وسائل الشيعة - ج ٢٧

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

وسائل الشيعة - ج ٢٧

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5503-27-2
ISBN الدورة:
964-5503-00-0

الصفحات: ٤٢٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

يقول : من شكَّ أو ظنَّ فأقام على أحدهما ( فقد حبط ) (١) عمله ، إنّ حجّة الله هي الحجّة الواضحة.

[ ٣٣١٥٩ ] ٩ ـ وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ في حديث طويل ـ قال : ومن عمي نسي الذكر ، واتبع الظنّ ، وبارز خالقه ـ إلى أن قال : ـ ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين.

[ ٣٣١٦٠ ] ١٠ ـ وعن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن السنّة لا تقاس ، ألا ترى أنَّ المرأة تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها (١) ، يا أبان إنَّ السنّة اذا قيست محق الدين.

أقول : فيه وفي أمثاله ـ وهي كثيرة جدّاً ـ دلالة على بطلان قياس الأولوية.

[ ٣٣١٦١ ] ١١ ـ وعن عليِّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه أنّ عليّاً ( عليه السلام ) قال : من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.

[ ٣٣١٦٢ ] ١٢ ـ قال : وقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : من أفتى الناس

__________________

(١) في المصدر : أحبط الله.

٩ ـ الكافي ٢ : ٢٨٨ / ١.

١٠ ـ الكافي ١ : ٤٦ / ١٥.

(١) في المصدر : صلواتها.

١١ ـ الكافي ١ : ٤٧ / ١٧ ، قرب الاسناد ٧.

١٢ ـ الكافي ١ : ٤٧ / ذيل ١٧.

٤١

برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادَّ الله حيث أحلَّ ، وحرَّم فيما لا يعلم.

ورواه الحميري في ( قرب الإِسناد ) عن هارون بن مسلم مثله (١).

[ ٣٣١٦٣ ] ١٣ ـ وعنه ، عن أبيه ، وعبد الله بن الصلت جميعاً ، عن حمّاد ابن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) (١) ـ في حديث طويل في الإِمامة وأحوال الإِمام ـ قال : أما لو أنَّ رجلاً صام نهاره ، وقام ليله ، وتصدّق بجميع ماله ، وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، وتكون جميع اعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله ثواب (٢) ، ولا كان من أهل الإِيمان.

ورواه البرقيُّ في ( المحاسن ) عن أبي طالب عبد الله بن الصلت مثله (٣).

[ ٣٣١٦٤ ] ١٤ ـ وعن عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه ، قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في كلام ذكره : إنَّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ، ولكن أتاه ( عن ربّه فأخذ به ) (١).

أقول : يأتي بيان هذا السند من طريق الصدوق (٢).

[ ٣٣١٦٥ ] ١٥ ـ وعنهم ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ،

__________________

(١) قرب الاسناد : ٧.

١٣ ـ الكافي ٢ : ١٦ / ٥.

(١) في المحاسن : أبي عبد الله ( عليه السلام ).

(٢) في المصدر : حق في ثوابه.

(٣) المحاسن : ٢٨٦ / ٤٣٠.

١٤ ـ الكافي ٢ : ٣٨ / ١.

(١) في المصدر : من ربه فأخذه.

(٢) يأتي في الفائدة الأولىٰ من الخاتمة برقم ١٥.

١٥ ـ الكافي ١ : ٤٧ / ١٦.

٤٢

قال : سألت أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) عن القياس ، فقال : ( وما لكم وللقياس ) (١) ، إنَّ الله لا يسأل كيف أحلَّ ، وكيف حرَّم.

[ ٣٣١٦٦ ] ١٦ ـ وعنهم عن أحمد ، عن الوشاء ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي مريم قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) لسلمة بن كهيل ، والحكم بن عتيبة : شرِّقاً وغرّبا ، فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا أهل البيت.

أقول : وروى الصفّار في ( بصائر الدرجات ) أحاديث كثيرة بهذا المعنى (١).

[ ٣٣١٦٧ ] ١٧ ـ وعن محمّد بن الحسن ، وعلي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : إنّما العلم ثلاث : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل.

[ ٣٣١٦٨ ] ١٨ ـ وعن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي شيبة الخراساني ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : إنَّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلاّ بعداً ، وإنَّ دين الله لا يصاب بالمقاييس.

[ ٣٣١٦٩ ] ١٩ ـ وعنه ، عن معلّى ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله ،

__________________

(١) في المصدر : ما لكم والقياس.

١٦ ـ الكافي ١ : ٣٢٩ / ٣.

(١) راجع بصائر الدرجات : ٢٦ ـ ٣٤.

١٧ ـ الكافي ١ : ٢٤ / ١.

١٨ ـ الكافي ١ : ٤٥ / ٧.

١٩ ـ الكافي ٧ : ٤٣٢ / ٢٠.

٤٣

عن ( أبي جميل ) (١) ، عن ( إسماعيل بن أبي اُويس ، عن ضمرة بن أبي ضمرة ) (٢) ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أحكام المسلمين على ثلاثة : شهادة عادلة ، أو يمين قاطعة أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى.

محمّد بن عليِّ بن الحسين في ( الخصال ) عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله (٣) ، عن أبي جميلة مثله (٤).

