عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

تعتريه ومنكرها خارج من رتبة المؤمنين ، فإنها من ضروريات مذهب الأئمة الطاهرين ، وليست الأخبار الواردة في الصراط والميزان ونحوهما مما يجب الإذعان به أكثر عددا وأوضح سندا وأصرح دلالة وأفصح مقالة من أخبار الرجعة وإختلاف خصوصياتها لا يقدح في حقيقتها كوقوع الاختلاف في خصوصيات الصراط والميزان ونحوهما ، فيجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالا وان بعض المؤمنين وبعض الكفار يرجعون إلى الدنيا وإيكال تفاصيلها إليهمعليهم‌السلام ، والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسين متواترة معنى وفي باقي الأئمة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم هو هو على الترتيب أو غيره ، فكل علمها إلى الله سبحانه وإلى أوليائه.

القول في الموت :

يجب الإقرار بأن كل حي سوى الله يموت ، قال الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ). وقال تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) والموت مصلحة للمؤمن والكافر ، كما قال الباقر عليه‌السلام لأن الله تعالى يقول : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ويقول : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) وليس الموت أمرا يعدمنا بل هو الحياة الحقيقية كما قال عليه‌السلام : (خلقتم للبقاء لا للفناء) وفي حديث آخر : خلقتم للأبد وإنما تنقلون من دار إلى دار. وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وقال : الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا وقيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : صف لنا الموت ، فقال : على الخبير سقطتم هو أحد أمور ثلاثة ترد عليه إما بشارة بنعيم الأبد وإما بشارة بتعذيب الأبد وإما تخويف لا يدري من أي الفرق هو ، أما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الأبد وأما عدونا والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد ، وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه ، يأتيه الخبر مبهما

٢٤١

مخوفا ، ثم لن يسويه الله بأعدائنا ويخرجه من النار بشفاعتنا ، فاحتملوا وأطيعوا ولا تتكلموا ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة.

وسئل الحسن بن علي عليهما‌السلام : ما الموت الذي جهلوه فقال : (أعظم سرور على المؤمنين إذ نقلوا من دار النكد إلى نعيم الأبد ، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الدنيا سجن الموت وجنة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء الى جحيمهم.

وعن سيد الشهداء عليه‌السلام في حديث قال فيه : ما الموت إلا قنطرة يعبر بكم من البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم ، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب.

وقيل لعلي بن الحسين عليهما‌السلام : ما الموت فقال عليه‌السلام : للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفك قيود وأغلال ثقيلة والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطى المراكب وآنس المنازل ، وللكافر كخلع ثياب فاخرة والنقل عن منازل أنيسة والاستبدال بأوسخ وأوحش المنازل وأعظم العذاب.

وقيل لمحمد بن علي الباقر عليهما‌السلام : ما الموت قال : هو النوم الذي يأتيكم كل ليلة ، إلا أنه طويل مدته لا ينتبه إلى يوم القيامة ، فمنهم من رأى ما لا يقادر قدره في نومه من أصناف الفرح ، ومنهم من رأى في نومه من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره.

وقيل للصادق عليه‌السلام : صف لنا الموت فقال : هو للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعش لطيبه ، فينقطع التعب والألم كله عنه ، وللكافر كلذع الأفاعي وكلسع العقارب وأشد.

وقال الكاظم عليه‌السلام : إن الموت هو المصفاة يصفي المؤمنين من ذنوبهم

٢٤٢

فيكون آخر ألم يصيبهم وكفارة آخر وزر عليهم ، ويصفي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم ، وهو آخر ثواب حسنة تكون لهم.

وجاء رجل إلى النبي الأكرم عليه‌السلام فقال : يا رسول الله ما لي لا احب الموت ، فقال ألك مال قال نعم قال عليه‌السلام قد قدمته قال لا قال فمن ثم لا تحب الموت.

