عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٣

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٣

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٨٧

تقدم الشيعة من مكارم الأخلاق :

فاعلم أنّ أوّل من صنّف فيه هو امير المؤمنين عليه‌السلام كتب كتابا فيه عند منصرفه من صفّين وأرسله إلى ولده الحسن بن محمد بن الحنفية وهو كتاب طويل جمع فيه جميع ابواب هذا العلم وطرق سلوكه ومكارم الملكات وكل المنجيات والمهلكات وطرق التخلّص من تلك المهلكات رواه علماء الفريقين رواه الكليني (ره) منا في كتاب الرسائل من عدة طرق وأول من صنّف فيه من الشيعة اسماعيل بن مهران بن ابي نصر ابو يعقوب السكوني وسماه كتاب صفة المؤمن والفاجر ومن القدماء الحسن بن علي بن الحسن وكتاب طهارة الاعراق لعليّ بن مسكويه الرازي وكتاب مكارم الأخلاق للطبرسي ومجموعة ورام ابي فراس وجامع السعادات للنراقي الكاشاني وغيرهم من اكابر شيوخ الشيعة.

تقدّم الشيعة في النحو العربي وأن

الشيعة أوّل من أسّسه وبوّبه :

واعلم أنّ أول من ابتدع النحو وأنشأه وأملى جوامعه واصوله هو امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام وقد حكى على ذلك الاجماع جمال الدين علي ابن يوسف القفطي في كتابه تاريخ النحاة والمرزباني في المقتبس وقال ابن جبير في الخصائص في باب صدق النقلة ما لفظه او لا تعلم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام هو البادي به والمنبّه عليه والمشير إليه وقال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة قد علم ذلك الناس كافة قلت وقد ارسل ذلك الائمة ارسال المسلمات وقد أخرجت نصوصهم في الأصل الدالة على صحة الإجماع عليه وسبب ذلك أنّ اعرابيا سمع من سوقي يقرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله فشج رأسه فخاصمه الى امير المؤمنين (ع) فقال له في ذلك فقال إنه كفر بالله في قراءته فقال (ع) إنه لم يتعمد بذلك ثم أملى اصول النحو الكلمة كلها اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمّى والفعل ما أنبأ عن حركة

٢٢١

المسمّى والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ثم قال لي يا أبا الاسود إن الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر إلى آخرها وامّا أول من بسط النحو وكتب في الكوفة والبصرة فهو الحبر العلامة حجة الأدب ترجمان لسان العرب الخليل ابن احمد وسيبويه في الكوفة وابو جعفر الرواس شيخ الكوفيّين ومحمد بن الحسن ابن أبي سارة الكوفي النحوي وغيرهم من علماء الأدب الشيعة.

تقدم الشيعة في علم المعاني والبيان :

والفصاحة والبلاغة وفي اوّل من وضعه وصنف فيه : وهو المرزباني ابو عبد الله محمّد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبد الله المرزباني الخراساني صنّف فيه كتابه المسمّى بالمفصّل في علم البيان والفصاحة قال ابن النديم في الفهرست وكتاب تجريد البلاغة للمحقق البحراني ميثم ابن عليّ بن ميثم المعاصر للسكاكي صاحب المفتاح وشرح تجريد البلاغة للفاضل السيوري المقداد بن عبد الله من أعلام الشيعة.

أول من تقدّم في فنون الشعر في الإسلام هم الشيعة :

ومنهم الفرزدق مادح وشاعر أهل البيت ومنهم وليد بن ربيعة العامري وابو الطفيل عامر بن واثلة العامري ومن شعراء الشيعة كما في رياض العلماء مرزا عبد الله افندي ومنهم اشعر شعراء أهل المغرب على الإطلاق بالاتفاق وهو ابو القاسم محمّد بن هاني الأندلسي المغربي الامامي المقتول سنة ٣٦٢ ه‍ ومنهم عليّ بن عبد الله الناشي سكن مصر في زمن المقتدر والراضي وغيرهم من خلفاء العباسيّين وشعره المعروف في امير المؤمنين عليه‌السلام.

بآل محمّد عرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

وهم حجج الإله على البرايا

بهم وبجدّهم لا يستراب

ولا سيما ابو حسن عليّ

له في الحرب مرتبة تهاب

طعام حسامه مهج الأعادي

وفيض دم الرقاب له شراب

كأنّ سنان ذابله ضمير

فليس عن القلوب له ذهاب

٢٢٢

وصارمه كبيعته بخمّ

هو الضحّاك إذا اشتد الضراب

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

فليراجع شعراء الغدير في كتاب الغدير طبع منه ١١ جزءا للعلامة المجاهد الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي.

أول من تقدّم في علم الفيزياء هم الشيعة :

واعلم أن جابر بن حيّان الكوفي صنف في علم الفيزياء وقد صنف سبعمائة رسالة ٧٠٠ وهو من اعاظم تلامذة الامام الصادق عليه‌السلام.

ملخّص الكلام أن الشيعة هم المتقدمون في جميع العلوم في التصنيف والتأليف في علوم القرآن واحكامه ومجازات القرآن وتفسيره وعلوم الحديث ودرايته وعلم الكلام وعلم الفرق واصول الفقه والفقه وشرايع الإسلام والحكمة والفلسفة وأديان العرب وعلم مكارم الأخلاق وعلم السير وعلم الجغرافيا وعلم التواريخ والآثار وتاريخ الاسلام واللغة وعلم الكتابة في دولة الإسلام وعلم المعاني والبيان والفصاحة والبلاغة وعلم العروض وفنون الشعر في الإسلام وعلم الصرف والنحو وجمع قواعده واختراع اصول علم النحو والتربية وأنّ الشيعة اخذوا هذه العلوم من امامهم الأعظم علي بن ابي طالب عليه‌السلام وكتبهم في العالم مشهورة فراجع موسوعة الذريعة في كتب الشيعة للعلامة البحاثة آغا بزرك الطهراني قدس‌سره.