[ ٣٣١٧٠ ] ٢٠ ـ وبإسناده الآتي عن عليّ ( عليه السلام ) ـ في حديث الأربعمائة ـ قال : علّموا صبيانكم ( من علمنا ) (١) ما ينفعهم الله به ، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها ، ولا تقيسوا الدين ، فإنَّ من الدين ما لا يقاس (٢) ، وسيأتي أقوام يقيسون ، فهم أعداء الدين ، وأوّل من قاس إبليس ، إيّاكم والجدال ، فإنّه يورث الشكَّ ، ومن تخلّف عنّا هلك.

[ ٣٣١٧١ ] ٢١ ـ وفي ( المجالس ) وفي ( معاني الأخبار ) عن محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، ( عن أحمد بن محمّد بن خالد ) (١) ، عن أبيه ، عن ( محمّد بن يحيى الخزاز ) (٢) ، عن غياث بن

__________________

(١) في المصدر : أبي جميلة.

(٢) في المصدر : إسماعيل بن أبي ادريس ، عن الحسين بن ضمرة بن أبي ضمرة.

(٣) في الخصال زيادة : عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي.

(٤) الخصال : ١٥٥ / ١٩٥.

٢٠ ـ الخصال : ٦١٤ و ٦١٥.

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر : ينقاس.

٢١ ـ امالي الصدوق : ٢٨٧ / ٤ ، ومعاني الاخبار : ١٨٥ / ١.

(١) في نسخة من المعاني : عن أخيه أحمد بن محمّد بن خالد ( هامش المخطوط ) ، وفي المطبوع : عن أخيه ، عن احمد بن محمّد بن خالد.

(٢) في الامالي : احمد بن محمّد بن يحيىٰ الخزاز.

٤٤

إبراهيم ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ، أنه قال في كلام له : الإِسلام هو التسليم ـ إلى أن قال : ـ إنَّ المؤمن أخذ دينه عن ربّه ، ولم يأخذه عن رأيه.

[ ٣٣١٧٢ ] ٢٢ ـ وفي ( المجالس ) و ( التوحيد ) و ( عيون الأخبار ) عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عليِّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريّان ابن الصلت ، عن عليِّ بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قال الله جلَّ جلاله : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.

[ ٣٣١٧٣ ] ٢٣ ـ وفي كتاب ( العلل ) عن أحمد بن الحسن القطان ، عن الحسن بن عليّ العسكري (١) عن محمّد بن زكريّا الجوهري البصري ، عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) ـ في حديث الخضر ( عليه السلام ) ـ أنه قال لموسى ( عليه السلام ) : إنَّ القياس لا مجال له في علم الله وأمره ـ إلى أن قال : ـ ثمَّ قال جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) : إنّ أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ، إنَّ أوَّل معصية ظهرت من (٢) إبليس اللعين حين أمر الله ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا ، وأبى إبليس أن يسجد ، فقال (٣) : أنا خير منه ، فكان أوَّل كفره قوله : أنا

__________________

٢٢ ـ امالي الصدوق : ١٥ / ٣ ، والتوحيد : ٦٨ / ٢٣ ، وعيون اخبار الرضا ( عليه السلام ) ١ : ١١٦ / ٤.

٢٣ ـ علل الشرائع ٥٩ / ١.

(١) في المصدر : الحسن بن علي السكري.

(٢) في المصدر : الانانية عن.

(٣) في المصدر زيادة : عز وجل ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ، قال :.

٤٥

خير منه ، ثمَّ قياسه بقوله : خلقتني من نار ، وخلقته من طين ، فطرده الله عن جواره ولعنه ، وسمّاه رجيماً ، وأقسم بعزَّته لا يقيس أحد في دينه ، إلاّ قرنه مع عدوّه إبليس في أسفل درك من النار (٤).

[ ٣٣١٧٤ ] ٢٤ ـ وعن أبيه ، عن محمّد بن يحيى ، عن ( محمّد بن أحمد ، عن إبراهيم بن هاشم ) (١) ، عن أحمد بن عبد الله العقيلي ، عن عيسى بن عبد الله القرشي ، رفع الحديث ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال له : يا با حنيفة ! بلغني أنّك تقيس ؟ قال : نعم أنا أقيس ، قال : لا تقس ، فإنَّ أوَّل من قاس إبليس ، حين قال : خلقتني من نار ، وخلقته من طين. الحديث.

[ ٣٣١٧٥ ] ٢٥ ـ وعن أحمد بن الحسن القطان ، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن أبي زرعة ، عن هشام بن عمّار ، عن محمّد بن عبد الله القرشي ، عن ابن شبرمة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، فقال لأبي حنيفة : اتّقِ الله ، ولا تقس ( في ) (١) الدين برأيك ، فإن أوَّل من قاس إبليس ـ إلى أن قال : ـ ويحك أيّهما أعظم ؟ قتل النفس ، أو الزنا ؟ قال : قتل النفس ، قال : فإنّ الله عزَّ وجلَّ قد قبل في قتل النفس شاهدين ، ولم يقبل في الزنا إلاّ أربعة ، ثمَّ أيّهما أعظم ؟ الصلاة ، أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فما بال الحائض تقضي الصّيام ، ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف يقوم لك القياس ؟ فاتّقِ الله ، ولا تقس.

