عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

يحكم بديهة بالفرق بين المصنوع وغيره وفيك جميع صفات المصنوعين فكيف لم تكن مصنوعا.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) سورة الحج ٧٣.

خلاصة الكلام :

أن العلم بأحوال الكون يجعل الفرد المؤمن يركع لله تعالى خشوعا ويسجد له تواضعا وتفيض عيناه بالدموع حبا وتسبيحا وخضوعا لو كان قد بلغ مرتبة من اليقين لأعمال كان يقوم بها صالحة مع تهجد وتزكية وتحلية وتطهير وهو القائل (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).

اعتراف علماء النفس بوجود الصانع :

لقد أجمع علماء النفس أن التدين والاعتراف بوجود الصانع أمر فطري عند البشر وأن المفاهيم البشرية كالمادية وغيرها من نزعات قد تعيش برهة من الزمن نتيجة لطغيان هذه النفس الطائشة الأمارة بالسوء إلا أنها سرعان ما تموت وترجع الفطرة إلى فعاليتها الطبيعية وتدين بما وراء الطبيعة بدرجة تكاملها وقطعها مراحل في عوالم تطهير النفس وتزكيتها.

رد على كارل ماركس المادي :

ويقول كارل أن الأشياء إنما وجدت نتيجة التكامل في الأضداد فليوضح لنا كيف أن الشيء أوجد ضده وكيف أن الرجل أوجد لنفسه أنثى لذلك يقول (مونتين) وهو أحد فلاسفة فرنسا مهما يكن من شيء فليس للرجل أن يخلق امرأة لها عضو التناسل إبقاء للجنس البشري.

٤١

فإذن الخالق هو الله تعالى الذي خلق المرأة كما خلق الرجل وهكذا بقية الحيوانات والحشرات والنباتات (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النمل ٦١

أنى للكهربائية السالبة (الالكترون):

أن توجد لنفسها كهربائية موجبة ثم تترتب ترتيبا بديعا لا تحيد عنه ولا تتغير منذ خلق الله الذرة خلافا لما يقوله المادي من (نظرية التغير) التي لا يحققها العلم الحاضر إن هي إلا نظرية عشواء كواضعها.

نحن لا نرى أي تضاد في الذرة فهل المرأة ضد الرجل بل نرى في الذرة وفي كل زوجين خلقهما الله تعالى تكاملا وتوافقا فلا تتم الحياة ولا تستقر ولا تستمر إلا بذكر وأنثى ولا تتم الذرة ولا تحقق إلا بالألكترون والبروتون فهذه هي الزوجية التي أودعها الله تعالى في جميع ما خلق حتى في الجمادات لتبقى الوحدانية له تعالى.

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة الذاريات ٤٩.

اعتراف ماركسية بخالق الكون :

يقول علماء الذرة وكبار العلماء في العلوم الطبيعية وغيرها أنه لا يوجد في كل ما اكتشف من قوانين وخواص في عالم الطبيعة شيء يدل على عدم وجود الخالق جل جلاله بل كلما نزداد بحثا وكشفا للحقائق الكونية والمعادلات والدساتير والخواص المودعة في أجزاء هذا الكون وارتباط هذه الدساتير والخواص بعضها ببعض نزداد يقينا بالخالق جل جلاله بإله متناه في إتقانه الخلق بدقة وحكمة فائقتين وقد قيل :

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

٤٢

وهكذا يخاطبنا الله تعالى بقوله : (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إنه تعالى يقول (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ).

فكرة التوجه إلى الخالق متمركزة لدى الانسان :

فلو لم تكن فكرة التوجه إلى الخالق متمركزة لدى الإنسان لما توجه إلى خالقه عند نزول كارثة من الكوارث.

سئل الصادق عليه‌السلام وهو الإمام الصادق سادس أئمة أهل البيت عن الله تعالى فقال للسائل يا عبد الله هل ركبت سفينة قط قال بلى فقال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك قال بلى قال فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الأشياء قادر أن يخلصك من ورطتك قال بلى قال الصادق عليه‌السلام فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حين لا منجى وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

إن الله يقول : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) سورة يونس ١٣.