وقيل لأبي ذر (ره) : ما لنا نكره الموت فقال : لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنتقلوا عن عمران إلى خراب. فقيل له : كيف ترى قدومنا على الله تعالى قال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه ، قيل فكيف حالنا عند الله قال اعرضوا أعمالكم على الكتاب ، إن الله عزوجل يقول : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) قال الرجل فأين رحمة الله قال (رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وروى ثقة الإسلام في الكافي عن يعقوب الأحمر في الصحيح قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام نعزيه باسماعيل فترحم عليه ثم قال إن الله عزوجل نعى إلى نبيه نفسه فقال (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وقال (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ثم أنشأ عليه‌السلام يحدث فقال : انه يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد ، ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل ، قال : فيجيء ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عزوجل فيقول له من بقي ، وهو أعلم ، فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل ، فيقال قل لجبرائيل وميكائيل فليموتا ، فيقول الملائكة عند ذلك يا رب رسوليك وأمينيك ، فيقول إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ، ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عزوجل ، فيقال له من بقي وهو أعلم ، فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش ، فيقول قل لحملة العرش فليموتوا ، قال ثم يجيء حزينا لا يرفع طرفه فيقال له من بقي فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ، ثم يأخذ الأرض بيمينه

٢٤٣

والسماوات بيساره ، ويقول : أين الذين كانوا يدعون معي شريكا؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟

القول في ملك الموت وأعوانه ، ينبغي الإقرار بملك الموت ونزعه للروح وأعوانه ، والآيات الواردة في ذلك على أقسام ، ففي بعضها نسبة قبض الروح إلى الله تعالى كما في قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) ، وقوله تعالى : (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) ، وفي بعضها نسبة ذلك إلى الملائكة ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) ، وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) ، وفي بعضها نسبة ذلك إلى ملك الموت ، كقوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) ، وقد جمع الأكثر بين هذه الآيات بأن لملك الموت أعوانا يتوفون الناس ثم يتوفاهم ملك الموت من الملائكة ، ويتوفاهم الله من ملك الموت.

والدليل عليه ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام ، وقد سئل عن الآيات المذكورة ، فقال عليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه فتتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ويتوفاه الله عزوجل من ملك الموت.

وروى الطبرسي في الاحتجاج في خبر الزنديق المدعي للتناقض في القرآن ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) وقوله (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) و (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) و (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فهو تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم بأمره يعملون فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم الله يصطفى من الملائكة رسلا

٢٤٤

ومن الناس فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة وملك الموت له أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله ، وكل ما يأتونه منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء ، وإن فعل أمنائه فعله كما قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

وفي رواية التوحيد عن الصادق عليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء ، أما ملك الموت فإن الله عزوجل يوكله بخاصته من يشاء من خلقه ، ويوكل رسله من الملائكة بخاصته من يشاء من خلقه ، أنه تعالى يدبر الامور كيف يشاء (الخبر).

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال ما من أهل بيت شعر ولا وبر إلا وملك الموت يتصفهم في كل يوم خمس مرات ، وسئل الباقر عليه‌السلام عن لحظة الموت ، فقال عليه‌السلام أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة ، فلا يتكلم أحد منهم فتلك لحظة ملك الموت ، وسئل الصادق عليه‌السلام عن ملك الموت يقال الأرض بين يديه كالقصعة يمد يده حيث يشاء منها ، قال : نعم ، وفي الفقيه عن الصادق عليه‌السلام قال : قيل لملك الموت كيف تقبض الأرواح؟ بعضها في المشرق وبعضها في المغرب في ساعة واعدة ، فقال : أدعوها فتجيبني ، قال عليه‌السلام وقال ملك الموت إن الدنيا بين يدي كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما يشاء ، والدنيا عندي كالدرهم في كف أحدكم يقلبه كيف يشاء.

وقد اختلف في أن أرواح سائر الحيوانات هل يقبضها ملك الموت أيضا أم ملك آخر ، وحيث لم يرد نص في ذلك ، فلا ينبغي الخوض فيه ، ويكفي الإقرار بأن الله هو المحيي والمميت ، وأن له ملائكته يقبضون الأرواح ، وأما نفي ملك الموت وتأويله بالقوى البدنية والنفوس الفلكية والعقل الفعال فهو كفر مخالف لكتاب الله وسنة نبيّه.