__________________

(٤) قد صرح الصدوق في ( العلل ) بطلان القياس والاستنباط والاجتهاد ، وأطال الكلام في ابطال ذلك ، وكذلك الشيخ في كتاب ( العدة ) والسيد المرتضىٰ في ( الشافي ) و ( الذريعة ). « منه. قده ».

٢٤ ـ علل الشرائع ٨٦ / ١ ، الكافي ١ : ٤٧ / ٢٠.

(١) في العلل : محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن هاشم.

٢٥ ـ علل الشرائع ٨٦ / ٢.

(١) ليس في المصدر.

٤٦

[ ٣٣١٧٦ ] ٢٦ ـ قال الصدوق : قال أحمد بن أبي عبد الله : ورواه معاذ ابن عبد الله ، عن بشير بن يحيى العامري ، عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت أنا والنعمان على جعفر بن محمّد ـ إلى أن قال : ـ ثمَّ قال : يا نعمان ! إيّاك والقياس فإنَّ أبي حدَّثني عن آبائه : أنَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال : من قاس شيئاً من الدين برأيه قرنه الله مع إبليس في النار ، فإنَّ أوَّل من قاس إبليس ، حين قال : خلقتني من نار ، وخلقته من طين ، فدع (١) الرأي والقياس ، وما قال قوم ليس له في دين الله برهان ، فإنَّ دين الله لم يوضع بالآراء والمقاييس.

وعن الحسين بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد (٢) ، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة ، عن سفيان الحريري ، عن معاذ بن بشير (٣) ، عن يحيى العامري ، عن ابن أبي ليلى مثله (٤).

[ ٣٣١٧٧ ] ٢٧ ـ وعن أبيه ، ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن شبيب بن أنس (١) ، عن بعض أصحاب أبي عبد الله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ : إنَّ أبا عبد الله ( عليه السلام ) قال لأبي حنيفة : أنت فقيه العراق ؟ قال : نعم ، قال : فبم تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه ( صلّى الله عليه وآله ) ، قال : يا أبا حنيفة ! تعرف

__________________

٢٦ ـ علل الشرائع : ٨٨ / ٤.

(١) في المصدر : فدعوا.

(٢) في المصدر : محمّد بن أحمد.

(٣) في المصدر : معاذ بن بشر.

(٤) علل الشرائع : ٩١ / ٦.

٢٧ ـ علل الشرائع : ٨٩ / ٥.

(١) في المصدر : أبي زهير بن شبيب بن أنس.

٤٧

كتاب الله حقّ معرفته ؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم ، قال : يا أبا حنيفة ! لقد ادّعيت علماً ، ويلك ماجعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاصِّ من ذرّية نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، وما ورثك الله من كتابه حرفاً ـ وذكر الاحتجاج عليه إلى أن قال : ـ يا أبا حنيفة ! إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ، ولم تأت به الآثار والسنَّة كيف تصنع ؟ فقال : أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي ، فقال : يا أبا حنيفة ! إنَّ أوَّل من قاس إبليس الملعون ، قاس على ربّنا تبارك وتعالى ، فقال : ( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٢) قال : فسكت أبو حنيفة ، فقال : يا أبا حنيفة ! أيّما أرجس ؟ البول ، أو الجنابة ؟ فقال : البول ، فقال : فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ، ولا يغتسلون من البول ؟ فسكت ، فقال : يا أبا حنيفة أيّما أفضل ؟ الصلاة ، أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فما بال الحائض تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها ؟ فسكت.

[ ٣٣١٧٨ ] ٢٨ ـ أحمد بن عليِّ بن أبي طالب الطبرسي في ( الاحتجاج ) عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، أنه قال لأبي حنيفة في احتجاجه عليه في إبطال القياس : أيّما أعظم عند الله ؟ القتل ، أو الزنا ؟ قال : بل القتل ، فقال ( عليه السلام ) : فكيف رضي في القتل بشاهدين ، ولم يرضَ في الزنا إلاّ بأربعة ؟! ثمّ قال له : الصلاة أفضل ، أم الصيام ؟ قال : بل الصلاة أفضل قال ( عليه السلام ) : فيجب ـ على قياس قولك ـ على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب الله عليها قضاء الصوم دون الصلاة ، ثمَّ قال له : البول أقذر ، أم المني ؟ فقال : البول أقذر ، فقال : يجب ـ على قياسك ـ أن يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول ـ إلى أن قال ( عليه السلام ) : ـ تزعم أنك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن ورثه ، وتزعم أنّك

__________________

(٢) الأعراف ٧ : ١٢ ، ص ٣٨ : ٧٦.

٢٨ ـ الاحتجاج : ٣٦١.

٤٨

صاحب قياس ، وأوَّل من قاس إبليس ولم يُبْنَ دين الله على القياس ، وزعمت أنك صاحب رأي ، وكان الرأي من الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) صواباً ، ومن غيره خطأً ، لأنَّ الله تعالى قال : ( فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ) (١) ولم يقل ذلك لغيره. الحديث.

[ ٣٣١٧٩ ] ٢٩ ـ وعن الصادق ( عليه السلام ) في قول الله عزَّ وجلَّ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) (١) قال : يقول : أرشدنا للزوم الطريق المؤدِّي إلى محبّتك ، والمبلّغ إلى ( رضوانك و ) (٢) وجنّتك ، والمانع (٣) من أن نتّبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك.

ورواه العسكري ( عليه السلام ) في ( تفسيره ) (٤).

