأرْنُو إلى نجم الأدَب آفلا وأنشد

فَأَصْبَحْت مِنْ لَيْلَى الغَداةَ كناظرٍ

معَ الصُّبحِ فى أعقابِ نَجْمٍ مُغَرِّب

ما اقتصرتُ على اللغة وَحْدَها ولا قَصَدْتُ بنفسى جَمْعاءَ قَصْدَها انما هو جُزْءٌ مما أَحْكَمْت وذَرْءٌ مما فيه تَقَدَّمْت واذا أردتَ عِلْمَ ذلك من كتابى ... ضَمَّنْتُه ما يدلُّ على تقدّمى فى جميع أبواب الآداب كالنحو والعروض والقافية والنسب والعلم بالخبر الى غير ذلك من العلوم الكلامية التى بها أَبُذُّ المؤلِّفين وأَشِذُّ عن المصِنّفين ... وأما ما يشتمل عليه هذا الكتاب فَعْلُم اللسانِ الذى تقدمت ... ذكره وقد رأيتُ أن أُشَرِّف قَدْرَ خُطبتى هذه بذكر ما ينقسم اليه هذا العلم لاشتمال هذا الكتاب على قِسْمَيه المُحيطَيْنِ به وليس هذا الذى نذكره ههنا مقصورا على اللسان العربى فَحَسْبُ بل هو حَدٌّ شامل له ولعلم كل لسان فأردت أن أُفِيد المُولَعَ بطلب هذه الحقائق هذا الفصلَ اللطيف والمعنى الشريف

فَعِلْمُ اللسان فى الجملة ضربان أحدهما حفظ الالفاظ الدالة فى كل لسان وما يدل عليه لشئٍ شئٍ منها وذلك كقولنا طويل وقصير وعامل وعالم وجاهل والثانى فى علم قوانين تلك الالفاظ ومعنى القوانين أقاويلُ جامعةٌ تنحصر فى كل واحد منها أشياءُ كثيرةٌ مما تشتمل عليه تلك الطريقة حتى يأتى على جميع الاشياء التى هى مَصُوغةٌ للعلم بها أو على أكثرها وحفظُ هذه الاشياء الكثيرة أَعْنِى هذه الألْفاظَ المفردةَ إنما يُدْعَى عِلْما بأن يكون ما قُصِدَ بحفظه محصورا بتلك القوانين وتلك القوانينُ كالمقاييسِ التى يُعْلَم بها المؤنثُ من المذكر والجمعُ من الواحد والممدودُ من المقصور والمقاييسِ التى تَطَّرِدُ عليها المصادرُ والأفعالُ ويَبِين بها المتعدّى من غير المتعدّى واللازمُ من غير اللازم وما يَصِلُ بحرف وغير حرف وما يُقْضَى عليه بانه أصل أو زائد أو مبدل وكالاستدلالات التى يُعْرَف بها المقلوب والمُحَوَّل والاتباع ولذلك ذكرتُ هذه الأبوابَ كلَّها بعد ذكر الالفاظ المفردة الدالة ليكون ذلك مستغنيا فى نفسه غريبا فى جنسه ولذلك تَكَرَّر فيه

__________________

(١) بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة كما ترى

(٢) قافلا أي يابسا

١٤

ما تكرّر لا لسهو ولا لنسيان الا ما لا بالَ به ممَّا لا بُدَّ أن يَلْحَق الانسان اذ هو غير مُعْفًى من ذلك ومن هنا يجب على من أنصف أن لا يَعِيب علينا أمرا حتَّى يَعْرِفَ سِرَّه فلكُلِ علة سبب لا يخفى على من لَطَّف الفِطَن وكَرَّر البصر واطَّرَح الضَّجَر والتوفيقُ للصواب فى كل أمر من بارئنا جَلَّ وعَزَّ اليه أرغب فيه وبه تعالى أستعين لا غنى لأحدٍ عنه فى مُيَسَّرِ الامور ولا مُعَسَّرها كما أَبْرأ اليه من الحَوْلِ والقُوَّةِ إلَّا به وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسَلَّم كثيرا