الطريقة في إثبات الخالق هي طريقة نظر وتفكر وتدبر :

إذا نظر الإنسان إلى هذا الكمال الرائع الذي أودعه الله في تمام مخلوقاته من آميبا (وهي الكائن الحي ذي الخلية الواحدة) إلى الإنسان : في الجماد والنبات والحيوان ثم إلى ربط التنظيمات الأرضية بالتنظيمات السماوية ربطا لا ينفك بعضها عن بعض (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) سورة الملك ثم إلى هذه القوانين التي ترتبط الحوادث الكونية من فلكية وفيزيائية وكيميائية بعضها ببعض ثم إلى المعادلات التي يراها في ما يشكل الذرة من الكترون وبروتون ونيوترون وغيرها ثم ما يعترف به من عجز في تفهم حقائق لا تتناهى في هذا الكون (وَلَوْ أَنَّ ما

٤٣

فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

يقطع بأن المنظم لهذا الكون حكيم قادر متعال وليس للإنسان إلا أن يخضع له اجلالا وتعظيما خشوعا لذلك كله فإن الطريقة في إثبات وجود الخالق جلّ جلاله هي طريقة نظر وتدبر واعتبار وتفكر انظروا إلى هذه الآيات الشريفة وتدبروا فيها.

إثبات الصانع والاستدلال بعجائب مصنوعاته

على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته :

الآيات البقرة : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ٢٢ وقال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ١٦٤.

يونس : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) ٦.

وقال : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ١٠١.

الرعد : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ

٤٤

يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ٢ ـ ٤.

ابراهيم : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) ٣٢ ـ ٣٤.

الحجر : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ. وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) ١٦ ـ ٢٣.

النحل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) ٤ ـ ٨. وقال تعالى هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مؤاخر فيه وتبتغوا من فضله

٤٥

ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون ١٠ ـ ١٦. وقال تعالى والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون. وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون. وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذنى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون.

أنى للمحاط (الانسان):

أن يحيط بالمحيط وهو الله تعالى لذلك يقول علي عليه‌السلام تكلموا في خلق الله (يعني في مصنوعات الله) ولا تكلموا في الله فإن التكلم في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا وقال أيضا كيف أصفه بالكيف وهو الذي كيّف حتى صار كيفا.

نقل قول الاستاذ الفلكي :

فقد كان في جامعة بيروت الأمريكية استاذ للفلك العالي كان إذا تكلم عما أودع الله من معادلات وقوانين مدهشة في نظام الكواكب والأنجم ، فاضت عيناه بالدموع فيسأل عن السبب فيجيب لو رأيتم ما أرى لذبتم خضوعا وخشوعا لمن أقام هذا السماء بهذا الترتيب البديع الذي يحار في استقصائه أولو الألباب. ويشهد قول الحسين عليه‌السلام كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى هو المظهر لك.

يقول الحسين بن علي عليه‌السلام في دعائه :

مخاطبا رب العباد سبحانك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها

٤٦

رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا.

وفي الحديث عن علي عليه‌السلام :

ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه.

انظروا كيف يتم تعالى الحجة على عباده ويأتي بدليل على وجوده بقوله : سورة النحل آية ٧٣ (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ٧٤.

الاسرى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) آية ١٢.

طه ٥٢ : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى ٥٣ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ٥٤ مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى).

الأنبياء :

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) ٣٠.

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ٣٢ ـ ٣٣.

المؤمنون : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ ، فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ. وَإِنَ

٤٧

لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ١٨ ـ ٢٢.

إثبات الصانع لا يحتاج إلى الدور والتسلسل :

جاء في بعض الكتب الكلامية بشأن إثبات وجود الخالق أننا لو فرضنا أن ب مثلا خلق أوج خلق ب ود خلق م وهكذا.. ينتهي بنا الغرض إلى ما لا نهاية له من الموجودات خلق المتقدم منها المتأخر وهذا تسلسل والتسلسل باطل لأنه لا بدّ من خالق لم يخلقه آخر حتى ينتهي الأمر إلى خالق هو في الحقيقة خالق جميع الأشياء.