ورواه الصدوق في ( معاني الأخبار ) و ( في عيون الأخبار ) عن محمّد ابن القاسم المفسّر ، عن يوسف بن محمّد بن زياد ، وعليِّ بن محمّد بن سيّار (٥) ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ العسكري ( عليه السلام ) مثله (٦).

[ ٣٣١٨٠ ] ٣٠ ـ عليُّ بن محمّد الخزاز في كتاب ( الكفاية ) في النُصوص على عدد الأئمّة ( عليهم السلام ) عن الحسين بن محمّد بن سعيد ، عن محمّد بن أحمد الصفواني ، عن مروان بن محمّد السنجاري ، عن أبي يحيى التميمي ، عن يحيى البكاء ، عن عليّ ( عليه السلام ) ، قال : قال رسول الله

__________________

(١) المائدة ٥ : ٤٨.

٢٩ ـ الاحتجاج ٣٦٨.

(١) الفاتحة ١ : ٦.

(٢ و ٣) ليس في المصدر.

(٤) تفسير الامام العسكري ( عليه السلام ) : ١٦.

(٥) في معاني الاخبار : علي بن محمد بن يسار.

(٦) معاني الاخبار ٣٣ / ٤ وعيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ١ : ٣٠٥ / ٦٥.

٣٠ ـ كفاية الأثر : ١٥٥.

٤٩

( صلّى الله عليه وآله ) : ستفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية ، والباقون هالكون ، والناجون الّذين يتمسّكون بولايتكم ، ويقتبسون من علمكم ، ولا يعملون برأيهم ، فاُولئك ما عليهم من سبيل. الحديث.

[ ٣٣١٨١ ] ٣١ ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في ( المحاسن ) عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن حبيب الخثعمي ، وعن النضر ابن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن حبيب ، قال : قال لنا أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ما أحد أحبّ إليّ منكم ، إنَّ الناس سلكوا سبلاً شتّى ، منهم من أخذ بهواه ، ومنهم من أخذ برأيه ، وإنكم أخذتم بأمر له أصل.

[ ٣٣١٨٢ ] ٣٢ ـ وعن أبيه ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رسالة إلى أصحاب الرأي والقياس : أمّا بعد ، فإنّ من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقاييس لم ينصف ولم يصب حظه ، لأنَّ المدعوّ إلى ذلك أيضاً لا يخلو من الارتياء والمقاييس ، ومتى لم يكن بالدّاعي قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعوّ بعد قليل ، لأنّا قد رأينا المتعلّم الطالب ربما كان فائقاً لمعلّمه ولو بعد حين ، ورأينا المعلّم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو ، وفي ذلك تحيّر الجاهلون ، وشكّ المرتابون ، وظنّ الظانون ، ولو كان ذلك عند الله جائزاً لم يبعث الله الرسل بما فيه الفصل ، ولم ينه عن الهزل ، ولم يعب الجهل ، ولكن الناس لما سفهُوا الحق ، وغمطوا النعمة ، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله ، واكتفوا بذلك عن (١) رسله والقوام بأمره ، وقالوا : لا شيء إلاّ ما أدركته عقولنا ، وعرفته ألبابنا ، فولاهم الله ما تولوا ، وأهملهم وخذلهم حتّى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون ، ولو كان الله رضي منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادّعوا من ذلك لم يبعث إليهم فاصلاً لما بينهم ، ولا زاجراً عن

__________________

٣١ ـ المحاسن : ١٥٦ / ٨٧.

٣٢ ـ المحاسن : ٢٠٩ / ٧٦.

(١) في المصدر : ( دون ) بدل ( عن ).

٥٠

وصفهم ، وإنّما استدللنا أنّ رضا الله غير ذلك ، ببعثه الرسل بالاُمور القيّمة الصحيحة ، والتحذير من الامور المشكلة المفسدة ، ثمَّ جعلهم أبوابه وصراطه والأدلاّء عليه بامور محجوبة عن الرأي والقياس ، فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يزدد من الله إلاّ بعداً ، ولم يبعث رسولاً قطّ ـ وإن طال عمره ـ قابلاً من الناس خلاف ما جاء به ، حتّى يكون متبوعاً مرّة وتابعاً اُخرى ، ولم يرَ أيضاً فيما جاء به استعمل رأياً ولا مقياساً ، حتّى يكون ذلك واضحاً عنده كالوحي من الله ، وفي ذلك دليل لكلّ ذي لبّ وحجى ، إنَّ أصحاب الرأي والقياس مخطئون مدحضون. الحديث.

[ ٣٣١٨٣ ] ٣٣ ـ وعن بعض أصحابنا (١) ، عن معاوية بن ميسرة بن شريح قال : شهدت أبا عبد الله ( عليه السلام ) في مسجد الخيف ، وهو في حلقة ، فيها نحو من مائتي رجل ، وفيهم عبد الله بن شبرمة ، فقال له : يا أبا عبد الله ! إنّا نقضي بالعراق فنقضي بالكتاب (٢) والسنّة ، ثمَّ ترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي ـ إلى أن قال : ـ فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : فأيّ رجل كان عليُّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فأطراه ابن شبرمة ، وقال فيه قولاً عظيماً ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) ؛ فإنَّ عليّاً ( عليه السلام ) أبى أن يدخل في دين الله الرّأي ، وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقاييس ـ إلى أن قال : ـ لو علم ابن شبرمة من أين هلك الناس ما دان بالمقاييس ، ولا عمل بها.