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب خَلْقِ الانسان

الانسان لفظ يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة فمما يَدُلُّكَ أنه يقع على الواحد قولُهم فى تثنيته انسانان فلولا أن إنسانا قد يقع على المفرد لم يقولوا انسانان ولذلك استدل سيبويه على أن دِلَاصاً وِهِجَاناً ليسا من باب جُنُبٍ لقولهم دِلَاصَانِ وهِجَانانِ فلو كان بمنزلة جُنُب لم تُثَنَّ ومما يَدُلُّكَ على أنه يقع على الجميع مَعْنِيًّا به النوعُ قولُه تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ثم قال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وكذلك قولُه تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ثم قال (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) ففى استثناء الجماعة من هذا الاسم المفرد دلالة بَيِّنةٌ على أن المرادَ العمومُ والكثرة وفى وقوع المفرد موضعَ الجميع دلالةٌ يعلم بها أن المراد الجمع وذلك أن الاسماء الدالة على الكثرة على ضربين فأحدهما اسمٌ مبنىٌّ للجمع والآخر اسمٌ أصلُ بِنْيَتِه ووضعِه للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة والضربُ الاوّل وهو الذى بنى للجمع على قسمين أحدهما من غير لفظ الواحد وذلك نحو قَوْمٍ من رجل ونساءٍ من امرأة والآخر أن يكون من لفظ الواحد المجموع وذلك كرَكْبٍ من راكب ورَجْل من راجل وأما الضرب الثانى من القسمة الاولى وهو الاسم الذى أصْلُ بِنْيَتِه أن يكون للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة فينقسم أيضا الى ضربين أحدهما أن يكون اسما مبهما مقصورا لا يُقْتَصَر به على أُمَّةٍ كالِذى ومَنْ وما اذا اقترن بما يدل على الكثرة كقوله تعالى (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) فهذا قد اقترن به ما يدل على الكثرة وهو قوله (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) والآخر أن يكون اسما متمكنا أولا مقصورا على أُمَّة كالجَوْنِ والانسان والفرس وهذا الضرب من أسماء الانواع على ضربين نَكِرة ومَعْرِفة وهى التى تقع فى غالب الامر والجمع كما قدمنا ... وجه تعريفه فانما يذهب الى تخصيص النوع

١٥

ونظيرُه قولُهم أهلك الناسَ الدينارُ والدِّرهمُ وكَثُر الشاءُ والبعير ليس المراد درهما بعينه ولكن المعنى أهلكهم هذا النوعُ وكَثُرَ هذا النوع فقد تبين أن القصد فى التعريف انما هو الاشارة الى ما يثبت فى النفوس فليس الدرهم فى هذا ونحوه كدرهم واحد قد عَهِدْتَه محسوسا ثم أَشَرْتَ اليه بعدُ لأن معرفة كُلِّية النوع بالحِسِّ ممتنعة وانما يُعلَم به بعضُ الاشخاص فهذا الفرق بين تعريف الشخص وتعريف النوع «هذا شئ عَرَضَ» ثم نعود الى لفظ الانسان فنقول ومما يدل على أنه يقع للمؤنث قول الشاعر

ألا أيُّها البيتانِ بالأجرع الذى

بأسفل ... غَضًى وكَثِيب

 .......................(١)

من الناس إنسانٌ لدىّ حبيب

فهذا قد أوقعه على المؤنث .... انسان عندى مشتق من أنس وذلك أن أُنْسَ الارض وتَجَمُّلَها وبهاءَها انما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المُعْتَمِرِ لها والمَعْنِىِّ بها فوزنه على هذا فِعْلان وقد ذهب بعضهم الى أنه إفْعِلَانٌ من نَسِىَ لقوله تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) ولو كان كذلك لكان إنْسِيَانًا ولم تحذف الياء منه لأنه ليس هنالك ما يُسْقِطُها فأما قولهم أناسِىّ فجمع انسان شابهت النونُ الالَف لما فيها من الخفاء فخرج جمع انسان علَى شكل جمعِ حرْباء وأصلها أنَاسِينُ وليس أَنَاسِىُّ جمعَ إنْسِىٍ كما ذهب اليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد أنشده أبو الفتح عثمان بن جنى النحوى

أهْلاً بأهلٍ وبَيْتاً مِثْلَ بيتِكُمُ

وبالأناسِينِ أبدالَ الأناسِينِ

قال ياء أناسىّ الثانيةُ بدلٌ من هذه النون ولا تكون نون أناسِين هذه بدلا من ياء أناسىّ كما كانت نون أثانين بدلا من ياء أثانىّ جمع أثناء التى هى جمع الاثْنِ بمعنى الاثْنَيْن لان معنى الأثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لامٌ البَتَّة فَهىَ ثمَّ ثابتةٌ وليستَ أناسِينُ مما لامه حَرْفُ عِلَّة وانما الواحد إنسان فهو إذْنَ كضِبْعانٍ وضَبَاعِين وسِرْحانٍ وسَرَاحِين ولا يكون إنسان جمع إنسى لان الله سحانه قال (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) ....