ومما لا شك فيه أن المخلوق ليس فيه قابلية الخلق لأنه إن كان فيه قابلية الخلق لأوجد شيئا من العدم أو تصرف في نفسه والمصنوع ليس بصانع شيء من العدم أما صانع التلفزيون والراديو وغيرهما فهو قد جمع أجزاءه مما وجده قبلا ووجد أن له عقلا يعقل ويستنتج وهو لا يعلم كيف أتاه ، يرى نفسه يأكل وتخرج فضلاته وتقوم أجهزته بأعمال دقيقة مختلفة وهو لا يحيط بكل ما هنالك من أسباب وعلل ، ولا يعلم كيف كان كل ذلك فليس للمخلوق أن يخلق شيئا من العدم ، ومن أين يأتي لهذا المخلوق قابلية الخلق من العدم وهو عاجز عن التصرف في نفسه فإذن لم يبق مجال للقول بهذا التسلسل أو الدور من المخلوقات ، وأن الإنسان قد جهز بفضله تعالى بعقل يحكم بوجود خالقه.

العلم والايمان :

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالعلم يعرف الله ويوحد ، فالعلم خير وسيلة لمعرفة الخالق جلّ جلاله والتعرف على ما أودع الله تعالى من دقائق الصنع وخواص مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا وثيقا لا يجاد عوالم من الجماد والنبات والحيوان ولسير هذه الأفلاك بهذا النظام الرائع البديع نظام يجعل

٤٨

عيني الفلكي الذي لم يقس قلبه بالموبقات تفيضان بالدموع خضوعا وتقديسا لله تعالى لما يرى هناك من دقيق المعادلات وبديع القوانين.

نظام يجعل هانري بركسون مؤمنا بوحدانية الله تعالى معظما اياه حين يتتبع نظام الذرة وما فيها من معادلات وقوانين تبهر العقول هذه الذرة التي قد بلغت من الصغر بحيث لو وضعت (٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠) منها على سطح الكرة بعضها جنب بعض لكان طولها مليمترا واحدا.

نظام يجعل الطبيب الذي لم يلوّث باطنه بسكر أو فسق يركع أمام عظمته تعالى حين يرى أنه تعالى قد رتب في المخ البشري (٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٠) عصب موضوعة بعضها جنب بعض بحساب دقيق بحيث لو خرب أحد هذه الأعصاب لحدثت عوارض تخص هذا العصب المخروب دون غيره.

نظام يخشع تجاهه العالم بالميكانيك السماوي والفيزياء حين يرى كيف رتب الله تعالى الأبعاد بين الأجرام السماوية ومنها بعد أرضنا عن الشمس وبعد القمر عن الأرض وهو القائل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) سورة الواقعة ٧٥ / ٧٦.

فلو كان بعد الأرض عن الشمس ضعف ما عليه الآن لنقصت الحرارة التي تأتينا من الشمس إلى (ربع) ما عليه الآن (حسب قانون فيزياوي شدة الحرارة على سطح ما تتناسب تناسبا عكسيا مع ربع المسافة عن مصدر الحرارة).

ولنقصت سرعة حركة الأرض حول مدارها إلى النصف ولطال فصل الشتاء إلى ضعف ما عليه الآن ولا نجمد نتيجة لذلك جميع ما على الأرض من كائنات حية ولاستحالت الحياة عليها.

ولو كان بعد الأرض عن الشمس نصف ما عليه الآن لأصبحت حرارة الأرض أربعة أمثال ما عليه الآن بنفس السبب وتضاعفت سرعة الحركة حول المدار ولنقص طول مدة كل فصل من الفصول الأربعة (الربيع الصيف الخريف الشتاء) إلى النصف وتبخر ما على الأرض من مياه ولما أمكن السكن عليها من شدة

٤٩

الحرارة وذلك يقربها من الشمس قدرة إلهية ويد ربانية في كل الموجودات.

ولو أن الله تعالى قد أحاط أرضنا بغلاف غازي (جوي) ثخنه (٨٠٠) كم لحفظها مما تتوجه نحوها من أحجار سماوية (٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠) حجارة في كل ثانية ٥٠ كم (أي تقطع هذه الأحجار السماوية مسافة قدرها خمسون كيلومترا في الثانية أي سرعتها في الساعة (٠٠٠ ، ١٨٠) كيلومتر). لما عاش على سطحها كائن حي ولاستحالت الحياة على وجه البسيطة على أن لهذا الغلاف الغازي أو الدرع الحصينة أثرا هاما في إيصال حرارة الشمس إلى الأرض بدرجة من الاعتدال والتناسب كي يمكن أن تعيش على سطحها النباتات والحيوانات والإنسان ، وكذلك في نقل المياه وبخار الماء من المحيطات (البحر المحيط) إلى القارات فلولا هذا الغلاف الجوي لتحولت القارات إلى أرض قاحلة.