٢٤٥

القول في حضور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عند المحتضر : تفيد الروايات الكثيرة الواردة من حضور ساداتنا الميامين الأئمة عليهم‌السلام عند المحتضر سواء كان مؤمنا أو كافرا ، فمن تلك الروايات ما رواها الثقة الجليل فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره ص ٢٠٩ عن أبي القاسم العلوي عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك يستكره المؤمن على خروج نفسه ، قال : فقال عليه‌السلام : لا والله قلت : كيف ذاك؟ قال عليه‌السلام : إن المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وجميع الأئمة عليهم‌السلام ، ويحضره جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ملك الموت عليهم‌السلام ، قال : يا رسول الله إنه كان ممن يحبنا ويتولانا فأحبه قال : فيقول رسول الله : يا جبرائيل إنه كان ممن يحب عليا وذريته فأحبه ، قال : فيقول جبرائيل لميكائيل وإسرافيل مثل ذلك : قال : ثم يقول : جميعا لملك الموت أنه كان يحب محمدا وآله ويتولى عليا وذريته فأرفق به ، قال : فيقول ملك الموت : والذي اختاركم وكرمكم واصطفى محمدا بالنبوة وخصه بالرسالة لأنا أرفق به من والد رفيق وأشفق من أخ شفيق (الخبر).

وروى البرقي في المحاسن بإسناد معتبر عن عقبة والمعلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام قال : لن تموت نفس أبدا حتى ترى رسول الله وعليا ، قلت : فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا ، قال : لا بل يمض أمامه ، فقلت له : يقولان شيئا جعلت فداك ، فقال : نعم يدخلان جميعا على المؤمن ، فيجلس رسول الله عند رأسه وعلي عند رجليه ، فيكب عليه رسول الله فيقول : يا ولي الله أبشر أنا رسول الله فإني خير لك مما تترك من الدنيا ، ثم ينهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقوم علي عليه‌السلام حتى يكب عليه فيقول : يا ولي الله أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبني (الخبر).

وفي الكافي عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا حيل بينه أي بين المحتضر وبين الكلام ، أتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شاء فجلس رسول الله عن

٢٤٦

يمينه والآخر يعني عليا عن يساره ، فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك ، وأما ما كنت تخاف منه فقد أمنته ، ثم يفتح له باب الجنة فيقول : هذا منزلك في الجنة.

وروى القمي (ره) في تفسيره عن الصادق عليه‌السلام قال : ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلا ويحضره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين علي عليه‌السلام والحسن والحسين عليهم‌السلام فيرونه ويبشرونه ، وإن كان غير موال يراهم بحيث يسوء والدليل على ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لحارث الهمداني كما نظمه السيد الحميري :

قول علي لحارث عجب

كم ثم اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بعينه وألمسه ما عملا

وانك عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة عسلا

أقول للنار حين توقف للعرض

دعيه لا تقتلي الرجلا

دعيه لا تقربيه إن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

وفي كشف الغمة وأمالي الشيخ ومناقب ابن شهرآشوب عن الحسين بن عون قال : دخلت على اسماعيل الحميري المعروف بالسيد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية ، وكان السيد جميل الوجه رحب الجبهة ، فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل نقطة من المداد ، ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه بسوادها ، فاغتم لذلك من حضره من الشيعة ، وظهر من الناصبة سرور وشماتة ، فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وأقر السيد ضاحكا مستبشرا فقال شعرا :

٢٤٧

كذب الزاعمون أن عليا

لن ينجي محبه من هنات

قد وربي دخلت جنة عدن

وعفى الإله عن سيئات

فأبشروا اليوم أولياء علي

وتوالوا الوصي حتى الممات

ثم من بعده تولوا بنيه

واحدا بعد واحد بالصفات

قال العلامة المجلسي (ره) أعلم أن حضور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة مما قد وردت به الأخبار المستفيضة ، وقد اشتهر بين الشيعة غاية الاشتهار ، وأما نحو حضورهم وكيفيته فلا يلزم الفحص عنه بل يكفي فيه وفي أمثاله الايمان به مجملا على ما صدر عنهم صلوات الله عليهم أجمعين.

