عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

تلك الشبكة بملايين من خريطات الأعصاب فعندها تحدث التغيرات الكيميائية ويحصل الإنسان على إدراك الصور بوضعها الصحيح ، ومن هذا البيان يستكشف أن وراء هذا الكون خالق عظيم ومدبر قادر ومبدع حكيم لا يمكن الإحاطة بقدرته ولا تقع تحت الحصر مبدعاته في هذا العالم الذي لم تتوصل إلى معرفة كنه العقول ، ولم يبلغ الإنسان مدى ما فيه ولا عرف له بداية ونهاية.

قال الصادق عليه‌السلام : وفي كفاية الموحدين ناقلا عن هشام بن الحكم قال سأل الإمام الصادق عليه‌السلام عن ابن أبي العوجاء (أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟ قال ابن أبي العوجاء لست بمصنوع. قال الصادق عليه‌السلام : فلو كنت مصنوعا كيف كنت؟ فلم يجد ابن أبي العوجاء جوابا ثم قام وخرج).

نظام الأكوان وما فيها من الاحكام والاتقان :

يرى كل من له قلب أنوار وجود الله تعالى يستطع على صفحات ذرات الكون كالشمس ليس دونها حجاب فإنه لما كان في غاية النظام والأحكام استلزم بداهة وجود مدبر عالم بديع الصنع. بيانه : إنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على حال من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات واستحالة بعض الموجودات إلى بعض لا تنقض عجائبه ولا تنتهي غاياته ، فبالضرورة هذا الترتيب المحكم لا يكون له وجود لو لا وجود خالق مدبر لنظامه مريد لسيره في سننه ترى من يسعه أن يفرض أن آلة التلسكوب أوجدت نفسها للاستطلاع على حركات الأجرام وهل يمكن أن يوجد صنعة بلا صانع فمن الضرورة وجود صانع رسم صورته وفصله لكي يكون جديرا بالسكنى فما بالك بنظام الكون وتركيبه لا جرم أنه أعلى وأعظم من صنع البشر بما لا يقاس وعلامات الإرادة فيه ظاهرة.

لا بد من خالق يبعث الحياة في الأحياء :

ألف الاستاذ كولان أحد علماء فرنسا كتابا بعنوان من المادة إلى الحياة

٦١

ونشره. بحث فيه من وجهة العلوم الطبيعية كل ما قيل في سبب وجود الحياة في الأحياء ثم توصل بعد ذلك إلى هذه النتيجة أن تطورات المادة وعوامل الطبيعة فيها لا يمكن أن توصلنا إلى تعليل وجود الحياة في الأحياء فلا بدّ من وجود خالق بعث الحياة في النبات والحيوان في أول سلم نشوئهما وعنده ان كل من يقول بغير ذلك ضعيف العقل أو دجال يتكلم باسم العلم بغير علم.

عظمة الكون :

من كوّن هذا الكون من سن له النواميس التي يجري عليها ومن يستطع أن يدرك عظمته من يستطع أن يعلم قصده من خلق كم من ملايين السنين مرّ منذ كوّن نظامنا الشمسي وجهزه بقوة لا يحد العقل مقدارها بقوة تمكن هذا النظام من السير بها والدوران المتوالى ملايين من القرون ما لنا نحاول إدراك ما يستحيل علينا الوصول إليه من إجرام السماء ونحن أعجز من أن ندرك نواميس ما في أرضنا من الكائنات بل في بيوتنا من الأحياء ، بل ما في أجسامنا من الأعضاء كيف يتحول طعامنا إلى دم ان كنت تعلم ذلك فاصنع من الطعام قطرة دم كيف تنقبض قلوبنا وتنبسط ثانية بعد ثانية مدى الحياة إن كنت تعلم ذلك فاصنع قلبا ينقبض وينبسط لذاته ولو ساعة واحدة أي معمل من معامل فورد أو كردبلي يستطيع أن يصنع آلة تتغذى من الخبز واللحم وتتحرك دواما سنة بعد أخرى كما تتحرك قلوبنا وقس على ذلك المعدة والأمعاء والكبد والطحال والرئتين والكليتين وما يصدق على جسم الإنسان يصدق على أجسام الحيوانات كلها حتى النمل والبعوض ، وما لا يرى منها لصغره ويصدق أيضا على أنواع النبات والمكروبات.