فلو كانت الأرض بقدر القمر وكان قطرها ربع ما عليه الآن لما كانت قوة الجذب (أي سطح الأرض) تكفي لجذب المياه والهواء ولما استقر الماء على سطحها لأن قوة الجذب تكون إذ ذاك سدس قوة جاذبية الأرض اليوم ولارتفعت درجة الحرارة إلى حد يؤدي إلى إبادة الحياة عليها.

ولو كان قطر الأرض ضعف ما عليه الآن لكان سطح الأرض أربعة أمثال ما عليه الآن وكانت قوة الجذب ضعف قوة جذب الأرض الحالية ولنقص ارتفاع الجو إلى حد مخطر ولارتفع الضغط الجوي من كيلوغرام واحد على كل سنتيمتر مربع إلى كيلوغرامين ولأشكلت الحياة على وجه الأرض.

ولو كانت الأرض من حيث الكبر بقدر الشمس لصارت قوة الجذب عليها (١٥٠) مرة اكثر مما عليه الآن حسب قانون (نيوتون) ولنقص ارتفاع الجو حوالي (١٠) كيلومترات ولما أمكن تبخر المياه ولاستحالت الحياة العقلية لمثل هذه الموجودات.

ومن هذا البيان ظهر أن يدا ربانية وقدرة إلهية قد جعلت أرضنا هذه من

٥٠

حيث الكبر والبعد عن الشمس والقمر وسائر الأنجم ومن حيث الكتلة وقوة الجذب بدرجة يتمكن معها الحياة على سطحها فإن زل أحد هذه الأشياء أو غيرها مما نعلمه أو لا نعلمه لاستحالت الحياة عليها (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) سورة فاطر ٤١ ((إِنْ أَمْسَكَهُما) أي ما أمسكهما).

البروتين جزء هام من مادة البروتوبلازم وهي أي البروتوبلازم المادة الزلالية الحية التي تتكون منها خلية الأجسام النباتية والحيوانية فهو مصدر كل حياة.

وهذه الخلايا الحية مؤلفة من عناصر خمسة الكاربون والايدروجين والنيتروجين والاكسجين والكبريت وعلم أنه يوجد في الجزء الثقيل منها ٤٠٠٠٠ ذرة.

ولسائل أن يسأل كيف وجدت هذه العناصر الخمسة ابتداء وما هو الأساس وهل للمادة العمياء أن ترتب وتنظم وتنظر إلى المستقبل على أن البروتين مادة كيماوية فاقدة الحياة وأن الحياة أمر هام خطير جدا تأتيها من الخارج وأن الله تعالى هو الذي نفخ فيها الروح وجعلها حية بعد أن كانت مادة ميتة لا حياة فيها.

فما أعظم قول الله تعالى بالنسبة إلى ولوج الحياة في الخلية الميتة حين يقول :

يا أيها الناس ضرب له مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب.

فلا بدّ إذن من مدبر منظم حكيم عارف بقوانين الميكانيك والتفاعلات الكيمياوية والرياضيات العالية والطبيعيات طرا وهو الله تعالى (لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

أيضا لسائل أن يسأل كيف وجدت هذه الأجزاء ابتداء وكيف تسلسلت متكاملة بعضها عن بعض ثم استمرت وهي متكاملة ومن الموجد لها أولا قبل

٥١

أن تترتب وما هو أساس الوجود المادي وما هو أساس الوجود الروحي وكيف جاءت هذه الحياة وما حقيقتها.

فلا مناص من الاعتراف بمن هو واجب وجوده من الأزل لايجاد هذا الكون الواسع بهذا الترتيب العجيب وهو الله تعالى واجب الوجود (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) أي قدر كل ما خلقه تقديرا مناسبا للحكمة ومؤديا للأغراض التي خلقه من أجلها على أحسن حال.

لذلك يقول (إسحاق نيوتن) وهر أعظم علماء القرن الثامن عشر : لا شك في الخالق فإن هذا التنوع من الكائنات وما فيها من ترتيب أجزائها ومقوماتها وتناسبها مع غيرها ومع الأزمنة والأمكنة لا يعقل إلا من حكيم عليم.