القول في البرزخ والقبر وعذابه ومعنى البرزخ :

البرزخ في اللغة هو الواسطة بين الشيئين والحاجز بينهما ، ومنه قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) ، وقوله عليه‌السلام : يخاف عليكم هول البرزخ ، ومنه الحديث كلكم في الجنة ، ولكن أتخوف عليكم البرزخ. قلت : وما البرزخ؟ قال عليه‌السلام : منذ موته إلى يوم القيامة ، وعن الإمام الصادق عليه‌السلام البرزخ القبر وهو الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، وذكر الفيض الكاشاني في الوافي ج ٣ / ص ٩٢ البرزخ هو الحالة التي تكون بين الموت والبعث وهي مدة مفارقة الروح لهذا البدن المحسوس إلى وقت العود إليه أعنى زمان القبر ، ويكون الروح في هذه المدة في بدنها المثالي الذي يرى الإنسان نفسه فيه في النوم ، والحديث النبوي النوم أخو الموت.

وروى الصدوق (ره) بإسناده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : يا بني عبد المطلب إن الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحق تموتن كما تنامون ولا تبعثن كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلا إلى الجنة أو النار.

وبالجملة ينبغي التصديق بعالم البرزخ والقبر وثوابه وعقابه وبقاء الروح بعد مفارقة البدن وسؤال القبر ومنكر ونكير.

٢٤٨

وقد وردت في آيات متكاثرة وروايات متواترة ، قال الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ... أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ، ولكن لا تشعرون ، وقال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ، وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

وقد تظافرت الأخبار من الخاصة والعامة أن الروح بعد مفارقتها البدن تتعلق بأجسام لطيفة في غاية اللطافة كأجسام الملائكة والجن ، مشابهة للأبدان العنصرية تتعيش بها.

وروى الشيخ المفيد (ره) بإسناده عن يونس بن ظبيان ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : ما تقول الناس في أرواح المؤمنين بعد موتهم ، قلت : يقولون في حواصل طيور خضر ، فقال : سبحان الله المؤمن أكرم على الله من ذلك إذا كان ذلك يعني الاحتضار أتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ومعهم ملائكة الله عزوجل المقربون ، فإن انطق الله لسانه بالشهادة له بالتوحيد وللنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة والولاية لأهل البيت شهد على ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين والملائكة المقربون معهم ، وإن اعتقل لسانه خصّ الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلم ما في قلبه من ذلك فشهد به وشهد على شهادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي وفاطمة والحسن والحسين ومن حضر معهم من الملائكة ، فإذا قبضه الله إليه صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصور التي كانت في الدنيا.

وقد روى في إرشاد الديلمي والبصائر وغيرهما ، أن أمير المؤمنين عليه‌السلام رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد موته ، وأن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أري بعض أصحابه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى

٢٤٩

ابراهيم وجملة من الأنبياء في المعراج ، وأن أمير المؤمنين عليه‌السلام رأى يوشع ابن نون ، وأن الصادق عليه‌السلام رأى الباقر عليه‌السلام بعد موته ، وورد رؤية جماعة من أعدائهم بعد موتهم معذبين. وفي كتاب حق اليقين ج ٢ ص ٦٦ عن الاصبغ بن نباتة ، أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خرج من الكوفة ومر حتى أتى الغريين فجازه فلحقناه وهو مستلق على الأرض بجسده ليس تحته ثوب ، فقال له : قنبر يا أمير المؤمنين ألا أبسط ثوبي تحتك ، قال : لا هل هي إلا تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه ، قال : الاصبغ تربة مؤمن قد عرفناها كانت أو تكون فما مزاحمته في مجلسه ، فقال : يا ابن نباته لو كشف لكم لرأيتم أرواح المؤمنين في هذا الظهر حلقا حلقا يتزاورون ويتحدثون إن في هذا الظهر روح كل مؤمن وبوادي برهوت نسمة كل كافر. وعن عبد الله ابن سليمان عن الباقر عليه‌السلام ، قال سألته عن زيارة القبور ، قال : إذا كان يوم الجمعة فزرهم ، فإنه من كان منهم في ضيق وسّع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يعلمون بمن أتاهم في كل يوم ، فإذا طلعت الشمس كانوا سدى أي مهملين غير معذبين ، قلت فيعلمون بمن أتاهم فيفرحون به ، قال : نعم ويستوحشون له إذا انصرف عنهم.