الكون عظيم فلا بدّ من أن يكون المكوّن أعظم وأن تكون قدرته شاملة وعينه ترقب مخلوقاته ونحن كلنا عراة لديه ظواهرنا وبواطننا.

٦٢

الحياة الحيوانية والنباتية على وجه كرة الارض

تدل على وجود الخالق والصانع :

من أظهر البراهين على وجوده تعالى الحياة على الأرض نباتية كانت أو حيوانية فإن الحي لا يتولد إلا من حي وبه يستدل على نفي التولد الذاتي وهو زعم تولد الحي من المادة لأن المادة خالية من الحياة ساكنة خاضعة للنظام الذي وضعه لها خالقها ويستحيل أن تولد حياة في ذاتها أو غيرها لا سيما العقل الإنساني بجميع قواه وغرائزه فإنه لا بدّ له من خالق عالم حكيم إذ المواد لا تولد عقلا ولا تستطيع أن تخرج كائنا جهازيا متصفا بأوصاف مباينة لنظام المادة ومما استدل به على نفي التولد الذاتي ثلاثة أدلة ، الأول أن الحياة إما قديمة وإما حادثة والأول باطل لخلو المادة منها دهورا كما تبين من المباحث الجيولوجية (وهي التي تبحث عن طبقات الأرض وعن المستحجرات من النباتات والحيوانات) فثبت أنها حادثة لعدم الواسطة بين القدم والحدوث فلو ثبت التولد الذاتي وأن لا خالق للحياة لزم أنها حدثت من لا شيء فالتولد الذاتي باطل ولا بدّ للحياة من خالق الثاني : أنه قد ثبت أن الحياة محدثة فلا بدّ لها من محدث وهو إما المادة أو غيرها والأول باطل ، وإلا لزم ان المادة تنفك عن الحياة قط ضرورة لزوم العلة لمعلولها وعدم انفكاكها عنه ، وقد بين بطلانه فانتفى التولد الذاتي وثبت أن للحياة خالقا غير المادة وأنه خالق مختار تقدمت ذاته وجلت صفاته ، الثالث : أن علماء الماديين وغيرهم في هذا العصر بذلوا جهدهم في اختراع التولد الذاتي وشغلوا بالامتحانات سنين كثيرة فلم يأتوا بنتيجة ، وقال جمهور العقلاء أرباب الارتقاء لا حي إلا من حي وهزؤا بالقول بالتولد الذاتي وعدوّه هذيانا.

الآيات القرآنية :

الطريق التي نبّه الكتاب العزيز عليها ودعا الكل من بابها إذا استقرئ الكتاب العزيز وجدت تنحصر في جنبتين أحدهما طريق الوقوف على العناية

٦٣

بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها ولنسم هذه دليل العناية ، والطريقة الثانية ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات التي هاهنا موافقة لوجود الإنسان والأصل الثاني أن هذه الموافقة هي ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق فاما كونها موافقة لوجود الإنسان فيحصل اليقين بذلك باعتبار موافقة الليل والنهار والشمس والقمر لوجود الإنسان وكذلك موافقة الأزمنة الأربعة والفصول الأربعة له والمكان الذي هو فيه أيضا وهو الأرض وكذلك تظهر أيضا موافقة كثير من الحيوان له والنبات والجماد وجزئيات كثيرة مثل الأمطار والأنهار والبحار وبالجملة الأرض والماء والنار والهواء ، وكذلك أيضا تظهر العناية في أعضاء البدن وأعضاء الحيوان أعني كونها موافقة لحياته ووجوده في الجملة فمعرفة ذلك أعني منافع الموجودات داخلة في هذا الجنس ، ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع الموجودات ، وأما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود الحيوان كله ووجود النبات ووجود السموات وهذه الطريقة تتبين على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس أحدهما أن هذه الموجودات مخترعة وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) فإنا نرى أجساما جمادية ثم تحدث فيها الحياة فنعلم قطعا أن هاهنا موجدا للحياة ومنعما بها وهو الله تبارك وتعالى ، وأما السموات فنعلم من قبل حركاتها التي لا تفلت أنها مأمورة بالعناية بما هو هاهنا ومسخرة لنا والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة ، وأما الأصل الثاني فهو أن كل مخترع فله مخترع فيصح من هذين الأصلين أن للموجود فاعلا مخترعا له ، وفي هذا الجنس دلائل كثيرة على عدد المخترعات ، ولذلك كان واجبا على من أراد معرفة الله حق معرفته أن يعرف جواهر الأشياء ليقف على الاختراع الحقيقي في جميع الموجودات لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ).