الشيعة في ايران صانها الله تعالى عن الحوادث :

ايران وتسمّى أيضا بلاد فارس والعجم بلاد ومملكة واقعة في آسيا الغربيّة ممتدّة من تركيا شرقا إلى افغانستان وبلوجستان وبلاد خزر وجنوبا الى خليج فارس والعجم والقسم الغربي من تخومها الشمالي مؤلّف من ترنسكوكان او روسيا الشيوعية والقسم الشرقي مؤلف من خيوا وبينهما بحر الخزر أما الجهة الجنوبية الشرقية من تخوم المملكة فقريبة (لجون) الى نهر عمان في البحر الغربي.

٢٢٣

مساحتها :

وكانت مساحتها ٠٠٠ ، ٧٠٠ ، ١ كيلومتر مربع نحو ثلاثة اضعاف مساحة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا).

حضارتها ومعارفها من العلوم :

أمّا معارفها من العلوم فهي القدوة لجميع العالم من النجوم والمنطق والطبيعي والطبّ والرياضيات والهندسة والاصول والكلام والفلسفة واللغة الفارسية والعربيّة والفرنسية والانكليزية وعلم التشريح ورجال الفكر والسياسة والفلاسفة والحكماء الرياضيّين والفنّانين والموسيقيين والمؤلفين وقال النبهاني في الشرف المؤبد ص ٢٦ قوله لو كان العلم بالثريّا لتناوله ابناء فارس وقال المناوي فيه فضيلة لهم وتنبيه على علوّ همتهم وقال الحموي الياقوتي في المعجم اذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس وقال البستاني في دائرة المعارف ج ٤ ص ٧٣٢ قال وشريعة ايران مبنية على القرآن والحديث كشرائع غيرها من الممالك الإسلامية والشريعة المحمدية ومذهبهم الشيعة الذين ينكرون المشايخ الثلاثة عملا بقول الرسول الأكرم (ص) يا علي انت وصيّي وقاضي ديني بعدي ولا توجد دولة شيعية في العالم غير ايران صانها الله عن الحدثان.

سلاطين ايران ومعاضدتهم لمذهب التشيّع

من أول دخول الإسلام الى ايران :

وقد تكوّنت من الشيعة دول وإمارات في فارس وخراسان من زمان ورود علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام على خراسان من تاريخ ٢٠١ ه‍ الى زماننا هذا ١٣٩٦ ه‍ وعاضدته وبنت على اسس ثابتة وأقامت اركانه امثال الدولة الطاهرة والعلوية والسلطنة البويهيّة والدولة والحكومة المغولية والدولة الصفوية والحكومة النادرية والدولة القاجارية وسلطنة البهلوية ووزراء وأمراء وغيرها.

٢٢٤

الدولة العلوية في الديلم :

ولي الامر في الديلم وهي بلدة جبليّة بين قزوين ورشت ورودبار وطارم وأبهر زنجان أربعة من العلويّين أوّلهم الحسن بن زيد وكان بالري فشخص إلى الديلم بدعوة من اهلها فاتفقت كلمة الديلم وأهل كلار وشالوس (جالوس) والرويان (مازندران) على بيعته فبايعوه كلهم وطردوا عمال ابن اوس فلحقوا بسليمان بن عبد الله الطاهري وانضم الى الحسن جبال طبرستان كاسمنان وقاشان وانضم إليه أيضا ليث بن قتادة وجماعة من أهل السفح ثم استوى على آمل وقد استقل امره حتى ملك الري وجرجان وفي التاريخ ٢٦١ ه‍ استولى على طبرستان واستمر مستوليا الى ان وافاه الأجل المحتوم في رجب عام ٢٧٠ وكانت ولايته ١٩ عاما وثمانية اشهر وستة ايام.

محمّد بن زيد العلوي :

ولمّا مات الحسن قام من بعده اخوه محمّد وكانت أيامه كلّها حروبا ووقائع فتارة مع الصفارية واخرى مع اسماعيل بن احمد الساماني فأصابته جراحات في معركة هائلة كانت بينه وبين محمّد بن هارون الذي تولى حربه من قبل اسماعيل وأسر ابنه زيد ثم مات محمّد بن زيد بعد أيام من جراحاته عام ٢٨٧ ه‍ كما في التاريخ لابن الأثير ج ٧ / ١٦٦ وأشاد قبة الحسين وقبة امير المؤمنين عليهما‌السلام الداعي محمّد بن زيد العلوي وقيل اخوه الحسن وارسل الى كربلاء والنجف اموالا كثيرة لتشييد المرقدين الطاهرين.

الحسن بن علي الاطروش

ولمّا توفّي محمّد بن زيد دخل الديلم الحسن بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين الامام زين العابدين (ع) المعروف بالاطروش وأقام فيهم ثلاث عشر سنة يدعوهم إلى الإسلام فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه

عقائد الإمامية ـ ١٥

٢٢٥

وبنى في بلادهم المساجد واسلم على يده من بقية الديلم والطارم وأبهر وزنجان وقزوين وطبرستان كلهم واستولى على جميع طبرستان ويسمى بالناصر.