[ ٣٣١٨٤ ] ٣٤ ـ وعن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، ومحمّد بن سنان جميعاً ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، عن أبيه ( عليه السلام ) ، قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا رأي في الدين.

[ ٣٣١٨٥ ] ٣٥ ـ وعن ابن محبوب أو غيره ، عن مثنى الحنّاط ، عن أبي

__________________

٣٣ ـ المحاسن : ٢١٠ / ٧٧.

(١) في المصدر زيادة : عمن ذكره.

(٢) في المصدر : ما نعلم من الكتاب.

٣٤ ـ المحاسن ٢١١ / ٧٨.

٣٥ ـ المحاسن ٢١٥ / ٩٩.

٥١

بصير ، قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : ترد علينا أشياء لا نجدها في الكتاب والسنّة ، فنقول فيها برأينا ، فقال : أما إنّك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله.

[ ٣٣١٨٦ ] ٣٦ ـ وعن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : في كتاب آداب (١) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا تقيسوا (٢) الدين ، فإنّ أمر الله لا يقاس ، وسيأتي قوم يقيسون ، وهم أعداء الدين.

[ ٣٣١٨٧ ] ٣٧ ـ وعن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن محمّد بن مسلم ، قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) بمنى إذ أقبل أبو حنيفة على حمار له (١) ، فلما جلس قال (٢) : إنّي أُريد أن اُقايسك ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ليس في دين الله قياس. الحديث.

[ ٣٣١٨٨ ] ٣٨ ـ عليُّ بن الحسين المرتضى في رسالة ( المحكم والمتشابه ) نقلاً من ( تفسير ) النعماني بإسناده الآتي (١) عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ في حديث طويل ـ قال : وأما الردّ على من قال بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد ، ومن يقول : إنَّ الاختلاف رحمة ، فاعلم أنّا لما رأينا من قال : بالرأي والقياس قد استعملوا الشبهات في الأحكام لما عجزوا عن عرفان إصابة الحكم ، وقالوا : ما من حادثة إلاّ ولله فيها حكم ، ولا يخلو

__________________

٣٦ ـ المحاسن : ٢١٥ / ٩٨.

(١) في المصدر : أدب.

(٢) في المصدر : لا تقيسوا.

٣٧ ـ المحاسن : ٣٠٤ / ١٤.

(١) في المصدر زيادة : فاستأذن علىٰ أبي عبد الله ( عليه السلام ) فأذن له.

(٢) في المصدر زيادة : لأبي عبد الله ( عليه السلام ).

٣٨ ـ المحكم والمتشابه : ١٢٠.

(١) يأتي في الفائدة الثانية من الخاتمة برقم (٥٢).

٥٢

الحكم فيها من وجهين : إمّا أن يكون نصّاً ، أو دليلاً ، وإذا رأينا الحادثة قد عدم نصّها فزعنا ، أي : رجعنا إلى الاستدال عليها بأشباهها ونظائرها ، لأنّا متى لم نفزع إلى ذلك أخليناها من أن يكون لها حكم ، ولا يجوز أن يبطل حكم الله في حادثة من الحوادث ، لأنَّه يقول سبحانه : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (٢) ولما رأينا الحكم لا يخلو والحادث (٣) لا ينفك من الحكم التمسناه من النظائر لكيلا تخلوا الحادثة من الحكم بالنص أو بالاستدلال وهذا جائز عندنا.

قالوا : وقد رأينا (٤) الله تعالى قاس في كتابه بالتشبيه والتمثيل ، فقال : ( خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) (٥) فشبه الشيء بأقرب الأشياء له شبهاً.

قالوا : وقد رأينا النبيَّ ( صلّى الله عليه وآله ) استعمل الرأي والقياس بقوله : للمرأة الخثعميّة حين سألته عن حجّها عن أبيها ، فقال : أرأيت لو كان على أبيك دين لكنت تقضينه عنه ؟ فقد أفتاها بشيء لم تسأل عنه ، وقوله ( صلّى الله عليه وآله ) لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن : أرأيت يا معاذ إن نزلت بك حادثة ، لم تجد لها في كتاب الله أثراً ولا في السنّة ، ما أنت صانع ؟ قال : أستعمل رأيي فيها ، فقال : الحمد لله الذي وفّق رسول الله إلى ما يرضيه ، قالوا : وقد استعمل الرأي والقياس كثير من الصحابة ، ونحن على آثارهم مقتدون ، ولهم احتجاج كثير في مثل هذا ، فقد كذبوا على الله تعالى في قولهم : إنه احتاج إلى القياس ، وكذبوا على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إذ قالوا عنه ما لم يقل من الجواب المستحيل.

فنقول لهم ردّاً عليهم : إنَّ اُصول أحكام العبادات (٦) وما يحدث في

__________________

(٢) الانعام : ٦ : ٣٨.

(٣) في المصدر : والحدث.

(٤) في المصدر زيادة : أن.

(٥) الرحمن ٥٥ : ١٤ ـ ١٥.

(٦) في المصدر : العباد.