٦٤

وكذلك أيضا من تتبع معنى الحكمة في موجود أعني معرفة السبب الذي من أجله خلق والغاية المقصودة به كان وقوفه على دليل العناية ، فهذان الدليلان هما دليلا الشرع ، وأما الآيات المبينة على الأدلة المفضية إلى وجود الصانع سبحانه في الكتاب العزيز فكثيرة من الآيات الدالة بدلالة العناية على وجود الصانع فمثل قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً) إلى قوله (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) ومثل قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً). ومثل قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) الآية ومثل هذا كثير في القرآن. وأما الآيات التي تتضمن دلالة الاختراع فقط فمثل قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ). ومثل قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ، ومثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ). ومن هذا قوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى.

علم الجنين يحيل الصدف :

تكوّن الانسان في ظلمات ثلاث (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ٣٩ / ٦.

هذه الظلمات هي :

١ ـ ظلمة البطن.

٢ ـ ظلمة الرحم.

٣ ـ ظلمة المشيمة.

ثم في جدار الرحم ظلمات اخرى هي الجدر الثلاثة من بقايا النطفة. وفي

٦٥

نطفة الانثى أيضا ظلمات ثلاث فإنها حويصلة هي في شح وهو في بيضة تدفق من ترائب الانثى ، فهذه ظلمات ثلاث في بيئات ثلاث.

بيضة الانثى :

(خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) ٨٦ / ٧.

هذه البيضة الدافقة من ترائب الانثى هي كبيضة الدجاجة لكنها أصغر منها بكثير قطرها يتراوح بين جزءين أو جزء من عشرة أجزاء من المليمتر ، ووزنها جزء من مليون جزء من الغرام وفيها شح وفي الشح الحويصلة الجرثومية التي يبلغ قطرها جزء من القيراط وفيها تكمن النطفة الجرثومية التي يبلغ قطرها جزء من ثلاثة آلاف جزء من القيراط.

ويقول يوسف مروّة : إن القوانين الرياضية والفيزيائية التي اكتشفها العلماء منذ فجر الحضارة البشرية حتى اليوم في حقول العلوم الطبيعية عامة والفيزياء الفلكية والنظرية خاصة تدل دلالة واضحة على أن الكون يسوده النظام ويخضع لقوانين وأنظمة وقواعد مرسومة لا مجال فيه لاحتمالات الفوضى والصدفة العشوائية والخطأ والشذوذ بل يبدو واضحا في كل حركة ونسبة من حركات ذراته وأجرامه النظام والتدبير والارتباط والدقة والإرادة والقصد ، ويستدل من دراسة مواضيع الرياضيات العادية والعالية مثل التوافق والتبادل والتراكيب العادية والأعداد التخيلية المركبة وحسابات التفاضل والتكامل على وجود براهين رياضية متعددة تدل على الوحدانية في هذا الكون وخالقه.

ويقول حسن كامل الصباح في بعض رسائله : إن الاعتقادات الدينية وعلى الأخص في ما يتعلق بالقدرة الإلهية منطبقة تمام الانطباق على الطبيعي الصحيح لأن القرآن يحتوي على نصوص كثيرة تحثّ على التفكر في خلق السموات والأرض ، وما النواميس التي يتمثل عليها الكون إلا كلمات الله وإرادته ، واني لأعرف من تجاربي أني كلما فهمت ناموسا طبيعيا من النواميس التي تتمشى عليها

٦٦

الكهارب والالكترونات والنور أعظمت حكمة الخالق وزاد إيماني ، بل كلما فكرت عند ما كنت نطفة لا أملك ولا يملك لي أبواي ضرا ولا نفعا كانت النواميس التي تمثل مشيئة الباري هي وحدها التي تكفلني وتجعلني أنمو مادة وعقلا.

وقد عرض الاستاذ يوسف مروة في كتابه عن الصباح (عبقرية من بلادي) لجميع اختراعات كامل الصباح (٧٦) اختراعا وتاريخ تسجيلها ورقم التسجيل والشركات التي سجلتها والدول التي سجلت فيها الاختراعات أيضا.