الحسن بن القاسم الداعي :

ثم قام من بعده صهره الحسن بن القاسم العلوي ويعرف بالداعي فاستولى على الريّ وأخرج منها اصحاب الساماني ثم استولى على قزوين وزنجان وأطرافها وابهر وقم وكان السيّد ابراهيم من احفاد العباس بن علي (ع) في زنجان من قوّاده كما ذكرنا ترجمته مفصّلا في تاريخ زنجان وظهر في أيّامه اسفار بن شيرويه الديلمي وعظم امره وقويت شوكته فاستولى على طبرستان وكان الداعي بالريّ فلمّا بلغه خبر اسفار عاد ووقعت بينهما حرب دامية قتل فيها العلوي الداعي وذلك عام ٣١٦ ه‍ فكان بهذه الدولة العلوية للتشيع سمو ورفعة ونمو وانتشار.

الشيعة والملوك البويهيّون في ايران :

آل بويه من الديلم وكان ابتداء ملكهم في شيراز ٣٢١ ه‍ وانتهاؤه عام ٤٤٧ ه‍ وأوّل من ملك منهم الاخوة الثلاثة عماد الدولة عليّ بن بويه وكانت وفاته عام ٣٣٨ ه‍ ومعزّ الدولة أحمد بن بويه وكانت وفاته عام ٣٥٦ ه‍ وركن الدولة الحسن بن بويه وكانت وفاته عام ٣٦٦ ه‍ وآخر ملوكهم الملك الرحيم ويقال إن قبيلة خاقان في العراق تنتمي إليهم وكان ابتداء سلطان آل بويه في شيراز ثم سرى نفوذهم إلى جميع بلاد ايران والعراق بل وإلى جميع البلاد وأطراف العالم في حكومة بني العبّاس وكانوا ارباب التدبير في جميع المملكة على عهد دولتهم وليس للخليفة العباسي ان يبرم شيئا الا بأمرهم طبع آل بويه على خدمة المذهب شأن الملوك والامراء ذلك العهد إذا تمذهبوا بمذهب فكانت أيام آل بويه كلّها ايام سعي وترويج لمذهب اهل البيت فتجدهم يسلكون كل سبيل مشروع لنصرته واعلاء شأن العترة النبويّة فكانوا في اليوم الثامن عشر من

٢٢٦

ذي الحجة وهو يوم غدير خمّ الذي رقى فيه رسول الله (ص) منبرا صنعه المسلمون له من حدوج الابل وخطب عليه مبيّنا فضل أهل بيته وفضل المرتضى إلى آخر ما قاله وهو يخطب ألست اولى بكم من انفسكم فقال المسلمون بلى فلمّا أخذ الاقرار منهم بذلك قال من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه هذا بعض ما قاله الرسول (ص) في شأن أبي الحسن عليّ بن أبي طالب (ع) فكانت الشيعة ترى هذا اليوم عيدا من أجلّ الأعياد في أقطار العالم حتى لا يكون منسيا.

بتاريخ ٣٥٢ ه‍ أمر معز الدولة لأجل

عاشوراء بتعطيل السوق في بغداد :

وكان الشيعة كما يقول ابن الاثير يعملون يوم عاشوراء من المآتم والنوح واظهار الحزن ما هو مشهور في جميع البلاد ولكن آل بويه عمّموه على البلاد كلّها وما قصروه على الشيعة فحسب فإنّ معز الدولة احمد بن بويه أمر الناس في العاشر من المحرّم أن يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء وأن يظهروا النياحة ويلبسوا ثيابا عملوها بالمسوح ففعل الناس ذلك انظر ابن الأثير في حوادث عام ٣٥٢ ه‍ فكيف ترى شأن هذا اليوم والملوك من آل بويه تتخذه يوم حزن ونياحة وتأثر الناس بذلك وكيف لا تقوى الشيعة على الاستمرار على تلك الشعائر والملوك تأخذ بأيديهم وكان هذان اليومان يوم الغدير ١٨ من ذي الحجة ويوم عاشر من المحرّم مظهرا شيعيّا ومن ثم يؤيدهما ملوك الشيعة وما اقتصر آل بويه على خدمة المذهب بظاهر السرور يوم الغدير وشعائر الحزن يوم العاشر من المحرّم فحسب بل كانوا يبذلون جهدهم في خدمة أهل البيت من شتى الوسائل فكانوا يحترمون علماء الشيعة بجميع طرق الاحترام من التبجيل والعناية وبذل الأموال الكثيرة حتى أن عضد الدولة كان يركب في موكبه العظيم لزيارة

٢٢٧

الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان كما قال ابن الأثير في حوادث عام ٣٧٢ ه‍ ج ٩ ص ٨ واسكنوا الشيعة في المشاهد المقدّسة وخصّصوا لهم الرواتب وأجزلوا لهم العطاء فإنّ تلك المشاهد إذا سكنت فيها الشيعة سهل على الزائرين الاقامة فيها وأقاموا الأبنية الضخمة وعليها القباب الرفيعة لتلك الضرائح المقدسة حتى انّ عضد الدولة استقام في المشهد العلوي النجف الأشرف لتعمير المرقد الشريف هو وجنده قريبا من سنة فعمّر عمارة كانت الغاية في العظمة والفخامة والاتقان في ذلك العهد وبناء الدور والرباطات واجزل العطاء وجمع السادات في كربلاء وصار مجموع عددهم ٢٢٠٠ نفر ففرق عليهم الأموال ثم توجّه الى زيارة النجف الأشرف بتاريخ ٣٤٨ ه‍ لزيارة امير المؤمنين عليه‌السلام وخرّب عمارة هارون الرشيد وشيّد قبر علي بن ابي طالب (ع) باسلوب جديد وجلب من الهند العود ليصنع منه صندوق قبر امير المؤمنين عليه‌السلام واكرم سادات النجف الأشرف وكان مجموع عددهم ٧٠٠ نفر وفي هذا التاريخ ١٣٩٦ صار مجموع السادات والعلويّين في اقطار العالم ثلاثين مليون نسمة.