٥٣

الاُمة من الحوادث والنوازل ، لما كانت موجودة عن السمع والنطق والنصّ في كتاب الله ، وفروعها مثلها وإنّما أردنا الاُصول في جميع العبادات والمفترضات الّتي نصَّ الله عزَّ وجلَّ ، وأخبرنا عن وجوبها ، وعن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وعن وصيّه المنصوص عليه بعده في البيان عن أوقاتها وكيفيّاتها وأقدارها في مقاديرها عن الله عزَّ وجلَّ ، مثل ( فرض الصلاة ) (٧) والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وحدّ الزنا وحدّ السرقة وأشباهها مما نزل في الكتاب مجملاً بلا تفسير ، فكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) هو المفسّر والمعبّر عن جملة الفرائض. فعرفنا أنَّ فرض صلاة الظهر أربع ، ووقتها بعد زوال الشمس بمقدار ما يقرأ الإِنسان ثلاثين آية ، وهذا الفرق بين صلاة الزوال ( وصلاة الظهر ) (٨) ، ووقت صلاة العصر آخر وقت الظّهر إلى وقت مهبط الشمس ، وأنَّ المغرب ثلاث ركعات ووقتها حين وقت الغروب إلى إدبار الشفق والحمرة ، وأنَّ وقت صلاة العشاء الآخرة وهي أربع ركعات أوسع الأوقات ، وأوَّل وقتها حين اشتباك النجوم وغيبوبة الشفق وانبساط الظلام ، وآخر وقتها ثلث الليل ، وروي : نصفه ، والصبح ركعتان ، ووقتها طلوع الفجر إلى إسفار الصبح. وأنّ الزكاة تجب في مال ، دون مال ومقدار دون مقدار ، ووقت دون أوقات (٩) ، وكذلك جميع الفرائض التي أوجبها الله على عباده بمبلغ الطاعات وكنه الاستطاعات. فلولا ما ورد (١٠) النصّ به وتنزيل كتاب الله ، وبيان ما أبانه رسوله ( وفسّره لنا ) (١١) ، وأبانه الأثر وصحيح الخبر لقوم آخرين ، لم يكن لأحد من الناس ( المأمورين بأداء الفرائض أن يوجب ) (١٢) ذلك بعقله ، وإقامته (١٣) معاني فروضه وبيان مراد الله في

__________________

(٧) في المصدر : ما فرض من الصلاة.

(٨) في المصدر : وبين صلاة العصر.

(٩) في المصدر : وقت.

(١٠) في المصدر زيادة : من.

(١١) ليس في المصدر.

(١٢) في المصدر : موجب.

(١٣) في المصدر : واقامة.

٥٤

جميع ما قدمنا ذكره على حقيقة شروطها ، ولا يصحّ إقامة فروضها بالقياس والرأي ، ولا أن تهتدي العقول على انفرادها إلى أنه (١٤) يجب فرض الظهر أربعاً دون خمس أو ثلاث ، ( ولا تفصل ) (١٥) أيضاً بين قبل الزوال وبعده ، ولا تقدم الركوع على السجود ، ( أو ) (١٦) السجود على الركوع ، أو حدّ زنا المحصن والبكر ، ولا بين العقارات ( والمال الناض ) (١٧) في وجوب (١٨) الزكاة ، فلو خلينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض لم يصح فعل ذلك كلّه بالعقل على مُجرّده ، ولم نفصّل (١٩) بين القياس الّذي فصّلت الشريعة والنصوص ، إذا كانت الشريعة موجودة عن السمع والنطق الّذي ليس لنا أن نتجاوز حدودها ، ولو جاز ذلك لاستغنينا عن إرسال الرسل إلينا بالأمر والنهي منه تعالى. ولما كانت الاُصول لا تجب على ما هي عليه من بيان فرضها إلاّ بالسمع والنطق ، فكذلك الفروع والحوادث الّتي تنوب وتطرق منه تعالى لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النصّ بالسمع والنطق.

وأمّا احتجاجهم واعتلالهم ( بأنَّ القياس هوالتشبيه والتمثيل ، فإنَّ ) (٢٠) الحكم جائز به ، ورد الحوادث أيضاً إليه ، فذلك محال بيّن. ومقال شنيع ، لأنا نجد أشياء قد وفق الله بين أحكامها وإن كانت متفرِّقة ، ونجد أشياء قد فرَّق الله بين أحكامها وإن كانت مجتمعة ، فدلّنا ذلك من فعل الله تعالى على أن اشتباه الشيئين غير موجب لاشتباه الحكمين ، كما ادّعاه منتحلوا القياس والرأي. وذلك أنّهم لما عجزوا عن إقامة الأحكام على ما أُنزل في كتاب الله تعالى ، وعدلوا عن أخذها ممّن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده ، ممّن

__________________

(١٤) في المصدر : أن.

(١٥) في المصدر : ولا تفصيل.

(١٦) في المصدر : ولا.

(١٧) في المصدر : والملك الناض ، والمال الناض : الدراهم والدنانير. ( الصحاح ـ نضض ـ ٣ : ١١٠٧ ).

(١٨) في المصدر : وجوه.

(١٩) في المصدر : يفصل.

(٢٠) في المصدر : ان القياس والتشبيه والتمثيل وان.