العلوم الرياضية تحيل الصدف :

ويقول (كرسي مورسين رئيس المجمع العلمي في نيويورك أمريكا سابقا) : لسنا إلا في فجر العلوم ولكن كل إلمامة جديدة وكل تزايد لنور المعرفة تأتينا ببرهان جديد على أن كوننا هو حقا صنيعة عمل خلّاق فعّال كذا يعتمد الايمان على المعرفة ويشعر العالم في كل مرحلة جديدة يقطعها أنه يقترب من الله.

ويقول الاستاذ مروة في كتابه (العلوم الطبيعية في القرآن) : من الملاحظ لدى جميع العلماء من فلكيين وفيزيائيين وكيميائيين وبيولوجيين أن الكون يسوده النظام والترتيب وهذا ما يدعو الانسان العاقل للرجوع بفكره وعقله الى المدبر الأعظم المنظم العاقل الذي يشرف على كل عمليات التنظيم والترتيب التي تتصف بها حركات وتصرفات جميع الجمادات والمخلوقات الحية في هذا الكون.

الحكماء الالهيون والفلاسفة الجدد في إثبات المبدأ تعالى :

قال أبو النصر الفارابي المعلم الثاني محمد بن محمد ترك الشيعة : إنا لو نظرنا في الوجود من حيث هو لوجدنا أنه إما أن يكون واجبا أي يلزم من افتراض عدمه المحال وإما أن يكون ممكنا وهو الذي لا يلزم من فرض عدمه محال ، وهذا الممكن الذي ليس وجوده من ذاته يستوي وجوده وعدمه بحيث لا بد أن

٦٧

يكون وجوده من غيره ولكن لا يمكن أن يذهب تسلسل العلية والمعلولية الى غير نهاية وإلا لما وجد الممكن بل لا بد من انتهائه الى شيء واجب الوجود بذاته هو المبدأ الأول الذي هو علة جميع الممكنات.

وهذا الطريق لدى الحكماء الإلهيين أوثق باعتبار أنه لا يستند الى العقل ونظره في معنى الوجود وإليه يشير قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

الرسول يحتج على الدهرية :

ذكر سماحة العلامة الحجة الشيخ محمد صادقي في (الحوار) : لما أتته قادة الأحزاب الخمسة الدهرية والثنوية والمشركون واليهود والنصارى كل يحتج عليه بما عنده زعم البرهان أقبل على الدهرية القائلة أن الأشياء لا بدء لها قائلا :

وأنتم فما الذي دعاكم الى القول بأن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال.

الدهرية : لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال.

الرسول الأعظم عليه‌السلام : أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الأبد فإن قلتم أنكم وجدتم ذلك أثبتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الذين يشاهدونكم.

الدهرية : بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الأبد.

براهين أربعة على حدوث العالم :

١ ـ الرسول الأعظم عليه‌السلام : فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما

٦٨

لأنكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضائها أولى من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث والانقطاع لأنه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الأبد.

٢ ـ أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر... نعم.

أفترونها لم يزالا ولا يزالان... نعم.

أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار... لا.

فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيبقى أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده..

كذلك هو.

الرسول الأعظم عليه‌السلام : فقد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار وأنتم لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرة.

٣ ـ أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار أم غير متناه فإن قلتم غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله وان قلتم أنه متناه فقد كان ولا شيء نهار والجمع بين الأزلية والانتهاء شيء جمع بين المتناقضين حيث الأزلية هي اللاحدية فلو كان للأزلي آخر كان محدودا.

الدهرية : نعم إنه متناه.

الرسول الأعظم عليه‌السلام : أقلتم ان العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه.

الدهرية : نعم.

٤ ـ فهذا الذي نشاهده من الأشياء بعضها الى بعض مفتقر لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به كما ترى البناء محتاجا بعض أجزائه الى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى استدلال على حدوث الكون بظاهرة التركب ، فإذا كان هذا المحتاج بعضه الى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون وما ذا كانت تكون صفته فصمتوا وعلموا أنهم

٦٩

لا يجدون للحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم ، فوجموا وقالوا : ننظر في أمرنا (البحار طبع الجديد ج ٩ ص ٣٦١).

قال راوي الحديث الامام الصادق عليه‌السلام : فو الذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله فأسلموا وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة وقالوا : ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله.