وملخّص الكلام أنهم اجتهدوا في خدمة المذهب ما استطاعوا وأحيوا التشيع ما قدروا حتى أن بعض المؤرّخين اعترف بانتشار التشيّع في عهدهم وتكثر الشيعة في دولتهم وآثارهم في ايران والعراق شاهدة عليه وقد خلّدها التاريخ ومن وقف على تاريخ ايران قبل دولتهم وفي ايامهم عرف ما كان لهم من الاثر الجليل في حفظ التشيع ونشره وكفى لاستقامة التشيع وانتشاره جهد هؤلاء الملوك واعيان الوزراء أمثال الصاحب بن عباد الطالقاني وغيره وكان الصاحب وزيرا لفخر الدولة وكان عالما اديبا شاعرا جليل القدر في العلم والأدب والدين والدنيا اجتمع حوله من العلماء والشعراء ما لم يجتمع حول سواه إلا سيف الدولة آل حمدان ولأجله ألف ابن بابويه عيون الأخبار والثعالبي يتيمة الدهر في احواله واحوال شعرائه وكتاب المحيط في اللغة.

٢٢٨

عضد الدولة :

أول شخص يلقّب بشاهنشاه أي ملك الملوك لأول مرّة في الإسلام وقد ظلّ هذا اللقب لمن جاء بعده من ملوك الفرس وكان يتصدّق كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ويصرف كل سنة ثلاثة آلاف دينار ثمن احذية للحفاة من الحجاج وشيّد ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء وكان ينفق على أهل مكة والمدينة وطرقهما ومصالحهما الف دينار كل سنة وكان يبذل مالا كثيرا على عمارة المصانع وتنقية الآبار وكان يحب العلماء والعلم ويجري الأرزاق على الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين والأطباء والحسّاب ومن آثاره تجديد عمارة مشهد امير المؤمنين (ع) وكان أوصى بدفنه فيه فدفن بجواره عليه‌السلام وكتب على لوح قبره هذا قبر عضد الدولة وتاج الملّة أبي شجاع بن ركن الدولة أحب مجاورة هذا الامام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وصلاته على محمّد وعترته الطاهرة ولد عضد الدولة سنة ٣٢٤ وتولى الملك سنة ٣٦٦ وتوفي سنة ٣٧٢ ه‍.

صمصام الدولة وشرف الدولة :

وتولّى بعد عضد الدولة ولده أبو كاليجار الملقّب بصمصام الدولة ونازعه الملك أخوه شرف الدولة ابو الفوارس ودارت بينهما حروب طاحنة دامت اربع سنوات وفي النهاية تغلّب شرف الدولة على أخيه الصمصام وفي سنة ٣٧٩ توفي شرف الدولة وكان عمره ٢٨ سنة وخمسة شهور وقام بعده ولده ابو نصر الملقب ببهاء الدولة.

بهاء الدولة :

ولمّا ولي بهاء الدولة نازعه عمه فخر الدولة بن عضد الدولة ثم عمه

٢٢٩

صمصام الدولة ووقعت بينهما حروب دامية وتوزعت المملكة بين الجميع وقتل صمصام الدولة سنة ٣٨٨ ومات بهاء الدولة سنة ٢٠٣ وحمل الى مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فدفن هناك وكان عمره ٤٣ سنة وملكه ٢٤ وولي بعد ابي شجاع سلطان الدولة.

سلطان الدولة :

ولمّا ملك سلطان الدولة ولى أخاه أبا طاهر الملقّب بجلال الدولة البصرة وأخاه الثاني أبا الفوارس بلاد كرمان وأخاه الثالث شرف الدولة العراق وأقام هو في شيراز وفي سنة ٤١٥ مات سلطان الدولة فتولّى بعده ابنه ابو كاليجار ودارت حروب بينه وبين عمّه ابي الفوارس انتهت بالصلح ببقاء العراق بيد شرف الدولة دون منازع وفارس لابي كاليجار وفي سنة ٤١٦ مات شرف الدولة وتولّى بعده على العراق أخوه جلال الدولة قال ابن الأثير صاحب كامل التواريخ كان شرف الدولة كثير الخير قليل الشر عادلا حسن السيرة.

جلال الدولة ملك العراق :

قال صاحب النجوم في الجزء الخامس كان جلال الدولة ملكا محبّا للرعيّة حسن السيرة وكان يحبّ الصالحين ولقي من الأتراك في سلطنته شدائد ومات جلال الدولة سنة ٤٣٥ قال ابن الأثير في حوادث ٤٣٥ كان جلال الدولة يزور الصالحين وزار مرة مشهد عليّ وولده الحسين وكان يمشي حافيا قبل ان يصل الى كل مشهد منهما نحو فرسخ يفعل ذلك تديّنا يا ليت ملوك زماننا هذا ١٣٩٦ يفعلون مثل ما فعل ذاك الملك.

ابو كاليجار :

وتولّى بعد جلال الدولة ابو كاليجار بن سلطان الدولة ووقعت الحرب

٢٣٠

بينه وبين طغرلبك السلجوقي ثم تم الصلح بينهما واستقرت الحال وتزوّج طغرلبك ابنة ابي كاليجار وتزوّج ابن أبي كاليجار بابنة أخ طغرلبك وفي سنة ٤٤٦ مات ابو كاليجار وكان عمره ٤٠ سنة وشهورا ودام ملكه على العراق ٤ سنوات وشهرين وعشرين يوما.

الملك الرحيم :

وتولّى بعد ابي كاليجار ولده ابو نصر الملقب بالملك الرحيم ولكن لم تطل ايامه فقد دخل طغرلبك بغداد سنة ٤٤٧ ه‍ واستولى عليها وقبض على الملك الرحيم وسجنه في احدى القلاع وانتهى به ملك البويهيين الذي امتد من سنة ٣٢١ ه‍ الى سنة ٤٤٧ ه‍ في جميع أطراف ملك بني العباس.