بنى آدم ...

ان ... منه بانسى ...

انسان ... جميعا من بنى آدم ... وانسى قد يكون لغيرهم على ما أَرَيْتُك فقولهم إنسِىّ ... أى الانسان على غير قياس أو على حذف الزائد

__________________

(١) بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة كما ترى

١٦

وأما الانْسُ فجمع إنسىّ كزِنْجىٍّ وزِنْجٍ وذلك أن ياء النسب تسقط فى هذا الضرب من الجمع كما تسقط فيه هاء التأنيث كقولهم طَلْحة وطَلْح وذلك للمناسبة التى بين ياء النسب وهاء التأنيث قال سيبويه وقالوا أناسِىّ وأناسِيَة فَعَوَّضوا الهاء وأما أُنَاسٌ فجمع إنْسٍ كظِئْرٍ وظُؤَار ... وثِنْىٍ وثُناء جمع عزيز وستأتى منه نظائر مع ... (١) ان شاء الله تعالى فاذا أدخلوا الالف واللام فى أُناس قالوا الناس هذا قول سيبويه وذلك أنه ذَكَر اسمَ الله عزوجل فقال الاصل إلهٌ فلما أدخلوا اللام حذفوا الهمزة وصارت اللام كأنها خَلَفٌ منها ثم قال ومثله أُناس فاذا أدخلتَ اللام قلتَ الناس الا أن الناس قد يفارقه اللام ويكون نكرةً والله تعالى لا يكون فيه ذلك فَخَرَجَ ظاهر كلام سيبويه على أن الناس لا يجوز فيه دخول الهمزة مع اللام وليس كذلك لان اللام فى الله تعالى خلف من الهمزة وليست كذلك فى الناس ويدلك أنها ليست فى الناس عوضا من الهمزة كما هى عوض منها فى اسم الله تعالى ما أنت ... من اللام وانما أراد سيبويه ... الهمزة مع اللام لا أنه مساو لاسم الله تعالى ... وانما أراد مثل ذلك فى بعض أحواله ... فأما قولهم أَنَسٌ فهو اسم جمع آنِسٍ كعازبٍ وعَزَبٍ فامَّا أن يكون هو الذى يَأْنَس بما أُوتِيَه من العقل والنطق وإما أن يكون هو الذى أَنِسَتْ به هذه الدنيا وعُمِرَتْ فيكون أنَسٌ اسمَ جمع آنسٍ الذى هو فى معنى مأنوسٍ به

(باب الحَمْل والولادة)

أبو عبيد* نُسِئَتِ المرأةُ فهى نَسْءٌ* بدأ حَمْلُها* الأصَمَعِىُّ* نُسِئَتْ نَسْأً* قال أبو على الفارسى* «واذا ذكرنا أبا علىّ فَايَّاه نَعْنِى» وبهذا المصدر وُصِفَتْ بدلالة قولهم نِسْوةٌ نَسْءٌ لانهم اذا وصفوا بالمصدر وَحدُّوه كان الموصوف به واحدا أو جمعا وذلك أنهم اذا قالوا قومٌ عَدْلٌ فانما يريدون ذَوُو عَدْلٍ فاخْتَزَلوا المضافَ وأقاموا المضاف اليه مُقامَه فكما أنهم لو صَرَّحوا بالمضاف لم يُثَنُّوا المضاف اليه ولا جَمَعوه كذلك لم يثنوه ولا جمعوه حين حذفوا المضاف اليه (٢) لأنه فى نية الاثبات* قال وحكى أبو زيد* امرأة نَسْءٌ من نِسْوةٍ ...