بيان :

إن الرسول الأعظم عليه‌السلام في حجاجه هذا : المثير مع الدهريين يسير سيرا حثيثا وفيقا فيمشيهم بخطواتهم أنفسهم الى تصديق ما كانوا ينكرون تدرجا في حجاجه عليهم يدعمه على دعائم أربع :

١ ـ تزييف القول أن عدم الوجدان دليل على عدم الوجود بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود فعدم وجدان الحدوث لا يدل على الأزلية كعدم وجدان الفناء حيث يحكم على الأبدية ، إذا فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضائها أولى من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لأنه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الأبد.

٢ ـ امكان الاستدلال بحدوث الحاضر من شيء على حدوث الغابر من نسخه أولستم تشاهدون الليل والنهار.

٣ ـ الحكم بتناهي الحادث مهما كثرت أفراده فإن قلتم غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله.

٤ ـ الحكم بحدوث كافة الأشياء لبناء حاجة بعضها الى بعض والحاجة والافتقار آية الحدوث حيث القديم والحادث يختلفان في الصفات كما في الذات اختلاف المتناقضين ومحال أن يكون القديم مفتقرا حيث الافتقار من آيات الحدوث وكافة صفات الحدوث مندمجة في الكون اطلاقا.

٧٠

علم النجوم يحيل أزلية المادة :

يقول ايرفنج وليام نوبلوتش : المادة وحدها لا تكفي.

علم الفلك يشير إلى أن لهذا الكون بداية قديمة وأن الكون يسير إلى نهاية محتومة وليس مما يتفق مع العلم أن نعتقد أن هذا الكون أزلي ليس له بداية أو أبدي ليس له نهاية ، فالكون قائم على أساس التغير ، وفي هذا الرأي يلتقي العلم بالدين.

يقول دونالد روبرت كار : يستخدم في الوقت الحاضر عدد من الطرق المختلفة لتقدير عمر الأرض بدرجات متفاوتة من الدقة ، ولكن نتائج هذه الطرق متقاربة إلى حد كبير وهي تشير إلى أن الكون قد شاء منذ نحو خمسة بلايين وعلى ذلك فإن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا ولو كان كذلك لما بقيت فيه أي عناصر إشعاعية ويتفق هذا الرأي مع القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارة.

علم الفيزياء يحيل أزلية المادة :

يقول ادوار لوثر كيسيل : يرى البعض أن الاعتقاد في أزلية هذا الكون ليس أصعب من الاعتقاد في وجود إله أزلي ، ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارة المعبر عنه بقانون ترموديناميك يثبت خطأ هذا الرأي فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا ، فهناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ، ولا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة.

ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها معنى الطاقة ، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيمياوية أو طبيعية

٧١

ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون ، ولما كانت الحياة ولا تزال قائمة (لا يعني بذلك أزلية الحياة بل طول بقائها) ولا تزال العمليات الكيمياوية والطبيعية تسير في طريقها ، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود وهكذا توصلت العلوم دون قصد إلى أن لهذا الكون بداية وهي بذلك تثبت وجود الله تعالى.

لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بدّ من مبدئ أو محرّك أول أو من خالق وهو الإله (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ.)

ولا يقتصر ما قدمته العلوم على إثبات أن لهذا الكون بداية فقد أثبت فوق ذلك أنه بدأ دفعة واحدة منذ خمسة بلايين سنة.

واليوم لا بدّ لمن يؤمنون بنتائج العلوم أن يؤمنوا بفكرة الخلق أيضا وهي فكرة تستشرف على سنن الطبيعة لأن هذه السنن إنما هي ثمرة الخلق.

ولا بدّ لهم أن يسلموا بفكرة الخالق الذي وضع قوانين هذا الكون الوسيع.

وما إن أوجد الله مادة هذا الكون والقوانين التي تخضع لها حتى سخرها جميعا لاستمرار عملية الخلق عن طريق التطور.

يقول فرانك ألن : إذ نحن والماديون نشترك في الإذعان بأزلية ما في الكون فإما أن ننسب الأزلية إلى عالم ميت ، وإما أن ننسبها إلى إله حي يخلق ما يشاء.