وروى الكليني في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره وأن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب.

قال ومنهم من يزور كل جمعة ومنهم من يزور على قدر عمله.

وعن اسحاق بن عمار عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : سألته عن الميت يزور أهله قال نعم فقلت في كم يزور قال في الجمعة وفي الشهر وفي السنة على قدر منزلته.

وعن أحمد بن عمير رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت إن أخي ببغداد

٢٥٠

وأخاف أن يموت بها قال لا تبالي حيثما أنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلا حشر الله روحه الى وادي السلام فقلت وأين وادي السلام قال ظهر الكوفة وكأني بهم خلق يتحدثون ، وخلاصة الكلام هنا أخبار كثيرة تدل على بقاء الروح بعد الموت معذبة أو منعمة.

القول في عذاب القبر :

واعلم أن عذاب القبر وهو العذاب الحاصل في البرزخ أعني ما بين الموت والقيامة مما اتفق عليه المسلمون سلفا وخلفا ، وقال الغزالي في ج ٦ ص ١٥١ من إحياء العلوم في بيان سوء الخاتمة : فاعلم أن كل من أنكر عذاب القبر فهو مبتدع محجوب عن نور الله تعالى وعن نور القرآن ونور الإيمان ، بل الصحيح عند ذوي الأبصار ما صحت به الأخبار وهو أن القبر إما حفرة من حفر النار وإما روضة من رياض الجنة وأنه قد يفتح الى القبر المعذب سبعون بابا من الجحيم كما ورد في الأخبار فلا تفارقه روحه إلا وقد نزل به البلاء.

ويدل عليه قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) وهذا العطف يقتضي أن العرض على النار غدوا وعشيا غير العذاب بعد قيام الساعة فيكون في القبر.

وذكر الصدوق (ره) في عقاب الأعمال في عقاب من صلى بغير وضوء ومر على مظلوم ضعيف ولم تنصره بإسناده عن صفوان بن مهران الجمّال عن الصادق عليه‌السلام قال : اقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له يا أبا خالد إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله فقال لا اطيقها فلم يزالوا حتى انتهوا الى جلدة واحدة فقالوا ليس منها فقال فبم تجلدوني قالوا إنك صليت يوما بغير وضوء ومررت على ضعيف فلم تنصره قال فجلدوه جلدة في عذاب الله فامتلأ وفي ج ٣ من بحار الأنوار بإضافة قوله (قبره نارا).

وقال المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية : عذاب القبر للمؤمن والفاسق

٢٥١

والكافر حق لقوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) وقوله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ولقوله عليه‌السلام : إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن الجنة وإن كان من أهل النار فمن النار فيقال هذا مقعدك حتى نبعثك يوم القيامة ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تنزّهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.

وروى الصدوق (ره) في الأماكن وغيره عن الصادق عليه‌السلام قال : من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا المعراج والمسألة في القبر والشفاعة.

وروى الكليني في الكافي وغيره بأسانيد عديدة عن الصادق عليه‌السلام : أنه لا يسأل في القبر إلا من محّض الإيمان أو محّض الكفر محضا والآخرون يلهون عنهم.

وقال الصدوق (ره) في رسالته العقائدية : اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حق لا بد منها فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره وبجنة نعيم في الآخرة ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة وسوء الخلق والاستخفاف بالبول وأشد ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجّام ويكون ذلك كفارة لما بقي عليه من الذنوب التي تكفرها الهموم والغموم والأمراض وشدة النزع عند الموت.