وقد قال الله سبحانه (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) وكأنه انما جاز حَمَلَتْ به لَمَّا كان فى معنى عَلِقَتْ به ونظيرُه قولهُ تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) لَمَّا كان فى معنى الافضاء عُدّى بالى* وقال صاحب العين* الحَمْل* ما يُحْمَل فى البطون من الأولاد فى جميع الحيوان حَمَلَتْ تَحْمِل حَمْلا* غير

__________________

(١) بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة

(٢) قوله حين حذفوا المضاف إليه أي المضاف إلى المضاف إليه السابق ذكره اه

١٧

واحد* امرأة حُبْلَى* حامِلٌ* ابن السكيت* لا يقال لشئ من الحيوان غير الانسان حُبْلَى الا فى حديث واحد نُهِىَ عن بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلة وذلك أن تكون الابل حوامل فتبيع حَبَلَ ذلك الحَبَل* ثابت* والحَبَلُ* الامتلاء يقال حَبِلَ الرجلُ من الشراب امتلأ ورجل حُبْلان (١) وامرأة حُبْلى فكأنه مشتق من ذلك* أبو على* امرأة حَبْلانة على مثال قولهم شاة حَلْبانة وناقة ركَبْانة* قال وأخبرنى أبو بكر محمد بن السَّرِىّ عن أبى العباس أحمد بن يحيى عن ابن الاعرابى أن فُتَيَّةً من بعض أحياء العرب خرجت ترعَى غُنَيْمةً لها فَسَاوَرَها غلامٌ من عُقَيل فاقْتَضَّها فلما أحَسَّتْ بالحَبَل وذَبَلتْ شَفَتُها وغارت عينُها قالت لأمها يا أُمَّتَا أَجِدُ عينى هَجَّانة وشَفَتِى ذَبَّانة وأرانِى حَبْلانة قالت لها ومِمَّ ذلكِ قالت خرجتُ ذاتَ يومٍ بالغنم أرعاها فَوَاثَبَنى غلامٌ عُقَيْلِىٌّ فما زال يَحُدُّنى وأَشْهَاهُ

قال أبو على* هَجَّانة* غائرةٌ يقال هجَّجتْ عينُه وشَفَةٌ ذَبَّانة ذابلةٌ صفراءُ ذَبَّتْ تَذِبُّ ذَبَّا وذَبَباً وذُبُوبا* ابن السكيت* نسوة حَبَالَى* ابن الأعرابى* نسوة حِبَالٌ وقد حَبِلَت حَبَلا فهى حابلةٌ من نسوة حَبَلة والمَحْبَل أوانُ الحَبَل والمَحْبِل موضعُ الحَبَل من الرَّحِم والحَوَاصِنُ من النساء الحَبَالَى واحدُها حاصنٌ وأنشد * تُبِيلُ الحَوَاصِنَ أحْبَالَها * ثابت* فاذا عَظُم ما فى بطنها فهى مُثْقِلٌ ومُجِحٌّ وأصل المُجِحِّ فى السِّباع ومنه حديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه مَرَّ بامرأةٍ مُجِحٍّ فقالوا هى أمَةٌ لفلان فقال أَيُلِمُّ بها فقالوا نعم * أبو زيد* أصل الاجْحاح الامتلاءُ جَحَحْت الحوض ملأته* ثعلب* أصله الانبساط ومنه قيل للنبات اليقطينى كالحنظل والقِثَّاء الجُحُّ وسيأتى ذكر هذا مستقصًى ان شاء الله

ثابت* فاذا كان حملها عند مُقْبَل الحيض فهو* الوُضْع* وبعضهم يقول* التُّضْع* وهو مذموم عندهم وأنشد ابن السكيت

تقول والجُرْدانُ فيها مُكْتَنِعْ

أما تخاف حَبَلاً على تُضُع

* أبو علىّ* اختلفوا فى الوُضْع والتُّضْع فبعضهم يجعلهما لغتين وبعضهم يجعل التاء مبدلة من الواو قال وليس ببدل اطرادى انما هو كبدل الهمزة من الواو المفتوحة فى أنه يُقْتَصَر على ما سُمع منه ومما يشهد لمن زعم أنهما ليستا لغتين أنه لم يسمع منه فعل صُرِّف كما صُرّف فى الوُضْع حين قالوا وَضَعَت المرأة أى حملت مُقْبَل الحيض فأَن لم يقولوا تَضَعَتْ دليلٌ على أن القلب فى هذه اللفظة مقصود* أبو عبيد* وَضَعت المرأة وُضْعا وتُضْعا وهى واضع* ثابت* قالت امرأة تَصِفُ وَلَدَها

__________________

(١) قوله ورجل حبلان الخ بالفتح والضم ضبط الوصفان في القاموس ولسان العرب كتبه مصححه