وليس هناك صعوبة فكرية في الأخذ بأحد هذين الاحتمالين اكثر مما في الآخر ، ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيا وأنها سائرة حتما إلى يوم قصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق (المراد من الصفر المطلق لا يعني الصفر المشهور بل هو الصفر الذي يفقد كافة درجات الحرارة والحركة الجزئية

٧٢

(المولكولية) والذرية (الآتومية) وما إليهما ، وفي هذه المرحلة تنعدم المادة إطلاقا فإنها تلازم الحركة كينونة ، فمن هذه الجهة قوانين الديناميكا الحرارية تحكم بفناء المادة ذاتية إلا من ورائها من الخالق الأزلي المجرّد اللانهائي وهو الله تعالى.

ويومئذ تنعدم الطاقة عند ما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت.

أما الشمس المحرقة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلها دليل واضح على أصل الكون أو أساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو إذا حدث من الأحداث.

ومعنى ذلك أنه لا بدّ لأصل الكون من خالق أزلي عالم قادر ليس له بداية ، عليم محيط بكل شيء قوي ليس لقدرته حدود ولا بدّ أن يكون هذا الكون من صنعه.

وهذا شطر من شهادات العلم والعلماء على استحالة أزلية المادة والكون بأجمعه ويحتاج إلى خالق مكوّن.

الامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في براهين لفكرة الاله :

فمن برهان له على حدوث المادة ، فحيث أن الأجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو متفرقة أو متحركة أو ساكنة ، والاجتماع والافتراق والحركة والسكون محدثة علمنا أن الجسم محدث لحدوث ما لا ينفك منه ولا يتقدمه. البحار ج ٣ طبع الجديد ص ٢٣٠ جمع عن ابن الحنفية عنه عليه‌السلام.

بيان :

يستدل الإمام عليه‌السلام في هذا الحديث بآثار الحدوث في المادة على استحالة أزليتها وأنها حادثة الذات ، إذ أن الأزلي لا يتصف ومحال أن يتصف بصفات

٧٣

الحادث لاستحالة الجمع بين المتباينين المتناقضين ، وإن كان جمعا بين الصفة والموصوف إذ أن الموصوف لا يتصف إلا بما يلائمه من الصفات لا ما يناقضه كليا والاجتماع والافتراق من صفات الجسم كالحركة والسكون ، إذ أنه لا اجتماع إلا بعد افتراق ولا افتراق إلا بعد اجتماع وهما حادثان ، فالمادة إذا حادثة لحدوث ما لا ينفك منه من الأحداث.

الامام الصادق عليه‌السلام في محاورات :

محاورات للإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام مع الزنادقة ، فمن حوار له عليه‌السلام مع ابن أبي العوجاء حين التقيا في المسجد الحرام.

ابن أبي العوجاء : إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ، إن من فكر في هذا وقدّر ، علم أنه فعل غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسسه ونظامه.

الإمام عليه‌السلام : إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذ به وصار الشيطان وليه وربه ويورده موارد الهلكة ولا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله تعالى قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من اطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر الله المنشئ للأرواح والصور.

ابن أبي العوجاء : ذكرت الله فأحلت على غائب.

الإمام عليه‌السلام : ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم ، لا يخلو منه مكان ولا يشغل به مكان ولا يكون من مكان أقرب منه إلى مكان يشهد له آثاره ويدل عليه أفعاله

٧٤

والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءنا بهذه العبادة فإن تشككت في شيء من أمره فسئل عنه أوضحه لك.

ابن أبي العوجاء : أبلس ولم يدر ما يقول وانصرف من بين يديه عليه‌السلام فقال لأصحابه سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فالقيتموني على جمرة. البحار ج ١٠ ص ٣١٠.

الزنديق : ما الدليل على حدث العالم؟

قال الإمام جعفر بن محمد عليه‌السلام : وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها ، (حيث الأفاعيل حادثة مختلفة منسجمة منظمة فالفعل يدل على الفاعل واختلافه على نظمه يدل على علمه وحكمته ووحدته وسواء من دلالة الفعل على حدوثه ، كان الفاعل نفس المادة أو سواها إذ أن عروض الفعل والتغير للمادة أصدق شاهد على حدوثها لأن التغير صفة الحادث وهي لا تعرض الأزلي إطلاقا فالفعل مهما كان يدل على أنه حادث دون مراء).

ألا ترى إنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبين علمت أن له بانيا ، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

الزنديق : ما هو ، (سؤال عن ماهيته تعالى والحق ماهية انيته الإلهية).