يقول باستور : كان ينكر إله الكنيسة إلا أنه كان مؤمنا بالخالق المعبود إله العالمين خالق الجراثيم... على حد تعبيره.

إن قلت كيف نعتقد بوجود الله تعالى مع أنا لا نراه إلا بالباصرة. قلنا إن العلم الحديث يتعرف بالأشعة الكونية وهي لا ترى ولها آثارها العجيبة ويعترف بالبث الالكتروني وبأمواج الراديو واللاسلكي والتلفزيون وكل اولئك قوى وطاقات لا ترى بالعين وموجودة في الفضاء ولها آثارها.

أول من ظفر بأن في الفضاء أمواجا كهربائية :

ان أول من ظفر بأن في الفضاء أمواجا كهربائية مغناطيسية تشبه أمواج الضوء المرئي في خواصها وقوانينها هو (جيمز) انه اثبت بمعادلات رياضية وجود هذه الأمواج في الجو وما كان ليصدقه أحد لأن غيره ما كان يرى ما يراه (جيمز) بعقله فإن ما لا يرى بالعين المجردة اكثر مما يرى بها وهو موجود وإن الموجات التي لا ترى بالعين اكثر فعالية وتأثيرا مما يرى بالعين فالكهرباء اكثر فعالية من الخشبة والنفس اكثر فعالية من الكهرباء والعقل اكثر فعالية من النفس فإذن الله جلّ جلاله موجود.

٥٢

الحاصل :

ان الفطرة الإنسانية كلها معترفة بالدين والذي عرف الامم الآن هذه الآثار التي كشفوها فقد تطابقت الآثار في القارات كلها وفي الجزائر النائية أن جميع الامم لها اتجاه ديني وكلها تؤمن باليوم الآخر وهذا الإجماع من تلك الامم برهان قاطع على وجود مدبر للعالم وجود صانع وخالق له ها هي غريزة الطعام والشراب والاستكان من الحر والبرد والسعي على الرزق وحب الحياة والذرية وتقابل الذكر والانثى كل ذلك فطرة صادقة ومسألة الدين إحدى تلك الفطر.

فالله تعالى قد غرس أساس التوحيد في النفس الإنسانية عملا بسنة الكمال فالذي ينحرف إنما ينحرف لظلمات في نفسه جاءته من ناحية الذنوب وعدم القيام بمعطيات الفطرة فالله الذي لا يصدر عنه إلا الكمال قد اكمل الإنسان من النواحي الروحية بأن غرس فيه اصول المعارف الإلهية وقد جاء في الحديث كل مولود يولد على الفطرة فإنما أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه.

كيف حصل العقل من المادة :

أليست قوانين الرياضية نتيجة تدبر وتفكر وتعمل وهل يجوز أن يوجد الترتيب والتنظيم دون مرتب ومنظم وهل من الممكن أن توجد عوالم الجماد والحيوان والنبات وما في السموات والأرض وحركة الكواكب والليل والنهار والأمطار والأنهار وأن ترتبط هذه الأشياء بعضها ببعض ارتباطا وثيقا ودقيقا.

دون صانع ومدبر حكيم فلا بدّ من موجد لهذه الأشياء المترتبة بعضها ببعض ونقول في جواب الماديين كيف حصل العقل من المادة على ما يقوله الماديون وكيف وجد الروح هل القوة كانت قبلا أم المادة وكيف انقلبت القوة إلى مادة فلو قلنا أن هناك يدا خفية (ولا بدّ منها) تعمل في حدوث شيء من شيء آخر وتكامل بعض النباتات والحيوانات ، فذاك هو الله تعالى.

٥٣

يقول جان جاك روسو : أن نعتقد أن مادة ميتة تقوى على إيجاد هذه الكائنات الحية الكثيرة وأن الضرورة العمياء تتمكن من خلق الموجودات العاقلة وأن شيئا عديم العقل يستطيع أن يوجد أشياء مدركة (عقلا) ومن البديهي أن الحركة ليست بأمر ذاتي في الجسم فلا بدّ من محرك ومتصرف في الكون وأن سلسلة الحركات الكونية كلها تنتهي إلى المحرك الأول هو الله تعالى.

وأما هرشل فيقول كلما توسع أفق العلم كلما ازددنا معرفة بالله ذلك لأن العلم يزودنا ببراهين قطيعة على وجود الخالق الأزلي القدير الذي لا حد لقدرته.