١٨

«يقال إنها أمّ تَأَبَّط شَرَّا» ما حَمَلْتُه وُضْعا أو تُضْعا ولا ولَدَتُه يتَنْا ولا أرْضَعْتُه غَيْلا ولا حَرَمْتُه قَيْلا(١) ولا أبَتُّه على مَأْقة* أبو عبيد* ولا أَبَتُّه تَئِقا ويقال مَئِقا وهو أجود الكلام فالوُضْع ما تَقَدَّم من الجَمْل فى مُقْبَل الحيض وحينئذ يقال حَمَلتْ به أمُّه سَهْواً أى على حيض واليَتْنُ أن تَخرج رجلاه قبل يديه

ابن السكيت* هو اليَتْنُ والأَتْنُ والوَتْن وهى امرأة مُوتِنٌ وقد أَيْتَنَتْ* أبو على* وأَوْتَنَت وآتَنَت وأصل اليَتْن القَلْب والعكس

قال وقال عيسى بن عمر* سألتُ ذا الرُّمَّة عن مسئلة فقال أتعرف اليَتْنَ قلت نعم قال فمسئلتُك هذه يَتْنٌ* أبو على* وربما سُمِّى الولد يَتْنا* ثابت* النِّكْسُ اليَتْن* ابن دريد* وليس بِثَبْتٍ

* أبو عبيد* والغَيْلُ أن تُرضعه على حَبَل* ابن السكيت* امرأة مُغْيِل ومُغِيل اذا سَقَتْ ولدها الغَيْل وهو اللبن على الحَمْل* ثابت* أَغْيَلت المرأةُ ولدَها وأغالته* سيبويه* لم يجئ أَغْيَلت الاعلى الاصل كما أن اسْتَحْوذ كذلك وكلاهما نادر

صاحب العين* اسم اللبن الغَيْل والغِيلة وفى حديث لقد هَمَمْت أن أنهى عن الغيلة ثم أُخبرت أن فارس والروم تفعل ذلك فلا يَضِيرهم * أبو عبيد* والمَئق من البكاء* ثابت* المَأْقة أن يشتدّ بكاء الصبىّ ويأخُذَ عليه نَشِيجٌ وقد مَئِق مَأَقاً والتَّئِق الممتلئُ غَضَبا وفى مثل من الامثال* أنْتَ تَئِق وأنا مَئِق فمتَى نَتَّفِق* يقول أنت ممتلئ غضبا وأنا حَدِيدٌ سريع البكاء* أبو زيد* امرأة مُرِدٌّ* اذا كانت فى مُعْظَم حملها* ثابت* فاذا اشتهت المرأة شيأ على حملها فهى وَحْمَى* سيبويه* الجمع وِحامٌ ووَحَامَى* ابن السكيت* امرأة وَحْمَى مشتهية على الحمل بَيِّنة الوِحام والوَحام والوَحَم وقد وَحِمَتْ وَحَما ووَحَّمناها وَلَها يعنى أعطيناها ما تَشَهَّتْه على ذلك* ثابت* والوَحَمُ الشئ الذى تشتهيه وأنشد * أَزْمان لَيْلَى عام لَيْلَى وَحَمِى* يقول ليلى هى التى تشتهيها نفسى* أبو عبيد* وفى المثل* وَحْمَى ولا حَبَل* ابن دريد* امرأة جامِعٌ* فى بطنها وَلَدٌ* أبو زيد* وقَصَره الأصْمَعى على الأتان من الوحش* ابن السكيت* ماتت المرأة بِجِمْع وجُمْع أى وولدُها فى بطنها وقيل اذا ماتت بِكْرا وقال هى منه بِجِمْع وجُمْع اذا كانت عذراء لم يَقْتَضَّها ومنه قولُ الدَّهْناء بنت مِسْحَل امرأة العَجَّاج للوالى حين نَشَزَتْ عليه «أَصْلَحَك اللهُ أنَا منه بجُمْع» * ثابت* فاذا دنت ولادتُها قيل أخَذها المَخَاض وقد مَخَضَتْ مَخَاضا ومُخضَت* ابن السكيت* وتَمَخَّضت* أبو حاتم* وهى ماخِضٌ* ابن السكيت* الطَّلْق وَجَعُ الولادة وقد طُلِقَتْ طَلْقا* ثابت* المَخَاضُ للناس

