عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

فآيات وجود الخالق الحكيم قبل كل سفر مسطورة في سفر الفطرة وهي التي تنادي ان هناك في الكون إلها بيده ناصية كل شيء ، وقد أمرنا ان نقيم وجوهنا لهذه الفطرة المعبر عنها بالدين الحنيف او الدالة عليه كما يقول (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ٣٠ / ٣٠.

من كلام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في ماهيته تعالى في تأويل الصمد :

ذكر الصدوق ره في كتابه التوحيد ص ٣١٢ بالاسناد عنه عليه‌السلام لا اسم ولا جسم ولا مثل ولا شبه ولا صورة ولا تمثال ولا حد ولا حدود ولا موضع ولا مكان ولا كيف ولا اين ولا هنا ولا شمة ولا ملأ ولا خلاء ولا قيام ولا قعود ولا سكون ولا حركة ولا ظلماني ولا نوراني ولا روحاني ولا نفساني ولا يخلو منه موضع ولا على لون ولا على خطر قلب ولا على شم رائحة.

بيان يضم هامة المعارف الالهية في هذا الحديث :

(لا اسم) لفظي ولا تكويني يميز ولا معنوي (لأنه ورد في الحديث عن الصادقعليه‌السلام فمن عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ومن عبد الاسم والمسمى فقد اشرك ومن عبد المسمى فذاك التوحيد) فالاسم اللفظي ليس شأنه إلا الحكاية اللفظية دون ان تكون له أية أصالة (فأسماؤه تعبير سمي في الرواية عن الإمام الرضا عليه‌السلام).

والاسم العيني وهو كلما يدل بوجوده وكيانه على وجوده تعالى وصفاته العليا وهذا الاسم يباين ذاته كليا فكيف يكون ذاته أو من ذاته تعالى.

والاسم المعنوي وهو المعنى المحكى بالأسماء اللفظية كالعلم بالعالم والقدرة بالقادر والحياة بالحي صفات ذاتية دون أي تعدد وتركب وكالسمع بالسميع والخلق بالخالق وما إليها من صفات الفعل التي ترجع إلى الذاتية رجوع الفرع إلى

٨١

أصله فهذه الأسماء والصفات الذاتية والفعلية ليست بالتي تحكى عن حيثيات مختلفة مركبة منها الذات وإلا أصبحت الذات مركبة فمحتاجة فممكنة ، وإنما هي ولا سيما الصفات الذات ـ تعابير عن ذات واحدة اختلفت لفظيا لكي نتعرف إلى جمعية الذات لكافة الكمالات ، ولكنه علينا من وراء ذلك أن تجرد ذاته تعالى عن الكثرات والتركبات إذا فليس ذاته اسما لا لفظيا ولا تكوينيا ـ من خلقه ولا جوهريا معنويا في ذاته ، وإنما هو الذات المجردة عن أي تركب وعروض وحدوث وعن كل ما يتنافى في ألوهيته وسرمديته وغناه.

وقول من قال أنه تعالى جسم لا كالأجسام لا يخرجها عن الجسمانية أو أنه تناقض ، فإن كيان الجسم مهما كان هو التركب وإمكان وواقعية الحركة والسكون والحد والتغير وأخيرا لا أقل من تركب ما ، وحد ما.

وهما ينافيان الأزلية اللانهائية ، فإن كان ذاته تعالى جسما لا كالأجسام في الكثير من لوازم الجسمية فلا بدّ أن يشاركها في أصل الجسمية حتى يصدق عليه أنه جسم ولو عني هذا القائل من نفي الجسمية عنه تعالى نفيه إطلاقا ، فلما ذا يقول أنه جسم ألفظا دون أن يحمل معناه الموضوع له فمهمل أو يحمله فمتناقض ويرجع القول أنه جسم لا كالأجسام إلى القول أنه جسم لا جسم مجمع المتناقضين في الذات وأما النقض بالقول أنه شيء لا كالأشياء كما في الرواية فغير ناقض لأن أصل الشيئية لا تقتضي اقتضاء الجسمية من التركب والحد بل تغني الشيئية هنا أصل الوجود ، ولكن لا كسائر الوجود صيغة أخرى عن القول (أنه خارج عن الحدين : حد الابطال وحد التشبيه) فهو تعالى شيء ولكنه يبرأ من ـ حد التناقض كافة ما سواه في الذات وفي الصفات.