يقول المادي : ان الإلهيين يؤمنون بخالق لا يدرك بحواسنا ، الجواب أن هناك أشياء كثيرة موجودة ولا تدرك بحواسنا ، ولكن العقل يحكم بوجودها كالالكترون يقول الله تعالى في سورة الحاقة : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ). وأن الإنسان الذي جهز بحب الاستطلاع إن لم يلوث الفطرة بخموره وفجوره يعترف بصورة طبيعية بالله تعالى كما يعترف الفيزيائي بوجود الالكترون ومعلوم أن الالكترون لا يمكن إدراكه ماديا ومع ذلك فهو معروف بآثاره اكثر من قطعة من الخشب.

قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء.

فما من شيء في الكون إلا وهو ينادي لما فيه من نظام وجمال وكمال بعظمة الله تعالى يسبحه ويقدسه أليست هذه القوة قوة الجذب بين الكرات هذه القوة التي يجهل حقيقتها العلم الحديث تدل على أن الكون يسير بإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته. (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (سورة فاطر : ٤١).

وما أعظم ما جاء في دعاء علمه أمير المؤمنين علي عليه‌السلام كميلا حين يقول : اللهم إني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء... إلى أن يقول وبعظمتك التي ملأت كل شيء وبسلطانك الذي علا كل شيء وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء

٥٤

وبأسمائك ملأت أركان كل شيء وبعلمك الذي أحاط بكل شيء وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء يا نور يا قدوس يا أول الأولين ويا آخر الآخرين.

حقا إن من يتتبع العلوم الحاضرة والحديثة وما اكتشف من حقائق وعوالم ونظم ودساتير وخواص لا تعد يعلم ، إن ما جاء في الدعاء المتقدم يفسر تماما حالة الأجسام اعتبارا من الذرة إلى السماوات العلى فكل شيء لو حلل تحليلا نهائيا يضيء بنور الله ويقدس الله تعالى وينزهه من كل نقص وينادي بصوت رفيع أن لا إله إلا الله العلي القدير خالق الطاقات ومرتبها ترتيبا حكميا وأنه لا متصرف في الكون إلا الله تعالى.

في آخر الزمان أقوام متعمقون :

من تفسير نور الثقلين في سورة الحديد ناقلا عن الاصول الكافي عن عاصم بن حميد قال سئل علي بن الحسين عليه‌السلام عن التوحيد فقال : إن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك.

توحيد خليل الرحمن :

يقول الله تبارك وتعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ، فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي ، فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام ٧٩). إن هذه الآية تعلمنا الطريقة التي يجب أن نسير عليها لإرجاع المنحرفين إلى الفطرة ، فإن

٥٥

ابراهيم يفرض أن ربه وخالقه كوكب رآه في الليل ، ثم رآه آفلا غائبا عن الأنظار فعلم أنه متغير ومتحول من مكانه والمتحول لا بدّ له من تحول فهو إذن يحتاج إلى غيره مسير بإرادته وأن شيئا كهذا غير قائم بنفسه لا يكون ربا بل هو مربوب ، والرب هو المحرك لهذه الكواكب والمنظم لحركاتها لافولها وشروقها وحركاته الاخرى يستنتج من كل ذلك أن لا بدّ للحدث من محدث ولا بدّ للنظام من منظم لا سيما إذا كان هذا النظام بالغا أسمى مراتب الدقة فيه من المعادلات والدساتير ما لا يحيط به البشر مهما تسامى في عالم التفكر إذن وجب أن يكون هناك خالق قدير عليم خلق هذا الكون بقدرته.

تمثيل ايقاظي :

فإذن ما أسهل كذلك أن تتيقن أن وجود الباري تعالى جل شأنه وعظم كبرياؤه ليس كوجود الدار عن البناء وكوجود الكتابة عن الكاتب الثابت المعين المستقل بذاته عن الكاتب بعد فراغه لكن كوجود الكلام عن المتكلم إن سكت بطل وجود الكلام بل كوجود ضوء الشمس في الجو المظلم الذات ما دامت الشمس طالعة فإن غابت الشمس بطل وجدان الضوء من الجو وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في دعاء كميل بأسمائك التي ملأت أركان كل شيء.