الشيعة وسلاطين المغول في ايران والعراق وسوريا وغيرها :

كان ابتداء دولة هولاكوخان في ايران عام ٦٥٠ ه‍ وانتهاء دولته وسلالته بموت ابي سعيد خان في سلطانية زنجان عام ٧٣٦ ه‍ وحمل على العراق بقيادة الخواجة نصير الدين الطوسي فيلسوف الاسلام وبتأييد سديد الدين العلقمي وزير الخليفة العباسي بتاريخ ٦٥٦ ه‍ وقضى على خلفاء بني العباس فأعطى الحرية للمذاهب ومنها مذهب أهل البيت وهو مذهب الشيعة في البلاد التي تحت نفوذه كلها كان هولاكو يحترم الأديان واربابها ويعظّم أهل العلم والصلاح وان كانوا من غير اهل ملته ومن ثم جمع بين علماء الفريقين الشيعة والسنة يوم جاء فاتحا للعراق وما اباح بغداد لأنها بلد إسلامي وهو سفّاك فتّاك يفتك في كل بلد يحاربه ويتغلب عليه وان كانوا من أهل دينه فكانت الأديان في عهده كلها حرّة وبطريقته سار الملوك من اولاده ولمّا اطلق هولاكو للأديان والمذاهب الحريّة ومنها مذهب أهل البيت ولم يتعرّض بسوء لأهل الحلة وكربلاء والنجف الأشرف وكلهم شيعة اسلم من ملوك المغول أربعة

٢٣١

تكردار بن هولاكو ويسمّى بأحمد وغازان بن ارغون بن بغا بن هولاكو ويسمى بمحمود غازان خان وأخو غازان ويسمّى بمحمّد خدابنده وبهادرخان ابو سعيد بن سلطان محمّد خدابنده وامّا غازان خان فإنه لما استولى على العرش اسلم وأسلم معه من الجند مائة الف او اكثر وهل تشيّع بعد ما اسلم هناك أمارات دالة على تشيّعه منها أنه لما جاء الى العراق في عام ٢٩٦ توجّه الى الحلة وقصد مشهد امير المؤمنين عليه‌السلام فزار ضريحه المقدس وآثر العلويّين وأجزل عليهم العطاء ثم زار مشهد الحسين عليه‌السلام في كربلاء وفعل مثل ذلك وهكذا فعل يوم جاء العراق عام ٦٩٨ (انظر الحوادث الجامعة لابن فوطي) في حوادث هذين العامين ومنها أنه بنى ببغداد عام ٦٩٦ دورا لضيافة العلويين الذين ينزلونها وسمّاها دور السيادة وأنفق عليها اموالا طائلة ووقف عليها الاملاك والضياع ومنها أنه حفر ثلاثة أنهر من الفرات كان أحدها لمدينة كربلاء (مختصر تاريخ بغداد) وامثال ذلك فغلب على الظن تشيّعه لأن امثال هذه الامور لا يصنعها غالبا الا من جرى دم التشيع في عروقه ومنها بناء سلطانية زنجان عاصمة ملكه.

وأمّا شاه سلطان محمّد خدابنده فإنّه أسلم ثم تشيع

على يد العلامة الحلّي وخدم مذهب التشيع تماما :

وكان له وزير اسمه الأمير طرمطار فأخذ يطلعه على مذهب أهل البيت ويدعوه إليه فتمايل له وفي هذه الآونة ورد على السلطان السيّد تاج الدين الامامي مع جماعة من الشيعة ثم جاء بعد ذلك إلى العراق وزار مرقد امير المؤمنين عليه‌السلام فرأى ما تقوّى به مذهب الاماميّة عنده فأمر باحضار العلماء من الشيعة وطلب العلماء من الحلة وكان رئيس الحوزة العلمية ابو القاسم المحقّق صاحب الشرائع وارسل العلامة الحسن بن يوسف بن المطهّر واحضر من سلطانية زنجان عاصمة إيلخانية فأمر السلطان قاضي القضاة نظام الدين المراغي بمناظرة العلامة وأعد لهم مجلسا حافلا بالعلماء وأهل الفضل فوقعت

٢٣٢

المناظرة بينهما في الخلافة والسلطان يسمع تلك المناظرة لأنه كان من أهل الفضل فظهر الفلج على قاضي القضاة وانتصر العلامة عليه فأظهر السلطان التشيع من حينه وأمر به الجند وأهل المملكة وأجرى في جميع بلاده مراسيم المذهب الامامي وجعل السيّد تاج الدين محمد الآوي نقيب الممالك فكانت هذه المناظرة سببا لانتشار مذهب آل محمّد (ص) في ايران خصوصا في شمالها حتى مدّ أروقته على جميع بلادها وكتب أسماء الائمة الاثني عشر على ابواب المساجد والدرهم والدينار وقال العلامة المجلسي (ره) آثار سلطان محمّد خدابنده في مساجد اصفهان موجودة إلى الآن منذ زمانه ١١١١ ه‍ وبقي العلامة الحلي في صحبته في السلطانية اربع سنوات وكتب نهج الحق في الامامة ميّز له أسباب التأليف والدرس وقد قال العلامة في الجزء السابع من كتاب التذكرة فقد تم هذا الجزء في مدرسة الكرباسية في السلطانية ومات السلطان شاه خدابنده في التاريخ ٧١٦ في السلطانية ودفن في قبة خاصة له الى زماننا هذا هذه القبة موجودة واما بهادر خان ابو سعيد فإنه من يوم سلطنته كان على مذهب أهل البيت وبموته كان انقطاع دولة المغول وخلاصة الكلام إنّ من أزهى عصور التشيع كان عصر المغولية لأنّ الشيعة كانوا قادرين على إظهار مبدأ التشيع وظهر علماؤهم مناظرين ومحاجين وكان ذلك العصر يفتخر بعلماء جهابذة قلما يجتمع علماء كثر في عصر مثله وهم امثال آل سعيد ومنهم المحقق صاحب الشرائع والعلامة وابوه وابنه والسيّد تاج الدين الآوي وآل طاوس ومنهم العالم البرّ مجد الدين والسيّدان الشريفان رضي الدين وغياث الدّين وكانا نقيبي الطالبيين في العراق من عهد المغولية والخواجة نصير الدين الطوسي إمام الفلسفة والكلام هو الذي تولّى وزارة الأوقاف والحرب في الممالك المغولية في عهد هولاكوخان الى كثير سواهم.