(ولا مثل) بمعنى الآية الدالة على ذي الآية ، فالكون كله مثله أي آيته على شتى المراتب (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض). والمثل فرع يدل على الممثل عنه وليس الله فرعا للكون حتى يصبح مثلا له لا مثلا أعلى ولا سواه.

(ولا شبه) لا يشبهه شيئا ولا يشبهه شيء إذ أن المشابهة تقتضي الشركة في

٨٢

حقيقة ما بين المتشابهين ذاتا وصفاتا وهذه الشركة بين الخالق والمخلوق تقتضي إمكان الخالق أو وجوب أزلية المخلوق أو الجمع بين نقيضي الحدوث والأزلية في ذاتي الخالق والمخلوق.

(ولا صورة) من تمثال أو سواه فإنها فرع ذي الصورة ومحدود بحدوده.

(ولا تمثال) لأن التمثال شبهه ومثل لأصل ما ، وهو معطى لا صورة تمثال أو سواه ولا تمثال ذو الصورة والتمثال لاشتراكها في الحد والتركب والحاجة.

(ولا حد ولا حدود) لا حد واحد كما في كل واحد من جزئي المادة الاولية فإن لكل حدا مرموزا حين الاتصال ثم بالانفصال يتحلل عن هذا الحد أيضا تحلله عن الوجود فهذا الحد الواحد وهو أقل ما يلازم المادة هو أيضا منفى عنه تعالى لأنه ليس ماديا إطلاقا ، فهو ليس أصل المادة في أحد جزئيها لا حد ولا فرعها ولا حدود ، وهي المركبات اللاحقة للمادة بعد الحد الأول وهي المادة التي لها حدود حدين كما في الجزء الذي لا يتجزأ وأكثر منهما كما في التركبات اللاحقة لها في الذرات والجزئيات والعناصر و... كل ذلك لأنه ليس ماديا ولا مادة والحد مهما كان فإنما هو للمادة.

(ولا موضع) لا أن يكون هو موضعا يحل في ذاته من سواه ، ولا أن يكون له موضع يحل هو فيه أو يجلس عليه من عرش أو كرسي وحاشاه.

(ولا مكان) وإن كان هو الكون أجمع فإنه لا يضمنه كائن ولا يضمنه مكان لأنه الخالق للموضع والمكان وقبلهما فكيف يحل فيهما.

(ولا كيف) لا جسماني لأنه ليس جسما ولا روحاني ولا سواهما إذ الكيف يستلزم الحد والصورة وذاته تعالى لا كيف لها ولا رسم ولا حد.

(ولا أين) لأنه لا يخلو منه مكان من علمه وقدرته ، وإنما يقال أين لمن يخلو عنه أين آخر ، ويقال أين لمن يتمكن في مكان وهو تعالى لا يتمكن في مكان وعلمه وقدرته نافذان في كل مكان.

٨٣

(ولا هنا ولا ثمة) تمكنا جسمانيا ، ولكنه هنا وثمة وفي كل مكان علما وقدرة بل هو أقرب إلى كل شيء من الشيء نفسه.

(ولا ملأ ولا خلاء) فإنهما ماديا من لوازم الجسم ، ولكنه ملأ الكمالات غير المادة وهو الصمد.

(ولا قيام ولا قعود) لأنهما حالات وتغيرات تعرض الجسم.

(ولا سكون ولا حركة) إذ لا سكون إلا بعد حركة ولا حركة إلا بعد سكون فهما إذا حادثان فلا تتصف بهما الذات الأزلية.

(ولا ظلماني ولا نوراني) في قياس الأجسام الظلمانية والنورانية ، بل هو نور السماوات والأرض خالقهما ومدبرهما وهادي الخلق إلى ما يصلحه.

(ولا يخلو منه موضع) خلو العلم والقدرة لا خلو الذات (فإنه خلو من خلقه وخلقه خلو منه).