سئل الإمام الصادق عليه‌السلام من الله تعالى فقال للسائل يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال : بلى ، فقال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ، قال : بلى ، قال : فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الأشياء قادر أن يخلصك من ورطتك ، قال : بلى ، قال الصادق عليه‌السلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجى وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

فلو لم تكن فكرة التوجه إلى الخالق متمركزة لدى الإنسان لما توجه إلى خالقه عند نزول كارثة من الكوارث حتى الحيوانات تتوجه إلى خالقها.

٥٦

أحدث شكل لذرة الهليوم :

ذكر الاستاذ احمد امين في كتابه الشريف الجزء الثالث ص ١٠٢ إن من جملة ما لا يمكن إبصاره حتى بالآلات الدقيقة هو الذرة ومع ذلك كله فإن العلم الحديث قد استخدم ما كان يعرفه من قوانين الكتلة والطاقة في استنباط صفاتها وتركيبها وخواصها مع كونها غير منظورة ولقد أيدت القنبلة الذرية الاولى ما كشف من قوانين ونظريات حول تركيب الذرة غير المنظورة ووظائفها.

إن العلم الحديث قد استدل على تلك الظواهر التي تتعلق بالذرة بآثارها وهي من ما لا تبصرون معتمدا في ذلك على الاستدلال المنطقي الصرف وعلى ما كان معلوما من حقائق أولية بسيطة تتعلق بهذه الظواهر والأشياء ، فحري بالمادي أن يعترف بالذرة ويستخدمها في حقول شتى ويستدل بالآثار على وجودها ووجود الإلكترون فيها وهو لم ير شيئا منها حتى بالآلات أن يتبع نفس الطريقة في الاستدلال على وجود الله تعالى.

وأن لا يقول لا سبيل إلى الاعتقاد بغير المنظور مع العلم أن غير المنظور في هذا الكون المادي أشد تأثيرا وفعالية من المنظور كالكهرباء والمغناطيسية وأمواج هرتز إلى ما هنالك فالعالم المادي كله قوى كهربائية ومغناطيسية وجاذبية وكل اولئك من غير المنظور ، وما أعظم قول الله تعالى حين يقول : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) سورة الحج ٤٦.

ويقول تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ). وهكذا يقول جلّ من قائل (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) يونس ١٠١.

إبطال أقوال الماديين :

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) سورة الأنعام ٩٥.

٥٧

فالله تبارك وتعالى بعظيم قدرته تلك القدرة التي ليس للبشر أن يصل إلى شيء من حقيقتها يفلق الحب والنوى فيكون نباتا وشجرة ذات جذور وساق وأغصان وأوراق وأزهار ولو كتب في هذه اليد التكاملي للنبات مئات الصفحات للزم أن تدوّن أيضا آلاف الصفحات أفيكون كل هذا من تلقاء نفسه هذا ما لا يقره حيوان فكيف بإنسان ولكن مع الأسف يغلق هذا الإنسان على نفسه الاعتراف بوجود الله بما كسبت يداه ، فهل علم العلم الحديث كيف يخرج الله الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وما حقيقة الحيوية وكيف تتولد هذه الحياة ومن المعطى لها ، بناء على هذا إن ما يقوله الماديون لا يستند على تفكر علمي مركز خال من الهذيان ، وأن الماديين يتذرعون بما قاله دارون عن تكامل الأنواع وهو ليس ممن أنكر الخالق وقد قال أين لا أعلم كيف جهز هذا الإنسان بالعقل والمنطق.

الكون الواسع يدل على وجود الخالق :

إن الله تعالى يأمرنا بأن نتتبع السماء والأرض وأن ننظر إلى ما خلق من عوالم شتى من كواكب وشموس ومجرات وسدم وكيف تتكون الأنجم وكيف تبيد ، وذلك بقوله : (جل من قائل (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) سورة سبأ.

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) سورة آل عمران.

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) سورة الغاشية.

إن الله تبارك وتعالى يريد منا أن نتوغل في عوالم السماء وما خلق من عوالم أخرى لكي نزداد يقينا بوجود الله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى

٥٨

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) سورة الرعد : ٣.

حقا إن علم الفلك اللاسلكي والميكانيك الرياضي فتحا على الإنسان أبواب المعرفة بالنسبة إلى ما لا يتناهى من شموس ومجرات وسدم ونيازك إلى ما هنالك من عوالم تدهش الألباب ولذا ورد عن بعض أعاظم الحكماء من لم يعرف الهيئة فهو غني المعرفة.