٢٣٣

الشيعة وسلاطين الصفوية

الموسوية في ايران صانها الله عن الحدثان

الشاه اسماعيل :

هو اسماعيل بن حيدر بن جنيد بن صفي الدين المتوفّى (في بيت المقدس) الذي ينتهي نسبه الى حمزة (المدفون في قرب شاه عبد العظيم الحسني في الري) عاصمة ايران ابن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام وهو أول ملوك الصفوية ومؤسّس دولتهم وكان آباؤه واجداده من العرفاء والصوفية في اردبيل وضواحيها وما أن أتم شاه اسماعيل العام الرابع عشر من عمره حتى ألّف جيشا من اتباع ابيه ومريديه وقاده بنفسه للغزو والفتح وكانت انقسمت بلاد ايران الى دول صغيرة شيعيّة احتلت كل دولة قسما من المملكة المغولية كالدولة الخديانية التي استولت على آذربايجان والعراق العجمي وديار بكر وبعض حدود الرّوم والدولة الايلخانية التي استملكت قسما من ايران من حدود آذربايجان الى العراق العربي والفرات العربي يعني جميع العراق وبعد مدة استقر ملكها في العراق فقط والبربدارية تغلبت على خراسان ومازندران وسبزوار وغيرهم والمرعشيّة التي استولت على آمل ومازندران الى غير هما من الدول وما قامت دولة تحكم بلاد ايران كلها بعد المغول الى أن نهض الشاه اسماعيل وكان نهوضه عام ٩٠٥ ه‍ او ٩٠٨ م ووفاته في اردبيل آذربيجان عام ٩٣٠ وبها دفن وأخذ يستولي على البلاد كلها واسترجع العراق واستولى عليه وللشاه اسماعيل في العتبات النجف الأشرف وكربلاء والكاظمين وسامراء والكوفة آثار جليلة خالدة منها بناء حرم الكاظمين عليهما‌السلام والمسجد الكبير الذي خلف الحرم وهو اليوم معروف بمسجد الصفوية وهو أوّل سلطان من الصفوية كان همّه ترويج مذهب الامامية الحق في جميع البلاد التي امتد إليها سلطانه وقوي فيها نفوذه وكان يرسل الدعاة والمبشّرين إلى البلاد التي يريد احتلالها فيدعوهم الى اعتناق مذهب اجداده أهل البيت

٢٣٤

قبل فتحها وكان شاه اسماعيل يفتخر بترويج مذهب آل محمّد (ص) وكان محبّا للعلماء والعلويّين حسن السيرة معهم واتخذ منهم النقباء والصدور فكانت دولته جامعة بين السلطة الزمنيّة والروحية والتعاون مع العلماء في نشر ألوية المذهب وتشييد اركانه وخطب بأسماء الائمة الاثني عشر عليهم‌السلام على المنابر وتم ما أراد من نشر المذهب الجعفري على ربوع ايران فلم تعترض في طريقه عقبات تحول دون ما أراد.

فتوحاته :

في سنة ٩٠٥ استولى على شيروان بعد أن قتل حاكمها وفي سنة ٩٠٦ فتح تبريز بلا مقاومة وفي سنة ٩٠٧ توجّه إلى همدان وفي سنة ٩١٢ أخذ ديار بكر وفي سنة ٩٠٩ ملك كيلان وفي ٢٥ جمادى الثانية سنة ٩١٤ ه‍ دخلت بغداد في حكمه وفرح الناس بقدومه والتجئوا الى عدله وكانوا ينتظرونه بفارغ الصبر وأخذوا يقدّمون القرابين والذبائح اكراما له وفي اليوم التالي بلا فاصل توجّه الى كربلاء وأدى مراسيم الزيارة وبات ليلته معتكفا في الحائر الحسيني (ع) منكبا على قبر الحسين الشهيد (ع) وأمر بصنع الصندوق المذهب للقبر الشريف وعلّق بالحضرة ١٢ قنديلا من الذهب وفرشها بأنواع السجاد الثمين كما أمر بصنع صناديق أخرى للنجف الأشرف والكاظمية وسامراء بدلا عن صناديقها القديمة ثم سافر الى النجف الأشرف وتشرّف بزيارة المشهد العلوي وقدّم القناديل من الذهب والفضة والمفروشات الثمينة وفي هذه السنة شرع ببناء حرم الكاظمين والمسجد الكبير المعروف بمسجد الصفويين وأمر بحفر النهر الذي كان قد حفره عطاء ملك الجويني ثم اندرس بمرور الزمن فجدّده الشاه اسماعيل ووقف ريعه على خدام المشهدين العلوي والحسيني هذا واكرم العلماء والعلويّين بالأموال والمناصب واستعان بأهل الكفاءة والمقدرة على نشر المذهب واعلان اسماء الأئمة الاثني عشر على المنابر وفي المحافل بشتى المناسبات ومات وخلفه ولده الشاه طهماسب.