٥٥

لا يزلّ ولا يخطى ولا ينسى ، الّذين أنزل الله كتابه عليهم ، وأمر الاُمّة بردّ ما اشتبه عليهم من الأحكام إليهم ، وطلبوا الرياسة رغبة في حطام الدنيا ، وركبوا طريق أسلافهم ممّن ادّعى منزلة أولياء الله ، لزمهم العجز ، فادَّعوا أنَّ الرأي والقياس واجب ، فبان لذوي العقول عجزهم وإلحادهم في دين الله ، وذلك أنَّ العقل على مجرّده وانفراده لا يوجب ، ولا يفصل بين أخذ الشيء بغصب ونهب ، وبين أخذه بسرقة وإن كانا مشتبهين ، فالواحد يوجب القطع ، والآخر لا يوجبه.

ويدلّ أيضاً على فساد ما احتجّوا به من ردّ الشيء في الحكم إلى أشباهه ونظائره ، أنّا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء ، وأحدهما يوجب الرجم ، والآخر يوجب الجلد ، فعلمنا أنَّ الأحكام مأخذها من السمع والنطق بالنصّ على حسب ما يرد به التوقيف (٢١) دون اعتبار النظائر ( والأعيان ) (٢٢) ، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم ، ولو كان الحكم في الدّين بالقياس لكان باطن القدمين أولى بالمسح من ظاهرهما ، قال الله تعالى حكاية عن إبليس في قوله بالقياس : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٢٣) فذمّه الله لما لم يدر ما بينهما ، وقد ذمَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمّة ( عليهم السلام ) القياس ، يرث ذلك بعضهم عن بعض ، ويرويه عنهم أولياؤهم.

قال : وأمّا الردّ على من قال بالاجتهاد ، فإنّهم يزعمون أنَّ كلّ مجتهد مصيب ، على أنّهم لا يقولون : إنهم مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحقّ عند الله عزَّ وجلَّ ، لأنّهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن (٢٤) اجتهاد إلى اجتهاد ، واحتجاجهم أنّ الحكم به قاطع قول باطل ، منقطع ، منتقض ، فأيّ دليل أدلّ من هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي ، إذا كان أمرهم

__________________

(٢١) في المصدر : التوفيق.

(٢٢) ليس في المصدر.

(٢٣) الأعراف ٧ : ١٢ وص ٣٨ : ٧٦.

(٢٤) في المصدر : من.

٥٦

يؤل إلى ما وصفناه ؟! وزعموا أنه محال أن يجتهدوا ، فيذهب الحقّ من جملتهم ، وقولهم بذلك فاسد ، لأنّهم إن اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم.

وأعجب من هذا ، أنهم يقولون مع قولهم بالرأي والاجتهاد : إنَّ الله تعالى بهذا المذهب لم يكلّفهم إلاّ بما يطيقونه ، وكذلك النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، واحتجوا بقول الله تعالى : ( وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢٥) وهذا بزعمهم وجه الاجتهاد ، وغلطوا في هذا التأويل غلطاً بيّناً.

قالوا : ومن قول الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) : ما قاله لمعاذ بن جبل ، وادَّعوا أنّه أجاز ذلك ، والصحيح أنّ الله لم يكلّفهم اجتهادا ، لأنّه قد نصب لهم أدلّة ، وأقام لهم أعلاماً ، وأثبت عليهم الحجّة ، فمحال أن يضطرّهم إلى ما لا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام ، ولم يتركهم سدى ، مهما عجزوا عنه ردّوه إلى الرسول والأئمّة صلوات الله عليهم ، كيف وهو يقول : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (٢٦) ويقول : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (٢٧) ويقول : ( فيه تبيان كلّ شيء ) (٢٨) ؟!

ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس أنه لن يخلو الشيء ، أن يكون بمثله (٢٩) على أصل ، أو يستخرج البحث عنه ، فإن كان يبحث عنه فإنه لا يجوز في عدل الله تعالى أن يكلّف العباد ذلك ، وإن كان ممثلاً على أصل فلن يخلو الأصل ، أن يكون حرم لمصلحة الخلق ، أو لمعنى في نفسه خاص ، ( فإن كان حرم لمعنى في نفسه خاص ) (٣٠) فقد كان ذلك فيه حلالا ، ثمَّ حرم بعد ذلك لمعنى فيه ، بل لو كان لعلّة المعنى لم

__________________

(٢٥) البقرة ٢ : ١٤٤ ، ١٥٠.

(٢٦) الانعام ٦ : ٣٨.

(٢٧) المائدة ٥ : ٣.

(٢٨) النحل ١٦ : ٨٩ ونصها ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ).

(٢٩) في المصدر : تمثيلاً.

(٣٠) ليس في المصدر.

٥٧

يكن التحريم له أولى من التحليل. ولما فسد هذا الوجه من دعواهم علمنا أنَّ الله تعالى إنما حرّم الأشياء لمصلحة الخلق ، لا للخلق الّتي فيها ، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد لأنَّ الحقّ عندنا فيما قدَّمنا ذكره من الاُمور الّتي نصبها الله تعالى ، والدلائل الّتي أقامها لنا كالكتاب والسنّة والإِمام الحجّة ، ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه الّتي ذكرناها ، وما خالفها فهو باطل.

ثمَّ ذكر ( عليه السلام ) كلاماً طويلاً في الردّ على من قال بالاجتهاد في القبلة ، وحاصله الرجوع فيها إلى العلامات الشرعية.