القول في ضغطة القبر :

واعلم أن الكلام في ضغطة القبر فهو كثوابه وعقابه اجماعي كما تقدم والذي يظهر من الأخبار المعتبرة في الباب أن ضغطة القبر تقع في البدن الأصلي وليست بعامة وإنما هي تابعة للسؤال فمن لم يسأل لم يضغط.

وفي تفسير القمي عند قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ،

٢٥٢

قال : البرزخ هو أمر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو رد من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل يوم القيامة وهو قول الصادق عليه‌السلام : والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم.

وروى الصدوق (ره) وغيره عن الصادق عليه‌السلام قال : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل له إن سعد بن معاذ قد مات فقام رسول الله وقام أصحابه معه فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما أن حنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا حذاء ولا رداء ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به الى القبر فنزل رسول الله حتى لحّده وسوّى اللبن عليه وجعل يقول ناولوني حجرا وناولوني ترابا رطبا ليسد به ما بين اللبن فلما أن فرغ وجثى التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه فلما أن سوّى التراب عليه قالت أم سعد يا سعد هنيئا لك الجنة فقال رسول الله يا أمّ سعد لا تجزين على ربك فإن سعدا قد أصابته ضمة قال فرجع رسول الله ورجع الناس فقالوا له يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على انك تبعت جنازته الى أن قال قلت ان سعدا قد أصابته ضمة قال فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعم انه كان في خلقه مع أهله سوء.

وعن بشير النبال عن الصادق عليه‌السلام قال : خاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبر سعد فمسحه بيده.

وفي الكافي عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيفلت من ضغطة القبر أحد قال فقال نعوذ بالله منها ما أقل من يفلت من ضغطة القبر.

خبر فاطمة بنت اسد :

روي عن شاذان بن جبرائيل في كتاب الفضائل وغيره لما ماتت فاطمة بنت

٢٥٣

اسد أم أمير المؤمنين أقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام باكيا فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يبكيك لا أبكى الله عينيك قال توفيت والدتي يا رسول الله قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل والدتي يا علي فقد كانت تجوّع أولادها وتشبعني وتشعث أولادها وتدهنني والله لقد كانت في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط فإذا خرج بنو عمي ناولتني ذلك ثم نهضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذ في جهازها وكفّنها بقميصه وكان في تشييع جنازتها يرفع قدما ويتأنى في رفع الاخرى وهو حافي القدم فلما صلى عليها كبّر سبعين تكبيرة ثم لحدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن قام في قبرها ولقنها الشهادة فلما اهيل عليها التراب وأراد الانصراف جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لها ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل ابنك ابنك علي بن أبي طالب قالوا يا رسول الله فعلت فعلا ما رأينا مثله قط مشيت حافي القدم وكبّرت سبعين تكبيرة ونومك في لحدها وقميصك عليها وقولك لها ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما التأني في وضع أقدامي ورفعها سبعون صفا من الملائكة فلكثرة ازدحام ، وأما تكبيري سبعين تكبيرة فإنها صلّى عليها سبعون صفا من الملائكة ، وأما نومي في لحدها فاني ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت : وا ضعفاه فنمت في لحدها لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك ، وأ ما تكفيني لها بقميصي فإني ذكرت لها في حياتها القيامة وحشر الناس عراة ، فقالت : وا سوأتاه فكفنتها لتقوم يوم القيامة مستورة ، وأما قولي لها : ابنك ابنك فانها لما نزل عليها الملكان وسألاها عن ربها ، فقالت : الله ربي ، وقالا : من نبيّك؟ قالت : محمد نبيي ، فقالا : من وليّك وإمامك فاستحيت أن تقول : ولدي ، فقلت لها : قولي ابنك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فأقر الله بذلك عينها.