٢٣٥

الشاه طهماسب :

ولد في ٢٨ ذي الحجة عام ٩١٩ وصار ملكا في ٩٣٠ وتوفي في صفر عام ٩٨٤ قال مدونلدس في كتاب عقيدة الشيعة معرّب من ٧٧ طبعة ١٩٤٩ مدّ الشاه اسماعيل سلطانه من خراسان حتى هرات فضلا عن ضمه المقاطعات الجنوبيّة إلى أملاكه حتى اذا جاء عام ٥٠٩ ميلادي كانت رقعة مملكته تمتدّ من نهر جيحون إلى خليج البصرة ومن بلاد الافغان إلى الفرات وخاف الأتراك العثمانيون على سلطانهم من قوة الشاه اسماعيل فهاجمه بايزيد بجيش مؤلف من الأتراك والتركمان ففرق الشاه شمله وانتصر عليه ولمّا خلع بايزيد وقام مقامه ولده السلطان سليم هاجم ايران وورد تبريز ٥٠٠٠ خمسة آلاف جندي و ٣٠٠ مدفع وتوغل في ايران حتى دخل العاصمة تبريز وكان الشاه غائبا عنها في همدان وكان الأتراك يحاربون بالمدافع والأسلحة الحديثة والإيرانيون يدافعون عن انفسهم بالسلاح القديم ولكن الأتراك اضطروا الى الرجوع حين جاء الشتاء لشدة البرد وقلة الزاد وانتشار الوباء في جيوشهم وكان سلطان سليم التركي قد قتل عشرات الألوف من الشيعة وهذه جملات يجب أن تذكر في حالات الشاه اسماعيل ولكن ذكرتها في ترجمة الشاه طهماسب تداركا عما فات.

وما أن ملك الشاه طهماسب بعد أبيه حتى قامت في وجهه القلاقل والفتن الداخلية وثار عليه أخوه القاضي ميرزا.

الشاه طهماسب والتشيّع :

وترسم خطى أبيه الشاه اسماعيل في تأييد المذهب وقد بالغ في اكرام العلماء وأهل الدين حتى جعل امر البلاد بيد عالم العصر المحقق الثاني الشيخ علي عبد العال الكركي لبناني وقال له فيما قال انت اولى مني بالملك لأنك نائب الامام حقا وأنا عامل منفذ وكتب الى جميع الولاة وارباب المناصب باطاعة الشيخ والعمل بأوامره وتعاليمه فكان الشيخ يطبق الشريعة ويقيم الحدود

٢٣٦

كما عيّن الائمة لصلاة الجماعة والمدرّسين في المدارس والوعّاظ لبث المذهب الجعفري وآثاره ومن آثار الشاه طهماسب ترميم الحائر الحسيني واصلاحه وتوسيع الصحن وتجديد المنارة المعروفة بمنارة العبد وملك سنة ٩٣٠ ومات ٩٨٤ وكانت مدة ملكه ٥٤ سنة وكان له أولاد كثيرون تنازعوا الملك بعده وتغلّب احدهم على إخوته وهو اسماعيل الثاني وبقي في الحكم سنة واحدة وبضعة اشهر وقام بعده أخوه محمد خدابنده وكان أعمى ضعيف الرأي وقد اضطرب امر البلاد على عهده وقامت ثورات وفتن وانشق عليه ولده عبّاس واستقل بالحكم.

الشاه عباس الأول مروّج المذهب الجعفري :

ولد الشاه عباس سنة ٩٧٩ واستقل بالملك سنة ٩٩٦ وتوفي سنة ١٠٣٨ وكان الشاه عباس معروفا بأصالة الرأي وقوة العزم وحسن التدبير والعدل في الرعيّة وكانت البلاد الايرانية حين تولى الملك مجزأة الأطراف موزّعة بين الأتراك والتركمان بسوء إدارة أسلافه فاسترجعها ووحّدها تحت سلطانه وانشأ لأول مرة في تاريخ ايران او الصفويين العلاقات السياسية والعلمية والعسكرية بين ايران ودول اوربا كفرنسا وانكلترا وايطاليا وما أن أخضع الثائرين والخارجين عليه حتى حشد الأتراك على الحدود الايرانية مائة الف جندي فصدّهم الشاه عباس وارجعهم خاسرين وقد تبيّن له من حربه مع الأتراك أن الجيش الايراني ينقصه التدريب والنظام فاستقدم الخبراء الأجانب فنظموا له الجيش على الطرق الحربيّة الحديثة يوم ذاك ولمّا اطمأنّ إلى جيشه زحف به على بقية الأقطار التي انتزعها الأتراك من الامبراطورية الايرانية واستردّها قطرا بعد قطر حتى استرجع آذربايجان وشطوط بحر قزوين وبلاد الجراكسة والعراق والموصل وديار بكر وكردستان وما يليها وكانت جيوشه بعد أن دربت تدريبا حديثا تتغلّب على جيش العدو الذي كان يبلغ احيانا ضعفي عدد عساكره.

٢٣٧

وقد اتخذ الشاه عباس اصفهان قاعدة سلطنته وعاصمته ونظم أحوالها وأحسن تدبيرها وكانت العاصمة أولا تبريز ثم قزوين.

حدود ايران في زمانه :

قال شاهين مكاريوس في تاريخ ايران توسّعت البلاد في ايّامه خطوة واسعة الى العظمة والتقدم فكثرت التجارة مع الافرنج وتردّد التجّار والسائحون إلى البلاد وحسنت العلاقات الطيّبة مع دول اوربا وسلطان الهند وشاد القصور الفخمة وزيّن المدائن وامر بالعدل وترك من الآثار العظيمة ما يخلد الذكر بخاصة في اصفهان التي ليس لها مثيل في الشرق الأوسط.