__________________

(١) قيلا القيل هو شرب اللبن وقت القائلة اه

١٩

والبهائم والطَّلْقُ للناس

ابن الاعرابى* فاذا أخذها الطَّلْق فألْقت بنفسها على جَنْبَيْها قيل تَصَلَّقَتْ وهى مُتَصَلّق وكذلك كل ذى ألم اذا تَصَلَّق على جنبيه* ثابت* يقال للمرأة اذا طُلِقَتْ تركْتُها تُوَحْوِحُ بين القوابل يعنى تصيح* أبو زيد* الخَصُوف من النساء التى تَضَع فى تاسعها ولا تدخل فى عاشرها وقد خَصَفَت تَخْصِف خِصَافا

ثابت* فاذا ألقت ولدها لغير تمام فهو سِقْط وسُقْط* وسَقْط* ابن الاعرابى* وهى امرأة مُسْقِط فاذا كان ذلك عادةً لها فهى مِسْقاط وقد أَسْقَطها الرَّوْعُ وسَقَط بها* أبو عبيد* ما حَمَلت المرأةُ نُعَرَةً أى مَلْقوحاً هذهِ عبْرَتُه وليس اللِّقَاح فى الانسان والعبْرةُ الصحيحة أن تقول جَنِيناً أو غيره* ابن السكيت* وكذلك الناقة ولا تستعمل فى غير الجَحْدِ الا أن العَجَّاج قال *

والشَّدَنِيَّات يُسَاقِطْنَ النُّعَرْ* فاسْتَعْمَله فى الايجاب* قال أبو على* اذا استحالت المُضْغة فى الرَّحمِ مِنْ أىّ الحوامل كان فهى نُعَرة وقيل اذا مَوَّتت (١) أولادُ الحوامل فهى نُعَرة وللنُّعَرة موضع آخر سنأتى عليه ان شاء الله

أبو عبيد* المُمْصِل* التى تُلْقِى ولدها وهو مُضْغة وقد أَمْصلَت* صاحب العين* امرأة مُمْلِصٌ ومِمْلَاص كذلك وقد أَمْلَصَتْ والولد مَليِصٌ* الاصمعى* امرأة سَلُوبٌ اذا ألْقَتْ لغير تمام وأعرفه فى الابل وقد أَسْلَبَت فهى مُسْلب* النضر* مَلَطَتْه تَمْلُطُه كذلك* ثابت* فان أَسْقَطَت قبل تمام شهوره والولدُ تامٌّ قيل أَخْدَجَتْ وهى مُخْدِج والولدُ مُخْدَج وخَدِيجٌ والخِدَاج من أوّل خَلْق الولد الى ما قبل التمام يقال خَدَجَت المرأةُ والناقةُ وهى خادج وان كان الولد تاما فان كان ناقص الخلق قيل أَخْدَجَتْ وان كان لتمام وقت الحمل* صاحب العين* أَسْبَعَت المرأة فهى مُسْبِع اذا وَلدت لسبعة أشهر* ثابت* المُتِمُّ التى وَلَدتِ لتَمام* أبو عبيد* أَتَمَّت المرأة* اذا دَنَا لها أن تَضَع وكذلك الناقة* ابن السكيت* ولدته لِتمَام وتَمَام

أبو علىّ* أَتَمَّت المرأةُ* اذا دنا لها أن تضع وكذلك الناقة* أبو علىّ* الولد مُتَمَّم وتَمِيمٌ ومنه التَّمِيم وهو الصُّلْب الشديد من الرجال والخيل وأنشد * وصُلْب تَمِيم يَبْهَرُ اللِّبْدَ جَوْزُهُ* الشيبانى* ولدتْه لِتَتِمَّتِها وولدته تِمًّا وتَمًّا وتُمًّا* أبو عبيد* امرأة مُعْشرٌ مُتِمٌّ* على الاستعارة وأصله فى العُشَرَاء من الابل وهى التى أتى عليها من حملها عَشَرةُ أشهر* قال أبو على* أَشْعَرَ الجنينُ وشَعَّر واسْتَشْعَر* نَبتَ عليه الشَّعرُ فى بطن أمه ولا يُتكَلَّم به الا مزيدا وأُرَى قد حُكِى شَعَر* أبو عبيد*

__________________

(١) الذي في القاموس صورت وفي شرحه وفي اللسان صوتت والصواب هو ما في الكتاب من أن اللفظ هو موتت كما يدل عليه كلام العجاج في القصيدة التي منها هذا الشطر ما سبق منها وما لحق

٢٠