(ولا يسعه موضع) سعة لذاته أن يضمه فيه ، ولا على لون فإنه عارض الجسم دون المجرد.

(ولا خطر على قلب) فالقلوب تعرفه دون أن تكنهه فلا يخطر على قلب خطور الإدراك والإحاطة به والتصور والتحديد له.

(ولا على شم رائحة) فإنها من لوازم الجسم.

(منفى عنه هذه الأشياء) أي المادة بلوازمها.

من كلام الامام الصادق عليه‌السلام مع الزنديق :

الزنديق : كيف يعبد الله الخلق ولم يروه.

الإمام عليه‌السلام : رأته القلوب بنور الإيمان وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها.

٨٤

الزنديق : أليس هو قادرا أن يظهر لهم حتى يروه ويعرفوه فيعبد على يقين.

الإمام عليه‌السلام : ليس للمحال جواب (إلا أنه محال لا تتعلق به القدرة).

الزنديق : من أي شيء خلق الأشياء.

الإمام عليه‌السلام : لا من شيء.

الزنديق : فكيف يجيء من لا شيء شيء.

الإمام عليه‌السلام : ان الأشياء لا تخلو أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء ، فإن كانت خلقت من شيء كان معه (مع الله أزليا) ، فإن ذلك الشيء قديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا ، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ، ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشأت منه الأشياء حيا أو من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا ولا يجوز أن يكون من حي وميت قد عين لم يزالا لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حيا (ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو به الموت ، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء).

بداية الخلقة : من شيء أو من لا شيء أو لا من شيء.

كان الزنديق لم يتفهم أو لم يرد أن يفهم المعنى من قوله عليه‌السلام : (ان الله خلق الأشياء لا من شيء) حيث اعترض كيف يجيء من لا شيء شيء (والإمام بدل أن يكرر قوله لا من شيء كما بدء أخذ في البرهنة على الخلق لا من شيء ، ان الأشياء اما انها مخلوقة في البدء من شيء أو لا من شيء فرضين معقولين دون أن يعتبر خلقها من لا شيء ولو احتمالا ثم زيف احتمال خلقها من شيء بأن هذا الشيء المخلوق منه الأشياء لا بدّ أن يكون مع الله أزليا إذ أن حدوثه مهما كان انتقال إلى الغرض الاول ان الأشياء خلقت لا من شيء) ثم الأزلي لا يفنى ولا يتغير.

٨٥

وهذا الشيء على فرض أنه كان جوهرا ولونا واحدا يستحيل أن يتبدل إلى ألوان مختلفة إذ أن التغير والتبدل من صفات الحادث : المستحيلة على الأزلي ، ثم إن كان هذا الجوهر الاول حيا فكيف جاء منه الموت أو كان ميتا كيف يجيء منه الحي مع أن الميت لا يمكن أن يكون أزليا إذ أن الأزلية غني مطلق دون أي نقص وحالة منتظرة ، فهذه البراهين سنادها في حدوث العالم ، إنما هو التغير المحسوس فيه ظاهرة بينة تدلنا على الحدوث دون مراء.

الزنديق : فمن أين قالوا ان الأشياء أزلية.

الإمام عليه‌السلام : هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء ، فكذبوا الرسل ومقالتهم والأنبياء وما أنبئوا عنه وسموا كتبهم أساطير الأولين ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم.

الحركة والتغير والزمان من براهين الحدوث ان الأشياء تدل على حدوثها ، من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك وتحرك الأرض ومن عليها وانقلاب الأزمنة واختلاف الوقت والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان وموت وبلى واضطرار النفس إلى الإقرار بأن لها صانعا ومدبرا.

(أما ترى الحلو يصير حامضا والعذب مرا والجديد باليا وكل إلى تغير وفناء) هذا استدلال بالحركة والتغير والزمان في المادة مع حدوثها كما سبق البحث عنها.

(ان الله عالم بالأشياء قبل الإيجاد)

الزنديق : فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها.

الإمام عليه‌السلام : لم يزل يعلم فخلق ما علم.

الزنديق : أمختلف هو أم مؤتلف.