وهو أعظم سلاطين الشرق الأوسط وأشهر ملوك ايران حتى انّ الإيرانيّين يطلقون عليه شاه عباس كبير ويظنّون أن كل ما في ايران من الآثار القديمة هي من حسناته.

آثار الشاه عباس الكبير :

وكان يهتم بترقية ايران وقد أحضر ثلاثمائة ٣٠٠ نفر من الصنّاع الصينيين المهرة في صناعة الخزف مع عائلاتهم ليعلموا الصناع الايرانيّين الجودة في هذه الصناعة ويدرّبونهم على اتقانها وأخذت ايران تنتج الخزف بكميات هائلة أما الصناعات الأخرى فإنّ صناعة السجاد قد بلغت في عهد الصفويّين حدا من الروعة والاتقان كان اساسا لتفوّقها الكبير وهي مشهورة في العالم تماما.

بنى الشاه عبّاس الف خان من خراسان الى النجف :

ومنها اهتمامه البالغ بشق الطرق وتسهيل المواصلات بالأساليب المألوفة في عهده حتى أنه بنى ألف خان يتسع الواحد منها لمئات المسافرين مع دوابهم وحمولتهم وكانوا يأوون إليها دون أي مقابل ومعلوم أنّ هذه الخانات كانت

٢٣٨

ضروريّة لمواصلة السير والتنقل ولولاها لاستحال على المسافرين أن يقطعوا المسافات البعيدة وما زالت آثار هذه الخانات من خراسان إلى النجف الأشرف موجودة ..

منها تشييده المساجد.

ومنها آثاره في اصفهان وغيرها كالمدارس الفخمة على أحدث طراز ومنها تكريمه العلماء والفقهاء والفلاسفة والحكماء بشتى أنواع التكريم والتعظيم حتى كثرت في زمانه المؤلّفات في الفقه والحديث والاصول والأخلاق والفلسفة والكلام وغيرها قال العلامة السيّد محسن الامين في الجزء الثاني من معادن الجواهر كان سوق العلم في عصره باصفهان في رواج عظيم وكان يصدر عن رأي المحقق السيّد محمّد باقر الداماد والشيخ بهاء الدين العاملي في خطير الامور وحقيرها والف الشيخ البهائي كثيرا من الكتب باسمه كالجامع وغيره الى غير ذلك من الأعمال الجليلة وكان يرفض التفخيم والتعظيم ويأبى ان يطلق عليه الألقاب وأن يدعى بغير وكيل الرعيّة لأنّ هذا واقع كل حاكم ومن خرج من مفهوم الوكالة وحدودها فهو طاغية مستبد وكان شديد الاتصال بالناس مهتما بمعرفة احوالهم وما هم عليه من بؤس او نعيم وكان يلبس كل ليلة لباس الدراويش ويتنقّل في الشوارع ويتفقد الفقراء والمعوزين وكان يفعل ذلك في حروبه أيضا.

آثاره في مشاهد الأئمة في العراق وايران

وخراسان باقية إلى الآن زماننا هذا ١٣٩٨ ه‍ :

وهو الذي بنى المرقد العلوي في النجف الأشرف وصحنها بهندسة منسوبة إلى الشيخ البهائي وحجّره بالكاشي على الهيئة التي هي عليها اليوم وقد أودع في خزانة امير المؤمنين والإمام الرضا عليهما‌السلام التحف الثمينة ومن آثاره النهر المعروف في النجف نهر الشاه وقد حفره سنة ١٠٣٢ من الهجرة بعد

٢٣٩

أن فتح بغداد ومن آثاره آبار واسعة كثيرة في النجف الأشرف وهي تسمّى اليوم الشاه عباسيات (كما في معادن الجواهر للسيّد الامين ج ٢ وتاريخ الشيعة للشيخ المظفر) وبلغ من اعظامه للأئمة من أهل البيت أنه في أحد زياراته العديدة لمرقد الامام الرضا عليه‌السلام مشى راجلا من عاصمته اصفهان الى زيارة مرقد الامام الرضا (ع) في خراسان ومعه اكابر الدولة والمسافة تقدّر ب ١٩٩ فرسخا وجملة القول أنّ الدولة الصفوية لم تكن دولة سياسيّة فقط بل كانت دولة تهتم لخدمة الدين وترويج الشريعة لا سيّما أوّل ملوكها الشاه اسماعيل وحفيده الشاه عباس الأول وهو شاه عباس الكبير وآثارهم في ذلك ماثلة للعيان وكان ذلك دأبهم إلى آخر عهدهم وتغلّب السلطان نادر شاه الأفشاري على دولتهم ومن آثاره اخراج الجيش البرتغالي عن ارض البحرين وكانت جزءا من ايران سابقا إلا أنها صارت مستقلة فعلا.

حفيده الشاه عباس الثاني :

وتولى الملك بعد الشاه عبّاس الاول اولاده واحفاده وليس فيهم من يستأهل الذكر سوى حفيده الشاه عباس الثاني ابن الشاه صفي قال صاحب تاريخ ايران أنه اظهر سياسة واقتدارا وأنه عقد صلحا مع الأتراك فلم تحدث الحروب في ايّامه كما نمت المتاجر وتقدمت العلوم والصناعات واستتب الأمن والراحة وقال السيّد الأمين في معادن الجواهر كان عارفا بتدبير شئون السلطنة مكرما للعلماء وقد أمر المولى خليل القزويني بشرح كتاب الكافي للكليني بالفارسية والمولى محمّد تقي المجلسي (ره) بشرح كتاب من لا يحضره الفقيه وأحضر المولى محسن الكاشاني وألزمه باقامة الجمعة والجماعة واقتدى به.

علماء الدولة الصفوية :

المحقق الشيخ علي الكركي لبناني وفيلسوف الإسلام السيّد محمّد باقر

٢٤٠