فإن التلسكوب اللاسلكي يلتقط إشارات عن مسافة قدرها ثمانية آلاف مليون سنة ضوئية ، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعة ٣٠٠٠٠٠ كيلومتر في الثانية خلال سنة كاملة أي هي مسافة التي طولها ٩٤٦٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ كيلومتر أو ٥٨٧٩٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ميل فإن القمر لا يبعد عنا إلا بقدر ثانية وثلث الثانية من السنة الضوئية والشمس تبعد عنا ٨ دقائق و ٢٠ ثانية من السنة الضوئية والشمس خلال هذه المدة أي ٨ دقائق و ٢٠ ثانية وهي المدة التي يجب أن تنقضي لوصول شعاعها إلينا تقطع في الفضاء في سيرها الطبيعي المقرر من جانب الله تعالى خمسة ملايين كيلومتر مع العلم أن الضوء يسير من أقصى الأرض إلى أقصاها خلال ١ / ١٤ من الثانية كما في التكامل ج ٤ ص ٦٣ وكل هذه الموجودات تدل على وجود الخالق.

وإليه أشير قول الفيلسوف السبزواري :

ما من بداية إلى نهاية

في الواحد انطوائه عناية

فالكل من نظامه الكياني

ينشأ من نظامه الرباني

من الذي أوجد الحياة :

يقول الباحثون في علم الحياة أن الجراثيم الحية متكوّنة علميا من العناصر الأربعة ـ الهيدروجين ـ النتروجين ـ الأوكسجين ـ الكاربون وهذه العناصر إذا اتحدت بعضها ببعض أوجدت أشياء تختلف بعضها عن البعض الآخر فإذا

٥٩

اتحد الأوكسجين بالهيدروجين تكوّن منهما الماء وإذا اتحد الأوكسجين بالنتروجين تكوّن منهما غاز سام ، وهذه العناصر كلها غير حية والكثير منها مضر بالحياة.

لنا أن نسأل علماء المادة والمتخصصين بعلم الحياة والقائلين بالصدفة من الذي جمع بين هذه العناصر اللاحية والمضادة للحياة وكوّن منها جرثومة الحياة وجعلها في عالم الحيوان العجيب إنسانا وفيلا وحصانا وفراشة وسمكة وطيرا ومن هو الذي جعل جرثومة الحياة المتكوّنة من العناصر الأربعة اللاحية لا تغلط في سيرها ومجال اختصاصها فما خص منها أن يكون فيلا لا تغلط فيكون إنسانا وما اختار منها أن يكون أرنبا لا تغلط فتكوّن قردا أهي الصدفة العمياء ، الاتفاق غير المقصود أم هناك خالق قادر مدبر حكيم.

نظرة فاحصة في جسم الإنسان وما اشتمل عليه من الأجهزة المحيرة للعقول والمعامل التحليلية في جسم الإنسان التي عجز عن بحثها العلماء وخفي الكثير من أسرارها على كبار الأطباء والمهرة من الجراحين والتي لم يتوصل إلى الكشف عن خفاياها العلم وهو في أسمى مراتب الرقي هذه النظرة تكفي لأن تبعد فكر الإنسان عن أنه وليد الصدفة وأن الأشياء ما حوله وجدت عن طريق الاتفاق غير المقصود وتخضعه للإرادة الحكيمة العاقلة التي اتقنت وجوده وتكوينه وخلقه في أحسن تقويم.

يقول علماء الشرع والطب : في وصف أصغر جهاز مركب في الإنسان وهو جهاز البصر أنه مع صغره مدهش للعقول محيّر للأفكار في تركيبه العجيب المنقطع النظير ، إن الشبكة التي تعكس العدسة عليها النور تتكون من تسع طبقات منفصلة لا يزيد سمكها جميعا على ورقة خفيفة ، وأن الطبقة الأخيرة منها تتكون من ثلاثين مليون من الأعداد ، وثلاثة ملايين من المخروطات ، وقد نظمت هذه الأعداد والمخروطات تنظيما دقيقا محكما رائعا وأن الأشعة الضوئية ترتسم عليها معكوسة وشاءت العناية الإلهية أن تزود جهاز الأبصار من وراء

٦٠