الإمام عليه‌السلام : لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف ، إنما يختلف المتجزئ ويأتلف المتبعض فلا يقال له : مؤتلف ولا مختلف.

٨٦

الزنديق : فكيف هو الله الواحد.

الإمام عليه‌السلام : واحد في ذاته فلا واحد كواحد لأن ما سواه من الواحد متجزئ وهو تبارك وتعالى واحد لا متجزئ ولا يقع عليه العد (أي ان وحدته لا تنقلب ومحال أن تنقلب إلى التعدد والكثرة كما انها ليست بعد الكثرة) وهذا معنى قولهم عليهم‌السلام واحد لا بعدد لا عن عدد لا بتأويل عدد.

الوحي يحيل الصدف :

نظرة عامة جامعة في الكون بأطرافه ، من طرف رفيق ونظر رفيق تفكير شامل فيه الأنظار المستوحاة من خالق الكون يصدرها ويلقيها الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام وو هو سادس خلفاء الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جوابا عن شكوك الأوهام وشبهات الافهام ومزالق الاقدام إملاء لمفضل بن عمر.

أول العبر : الآيات الآفاقية :

أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئته هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه.

فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبين المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والجواهر مخزونة كالذخائر وكل شيء فيها شأنه معد والإنسان كالمملك ذلك البيت والمخول جميع ما فيه وضروب النبات مهيأة لمآربه وصنوف الحيوان معروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملائمة ، وأن الخالق له واحد وهو الذي ألفه ونظمه بعضا إلى بعض جل قدسه وتعالى مجده وكرم وجهه ولا إله غيره تعالى عما يقول الجاحدون وجل وعظم عما ينتحله الملحدون.

٨٧

مم نبتدئ من آيات الكون :

نبتدئ بأنفسنا فهي أقربها إلينا ، نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به ، فأول ذلك ما يدبر به الجنين من الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة ، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات ، فلا يزال ذلك غذائه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أريحه على مباشرة الهواء وبصره على ملاقات الضياء هاج المطلق بأمه فأزعجه أشد ازعاج وأعنقه حتى يولد.

وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمظ (أخرج لسانه) وحرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثديي أمه كالإداوتين المعلقتين لحاجته إليه ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء ليس الأعضاء حتى إذا تحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوي بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه ويسهل له اساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك ، فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه ، فكان ذلك علامة الذكر وعزّ الرجل الذي به يخرج عن حد الصباء شبه النساء ، وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقيا من الشعر تبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال لما فيه من دوام النسل وبقائه.

فهل ترى يمكن أن يكون كل ذلك بالإهمال (أو الصدفة) ، فإن كان الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطإ والمحال لأنهما ضد الإهمال ، فهذا فظيع من القول وجهل من قائله ، لأن الإهمال لا يأتي بالصواب والتضاد لا يأتي بالنظام تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا.

٨٨

الحكمة في بكاء الأطفال :

اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة ، وأعلم ان في أدمغة الأطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعللا عظيمة من ذهاب البصر وغيره ، فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم.

أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتاه ويتوخيان في الامور مرضاته لئلا يبكي وهما لا يعلمان أن البكاء أصلح له وأجمل عاقبة.

بكاء الاطفال دعاء للوالدين ، وإقرار بالتوحيد والرسالة :

في عقائد الإمامية الاثنى عشرية للمؤلف ص ١٣ ج ١ عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تضربوا أطفالكم على بكائهم ، فإن بكاءهم أربعة أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله وأربعة أشهر الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأربعة أشهر الدعاء لوالديه.

فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال ولو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشيء أنه لا منفعة فيه من أجل أنهم لا يعرفونه ولا يعلمون السبب فيه ، فإن كل ما لا يعرفه المنكرون يعلمه العارفون محيط به علم الخالق جل قدسه وعلت حكمته.

الحكمة فيما يسيل من أفواه الأطفال :

فأما ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ، ففي ذلك خروج الرطوبة التي بقيت في أبدانهم ولولاه لأحدثت عليهم الامور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حد البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من الأمراض كالفالج واللقوة وما أشبههما.

فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة

٨٩

في كبرهم فتفضل على خلقه بما جهلوا ونظر لهم بما لم يعرفوه ، ولو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التماري في معصيته ، فسبحانه ما أجل نعمته واسبغها على المستحقين وغيرهم من خلقه وتعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا.

أعضاء البدن :

فكر يا مفضل في أعضاء البدن وتدبير كل منها للإرب (الحاجة). فاليدان للعلاج والرجلان للسعي والعينان للاهتداء والفم للاغتذاء والمعدة للهضم والكبد للتخليص والمنافذ لتنفيذ الفضول والأوعية لحملها والفرج لإقامة النسل ، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرت وجدت كل شيء منها قد قدر شيء على صواب وحكمة.

قال يا مولاي : هل هذا من فعل الطبيعة؟

إن قوما (مثل الماديين في زماننا هذا) يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة.

قال الإمام عليه‌السلام : سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك ، فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق.

فإن هذه صنعته وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد ، وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم وان الذي سموه طبيعة هو سنته في خلقه الجارية على ما أجراها عليه مكائن البدن وعجائب الصنع فيها.

فكر يا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ، فإن الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق وانسجته بينها قد جعلت كالمصفي للغذاء كيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها ، وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثم أن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما

٩٠

وينفذ إلى البدن كله في مجاري مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء حتى يطرد في الأرض كلها وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد أعدت لذلك ، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة.

فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن ووضع الأعضاء منه مواضعها واعداد هذه الأوعية فيه لتحمل لك الفضول لئلا تنشر في البدن فتسقمه وتنهكه وتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير وله الحمد كما هو أهله ومستحقه.

أطل الفكر في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الانسان :

فالحنجرة كالانبوبة (كالارجوزة بين العقدين من القصب) لخروج الصلاة واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم الا ترى من سقطت أسنانه لم يقم السين ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم.

فالحنجرة تشبه قصبة المزمار والرئة تشبه الزق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح والعضلات التي تقبض على الرئة لتخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الزق حتى تجري الريح في المزمار والشفتان والأسنان التي تصوغ الصوت حروفا ونغما كالأصابع التي تختلف من فم المزمار فتصوغ صغيره ألحانا غير أنه ، وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف بالحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت. ثم فيها مآرب أخرى.

فالحنجرة يسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروّح على الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احتبس شيئا يسيرا لهلك الأسنان ، وباللسان تذاق الطعوم وفيه مع ذلك معونة على اساغة الطعام والشراب والأسنان تمضغ الطعام حتى تلين ويسهل إساغته ، وهي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما وتدعهما من داخل الفم

٩١

واعتبر ذلك بأنك ترى من سقطت أسنانه مسترخي الشفة ومضطرب الشفة ، وبالشفتين يترشف الشراب حتى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد وقدر لا يشج شجا فيغص به الشارب أو ينكأ في الجوف ، ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحها الإنسان إذا شاء.

خصوصية الدماغ :

ولو رأيت الدماغ إذا كشف عنه لرأيته قد لفّ بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الأعراض وتمسكه فلا يضطرب.

خصوصية الرأس :

ولو رأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما يفتته والصكة أي الضرب الشديد أو اللطم التي ربما وقعت في الرأس ، ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتى صار بمنزلة الفرو للرأس يستره من الحر والبرد.

اعرفوا قدرة الله في الانسان :

فمن حصّن الدماغ هذا التحصين إلا الذي خلقه وجعله ينبوع الحس والمستحق للحيطة والصيانة بعلو منزلته من البدن وارتفاع درجته وخطر مرتبته.

تجليات الله تعالى في القلب :

من غيّب الفؤاد في جوف الصدر وكساه المدرعة التي هي غشائه وحصّنه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لئلا يصل إليه ما ينكؤه.

من جعل في الحلق منفذين أحدهما لمخرج الصوت وهو الحلقوم المتصل بالرئة والآخر منفذ الغذاء وهو المرة المتصل بالمعدة الموصل الغذاء إليها ، وجعل على الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل إلى الرئة فيقتل.