ولاية آل محمد تفيد في القبر :

وروى البرقي في المحاسن عن أبي بصير في الصحيح عن أحدهما عليه‌السلام قال : إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ست صور فيهن صورة أحسنهن وجها وأبهاهن هيئة وأطيبهن ريحا وأنظفهن صورة. قال : فتقف صورة عن يمينه

٢٥٤

واخرى عن يساره واخرى بين يديه واخرى خلفه واخرى عند رجليه وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه وإن أتى عن يمينه منعته التي عن يمينه ثم كذلك إلى يؤتى من الجهات الست. قال أحسنهن صورة ومن أنتم جزاكم الله عني خيرا؟ فتقول التي عن يمين العبد أنا الصلاة وتقول التي عن يساره أنا الزكاة وتقول التي بين يديه أنا الصيام وتقول التي خلفه أنا الحج وتقول التي عند رجليه أنا بر من وصلت من إخوانك ثم من أنت أحسننا وجها؟ فتقول : أنا الولاية لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

في بيان محل الروح :

واعلم في بيان محل الروح والجسد المثالي في عالم البرزخ هو الوادى السلام قد تقدمت جملة من الروايات في ذلك ومنها رواية حبة العرين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في جملتها : ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وهي النجف الأشرف ، وأنها لبقعة من جنة عدن ، ومرفوعة احمد بن عمير عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له أن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها. قال : ما تبالي حيث ما مات انه لا يبقى مؤمن في شرق الارض وغربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام ، فقلت له واين وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة أما كأني بهم خلق قعود يتحدثون.

في فضل النجف الاشرف :

في البحار ج ٢٣ ص ٣٥٠ برواية العلل مسندا عن أبي بصير عن الصادق قال : إن النجف كان جبلا وهو الذي قال ابن نوح : «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء» ، ولم يكن على وجه الارض جبل أعظم منه ، فأوحى الله عزوجل إليه يا جبل أيعتصم بك مني؟ فتقطع قطعا قطعا إلى بلاد الشام وصار رمدا رقيقا ، وصار بعد ذلك بحرا عظيما ، وكان ذلك يسمونه نجف.

٢٥٥

وفي البحار عن كامل الزيارة في كتاب فضل الكوفة باسناده رفعه إلى عقبة بن علقمة أبي الحبوب قال : اشترى أمير المؤمنين عليه‌السلام ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة. وفي حديث ما بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة من الدهاقين بأربعين ألف درهم وأشهد على شرائه ، قال : فقيل له : يا أمير المؤمنين تشتري هذا بهذا الحال وليس فيه نبت ، فقال : سمعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : كوفان كوفان يرد أولها على آخرها يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب.

وفي الوسائل ج ٣ ص ٢٨٠ مسندا إلى صفوان عن الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الكوفة روضة من رياض الجنة فيها : قبر نوح وابراهيم وقبور ثلاثمائة نبي وسبعين نبيا وستمائة وصي وقبر سيد الأولياء أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام.

نقل الموتى الى النجف الأشرف :

روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري فبينما هو ذات يوم هناك يشرف على النجف وإذا برجل قد أقبل من البرية راكبا ناقة وقدّامه جنازة ، فحين رأى عليا قصده حتى وصل إليه وسلم عليه ، فرد عليه وقال له : من أين؟ قال : من اليمن ، قال : وما هذه الجنازة؟ قال : جنازة أبي أتيت لأدفنها في هذه الارض ، فقال له عليعليه‌السلام : لم لا دفنته في أرضكم؟ قال : أوصى أبي في ذلك وقال : أنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، فقال له علي : أتعرف ذلك الرجل؟ قال : لا ، فقال عليه‌السلام : والله ذلك الرجل أنا قم فادفن أباك ، فقام فدفن أباه ، ومن فضل ذلك الحرم الشريف أن جميع المؤمنين يحشرون فيه.

٢٥٦

عقيدة الامامية الاثنى عشرية

في الميزان

اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين في حقية الميزان ، وقد ذكرها الله في مواضع عديدة من القرآن الكريم قال الله تعالى في سورة الاعراف : (الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ). وقال تعال في الكهف : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) وفي الأنبياء : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) ، وفي المؤمنين : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) ، وفي القارعة : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ). والاخبار أيضا بهذا المضمون كثيرة ، وبالجملة فأصل الميزان مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه وإنكاره كفر.