الإمام عليه‌السلام : هو شيء بخلاف الأشياء لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا يغيره الزمان.

الزنديق : فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا.

بيان :

(يريد السائل أنك إذا وجدت ربك فقد توهمته وكل متوهم مخلوق لما أنه صورة ذهنية عن الحقيقة الخارجية والصورة الذهنية مهما كانت ، إنما هي مخلوقة فليكن ذو الصورة أيضا محدودا مخلوقا ويجيبه الإمام عليه‌السلام بأن الوهم على قسمين :

١ ـ وهم على سبيل الإحاطة بالموهوم فهذا نفي عنه تعالى.

٧٥

٢ ـ ووهم بمعنى مجرد انه تعالى ان هناك موجودا دون أن نتصور منه أمرا إيجابيا حتى يستلزم الإحاطة بل إنما نعلم أنه موجود أي ليس بمعدوم دون أن ندرك من وجوده شيئا إلا نفي العدم).

الإمام عليه‌السلام : لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منا مرتفعا فإنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم (وهما بمعنى العلم أن هناك وجودا أزليا دون إحاطة به لا بمعنى التصور العقلي والإشارة المحيطة به تعالى).

لكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا فهو مخلوق ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين إحداهما النفي إذ كان النفي هو الابطال والعدم والجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أمنهم مصنوعون وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم ، إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهرة التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد ان لم يكونوا وتنقلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوة إلى ضعف وأحوال موجوده لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.

الزنديق : فأنت قد حددته إذا ثبتت وجوده.

الإمام عليه‌السلام : لم أحدده ولكن أثبته إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة.

الزنديق : فله انية ومائية.

بيان :

يعني بالإنية أصل الوجود وبالمائية حده وحد الوجود على ضربين :

١ ـ حد بمعنى الكيفية المائزة عما يشاركه في الحقيقة.

٢ ـ حد بمعنى مطلق الميز عما لا يشاركه بنفي المشارك عنه.

الإمام عليه‌السلام : نعم لا الشيء إلا بانية ومائية.

٧٦

الإمام عليه‌السلام : يثبت لله تعالى المائية مضافة إلى الوجود لا بالمعنى الاول إذ لا يشاركه شيء حتى يحد بما يميزه عن المشارك وإنما يعنيها بالمعنى الثاني بعدم الكيفية التي هي جهة الصفة والإحاطة لأنه ذات بسيطة غير متناهية الحقيقة وأن حده تعالى ومائيته أنه لا يشبه خلقه إطلاقا ولما كان الخلق محدودا حده ومائيته غير وجوده.

الامام الرضا عليه‌السلام مع زنديق :

الإمام عليه‌السلام : أرأيت ان كان القول قولكم. وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم شرعا سواء ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا فسكت الزنديق.

الإمام عليه‌السلام : ان يكن القول قولنا وهو كما نقول ألستم قد هلكتم ونجونا.

الزنديق : رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو.

الإمام عليه‌السلام : ويلك ان الذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين (بيان) فلو كان له أين كما تصوره الزنديق لزم حدوثه لحدوث الأين أو قدم الأين رغم حدوثه لقدمه تعالى).

وكان ولا أين وهو كيف وكان ولا كيف فلا يعرف بكيفوفية ولا بأينونة ولا بحاسة ولا يقاس بشيء.

الزنديق : فإذن انه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس.

الإمام عليه‌السلام : ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه انكرت ربوبيته او نحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا انه ربنا وانه شيء بخلاف الأشياء.

بيان :

(فإن المدرك بالحاسة محسوس والمحسوس مادي وهو حادث فلو كان محسوسا كان لا شيء ادل على حدوثه من كونه محسوسا فعدم محسوسيته يخرجه عن الحدث وخروجه عن الحدث ألوهيته).

٧٧

الزنديق : فاخبرني متى كان.

الإمام عليه‌السلام : أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان.

الزنديق : فما الدليل عليه (على وجود الله تعالى).

الإمام عليه‌السلام : إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان من العرض والطول ورفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه ، علمت ان لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات علمت ان لهذا مقدرا ومنشئا.

شعر

فإذا نظرت إلى السماء بنظرة

فأرى السماء تدل انك واحد

وإذا نظرت إلى الكواكب نظرة

فأرى الكواكب للمكوكب شاهد

شعرا فارسيا

همه هستند سر گردان چو بد كار

پديدآرنده خود را طلب كار

لم احتجب الله.