٩٢

من جعل الرئة مروحة الفؤاد لا تفتر ولا تخل لكيلا تتحيز الحرارة في الفؤاد فتؤدي إلى التلف.

من جعل لمنافذ البول والغائط أشراجا تضبطهما لئلا يجريا جريانا دائما فيفسد على الإنسان عيشه ، فكم عسى أن يحصى المحصي من هذا بل الذي لا يحصى منه ولا يعلمه الناس اكثر.

من جعل المعدة عصبانية شديدة وقدرها لهضم الطعام الغليظ.

ومن جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو اللطيف من الغذاء ولتهضم وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلا الله القادر المتعال.

أترى الإهمال يأتي بشيء من ذلك؟

كلا : بل هو تدبير من مدبر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إياها لا يعجزه شيء وهو اللطيف الخبير.

فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في أنابيب العظام هل ذلك إلا ليحفظه ويصونه.

لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف إلا لتضبطه فلا يفيض.

لم صارت الأظفار على أطراف الأصابع إلا وقاية لها ومعونة على العمل.

لم صار داخل الاذن ملتويا كهيئة اللولب إلا ليطرد فيه الصوت حتى ينتهي إلى السمع وليتكسر حمة الريح فلا ينكأ في السمع.

لم حمل الإنسان على فخذيه وأليتيه هذا اللحم إلا ليقيه من العرض فلا يتألم من الجلوس عليها ، فهنالك الأهداف العالية تظهر من خلايا الصنع فكيف الإهمال.

من جعل الإنسان ذكرا وأنثى إلا من خلقه تناسلا.

٩٣

ومن خلقه تناسلا إلا من خلقه مؤملا.

ومن خلقه مؤملا ومن أعطاه آلات العمل إلا من خلقه عاملا.

ومن خلقه عاملا إلا من جعله محتاجا.

ومن جعله محتاجا إلا من ضربه بالحاجة.

ومن ضربه بالحاجة إلا من توكل بتقويمه.

ومن خصه بالفهم إلا من أوجب له الجزاء.

ومن وهب له الحيلة إلا من ملكه الحول.

ومن ملكه الحول إلا من ألزمه الحجة.

من يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلا من لم يبلغ مدى شكره ، فكر ودبر ما وصفته هل تجد الإهمال على هذا النظام والترتيب تبارك الله عما يصفون.

الفؤاد :

أصف لك الآن الفؤاد ، أعلم فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرئة تروح عن الفؤاد حتى لو اختلفت تلك الثقب وتزايل بعضها عن بعض لما وصل الروح إلى الفؤاد ولهلك الإنسان.

أفيستجيز ذو فكرة وروية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالإهمال ولا يجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول فتبا وخيبة لمنتحلي الفلسفة المادية أو ما يشاكلها في الانحراف عن خالق الكون وصفاته ، كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتى أنكروا التدبير والعمد فيها.

لقد قال قوم من جهلة المتكلمين وضعفة المتفلسفين الماديين بقلة التميز وقصور العلم ، لو كان بطن الإنسان كهيئة القباء يفتحه للطبيب إذا شاء فيعاين ما فيه ويدخل يده فيعالج ما أراد علاجه ، ألم يكن أصلح من أن يكون مصمتا

٩٤

محجوبا عن البصر واليد ، لا يعرف ما فيه إلا بدلالات غامضة كمثل النظر إلى البول وحسّ العرف وما أشبهه ذلك مما يكثر فيه الغلط والشبهة حتى ربما كان ذلك سببا للموت.

فلو علم هؤلاء الجهلة أن هذا لو كان هكذا كان أول ما فيه أنه كان يسقط عن الإنسان الوجل من الأمراض والموت وكان يستشعر البقاء ويغتر بالسلامة فيخرجه ذلك إلى العتو والأشر اكثر فأكثر.

ثم كانت الرطوبات التي في البطن تترشح وتتحلب فيفسد على الإنسان مقعده ومرقده وثياب بذلته وزينته بل كان يفسد عليه عيشه.