قال الخواجة (ره) في التجريد وسائر السمعيات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب ممكنة دل السمع على ثبوتها فيجب التصديق بها. قال العلامة في شرحه أحوال القيامة من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب امور ممكنة وقد أخبر الله تعالى بوقوعها لكن اختلفوا في كيفية الميزان

٢٥٧

وقال شيوخ المعتزلة أنه يوضع ميزان حقيقي له كفتان يوزن به ما يتبين من حال المكلفين في ذلك الوقت لأهل الموقف بأن يوضع كتاب الطاعات في كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر ويجعل رجحان احدهما دليلا على إحدى الحالتين أو بنحو من ذلك لورود الميزان سمعا ، والأصل في الكلام الحقيقة مع إمكانها ، وقال عباد وجماعة من البصريين وآخرون من البغداديين المراد بالموازين العدل دون الحقيقة انتهى كلامه.

والتحقيق في المقام أن يقال أن أكثر المفسرين والمتكلمين من العامة والخاصة حملوا على ظاهرها وان الله تعالى في القيامة ينصب ميزانا له لسان وكفتان ، فتوزن به أعمال العباد الحسنات والسيئات ، ثم اختلف هؤلاء في كيفية الوزن حيث أن الأعمال اعراض لا يجوز عليها الإعادة ولا يكون لها وزن ولا تقوم بأنفسها ، فقيل توزن صحائف الأعمال. وقد روى العامة عن ابن عمر أنه سئل رسول الله عما يوزن يوم القيامة؟ فقال : الصحف ، وقيل إن الموزون في الآخرة نفس الأعمال والاعتقادات لأن الأعمال تتجسم في النشأة الاخروية ، كما ورد في أحاديث كثيرة من طرق المخالف والمؤالف ، بل قال بعض أرباب العرفان : أن الحيّات والعقارب والنيران التي تظهر في القبر والقيامة هي بعينها الأعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة ، كما أن الروح والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقة ، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن فتحلّى في كل موطن بحلية وتتزين في كل مقام بزي.

وقال الشيخ البهائي (ره) : الحق أن الموزون في الآخرة هو نفس الأعمال لا صحائفها ، وقال العلامة المجلسي (ره) : جميع الأحوال والأفعال في الدنيا تتجسم وتتمثل في النشأة الاخرى ، وذهب بعض من متكلمي الخاصة والعامة

٢٥٨

إلى أن الميزان كناية عن العدل والقضاء. لأن العدل في الأخذ والإعطاء لا يظهر إلا بالكيل والوزن في الدنيا ، فجعل الوزن كناية عن العدل. قال الشيخ المفيد (ره) : الموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ووضع كل جزء في موضعه وايصال كل ذي حق إلى حقه. ويقول ابراهيم الموسوي الزنجاني عفى عنه أنا أعتقد بما أخبر به القرآن ، وأحاديث الأئمة على ما هو عليه في الواقع من الميزان والايمان الاجمالي في المقام كاف.

٢٥٩

عقيدة الشيعة الامامية الاثنى عشرية

في الحساب والسؤال

اعلم أن الآيات والروايات كثيرة في المقام والإيمان بذلك مجملا واجب ، قال الله تعالى في مواضع كثيرة والله سريع الحساب ، وقال تعالى وهو أسرع الحاسبين ، وقال تعالى وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ، وقال تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ، وقال تعالى إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم.

روى الطبرسي في المجمع : إن الله سبحانه يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر ، وروي بقدر حلب شاة ، وروي عن أمير المؤمنين أنه تعالى يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة. وقال الصدوق (ره) في رسالة العقائد : اعتقادنا في الحساب والميزان انهما حق منه ما يتولاه الله عزوجل ومنه ما يتولاه حججه فحساب الأنبياء والائمة يتولاه الله عزوجل ويتولى كل نبي حساب أوصيائه ويتولى الأوصياء حساب الامم ، والله تبارك وتعالى هو الشهيد على الأنبياء والرسل وهم الشهداء على الأوصياء والأئمة شهداء على الناس ، وذلك قوله تعالى : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) وقوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) وقوله تعالى : (أَفَمَنْ

٢٦٠