الزنديق : فلم احتجب (أي المعرفة لا الرؤية لأنه عليه‌السلام يقرّ الحجاب المسئول عنه ولا ينفيه في الجواب).

الإمام عليه‌السلام : ان الحجاب على الخلق لكثرة ذنوبهم ان الخلق محجوبون عن معرفته لكثرة ذنوبهم وهو غير محجوب عنهم لغاية علمه (فأما هو فلا تخفى عليه خافية في آناء الليل أي حجاب الخلق عنه فإنه لا تخفى عليه خافية).

٧٨

الزنديق : فلم لا تدركه حاسة البصر (لكي يشترك في معرفته المذنب والمطيع فلا ينكره المذنبون).

الإمام عليه‌السلام : للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار منهم ومن غيرهم ثم هو أجل من أن يدركه بصر او يحيط به وهم او يضبطه عقل.

(يريد عليه‌السلام ان إدراكه بالحاسة مستحيل لاستلزامه كون المدرك محسوسا ومادة فحادثا).

الزنديق : فحده لي.

الإمام عليه‌السلام : لا حد له.

الزنديق : ولم.

الإمام عليه‌السلام : لأن كل محدود متناه إلى حد ، وإذا احتمل قبل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان فهو غير محدود ولا متزائد ولا متناقص ولا متجزي ولا متوهم (احتمال الزيادة مستلزم لعدم اللانهاية في ذاته تعالى فهو إذا يحتمل النقصان كما احتمل الزيادة لأنه غير أزلي فقير فلا يملك ذاته) (فما برح الزنديق حتى أسلم) البحار ج ٣ ص ٣٩ حديث ١١.

أعصاب المخ تحيل الصدف :

وبنيت الأبحاث الجارية حول تركيب المخ البشري أنه يتألف من ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠ عصب لكل واحد منها وظيفته الخاصة به ، وإذا قام أحدها بوظيفته لسواها أو أخطأ في حس أو إدراك ما إذا يفسد عمل الجهاز العصبي بأسره.

ويشير حساب الاحتمالات إلى أنه ليس هناك أية صدفة عشوائية تجعل عشرين مليون عصب تترتب بهذا الترتيب الدقيق حتى تتوارد عليها الإحساسات فتشعر بواسطتها روح الجسم بالأحداث الخارجية أن روح الجسم مستقل عن أجهزته كاستقلال الصوت الذي ينقله جهاز الراديو عن الأجهزة والأنابيب الدقيقة

٧٩

التي يتألف منها أو كاستقلال الصورة التي تظهر على شاشة التليفزيون نفسه.

فإذن العقل البشري العلمي الرياضي والفلسفي يعترف بوجود خالق الكون.

حدوث المادة في ذاتها وتحولاتها :

تدلنا على حدوث ذات المادة ذاتها بما هو لزام لكيانها من الحركة والتغير والزمان والتركب أسس أربعة تبرهن لنا حدوث المادة الأصلية وتدلنا على حاجتها الذاتية إلى سواها مختلف ألوانها وتراكيبها عن حالتها الاولية البسيطة.

وذكرنا أن الذات الأزلية محال أن تتصف بالصفات الحادثة وزيادة على ذلك فهذه الأفعال والحركات المختلفة محال أن تنبثق من ذات المادة على وحدتها في أصلها وعلى جهلها وعدم إرادتها واختيارها وكما تنادون ليل ونهار أن المادة جاهلة فالواحد لا يصدر منه إلا سنخ واحد من الأفعال ، والأفعال المختلفة دليل على الخالق القادر ذي علم واختيار يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

الفطرة تدلنا على خالق الكون :

ولما اعترف المادي أن للكون إلها عليما حكيما بما دل عليه العلم بمختلف ألوانه.

سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ٤١ / ٥٣.

فكما أن الله تعالى إله الكون وخالقه اجمع. كذلك معرفته تعم كافة الخلائق بشتى أساليب وسبل.

فهناك في الكون آيات ودلالات آفاقية وأخرى أنفسية عقلية وفطرية تعم كافة العقلاء بل والمجانين أيضا حيث لا يفقدون الفطرة الإنسانية والحس مهما فقدوا العقل.

٨٠