[ ٣٣١٨٩ ] ٣٩ ـ محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب ( الرجال ) عن محمّد بن مسعود ، عن إسحاق بن محمّد ، عن أحمد بن صدقة ، عن أبي مالك الأحمسي ـ في حديث ـ : أنَّ مؤمن الطاق كلّم رجلاً من الشراة فقطعه ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : والله لقد سررتني ، والله ما قلت من الحقّ حرفاً ، قال : وَلِمَ ؟ قال : لأنّك تكلّمت على القياس ، والقياس ليس من ديني.

[ ٣٣١٩٠ ] ٤٠ ـ الحسن بن عليّ بن شعبة في ( تحف العقول ) عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) قال : إذا تطيّرت فامض ، وإذا ظننت فلا تقض (١).

[ ٣٣١٩١ ] ٤١ ـ عبد الله بن جعفر في ( قرب الإِسناد ) عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إنّ بعض أصحابنا يقولون : نسمع الأمر (١) يحكى عنك وعن آبائك ، فنقيس عليه ، ونعمل به ، فقال : سبحان الله ! لا والله ما هذا من دين جعفر ( عليه السلام ) ، هؤلاء قوم لا حاجة بهم إلينا ، قد خرجوا

__________________

٣٩ ـ رجال الكشي ٢ : ١٨٨ / ٣٣١.

٤٠ ـ تحف العقول ٣٥.

(١) في المصدر زيادة : وإذا حسدت فلا تبغ.

٤١ ـ قرب الاسناد : ١٥٧.

(١) في المصدر : الأثر.

٥٨

من طاعتنا ، وصاروا في موضعنا ، فأين التقليد الّذي كانوا يقلّدون جعفراً وأبا جعفر ( عليهما السلام ) ؟ قال جعفر : لا تحملوا على القياس ، فليس من شيء يعدله القياس ، إلاّ والقياس يكسره.

[ ٣٣١٩٢ ] ٤٢ ـ وعن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة (١) ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : إيّاكم والظنّ ، فإنّ الظنّ أكذب الكذب.

[ ٣٣١٩٣ ] ٤٣ ـ محمّد بن محمّد المفيد في ( المجالس ) عن الصدوق ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حمّاد بن عثمان ، عن زرارة بن أعين ، قال : قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ ( عليهما السلام ) : يا زرارة ! إيّاك وأصحاب القياس في الدين ، فإنّهم تركوا علم ما وكلوا به ، وتكلّفوا ما قد كفوه ، يتأوَّلون الأخبار ، ويكذبون على الله عزَّ وجلَّ ، وكأنّي بالرجل منهم ينادى من بين يديه ، فيجيب من خلفه ، وينادى من خلفه ، فيجيب من بين يديه ، قد تاهوا وتحيروا في الأرض والدين.

[ ٣٣١٩٤ ] ٤٤ ـ وعنه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن السّعد آبادي ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : لعن الله أصحاب القياس ، فإنّهم غيّروا كتاب (١) الله وسنّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، واتّهموا الصادقين في دين الله.

__________________

٤٢ ـ قرب الاسناد : ١٥.

(١) في المصدر : مسعدة بن زياد.

٤٣ ـ أمالي المفيد : ٥١ / ١٢.

٤٤ ـ أمالي : المفيد ٥٢ / ١٣.

(١) في المصدر : كلام.

٥٩

[ ٣٣١٩٥ ] ٤٥ ـ محمّد بن مسعود العيّاشي في ( تفسيره ) عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سئل عن الحكومة ، فقال : من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ، ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر.

[ ٣٣١٩٦ ] ٤٦ ـ وعن أبي العبّاس قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن أدنى ما يكون به الإِنسان مشركاً ، فقال : من ابتدع رأياً ، فأحبّ عليه ، وأبغض.

[ ٣٣١٩٧ ] ٤٧ ـ وعن أبان ، عن عبد الرحمن (١) ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : أدنى ما يخرج به الرجل من الإِسلام أن يرى الرأي بخلاف الحقّ ، فيقيم عليه ثمّ قال : ( وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (٢).

[ ٣٣١٩٨ ] ٤٨ ـ وعن زرارة ، وأبي حنيفة جميعاً ، عن أبي بكر بن حزم ، قال : توضّأ رجل ، فمسح على خفّيه ، فدخل المسجد يصلّي (١) ، فجاء عليٌّ ( عليه السلام ) فوطىء على رقبته وقال : ويلك ! تصلّي على غير وضوء ، فقال : أمرني عمر بن الخطّاب ، قال : فأخذ به (٢) فانتهى به إليه فقال : انظر ما يروي هذا عليك ـ ورفع صوته ـ فقال : نعم ، أنا أمرته ، إنَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) مسح ( على خفّيه ) (٣) ، فقال : قبل المائدة أو بعدها ؟ قال : لا أدري ، قال : فلِمَ تفتي ، وأنت لا تدري ؟!

__________________

٤٥ ـ تفسير العياشي ١ : ١٨ / ٦.

٤٦ ـ تفسير العياشي :

٤٧ ـ تفسير العياشي ١ : ٢٩٧ / ٤٢.

(١) في المصدر : عن أبان بن عبد الرحمن.

(٢) المائدة ٥ : ٥.

٤٨ ـ تفسير العياشي ١ : ٢٩٧ / ٤٦.

(١) في المصدر : فصلّىٰ.

(٢) في المصدر : بيده.

(٣) ليس في المصدر.

٦٠