ثم ان المعدة والكبد والفؤاد إنما تفعل أفعالها بالحرارة الغريزية التي جعلها الله مختبئة في الجوف فلو كان في البطن فرج ينفتح حتى يصل البصر إلى رؤيته واليد إلى علاجه لوصل برد الهواء إلى الجوف فمازج الحرارة الغريزية وبطل عمل الأحشاء فكان في ذلك هلاك الإنسان سوى ما جاءت به ، أفلا ترى ان كل ما تذهب إليه الأوهام في الخلقة خطأ أو خطل.

في النفس وقواها :

قال السبزواري :

النفس في وحدتها كل القوى

وفعلها في فعلها قد انطوى

تأمل هذه القوى التي في النفس وموقعها من الإنسان أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك.

الحفظ والنسيان :

أفرأيت لو نقص الإنسان من هذه الخلال الحفظ وحده ، كيف كانت تكون حالته وكم من خلل كان يدخل عليه في أموره ومعاشه وتجاربه إذا لم يحفظ ماله

٩٥

وما عليه وما أخذه وما أعطى وما رأى وما سمع وما قال وما قيل له ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساء به وما نفعه مما ضره ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصى ولا يحفظ علما ولو درسه عمره لا ينتفع بتجربة ولا يستطيع أن يعتبر شيئا على ما مضى بل كان حقيقا أن ينسلخ من الإنسانية أصلا فانظر إلى النعمة على الإنسان في هذه الخلال وكيف موقع الواحدة منها دون الجميع.

وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان ، فإنه لو لا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ولا مات له حقد ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ولا رجى غفلة من سلطان ولا فترة من حاسد.

أفلا ترى كيف جعل في الإنسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان وجعل له في كل منهما ضرب من المصلحة.

وما عسى أن يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضادة المتباينة وقد تراها تجتمع على ما فيه الصلاح والمنفعة.

من عجائب الصنع في الحيوان :

فكر في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع والخلقة لطفا من الله عزوجل لهم لئلا يخلو من نعمه عزوجل أحد من خلقه لا بعقل وروية.

النجوم :

فكر في النجوم واختلاف سيرها فبعضها لا تفارق مراكزها من الفلك ولا تسير إلا مجتمعة وبعضها مطلقة تثقل في البروج وتفترق في سيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين أحدهما عام مع الفلك نحو المغرب والآخر خاص لنفسه نحو المشرق فاسأل الزاعمين أن النجوم صارت على ما هي عليه بالإهمال من غير عمد ولا صانع لها ما منعها أن تكون كلها مرتبة أو تكون كلها منتقلة ، فإن الإهمال معنى واحد فكيف صار يأتي بحركتين مختلفتين على وزن وتقدير ، ففي

٩٦

هذا بيان أن سير الفريقين على ما يسيران عليه بعمد وتدبير وحكمة وتقدير وليس بإهمال كما تزعم المعطلة.

الله يباين الكون من كل جهة :

إن قالوا كيف يعقل أن يكون مباينا لكل شيء متعاليا.

قيل لهم : الحق الذي تطلب معرفته من الأشياء هو أربعة أوجه :

فأولها أن ينظر أموجود هو أم ليس بموجود.

والثاني أن يعرف ما هو في ذاته وجوهره.

والثالث أن يعرف كيف هو وما صفته.

والرابع أن يعلم لما ذا هو ولأية علة.

فليس من هذه الوجوه شيء يمكن المخلوق أن يعرفه من الخالق حق معرفته غير أنه موجود فقط فإذا قلنا كيف وما هو فممتنع علم كنهه وكمال المعرفة به.

ثم ليس علم الإنسان بأنه موجود يوجب له أن يعلم ما هو كما أن علمه بوجود النفس لا يوجب أن يعلم ما هي وكيف هي وكذلك الامور الروحانية اللطيفة.

فهذه نماذج من النظرة العميقة المستوحاة من خالق الكون يصدرها سادس الأئمة الاثنى عشر جعفر بن محمد عليهما‌السلام ناقلا عن الحوار ص ١٨٥.

الصورة الانسانية اكبر برهان على وجود الله تعالى :

وورد عن أهل بيت العصمة إن الصورة الإنسانية هي اكبر حجة الله على خلقه ، وهي الكتاب المبين كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من العلوم في اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب.

حكايات في معرفة الخالق تعالى :

سئلت إعرابية تبيع لبنا ما الدليل على أن الله تعالى موجود ، فقالت أكل

٩٧

موجود يرى فأين دهن هذا اللبن أرونيه أين هو.

كانت عجوز تغزل القطن والصوف فسألها بعض الناس عن الدليل على وجود الخالق ، فأدارت مغزلها فتحرّك ودار ثم تركته فوقف فقالت له هذا المغزل لا يدور بدون أن يديره أحد فالشمس والقمر والنجوم التي تسير وتتحرّك في الليل والنهار لا يمكن أن تكون بدون مسيّر ومحرّك.

وكان رجل دهري في مجلس بعض أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

فقال الإمام عليه‌السلام : أرأيت سفينة تسير في البحر من مكان إلى مكان سيرا مستقيما وليس فيها ربان ، فقال الدهري : هذا محال ، فقال له الإمام عليه‌السلام سفينة تسير في البحر بغير ربان عندك محال ، وهذه الشمس والقمر والنجوم تسير سيرا منتظما في الليل والنهار بغير مسيّر ليس بمحال فانقطع الدهري.

استدلال علي بن أبي طالب عليه‌السلام على إثبات الصانع :

وأثبت مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام الصانع لما سئل عن الدليل على إثبات الصانع فأجاب عليه‌السلام بثلاثة أشياء :

الأول : تحويل الحال (يعني من حال إلى حال كالعدم إلى الوجود والعسر إلى اليسر والحياة إلى الممات والقوة إلى الضعف فيتحول من حال إلى حال وليس الله كذلك).

الثاني : ضعف الأركان (يعني ضعف قوى الإنسان وليس الله كذلك بل هو قوي فوق كل شيء ولا شيء كمثله).

الثالث : نقض الهمة (يعني نقض همة الإنسان على القيام والقعود والركوب والأكل والشرب وغير ذلك وليس هو كذلك بل هو قادر على كل شيء).

٩٨

الجنة ثواب الاقرار بالله تعالى :

قال الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله تبارك وتعالى وعدني وأهل بيتي خاصة من أقر منهم بالتوحيد فله الجنة ، قال وما جزاء من أنعم الله عليه بالتوحيد إلا الجنة.

وفي وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لولده الحسن عليه‌السلام :

اعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه وعن الباقر عليه‌السلام تكلموا في كل شيء ولا تتكلموا في ذات الله تعالى ، وعنه عليه‌السلام اياكم والتفكر في الله ، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمة الله فانظروا إلى عظيم مخلوقاته.

عن مولانا الحسين بن علي عليهما‌السلام في تفسير الصمد :

عن الصادق عن الباقر عن الإمام زين العابدين عليهم‌السلام عن الإمام الحسين سيد الشهداء عليه‌السلام ان أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار ، وإن الله قد فسر الصمد ، فقال : الله أحد الله الصمد ، ثم فسره فقال : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا يتشعب من البداوات (يعني الحالات المختلفة) كالنسيان والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع تعالى أن يخرج منه شيء وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف ، ولم يولد لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة

٩٩

والنبات من الأرض والماء من الينابيع والأثمار من الأشجار ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الأنف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب وكالنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفوا أحد.

عن علي بن الحسين عليه‌السلام في تفسير الصمد :

قال وهب بن وهب القرشي وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام عن الصمد ، فقال : الصمد الذي لا شريك له والذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها اضدادا وأشكالا وأزواجا وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.

عن الامام الباقر عليه‌السلام في تفسير الصمد :

قال الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه (تفسير نور الثقلين) ج ٥ ص ٧١١.

ليس في وسع المخلوق أن يتصور كنه الخالق المتعال :

عن مولانا الإمام الباقر عليه‌السلام كلما ميزتموه بأوهامكم بأدق معانيه فهو مخلوق لكم ومردود إليكم (عقائد الإمامية الاثنى عشرية للمؤلف) ج ١ ص ٢١.

عن مولانا الصادق عليه‌السلام :

إياكم والتفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيده إلا تيها.

١٠٠